أحدث الأخبار مع #الإسلاميين


الشرق الأوسط
منذ 19 ساعات
- سياسة
- الشرق الأوسط
ردود متباينة على تعيين إدريس رئيساً لوزراء السودان
أثار قرار رئيس مجلس السيادة السوداني القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان، الذي عيَّن بموجبه المرشح الرئاسي السابق، كامل إدريس، رئيساً للوزراء، ردود فعل واسعة، تراوحت بين القبول الخجول، والرفض الحاد، داخل التحالف المؤيد الجيش، وعلى المستويين المحلي والإقليمي. وعدَّت أطراف من التحالف المؤيد للجيش، بمَن فيهم أنصار النظام السابق من الإسلاميين، تعيين الرجل تجاهلاً لأدوار الذين «قاتلوا» في صف الجيش، بينما دعا بعضهم للتريث في الحكم على الرجل. وعدّ رئيس حزب «المؤتمر الوطني» (الحاكم إبان عهد الرئيس المخلوع عمر البشير)، أحمد محمود هارون، اختيار الرجل «خطوة مهمة» لإعادة ترتيب البيت الداخلي، و«تتيح لمجلس السيادة وقيادة الجيش الاضطلاع بمهامهما الجسيمة». وأضاف مُرحِّباً، «بتكوين حكومة تضطلع بمهامها، تستكمل نصر الجيش، ومعالجة آثار الحرب الشديدة الوطأة على المواطن». لكن منتمين للتيار الإسلامي عارضوا بشدة تعيين الرجل، وعدوه «طعنةً في الظهر» لهم، حيث كانوا يتوقَّعون تعيين شخصية من بينهم في المنصب؛ بسبب مشاركتهم القتال مع الجيش. وقال القيادي الإسلامي الناجي عبد الله، في مقطع فيديو يتداول بصورة واسعة، إن تعيين الرجل «ليس بشارة خير»، واتهمه بالانتماء لتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير (قحت)، الذي كان يرأسه رئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك، وأنه «ليس أقل سوءاً منهم»، وتابع: «أقال البرهان حمدوك، وأتى بآخر أسوأ منه، يحمل جواز سفر أميركياً، ويعيش في سويسرا»، وتساءل: «ألا يوجد رجال يملكون الإمكانات في السودان؟!. لماذا يُؤتي بشخص شيوعي وجمهوري ينتمي لـ(قحت)؟!». ورحَّبت حركة «العدل والمساواة» بزعامة وزير المالية جبريل إبراهيم، بتعيين الرجل، وعدّته خطوةً مهمةً لإنهاء الفراغ التنفيذي المستمر لأكثر من 3.5 سنة، وخطوةً جوهريةً لاستعادة مسار التحول المدني الديمقراطي، لكن القيادي في الحركة نفسها، إدريس لقمة، رفض تعيين كامل إدريس رئيساً للوزراء، وأعلن أنه سيقاوم تعيينه. وقال وفقاً لصفحته على منصة «فيسبوك»: «ماذا قدَّم كامل إدريس؟!». وأضاف: «لا يصلح أن يكون رئيس المجلس السيادي والوزراء من جهة واحدة» (يقصد أن البرهان وإدريس من الولاية الشمالية).


الغد
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الغد
لماذا هيمنت "التزكية" على انتخابات النقابات المهنية؟
محمد الكيالي عمان - شهدت انتخابات النقابات المهنية في الأردن للعام 2025 تطورات لافتة، حيث حُسمت نتائج عدد منها بالتزكية، إلى جانب انسحاب القوائم المدعومة من الإسلاميين، ما أثار تساؤلات حول أسباب هذه الظواهر وتداعياتها على المشهد النقابي. اضافة اعلان وحُسمت نتائج 3 نقابات مهنية لغاية الآن بالتزكية، وهو عدد لم يحصل في وقت سابق في تاريخ انتخابات النقابات المهنية. والنقابات المهنية التي تم تلجأ لإقامة الانتخابات فيها لهذه السنة، هي "المهندسين الزراعيين" و"الجيولوجيين" و"البيطريين"، في حين تشير توقعات إلى أن نقابة الصيادلة من الممكن أن تلتحق بالنقابات الثلاث. وفي الوقت الذي أكد فيه نقابيون أن النقابات المهنية باتت تشهد تحوّلا في المواقف الانتخابية للألوان المتصارعة، ذهب آخرون إلى وصف ما يجري بأنه "لعنة كورونا". وتُعزى ظاهرة التزكية في بعض النقابات المهنية إلى عدة عوامل منها ضعف المنافسة، حيث إن عزوف بعض القوائم والتيارات عن الترشح يؤدي إلى فوز المرشّحين بالتزكية. تساؤلات حول مصداقية الفوز ومن هنا، أكد رئيس لجنة الأخلاقيات الطبية في نقابة الأطباء الدكتور مؤمن سليمان الحديدي أن التنافس في الانتخابات أمر طبيعي يعكس حيوية العمل الديمقراطي ورغبة المرشحين في خدمة جمهورهم، حيث تُعد صناديق الاقتراع المعيار الحقيقي لقياس إرادة الناخبين. وأشار الحديدي إلى أن ظاهرة الفوز بالتزكية والتي باتت تبرز في بعض المحطات الانتخابية مؤخرا، تطرح تساؤلات حول مدى مصداقية هذا النوع من الفوز، وإن كان يعكس حقيقة الإرادة الشعبية أم أنه مجرد انعكاس لحالة من الركود في المشهد الانتخابي. ولفت إلى أن الفوز بالتزكية يُعد فوزا هادئا يفتقر إلى الحماسة والصخب المرتبطين بالمنافسات التقليدية، وهو غالبا ما يكون نتيجة غياب التنافس الحقيقي، إما لضعف الاهتمام العام أو لصعوبة الإقدام على الترشح من قبل آخرين. وأوضح أن هناك عدة عوامل قد تدفع نحو هذا السيناريو، منها توافق سياسي أو اجتماعي بين الأطراف المختلفة، أو وجود هيمنة لطرف سياسي قوي يدفع الأطراف الأضعف إلى الانسحاب. وأشار إلى أن القيود الاقتصادية والقانونية التي تفرضها بعض القوانين على المرشحين قد تشكل عبئا إضافيا يثني الكثيرين عن خوض المعركة الانتخابية. وأضاف الحديدي إن ضعف اهتمام الناخبين وشعورهم بعدم جدوى المشاركة قد يساهم أيضا في شيوع التزكية كخيار أسهل. وتابع قائلا: "ما يحدث في بعض النقابات لا يخرج عن هذا السياق، حيث يستمر الفوز "الصامت" في الهيمنة، رغم أن التنافس يظل الوسيلة الأمثل لتحريك الساحة وإضفاء روح جديدة في الأوساط المهنية والنقابية". وحذر من أن غياب المنافسة قد يغلق الباب أمام فرص الإبداع والتجديد، لافتا إلى أن الانتخابات، رغم ما قد يصاحبها من خلافات أو انقسامات عمودية داخل القواعد الانتخابية، تظل مناسبة لإحياء الأمل في النفوس وضخ دماء جديدة في المؤسسات. وختم بالإشارة إلى أن الميل نحو التزكية في المرحلة الراهنة ليس بالأمر المستغرب، نظرا لتداخل العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تميل أحيانا لترجيح كفة طرف على حساب الآخر. لا للتجريب أو المجازفة وفي حين يرى نقابيون أن وجود توافقات بين التيارات النقابية المختلفة على مرشحين معينين لتجنب المنافسة، فإن آخرين يعدون أن هناك ضغوطا بات يشكّلها المستقلون الذين ليست لهم قوائم منضوون تحتها، ما يُصعف من فرص المنافسة ومن ثم الانسحاب لدى بعض النقابات. وقال الصيدلاني الدكتور معاذ سلامة إن التحديات الراهنة التي تواجه مهنة الصيدلة تتطلب قيادات ذات خبرة واسعة وكفاءة عالية، قادرة على التعامل مع هذه الظروف الدقيقة التي تمر بها المهنة. وأوضح أن المرحلة الحالية لا تحتمل التجريب أو المجازفة بأشخاص يفتقرون إلى الخبرة العملية والقدرة على إدارة الأزمات. وأشار إلى أن المرشح لمنصب نقيب الصيادلة الدكتور زيد الكيلاني يتمتع بسجل مهني طويل وخبرة واسعة في السوق الأردني، ما يجعله الأقدر على التصدي للتحديات الجديدة التي طرأت مؤخراً، وفي مقدمتها نظام الفوترة الوطني وما يرتبط به من إشكاليات مع شركات التأمين. ولفت سلامة إلى أن واقع المهنة اليوم يمر بظروف معقدة وصعبة تتطلب من النقابات المهنية أن تركز جهودها على القضايا المهنية البحتة، وأن تتبنى مواقف وطنية منسجمة مع توجهات الدولة، بعيداً عن التورط في العمل السياسي الذي من شأنه أن يشتت البوصلة النقابية ويؤدي إلى تهميش المهنة الأساسية. وشدد على أن النقابات يجب أن تبقى مظلة مهنية تدافع عن حقوق المنتسبين وتتصدى للتحديات التنظيمية والخدمية التي تواجه القطاعات المختلفة، دون أن تنجر إلى اصطفافات أو تجاذبات سياسية تضعف من دورها الحقيقي في حماية المهن والارتقاء بها. خسائر متتالية لتيارات نقابية وفي الوقت الذي شهدت فيه الانتخابات النقابية الحالية انسحاب القوائم المدعومة من التيار الإسلامي وخاصة "القائمة البيضاء"، أكد مطّلعون على الأمر أن ذلك يعود لأسباب عدة، أهمها الخسائر المتتالية التي تعرضت لها هذه القوائم في الانتخابات السابقة، ما أثر على معنوياتها ودفعها للانسحاب من المنافسة. ويرى الخبراء أن وجود خلافات داخل التيار الإسلامي حول الإستراتيجيات الانتخابية أدى إلى ضعف التنسيق والانسحاب من بعض السباقات الانتخابية. وفي المحصلة، تعكس نتائج انتخابات النقابات المهنية للعام الحالي، تحديات تواجه العمل النقابي، منها ضعف المنافسة والانقسامات الداخلية في بعض التيارات، إضافة إلى ضعف البرامج الانتخابية لدى بعضها. ويرى مراقبون أن هذه العوامل مجتمعة أدت إلى فوز بعض مجالس النقابات المهنية بالتزكية وانسحاب قوائم أخرى من المنافسة.


الجزيرة
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الجزيرة
لماذا يمارس العلمانيون العرب الاستعلاء؟
بنبرة طافحة بالاستعلائية والشعور بالتفوق، تخرج علينا أحزاب وشخصيات علمانية، من مدارس قومية ويسارية وليبرالية، بمقالات، تسخر فيها من قدرة (أو بالأحرى لا قدرة) الأحزاب الدينية على ممارسة السياسة والحكم في بلداننا، لكأنها من حيث تدري (أو لا تدري)، تُزكي نفسها للحكم، أو لمعاودة الحكم، وتقدم أوراق اعتماد لا جديد فيها سوى الرهان على فشل الآخرين. حسنًا، لسنا نجادل بشأن أهلية الأحزاب الدينية لممارسة الحكم والسياسة في دولنا ومجتمعاتنا، فإن نحن دخلنا من باب تسجيل المثالب والعيوب، فلن يبقى متسع في هذه المقالة، لقول شيء آخر.. وكاتب هذه السطور ليس من أنصار "الدولة الثيوقراطية"، بعد الإخفاق المتكرر لتجارب حكم الإسلاميين، في عدد من الدول العربية والإسلامية خلال العقدين الأخيرين على أقل تقدير. لكن ذلك، لم يمنعنا من قبل، ولا يمنعنا اليوم، من طرح السؤال البدَهَي وهو: هل لهذه الاستعلائية والإحساس بالتفوق ما يبررهما في تجارب أحزابنا "العلمانية" على اختلاف مدارسها، إن في ممارسة الحكم أو حتى في أثناء الجلوس على مقاعد المعارضة؟ وبفرض أن تجارب حكم العلمانيين في السابق قد أخفقت، وأن ثمة إقرارًا بالفشل المتكرر من عاصمة إلى عاصمة، هل ثمة ما يشي بأن "القوم" قد تعلموا الدرس، وأجروا ما يتوجب عليهم من مراجعات واستخلاصات؟ هل هم اليوم في وضع أفضل مما كانوا عليه طوال العقود الستة أو السبعة الفائتة، حتى يصبح ممكنًا الرهان بأن عودتهم للحكم ستأتي بالخير العميم والمقيم لشعوب هذه المنطقة وبلدانها؟ في تجارب العلاقة بين إسلاميي المنطقة وعلمانييها، ثمة لعبة "تلاوم" مستمرة، وتراشق بالاتهامات المتبادلة، لا تنقطع، ينخرط فيها الطرفان بذات القوة والحماسة، ودائمًا بهدف تفادي ممارسة "النقد الذاتي"، فمن الأسهل لقادة هذه التيارات والأحزاب ومفكريها، إشهار "سلاح النقد" في وجه الخصوم والمجادلين، وإبقاء سيف "النقد الذاتي" في غِمده. رأينا إسلاميين لا يتورعون عن تكفير العلمانيين وتخوينهم، ورأينا يساريين وقوميين وليبراليين، لا ينفكون عن اتهام الإسلاميين بالجهالة و"الدروشة" و"التخلف"، وأحيانًا بخدمة أجندات استعمارية، عن قصد أو من دونه. ومن أسفٍ، فإن التنابذ بالاتهامات وتجنب ممارسة "النقد الذاتي"، لم يكن سمة مميزة للعلاقة بين إسلاميي المنطقة وعلمانييها فحسب، فداخل كل معسكر من المعسكرين، نرى أقدارًا متفاوتة من "الاتهام" و"الإلغاء"، إذ حتى داخل الفريق الواحد، رأينا أمرًا كهذا. فالعلاقة بين اليسار والقوميين، تلطخت بدماء بعضهم البعض في غير ساحة، وفُتحت السجون لاستقبال المئات والألوف من قادةٍ ونشطاء عندما كانت الغلبة لصالح هذا الفريق أو ذاك، ولولا محاولات شكلية متواضعة التأثير، كالمؤتمرات القومية ومؤتمرات الأحزاب العربية، لقلنا إن الصراع وليس التعاون، هو السمة البارزة لتاريخ العلاقة بين هذين المكونين. داخل المعسكر الواحد، لم تكن العلاقة بين حركة القوميين والناصريين وحزب البعث، علاقة تكامل وتعاون، برغم الخلفية الفكرية المتقاربة بين هذه المدارس الثلاث. وداخل صفوف البعث نفسه، كان "التآمر المتبادل" هو السمة التي طبعت العلاقة بين حكمي البعث في بغداد ودمشق. أما اليسار فلم تستقر العلاقة بين أطرافه التقليدية "الأحزاب الشيوعية"، و"اليسار المقاوم"، إلا بعد مسار من التحولات قادتها الجبهتان الشعبية والديمقراطية صوب ماركسية – سوفياتية، وأخرى قادها الحزب الشيوعي اللبناني أواخر سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الفائت، نحو "شيوعية" متلاقية مع مندرجات المقاومة والتحرر الوطني. الإسلاميون بدورهم واجهوا ما واجهوا، من صراعات بين جناحي الإسلام السياسي السنّي والشيعي، وداخل المدرسة السنيّة، بين سلفية وإخوانية وغيرهما، وداخل المدرسة الإخوانية، بين تيار حداثوي أقرب للإسلام التركي، وآخر أصولي، أكثر تشددًا وانغلاقًا، وعبرت هذه الخلافات عن نفسها بانشقاقات متتالية، وعمليات نزف أخرجت كثرة من القادة والمفكرين الإسلاميين من صفوف حاضنتهم الأم. أما العلاقة بين الإسلاميين والعلمانيين، فكانت شهدت نوعًا من التناغم في العقد الأول من القرن الحالي، بالذات بعد موجة المبادرات والمشاريع الإصلاحية التي أطلقتها الجماعات الإخوانية في منتصفه، والتي قرّبتها بدرجة كبيرة من خطاب الحركات اليسارية والقومية، لكن عقد الربيع العربي، واصطفاف كل فريق في معسكر مقابل الآخر، لا سيما بعد انتقال "شراراته" إلى سوريا، قد أعاد هذه العلاقة إلى مربع الصراع والصدام، وأفضى الخلاف، إلى تفكيك أو إضعاف "أطر تنسيقية" عدة، سبق أن نشأت في عشرية التعاون والتلاقي، تحت عنوان حفز الإصلاح والتغيير والدمقرطة في عالمنا العربي، بعد عقود من الركود. الخلاصة الأولى: ليس الانقسام بين إسلاميين وعلمانيين بجديد، ولكنه يكتسب بعد كل التطورات التي أعقبت طوفان الأقصى، بعدًا جديدًا ومنحى مختلفًا. والصراع ليس سمة العلاقة بين هذين المكونين فحسب، بل هو عابر لتيارات الفكر والسياسة في العالم العربي، وإذا كان سلاح النقد هو الأشد مضاءً في العلاقة بينها، إلا أن الغائب الأكبر عن حلبة السجال، هو "سلاح النقد الذاتي". استعلائية بلا مبرر يحتاج العلمانيون العرب، إلى ما هو أكثر وأبعد من مجرد محاولة "تجريد الإسلاميين من أهليتهم" لممارسة الحكم والسياسة، حتى يضمنوا قبول أوراق اعتمادهم الجديدة – القديمة. يحتاجون للبرهنة على أن تجاربهم في الحكم كانت "قصص نجاح"، أو على أقل تقدير، أن يثبتوا لجمهورهم وجمهور غيرهم من الأحزاب والتيارات، أنهم تعلموا من دروس الفشل والإخفاق. هذا لم يحدث حتى الآن، أو لم يحدث بالقدر المقنع، بل ثمة مؤشرات، أن بعض قوى ورموز هذه التيارات، قد فقدت هويتها، وتماهت مع قوى الفساد والاستبداد، وتحولت إلى أدوات لتجميل الصور القبيحة لدكتاتوريات و"دول عميقة". على هؤلاء ألا ينسوا، وأن يتذكروا صباح مساء، حقيقة أنه ما كان للإسلام السياسي على اختلاف مدارسه ومذاهبه، أن ينتشر على مساحة الخريطة المجتمعية العربية، لولا فشلهم هم. الفراغ الذي خلفته مدارس اليسار والقوميين في الحكم والمعارضة، ملأته قوتان لا ثالث لهما حتى الآن: "دول عميقة" و"حركات إسلامية"، أما "التيار الثالث" فظل في معظم، إن لم نقل جميع، دولنا، مجرد فكرةٍ أو حلمٍ، عصي على التحقيق. هم يعرفون ذلك في قرارة أنفسهم، بيد أن المكابرة و"الكسل الفكري" ما زالا يحولان دون إقرارهم بذلك علنًا. فالهزيمة في 1967 لم تكن مجرد نكسة ناجمة عن قصور إجرائي يتحمل مسؤوليته هذا المسؤول أو ذاك، بل هو سياق لناصرية مشتبكة مع تيارات اليسار والإسلاميين (وحتى القوميين)، كان طبيعيًا أن تنتهي بـ"الساداتية" التي هي "ناصرية ما بعد النكسة" وامتداداتها. والحركات القومية "المشرقية" لم تُخفق في إزالة آثار عدوان "سايكس- بيكو" فحسب، بل وجرّفت مجتمعاتنا وجوّفتها إلا من مؤسستين: الدين والقبيلة، فكان انفجار "الهويات القاتلة" نتاجًا طبيعيًا لمرحلة ما بعد صدام حسين في العراق، وما بعد آل الأسد في سوريا، وليبيا ما بعد القذافي. وفي تجربته "اليتيمة" في الحكم، أخفق اليسار الاشتراكي (الماركسي) في جنوب اليمن في تقديم نموذج مغاير، فالحزب الاشتراكي اليمني، سليل "القوميين العرب"، وبعد أن لم يجد من يقاتله، قتّل نفسه وقادته وكوادره، وثورة الجنوب أكلت أبناءها تباعًا، تارة بحجة مواجهة الانحرافات اليمينية "قحطان" و"سالمين" و"علي عنتر"، وأخرى بحجة مواجهة اليسار "الرومانسي" وصولًا إلى مذبحة مدرسة الكادر، ودائمًا تحت شعار "الثورة والحزب يتقويان بالتخلص من العناصر المنحرفة والانتهازية والمتساقطة"! ومقابل تآكل أو تلاشي أحزاب ملأت الأرض والفضاء، من ناصرية وبعثية وقومية، بدا اليسار في العقدين الفائتين تائهًا تمامًا. بعضه، ونكاية بالإسلام السياسي "الرجعي- المتخلف" (حسب وصفهم)، تلوّن بـ"البرتقالي"، وقبل على نفسه أن ينخرط في علاقة ذيلية- تبعية لأنظمة وحركات مستبدة، وبعضها مطعون في ولاءاته وتموضعاته وتحالفاته. شيوعيون لبنانيون ساروا خلف سمير جعجع، عراقيون اصطفوا خلف أمراء الطوائف والمليشيات والأقوام، وباتوا يظهرون في خلفية صورهم، ومصريون تحولوا إلى جزء من ماكينة "الدولة العميقة" الدعائية، ويساريون عرب آخرون تماهوا أو كادوا يتماهون مع قوى وأنظمة، لا وظيفة لها سوى تأبيد حالة الاستلاب للهيمنة الغربية والإسرائيلية في المنطقة عمومًا. آخرون، ممن احتفظوا بثوبهم "الأحمر"، وتحت شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المقاومة"، انخرطوا في علاقة "ذيلية- تبعية" أيضًا، ولكن مع حركات وجماعات الإسلام السياسي المسلحة، سنيّة أكانت أم شيعية، ولقد كنت شاهدًا على خطاب ألقاه قائد فلسطيني يساري راحل في طهران، ذات اجتماع لقوى المقاومة، استحضر فيه أقوالًا للإمام الخميني أكثر مما استخرج من مألوف قاموسه الثوري. لم يتعلم هذا الفريق من دروس ما قبل النكسة، عندما رهن حركته الخاصة بنضج الحالة الناصرية، فترك أمر المبادرة في مقاومة الاحتلال لغيره، إلى أن صار مجرد فصيل في حركة وطنية، صبغتها "فتح" بطابعها وقيادتها وبرنامجها. سعى هذا الفريق في تقليد غيره واستعارة مفرداته، فكان كالغراب الذي حاول تقليد الحمامة، لا أتقن مشيتها ونسي مشيته. اليوم، يستشعر فريق من العلمانيين، من يساريين وقوميين، أنه ما دام التيار الليبرالي العربي، لم تقم له قائمة بعد (حاضر اقتصاديًا وغائب سياسيًا وثقافيًا واجتماعيًا)، منذ أفول "النهضة والتنوير" في مفتتح القرن الفائت، فإن الوقت قد حان للانقضاض على خصم تاريخي، أصيب بضربات مميتة بفعل تداعيات الطوفان، وما أعقبها من تجدد حملات التطويق والشيطنة ومساعي الاستئصال التي تستهدف الإسلام السياسي والمسلح بكل مدارسه ومكوناته وكياناته. يستشعر هذا الفريق، فائض قوة، ليست نابعة من قواعد اجتماعية كسبها وأعاد تنظيمها وتحشيدها، ولا من خطاب جرى تنقيحه ومراجعته وتطويره، فهو أضعف حتى من أن يجاهر بـ"علمانيته"، بل من رهانات داخلية على الدولة العميقة بأشكالها وصيغها وأدواتها المتفاوتة من حيث الشدّة واللين، ورهانات على "خارج" يستكلب في مطاردة المقاومات العربية وتجفيف حواضنها الشعبية، من دون تمييز بين من حمل السلاح أو من شاركه الفكرة والدعم والمناصرة. والخلاصة الثانية: أن مشكلة هذا الفريق لا تكمن في أنه لم يتعلم من تجارب الآخرين، بل وفي أنه لم يتعلم من تجاربه الخاصة كذلك. هو يقبل بأن يكون "مُستخدَمًا" في معركة ليست معركته، ويكتفي بما يقدم له من فتات المزايا والتسهيلات، التي إن كان لها من أثر، فهو تعميق حالة "التيه" التي ضربته ومن سبقه، بدل أن يضطلع بمسؤولياته التاريخية، في بلورة "قطب يساري" مستقل، برؤية جديدة وبرنامج جديد، وللحديث صلة.


موقع كتابات
٠٧-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- موقع كتابات
الإسلاميون وعقدة الإنبهار.. برنامج قطايف نموذجاً
ما إن يعلن ممثل توبته أو ترتدي فنانة الحجاب حتى يتباشر التيار الإسلامي على تنوّعه في عموم العالم الإسلامي تمجيده ومدحه، ومن ثم تتصاعد أسهم هذا الممثل أو الفنانة فتأخذ طريقها للقنوات الإسلامية لتحظى بعشرات اللقاءات، ثم تتغير الصفة من الفنانة إلى الداعية الفلانية بل وقد تتحوّل هذه الفنانة أو يتحوّل الفنان ليصبح مقدماً للبرامج الدينية يعظ الناس ويوجهها في أمر دينها. هذا الواقع لا إشكال فيه في العموم لكن الإشكالية تكمن في أن هذا الفنان أو الفنانة قد يكون اتخذ قراره نتيجة لضغوط معينة أو لظرف طارئ ثم ما يلبث أن يعود القهقري لما كان عليه سابقاً من عمل، الأمر الذي يحدث هزّة في عموم عوام الناس المتدينين وقد يكون له إنعكاساً سلبياً على التزامهم في العموم. هذه الحالة التي تكررت كثيراً خلال العقود الأخيرة وزادت من حدتها وسعتها وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير جداً باتت ظاهرة ينبغي الوقوف عندها كثيراً وتحليلها ومعرفة أسبابها ومآلاتها لنتائجها السلبية في العموم. وأزعم أن الإسلاميين ومنذ أنهيار الخلافة الإسلامية وتقسيم تركتها على الدول المستعمرة وهم يعيشون حالة الهزيمة النفسية التي كبرت شيئاً فشيئاً بشكل إنعكس على قناعة العديد من المسلمين في الإسلام -للأسف- كدين يصلح لكل زمان ومكان وباتت التيارات الفكرية تموج البلدان الإسلامية مجيئاً وذهاباً آخذةً معها المسلمين يميناً تارة وشمالاً تارةً أخرى.. هذه الهزيمة هي التي جعلت من المسلمين يبحثون عن أي أنتصار وإن كان شكلياً لا جوهر فيه، بل إن توبة فنان أو فنانة هي مكسب ودليل على صدق الإسلام ومعجزة كتابه، لا كما هو الأصل أن الإسلام هو الدين الحق وأن إظهاره على الدين كله هو وعد ربنا الصادق، وإن توبة هذا الشخص أو ذاك هي مكسب له لا للإسلام فالإسلام الدين الغالب ولو كره الكافرون. هذا المنطق الغائب هو ما جعل الإسلاميين منبهرين بأي حالة توبة لفنان أو فنانة أو لأي عمل يقوم به مسؤول مسلم وكأنه تفضل على الإسلام بعمله هذا، وبدأنا نشهد الأخبار أو العناوين الآتية هي الغالبة مع كل حالة مشابهة: شاهد قبل الحذف.. توبة الفنانة…………. من التمثيل إلى الدعوة.. الفنانة………… الرئيس ……… يؤدي صلاة الجمعة في المسجد!! الزعيم…………. يقبل يد والده..!!؟؟؟ ملايين النصارى يدخلون الإسلام بسبب احتفالية اللاعب………. بالسجود. وآخر ما حصل كان مع الفنان المصري سامح حسين الذي أتحفنا في شهر رمضان ببرنامج (قطايف)، لينطلق المشايخ في وصف الفنان بالداعية والمحدث والواعظ وغيرها من التوصيفات التي عظّمت من حجم عمل الرجل بشكل مبالغ فيه، ثم مالبثت تلك المنابر أن عكست صورة عمل الفنان بأن شككت في نواياه بل وعدته جزءاً من نظرية مؤامرة كبيرة يرتبها أو رتبها النظام المصري لاسيما بعد أن دعي الممثل لمأدبة أفطار نظمتها الرئاسة المصرية. كل ما حصل كان ليكون طبيعياً لولا عقدة الإنبهار التي يعاني منها الإسلاميون وسببت هذا اللغط والأخذ والجذب بين عوام الناس.. فالأمر باختصار أن فنان عرضت عليه فكرة لبرنامج فيه معاني طيبة، وبالفعل قبل الفنان هذا المشروع وقدمه وجعل له ربنا سبحانه وتعالى القبول بين الناس لجمال كلماته ولطف طريقة تقديمه.. فجزاه الله خير الجزاء وانتهى.. لا الفنان تحوّل إلى داعية.. ولا الفنان قد يكون هو القدوة التي ينبغي للشباب التأسّي بها..


الجزيرة
٢٦-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- الجزيرة
أندرو مارش "حول الديمقراطية المسلمة".. تأملات في فكر راشد الغنوشي
شغلت أسئلة الديمقراطية والإسلام والحداثة الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر، وظلت الإجابات المختلفة المقدمة من قبل الحركات الإسلامية ومواقفها من هذه القضايا الأساسية، أحد المعايير الأساسية التي اعتمدها المفكرون والباحثون العرب والأجانب في تصنيف وتمييز الحركات الإسلامية بعضها عن بعض. ففي الوقت الذي يعتبر فيه بعض الإسلاميين أن هناك إمكانية للتوفيق بين الإسلام والديمقراطية، ويرى فريق منهم في الديمقراطية تطبيقا لمفهوم الشورى في القرآن استنادا إلى ما جاء في القرآن والسنة النبوية وبعض الآراء الاستثنائية في الفقه الإسلامي التي تعتبر الشورى ملزمة، نجد فريقا ثانيا يعتبر أن الديمقراطية والشورى سواء. ويذهب إلى الاستدلال على ذلك بوثيقة المدينة التي يرى فيها "أول عقد مواطنة في التاريخ" لما فيها من حث على العدل والتعددية وحماية الأقليات واعتبار اليهود والمسلمين أمة واحدة. كما أن هناك فريقا آخر من الإسلاميين يعتبر أن الديمقراطية والإسلام ضدان لا يجتمعان، وينقسم هؤلاء بدورهم إلى فريقين: فريق تقليدي وآخر جهادي، ويستشهد الفريقان بالكتاب والسنة لإثبات أن الحكم لله وليس للشعب، وأن التشريع لله وليس للبرلمان. ويرى الفريق الأول أن الديمقراطية تتعارض مع التصور الإسلامي للسلطة والحكم، فيما يتجاوز الفريق الثاني التعارض الفقهي إلى المفاصلة العقدية، ويرى في الديمقراطية كفرا ويصفها بـ"طاغوت العصر". ولعل هذه التفريعات والتصورات المختلفة المبنية على قناعات منها الراسخ والمتحول المبني على التحولات المجتمعية والتغيرات الفكرية والسياسية والإستراتيجية وحتى الأيديولوجية، والناتج عن موجة الديمقراطية العالمية التي هبت على العالم أواخر ثمانينيات القرن الماضي. وهذا ما أنتج الكثيرَ من الكتابات العربية والأجنبية التي أغنت المكتبة العربية في هذا الاتجاه، وسلطت الضوء على الكثير من القضايا الشائكة المتعلقة بالتجديد الديني والحداثة والديمقراطية والليبرالية، والإسلام السياسي ومنزلقاته الخطيرة، خاصة بعد موجة "الربيع العربي" ومطالبة الشعوب العربية بالحرية والكرامة والمساواة والديمقراطية ومشاركة المرأة في الحياة السياسية. ومن بين هذه الكتب نجد كتابات أشهر القادة الإسلاميين في العالم الإسلامي والمجتهدين في الفكر والفقه الإسلامي المعاصرين: وهما المفكر والزعيم السياسي والديني السوداني الراحل حسن عبد الله الترابي صاحب كتاب "السياسة والحكم: النظم السلطانية بين الأصول وسنن الواقع" ، الذي أصدره عام 2003 وهو في السجن بعد اختلافه مع نظام الحكم في السودان الذي كان هو عقله المدبر. والمفكر وزعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي المعتقل منذ عام 2023 صاحب كتاب "الحريات العامة في الدولة الإسلامية" بجزأيه الأول الصادر عام 1993 والثاني الصادر عام 2012. إضافة إلى كتابه "الديمقراطية وحقوق الإنسان في الإسلام" الصادر عن مركز الجزيرة للدراسات وعن الدار العربية للعلوم ناشرون عام 2012. الغنوشي والديمقراطية المسلمة إن هذه الأعمال المجددة للشيخ راشد الغنوشي وغيرها من كتاباته، التي فاقت الـ20 مؤلفا، والتي قدم فيها اجتهادات في مواضيع الحريات والعلاقة بين الديمقراطية والإسلام، وتشبع بها حتى على مستوى الممارسة السياسية بتونس والمواقف التي تصدر عنه، هي ما أثار الاهتمام بهذا الرجل السياسي والمفكر والزعيم الإسلامي من قبل الباحثين العرب والغربيين. فلقد أفردوا له كتابات، بل وخصصوا له من الوقت ما لم يخصصوه لغيره، وعلى رأسهم الباحث الأميركي وأستاذ العلوم السياسية أندرو مارش الذي أصدر عام 2023 كتابا عنه وبالتعاون معه باللغة الإنجليزية تحت عنوان: "ON MUSLIM DEMOCRACY: ESSAYS AND DIALOGUES-حول الديمقراطية المسلمة: نصوص وحوارات" عن "منشورات جامعة أكسفورد" قسم الدين والسياسات العامة. وهو كتاب يضم مجموعة من النصوص والمقالات للشيخ راشد الغنوشي المترجمة من العربية إلى الإنجليزية من قبل الباحث الأميركي المتخصص في الفكر الإسلامي، وحوارا مطولا معه يرصد مساره الفكري والسياسي والتحولات الكبيرة التي عرفها وكيفية انتقاله من الديمقراطية الإسلامية إلى الديمقراطية المسلمة وقطعه مع الإسلام السياسي. تحدث الباحث الأميركي أندرو مارش عن تأليفه لهذا الكتاب، الواقع في 284 صفحة من الحجم المتوسط، في الملتقى الفكري حول "الإسلام والديمقراطية" الذي خصصه "منتدى المتوسط للتبادل والحوار" مساء يوم الثلاثاء 18 مارس/آذار الجاري بمدينة سلا المغربية للاحتفاء بهذا المؤلف ومناقشته بحضور نخبة من الكتاب والسياسيين والمثقفين المغاربة وحضور المناضل التونسي رضا إدريس مستشار الغنوشي للعلاقات الخارجية. قال الباحث إن دواعي تأليفه تعود إلى اهتمامه بدراسة المفاهيم الإسلامية المتعلقة بالحكم والحرية، حيث أثارت قراءته لكتاب الشيخ راشد الغنوشي "الحريات العامة في الدولة الإسلامية" فضوله المعرفي للنبش العميق في مفهوم "الاستخلاف"، باعتباره مبدأ محوريا في الفكر الإسلامي السياسي. ذلك ما دفعه إلى الاهتمام بتتبع مراحل تطور الفكرة من نموذج الخلافة التقليدية إلى التفاعلات الديمقراطية الحديثة، خصوصا مع ما شهده العالم العربي والإسلامي في ظل "الربيع العربي"، وتحديدا تونس التي أطلقت شرارته الأولى في عام 2011. حركة النهضة التونسية ويعرض الأكاديمي الأميركي والأستاذ بجامعة "ماساتشوستس" في مقدمته لهذا الكتاب، والتي تفوق 30 صفحة، الأسباب التي دفعته إلى تأليفه مع الغنوشي، ولجمع وترجمة مجموعة من المقالات إلى اللغة الإنجليزية وهي غير معروفة بالنسبة إلى القارئ الغربي. وقد تم ذلك بعدما عمل مع جامعة "ييل" الخاصة في كنتيكيت على ترجمة كتاب "الحريات العامة في الدولة الإسلامية" إلى الإنجليزية، وهو ما فتح أمامه المجال للقاء الغنوشي والتواصل معه بشكل مباشر، والكتابة عن العشرية الديمقراطية بتونس، والتي كان للغنوشي دور كبير في إنجاحها. حيث لعب الغنوشي دورا محوريا على مستوى الممارسة السياسية في فترة الانتقال الديمقراطي في تونس بعد الثورة، ثم في فترة "التوافق" التي جمعته بالرئيس السابق الباجي قائد السبسي. وتميزت حركة النهضة عن غيرها من الحركات الإسلامية بتقديم تنازلات كبيرة لمعارضيها العلمانيين من أجل المحافظة على استقرار تونس، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك وتخلت عن السلطة السياسية، التي حصلت عليها في انتخابات حرة ونزيهة، لصالح حكومة تكنوقراطية. كما أنها أعلنت رسميا في مؤتمرها العاشر في مايو/أيار 2016، بعد عامين من اعتماد دستور ديمقراطي، تمت صياغته بعد ما يقرب من 3 سنوات من المداولات والمفاوضات الشاقة في مجلس تأسيسي وطني، أنها تجاوزت تسمية "الإسلام السياسي" وعرّفت نهجها باسم "الديمقراطية المسلمة". ودعت إلى حوار مع مجموع الديمقراطيين المسلمين من أجل سن نهج صحيح يقوم على رفض أي تناقض بين قيم الإسلام والحداثة، وفق ما جاء في البيان الختامي لمؤتمر النهضة العاشر. وهو ما رأى فيه الكثير من المراقبين والمتتبعين لحركة النهضة قطيعة حادة وانفصالا عن النهج التاريخي والأيديولوجي الذي خطته الحركة لنفسها منذ البداية. ويضيف البروفيسور أندرو مارش في أول لقاء بالعالم العربي لتقديم هذا الكتاب بعد لقاءات خصصت له بتركيا وببعض الدول الغربية، أن ما يتعرض له الغنوشي من اعتقال إلى غاية اليوم يعد انتكاسة كبيرة للتجربة الديمقراطية في تونس. وأن هذا الوضع "يعكس التحديات التي تواجه الديمقراطية المسلمة، ليس فقط كتجربة سياسية، ولكن أيضا كمفهوم فكري يسعى إلى تحقيق التعددية والحرية ضمن إطار إسلامي". يشير مارش إلى أنه على الرغم من أن ظاهرة "الديمقراطية الإسلامية" كانت موضوعا لبعض الدراسات، فإن هذا الكتاب، على حد قوله، هو أول عمل باللغة الإنجليزية يقدم ترجمة لنصوص "المصدر" الأولية التي توضح بالتفصيل معالمه الأيديولوجية، لأنه يقف على نموذج حي هو حزب النهضة التونسي الذي تجاوز الإسلام السياسي الكلاسيكي، ودور مؤسسه راشد الغنوشي في تطوير مفهوم "الديمقراطية المسلمة"، الذي يراه تطورا فكريا يتجاوز الإسلام السياسي التقليدي. العلاقة بين الإسلام والديمقراطية فهل "الديمقراطية المسلمة" مجرد مصطلح سياسي، أم أنها تمثل رؤية فكرية متكاملة تتجاوز الإسلام السياسي؟ وهل هي أيديولوجية أم نظرية حول السياسة من وجهة نظر إسلامية؟ وما أوجه اختلافها عن الإسلام السياسي أو النظريات السابقة لـ "الديمقراطية الإسلامية"؟ وكيف تختلف عن النظريات غير الإسلامية للديمقراطية البرلمانية التعددية؟ وهل الأمر يتعلق بتسويق سياسي في مرحلة الانتخابات فقط أم بقرار إستراتيجي مناهض للأحزاب الأخرى المعادية لدمقرطة الإسلام؟ هذه بعض من الأسئلة الأساسية المؤطرة لكتاب "حول الديمقراطية المسلمة" الذي يناقش فيه الأكاديمي أندرو مارش العلاقة بين الإسلام والديمقراطية والعدالة والتعددية، ويقدم محاولة فريدة لتفسير هذه الظاهرة أيديولوجيًا من خلال ترجمة 10 مقالات مركزية لراشد الغنوشي تطور مقاربة متميزة للسياسة والديمقراطية والخلاف، فضلا عن حوار فلسفي مطول بين الغنوشي أحد مفكري الحركة الإسلامية والأكاديمي السياسي أندرو مارش. وعلى هذا الأساس جاء الكتاب موزعا إلى مقدمة عامة تحمل عنوان "من الديمقراطية الإسلامية إلى الديمقراطية المسلمة: راشد الغنوشي في الفكر والعمل"، و10 فصول. الأول منها يحمل عنوان "الحريات الأساسية في الإسلام" والثاني "جدلية الوحدة والاختلاف والتعددية السياسية في الإسلام" والثالث "متى يكون الإسلام هو الحل؟" والرابع عن "الحرية أولا" والخامس "بين سيد قطب ومالك بن نبي: عشر نقاط" والسادس حول "الإسلام والمواطنة". ثم الفصل السابع حول "مشكلات الخطاب الإسلامي المعاصر" والثامن حول "العلمانية والعلاقة بين الدين والدولة من منظور حزب النهضة" والتاسع حول "دلالات ومتطلبات دستور ما بعد الثورة". أما الفصل العاشر المعنون بـ "حقوق الإنسان في الإسلام" فيضم حوارات فلسفية لاهوتية حول الديمقراطية والتعددية والإسلام والعلمانية للأكاديمي أندرو مارش مع زعيم حزب النهضة التونسي راشد الغنوشي. وهي حوارات يتتبع فيها مسار هذا الزعيم السياسي الاستثنائي، الذي بدأ علمانيا وقوميا، وتحول إلى الحركة الإسلامية عبر حزب النهضة، وتعرض إلى الكثير من المضايقات والاعتقال والتعذيب في ثمانينيات القرن الماضي. كما حكم بالإعدام مرتين في التسعينيات، ما اضطره إلى البقاء في المنفى بلندن لمدة 21 عاما من 1989 إلى غاية2011، بسبب أفكاره وتصوراته التي لم تكن تجد صدى لها من طرف الكثير من معارضيه، خاصة حينما حاول تقديم نموذج فكري جديد يمكن أن يلهم الدول الإسلامية الأخرى التي تسعى إلى تحقيق التغيير السياسي والاجتماعي. بَيد أن خصومه من الإسلاميين والعلمانيين الذين يؤمنون باستحالة التوفيق بين الإسلام السياسي والديمقراطية، كانوا يصفون التيارات التي تتماهى مع الديمقراطية بالتلفيق، ومحاولة أسلمة الديمقراطية أو دمقرطة الحركات الإسلامية كإجراء تكتيكي مرحلي للوصول إلى الحكم ثم الانقلاب على الديمقراطية لصالح دولة الخلافة التاريخية، رغم أن حركة النهضة أعلنت الانسحاب من المشاركة السياسية في الحكومة حفاظا على الديمقراطية والسلم والوطن. ولهذا فالغنوشي حسب مارش، ليس مجرد سياسي، بل هو "مفكر ومجدد سعى إلى التوفيق بين التراث الإسلامي ومتطلبات الديمقراطية الحديثة"، وهو ما حاولت هذه الحوارات الغنية والمفيدة الوقوف عنده عبر التركيز على عصارة فكر الغنوشي وأطروحته السياسية، وتقديم الخصائص الأساسية للديمقراطية المسلمة التي تدمج القيم الإسلامية في إطار ديمقراطي تعددي بما يجعلها تتميز عن الديمقراطية الإسلامية، والتي اجتهد في إبرازها راشد الغنوشي عبر التركيز على التعددية السياسية والحقوق والحريات وعلى رأسها حرية المعتقد والضمير والإيمان بالدولة المدنية والعدالة. من الديمقراطية الإسلامية إلى الديمقراطية المسلمة وانطلاقا من التجربة التونسية التي تختلف عن تجارب بلدان مثل تركيا، والمغرب، وماليزيا، وباكستان، ومن داخل المنظومة الفكرية للشيخ راشد الغنوشي وحركة النهضة، يبرز الأكاديمي الأميركي الكثير من الفوارق الجوهرية بين الديمقراطية الإسلامية التي تسعى إلى فرض نموذج إسلامي على الدولة، وبين الديمقراطية المسلمة التي تعترف بالتعددية كحقيقة سياسية لا يمكن تجاوزها، مشيرا إلى أن التجربة التونسية فرضت هذا التحول، حيث لم يعد من الممكن تجاهل الأحزاب العلمانية، والليبرالية، واليسارية، مما استدعى تبني نهج أكثر مرونة يقوم على مرتكزات أساسية لتخطي مجموعة من الصعوبات والمنزلقات، وعلى رأسها الالتزام بالحرية، حيث يرى الغنوشي أن "الحرية ليست مجرد قيمة ليبرالية، بل هي شرط أساسي لأي عمل أخلاقي وديني، ولا يمكن تحقيق الفضيلة الدينية دون حرية حقيقية". ثم الاعتراف العميق بالتعددية السياسية، على اعتبار أنها ليست أمرا سحريا، بل عمل أنطولوجي للسياسة. مستدلا على "وثيقة المدينة" أو صحيفة المدينة التي وضعها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، باعتبارها أول دستور مدني في تاريخ الدولة الإسلامية، والتي تمثل حسب الغنوشي "نموذجا لدولة تعددية تنبني على توافق دنيوي قائم على المصالح المدنية وليس على الانتماء الديني أو العقدي". ويشير مارش في تقديمه لهذا الكتاب إلى أن الغنوشي بعد عقود من النضال السياسي انتقل من الطوباوية إلى الواقعية السياسية، وأضحى يتبنى رؤية أكثر واقعية، لأنه أدرك أن السياسة ليست مجالا للمثاليات، بل هي مجال لإدارة المصالح وتقليل الأضرار. وهنا ركز على تحول مثير لدى الغنوشي في رؤيته للعلاقة بين الإسلاميين والعلمانيين، حيث لم يعد ينظر إلى الصراع السياسي من منظور ديني يفرق بين العدو والصديق أو الأخ المتدين والكافر، بل من موقع آخر في إطار الديمقراطية المسلمة لأن العدو أصبح هو "المعارض للديمقراطية، سواء كان إسلاميا أو علمانيا" وأصبح الصديق هو "المؤمن بالديمقراطية، بغض النظر عن انتمائه الأيديولوجي ولكن خارج الدكتاتورية والاستبداد ومن دون أي مساندة من أي بلد خارجي". ويخلص مارش في هذا الكتاب إلى أن نجاح الديمقراطية المسلمة يعتمد بالأساس على قدرتها على تقديم بديل عملي وفعال للاستبداد، بديل نابع من الداخل يقوم على الحرية والتعددية وتحقيق العدالة. فبدلا من تقديم نموذج مثالي للدولة الإسلامية برأيه، تسعى الديمقراطية المسلمة إلى خلق نظام سياسي يسمح بالتعايش بين مختلف التيارات، ولهذا فإن الديمقراطية المسلمة بحاجة إلى ديمقراطيين، ويقول إنه "لا يعرف أي شخص ملتزم بها أكثر من الشيخ راشد الغنوشي الذي يمضي رمضانه الثاني في السجن"، ويرى في اعتقاله "اختبارا حقيقيا لمستقبل الديمقراطية المسلمة"، وأن استمرار سجنه يعكس "صعوبة ترسيخ القيم الديمقراطية في العالم الإسلامي". ويختم حديثه عن الكتاب بالقول: "الديمقراطية ليست مجرد نظام حكم، بل هي ثقافة تحتاج إلى أناس يؤمنون بها. وإذا كان الخيار بين الديمقراطية والاستبداد أو الحرب الأهلية، فإن الديمقراطية المسلمة تظل الحل الأمثل لضمان الاستقرار والتعددية في المجتمعات المسلمة". نقلة نوعية في مسار الحركة الإسلامية ويعتبر المشاركون في الملتقى الفكري حول "الإسلام والمواطنة" لمنتدى المتوسط للتبادل والحوار الذي يرأسه السياسي الإسلامي رضا بنخلدون، أن كتاب أندرو مارش وراشد الغنوشي ليس مجرد تجميع لمقالات وحوارات امتدت على مدى سنتين 2021 و2022. بل كتاب استوعب آخر إنتاجات الغنوشي، كما يقول الباحث بلال التليدي، وهذه نقطة تحسب للأكاديمي الأميركي أندرو مارش، الذي وقف عند أفكار وتفسيرات الغنوشي وحركة النهضة، ولم يسائلها. مع العلم أن النسق الغنوشي -لمن درس أدبياته- مختلط يجمع بين القطعية والتحوّلية، ولهذا وجب إعادة النظر، حسب التليدي، في هذه الأدبيات وتصنيفها من جديد وتتبع مسعى التأصيل الديمقراطي فيها دون إغفال التوازنات أو التنازلات التي رضخ لها حزب النهضة. ويرى الكاتب حسن أوريد من جانبه أن الكتاب يحتاج إلى وقفة، لأنه يعتبر نقلة نوعية في مسار الحركة الإسلامية، وفي المرجعيات التي أثرت في هذه الحركة وعلى رأسها سيد قطب الذي يرى أن الحاكمية لله، ولا شيء غير الله، وأن الإسلام هو الحل وأن الذين لا ينخرطون في توجه إسلامي يحق عليهم نوع من التكفير، وهي المرجعية الناظمة للإسلام السياسي. فالكتاب، برأيه، ينقلنا من مرجعية أثرت في جيل وألهمت الحركات السياسية وغيرها، إلى مرجعية أخرى ترى أن "الحاكمية لله لا تتنافى مع سيادة الشعب، وأن استخلاف الإنسان لا يعفيه من المسؤولية ولا يمكن تبعا لذلك أن نقسم المجتمع إلى جاهليين وغير جاهليين، ولكن إلى أطياف يمكن أن يجمع بينها الحوار والتوافق عوض التكفير، لتقوم آصرة مثلى بين عناصر المجتمع وهي المواطنة". ويعود الفضل في هذه النقلة الفكرية النوعية إلى راشد الغنوشي، حيث يظل فكره حاضرا ببصمته المميزة، بوصفه رجل فكر أتى من الفلسفة وليس من الفقه الإسلامي، ورجل فعل عرك السياسة وعانى من التضييق، أغنته تجربة المنفى في لندن ومكنته من أن يخلق نوعا من المواءمة وليس التوفيق بين التجربة الإسلامية والفكر الغربي والفصل بين ما هو دعوي وسياسي عبر تبني مفهوم الديمقراطية المسلمة، لأنه لا بديل عن الديمقراطية اليوم فهي الجامع المشترك بيننا. وبشكل عام، فإن كتاب "حول الديمقراطية المسلمة" لأندرو مارش وراشد الغنوشي له راهنيته، فهو يقدم رؤية مستقبلية ملهمة تسعى لتحقيق التوازن بين الأصالة والحداثة، ما يجعله مرجعا مهما لكل من يهتم ببناء مجتمعات ديمقراطية قائمة على القيم الإسلامية. كتاب لا يسائل علاقة الديمقراطية بالإسلام بل يتجاوزها إلى علاقة الإسلام بالحداثة ككل. كما يسائل التجربة الديمقراطية التونسية التي تنبأ لها الكل بالنجاح، ولكنها كما يقول مستشار الغنوشي في العلاقات الخارجية رضا إدريس في ختام الملتقى، قد أخفقت لأنها "ديمقراطية لم تنتج الثروة، والمجتمع التونسي كان ينتظر الثروة من الثورة". كما أن "التونسيين قد أخفقوا في أمر آخر وهو بيع الديمقراطية وأن تكون جذابة للمال الحلال"، كما يقول، ولهذا فإن النخبة التونسية التي تفننت في صناعة الدستور التونسي المتقدم، يلزمها بعض الوقت للقضاء على الشعبوية التي استشرت، والعمل على بناء نهضة ديمقراطية جديدة للبلد، بحسب وصفه.