logo
#

أحدث الأخبار مع #التحليل_السياسي

المؤرخ الأميركي يوجين روغان: الاستعمار سلّح الاستشراق والعثمانيون أولوا الحداثة عربيا
المؤرخ الأميركي يوجين روغان: الاستعمار سلّح الاستشراق والعثمانيون أولوا الحداثة عربيا

الجزيرة

time١٤-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الجزيرة

المؤرخ الأميركي يوجين روغان: الاستعمار سلّح الاستشراق والعثمانيون أولوا الحداثة عربيا

الدوحة- ضيف هذه المقابلة هو البروفيسور يوجين روغان، المؤرخ البارز المعروف بتحليله الدقيق لأحداث الشرق الأوسط في العصر الحديث، وقد حققت كتبه شهرة واسعة في الأوساط الأكاديمية والجماهيرية على حد سواء، ويشغل حاليًا منصب مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في كلية سانت أنتوني، جامعة أوكسفورد. تلقى تعليمه الجامعي في جامعة كولومبيا حيث حصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد، ثم نال درجتي الماجستير والدكتوراه في تاريخ الشرق الأوسط من جامعة هارفارد. بدأ مسيرته الأكاديمية بالتدريس في كلية بوسطن وكلية سارة لورانس قبل أن ينتقل إلى جامعة أوكسفورد عام 1991. وفي كتابه المرجعي 'العرب: تاريخ' (The Arabs: A History)، يتتبع تاريخ العالم العربي من العهد العثماني حتى بدايات القرن الـ21، وقد ترجم إلى عدة لغات، و'سقوط العثمانيين: الحرب العظمى في الشرق الأوسط' (The Fall of the Ottomans: The Great War in the Middle East)، الذي يرصد تفاصيل التحولات السياسية والعسكرية في المنطقة خلال الحرب العالمية الأولى، ويناقش بدايات الصراعات الحديثة فيها، ويعيد النظر في السرديات التقليدية لحرب 1948 في كتاب "الحرب من أجل فلسطين" الذي حرره مع آفي شلايم. عرف عن روغان تأثره بأستاذه الراحل ألبرت حوراني، وهو يتبع منهجًا تاريخيًا دقيقًا يجمع بين التحليل السياسي والاجتماعي. ويُعد من الأصوات الموثوقة في تقديم رؤية تاريخية متزنة للعالم العربي في الغرب، ويقول في إحدى اقتباساته الشهيرة: 'العرب يعانون من شعور دائم بالعجز… كأنهم مجرد بيادق صغيرة على رقعة شطرنج عالمية تُلعب في ساحاتهم الخلفية'. التقيناه على هامش مؤتمر الاستشراق ، والذي استضافته العاصمة القطرية يومي 26 و27 أبريل/نيسان 2025، حيث اجتمع فيه نخبة من المفكرين والباحثين والمستشرقين والمستعربين الذين جاؤوا من أقطار العالم المختلفة، بهدف تداول واقع الدراسات الاستشراقية، وتحولاتها التاريخية والمعاصرة، ومواقفها المتجددة من قضايا العصر الملحة، وسيرورة التفاعل المعقد بين الشرق والغرب. ورغم الانتقادات الواسعة التي وجهت إلى المدرسة الاستشراقية، خصوصا في علاقتها بالإمبريالية الغربية، فإن تيارا جديدا من الباحثين الغربيين سعى لتقديم قراءة أكثر توازنا وإنصافا لتاريخ الشرق الأوسط، ومن بينهم البروفيسور يوجين روغان، الذي يعد اليوم من أبرز المؤرخين المتخصصين في تاريخ الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع تركيز خاص على التاريخ العثماني المتأخر. يشغل روغان منصب أستاذ تاريخ الشرق الأوسط الحديث في جامعة أكسفورد ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط بكلية سانت أنتوني، وقد حظيت أبحاثه ومؤلفاته بتقدير كبير في الأوساط الأكاديمية نظرا لدقتها ورؤيتها التحليلية المعمقة. وفي حوار للبروفيسور روغان مع الجزيرة نت ينعكس عمق التحول الذي شهده حقل الدراسات الشرق أوسطية في العقود الأخيرة، إذ يوضح كيف انتقل الاستشراق من كونه أداة معرفية مسخرة لخدمة المشاريع الإمبريالية إلى حقل أكثر وعيا بتعقيدات الواقع العربي والإسلامي. كما يفتح النقاش آفاقا جديدة لفهم العلاقة بين الشرق والغرب في عصر العولمة الرقمية، حيث تتداخل المعرفة الأكاديمية مع أدوات الذكاء الاصطناعي والخطابات الشعبية العابرة للحدود. وبينما يؤكد روغان على أهمية إعادة قراءة التاريخ العثماني وتحديات الخطاب الاستشراقي المعاصر، فإنه يقدم نموذجا للمؤرخ الذي يوازن بين الانضباط الأكاديمي والانفتاح على الأسئلة الجديدة التي يفرضها الزمن الراهن، مما يجعل مساهماته ركيزة أساسية في تطوير فهم أكثر إنصافا للشرق الأوسط في سياق عالمي متغير، فإلى الحوار: لقد جذبني لدراسة الشرق الأوسط تجربتي الحياتية الشخصية. انتقلت للعيش في بيروت عندما كنت في العاشرة من عمري في بداية السبعينيات، وأمضيت بقية سنوات دراستي بين بيروت والقاهرة. كان الشرق الأوسط في السبعينيات مشحونا أيديولوجيا للغاية، وكانت الأحداث التاريخية والسياسية ديناميكية جدا، بحيث لا أظن أن أي جزء آخر من العالم كان بنفس القدر من الجاذبية بالنسبة لي منذ ذلك الحين. عندما تقول كلمة مثل "عربي" أو "مسلم"، فإن أي شخص في الغرب سيكون لديه تصورات مسبقة معينة تتبادر إلى ذهنه، ليس بسبب كتب قرأها أو دراسات أجراها، بل بسبب الخطاب الاستشراقي الذي يعيش فيه يوميًا. إدوارد سعيد الاستشراق لنا، وما زلنا جميعًا نتجاوب مع هذا المفهوم كما عرضه. وبمعنى ما، الاستشراق كما وصفه سعيد، ليس شيئًا ماديًا، بل هو خطاب. لذلك لا يمكنك تحديده كفيروس أو ميكروب، ولا يمكنك دحضه أيضًا. إنه ديناميكية مستمرة تضيف معرفة جديدة من مصادر متعددة، ليس فقط من أعمال الباحثين، بل مما يُعرض على التلفاز، والصور في الإعلانات، والأخبار اليومية. كل ذلك يسهم في تشكيل الرموز والصور الذهنية التي تمثل جزءا من العالم مثل الشرق الأوسط في المخيلة العامة. لكن بمعنى ما، عرَّف إدوارد سعيد الاستشراق لنا، وما زلنا جميعًا نتجاوب مع هذا المفهوم كما عرضه. وبمعنى ما، الاستشراق كما وصفه سعيد، ليس شيئًا ماديًا، بل هو خطاب. لذلك لا يمكنك تحديده كفيروس أو ميكروب، ولا يمكنك دحضه أيضًا. إنه ديناميكية مستمرة تضيف معرفة جديدة من مصادر متعددة. فعندما تقول كلمة مثل "عربي" أو "مسلم"، فإن أي شخص في الغرب سيكون لديه تصورات مسبقة معينة تتبادر إلى ذهنه، ليس بسبب كتب قرأها أو دراسات أجراها، بل بسبب الخطاب الاستشراقي الذي يعيش فيه يوميًا. وبمعنى ما، ما زلنا نتعامل مع هذا الخطاب. نحن نعلم أننا لا نستطيع السيطرة عليه، ولا الإطاحة به، لكن يمكننا محاولة إضافة معرفة قائمة على التفاعل المحترم مع المنطقة، وقائمة على دراسة عميقة لمصادرها الخاصة، ونحاول أن نكون أفضل من الدراسات السابقة المتحيزة سياسيًا والمستندة إلى الإمبريالية. وهذا هو هدفنا كباحثين اليوم. كيف ترى العلاقة بين تخصصك كمؤرخ والدراسات الشرق أوسطية التي تعتبر تخصصا متعدد المجالات، إدوارد سعيد جاء من خلفية الأدب والنقد الأدبي المقارن، لكنك جئت من خلفية ومسار آخر؟ أنا مؤرخ، هذا هو تخصصي، لكنني أيضًا متخصص في دراسات الشرق الأوسط. ودراسات الشرق الأوسط كدراسات مناطقية هي بطبيعتها متعددة التخصصات. ومن هذه الناحية، لم يكن غريبا أن يغوص شخص – مثل إدوارد سعيد، الذي كان ناقدًا أدبيًا- عميقا في تاريخ موضوع دراسات الشرق والاستشراق ويخرج بشيء يحمل طابعًا تاريخيًا وأدبيًا وسوسيولوجيًا/اجتماعيا في منهجيته. هذا هو النهج المعتاد للدراسات المناطقية. وأنا كمؤرخ أقرأ أيضا في السياسة والأنثروبولوجيا والاقتصاد والأدب والثقافة والدراسات الدينية، وهذه الأمور تثري السرد التاريخي في كتبي لأنها تمنحني منظورا متعدد التخصصات يمكننا من قول المزيد. ما فعله الاستعمار في القرن الـ19 هو أنه سلَّح الاستشراق ليصبح جسما من الدراسات الثقافية، وجنّده لخدمة مصالح الاستعمار. وقد فعلوا ذلك من خلال أخذ نصوص دراسة المنطقة، التي كانت تُظهر في بعض الحالات أن عصر مجد المنطقة كان في الماضي البعيد، عصر الخلافة الأموية أو العباسية. ومنذ ذلك الحين، كان يُنظر إلى الفترة المعاصرة على أنها حقبة انحدار؛ والحضارة المتدهورة تكون متاحة للاحتلال من قبل حضارة جديدة ديناميكية صاعدة. وبهذه الطريقة، استخدموا الدراسات لتبرير الاستعمار (استخدموا العلم لتبرير الإمبريالية). إعلان كيف تم توظيف الاستشراق لخدمة الإمبريالية في القرن الـ19؟ ما فعله الاستعمار في القرن الـ19 هو أنه سلَّح الاستشراق ليصبح جسما من الدراسات الثقافية، وجنّده لخدمة مصالح الاستعمار. وقد فعلوا ذلك من خلال أخذ نصوص دراسة المنطقة، التي كانت تُظهر في بعض الحالات أن عصر مجد المنطقة كان في الماضي البعيد، عصر الخلافة الأموية أو العباسية. ومنذ ذلك الحين، كان يُنظر إلى الفترة المعاصرة على أنها حقبة انحدار؛ والحضارة المتدهورة تكون متاحة للاحتلال من قبل حضارة جديدة ديناميكية صاعدة. وبهذه الطريقة، استخدموا الدراسات لتبرير الاستعمار (استخدموا العلم لتبرير الإمبريالية). وكثير من هؤلاء العلماء كانوا جزءا من هذا الفكر الذي ميّز العصر الإمبريالي واعتقدوا حقا بتفوق الثقافة والحضارة الأوروبية. لذا لم يكن الأمر مجرد اختطاف لمقاصد العلماء، بل كانوا (العلماء أنفسهم) مقتنعين بتفوق الثقافة والحضارة الأوروبية من خلال دراساتهم. لكن النقطة الأهم أن الاستشراق تم توظيفه واستخدم كسلاح لخدمة هدف الهيمنة على الشعوب الأخرى، وهذه هي سمة مميزة للاستشراق الإمبريالي في القرن الـ19. عندما حاولت الحركة الصهيونية تبرير مطالبها بفلسطين، استندت إلى تلك التقاليد الاستشراقية التي صورت فلسطين كأرض بلا شعب، وكأنها متخلفة وغير متطورة. واستغلوا علم الآثار والتاريخ لدعم هذا الطرح، وقالوا إنه من الطبيعي أن تركز الصهيونية على فلسطين لأنها أرض بلا شعب لشعب بلا أرض. كيف تم توظيف الاستشراق في دعم المشروع الصهيوني في فلسطين؟ بالتأكيد، عندما حاولت الحركة الصهيونية تبرير مطالبها بفلسطين، استندت إلى تلك التقاليد الاستشراقية التي صورت فلسطين كأرض بلا شعب، وكأنها متخلفة وغير متطورة. واستغلوا علم الآثار والتاريخ لدعم هذا الطرح، وقالوا إنه من الطبيعي أن تركز الصهيونية على فلسطين لأنها أرض بلا شعب لشعب بلا أرض. والأهم من ذلك أنهم استطاعوا كسب دعم الإمبراطورية البريطانية لهذا المشروع، وهو ما تجسد في وعد بلفور، الذي وضع فلسطين على مسار استعماري خاص، حيث خضعت فلسطين للاستعمار الصهيوني في ظل الهيمنة الإمبريالية البريطانية. وبلغ الأمر ذروته عام 1948 عندما انسحبت بريطانيا من فلسطين وحاولت الحركة الصهيونية الاستيلاء على الأرض. إذن هناك رابط مباشر بين الإمبريالية المبنية على الاستشراق وبين الطريقة التي برزت بها الصهيونية للاستيلاء على فلسطين عام 1948. في كتاباتي، حاولت أن أعيد النظر في العلاقة العثمانية-العربية وأبرزت أن العثمانيين كانوا في الحقيقة مفسرين لكثير من أفكار وتكنولوجيات الحداثة في القرن الـ19 في العالم العربي، كما كان الحال في العالم الناطق بالتركية. وأعتقد أن العثمانيين لعبوا دورا مهما في تطوير وتحديث شرق البحر المتوسط بطريقة متميزة عن أوروبا.. كيف ترى تاريخ العثمانيين وعلاقته بالعرب؟ التاريخ العثماني مثير للاهتمام لأنه يمثل حالة من "الاستشراق العربي" تجاه العثمانيين. ومع ظهور القومية العربية في القرن الـ20، كان هناك جهد لرفض الماضي العثماني واعتباره فترة من التخلف المفروض. ولا يزال يُذكر بهذه الطريقة في العالم العربي حتى اليوم. في كتاباتي، حاولت أن أعيد النظر في العلاقة العثمانية العربية، وأبرزت أن العثمانيين كانوا في الحقيقة مفسرين لكثير من أفكار وتكنولوجيات الحداثة في القرن الـ19 في العالم العربي، كما كان الحال في العالم الناطق بالتركية. وأعتقد أن العثمانيين لعبوا دورا مهما في تطوير وتحديث شرق البحر المتوسط بطريقة متميزة عن أوروبا. وهناك الآن جهود بحثية جديدة من قبل مؤرخين عرب لإعادة التفكير في الماضي العثماني بهذه الطريقة. التاريخ العثماني مثير للاهتمام لأنه يمثل حالة من "الاستشراق العربي" تجاه العثمانيين. ومع ظهور القومية العربية في القرن الـ20، كان هناك جهد لرفض الماضي العثماني واعتباره فترة من التخلف المفروض. ولا يزال يُذكر بهذه الطريقة في العالم العربي حتى اليوم. إعلان أعتقد أن مفهوم الاستشراق الجديد لا يزال قيد التطوير، وهو فكرة جديدة تعكس القرن الـ21. لقد أصبح من الواضح أن تبادل الأفكار لم يعد يتم عبر الوسائل التقليدية كالكتب والتلفزيون فقط، بل يجري اليوم في عالم رقمي عبر وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي. وهناك رد فعل صحي في العالم العربي والإسلامي حيث أصبح الناس ينظرون لما يكتبه الغرب عنهم ويقولون: لا، هذا غير صحيح، نحن نعرف أنفسنا أفضل منهم، ويمكننا الكتابة عن أنفسنا بشكل أفضل. وقد أصبح تركيز الكتابة ينتقل من الغرب إلى الشرق الأوسط. كما لم يعد هناك خط فاصل واضح بين الشرق والغرب، إذ إن تدفق المهاجرين من جنوب آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا إلى أوروبا وأميركا أدى إلى نشوء مجتمعات عربية ومسلمة كبيرة أصبحت جزءا من ثقافة أوروبا. والإسلام نفسه يتغير عبر تفاعله في أوروبا وأميركا، وربما تعود بعض هذه التغيرات إلى قلب العالم الإسلامي. وهذه كلها جزء من الاستشراق الجديد، الذي يعيد التفكير في كيفية وصفنا وتفكيك التصورات الخاطئة. هناك رد فعل صحي في العالم العربي والإسلامي حيث أصبح الناس ينظرون لما يكتبه الغرب عنهم ويقولون: لا، هذا غير صحيح، نحن نعرف أنفسنا أفضل منهم، ويمكننا الكتابة عن أنفسنا بشكل أفضل. وقد أصبح تركيز الكتابة ينتقل من الغرب إلى الشرق الأوسط. مقاربتي للذكاء الاصطناعي ما زالت نظرية، فأنا باحث من الطراز القديم وأعتمد على الذكاء البشري. لكن ما يهمني هو أن الذكاء الاصطناعي كما نستخدمه اليوم يعتمد على نماذج لغوية ضخمة تستند إلى ملايين الكتب والمقالات التي يتم تحميلها على الخوادم، ثم تُدرّب الخوارزميات لإنتاج إجابات تحاكي طريقة تفكير البشر. وهذا قد يعني أننا سنظل نكرر التصورات الاستشراقية نفسها إلى الأبد، لأن هذه النماذج مبنية على النصوص الاستشراقية نفسها. ومع ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي أداة في يد المستخدم، وما تحصل عليه منه يعتمد على طريقة طرحك للسؤال. فإذا توجهت إلى "تشات جي بي تي" وطلبت منه تفسيرا نيواستشراقيا لقضية ما، فسيعطيك شيئا مختلفا تماما عن تلك التحيزات التقليدية. في النهاية، قوة الذكاء الاصطناعي تعتمد على المستخدم والطريقة التي يوجه بها السؤال. كلما سألنا الذكاء الصناعي عن الشرق الأوسط أو الإسلام أو مواضيع استشراقية، فإنه يتطور أكثر. ربما لن يقدم نفس الإجابة مرتين، وقد يقترب من إجابات قياسية، لكنه سيستمر في التطور مع كل تفاعل، بطرق لا يمكننا التحكم فيها تماما. لذلك، ما أطلقناه سيكون شيئا لن نستطيع السيطرة عليه بشكل كامل، وسنرى في المستقبل ما إذا كان سيعطينا أدوات تقدم رؤية أكثر تنويرا أم أكثر استشراقية هل الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتطور فعلا نحو الفهم الأعمق؟ لا يمكننا تدريب الذكاء الاصطناعي إلا بالتكرار، ومع كل طلب نوجهه له، يتطور ليصبح أكثر قدرة على الاستجابة بطريقة تشبه البشر. وكلما سألناه عن الشرق الأوسط أو الإسلام أو مواضيع استشراقية، فإنه يتطور أكثر. ربما لن يقدم نفس الإجابة مرتين، وقد يقترب من إجابات قياسية، لكنه سيستمر في التطور مع كل تفاعل، بطرق لا يمكننا التحكم فيها تماما. لذلك، ما أطلقناه سيكون شيئا لن نستطيع السيطرة عليه بشكل كامل، وسنرى في المستقبل ما إذا كان سيعطينا أدوات تقدم رؤية أكثر تنويرا أم أكثر استشراقية.

قراءة في التهديدات الأمنية التي قد تعصف بإسرائيل
قراءة في التهديدات الأمنية التي قد تعصف بإسرائيل

الجزيرة

time١٢-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الجزيرة

قراءة في التهديدات الأمنية التي قد تعصف بإسرائيل

لطالما كانت إسرائيل موضوعًا حيويًّا في مراكز التحليل السياسي والإستراتيجي منذ نشأتها، إلا أن العقد ونصف العقد الأخيرين (2010-2025) شهدا تحولات عميقة ومتسارعة، دفعت كثيرين من الخبراء إلى التساؤل الجاد حول مستقبل هذا الكيان، ليس فقط من حيث استقراره، بل من حيث بقاؤُه ذاته. هذا التحليل لا يسعى إلى تقديم إجابات يقينية بقدر ما يرصد تفاعلات داخلية وإقليمية ودولية متداخلة قد تُسهم -مجتمعة- في صياغة سيناريوهات تلامس احتمال زوال أو تحلل البنية الحالية لدولة إسرائيل. أظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة "YouGov" أن ما يقارب نصف المواطنين في دول أوروبية وغربية ينظرون إلى إسرائيل نظرة سلبية، في مؤشر على تزايد الهوة بين الحكومات والشعوب في هذا الملف العوامل الجيوسياسية.. الولايات المتحدة الأميركية تُعدّ الولايات المتحدة الشريك السياسي والعسكري الأبرز لإسرائيل، حيث حافظت على دعمها الإستراتيجي لها لعقود، بما يشمل التعاون الدفاعي والمساعدات السنوية السخية. غير أنّ هذا التحالف بدأ يواجه تحديات داخلية متزايدة في الولايات المتحدة، لا سيما على مستوى الرأي العام. فقد أشار استطلاع صادر عن مركز "بيو" للأبحاث في عام 2025 إلى أن 53% من الأميركيين ينظرون إلى إسرائيل بشكل سلبي، مقارنة بنسبة 42% في عام 2022، ما يعكس تراجعًا ملموسًا في التأييد الشعبي، خاصة بين الشباب واليسار التقدمي. هذا التحول قد يُفضي إلى ضغوط متزايدة على صنّاع القرار الأميركيين في المستقبل، رغم استمرار الدعم الرسميّ من المؤسّسات الأميركية الرئيسية. شهدت مواقف الدول الأوروبية والغربية تجاه إسرائيل تقلبات واضحة، لا سيما في أعقاب حرب غزة عام 2023. فقد أبدت دول رئيسية مثل فرنسا وألمانيا انتقادات علنية لسياسات إسرائيل العسكرية والإنسانية، كما تمّت إعادة النظر في بعض برامج المساعدات الأوروبية. ووفقًا لتحليل صادر عن "كارنيغي أوروبا"، فإنّ هذه المواقف تعكس ما وصفه التحليل بـ"تآكل مصداقية أوروبا" في الشرق الأوسط، نتيجة انحيازات أو صمت سابق تجاه ممارسات إسرائيل. من جانب آخر، أظهرت استطلاعات رأي أجرتها مؤسسات مثل "YouGov" أن ما يقارب نصف المواطنين في دول أوروبية وغربية ينظرون إلى إسرائيل نظرة سلبية، في مؤشر على تزايد الهوة بين الحكومات والشعوب في هذا الملف. شهدت السنوات الأخيرة تحولات كبيرة في العلاقات العربية الإسرائيلية، أبرزها توقيع "اتفاقيات أبراهام" عام 2020. ورغم ما واجهته هذه الاتفاقيات من انتقادات شعبية، خاصة خلال حرب غزة، فإن الدول الموقعة عليها واصلت علاقاتها السياسية والاقتصادية مع إسرائيل. من جهة أخرى، تواصل إيران تصدّر المشهد كأبرز خصوم إسرائيل الإقليميين، سواء من خلال التصريحات العدائية لقادتها، أو عبر دعمها العسكري والسياسي لحماس وحزب الله. وقد حذر "مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS)" من أن التصعيد المستمر بين إسرائيل وهذه الأطراف يُنذر بخطر اندلاع حرب شاملة على عدة جبهات. أما العلاقة مع تركيا، فقد شهدت تراجعًا ملحوظًا خلال عام 2024، حيث وصفها محللون في موقع "Responsible Statecraft" بأنها "مكسورة" نتيجة مواقف الحكومة الإسرائيلية الأخيرة، رغم التاريخ الطويل من التعاون الاقتصادي بين البلدين. الانقسامات الداخلية.. الصراع بين التيارين الديني والعلماني يشهد المجتمع الإسرائيلي انقسامًا متجذرًا بين التيارين: العلماني والديني، وتحديدًا مع تنامي نفوذ التيار اليهودي الأرثوذكسي المتشدد (الحريديم). وتُظهر الإحصائيات أن الحريديم يشكلون إحدى أسرع الفئات السكانية نموًّا، ومن المتوقع أن تصل نسبتهم إلى نحو ثلث السكان بحلول عام 2050، وفقًا لتحليل نشره موقع Aspenia Online. إعلان هذه الفئة تعتمد بدرجة كبيرة على المساعدات الاجتماعية وتُعفى غالبًا من الخدمة العسكرية الإلزامية، ما يخلق فجوة متزايدة في تحمّل الأعباء الاقتصادية والأمنية داخل المجتمع الإسرائيلي. وعبّر بعض المحللين عن هذه الظاهرة بمصطلح "حرب على الولادات"، في إشارة إلى صراع ديمغرافي طويل الأمد بين الفئتين، وهو ما يثير قلق العلمانيين من فقدان الطابع الديمقراطي والعلماني للدولة في المستقبل المنظور. تمر إسرائيل بواحدة من أكثر المراحل السياسية اضطرابًا في تاريخها، وسط انقسامات حادة بين اليمين المتشدد والتيار اليساري الإصلاحي. وقد تفاقمت هذه الانقسامات بشكل خاص منذ عام 2023 مع اندلاع أزمة "إصلاح النظام القضائي"، التي فجّرت احتجاجات جماهيرية واسعة اجتاحت مختلف المدن الإسرائيلية. وقد أدى هذا الانقسام السياسي إلى تآكل ثقة الجمهور في المؤسسات الرسمية، وأضعف فاعلية صُنع القرار، كما بات ينعكس على السياسة الخارجية والدفاعية لإسرائيل. ويُتوقّع أن تؤدي هذه الديناميكيات إلى مزيد من التوترات الداخلية في حال عدم التوصّل إلى توافق وطني يعيد التوازن إلى المشهد السياسي. النمو السكاني وتغير التوازن الديمغرافي تشهد إسرائيل تحولات ديمغرافية متسارعة تنذر بتغيرات جوهرية في التركيبة السكانية على المديين المتوسط والطويل. ففي عام 2020، بلغ عدد اليهود في إسرائيل نحو 6.87 ملايين نسمة، أي ما يعادل حوالي 75% من إجمالي السكان، بينما بلغ عدد العرب قرابة 2 مليون نسمة (نحو 20%)، وفق بيانات "Aspenia Online". بيدَ أن معدلات الولادة المرتفعة بين العرب داخل إسرائيل، وكذلك في الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة إلى معدلات الولادة العالية بين الحريديم (اليهود الأرثوذكس المتشددين)، تشير إلى مسار ديمغرافي من شأنه أن يعيد رسم ملامح الهوية السكانية للدولة. وتُشير التقديرات المستقبلية إلى أن الحريديم قد يشكلون نحو ثلث سكان إسرائيل بحلول عام 2050، بينما قد تتفوق الكتلة العربية (بما يشمل عرب الداخل وسكان الأراضي الفلسطينية المحتلة) عدديًّا على اليهود في كامل المنطقة الممتدة من نهر الأردن إلى البحر المتوسط. ويثير هذا التوجه مخاوف لدى النخب الإسرائيلية من تهديد التوازن بين الطابع اليهودي والديمقراطي للدولة، خاصة في ظل تفاقم التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المصاحبة له. خطر «الدولة الواحدة» يحذّر محللون أمنيون في إسرائيل من سيناريو مرعب يتمثل في تحوّل الصراع مع الفلسطينيين إلى نموذج «دولة واحدة» ذات حقوق متساوية لكافة سكانها. ووفقًا لتحليل صادر عن معهد دراسات الأمن القومي (INSS)، فإن غياب حل سياسي واستمرار السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية، دون منح الفلسطينيين حقوقًا سياسية كاملة، قد يُفضي إلى واقع ديمغرافي يجعل من المستحيل الحفاظ على الطابع اليهودي للدولة. ويشير التقرير إلى أن قيام دولة ديمقراطية واحدة تُدمج فيها الكتلة السكانية الفلسطينية سيمنح الفلسطينيين نفوذًا انتخابيًّا كبيرًا، ما قد يُنذر -بحسب التعبير المستخدم في التقرير- بـ"استيلاء الفلسطينيين على الحكم". ورغم أن غالبية المجتمع اليهودي ترفض هذه الفرضية بشدة، ويُعد احتمال تحققها حاليًّا ضعيفًا، فإن استمرار النمو السكاني للفلسطينيين دون وجود حلّ سياسي متّفق عليه، قد يجعل هذا السيناريو أكثر واقعية مع مرور الوقت، ومهددًا بنشوب أزمات داخلية حادة. لا يقتصر التهديد الديمغرافيّ على الجانب السياسيّ فحسب، بل يمتد ليشمل أبعادًا اقتصادية واجتماعية عميقة. ويحذّر خبراء اقتصاديون من أن تغير التركيبة السكّانية بشكل يؤدّي إلى تراجع نسبة الفئات المنتجة أو الأكثر تعليمًا قد يُفضي إلى انخفاض الاستثمارات وهروب الكفاءات إلى الخارج. وأشار تقرير صادر عن معهد (INSS) إلى أن تدهور الأوضاع السياسية أو القانونية يمكن أن يتسبب في أزمة مدنية تقود إلى "هجرة جماعية للإسرائيليين ذوي الكفاءة"، ما يضرّ برأس المال البشري والتقني اللازمين لاستمرار النمو الاقتصادي والابتكار التكنولوجي، الذي يُعد من أهم أعمدة القوة الإسرائيلية. التهديد الجنوبي غير المسبوق يفتح جبهة جديدة تُربك حسابات الأمن الإسرائيلي، وتُجبر الجيش على التمدد الجغرافي في عمليات انتقامية في اليمن، ما يستنزف موارده وقدرته على الرد السريع في جبهات أخرى التهديدات الأمنية والعسكرية رغم امتلاك إسرائيل واحدة من أقوى الآلات العسكرية والأمنية في المنطقة، فإن عام 2025 يُبرز أمامها سلسلة من التهديدات المركّبة التي باتت تضع وجودها -لأول مرة منذ تأسيسها- على محكّ تاريخي. إذ تواجه إسرائيل تآكلًا في قدرتها الردعية على عدة جبهات في آنٍ واحد، وسط تحولات إستراتيجية إقليمية ودولية لا تصب في مصلحتها، ما يجعل الحديث عن "نهاية إسرائيل" موضوعًا لم يعد حكرًا على الشعارات، بل أصبح محل نقاش جاد في أوساط بعض مراكز التفكير الإستراتيجي. يشكّل هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 نقطة فاصلة في العقيدة الأمنية الإسرائيلية، فقد عرّى ذلك الهجوم المذهل هشاشة منظومة الإنذار المبكر، وبيّن أن إسرائيل رغم تفوقها الاستخباري لم تكن مستعدة لمفاجأة تكتيكية من حماس. ويشير محللو مركز «كارنيغي» إلى أن إسرائيل ستبذل قصارى جهدها لتفكيك البنية العسكرية لحماس، لكنها ربما تكون قد دخلت في حرب استنزاف طويلة لا نهاية واضحة لها. الخطورة تكمن في أن حماس قد تتبع منهجية حزب الله: البقاء السياسي، والمشاركة في الحكم، والاحتفاظ بجناح مسلّح نشط. هذه المعادلة تضع إسرائيل في مأزق مستمر، إذ يصعب القضاء على حماس نهائيًّا دون تكلفة بشرية وسياسية باهظة، ما يجعل غزة بؤرة مفتوحة للنزاع المسلح، ومصدر نزيف دائم في الجسد الإسرائيلي. تحولت جماعة أنصار الله الحوثية من فاعل محلي إلى عنصر إقليمي مؤثر، وتهديد مباشر لإسرائيل. فقد أظهرت الجماعة قدرات صاروخية فرط صوتية (مثل صاروخ «فلسطين-2» بسرعة Mach 16) يصعب على أنظمة الدفاع الإسرائيلية مثل «القبة الحديدية» و«حيتس» اعتراضها بفاعلية. الهجمات الحوثية لم تقتصر على الدعم السياسي لحماس، بل وصلت إلى ضرب تل أبيب بصواريخ باليستية ومسيرات، وهو تطور نوعي. هذا التهديد الجنوبي غير المسبوق يفتح جبهة جديدة تُربك حسابات الأمن الإسرائيلي، وتُجبر الجيش على التمدد الجغرافي في عمليات انتقامية في اليمن، ما يستنزف موارده وقدرته على الرد السريع في جبهات أخرى. سوريا بعد الأسد مع انهيار نظام بشار الأسد أواخر 2024، سقط أحد العوائق الأمنية التي كانت تُمثّل نوعًا من «الثبات الخطر» على الحدود الشمالية لإسرائيل، ورغم محاولات تل أبيب فرض منطقة منزوعة السلاح، فإن احتمال اندلاع صراع جديد يبقى قائمًا. كما أن وجود فصائل غير منتظمة يهدد أمن إسرائيل بعمليات تسلل وهجمات غير تقليدية، وقد يشعل حربًا مفتوحة في الشمال، تضعف قدرة إسرائيل على إدارة بقية الجبهات. التهديد الإيراني.. رأس الحربة في مشروع استنزاف إسرائيل رغم الضربات الإسرائيلية المستمرّة، فإن إيران لا تزال تطوّر قدراتها النووية والصاروخية بسرية وفاعلية. وتؤكد مراكز الأبحاث كـ «JCPA» و«كارنيغي» أن طهران استثمرت في وكلائها ( حزب الله، الحوثيين.. إلخ) لا كأدوات تكتيكية، بل كمحور مقاومة متكامل قادر على فتح جبهات متزامنة تُربك الجيش الإسرائيلي وتستنزفه. كما أن أي نجاح إيراني في الوصول إلى العتبة النووية -ولو على مستوى ردع نفسي- سيغيّر قواعد اللعبة، وسيُفقد إسرائيل تفوقها النوعي، ما يدفعها إلى توجيه ضربات استباقية قد تُشعل حربًا إقليمية لا تستطيع السيطرة على أطرافها. هذا السيناريو يشكّل كابوسًا وجوديًّا لإسرائيل، لأنه يعرض جبهتها الداخلية لخطر حقيقي لأول مرة منذ عقود. تُظهر السياسة الإسرائيلية بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول تحولًا واضحًا نحو الانفرادية والهجوم الوقائي خارج الحدود. ولكن هذا النهج الاستباقي -رغم ضرورته الظاهرة- يفتح على إسرائيل أبوابًا لصراعات متعددة الأطراف قد لا تستطيع تحملها، خاصة مع تراجع الدعم الغربي وتنامي الخطاب المعادي في الرأي العام الدولي. زيادة الاعتماد على قوات الاحتياط، وتوسيع نطاق التجنيد، وتوسيع المناطق العازلة، وتكثيف الضربات الجوية، كلها إجراءات دفاعية تبطن اعترافًا غير معلن بأن إسرائيل تعيش مرحلة انكشاف أمني غير مسبوقة. وإذا استمرت الجبهات في الاشتعال من غزة إلى اليمن، ومن إيران إلى سوريا، فقد تجد إسرائيل نفسها أمام "نقطة الانكسار". التحديات الاقتصادية والاجتماعية أصبحت القضايا الاقتصادية، وفي مقدمتها غلاء المعيشة، محور انشغال رئيسي داخل المجتمع الإسرائيلي. وفقًا لاستطلاع صادر عن المعهد الإسرائيلي للديمقراطية (IDI)، يرى حوالي 60% من الإسرائيليين أن ارتفاع تكاليف المعيشة، ولا سيما أسعار السكن، يمثل أكبر تحدٍّ في حياتهم اليومية، مع تحميل الحكومة المسؤولية المباشرة عن تفاقم هذه الأزمة. وتُظهر البيانات أن نحو ثلاثة أرباع الأسر في إسرائيل باتت مضطرة لتقليص نفقاتها اليومية لمواجهة الضغوط الاقتصادية، ما يخلق حالة من القلق العام، لا سيما بين فئة الشباب والطبقة الوسطى التي تشعر بتراجع في قدرتها على تحقيق الاستقرار الاجتماعي والمالي. التفاوت الاجتماعي والتوزيع غير المتكافئ تعاني إسرائيل من فجوات اجتماعية واقتصادية متجذرة، تتجلى في التوزيع غير المتكافئ للثروات والخدمات بين شرائح المجتمع المختلفة. فالمجتمعات الحريدية والعربية -والتي تعاني من معدلات فقر مرتفعة- تعتمد بشكل كبير على التحويلات الحكومية والدعم الاجتماعي، فيما تتحمل الفئات العلمانية -وخاصة في الطبقتين الوسطى والعليا- العبء الأكبر في تمويل الميزانية العامة من خلال الضرائب، فضلًا عن مساهمتها في الخدمة العسكرية والأمنية. هذا التفاوت يولّد احتقانًا اجتماعيًّا، ويضع ضغوطًا متزايدة على الخزينة العامة، التي تجد نفسها مطالبة بالاستجابة لمتطلبات متناقضة بين الإنفاق الاجتماعي والأمني. في ظل الاضطرابات الأمنية والسياسية المتكررة، أظهرت الإحصاءات الأخيرة مؤشرات مقلقة تتعلق بزيادة معدلات هجرة الإسرائيليين من أصحاب الكفاءات العالية، خاصة في مجالات التقنية والبحث العلمي. تشير تحليلات لمراكز أبحاث أمنية إلى أن الأزمات المتلاحقة -من تصعيد عسكري إلى ارتباك سياسي داخلي- تدفع أعدادًا متزايدة من النخب المتخصصة إلى مغادرة البلاد، بحثًا عن استقرار أكبر وفرص مهنية أفضل في الخارج. هذه الظاهرة، إذا استمرت، قد تؤدي إلى تفاقم النقص في الكوادر المتخصصة، ما يهدد استمرارية التفوق الإسرائيلي في مجالات الابتكار والتكنولوجيا، ويضعف القدرة التنافسية للاقتصاد على المدى البعيد. نحو تفكك تدريجي أم صدمة مفاجئة؟ إسرائيل، رغم تفوقها العسكري والاقتصادي، تُواجه من الداخل والخارج تحديات متشابكة تضعف بنيتها الإستراتيجية. التغيرات الديمغرافية، والانقسامات الداخلية، وتراجع الحلفاء، وتآكل الردع العسكري، ذلك قد لا يُنتج "نهاية" تقليدية بالمعنى الصريح، بل مسارًا تدريجيًّا نحو تحلل الدولة كما نعرفها اليوم. يتبنى عدد من القادة والخبراء الأمنيين رؤى قاتمة بشأن المستقبل الإستراتيجي لإسرائيل؛ ومن أبرزهم يوفال ديسكين، الرئيس السابق لجهاز الشاباك، الذي حذّر من أن استمرار غياب حل سياسي للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي قد يؤدي إلى "نقطة اللاعودة"، حيث تصبح إسرائيل كيانًا واحدًا يعيش فيه شعبان تحت دولة واحدة، ما يهدد هويتها اليهودية والديمقراطية على حد سواء. كما يرى عدد من المحللين أن الانقسامات الداخلية الحادة -سواء على أسس دينية أو أيديولوجية- إلى جانب التوترات الأمنية المزمنة، قد تُقوّض مكانة إسرائيل الإقليمية والدولية، وتُضعف من قدرتها على مواجهة التحديات الخارجية. تبقى السيناريوهات متعددة: من دولة متوترة ذات طابع ثيوقراطي، إلى كيان منقسم داخليًا، أو -في أخطر الحالات- إلى انهيار مفاجئ نتيجة حرب شاملة أو ثورة اجتماعية داخلية. السؤال لم يعد: هل ستزول إسرائيل؟.. بل: متى؟ وكيف؟!

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store