logo
#

أحدث الأخبار مع #أدونيس

قاتل كخنزير بري... لافونتين وقصيدة الغرام المستحيل
قاتل كخنزير بري... لافونتين وقصيدة الغرام المستحيل

Independent عربية

time١٨-٠٥-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • Independent عربية

قاتل كخنزير بري... لافونتين وقصيدة الغرام المستحيل

هو من دون أدنى ريب واحد من أشهر شعراء التاريخ في مجال الكتابة بألسنة الحيوانات وعنها. صحيح أنه استلهم التراثين اليوناني واللاتيني في هذا المجال، وربما كذلك التراث العربي، كما يرى البعض، لكنه كان إلى ذلك النقطة الانعطافية التي راح يستلهمها من بعده معظم الذين، وفي مختلف اللغات، كتبوا الأشعار المتحدثة عن المملكة الحيوانية. كما كان الشاعر الذي خلف مئات الأمثلة الشعبية الأخلاقية المستوحاة من أشعاره أو المأخوذة منها حرفياً. وفي لغتنا العربية حسبنا أن نقارن بين عشرات القصائد التي كتبها، على سبيل المثل، أمير الشعراء أحمد شوقي متناولاً فيها حكايات الحيوانات، وأشعار لافونتين كي ندرك اتساع حضور هذا الأخير. لقد كان حضوره في مجال أشعار عالم الحيوان من الضخامة والاتساع بحيث ينسى كثر أنه كتب في مجالات أخرى، ولا سيما استلهاماً من الأساطير القديمة التي أعاد صياغتها بلغة فرنسية جميلة ومعاصرة لزمنه لتصبح بالنسبة إلى كثر، هي الأساس وحتى ما سبقها زمنياً ينهل منها! ولعل في إمكاننا هنا أن نتوقف عند واحدة من قصائد لافونتين في هذا المجال كنموذج على شعره المأخوذ من أساطير الأقدمين، ونعني بهذا قصيدته "أدونيس" التي كتبها عام 1657، ولكنها لم تنشر إلا عام 1669. قصيدة صغيرة في عمل كبير من ناحية مبدئية تعد قصيدة "أدونيس" للافونتين جزءاً مكوناً من قصيدته الطويلة "الحب وبسيكيه"، فتعرف بكونها "قصيدة صغيرة ترد ضمن عمل أطول"، بيد أن طول هذه "القصيدة الصغيرة" لا يقل عن 600 بيت من الشعر المقفى والموزون، الذي سيكون بول فاليري لاحقاً من أبرز مكتشفيه ومادحيه ودارسي دلالاته وأهميته. غير أن لافونتين حين كتب "أدونيس" إنما كتبها كتحية وهدية إلى الوزير فوكيه. ولم يكن قصده منها أول الأمر أن تنشر، بل أن تكون نصاً خاصاً موجهاً إلى رجل الدولة الذي كان معروفاً بحمايته له وتقريبه من القصر الملكي. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وفي تقديمه للقصيدة يعرفها الشاعر بقوله "إنها حكاية غراميات فينوس وأدونيس، حكاية الخاتمة التعيسة التي كانت من نصيب ذلك الصياد الوسيم، والذي شاهدنا حول قبره كل نساء الإغريق ينتحبن، بينما نشاهد أم الحب المقدسة منكبة على مقارعة ندمها طوال الزمن الوثني، هي التي لم يكن من عوائدها أن تذرف أية دمعة حزناً على فقدانها عشاقها...". إذاً، ما لدينا هنا هي حكاية أدونيس المعروفة منذ أوفيد الذي ذكرها وأسهب في وصفها في كتابه "مسخ الكائنات"، ومن ثم راح يرويها من بعده عشرات الكتاب والشعراء، ويرسمها فنانو أمم كثيرة، وبعد ذلك يموسقها مبدعو الأوبرات وغير الأوبرات. من بعد أوفيد نعرف أن حكاية أدونيس وفينوس - المسماة أحياناً عشتروت، إذ تنتقل الحكاية من الإغريقية إلى اللاتينية أو العكس بالعكس - لئن كان معظم هؤلاء المبدعين قد اشتغلوا عليها تعديلاً وتبديلاً، فإن لافونتين حين انصرف إلى كتابتها شعراً فرنسياً، آثر أن يتركها كما هي في حذافيرها الأصلية الأوفيدية، مكتفياً بنظمها بشعره الإيقاعي الموقع الجميل، فهو حين نظمها كان لا يزال في بداياته لا يجرؤ على إحداث تبديلات أساسية في عمل سابق الوجود. فاتن نساء الإغريق هكذا ظلت القصيدة تتحدث في صورة أساسية عن أدونيس متوقفة عند وسامته وحسن طلعته اللتين فتنتا كل نساء الإغريق والمناطق المجاورة التي كانت تسمع به، فتتقاطر نساؤها وأجمل فتياتها إلى حيث يمكنهن أن يرونه ويتمتعن ببهاء طلته وتحلم كل واحدة منهن بأن يكون رجلها ذات يوم. أما هو فإنه لم يكن ليعبأ بذلك كله. كان كل ما يهمه أن يمارس صيده ويلتحم بالطبيعة الغناء ناهلاً من سحرها وحالماً بأن يبقى على هذه الحال من السعادة الرعوية. لكنه ذات يوم، وإذ كان جالساً قرب مياه النهر يحلم ويتأمل المناظر الجميلة من حوله، تمر فينوس (عشتروت، أو حتى عشتار الفينيقية بالنظر إلى أن ثمة كذلك نسخة يقال لها إنها نسخة فينيقية عن الحكاية نفسها وتدور حوادثها افتراضياً في منطقة ما مما هو اليوم شمال لبنان، مجاورة للنهر المسمى اليوم نهر إبراهيم والمفترض أنه كان نهر أدونيس، لكن هذه ليست حكايتنا هنا ولا ترد على الإطلاق عند لافونتين بالطبع)، تمر فينوس بالمكان وإذ تشاهد الفتى الوسيم تنبهر به وتغرم من فورها عاملة على إغوائه. وهو يستجيب إلى ذلك الإغواء لتنشأ بينهما حكاية الحب الشهيرة. تلك الحكاية التي يتخللها حوارات بين الكائنين العاشقين وكلام عن الزمن يرد في ما تقوله فينوس لأدونيس بخاصة أن عليه أن يحذر غدر الزمن، منبهة إياه من أن هذا الأخير يمر من دون أن ننتبه إليه لنجدنا واقعين في أسره وقد ذوي شبابنا - ومن الجلي هنا بالطبع أن تلك السطور الحكيمة التي من الواضح أن لافونتين قد أقحم معظمها على نص أوفيد الأصلي إنما كانت من نوع الحكمة الشعرية الموجهة إلى الوزير الذي أهدي النص إليه، بأكثر مما كانت موجهة من الفاتنة فينوس إلى الصياد الشاب. استدعاء العاشقة ومهما يكن من أمر هنا، نعود إلى الحكاية المعروفة نفسها لنرى كيف أن العاشقين في ما كانا ينهلان من غرامهما عند ضفة النهر وسط جمال الطبيعة ووعودها، حدث أن استدعت الآلهة فينوس بوصفها الإلهة المولجة بأمور الحب لمهمة عاجلة إلى بافوس، فتستأذن أدونيس وتعانقه عناقاً أخيراً طالبة منه أن ينتبه لنفسه وينتظرها، إذ إنها ستعود فور انتهائها من مهمتها. وترحل تاركة إياه وقد جن هياماً بها. ونعرف بالطبع منذ أيام الدراسة بقية الحكاية: بعد رحيل فينوس يغوص أدونيس في دموعه باكياً لفراق حبيبته أول الأمر. لكنه بعد ذلك، إذ يهدأ بعض الشيء يقرر تزجية الوقت في اصطياد الخنزير البري. وإذ يبدأ في مطاردة أول خنزير يراه وقد تملكته شجاعة استثنائية، لا يكون من ذلك الخنزير إلا أن يرديه قتيلاً. والحقيقة أن لافونتين يصل في وصف الطراد والعراك بين أدونيس والخنزير البري إلى ذروة مدهشة لدرجة أن تلك الأشعار القوية سيجدها بول فاليري بعد قرون من الزمن جديرة بأن تشكل جزءاً من أرقى وأقوى أشعار المعارك الواصفة القتال بين الإنسان والحيوان وصفاً مدهشاً، بيد أن ما سيكون أقوى من هذا إنما هو توقف الشاعر إثر ذلك عند ما يمكن استخلاصه من ذلك القتال من هشاشة السعادة البشرية، فهذا هو الأساس بالنسبة إلى لافونتين هنا. هشاشة الحب القاتل الأساس هو الدرس المعنوي الذي يمكن استخلاصه من حكاية أرادت أن تصور قبل أي شيء آخر هشاشة الحب نفسه، إذ ها هو الشاعر يذكرنا هنا بأن أدونيس حتى ولو كان قد سقط مضرجاً بدمائه بفعل تفوق الخنزير البري عليه، فإن ما قتله قبل أي شيء آخر، كان الحب ولا سيما حبه المستحيل لفينوس التي، وهذا ما لا ينبغي أن ننساه أبداً، لم تترك في حياتها، من قبل أدونيس، سوى ضحايا لغرامها من كبار الأبطال الذين يتساقطون واحدهم بعد الآخر من دون أن ينالوا سعادتهم المطلقة معها. لكن الذنب ليس أبداً ذنبها وها هي إذ تعود إلى المكان وتكتشف جثة حبيبها المضرجة بالدماء إلى درجة اصطباغ مياه النهر بلون أحمر قان، تبكي عليه دموعاً حقيقية غزيرة وتشكو الآلهة في لغة ينقلها إلينا لافونتين بأداء رائع لن يفوت بول فاليري أن يرى فيه استباقاً لتلك اللغة الوصفية الرائعة التي تسم قصيدة "البحيرة" للامارتين بين نصوص أخرى. طبعاً، على رغم تلك المقاطع الشعرية التي تتسم بالروعة وأشرنا إليها أعلاه، لن نزعم أن قصيدة لافونتين هذه هي الأفضل بين ما كتب عن أدونيس، وحسبنا أن نقرأ مثلاً قصيدة "أدونيس" التي كتبها برسي شيلي حول موت صديقه الشاعر جون كيتس، أو قصيدة الإيطالي جان باتيستا مارينو، أو بخاصة نص شكسبير حول "فينوس وأدونيس"، للتيقن من هذا. مع ذلك فإن قصيدة "أدونيس" لجان دي لافونتين (1621 - 1695) تبقى في سياق أعماله، نصاً كبيراً، وفي سياق الأدب الفرنسي، نصاً مؤسساً لطريقة بارعة في استخدام الأساطير القديمة لكتابة أشعار - ومسرحيات - بدت حديثة، في زمنها.

الأميركي الذي حدّث القصيدة
الأميركي الذي حدّث القصيدة

الشرق الأوسط

time١٦-٠٥-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • الشرق الأوسط

الأميركي الذي حدّث القصيدة

أصعب الأشياء في الزاوية اليومية هو الحيرة. ليس في قلة المواضيع، بل في كثرتها. وليس في أذواق القراء، بل في تعددها. وكيف تستطيع أن تحصر مواضع الاهتمام، خصوصاً في جريدة هي حقاً صحيفة جميع العرب، على اختلاف منابعهم ومشاربهم. عدد من الزملاء والأصدقاء يصرّ عليّ منذ سنوات أن أكرّس حيِّزاً دائماً للكتب بسبب كثرتها في حياتي. وأن أتوقف عند تلك الأعمال الأدبية التي غيرت في حياة الإنسان والتاريخ الإنساني، كمثل الشعر الحديث، أو الرواية الروسية، أو السوريالية الفرنسية. وكيف، مثلاً، كانت حياة دوستويفسكي أكثر مأساوية وفظاعة من أي رواية كتبها، أو كان يمكن أن يكتبها. سوف أحاول، بين فترة وأخرى، القيام برحلة في أعماق الأدب الكبير. أن أعود إلى ذوي الأسماء الذين غيروا مفهوم العالم إلى الأبد، متمنياً أن تكون المحاولة على خير ما تحب النفوس، بادئاً بالرجل الذي أعطى الشعر الحديث لقبه... وحداثته. القرن الماضي كان الأكثر ازدهاراً سواء بما ظهر من بدايات الشعر الحديث، أو أواخر جماليات الشعر التقليدي. والحداثة لم تكن فقط في الصياغة والشكل وإغفال الأوزان والقوافي، بل في حركة حداثية عامة متعددة التيارات والأساليب. ومع الحداثة في الأدب، نشأت تيارات سياسية كثيرة، كان أبرزها الاشتراكية، التي أهلكها الجمود أو الجلمود الشيوعي. إذ كيف يمكن أن تكون حداثة من دون حرية؟ شهدت حركة الحداثة في العالم العربي بعد الخمسينات حيوية طفولية، لكنها جمالية أيضاً. وبسبب رعاتها الأوائل: أدونيس، ويوسف الخال، ومحمد الماغوط، وأنسي الحاج، وشوقي أبي شقرا، وخليل حاوي، وتوفيق صايغ، اندفع كتّاب تلك المرحلة في بناء مدرسة صغيرة ومتواضعة. ومنهم تعرفنا إلى أركان المدرسة الشعرية المؤسسة مثل عزرا باوند، وتي إس إليوت، الذي أهدى إلى باوند «الأرض اليباب» أجمل قصائد القرن الماضي. كانت «شعر» تختار لنا شعراء نقرأهم ونحبهم. ولا أدري لماذا أهملت عزرا باوند ومرتبته. لكن كل ما قرأت عند النقاد والأدباء، فيما بعد، يعلي شِعره إلى حد بعيد. وكم هو مغرٍ أن تقرأ قصة الشعر الحديث بدءاً منه، وبالتحديد، من منزله الذي تحول إلى متحف في إيطاليا. إلى اللقاء...

وداعاً يوسف عبدالصمد
وداعاً يوسف عبدالصمد

الرياض

time١٤-٠٥-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • الرياض

وداعاً يوسف عبدالصمد

يرحل جسد الشاعر، لكنّ روحه تبقى زاخرة بالضوء، ويظل صوته فيّاضاً يتلو الأناشيد، ويعزف على لحن الخلود. هكذا يتراءى لي الشاعر الكبير يوسف عبدالصمد وهو يودع الدنيا ميمماً نحو عالم البقاء والأبدية. أما عطاءات الشاعر وإبداعاته وحراكه، فتظل تتحدث عنه، بصفته أحد أعلام الأدب العربي في المهجر، وأحد السُبّاك المَهرَة للقصيدة بأشكالها المتعددة. رحل يوسف عبدالصمد أواخر أبريل الماضي، في مدينة نيويورك، بالولايات المتحدة، ففقدت العربية شاعراً، وقيمة فكرية كبيرة. تلقيت نبأ رحيله المؤلم بحزن شديد، ما أحالني إلى تلك الأيام الخوالي التي كانت لنا مع روحه المرحة أطيب اللحظات التي لا تمحى، فكان يؤانسنا بقصائده، بخاصة تلك التي يهجو بها مجلس الأمن الدولي. كما ظل يتحفنا بمعارضاته الشعرية ومناكفاته الأدبية التي يعبق منها العطر والمسرّة. مسيرة الشاعر يوسف عبدالصمد ذات بصمات إبداعية مضمّخة بشجن إنساني، حيث يستوقفك في هذه الرحلة مدى تعلقه بضيعته اللبنانية "راس المتن" في قضاء بعبدا بمحافظة جبل لبنان. كان ضيعة تتعلق بأهداب القمر، وكانت زوجته "نورة" صاحبةُ الاخلاق الرفيعة الشعلة المتوهجة في مجمل قصائده، باعتبارها الملهمة الدائمة. امتلك الشاعر الراحل موهبة فريدة سواء في القصيدة الفصحى، أو في العامية اللبنانية (الزجل) فتجلت في كليهما بصمة واضحة في اللفظة الإبداعية والصورة الجمالية والمِسحة الإنسانية. لم يكن الشاعر يوسف عبدالصمد إلا واحداً من أولئك الشعراء الذين صقلت موهبتهم الثقافة اللبنانية في حقبة السبعينات؛ تلك المتدفقة بالعطاء الأدبي، ولا سيما الشعر، وشكلت منارة لكل العرب. وكان للراحل صداقات واسعة مع الكثير من شعراء لبنان ذلك الحين، كسعيد عقل، ونزار قباني، وأدونيس وطارق آل نصر الدين، وياسر بدر الدين، وجورج شكور، وغيرهم من القامات الأدبية التي تزخر بها الساحة اللبنانية. اشتملت روح الشاعر يوسف عبدالصمد على الكثير من المزايا والمقومات؛ فظل شاعراً تنصاع له القوافي فيُنزِلُها منازلَها، وصاحب مشاريع خلاقة يتدفق منها العطاء، فضلاً عمق الشخصية وتطلعها إلى الإنجاز والترقي. وظلت مشاريعه الثقافية تتحدث عنه؛ إذ كان له حضور لافت في إيجاد مؤسسة تعنى بالثقافة؛ حيث كان المشهد الثقافي العربي في مدينة نيويورك يفتقر لأية مؤسسة ثقافية أو اجتماعية، وكان الحضور العربي ضحلاً، وهو ما لم يقبله، فعقد العزم على تغييره، فأنشأ مؤسسة "أقلام مهاجرة" للثقافة، إلا أنّ هذه الفكرة لم تخرج إلى حيز الوجود، بيْد أنّ هذا لم يفتّ في عضده، فاغتنم لقاء بعض الأدباء والشعراء في مناسبة عشاء في منزلي، على شرف السفير فؤاد الترك، حيث تم التطرق لاهتمامات الشاعر يوسف عبدالصمد الثقافية، ورغبته في تبادل الأفكار حول أهمية تفعيل الجهود والحركة الثقافية في نيويورك. وفي ذلك اللقاء ولدت فكرة الرابطة القلمية الجديدة، بناءً على اقتراح من السفير فؤاد الترك، تأسيّاً بالرابطة الجُبرانية التي أنشئت في الفترة بين 1920- 1931 من القرن المنصرم. وقد اتفق أن يكون يوسف عبدالصمد عميداً لها، والدكتور جورج يونان نائباً للعميد. الفضل الأول في قيام الرابطة وحيويتها يعود للجهود التي لا تفتر للشاعر يوسف عبدالصمد، إذ أصبحت الرابطة الجديدة، بفضل هذه الجهود، أحد المشاعل المضيئة لتعزيز الثقافة العربية في نيويورك، فقد كرس لراحل جل وقته، وعمل من دون كلل أو ملل، لإبراز أنشطة الرابطة الفتية، مما أهّلها للمضي والاستمرار، كما أصدر مجلة إلكترونية باسم "أقلام مهاجرة"، لكي تكون صوتاً للرابطة وأنشطتها، وكان له دور كبير في استنهاض الهمم للمشاركة في فعاليات الرابطة. وللحق، كان اهتمامه بالرابطة جدياً حد الاشتعال. لروح عبدالصمد الرحمة، ولأسرته أعظم العزاء، لكنّ ما يواسي النفس في هذا الحدث الجلل أنّ الشاعر ترك إرثاً من الإبداع والإنجاز والذكريات تؤهله أن يظل باقياً مشعاً في القلوب والأذهان، كيف لا وقد حباه الله بقدرة فائقة على سبك المعاني، واستظهار أجمل الصور وأعذب القوافي. لا يرحل مَن كان صاحب شعر صافٍ، وقدرة خلاقة على التصرف بعناصر الجمال ومفردات الوجود، لترقد روحك بسلام، أيها الصديق الشاعر. *كاتب وسفير سعودي سابق

المثقف العربي إلى أين؟!
المثقف العربي إلى أين؟!

بوابة الأهرام

time١٣-٠٥-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • بوابة الأهرام

المثقف العربي إلى أين؟!

موضوعات مقترحة محمد مصطفى الخياط [email protected] أعادتني رؤية الشاعر السوري أدونيس للثقافة العربية، كما عرضها في أحد أحاديثه، إلى كتاب "عربي بين ثقافتين" للدكتور زكي نجيب محمود، الصادر عام 1989. يعرف أدونيس الثقافة على أنها "تجاربُ ومختبراتٌ وآفاقٌ لصناعة التقَدُّم". المزج والتفاعل مع ما يحيط بنا أمر إيجابي، شريطة ألا يتوقف العقل العربي عند استخدام نتائج فكر الآخرين من منتجات، بأن ينتج أفكارًا تعبر عنه. منبهًا إلى أهمية دراسة آراء المخالفين بنفس مستوى المتفقين، ليس على المستوي الثقافي وحسب، بل وفي المجالات الأخرى، مؤكدًا أن "الثّقافة لا تحيا ولا تتجدَّد إلاّ في مجتمَعٍ مدَني ينهض على الحرّيّات والحقوق". وينبه أدونيس إلى ما يسود العالم العربي من أدوات تصنيف ديني وسياسي، وما نتج عنها من تأويلات مغلقة انتهت إلى أحكام لا تقبل النقض أو المناقشة، فصار رد الفعل أحد خيارين؛ السيف أو النبذ. من جانب آخر، كان الدكتور زكي نجيب محمود قد عرض رؤيته للثقافة العربية ضمن رؤيته الإبداعية العميقة والشاملة في العديد من الكتب والمقالات، داعيًا إنسان العصر العربي ألا يتناول انتاج أسلافه بشيء من خضوع فيصغر أمامهم، بل "بالحب والنقد معًا، لينشأ في نفسه ما يشبه حوارًا حيًا تنقدح له شرارة الإيحاء الذي يتلوه إبداع". في هذا السياق، راجع الدكتور أسس الثقافة العربية التي تكونت عبر القرون الماضية بداية من القرن الأول الهجري وما بثه من حياة مكنت لمرحلة تالية تتسع لصياغة المبادئ والقوانين والقواعد اعتمادًا على علوم اللغة، مما مكن العربي القديم في القرن الثالث الهجري من الانفتاح على الثقافة اليونانية بما فيها من فلسفة وعلوم، وفارس والهند ومصر وما انتجوه من علوم إنسانية، فلا يدخل القرن الرابع إلا وقد انصهر كل ذلك في بوتقة واحدة نضجت بها سبيكة الثقافة العربية فظهر الفارابي وابن سينا والمتنبي وأبو العلاء وإخوان الصفا، حتى إذا ما هل القرن الخامس ظهر تيار معاكس يخشي انفلات الثقافة العربية كان فارسه الإمام أبو حامد الغزالي، ولأن لكل فعل رد فعل، لم يكد القرن ينقضي حتى ظهر ابن رشد. وفي نظرة ذكية، يلفت الدكتور زكي انتباهنا لذلك الحوار الفريد المتفاعل بين أطراف الأمة العربية على مدار عشرة قرون ومثاله رد ابن رشد الأندلسي على الغزالي المقيم بالشام، مؤكدًا تدفق ماء نهر الثقافة العربية قويًا في أوصال الأمة. وبدلاً من استكمال النهر تدفقه، استنفد العربي جهده ووقته وفكره في إعادة اختراع العجلة خلال الثلاثة قرون الهجرية الحادي، والثاني، والثالث عشر (المقابلة لأوائل السادس عشر حتى أوائل التاسع عشر الميلادي)، فعاد إلى حياة كهوف العقول، بينما نظيره الغربي يقتحم القرن التاسع عشر الميلادي بفتوحاته في العلوم الطبيعية. ولأن الجذوة لم تكن قد خمدت، فقد عادت الشرارة تتقد من جديد في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، حين مزج العربي ثقافتيه الموروثة والمنقولة وانقدحت شرارة الإبداع في الفنون والآداب، فظهرت الرواية، والمسرحيات الشعرية والنثرية، والفنون التشكيلية، يقابلها في الجانب الآخر، ثقافة ترفض الغرب بلغ من تأثيرها أن مالت كفة الميزان لصالحها، مما أوجد حالة من عدم التوازن ساد فيها منطق التشدد بدلاً من اختيار مسار يوفق بين الأصالة والمعاصرة كما في تجارب اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا والهند. ويقول أدونيس "حين يُحظر السّؤال، يُحظَرُ الفكر، وحين يُحظَر الفكر، يُحظَر الإنسانُ نفسُه. وما تكون جَدوى الإنسان إذا عاش مَرْبوطاً بحبْلٍ (فقد حريته) ولو كان من ذهب؟". وهكذا نجد أنفسنا ـ ليس في الثقافة وحسب- بين خيارين؛ إما الخوف من الآخر فنموت في كهوفنا، أو مواجهة شمس النهار، فأيهما نختار؟

القصيمي وجرأة التنوير.. فروسية فكر بلا سرج ولا لجام
القصيمي وجرأة التنوير.. فروسية فكر بلا سرج ولا لجام

الوطن

time١٠-٠٥-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • الوطن

القصيمي وجرأة التنوير.. فروسية فكر بلا سرج ولا لجام

تنتهي من قراءة إيمانويل كانط في إجابته على سؤال: «ما التنوير-ما هي الأنوار؟»، إلى أنه «خروج الإنسان من حالة القصور التي فرضها على نفسه بسبب نقص في التصميم والحزم والشجاعة على استعمال عقله دون الرجوع إلى الغير.. تجرأ على استعمال عقلك أنت»، لكن لولا قراءتي لعبدالله القصيمي لما أدركت عمق ما قصده كانط، إذ كان القصيمي الوحيد الذي ركب حصان الفكر بلا سرج ولا لجام، وانطلق فارسًا مغوارًا لا يلوي على شيء سوى تحطيم «أوهام دونكيشوت العربي» بمطرقة القلم، لعل «دونكيشوت العربي» يتجرأ على استخدام عقله، ويفيق من معارك «طواحين الهواء». القصيمي بتجرده الفكري، تجاوز كانط في الإجابة على سؤال التنوير بكل شجاعة، ففي مقاله بمجلة الآداب عام 1955م، العدد 7 بعنوان: «اقتباسات من انجيلٍ لم تعرفه المجامع»، يقول: «الشعوب أربعة: شعب يبتكر الحضارة، وشعب يقلدها، وشعب ينفعل بها، وشعب لا يبتكرها ولا يقلدها ولا ينفعل بها.. فمن أي الأربعة نحن؟». بقدر جرئتنا على استعادة القصيمي بقدر تصميمنا وشجاعتنا على «التفكير الحر»، إننا نتمرن على فروسية الفكر بقدر ما نقرأ عبدالله القصيمي، إن كتبه ليست طريقًا إلى خلاص معين، بل هي كشف وتعرية وتحطيم لأوهام «دون كيشوت العربي»، وبعد نصف قرن لا تزال كتاباته تمنح قارئها الجرأة لفهم رسالة كانط كما ينبغي. عبدالله القصيمي عندما يكتب يضيق بقرائته كل أجيال «ثقافة الإجابة» بلا استثناء، لكن أبناء «ثقافة السؤال» القادمين من المستقبل في القرون القادمة، سيرون فيه رائدًا من رواد التنوير العربي، حتى عندما قال عنه أدونيس: إن القصيمي يقول كل شيء ولا يقول شيء، ربما كان يستكثر على من يركب حصان الفكر بلا سرج ولا لجام، أن يمارس قفز الحواجز هازئًا وساخرًا، مثله مثل رموز التنوير الأوروبي.. فهل كان فولتير سوى هذا، هل لو كتب القصيمي بلغة يظهر عليها السرج الأكاديمي واللجام المدرسي، مثل «الثابت والمتحول» سيصادره أدونيس إلى هذه الدرجة، ويصفه بأنه «لا يقول شيء»؟!. إني أستمع لأدونيس الآن، وقد تجاوز التسعين، فلا أراه سوى صدى ضعيف متهالك لما كان قبل ستين عامًا يقوله القصيمي صراخًا وعويلاً وهتافًا ونداءً وزجرًا وضجيجًا في سبيل «الجراءة على استخدام العقل» فما قاله كانط في رسالته بأدب التلميذ لأساتذته، فعله القصيمي ثورةً وانقلابًا على المدرسة والمناهج، إنه مزيج من سخرية فولتير ومطرقة نيتشة. سأترك مهمة الدفاع عن القصيمي للقصيمي نفسه وأقتبس من مقاله الطويل الذي أهداه إلى أصدقائه الثائرين عليه بعنوان «دفاعًا عن العرب والإسلام» بمجلة الآداب 1955، العدد 10 إذ يقول: «... لو وجدنا من يتهم -العرب والدين- بمقاومة المفكرين والأحرار في أي عهد من العهود لحسبناه عدوًا للعروبة وللدين، يريد أن ينال منهما بهذه التهمة الكاذبة الفظيعة، ونحن دائمًا كلما أردنا أن نعدد محاسن الإسلام والعرب نذكر في أول ما نذكر صداقتهما للحريات والأفكار والترحيب بهما، مهما كانت جنسياتهما وأوطانهما.. وهذا لأن الناس جميعًا مقتنعون بأن الحرية والتفكير زادان إنسانيان لا يمكن الاستغناء عنهما لأنهما هما المادة الأولى التي صنعت منها جميع حضارات الإنسان، ولكننا بعد هذا نرجع ونتهم الطبيعة العربية والدين بما نحاول تبرئتهما منه.. إذا كتب كاتب مبديًا آراءً في الدين أو في الثقافة العربية، وكانت هذه الآراء تخالف ما أطعمناه في الصغر، نهب غاضبين ونصر على اتهام ذلك الكاتب بالكفر وبالتآمر، ثم نمضي في حملتنا الصاخبة العنيدة حتى نخمد ذلك الصوت الغريب أو نجهز على صاحبه بعد أن نغمس أشلاءه في دماء الجريمة، ونلوث ثيابه بالأوحال، ونكتب على قبره وثيقة الاتهام». نحن العرب والمسلمين لسنا محتاجين إلى مزيد من الرضا عن النفس والإعجاب بالتاريخ والآباء، إذ نحن -والحمد لله- متفوقون في هذا تفوقًا حاسمًا، ولكننا محتاجون إلى أن نحول بعض هذا الغرور وهذا الرضا إلى عمليات صعبة، إلى حوافز تجعل منا فاعلين لا متحدثين فقط عن مجد التاريخ ومجد الأسلاف، فأسلافنا يرضيهم أن نتفوق عليهم أكثر مما يرضيهم أن نفاخر بهم.. إن أفضل دفاع عن العرب والإسلام هو أن نكون أحرارًا وشجعانًا وفضلاء ونافعين للحياة.. وليس من الدفاع ولا من الصلاح أن نخشى الحرية، وأن نلعن الأحرار ونتشدد في قبض أيدينا على رياح الماضي أو ترابه!! وأن إضافة أي جديد إلى حياة العرب والإسلام، من القوة أو العلم، لأفضل وأقوى في الانتصار لهما والدفاع عنهما من جميع الدموع واللعنات التي نفرزها سخطًا على المخالفين أو بكاء على الدين!. أخيرًا.. يحكي هاشم السبتي في مجلة البيان الكويتية العدد 307: أن الراحل جمال عبدالناصر نقلاً عن وزير داخليته شعراوي جمعة قال للقصيمي: «إن ما تكتبه لا يصلح للعالم العربي الآن، بل بعد خمسين عامًا»، وأقول: حتى في نبوءة الفكر والثقافة خسرت يا عبدالناصر ولم تحزر.. ولا بعد قرن يا جَمَال.. ولا بعد قرن.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store