أحدث الأخبار مع #إيمانويلتود


Independent عربية
منذ 15 ساعات
- سياسة
- Independent عربية
إيمانويل تود يعيد قراءة المشهد العالمي في "هزيمة الغرب"
في فبراير (شباط) عام 2022 ظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على شاشات العالم أجمع ليعلن دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا، معللاً ذلك بقوله إن "التمدد المستمر في البنى التحتية لحلف شمالي الأطلسي والتهيئة العسكرية لأرض أوكرانيا مرفوضان بالنسبة إلينا، لا نريد أن تفاجأ روسيا كما في صيف عام 1941، فجاء تحركنا دفاعاً عن النفس". ولم تُدَر هذه الحرب كما كان متوقعاً لها، إذ تكشفت عن مفاجآت كثيرة بالنسبة إلى روسيا أو الغرب لأنها حرب حقيقية بين دولتين في أوروبا التي حسبت نفسها هاجعة إلى سلام دائم، وهي كذلك شكلت مجابهة بين الولايات المتحدة وروسيا عبر الأوكرانيين. وكأن من المفاجئ صمود أوكرانيا العسكري التي وجدت في الحرب مبرراً لوجودها المهدد، لكن المفاجأة الكبرى كانت صمود الاقتصاد الروسي، فإن الغرب راهن على انهيار روسيا وتركيعها بعقوبات اقتصادية كبيرة واستبعاد مصارفها من منظومة "سويفت"، لكن الروس عرفوا كيف يتكيفون مع هذه العقوبات بمرونة تقنية واقتصادية واجتماعية. ومن المفاجئ أيضاً دخول المملكة المتحدة في الحرب على روسيا وتزويدها أوكرانيا بدبابات ثقيلة وصواريخ بعيدة المدى، بينما أعلنت الولايات المتحدة، القوة العظمى في العالم عن عجزها عن توفير أية أسلحة لأوكرانيا. أما المفاجأة الأكبر والأكثر إرباكاً للغرب، فتمثلت في عزلته الأيديولوجية واستمرار مساندة الصين للروس، فضلاً عن حسبان العالم الإسلامي بأسره روسيا شريكاً أكثر من أنها خصم، وهذه الوقائع التي انجلت عنها الحرب تؤكد هزيمة الغرب برأي إيمانويل تود في كتابه "هزيمة الغرب"، ترجمة محمود مروة عن دار الساقي 2025، فهذه الهزيمة كما يقول المؤلف "يقينية لأن الغرب يتدمر ذاتياً، أكثر من كون روسيا تهاجمه، فليست روسيا هي ما يعرض توازن الكوكب للخطر" بل إنها "أزمة غربية وبصورة خاصة أميركية". وهذا ما توقعه أيضاً أستاذ الجغرافيا السياسية في جامعة شيكاغو جون ميرشايمر الذي رأى أن روسيا ستكسب الحرب لأن أوكرانيا مسألة وجودية لها، في حين أنها ليست كذلك للولايات المتحدة. ويتفق تود مع ميرشايمر في أن تصرف حلف شمالي الأطلسي ليس سوى انعدام عقلانية ومسؤولية، في وقت تتزعم الغرب إمبراطورية تخلو من مركز ومشروع، توجهها مجموعة تفتقر إلى ثقافة مركزية بالمعنى الأنثروبولوجي، في وقت تبقى قائمة فيها آلة دولتية عسكرية عملاقة، مما يطرح في نظر المؤلف سؤالاً مركزياً، لماذا استخف الغربيون بخصمهم الروسي إلى هذا الحد في وقت لم يكُن هناك شيء مخفي من أوراقه الرابحة؟ وفي ظل مجتمع استخباراتي يضم 100 ألف شخص في الولايات المتحدة وحدها، كيف أمكن التصور أن قطع نظام "سويفت" وفرض عقوبات سيرديان ببلد يمتد على 17 مليون كيلومتر مربع ويتوافر على الموارد الطبيعية الممكنة كافة ويستعد جهاراً منذ عام 2014 لمواجهة عقوبات كهذه؟ وإذا كانت صلابة روسيا شكلت واحدة من مفاجآت الحرب، فإن الأرقام والإحصاءات تؤكد قوة روسيا وارتقاءها خلال عهد بوتين على الضد مما يدعيه الإعلام الغربي، فبين عامي 2000 و2017 انخفض بصورة كبيرة معدل الوفيات الناجمة عن تناول الكحول، وتراجعت معدلات الانتحار وجرائم القتل ووفيات الرضع، كما تدنت معدلات البطالة، وتحقق الاكتفاء الذاتي غذائياً، وصارت روسيا واحدة من أكبر مصدري المنتجات الزراعية في العالم، بحيث تضاعفت صادرات الأغذية الروسية ثلاث مرات. ومن المدهش حفاظ روسيا على مكانتها كثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم، وأكبر مصدر لمحطات الطاقة النووية، وقد يكون مثال إنتاج القمح أشد إعجاباً، إذ إن روسيا أنتجت عام 2012، 37 مليون طن من القمح، ثم 80 مليون طن عام 2022. وعلى صعيد التعليم العالي بلغت نسبة الملتحقين بدراسة الهندسة 23.4 في المئة عام 2020 في روسيا، مقابل 18.5 في اليابان و24.2 في ألمانيا و14.1 في فرنسا، وعلى رغم تفاوت عدد السكان، تصل روسيا إلى تكوين مهندسين أكثر بكثير من الولايات المتحدة. ويعوّل المؤلف على الطبقات الوسطى في التغيير، فهي الجاذبة لاهتمام علماء الاجتماع والسياسيين، ومن دونها يتعذر قيام مجتمع مستقر وديمقراطي وليبرالي، فالعامل الذي أطلق سقوط المنظومة الشيوعية لم يكُن الشلل الاقتصادي، بل ظهور طبقة وسطى حظيت بتعليم عالٍ، العامل الوحيد في نجاح الديمقراطية الليبرالية أو إخفاقها؟ فهل يمكننا أن نتصور بمعقولية أن الطبقات الوسطى الروسية ستطيح يوماً ما بنظام بوتين السلطوي؟ يحلم الغربيون بطبقات وسطى ذات تأثير مزدوج، فيكون من شأنها إسقاط بوتين بعدما أسقطت الشيوعية، وهذا الأمل ليس عبثياً تماماً، فأكثر المعارضين بحدة لبوتين في المدن الكبرى هم من الطبقات التي تتمتع بتعليم عالٍ حقاً، وهي الطبقات التي دعمت بوريس يلتسين مسقط الاتحاد السوفياتي، بيد أن ثمة ما يميز الطبقات الوسطى الروسية عن نظيرتها الغربية، وهو أحد العوامل التي تفسر صلابة روسيا في مواجهة الغرب. وما مكّنها من الحفاظ على سيادتها، قدرتها التلقائية على منع نمو فردانية مطلقة وتمسكها بالانتماء "الجماعي"، مما يكفي لكي يحيا المثل الأعلى لأمة متراصة على رغم تمركز الثروة والمداخيل، إذ نال الواحد في المئة الأعلى في روسيا 24 في المئة من المداخيل عام 2021 مقابل 19 في المئة في الولايات المتحدة و19 في المئة في فرنسا، وهكذا تبقى منظومة بوتين ثابتة لأنها نتاج التاريخ الروسي، وحلم الغرب بانتفاضة ضده لا يعدو كونه حلماً. إلا أن روسيا كذلك تعاني ضعفاً رئيساً هو الخصوبة المنخفضة، ودخلت في طور انكماش للسكان الذكور الذين يمكن تعبئتهم بنسبة 40 في المئة، ولذلك ليست أولوية الروس في الاستيلاء على أكبر قدر من الأراضي، بل في خسارة العدد الأدنى من الرجال. ويعرف الروس أنهم لم يعودوا بوزن حلف الأطلسي الذي بلغ عدد سكانه 887 مليون عام 2023، فيما لن يتجاوز عدد سكان روسيا 143 مليوناً عام 2030، من هنا كان تحديد الجيش الروسي عقيدة عسكرية جديدة تأخذ في الحسبان الفاقة في الرجال وتجيز توجيه ضربات نووية تكتيكية إذا ما كانت الأمة والدولة الروسيتان مهددتين، وأدرك الأميركيون مشكلة روسيا الديموغرافية وأفرطوا في الاعتماد على التحليل الديموغرافي. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) توقع الروس استسلام أوكرانيا أو انهيارها السريع لاعتبارهم إياها دولة فاشلة انخفض عدد سكانها بين عامي 1991 و2021 من 52 مليون نسمة إلى 41 مليوناً، وهي ذات تركيبة عرقية لغوية معقدة، ومع أنها عدت في الاتحاد السوفياتي واحدة من مناطق التنمية الأكثر حداثة، لم تنجح في تطوير دولة خاصة بها أي دولة أمة، إلا أن الروس كما الغرب فوجئوا بصمود أوكرانيا. ووجدت أوروبا نفسها منتظمة في حرب تتعارض مع مصالحها ومدمرة ذاتياً، بينما يتحدث الأوروبيون منذ 30 عاماً عن اتحاد أوروبي في طريقه ليكون قوة مستقلة، وفي حين أن روسيا لا تشكل أي تهديد لأوروبا، بل تسعى إلى إقامة شراكة اقتصادية معها. وخصص المؤلف حيزاً واسعاً من كتابه للولايات المتحدة التي هي القوة العسكرية الأولى في العالم، ولكنها لا تملك القدرة على السيطرة المباشرة على كل شيء، وتواجه الآن أخطاراً كثيرة، فاعتمادها الاقتصادي على بقية العالم صار هائلاً ومجتمعها يتفكك، والإشكال الحقيقي الذي يواجهه العالم اليوم ليس في إرادة القوة الروسية المحدودة جداً، بل في انحطاط مركز القوة الأميركي وهو بلا حدود. وإزاء تفتت المجتمع الأوكراني واستقرار المجتمع الروسي ونهاية الحلم الأوروبي بالاستقلال وانحراف مسار الدول الاسكندنافية، نقترب من موطن الأزمة العالمية، أي الثقب الأسود الأميركي، فمنذ انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة دخل العالم الأنغلو- أميركي في حال انعدام جاذبية. ومنذ ذلك الحين، بتنا نشاهد ونضطر إلى تفسير قرارات استراتيجية خالية من المنطق، فعام 2023 رفضت الولايات المتحدة التصويت لمصلحة قرار "هدنة إنسانية" في غزة اقترحه الأردن، وصوتت عليه 120 دولة فيما رفضته 14 دولة، وجاء التصويت الأميركي ضد الهدنة عدمياً، رافضاً للأخلاق المشتركة للإنسانية، مما يعني في الوقت نفسه أن الولايات قررت معاداة العالم المسلم بصورة فورية ودائمة، أما حلف شمالي الأطلسي فهو بصدد خسارة الحرب الصناعية بعدما تبين أنه عاجز عن إنتاج الذخائر والصواريخ بكميات كافية. في خلاصة استنتاجاته، يرى المؤلف أنه إذا أردنا توقع الخيارات الاستراتيجية لأميركا، فعلينا التخلي على وجه السرعة عن بديهية العقلانية، ذلك أن الحال السوسيولوجية لأميركا تحول دون أي تنبؤ متعقل بالقرارات الأخيرة التي سيتخذها قادتها، لكن العدمية تجعل كل شيء على الإطلاق، ممكناً. ونرى ختاماً أن الكتاب يخلخل كثيراً من التصورات، ويعيد النظر في كثير من المسلمات، كما يضيء على الخلفيات التاريخية والاقتصادية والديموغرافية للاستراتيجيات السياسية الراهنة، كاشفاً في العمق عن جذور الصراع الذي بات يهدد المصير الإنساني، ولذلك فإنه يشكل إضافة جدية إلى الفكر السياسي في العالم العربي.


السوسنة
٢١-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- السوسنة
هزيمة أم تراجع
أوائل القرن الماضي صدر كتاب من جزأين للمفكر أُوزوَلد شبينغلر بعنوان «تراجع الغرب» أثار جدلاً واسعاً طيلة عقود. وقبل وفاته بأشهر، صدر للكاتب والمفكر الفرنسي إيمانويل تود كتاباً اختار له عنوان «هزيمة الغرب» (دار الساقي) كأنه استكمال أو حسم للكتاب الأول.لا يُخفي تود، الذي توفي بعد صدور كتابه بقليل، موقفه النقدي من الحضارة الغربية وما آلت إليه. وهو لا يُخفي أيضاً إعجابَه بالتجربة الروسية، وما أدّاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للدولة الكبرى، في مقابل التراجع الذي سجله الغرب. حتى في النزاع الروسي - الأوكراني يُحمّل تود أوكرانيا المسؤوليةَ الكبرى، وليس موسكو، ويُبدي إعجاباً شديداً بصمود الكرملين، مع أن موسكو لا تزال تخوض حرباً قاسية في مواجهة الغرب وحليفته أوكرانيا.يرسم تود هذه اللوحة الإعجابية بالروس استناداً إلى أرقام لا تقبل الشك.بين عامي 2000 و2017؛ المرحلة الرئيسية في إرساء الاستقرار خلال عهد بوتين، انخفض معدل الوفيات الناجمة عن الكحوليات في البلاد من 25.6 لكل مائة ألف نسمة إلى 8.4، ومعدّل الانتحار من 39.1 إلى 13.8، ومعّدل جرائم القتل من 28.2 إلى 6.2. هذا يعني، بالأرقام الإجمالية، أن الوفيات الناجمة عن الكحوليات قد انخفضت من 37 ألفاً و214 حالة سنوياً إلى 12 ألفاً و276 حالة، وكذلك حالات الانتحار من 56 ألفاً و934 إلى 20 ألفاً و278، والقتل من 41 ألفاً و90 جريمة إلى 9 آلاف و48. هو بلد عاش هذا الارتقاء خلال وقت يُقال لنا فيه إنه في «هبوط مديد إلى الجحيم».بحلول عام 2020، انخفض معدّل جرائم القتل بصورة أكبر، فبلغ 4.7 لكل 100 ألف نسمة، أي أقل 6 مرّات مما كان عليه عندما تولّى بوتين السلطة. أما معدّل الانتحار فانخفض في عام 2021 إلى 10.7، أي أقل بـ3.6 مرة.وبشأن المعدّل السنوي لوفيات الرضّع، فقد تراجع من 19 لكل ألف «طفل وُلدوا أحياء» في عام 2000، إلى 4.4 في عام 2020، أي إنه أخفضُ من المعدّل الأميركي البالغ 5.4 (وفق «اليونيسف»). لكن بقدر ما يتعلّق هذا المؤشر الأخير بِأَوْهَنِ أفراد المجتمع، تأتي أهميته، خصوصاً في تقييم الحالة العامة لهذا المجتمع.يشدد تود أيضاً على انخفاض مُعَدَّلَيْ الوفيات والبطالة في روسيا، وارتفاع مستوى المعيشة، وعلى أن روسيا عثرت على مكانة لها في التقدم الاقتصادي، وحققت نجاحاً مذهلاً في مجال الزراعة، فهي لم تحقق الاكتفاء الذاتي فقط؛ بل أصبحت من أكبر مصدّري المنتجات الزراعية في العالم. إضافة إلى ذلك كله، حافظت على مكانتها بصفتها ثانيَ أكبر مصدّر للأسلحة في العالم. ولم يَقلّ نجاحها في حقل الإنترنت، الذي هو جوهر الحداثة... واللائحة تطول.


المغرب اليوم
٢١-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- المغرب اليوم
«هزيمة» أم «تراجع»؟
أوائل القرن الماضي صدر كتاب من جزأين للمفكر أُوزوَلد شبينغلر بعنوان «تراجع الغرب» أثار جدلاً واسعاً طيلة عقود. وقبل وفاته بأشهر، صدر للكاتب والمفكر الفرنسي إيمانويل تود كتاباً اختار له عنوان «هزيمة الغرب» (دار الساقي) كأنه استكمال أو حسم للكتاب الأول. لا يُخفي تود، الذي توفي بعد صدور كتابه بقليل، موقفه النقدي من الحضارة الغربية وما آلت إليه. وهو لا يُخفي أيضاً إعجابَه بالتجربة الروسية، وما أدّاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للدولة الكبرى، في مقابل التراجع الذي سجله الغرب. حتى في النزاع الروسي - الأوكراني يُحمّل تود أوكرانيا المسؤوليةَ الكبرى، وليس موسكو، ويُبدي إعجاباً شديداً بصمود الكرملين، مع أن موسكو لا تزال تخوض حرباً قاسية في مواجهة الغرب وحليفته أوكرانيا. يرسم تود هذه اللوحة الإعجابية بالروس استناداً إلى أرقام لا تقبل الشك. بين عامي 2000 و2017؛ المرحلة الرئيسية في إرساء الاستقرار خلال عهد بوتين، انخفض معدل الوفيات الناجمة عن الكحوليات في البلاد من 25.6 لكل مائة ألف نسمة إلى 8.4، ومعدّل الانتحار من 39.1 إلى 13.8، ومعّدل جرائم القتل من 28.2 إلى 6.2. هذا يعني، بالأرقام الإجمالية، أن الوفيات الناجمة عن الكحوليات قد انخفضت من 37 ألفاً و214 حالة سنوياً إلى 12 ألفاً و276 حالة، وكذلك حالات الانتحار من 56 ألفاً و934 إلى 20 ألفاً و278، والقتل من 41 ألفاً و90 جريمة إلى 9 آلاف و48. هو بلد عاش هذا الارتقاء خلال وقت يُقال لنا فيه إنه في «هبوط مديد إلى الجحيم». بحلول عام 2020، انخفض معدّل جرائم القتل بصورة أكبر، فبلغ 4.7 لكل 100 ألف نسمة، أي أقل 6 مرّات مما كان عليه عندما تولّى بوتين السلطة. أما معدّل الانتحار فانخفض في عام 2021 إلى 10.7، أي أقل بـ3.6 مرة. وبشأن المعدّل السنوي لوفيات الرضّع، فقد تراجع من 19 لكل ألف «طفل وُلدوا أحياء» في عام 2000، إلى 4.4 في عام 2020، أي إنه أخفضُ من المعدّل الأميركي البالغ 5.4 (وفق «اليونيسف»). لكن بقدر ما يتعلّق هذا المؤشر الأخير بِأَوْهَنِ أفراد المجتمع، تأتي أهميته، خصوصاً في تقييم الحالة العامة لهذا المجتمع. يشدد تود أيضاً على انخفاض مُعَدَّلَيْ الوفيات والبطالة في روسيا، وارتفاع مستوى المعيشة، وعلى أن روسيا عثرت على مكانة لها في التقدم الاقتصادي، وحققت نجاحاً مذهلاً في مجال الزراعة، فهي لم تحقق الاكتفاء الذاتي فقط؛ بل أصبحت من أكبر مصدّري المنتجات الزراعية في العالم. إضافة إلى ذلك كله، حافظت على مكانتها بصفتها ثانيَ أكبر مصدّر للأسلحة في العالم. ولم يَقلّ نجاحها في حقل الإنترنت، الذي هو جوهر الحداثة... واللائحة تطول.


العرب اليوم
٢١-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- العرب اليوم
«هزيمة» أم «تراجع»؟
أوائل القرن الماضي صدر كتاب من جزأين للمفكر أُوزوَلد شبينغلر بعنوان «تراجع الغرب» أثار جدلاً واسعاً طيلة عقود. وقبل وفاته بأشهر، صدر للكاتب والمفكر الفرنسي إيمانويل تود كتاباً اختار له عنوان «هزيمة الغرب» (دار الساقي) كأنه استكمال أو حسم للكتاب الأول. لا يُخفي تود، الذي توفي بعد صدور كتابه بقليل، موقفه النقدي من الحضارة الغربية وما آلت إليه. وهو لا يُخفي أيضاً إعجابَه بالتجربة الروسية، وما أدّاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للدولة الكبرى، في مقابل التراجع الذي سجله الغرب. حتى في النزاع الروسي - الأوكراني يُحمّل تود أوكرانيا المسؤوليةَ الكبرى، وليس موسكو، ويُبدي إعجاباً شديداً بصمود الكرملين، مع أن موسكو لا تزال تخوض حرباً قاسية في مواجهة الغرب وحليفته أوكرانيا. يرسم تود هذه اللوحة الإعجابية بالروس استناداً إلى أرقام لا تقبل الشك. بين عامي 2000 و2017؛ المرحلة الرئيسية في إرساء الاستقرار خلال عهد بوتين، انخفض معدل الوفيات الناجمة عن الكحوليات في البلاد من 25.6 لكل مائة ألف نسمة إلى 8.4، ومعدّل الانتحار من 39.1 إلى 13.8، ومعّدل جرائم القتل من 28.2 إلى 6.2. هذا يعني، بالأرقام الإجمالية، أن الوفيات الناجمة عن الكحوليات قد انخفضت من 37 ألفاً و214 حالة سنوياً إلى 12 ألفاً و276 حالة، وكذلك حالات الانتحار من 56 ألفاً و934 إلى 20 ألفاً و278، والقتل من 41 ألفاً و90 جريمة إلى 9 آلاف و48. هو بلد عاش هذا الارتقاء خلال وقت يُقال لنا فيه إنه في «هبوط مديد إلى الجحيم». بحلول عام 2020، انخفض معدّل جرائم القتل بصورة أكبر، فبلغ 4.7 لكل 100 ألف نسمة، أي أقل 6 مرّات مما كان عليه عندما تولّى بوتين السلطة. أما معدّل الانتحار فانخفض في عام 2021 إلى 10.7، أي أقل بـ3.6 مرة. وبشأن المعدّل السنوي لوفيات الرضّع، فقد تراجع من 19 لكل ألف «طفل وُلدوا أحياء» في عام 2000، إلى 4.4 في عام 2020، أي إنه أخفضُ من المعدّل الأميركي البالغ 5.4 (وفق «اليونيسف»). لكن بقدر ما يتعلّق هذا المؤشر الأخير بِأَوْهَنِ أفراد المجتمع، تأتي أهميته، خصوصاً في تقييم الحالة العامة لهذا المجتمع. يشدد تود أيضاً على انخفاض مُعَدَّلَيْ الوفيات والبطالة في روسيا، وارتفاع مستوى المعيشة، وعلى أن روسيا عثرت على مكانة لها في التقدم الاقتصادي، وحققت نجاحاً مذهلاً في مجال الزراعة، فهي لم تحقق الاكتفاء الذاتي فقط؛ بل أصبحت من أكبر مصدّري المنتجات الزراعية في العالم. إضافة إلى ذلك كله، حافظت على مكانتها بصفتها ثانيَ أكبر مصدّر للأسلحة في العالم. ولم يَقلّ نجاحها في حقل الإنترنت، الذي هو جوهر الحداثة... واللائحة تطول.


الشرق الأوسط
٢٠-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- الشرق الأوسط
«هزيمة» أم «تراجع»؟
أوائل القرن الماضي صدر كتاب من جزأين للمفكر أُوزوَلد شبينغلر بعنوان «تراجع الغرب» أثار جدلاً واسعاً طيلة عقود. وقبل وفاته بأشهر، صدر للكاتب والمفكر الفرنسي إيمانويل تود كتاباً اختار له عنوان «هزيمة الغرب» (دار الساقي) كأنه استكمال أو حسم للكتاب الأول. لا يُخفي تود، الذي توفي بعد صدور كتابه بقليل، موقفه النقدي من الحضارة الغربية وما آلت إليه. وهو لا يُخفي أيضاً إعجابَه بالتجربة الروسية، وما أدّاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للدولة الكبرى، في مقابل التراجع الذي سجله الغرب. حتى في النزاع الروسي - الأوكراني يُحمّل تود أوكرانيا المسؤوليةَ الكبرى، وليس موسكو، ويُبدي إعجاباً شديداً بصمود الكرملين، مع أن موسكو لا تزال تخوض حرباً قاسية في مواجهة الغرب وحليفته أوكرانيا. يرسم تود هذه اللوحة الإعجابية بالروس استناداً إلى أرقام لا تقبل الشك. بين عامي 2000 و2017؛ المرحلة الرئيسية في إرساء الاستقرار خلال عهد بوتين، انخفض معدل الوفيات الناجمة عن الكحوليات في البلاد من 25.6 لكل مائة ألف نسمة إلى 8.4، ومعدّل الانتحار من 39.1 إلى 13.8، ومعّدل جرائم القتل من 28.2 إلى 6.2. هذا يعني، بالأرقام الإجمالية، أن الوفيات الناجمة عن الكحوليات قد انخفضت من 37 ألفاً و214 حالة سنوياً إلى 12 ألفاً و276 حالة، وكذلك حالات الانتحار من 56 ألفاً و934 إلى 20 ألفاً و278، والقتل من 41 ألفاً و90 جريمة إلى 9 آلاف و48. هو بلد عاش هذا الارتقاء خلال وقت يُقال لنا فيه إنه في «هبوط مديد إلى الجحيم». بحلول عام 2020، انخفض معدّل جرائم القتل بصورة أكبر، فبلغ 4.7 لكل 100 ألف نسمة، أي أقل 6 مرّات مما كان عليه عندما تولّى بوتين السلطة. أما معدّل الانتحار فانخفض في عام 2021 إلى 10.7، أي أقل بـ3.6 مرة. وبشأن المعدّل السنوي لوفيات الرضّع، فقد تراجع من 19 لكل ألف «طفل وُلدوا أحياء» في عام 2000، إلى 4.4 في عام 2020، أي إنه أخفضُ من المعدّل الأميركي البالغ 5.4 (وفق «اليونيسف»). لكن بقدر ما يتعلّق هذا المؤشر الأخير بِأَوْهَنِ أفراد المجتمع، تأتي أهميته، خصوصاً في تقييم الحالة العامة لهذا المجتمع. يشدد تود أيضاً على انخفاض مُعَدَّلَيْ الوفيات والبطالة في روسيا، وارتفاع مستوى المعيشة، وعلى أن روسيا عثرت على مكانة لها في التقدم الاقتصادي، وحققت نجاحاً مذهلاً في مجال الزراعة، فهي لم تحقق الاكتفاء الذاتي فقط؛ بل أصبحت من أكبر مصدّري المنتجات الزراعية في العالم. إضافة إلى ذلك كله، حافظت على مكانتها بصفتها ثانيَ أكبر مصدّر للأسلحة في العالم. ولم يَقلّ نجاحها في حقل الإنترنت، الذي هو جوهر الحداثة... واللائحة تطول.