أحدث الأخبار مع #أرسطو


الجزيرة
منذ 3 أيام
- ترفيه
- الجزيرة
العدل الذي يتسع لكل إنسان
حدثتني صديقتي اليونانية كثيرًا عن رُوح اليونان حتى وجدتُ ملامح الفلسفة في أكاديمية أفلاطون؛ حيث يرى سقراط أن الظلم يولّد الفوضى، والعدل يولّد الانسجام. من "الجمهورية" لأفلاطون، التي تخيل فيها مدينة مثالية يحكمها الفلاسفة، إلى "الأخلاق النيقوماخية" لأرسطو، التي حللت معنى الفضيلة والعدالة، رُبما كان اليونانيون أول من سأل: ما هو العدل؟ الماضي ليس مضرًا بحد ذاته، ولا عائقًا أمام التطور.. المسألة ترتبط بك أنت! كيف تبني على الماضي، وتأخذ منه الجيد، وتتعلم من السيئ، وتكون أنت؟ عندما سافرت إلى تيرامو مرورًا بروما، عادت بي الذاكرة إلى لوحات ليوناردو دافنشي، وتذكرت اقتباسًا له.. "البساطة هي أقصى درجات الرقي". وعلى صدى أوبرا فيردي في أوبراه الشهيرة "نابوكو"، التي تحولت إلى نشيد للحرية ضد الظلم، سمعت كلماته: "البساطة أقصى درجات الرُقي!" تقاطعت كل تلك الصور مع مقطوعات باخ الألماني، حيث تتشابك الألحان بنظام رياضي دقيق في "فاوست" لـ"غوته"، حيث يبيع البطل روحه بحثًا عن المعرفة المطلقة، وهو صراع أبدي بين المعرفة والجهل، أكده شيلر: "أقسى سجون العالم هي تلك التي نبنيها لأنفسنا". تُفزعني هذه الجملة.. كيف نبني نحن سجوننا؟ ربما عندما نرفض سماع إنسانيتنا مثلًا؟ ورغم أن اليابان تبدو غير مألوفة بالنسبة لي، تلفتني مراسم الشاي اليابانية، حيث تعكس كل حركة تقديرًا للجمال والصبر، في أدب هاروكي موراكامي، في كتابه: "كافكا على الشاطئ" قرأت له: عندما تخرج من العاصفة، لن تكون الشخص نفسه الذي دخلها.. فكيف لو خرج مجتمع كامل من كوارث؟! تتحول الشوارع إلى لوحة من الألوان والرقص في البرازيل تعبيرًا عن الحرية في وجه الظلم؛ يؤكدها الكاتب البرازيلي باولو كويلو في "الخيميائي".. عندما ترغب في شيء بشدة، فإن العالم كله يتآمر لمساعدتك على تحقيقه!. ورُبما يحدث العكس أو كلاهما أو ما بينهما.. لماذا نعود دائمًا للأبيض والأسود، ونتجاهل كل الألوان؟ وكيف تندمج التقاليد مع الحداثة، كما يظهر في آيا صوفيا؟ هناك حيثُ ينتفض الحنين من غسق ليله، هناك تتعلم كيف أن الماضي ليس مضرًا بحد ذاته، ولا عائقًا أمام التطور.. المسألة ترتبط بك أنت! كيف تبني على الماضي؟ كيف تأخذ منه الجيد، وتتعلم من السيئ، وتكون أنت؟ الإصرار على العدل يتجلى في عادات وثقافات مختلفة، كلها تطرح نفس السؤال: العدل الذي يتسع لكل إنسان، لماذا يتم تطبيقه بشكل ضيق بقالب واحد؟ "حتى أحلك الليالي ستنتهي بطلوع الفجر".. يقول فيكتور هوغو في "البؤساء"!. وهو تجسيد للصراع الأبدي بين العدل والظلم، كما هو في "العقد الاجتماعي" لروسو، الذي طرح فكرة أن العدالة تتحقق حين يحكم الشعب نفسه بنفسه! هل سنحكمها كما يحكم البريطانيون نقاشاتهم بحنكة سياسية بليغة؟. شكسبير في "هاملت" يرى أن "الشيء ذاته ليس خيرًا أو شرًا، لكن تفكيرنا هو الذي يجعله كذلك"!. ما أعمقها من فلسفة! وما أبسطه من أسلوب حياة! وما أرقاها من فكرة! تتشابك حروفها مع كلمات في رواية "أن تقتل عصفورًا بريئًا" لهاربر، التي صورت الظلم العرقي في أميركا، وفي كلمات مالكوم إكس: "لا يمكنك فصل السلام عن الحرية، لأنه لا يمكن لأحد أن يكون مسالمًا ما لم يكن حرًا". حقيقة، لا أفهم الكثير تحت كلمة "حرية".. أوْمن بالعدل، بالحقوق والواجبات، ذاك أن الحرية كلمة هوائية جدًا بالنسبة لي، تشبه جنون الجوزاء، ولكنها تُشبع حاسة السَمع.. حرية! ولكن الحرية لها شريك.. المسؤولية! حتى في أدب دوستويفسكي في "الجريمة والعقاب": "إن أسوأ ما في السجن أنه يجعل الإنسان يفكر"، وهو تأمل في الصراع النفسي والعدل والظلم والمسؤولية، لأن المعرفة مسؤولية أيضًا.. في "أنا كارنينا" لتولستوي، حيث تتحطم بطلة الرواية بسبب قوانين المجتمع الظالمة، تُدرك أن الظلم ليس بيد السلطة فقط! إعلان مثلًا، الحكم على الآخر واتهامه وتخوينه وتكفيره -بحسب مزاج الجوزاء- عدل؟ لماذا لا نؤمن بأن العدل حتى بالكلمة بين صديقين لا يقلّ أهميةً عن العدل بين المواطن والسلطة؟ حين تنظر إلى العالم بعيونهم، لن ترى طوائف ولا انقسامات، بل سترى الإصرار على العدل يتجلى في عادات وثقافات مختلفة، كلها تطرح نفس السؤال: العدل الذي يتسع لكل إنسان، لماذا يتم تطبيقه بشكل ضيق بقالب واحد؟


اليوم السابع
منذ 4 أيام
- علوم
- اليوم السابع
أفلاطون.. أين دفن الفيلسوف اليونانى؟
تمر فى تلك الأيام ذكرى ميلاد الفيلسوف اليونانى أفلاطون ، إذ ولد فى 21 مايو عام 427 ق.م، ورغم أن ولادته كانت عادية إلا أن وفاته ارتبطت بعدد من الأساطير والمعتقدات الإغريقية، وكان الجميع يعتقد أنه دُفن داخل الأكاديمية التى أسسها خارج مدينة أثينا إلا أنه تم الكشف مؤخرًا عن مكان دفنه حسب ما ذكره علماء الآثار. فى عام 2024 استطاع باحثون إيطاليون أن يحددوا الموقع الدقيق للمكان الذى دفن فيه الفيلسوف اليونانى أفلاطون، وذلك من خلال معلومات جديدة حصلوا عليها من خلال برديات هيركولانيوم. كان من المعروف أن أفلاطون دفن داخل الأكاديمية التى أسسها خارج أسوار مدينة أثينا منذ نحو 387 قبل الميلاد، والآن اكتشف الأكاديميون أنه لم يتم دفنه فى مقبرة بل فى حديقة، بالقرب من Mouseion، بأثينا وهو مكان للعبادة مقدس. ويعتمد هذا الاكتشاف على الأبحاث التى أُجريت فى عام 2019 عندما تم تحليل التمرير لأول مرة باستخدام التصوير فوق الطيفى للأشعة تحت الحمراء على الموجات القصيرة. وتمثل برديات هيروكولانيوم جزءا صغيرا من المكتبة الشاملة الموجودة فى هركولانيوم، فيما يسمى بفيلا البرديات، وبعد ثوران بركان جبل فيزوف عام 79 م، تم تدمير الفيلا ومحتوياتها، ومع ذلك، فقد تم تفحيم أوراق البردي وظلت مجموعة محيرة يبحث عنها العلماء ويقدمون دراسات عديدة عنها حتى وقتنا هذا. أفلاطون هو ارستوكليس بن ارستون، فيلسوف يوناني كلاسيكي، كاتب لعدد من الحوارات الفلسفية، ويعتبر مؤسس لأكاديمية أثينا التي هي أول معهد للتعليم العالي في العالم الغربي، معلمه سقراط وتلميذه أرسطو، وضع أفلاطون الأسس الأولى للفلسفة الغربية والعلوم، تأثر بأفكار أرسطو كما تأثر بإعدامه الظالم. الفيلسوف القديم أفلاطون كان أبرز العقول فى عصور ما قبل الميلاد، ومن أشهر كتبه هو كتاب "الجمهورية" وأحلامه بإنشاء المدينة الفاضلة. لكن وفاة الفيلسوف الشهير، مرتبطة بعدد من الأساطير والمعتقدات الإغريقية، حيث تذكر الأساطير اليونانية القديمة أن أفلاطون مات ميتةً هادئةً عام 347 ق.م فى نفس يوم ميلاده - في نفس اليوم الذي ظهر فيه أبولو في الأرض (بحسب معتقدات الإغريق) وهكذا ربط الأسطوريون بين أفلاطون ومعبود الشمس، وسادت أفكار بأنه ابن أبولو، وقد أقيم له ضريح بعد موته، وأصبح تلاميذه يحتفلون سنوياً بعيد ميلاده ووفاته، حيث كانوا يعتبرون ذلك اليوم مقدساً، بحسب رأيهم.


سائح
منذ 5 أيام
- منوعات
- سائح
رحلة عبر التاريخ في أثينا القديمة
زيارة أثينا ليست مجرد جولة سياحية، بل هي عبورٌ زمني يأخذ الزائر إلى عصورٍ صنعت الحضارة الغربية كما نعرفها اليوم. المدينة التي كانت يومًا مهد الديمقراطية ومنارة الفلسفة ما تزال تحتفظ بروحها القديمة في شوارعها، ومعابدها، وتلالها التي تتناثر عليها آثار لا تُقدّر بثمن. أثينا القديمة ليست حكاية ماضية تُروى، بل تجربة حية تتجسد في كل ركن من أركانها، لتمنح الزائر شعورًا بأنه يشارك فلاسفة الماضي تأملاتهم، ويسير على خطى مواكب الملوك والجنود والإلهة. إنها مدينة تنبض بالتاريخ وتروي قصة الإنسان منذ فجر التفكير العقلاني حتى بداية المدنية المعمارية. لا يمكن الحديث عن أثينا القديمة دون أن نبدأ بالأكروبوليس، الهضبة المقدسة التي تعلو المدينة وتحمل على ظهرها كنوزًا أثرية فريدة، أبرزها معبد البارثينون الذي يُعد رمزًا خالدًا للجمال والتناسق المعماري. شُيّد هذا المعبد تكريمًا للإلهة أثينا، ويجسد القيم التي أسّست المدينة: الحكمة، القوة، والجمال. وبين أعمدة الرخام التي لا تزال تقاوم الزمن، يشعر الزائر بخشوعٍ ثقافي، وكأن الحجر ما زال يحتفظ بأصوات النقاشات الفلسفية وصلوات العصور القديمة. الأكروبوليس لا يُعاش فقط، بل يُدرس ويُتأمل، فهو متحف مفتوح في الهواء الطلق يروي فصولًا من تاريخ الفكر والسياسة والفن. أغورا أثينا القديمة: ملتقى الفلاسفة ومهد الديمقراطية أسفل الأكروبوليس، تقع أغورا أثينا القديمة، وهي ساحة السوق والمنتدى السياسي الذي كان بمثابة القلب الاجتماعي والثقافي للمدينة. هنا كان سقراط يعلّم، وأفلاطون يناقش، وأرسطو يؤسس لنظرياته. بين الأعمدة والبوابات المنهارة، يمكن للزائر أن يتخيل التجمعات الشعبية، ومجالس النقاش، وتلك اللحظات التي تشكلت فيها مفاهيم مثل الحرية والعدالة والمواطنة. واليوم، حين يتجول الزائر في هذا الموقع، لا يرى فقط آثارًا حجرية، بل يلمس روح التمدن الأولى التي ظهرت من قلب النقاش الحر والفضول الإنساني. متحف الأكروبوليس: جسر بين الماضي والحاضر رغم أن أثينا تحتفظ بالكثير من معالمها الأصلية في مواقعها التاريخية، فإن متحف الأكروبوليس الحديث يشكّل امتدادًا بصريًا وثقافيًا لتلك الرحلة. شُيّد هذا المتحف بأسلوب معماري عصري لكنه يحافظ على صلته الوثيقة بالماضي، ويعرض قطعًا أصلية نُقلت من الهضبة لحمايتها. من تماثيل الكارياتيد، إلى إفريز البارثينون، مرورًا بالتماثيل الإغريقية التي تصوّر الآلهة والبشر، يمنح المتحف زائريه نظرة معمّقة على تطور الفن الإغريقي، ويعرض سياقًا تاريخيًا يثري الفهم ويعزز التجربة. نوافذه الزجاجية تكشف مشهدًا بانوراميًا للأكروبوليس، ما يخلق تفاعلًا بصريًا بين الأصل والرمز، بين الحجر والمتحف، وبين الزائر والتاريخ. في النهاية، أثينا القديمة ليست مجرد محطة على خارطة السياحة، بل هي نافذة تطل على بدايات الإنسان المفكر، والمجتمع المتحضر، والفن الذي لا يشيخ. إنها مدينة تُقرأ ككتاب، وتُعاش كتجربة، وتبقى في الذاكرة كحكاية لم تنتهِ بعد.


صحيفة الخليج
١٨-٠٥-٢٠٢٥
- علوم
- صحيفة الخليج
تأمّلات في أزمة الخيال
هل تصوّرتَ مرةً أمّةً جلّها نضبت فيه مياه نهر الخيال، فانقطع عن الخرير؟ وهل لاحت في أفق ذهنك أمةٌ أغلبها توقف فيه مصنع الابتكار عن إنتاج المصابيح التي تزيّن سماء حياتها؟ يمكن القياس: «إذا سألتم الله التنميةَ فاسألوه الخيال والأفكار». من العسير تصديق أن أمةّ طبقاتها الجيولوجية متاحفُ حضارات متراكبةٌ طبقاً عن طبق، تظل عشرات السنين متصحرة الخيال، مجدبةَ الأفكار في جميع الميادين، التعليم والاقتصاد، السياسة والصحة، البحث العلمي والأمن القومي، الفنون والدفاع، البنى التحتية والقضاء، وهلمّ تصحراً وجدباً. لأيّ كان أن ينفي الصواب عن مقولة أينشتاين: «الخيال أهمّ من المعرفة». الترجمات نسبية إن لم تكن خوّانة. الأصح أن الفيزيائي يعني بكلمة «نوليدج» العلم كمخزون معلومات، فالمعرفة تشطح بنا إلى أبعاد قصيّة، من نظرية المعرفة لدى أفلاطون وأرسطو، إلى فلسفات التاريخ الحديث. الأهم هو أن الخيال مهم كمنافس ومنازل للعلم والمعرفة. ما الذي ينقص العالم العربي: ضيق ذات المساحة، أم ضيق ذات النفوس، أم شحّ الثروات الجوفية والسطحية؟ التنميات المتعثرة العربية تفتقر إلى الخيال والأفكار. هل من دليل على أن الصين وكوريا الجنوبية كانتا قبل منتصف القرن الماضي جنتين غنّاءتين فيهما من كل فاكهة حضارية ألوان، بينما كانت بلاد العرب في أغبر الغابرين؟ علينا العودة إلى رأس الخيط: قبل عتبة الابتدائية ست سنوات ضائعة. مأساويّ أن تعيش على كوكب واحد مجتمعات علماؤها يعكفون على البحوث الفيزيائية في المادة السوداء والطاقة السوداء ومحاكاة الانفجار العظيم وصنع المادة الفائقة الصلابة من الفوتونات، ومجتمعات ليس لها حتى أمناء يبحثون عن حلول لسدّ رمق الجياع، بينما من بين بلدانهم سلة الغذاء العربية. هل لك خيال يستطيع أن يشطح بعيداً في تصوّر العقل العربي وقد أسّس بورصةً لأسهم الخيال؟ النهضة التنموية لا تحتاج إلى معجزة. في لمح البصر بعد المسيرة الكبرى الصينيّة عام 49 حقق التنين لكل صيني طبق أرز يوميّاً. أين كانوا؟ وأين أصبحوا؟ وأين كانت التنميات المتعثّرة، وأين صارت؟ هل الغرب أعطاهم أطباق الأرز؟ هل هو الذي شاد لهم أعظم شبكة قطارات سريعة على وجه الأرض؟ من أين أتوا بمعين الخيال والأفكار؟ لزوم ما يلزم: النتيجة التربوية: في العالم العربي تعليم منذ عقود، فهل عرفت المناهج ولو طيفاً لتربية الخيال؟


الميادين
١٨-٠٥-٢٠٢٥
- علوم
- الميادين
فلسفة الذكاء الاصطناعي
يستعرض كتاب "فلسفة الذكاء الاصطناعي" الصادر حديثاً عن دار التكوين في دمشق الأبعاد الفلسفية لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بعيداً عن كونها منتجاً وحدثاً تقنياً فحسب، بل باعتبارها فلسفة قائمة بحدّ ذاتها أنتجتها آلات قادرة إلى حدّ ما على محاكاة العمليات الفكرية البشرية، بل إنها تمكّنت في بعض الجوانب من تجاوز الإنسان والحلول محلّه، الأمر الذي دفع الإنسان إلى طرح العديد من الأسئلة الفلسفية والأخلاقية والوجودية، هل أصبح عبداً للتكنولوجيا؟ أم ما زال قادراً على التحكّم بها وتسييرها بما يخدمه ويبقيها تحت سيطرته؟ انطلاقاً من تلك التحدّيات كان لا بدّ من إعادة تقييم الأسئلة الفلسفية كما يرى الكاتب "محمود عبد اللطيف الصديقي"، محاولاً الإجابة عن العديد من الأسئلة من خلال الاستعانة بأفكار الفلاسفة الكلاسيكيين والمفكّرين المعاصرين الذين يتعاملون مع القيم الأخلاقية والوجودية والمعرفية للعقول الاصطناعية. لم يكن الذكاء الاصطناعي وليد الحاضر فقط، فقد أعاده الكاتب من خلال استعراضه لتاريخ الذكاء الاصطناعي إلى آلاف السنين، فقد كان أرسطو الفيلسوف اليوناني من أوائل الفلاسفة الذين اهتموا بالتفكير والمنطق وكان لنظرياته كبير الأثر على الفلسفة الغربية وعلوم الحاسوب، حيث كتب عن الاستدلال والمنطق والميتافيزيقا، وكلّها مواضيع ترتبط بشكل وثيق بتطوّر الذكاء الاصطناعي الذي نشهده اليوم، أما الفيلسوف العربي الفارابي فقد ترك بصمته في هذا المجال من خلال ما كتبه من مواضيع تتعلّق بالفلسفة والمنطق والعلوم، وكان له تركته من الأفكار التي تدور حول كيفيّة تطوير الذكاء وتعزيزه من خلال التفكير والتدريب واللذين يشكّلان أساساً لمفهوم الذكاء الاصطناعي. تُعنى فلسفة الذكاء الاصطناعي بدراسة الأسس والمفاهيم الفلسفية التي تقف وراء تطوير واستخدام التكنولوجيا التي تحاكي الذكاء البشري، والتي ينطوي ضمنها العديد من الأقسام التي تحاكي عدة مفاصل حيوية في هذا المجال، من فلسفة الأخلاق والقيم التي تهدف إلى تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لضمان مصلحة الإنسان وتحقيق العدالة والتقدّم، وهنا يحذّر الكاتب القائمين عليها من تزايد الفجوات الاجتماعية التي تؤدّي إلى تمييز أو تهميش فئات معيّنة من المجتمع، إلى طبيعة الوعي التي تطرح تحدّيات في فهم مفهوم الوعي ومدى إمكانية امتلاك الآلات وعياً مماثلاً للبشر؟ فضلاً عن الفلسفة العلمية التي تميّز بين الذكاء الاصطناعي الضعيف والقوي. أما فلسفة الأبستمولوجيا فتتناول الأسئلة حول ماهية المعرفة وكيفيّة اكتسابها في الأنظمة الذكية، يطرح خلالها الكاتب العديد من الأسئلة التي تنتظر الإجابة عنها، وتلك التي يستعرضها في سياق الكتاب الذي بين أيدينا والذي يشكّل نقطة ضوء على الواقع الذي يمسّ الإنسان بشكل مباشر وشخصي. قدّم بعض الفلاسفة رؤيتهم حول العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والفلسفة، حيث يجمع بينهما مزيج معقّد من التفاعلات الفكرية والمادية، يقول الصديقي: إنّ الذكاء الاصطناعي ليس مجرّد امتداد للفلسفة، لكنه يتشابك معها بشكل جوهري، حيث يمكن استخدام أدوات وتقنيات الفلسفة لحلّ التحدّيات التي تواجه الذكاء الاصطناعي، لذلك قام باستعراض آراء عدد من الفلاسفة حول هذه النقطة من العلاقة إذ اعتبر "دانيال دينيت" أنّ الذكاء الاصطناعي ليس فقط مرتبطاً بالفلسفة، بل هو نوع من الفلسفة، كونه يسعى للإجابة عن سؤال جوهري: كيف تكون المعرفة ممكنة؟ في الوقت الذي يرى كلّ من "يوك هوي" و"رضا نيجارستاني" أنّ ثمّة تقارباً بين المفهوم الهيغلي للروح المطلقة وعمل الذكاء في علم التحكّم الآلي ونظرية النظم والعلوم المعرفيّة، نجد أنّ الفيلسوف الألماني مارتن هايدجر قدّم رؤيته العميقة حول التكنولوجيا التي تكشف عن العالم بطريقة تجعل كلّ شيء يظهر كموارد يمكن استغلالها، ويرى المؤلف أنه يمكننا الربط بين الذكاء الاصطناعي وتفكير هايدجر لأنّ التكنولوجيا الحديثة تقلّل من تنوّع وكثافة التجارب الإنسانية وتزيد بالتالي من اغتراب الإنسان، عبر الاعتماد الضاري على التكنولوجيا التي تضعف العلاقات الإنسانية وفرص التفاعل الاجتماعي، وهو ما يمكن ملاحظته بوضوح في وقتنا الحاضر. على الضفة الأخرى يتفق الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي "جاك إلول" مع أفكار هايدجر حول الاغتراب، ويعتبر أنّ الذكاء الاصطناعي يزيد من خطر دفع الإنسان بعيداً عن ذاته ومجتمعه، تصبح الأنشطة اليومية موجّهة ومتحكّم فيها بواسطة أنظمة ذكية بدلاً من العلاقات البشرية، حيث تنزلق الحرية الفردية وتتقلّص القدرة على التفكير، والنقد والإبداع. في سياق ما سمّي "ما بعد الإنسانية" يستعرض المؤلف أفكار الفيلسوفة والمؤرخة الأميركية "دونا هاراوي" التي دعت إلى تجاوز الثنائيات التقليدية (الإنسان/الآلة، والطبيعة/الثقافة، والجسد/العقل)، واعتبرت أنّ التكنولوجيا تعتبر جزءاً لا يتجزّأ من الهوية الإنسانية كما أنّ الذكاء الاصطناعي يسهم بشكل كبير في تشكيل هوية الإنسان ويعيد تعريفه. في جانب آخر يستعرض الكاتب مجموعة من الاعتراضات الفلسفية التي تعارض فكرة أنّ الآلات يمكن أن تمتلك مستوى إدراكيّاً عقلياً وفهماً للغة بعمق. كذلك، ومن مفارقة برتراند رسل في "نظرية المجموعات" إلى تجربة "الغرفة الصينية" لجون سيرل، محاولاً تقديم فهم أعمق للحدود الفلسفية والتقنية التي تواجهها محاولات الآلة لمحاكاة الفهم البشري. كان راسل الفيلسوف الإنكليزي مهتماً بالتمييز بين المعرفة التجريبية والمعرفة الرياضية أو المنطقية، ولأنّ الآلات تقتصر على المعرفة الرياضية والمنطقية وتفتقر للمعرفة التجريبية، تلك التي تأتي من التجربة الحسيّة التي تفتقدها الآلة، وبصفته مؤسس التجربة المنطقية، يقول راسل، إنّ الفهم الحقيقي يتطلّب تجربة مباشرة وتفاعلاً مع العالم، وحيث إنّ الآلات تفتقر إلى التجربة الحسيّة المباشرة، فإنها غير قادرة بطبيعة الحال على تحقيق الفهم الحقيقي. أما الفيلسوف الأميركي "جون سيرل" الذي اشتهر بموقفه النقدي لمفهوم الذكاء الاصطناعي والتفاعل اللغوي الذاتي، فإنه يقدّم من خلال تجربته الفكرية التي عرفت بـ "الغرفة الصينية" اعتراضاً على فكرة أنّ الآلات يمكنها أن تمتلك حالات عقلية أو تفهم اللغة حقاً، إلا أنّ تلك النظرية تعرّضت للكثير من الاعتراضات التي يشير إليها المؤلف فهي تتجاهل النظرية الوظيفية للعقل، وأنّ سيرل يتجاهل بعض النقاط المتعلّقة بفهم الأنظمة الحاسوبية للغة والعقل، ولا يقدّم تحدّياً حاسماً لمفهوم الذكاء الاصطناعي الوظيفي. مع التطوّر الكبير والمتسارع الذي يشهده العصر الحالي في المجال التكنولوجي والذكاء الاصطناعي، والتوسّع في استخداماته وتأثيراته على مختلف جوانب حياة الإنسان، يصبح من الضروري البحث في الأخلاقيات التي ينبغي اتباعها في تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي نظراً للخطورة التي قد تنجم عن سوء الاستخدام سواء من الناحية الأخلاقية أو الاجتماعية، وقد أفرد المؤلف فصلاً كاملاً للحديث عن هذا الجانب الهامّ، بما هي مجموعة من القيم والمبادئ التي من شأنها الحفاظ على السلامة والعدالة واحترام الأفراد والمجتمعات، مؤكداً ضرورة اتخاذ إجراءات متكاملة بما فيها القوانين والتشريعات التي تحمي حقوق الأفراد، وتنظم استخدام البيانات الخاصة بهم، وضرورة تعزيز الوعي والتعليم حول حقوق الخصوصية. أما فيما يتعلّق بالمشكلات الاجتماعية التي تنجم عن تزايد استخدام التكنولوجيا الذكية فهي كثيرة من بينها تفاقم الفجوات الاجتماعية، وفقدان فرص العمل مما يزيد من مستويات البطالة والتوتر الاجتماعي، فضلاً عن تزايد التحيّز والتمييز بين فئات معيّنة من المجتمع، ويمكن أن يؤثّر الاستخدام المفرط للتكنولوجيا سلباً على الصحة النفسية للأفراد ويؤدّي إلى الاكتئاب والانعزال الاجتماعي، ويقترح المؤلف الحلول الممكنة للتغلّب على تلك المشكلات بما يضمن المساواة وتوفير الفرص العادلة ووضع التشريعات التي تنظّم استخدام التكنولوجيا الذكية. لقد أصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً من حياتنا لا يمكننا الاستغناء عنه، وما علينا إلا الأمل مع المؤلف أن يكون قوة إيجابية تدفعنا نحو مستقبل أفضل، والعمل على أن يكون الذكاء الاصطناعي متوائماً مع تطوّرنا الإنساني والأخلاقي ومعزّزاً لقيمنا، يؤدّي إلى مستقبل أكثر إشراقاً للبشرية جمعاء.