أحدث الأخبار مع #أبوالحسنالشاذلي


الطريق
٢٧-٠٤-٢٠٢٥
- منوعات
- الطريق
برعاية المجلس الأعلى للطرق الصوفية.. البيت المحمدي للتصوف يحتفي بذكرى انتقال الإمام أبو الحسن الشاذلي بحميثرة
الأحد، 27 أبريل 2025 11:59 صـ بتوقيت القاهرة احتفل البيت المحمدي للتصوف بذكرى انتقال الإمام أبو الحسن الشاذلي بقرية حميثرة بصحراء عيذاب بمرسى علم بحضور السادة العلماء: الأستاذ الدكتور محمد مهنا رئيس مجلس أمناء مؤسسة البيت المحمدي للتصوف، والأستاذ الدكتور ابراهيم الهدهد رئيس جامعة الأزهر السابق، وعضو مجمع البحوث الإسلامية، والشيخ محمد زكي بداري أمين عام مجمع البحوث الإسلامية السابق . والأستاذ الدكتور فتحي حجازي الأستاذ بجامعة الأزهر والشيخ جابر بغدادي وكيل المشيخة العامة للطرق الصوفية ببني سويف ورئيس مجلس أمناء مؤسسة حي على الوداد تضمنت الاحتفالية جلسات علمية للتذكير بالمنهج التربوي والعلمي للشيخ الإمام أبو الحسن الشاذلي فقد كان رحمه الله يتكلم في التصوف والطريق إلى الله كما كان يشرح لتلاميذه الكتب العلمية يذكر أن الاحتفالية تأتي برعاية المجلس الأعلى للطرق الصوفية حيث أعلن أن الجمعة الأخيرة في شهر شوال هي ما تم الاتفاق عليها في انتقال الإمام أبوالحسن الشاذلي وأشار الدكتور محمد مهنا إلى أن الاحتفال بذكرى الصالحين يبين طريقهم ومنهجهم في التصوف الصحيح الخالي من البدع والمنكرات، فمن يتأمل حياة أبي الحسن يجد فيها ما يصحح الأفهام المخطؤة عن التصوف، فقد كان الشيخ يلبس أفضل شيء ولما انتقده أحد الناس فرد عليه وقال ثيابي هذه تقول أنا لا احتاج إلا إلى لله أما ثيابك انت تنادي عليك بين الناس أنك تحتاج لهم، ولم يكن رحمه الله من كبار أهل التصوف والعلم فقط ، بل كان أيضًا ممن شاركوا في الحياة العامة، بما فيها الدفاع عن الأمة الإسلامية. وفي هذا السياق، وردت بعض الإشارات إلى مشاركته في بعض المعارك، لا سيما معركة "المنصورة" ضد الحملة الصليبية السابعة بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا سنة 647 هـ (1249م)، فمما يميز المدرسة الشاذلية هو التصوف المرتبط بالعمل والحياة والمجتمع، وليس الانعزال، ولذلك كان من الطبيعي أن يشارك الشيخ الشاذلي في الأحداث الكبرى التي تمس الأمة. وعن نسب الشيخ فهو أبو الحسن سيدي عليٌّ الشاذلي الحسني بن عبد الله بن عبد الجبار بن تميم بن هرمز بن حاتم بن قصي بن يوسف بن يوشع بن ورد بن بطال بن علي بن أحمد بن محمد بن عيسى بن إدريس المُبايع له ببلاد المغرب ابن عبد الله بن الحسن المثنى ابن سيد شباب أهل الجنة وسبط خير البرية أبي محمد الحسن بن أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ومولاتنا فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عنه ابن عطاء الله السكندري: الشيخ أبا الحسن رضي الله عنه قطب الزمان، والحامل في وقته لواء أهل العيان حجة الصوفية علم المهتدين زين العارفين أستاذ الأكابر زمزم الأسرار، ومعدن الأنوار القطب الغوث الجامع أبو الحسن علي الشاذلي رضي الله عنه لم يدخل طريق القوم حتى كان يعد للمناظرة في العلوم الظاهرة، وشهد له الشيخ أبو عبد الله بن النعمان بالقطبانية، وكان الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد رضي الله عنه يقول ما رأيت أعرف بالله من الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه. وقال عنه الإمام الشعراني: كان الشيخ مكين الدين الأسمر رضي الله عنه يقول: الناس يدعون إلى باب الله تعالى وأبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه يدخلهم على الله.


اهرام مصر
١٣-٠٣-٢٠٢٥
- منوعات
- اهرام مصر
المدرسة الشاذلية .. تربيةٌ من أجل الإصلاح
المدرسة الشاذلية تربية من أجل الإصلاح بقلم : د. مجدي إبراهيم كان أبو الحسن الشاذلي طيّب الله ثراه يقول : ' لا تَرْكن إلى عِلْمِ وَلَا مَـدَدٍ وَكُنْ بالله، وَاحْذَرْ أنْ تَنْشُرَ عِلمُكَ ليُصَدِّقُكَ النَّاس، وَانْشُــر عِلمُكَ ليُصَدِّقُك اللهُ تَعَالىَ' .. رحمه الله رحمة واسعة. ' أَدْعُو إلىَ سَبِيِلِ رَبِّك بالحِكِمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ ' : قاعدة قرآنية عليا منزهة عن أغراض الداعين، فالدعوة إلى الله بالحكمة كلمة حق تخرج من لسان صدق، ولا يفترض فيها غير الحق وغير الصدق على طول الطريق، وليس يمكن أن تهدف إلى شيء بغير أن تكون هادفة إلى الإصلاح والتقويم والتهذيب في نفس صاحبها أولاً، ثم من نفسه بعد فنون الدُرْبَة على الإصلاح والتقويم والتهذيب تنعكس على المجموع إشعاعاته الروحية والدعويّة، ولها من الغايات أجَلَّها وأقصدها حين تخلص لله في سبيل الدعوة إليه، ولا تنتظر من خَلْقِه شيئاً قط قلَّ أو كثُر. وهذا هو بالضبط ما كان يفعله أبو العباس المرسي فيما يتضح من توجيهاته وتعاليمه خلال ما دَوَّنه عنه تلميذه الأقرب ابن عطاء الله السكندري : التربية من أجل الإصلاح، ولكن بالكَلِم الطيب والموعظة الحسنة. وليس هناك من عجب، فبالكلمات تحيا الأرواح، بالكلمات يَتَغَذَّىَ الروح العاقل في الإنسان، لكنها ليست كلمات كأي كلمات، ولا ككل كلمات؛ إنما هى كلمات حق تخرج من لسان صدق، ولها من الغايات أجلها وأقصدها في غير ما يحول بينها هوى مُقْلِق أو خوف مزعج. ليس غريباً عندنا ولا هو بالشيء العجيب أن يُؤسِّس الصوفي فكره على 'الإخلاص' في الدعوة إلى الله، هذا 'الإخلاص' في سبيل الله هو الذي أدىَ بهم إلى التنكيل والتعذيب كما عَرَفْنَا شيئاً منه فيما تَقَدَّمْ. والإخلاصُ طُهْر يَتَعْدَّىَ ذات الطاهر، ويتجاوز نفسه لينسحب على المجتمع، وعلى من يحيطون به من أتباع وتلاميذ أو هكذا ينبغي أن يتحقق المتصوف من دعوته فتقوم فيه ناهضة قويّة بواعث الإصلاح التي لا يُوقفها على نفسه وكفى بل يريد أن يعطيها الجماعة المحيطة به من طريق الدعوة لتتهذب كما تهذب هو، ولتستقيم كما استقام هو، ولتَعْرف الله كما عَرَفَهُ هو. إنما الصوفي في هذه الحالة يلمس قلب الأشياء ويصل إليها مباشرة من خلال اتحاده مع غَايَاته ومقاصدها، واتساقه مع نفسه وربه، وخلوصه إلى كلمة التوحيد يَتَحِد بها اتحاداً يعرف فيها من طريق المجاهدة على الحقيقة مُهِمَّة الإخلاص للحقيقة التي ينشدها. ليست الدعوة الإصلاحية هنا، ولن تكون؛ مجرد كلمات تخرج من أفواه غير قانعة بما تمضي فيه رسالةً تغييريَّةً من أجل الله وكفى، ولا هى بمقتنعة بما تؤديه، ولكنها ولكي تكون إصلاحاً حقيقياً تنطلق من تطابق الذات المُصْلِحَة مع فكرتها : تطابقها بين القول والعمل أو بين الخطاب الأيديولوجي والممارسة الفعليّة أو بين اللفظ الصادر كلمة أمينة واعية وبين الحالة الواقعية المعاشة فعلاً في الواقع العملي. الصوفي لا يجد في هذا التطابق صعوبة ولا غرابة؛ لأنه هو الذي يَخْلِقَهُ، وهو الذي يعطيه، وهو الذي يحكم دعوته الإصلاحية من البدء إلى المنتهى على أساسه؛ إنْ في الصورة وإنْ في الحقيقة، إنْ في المظهر البرَّانيِّ وإنْ في الجوهر الجوَّانيِّ. وهذا الاتساق بين الظاهر والباطن هو الذي يشكل شخصية المُحَقِّق الإصلاحية، تلك الشخصية القائمة بدءاً على طُهْر الإخلاص وعلى أمانة الصدق, فالصوفي لا يكذب عليك, ولا ينافقك, ولا يداريك, ولا يخونك, ولا يقول لك – كيفما اتفق – أي كلام في أي لحظة وفي كل لحظة؛ والسلام. الصوفي لا يفعل ذلك, ولا يخطر له ذلك على بال؛ لأنه مُتَّسقٌ مع ذاته, صَادقٌ في قوله غير مفصوم ولا منقسم, تُعَبِّر لغته عن شخصيته الإصلاحية تتشكل من معدن الإخلاص ومداد الصدق؛ إذْ يبدأ طريقه بالدخول إلى واقع مسكون بالنظافة الباطنة، مسكون باللغة الشاعرة الصادقة المتصلة بالضمير, والمنطلقة من القلب البصير، والعارفة لمعنى ما تقول، والمسئولة في نفس الوقت عَمَّا تقول. لا يتيه الصوفي في تأملاته بعيداً عن واقع يجري فيه الأحياء ممَّن يعيشون ويجرِّبون، ولكنه مسكونٌ بواقعه الذي يعيشه، مسكونٌ بحضوره دوماً في رحاب الله. فليس له من ذنب إذا عاش الأحياء من حوله واقعات أٌخَر غير ما يعيشه هو، وغير ما يستحضره هو، عاشوا واقعات مُزَيفة فرضوها على أنفسهم حتى صارت بالنسبة لهم هى الحياة الحقة ولا حياة سواها. فالواقع الأسود الذي يعيشه إنسان اليوم إنْ هو إلا نتيجة لممارسات دائمة من الزيف والكذب والاختلاق والبطلان، فصارت ممارساته مع دوام التكرار هى الحقيقة التي يتشكل منها واقع الحياة اليوم، بمقدار ما تشكل؛ وسيتشكل مستقبلاً، في كل يوم تعْوَج فيه الضمائر وتنحرف القلوب عن توجهاتها العلويّة. ومردُّ هذا إلى غياب الصدق في الأقوال، أي تردي اللغة وشيوع الكذب فيها واستخدامها الاستخدام الأعوج الكاشف عن عوج الضمائر وخراب القلوب، كما يرتد في الوقت نفسه إلى غيبة الإخلاص في الأعمال، أعني غيبة 'الوحدة القصدية' إزاء العمل، وفيما وراء العمل. وهذه النقطة وحدها كفيلةٌ ببطلان العمل من أساسه فيما لو غابت عنه تلك الوحدة القَصْدِية؛ ليجيء سقوطه بالجملة من عين الله. والصوفي رجل الله؛ ليس يرى وجهة يتَّجِه إليها سوى وجهة الله مولاه، ففيما الغرابة إذن، وفيما العجب إذا نحن وجدنا 'رجل الله'؛ يؤسس فكره على الإخلاص لوجهته التي يتجه إليها؟ فلئن كان الشيطانُ مخلصاً لعوجه وانحرافه، أفغريب على من عرف الله أن يكون مخلصاً لمعرفته، مخلصاً لدعوته، مُبَرَّزَاً فيها بفضل الله، مخلصاً في قوله وعمله من أجل الله، لا لشيء آخر سواه ..؟! مُهِمَّةُ الصوفي الحقيقية أن يكتشف ما لله في الإنسان، ثم يـَمْضي بهذا الاكتشاف إلى غاية ما يصل إليه طموحه ليُعَمِّمَهُ على أوسع نطاق ممكن من خلال إصلاحياته التأسيسية : الروحية والفكرية والخُلقية، ومتى أنصلح الإنسان الفرد أنصلح معه المجموع، واهتدى على هديه بقدر المستطاع. هذا الإنسان العظيم الذي خَلَقَه الله على صورته؛ أعظم ما فيه أنه بنيانٌ الله مخلوق على الصورة، لكن من أسف أنه يَهْدمُ نفسه بنفسه، ويقدِّم من نفسه كل يوم الدليل وراء الدليل على هَدْمِهِ :' والإنسان بُنْيَانُ الله مَلْعُونٌ مَنْ هدمه '؛ كما جاء في الخبر المشهور. هَدْمُ الإنسان نفسه بنفسه واضح في أنه يعطي الفرصة سانحة للأغيار أن تهدم فيه ما بناه الله : تهدم روحه، وتفْقر حيويته، وتصيبه بالفقر والشلل والمرض والجهالة والتخلف، رغم أنه أفضل الكائنات وأكرمها قطعاً على الله. هذا الإنسان الذي حَمَلَ السِّرَّ الإلهي فيه وأستودعه الله أمانته في حين لم ترد السموات والأرض ولا الجبال أن تحملها، وَحَمَلَهَا الإنسان لا لأنه كان ظلوماً وكان جهولاً؛ ولكن لأنه هو المنوط بحملها لا قهراً بل عن حب واختيار وتكليف، هو ظلوم وجهول بتبْعَته، بحبه، وباختياره وبتكليفه، إنما الجهالة والظلم الموصوفتان في القرآن عندما عَرَضَتْ الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبَيْنَ أن يحملنها، وأشفقن منها وحملها الإنسان، هما الخلافة في تعمير هذا الكون، وهما تحقيق الخلق في هذا الواقع العملي، إنّما الأمر تكليفُ في تكريم، وليس هذا بالجهل الذي تكون فيه الغفلة، ولا هو بالظلم الذي يرتد أسَفَاً على الإنسان. هذا الإنسان الذي حَمَل السِّرَّ الإلهي موصولاً فيه وأستودعه أمانته لهو في الحق أهلُ للتبْعَة، وأهل لحمل أمانة التكليف، ولكن بمقدار ما يعرف نفسه ويتبيَّن أغوارها الدفينة ويسوسها بسياسة الوعي الكوني الذي يرفع عنها الحُجُب والعلائق وحواجز النظر المحدود,،وبمقدار ما ينفتح باطنه؛ ليرى ببصيرته نور الله مبثوثاً في كل شيء، وبمقدار ما يتهيآ لكشف سر الحياة بداخله، ويستشرف آفاق الكون كله ظاهره وخافيه، لا بل يَتَحَقَّقها، هنالك يكون 'الإنسان الكامل' الذي عرفت به أدبيات أذواق الصوفية منسوجة في أعمق نظراتهم الوجوديّة والمعرفيّة. متى يَعْرف الإنسان نفسه؟ في الوقت الذي يَتَجَرَّد فيه عن نفسه خالصةً لله طواياه، في الحالة التي يحارب فيها الأغيار فلا يعطيها الفرصة سانحة لهَدْمِهِ في كل حين، في اللحظة التي يتغير فيها من سلب الذات إلى إيجابيتها، من الهَدْمِ إلى البناء وينفعل داخلياً بالكلمة كيما تتحول فيه إلى أفعال. ومن هنا كانت مهمة التصوف العملي، تربوياً يَتَرقَّىَ في إطار حركة روحية خَالصة انفردت بها المدرسة الشاذلية ودَعَّمَتْهَا بقوانين الشرع وأصقلتها بخبرة الوعي التَّبَصري بعد صدق الدعوة إلى الله. مُهِمَّةُ التصوف العملي في إطار المدرسة الشاذلية : إصَلاح ما أفسده الإنسان من نفسه؛ إصلاحه من طريق الدعوة, والعودة إلى أمانة التكليف التي أختارها طواعية لا عن قهر ولا عن غفلة ولا عن ظلم لنفسه بل عن حُبّ وتكريم. ولولا أن للدعوة طريقاً شاقاً وعسيراً لما أختاره الأقوياء العاملون، أولو العزم، الذين فرضوا على أنفسهم أن تكون لله، ومن أجل الله، وفي سبيل الله. وليس يعنيها النتائج تأتي من بشر مخلوقين ليس لهم إرادة على الحقيقة، وليس لهم فعل ولا تصميم. طريق الدعوة إصلاحاً هو الذي أختاره أهل 'الكلمة' مِمَّن عرفوا لها قدرة وفاعلية وحركة وحياة، لكنهم عرفوها حين عرفوها منزوعة من ضمائرهم، مُستلة من عروقهم، مخالطة للحومهم ودمائهم : فكرة مُبدعة خلاقة ذات وعى عالي يتأسس بالجملة على الإخلاص. حقاً! إنها الإخلاص حقيقةً تستقم عليه مهمة المُرَبي المُصلح الداعي إلى الله لا على غفلة وجهالة بل على بصيرة. وقد شاءت إرادة الله لشيخنا أبي العباس المرسي ومن قبله شيخه أبي الحسن الشاذلي : أن يكون طريقهما في الحياة هو الإصلاح : دعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة لا بالإرهاب والتنفير من الدين. فمن الناس من تنقلب الدعوة على لسانه إلى تكريه الناس في دين الله، وتضييق ما وسَّعه الله على عباده، وتنفيرهم من محبته ولطفه وإحسانه، ومأمُوليته، وولايته لخلقه، ورحمته لهم، تلك الرحمة التي وسعت كل شيء بغير استثناء. ولن تجد على الإطلاق لهذه الحالة، ولا لمن يتلبَّسها بين أقطاب الصوفية المُصْلِحين وجوداً، لا لشيء إلا لأنهم كانوا أخذوا نفوسهم بالشدة وقلوبهم بالرياضة وأرواحهم بالتزكية والتطهير؛ فهم بحق أهلُ إصلاح وأهل دعوة خالصة ومخلَّصة؛ لأنهم هم الذين فهموا عن الله، وأخذوا علومهم من الله، لا بالتعالي على خلقه ولا بالتجافي عن الطالبين .. من مأثورات أبي العباس المرسي التي تؤكد هذا إنه:' كان يكره للأشياخ إذا جاءهم مريد أن يقولوا له قف ساعة! ويقول : إنّ المريد يأتي إلى الشيخ بهمته المتوقدة، فإذا قيل له قِفْ ساعة طفئ ما جاء به (طبقات الشعراني: جـ2؛ ص 14)؛ وهذا أدب في التربية يعطيه ذوق الطريق .. يرأف بالمريدين؛ ويعرف كيف يلاطفهم قبل أن يقسوا عليهم . ثم أقرأ قوله تعالى:' وَمَنْ أحْسَنُ قولاً مِمَّنْ دَعَىَ إلىَ الله وَعَمَلَ صَاَلحَاً وَقَالَ إنَّني منَ المُسْلمينَ ' (سورة فصلت : آية 33)؛ ليَتبَيَّن لك أن الدعوة إلى الله والعمل الصالح، لهُمَا بالفعل من حُسْن القول الذي ليس عليه حُسْن يعلوه ولا يتجاوزه، ولكن في الوقت الذي تكون فيه الدعوة خالصة في قلب الداعية، وصادقة في التوجه إلى الله صادقة وخالصة له سبحانه في وحدة قصدية نافعة وعاملة. وممَّا لابد منه هنا بعد ذكر التمهيد الذي أطلنا فيه بعض الشيء؛ الحديث عن خُصوصية الطريق من حيث كونه قائماً في نفس صاحبه ممتزجاً بجميع أقطاره؛ لأنه يمثله كما يتمثل الطريق فيه، ونحن في نَتَعَرَّض لأهم الملامح التي تكشف عن خصوصية الطريق وإعطاء نماذج من أئمة التصوف السُّني كما اعتمدته المدرسة الشاذلية. ولا بد لنا من ذكر الأصول المرجعية، وعن نسبة أبي العباس المرسي إلى الطريقة الشاذلية من خلال شيخه الإمام أبي الحسن الشاذلي، ولكونه الخليفة من بعده. وفي سيرته الذاتية مُوجزة من خلال أقواله الدالة على توجهاته، وصحبته للإمام أبي الحسن الشاذلي. حاولنا ولو بقدر المستطاع إن نعطي عرضاً مُلَخَّصاً – من وجهة نظرنا – عن أهم ما أتى به في عباراته حين أطلقنا على على خصوصية تفكيره الملآن بالنزعات الروحية مقامات التفكير الصوفي، نقوم بتحليلها، من حيث كونها نظرية قبل أن تكون عملية، أعني تحليلها على مستوى المقولة والخطاب فضلاً عن تذوقها على صعيد التجربة والحياة الروحية؛ لتجيء صفة العارف أثراً بالغ الوضوح من آثار الوجود الروحي في الإنسان على التعميم. ومن المؤكد أن الشيخ المرسي قد تأثر بالقرآن الكريم واستطاع أن يصل بشفافية ذاته إلى ذاتية القرآن الكريم كخَاصَّة قرآنية يستبطنها الصوفية لتكون ممزوجة بأرواحهم وقلوبهم وأسرارهم وضمائرهم؛ إذْ ذَاك تتحول الذاتية صوفية في صميم الصميم . والاستنباطات التي دونها عنه تلميذه ابن عطاء الله السكندري تفيض بصحبة هذا الكتاب الكريم؛ لتجيء من قلب القرآن دالة على ذَوْقٍ رَاقِ وفكر ثاقب وَعُمْق بصير .. وفي هذا كفاية الدلالة على تأثيره بالقرآن؛ لا مُجَرَّد التأثر وكفى؛ بل إنه عايشه ومارسه وجَرَّبه وعَانَاهُ؛ إنما القرآن وسنة رسول الله صلوات الله عليه، هما حياة الشيخ المرسي بل هما حياة السادة الشاذلية لا غير، تماماً كما هما بالقطع حياة الصوفية على التعميم. قَامَتْ المدرسة الشاذلية كما قَاَمَ شيخنا بنشر الدين الإسلامي في الأماكن التي تواجد فيها، ولم يَتَوَانَ عن الدعوة في سبيل الله والجهاد بالكلمة والفكرة قيد أنملة، وراسل أصحابه ومريديه بين الإسكندرية وتونس، واعتُبر هذا هو من فضل جهاده الروحي. على أن منهجنا هو المنهج التحليلي النقدي وبخاصة فيما يتصل بالتحليل النقدي لا لأقوال الشيخ وعباراته فقط, بل أيضاً لمن يقرأها على غفلة وبغير حضور, فيتصور أنها عبارات قاصرة في ذاتها غير متصوِّرٍ أن القصور لاشك فيه, ثم التحليل النقدي لأقوال الشيوخ السابقين عليه الذين أسهموا بفقه الإشارة الباطنة كما وَرَدَتْ في كتاب 'لطائف المنن' لابن عطاء الله السكندري؛ ثم قام الشيخ المرسي نفسه بنقد وتحليل أقوالهم وإشاراتهم الغامضة ليجيء تفسيرها على يديه التفسير المناسب والصحيح. وفي نهاية هذا التمهيد, نأمَلُ أن نكونَ قد حَققنا جُزءاً ولو بسيطاً من الإسهام في التعرُّف على شخصية الشيخ أبي العباس المرسي، الداعية، والخليفة للإمام الهُمَام أبي الحسن الشاذلي، والمصلح، والصوفي الكبير، والرجل الثاني في المدرسة الشاذلية الكبرى؛ بمقدار ما نكون قد تَعَرَّفنا أيضاً على مذهبه الصوفي الذي دَانَتْ به المدرسة الشاذلية، واعتقدته قاطبة في رجالها جيلاً وراء جيل، وظلت به باقيةً حَيَّةً في قلوب الناس إلى يوم الناس هذا، وعلى أهم آرائه الصوفية في جانبها العملي التطبيقي عنده، وما ينعكس على هذا الجانب من إسهامات خُلقية وتوجهات عرفانية. واللهُ من وراء القصد، وهو وحده يَقُولُ الحق ويهدي السبيل.