أحدث الأخبار مع #الأصمعي


البيان
٠٩-٠٥-٢٠٢٥
- منوعات
- البيان
الصعلكةُ والصعاليك
كثر الخلاف بين الباحثين حول حقيقة الصعلكة والصعاليك، فمنهم من ذهب إلى أن فكرتهم هي نوع من أنواع الاشتراكية الحديثة على ما بينهما من خلاف في الفلسفة النظرية أو في التطبيق العملي. وأن رئيسهم عروة بن الورد «أبا الصعاليك» هو الداعية الأبرز لهذه الفكرة أو هذا المذهب كما يحلو التفلسف به عند بعض المثقفين، وديوان عروة بن الورد، وديوان الشنفرى وصلا إلينا كاملين من بين دواوين الشعراء الصعاليك. ولا يخفى أن في هذه الدعوى شيء من التعسف وتحميل النصوص والأخبار ما لا تحتمل، وأن مفهوم الاشتراكية لم يخطر على بال صعلوك من الصعاليك! وربما يكون الحامل على هذا القول هو ما رأوه في شعر الصعاليك وأخبارهم ـ ولا سيما شعر عروة ـ من أفكار تتصل بمشكلة الفقر والغنى في المجتمع الجاهلي، تنادي الفقراء والمستضعفين بالثورة على طبقة الأغنياء المتخمين، وأن هذه صورة من صور العدالة الاجتماعية التي نادى بها الصعاليك وسعوا لتحقيقها. وأياً ما كان تحليل الدارسين فمما لا شك فيه أن الصعلكة في ذاتها نزعة نبيلة تفجرت في نفوس هؤلاء الفرسان. على أن مفهوم الصعلكة ومعناها قد تغير مع الأيام، فالصعلوك في الجاهلية وصدر الإسلام هو الفقير الذي لا مال له، وأما في زمننا فقد تغير معناها؛ فهو التافه الذي لا يؤبه له. وفي الحديث: «أمّا مُعاويةُ فَصُعْلوكٌ لا مالَ لَهُ». وفي أطواق الذهب: «موسرٌ يشح بالنوال، ومعسر يلج في السؤال...ذاك كزّ شحيح غير معوان، له في وجه الصعلوك فحيح أفعوان». قال الخليفة عبد الملك: «من زعم أن حاتماً أسمح الناس فقد ظلم عروة بن الورد». ووصفه الأصمعي «بالشاعر الكريم».


موقع كتابات
٢٣-٠٣-٢٠٢٥
- منوعات
- موقع كتابات
مقامة الفطنة
يقول الثعالبي : فِطْنَة الْأَعْرَاب يُضْرب بهَا الْمثل , وذلك لصفاء أذهانهم , وجودة قَرَائِحهم , وذكر ابن الجوزي قول الحُكَمَاء : (( الخَلْق المعتدل , والبِنْيَة المتناسبة , دَلِيلٌ على قُوَّة الْعقل وجودة الفِطْنَة )) , وفي الذخائر والعبقريات للبرقوقي , قال بعض الحُكَمَاء: (( اعلم أنَّ مِنْ يقظة الفِطْنَة , إظهارُ الغفلةِ مع شدَّة الحَذَر)) , وقيل في الأمثال المولدة لأبي بكر الخوارزمي : (( الكَرَم فِطْنَةٌ , واللُّؤم تَغَافلٌ )) , وقيل : البصيرة الفِطْنَة , تقول العرب : ((أعمى الله بصائره. أي: فِطَنَه)) , وعن المجالسة وجواهر العلم للدينوري , كان عمر بن هبيرة يقول : (( اللهمَّ , إنِّي أعوذ بك من طول الغفلة , وإفراط الفِطْنَة , اللهمَّ , لا تجعل قولي فوق عملي , ولا تجعل أسوأ عملي ما قَرُبَ مِنْ أجلي )) , وفي العقد الفريد لابن عبد ربِّه , قال معاوية : (( العقل مِكْيالٌ , ثلثه فِطْنَةٌ , وثُلثاه تغافلٌ )) , ومن العقد ايضا قول ابن القيِّم : ((من دقيق الفِطْنَة: أنَّك لا تردُّ على المطَاع خطأه بين الملأ , فتَحْمِله رُتْبَته على نُصْرة الخطأ , وذلك خطأ ثان , ولكن تلطَّف في إعلامه به , حيث لا يشعر به غيره)) , وقال المتنبي : (( لا يُدْرِكُ المجْدَ إلَّا سَيِّدٌ فَطِنٌ *** لِمَا يَشُقُّ على السَّادَاتِ فَعَّال لا وارثٌ جَهِلَت يُمْنَاه ما وَهَبَت *** ولا كَسُوبٌ بغير السَّيف سَئَّالُ )) . عرف عن بعض الأعراب الذكاء الشديد و قوة الفطنة , وفي نفس الوقت عرف عن بعضعم السذاجة المفرطة التي تصل الى درجة الحمق في بعض الأحيان , و قد تكاثرت الروايات عن قصص بعض الأعراب , وكتبها بعض العلماء في كتبهم ومنها , في الحلال و الحرام قال أعرابي للقاضي إياس بن معاوية : لو كنت أكلت التمر هل تجلدني ؟ قال : لا , قال : لو شربت الماء هل تجلدني؟ قال : لا , قال : فشراب النبيد منها فكيف يكون حراما ويجلد شاربها ؟ قال اياس : لو ضربتك بالتراب على رأسك هل يوجعك؟ قال : لا , قال: لو صببت عليك قدرا من الماء هل ينكسر رأسك ؟ قال : لا , قال : لو مزجت الماء والتراب و صنعت منها طابوقة صلبة وضربت بها رأسك كيف يكون , قال : ينكسر الرأس , قال اياس: كذلك النبيذ. قرأ ألأصمعي من سورة النساء : ( والسارق والسارقة فأقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله غفور رحيم ) , فقال له اعرابي لأول مرة يسمع الآية : كلام من هذا ؟ فقال الأصمعي : كلام الله , فقال له الأعرابي : لو غفر ما قطع , فرجع الأصمعي الى المصحف فأذا هي ( عزيز حكيم ) لا ( غفور رحيم ) , فأخذ يردد : لو غفر ما قطع , لو غفر ما قطع , وكان أعرابي يقول: اللهم اغفر لي وحدي فقيل له : لو عممت بدعائك فإن الله واسع المغفرة , فقال: أكره أن أثقل على ربي , وعن الأصمعي : حج أعرابي فدخل مكة قبل الناس وتعلق بأستار الكعبة وقال: اللهم اغفر لي قبل أن يدهمك الناس , ودعا أعرابي بمكة لأمه فقيل له: ما بال أبيك ؟ قال: ذاك رجل يحتال لنفسه. في القضاء و العقاب : جيء برجل الى أحد الولاة لمحاكمته على تهمة , فلما دخل على الوالي في مجلسه , أخرج الرجل كتابا قد أدرج فيه قصته وقدمه للوالي وهو يقول : هاؤم اقرؤوا كتابيه , فقال الوالي : انما يقال هذا يوم القيامة , فقال الرجل : هذا والله شر من يوم القيامة , ففي يوم القيامة يؤتى بحسناتي وسيئاتي ,أما أنتم فقد جئتم بسيئاتي وتركتم حسناتي , وعن الأصمعي قال: خرج قوم من قريش إلى أرضهم وخرج معهم رجل من بني غفار , فأصابهم ريح عاصف , يئسوا معها من الحياة , ثم سلموا , فأعتق كل رجل منهم مملوكاً , فقال ذلك الأعرابي : اللهم لا مملوك لي أعتقه , ولكن امرأتي طالق لوجهك ثلاثاً. ظفر المأمون برجل كان يطلبه , فلما دخل عليه قال : يا عدو الله أنت الذي تفسد في الأرض بغير الحق ؟ يا غلام خذه إليك فاسقه كأس المنية , فقال: يا أمير المؤمنين إن رأيت أن تبقيني حتى أؤيدك بمال , قال: لا سبيل إلى ذلك , فقال: يا أمير المؤمنين فدعني أنشدك أبياتاً , قال : هات , فأنشده : (( زعموا بــأن الباز علَّقَ مـرة عُصفور برٍّ سـاقه المقــدورُ, فتكلم العصفور تحت جِناحه والباز منقـضُّ عليـه يطيرُ , ما بي لما يغني لمثلك شـَبْعةً ولئـن أُكلـتُ فإنني لحقيــرُ , فتبسـم البازُ المُـدِلُّ بنفسه كرماً وأُطلق ذلك العصفورُ)) , فقال له المأمون : أحسنت , ما جرى ذلك على لسانك إلا لبقية بقيت من عمرك , فأطلقه وخلع عليه ووصلهُ.