أحدث الأخبار مع #الأنظمة_العربية


الغد
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الغد
النكبة: اللحظة التأسيسية للانكسار العربي
لم تكن النكبة الفلسطينية العام 1948 حدثًا محليًا عابرًا. كانت بكل وضوح لحظة فارقة، أسست لمرحلة طويلة ما تزال ماثلة من الانكسار العربي الشامل. كانت، بالإضافة إلى اغتصاب أرض فلسطين العربية، اغتصابًا للوعي الجمعي العربي، وتحطيمًا لإرادة الفعل، وتكريسًا لحالة من العجز البنيوي في النظام السياسي العربي بطريقة سمحت بترسيخ كيان استعماري غريب في قلب المنطقة. وإذا مرض القلب فسد العقل، واضطرب الحكم، وغام البصر وعميت البصيرة. اضافة اعلان لم يكن العجز العربي الذي أدى إلى تضييع فلسطين تقنيًا بقدر ما كان في جوهره بنيويًا، ناجمًا عن غياب الديمقراطية، وتفكك الإرادة السياسية، وتقديم المصالح الضيقة على التطلعات القومية. وبعد النكبة تفجرت تناقضات العالم العربي، بلا انتهاء، بين شعارات التحرر وواقع التبعية؛ وبين خطابات السيادة وممارسات الخضوع. منذ تلك اللحظة، دخل العرب في دوامة من الانقسام والتآكل، وجرى بمرور الزمن تسليع فلسطين وتوظيفها كأداة في الصراعات الداخلية والخارجية، لتبرير القمع أو للمساومة السياسية. اليوم، بعد مرور ما يقرب من ثمانية عقود، ما تزال النكبة تُختزل في «ذكرى» سنوية تُستعاد ربما للتظاهر وليس للتأمل. وهي تُعامل، كما يريد لها العدو أن تكون: كلحظة منتهية وماضٍ تام. لكنها لم تكن كذلك في أي لحظة، سواء بالنسبة للفلسطينيين أو العرب. كانت في الواقع بداية عملية شكلت الحاضر العربي كما هو الآن. لا يمكن فهم واقع الانحدار، ولا الهزائم المتلاحقة، ولا التفكك الاجتماعي والسياسي، من دون الإحالة إلى النكبة كمفتاح لتحليل الانهيار القومي، وتعطيل مشروع النهضة العربي لصالح تكريس وجود الكيان الصهيوني وتوسّعه. إن ما نراه في راهن العالم العربي من صراعات طائفية، وضعف السيادة، وتفكك داخلي، يرتبط بشكل مباشر بتلك اللحظة التأسيسية في العام 1948، حين فُرض المشروع الاستعماري– الصهيوني بقوة السلاح وبغطاء دولي، في غياب مقاومة عربية موحدة وفاعلة. ومنذ ذلك الحين، تحوّلت فلسطين إلى رمز للمأساة والتواطؤ الدولي، وتم استخدام الصراع لتفكيك بنية الأمة من الداخل، بينما عزز فشل النظام العربي شعور الشعوب بالخذلان وفقدان الثقة. لم يكن التفوق العسكري للعصابات الصهيونية وحده هو الذي أنتج النكبة. كانت النكبة نتاجًا لتآمر استعماري دولي وتواطؤ داخلي رسمي. وقد مهدت هشاشة النظام العربي الطريق أمام العصابات الصهيونية، وأدخلت المنطقة في مرحلة طويلة من القبول الضمني بالهزيمة، سواء بالتسويات الفاشلة أو التطبيع المجاني. وبذلك، لا يُقتصر فهم النكبة على سرد وقائع النكبة نفسها بقدر ما يتطلب فهم السياق الذي جعلها ممكنة، والواقع الذي يجعلها مستمرة. لم تنته النكبة بخروج الفلسطينيين في العام 1948. وليس ما يجري في غزة والضفة، وفي القدس والمخيمات من اضطهاد وإذلال وإبادة؛ وما نراه من تهويد واستيطان وفقر وتهميش، سوى امتداد مباشر لتلك اللحظة الأصلية. وهي تتعمق وتترسخ كلما تم تغييبها عن الوعي العربي واختزالها في خطاب مناسباتي من دون مشروع وعي ولا تحليل ولا مقاومة. وكان حذف تاريخ النكبة من المناهج المدرسية وتهميشها في الخطاب العام جهدًا غير بريء للتبرؤ من اللوم وقطع السياق عن مقدماته. ولذلك، على المثقفين مسؤولية تثقيف الأجيال بالنكبة كضرورة استراتيجية لفهم آليات السيطرة التي ما تزال تحكم الإقليم: من الحدود المصطنعة، إلى الأنظمة المفروضة، إلى الخطاب الإعلامي المشوَّه، وصولًا إلى تطبيع الوحشية الإبادية التي يمثلها الوجود الاستعماري نفسه. لا يمكن أن ينجح أي مشروع نهضوي عربي حقيقي ما لم تتم استعادة الوعي بالنكبة باعتبارها لحظة كاشفة لجذور التبعية، والنفسية المهزومة، وفقدان السيادة، والقطوع الأفقية والعمودية في بنية المجتمعات العربية. ولم يكن تحويل فلسطين إلى «قضية فلسطينية» فقط، سوى مساهمة في تغطية الكارثة، وطريقة للتخلي عن المسؤولية التاريخية والجمعية. وكما لم تكن النكبة ممكنة من دون الغطاء الدولي، فإن استمرارها اليوم غير ممكن من دون الصمت العربي عن ذبح العرب وتعميق تدجينه وتطبيع عجزه –وهو كله من نتاجات النكبة. ينبغي استعادة مركزية النكبة لا كاستغراق في الماضي، بل كضرورة لفهم الحاضر وتفسير اختلالاته: من تصاعد الاستبداد، إلى انهيار التضامن العربي، إلى الوقوع في فخ الاستعمار الجديد. وكما كانت النكبة لحظة تأسيسية للانحدار، فإن استعادتها بهذه الصفة ستكون لحظة تأسيسية لتغيير المسار وتصحيح الخلل -وشفاء القلب.


موقع كتابات
٢٥-٠٢-٢٠٢٥
- سياسة
- موقع كتابات
العرب والشرق الأوسط الجديد
شهدت منطقة الشرق الأوسط هذه الأيام، تحولات جذرية في بنيتها السياسية والجغرافية، حيث تسعى الولايات المتحدة الأمريكية مع وصول ترامب إلى الرئاسة، إلى إعادة تشكيل المنطقة وفقًا لمصالحها الاستراتيجية ورؤيتها الجديدة.. هذه المحاولات والعملية ليست وليدة اليوم، وإنما هي إمتداد لسياسات قديمة متراكمة ومستمرة، تعتمد على إعادة ترتيب أوضاع البلدان الضعيفة، وضعضعة ظروف بدلان مستقرة أو شبه مستقرة، وإضعاف دولة قوية ليست ضمن تحالفاتها، بل وحتى إبتزاز دول حليفة وتهديدها، لضمان هيمنتها على موارد المنطقة ودولها.. من خلال دعم بعض القوى الداخلية وتقويض أخرى، فتعمل واشنطن على خلق توازنات جديدة تخدم أهدافها، سواء عبر التحالفات العسكرية أو الاتفاقيات الاقتصاديةـ أو حتى التغييرات السياسية الداخلية في دول المنطقة. التغيرات في الشرق الأوسط ليست مجرد توقعات، بل هي واقع قائم بالفعل، وله نتائج قادمة لا محالة.. والصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية، والتحديات الاقتصادية والاجتماعية، كلها عوامل تساهم في إعادة تشكيل خريطة المنطقة، وهذه التحولات ليست طارئة أو عابرة، بل هي جزء من عملية طويلة الأمد، بدأت منذ سنوات طويلة، وربما ستؤدي إلى تغيير جذري في طبيعة الأنظمة السياسية والتحالفات الإقليمية، وبالتالي فإن مقاومة هذه التغيرات، قد يكون لها ثمن كبير او ربما هي غير مجدية، خاصة في ظل وجود قوى دولية كبرى تدعم هذا التحول.. فهل من الحكمة مقاومتها أم السير معها! تاريخيًا كانت الدول العربية في موقع المتأثر بالتغيرات الإقليمية والدولية، ولم تكن يوما فاعل رئيسيا فيها، سواء خلال الحقبة الاستعمارية أو في فترة الحرب الباردة، أو حتى في العصر الحديث.. وظل العرب يصنفون ضمن التبعية للقوى الكبرى، هذا الوضع جعلهم عرضة للتأثر بكل تغيير يحدث في المنطقة، دون أن يكون لهم دور فاعل في صناعته أو توجيهه، وهذا ما يبين ويثبت ضعف تأثيرهم في صناعة القرارات الدولية المتعلقة بمصيرهم. في ظل واقعهم الداخلي والخارجي، يبدو أن الأنظمة العربية غير قادرة على مواجهة التغيرات القوية، التي تفرضها القوى الكبرى ومصالحها، نتيجة لإكتفائهم بهم الحفاظ على السلطة والحكم، مما يجعل هذه الأنظمة غير قادرة ' ولا راغبة' بالتفاعل والتأثير في المتغيرات الإقليمية والدولية..نتيجة لغياب الإرادة السياسية الحقيقية للإصلاح والتغيير، وهذا يجعلها عاجزة عن إيقاف هذه التحولات، مما يعرضها لخطر فقدان السيطرة على مصيرها. يجب على العرب يجب أن يفكروا بطريقة جديدة، خارج إطار الصندوق الذي وضعوا أنفسهم فيه، فبدلًا من مقاومة التغيرات التي تفرضها القوى الكبرى، عليهم أن يتبنوا إستراتيجية جديدة، تقوم على التفاعل مع هذه التغيرات.. ومحاولة المشاركة الفاعلة في صناعة القرارات الإقليمية والدولية، عسى أن تضمن للعرب موقعًا 'مؤثرًا' أو في الأقل 'مسموعا' في النظام الجديد.. وهذا يتطلب تبني سياسات خارجية مختلفة، وقادرة على التكيف مع المتغيرات، مع الحفاظ على الثوابت والمصالح الوطنية. لضمان تحقيق هذا الهدف، يفترض بالعرب وقادتهم/ إيجاد توازن دقيق وصارم وثابت، بين ثوابتهم الوطنية وهويتهم وقيمهم الأساسية، وما يفرضه واقع السياسة والعلاقات الدولية والقوى الكبرى، وتحقيق هذا التوازن يتطلب قيادات واعية وقادرة على قراءة المشهد السياسي بدقة، واتخاذ قرارات استراتيجية تعزز مكانتهم .. وقبلها تحديد وإستكشاف طبيعة 'هويتهم' وماهي ' مصالحهم الوطنية' ومن ثم رسم خارطة طريق، لكيفية الوصول لتحقيق كل ذلك.