أحدث الأخبار مع #الحربالباردة


البلاد السعودية
منذ 4 أيام
- علوم
- البلاد السعودية
ترامب بين التنين وبوتين: سبوتنيك مرة أخرى
في نهاية الخمسينات وبداية الستينات الميلادية من القرن العشرين، تمكّن الروس تحت اسم الاتحاد السوفياتي، من إرسال مجموعة أقمار صناعية إلى الفضاء، كان أولها يحمل اسم سبوتنيك، كأول دولة في العالم تفعل ذلك، محدثة هزّة كبيرة في العالم بشكل عام، وصدمة تاريخية في الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص، على الصعيد السياسي والتقني والتعليمي والعسكري، لأن هذه الأخيرة، كانت تعتقد أنها المسيطرة على العالم بعد أن دمّرت مدينتين يابانيتين بالقنبلة النووية، التي تم استخدامها مرة واحدة فقط، ونأمل أن تكون الأولى والأخيرة. وصول الاتحاد السوفيتي إلى الفضاء قبل الأمريكان، يعني قدرة الصواريخ الروسية على حمل الأسلحة النووية إلى أي زاوية في العالم، وبالتالي تهديد الولايات المتحدة التي يبدو من خلال هذه الأزمة أنها تراجعت مرتبة واحدة بعد أن سيطر الروس على المرتبة الأولى على ما يبدو. جنّ جنون السياسيين الأمريكيين، وألقوا باللوم على كبش الفداء الجاهز لهم، وهو التعليم، الذي قالوا إنه بحاجة إلى غربلة كاملة، فظهرت القرارات الجديدة بفرض التعليم الذي يعتمد على العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات، والذي يعرف بــ STEM. هل هناك تشابه بين ما نراه في أمريكا في تلك الفترة التاريخية البعيدة، وبين ما نراه في التعليم لدينا الآن في عصر الذكاء الصناعي؟ بمعنى آخر، هل تابعنا ما يحدث تاريخيا في أمريكا بحيث نبدأ من حيث انتهت، دون أن نضطر إلى تكرار الأخطاء التي وقع فيها الأمريكان؟ بدأ سباق التسلّح ومعه الحرب الباردة بين روسيا وأمريكا التي يبدو أنها مازالت مستمرة حتى الآن في عهد بوتين. مرّت أمريكا بصدمة أخرى خلال الأسبوع الماضي لا تقل قوة عن لحظة سبوتنيك السابقة، وهي هذه المرة مع عدو لدود آخر يختلف عن روسيا حيث أطلقت الصين بشكل مفاجئ تقنية الذكاء الصناعي 'ديب سيك' المنافسة لتقنية شات 'جي بي تي' الأمريكية، في الوقت الذي كان الأمريكيون يعتقدون أنهم المسيطرون على مثل هذا النوع من التقنية. كانت الضربة موجعة في وول ستريت إلى الدرجة التي خسرت فيها شركات التقنية الأمريكية أكثر من 700 بليون دولار في يوم واحد. كان ترامب الذي لم يكمل بعد 15 يوماً كرئيس لأمريكا في فترته الثانية، قد جمع أباطرة الذكاء الصناعي في حكومته من أمثال إيلون ماسك للاستثمار في الذكاء الصناعي الذي يقودون العالم فيه. لكنه لم يتوقع أن تأتي هذه الضربة بهذه السرعة من عدوّه اللدود الصين رغم كل الاحترازات والقرارات التي اتخذتها أمريكا ضد الصين مثل حظر بيعها للشرائح المتقدمة غالية الثمن التي تمتلكها الشركات الأمريكية، ومحاولة حظر شبكة تيك توك الشهيرة في أمريكا. كل ذلك ذهب مع الريح فقد دخلت الصين معهم في سباق تنافسي محموم قد يؤدي في نهاية الأمر إلى أن يكون الذكاء الصناعي متاحاً للجمهور مثل الكهرباء في المنازل. ترك ترامب أهل غزة وشأنهم مؤقتاً وتوقّف عن اقتراحاته المجنونة. التنين وبوتين يركضان أمامه وخلفه وعن يمينه وشماله. لعل الركض يستمر أربع سنوات.


أخبارنا
منذ 6 أيام
- سياسة
- أخبارنا
هل تستفيد جبهة البوليساريو من درس أوجلان وحركة "إيتا" الباسكية؟
في مثل هذا الشهر من سنة 1973، تأسست جبهة البوليساريو الانفصالية، في سياق إقليمي ودولي مشحون بصراعات الحرب الباردة وبمخلفات الاستعمار. وقدمت الجبهة نفسها باعتبارها حركة تحررية تسعى لاستقلال الصحراء المغربية عن الوطن الأم. لكن وبعد مرور أزيد من خمسة عقود، عرف الجميع أن البوليساريو ليست سوى أداة في يد النظام الجزائري، في صراع مفتعل لا علاقة له بتقرير المصير بقدر ما هو تجسيد لعقدة النظام الجزائري التاريخية تجاه المغرب. يدّعي النظام الجزائري، منذ بداية النزاع المفتعل، أنه يدافع عن "حق تقرير المصير" لما يسميه الشعب الصحراوي. وهو بذلك يخون أبسط مبادئ الانسجام السياسي، إذ كيف لنظام عاش كل عمره في ظل نظام الحزب الوحيد وصادر إرادة شعبه في انتخابات 1991، ووأد أول تجربة ديمقراطية حقيقية، أن يمنح دروساً في الحرية والاختيار؟ فالنظام الجزائري لم يؤمن أبداً بقيمة الاختلاف ولا بالتعدد، وهو ما يجعل دعمه لجبهة انفصالية بمثابة تصفية حسابات سياسية إقليمية أكثر منه دفاعاً عن مبدأ، وهو أمر أضحى مكشوفا للجميع. لقد أنهت اتفاقية مدريد الثلاثية بين المغرب وموريتانيا وإسبانيا لسنة 1975 عملياً الوجود الاستعماري الإسباني بالصحراء المغربية، وأسست بذلك لمرحلة جديدة من استكمال الوحدة الترابية، لكن النظام الحاكم في المرادية ظل ينفخ في نار الانفصال، مسقطا من حساباته الواقع الدولي والإقليمي المتغير، وظل متشبثا بسردية جامدة تجاوزتها الأحداث، ورفضها منطق التاريخ والجغرافيا. إن الحق في تقرير المصير لا يعني بالضرورة الانفصال. ولو تم تطبيق هذا المبدأ بمفهومه الضيق، لوجب تقسيم القارة الإفريقية إلى مئات الدول العرقية، في قارة تضم أكثر من 300 مجموعة عرقية، ناهيك عن باقي مناطق العالم حيث يتجاوز عدد العرقيات 5 آلاف. فهل يعقل أن يكون الحل لكل تنوع هو خلق كيانات جديدة؟ أم أن الحل الحقيقي يكمن في أنظمة ديمقراطية دامجة تضمن التعدد والوحدة في آن؟ تجارب الحركات الانفصالية في العالم تقدم دروساً بليغة. الزعيم الكردي عبدالله أوجلان، بعد عقود من التمرد المسلح، دعا أنصاره إلى نبذ السلاح واعتماد المسار السياسي، في لحظة وعي وطني عميق بل إن الأمر بلغ حد حل حزب العمال الكردستاني. وكذلك فعلت "إيتا" الباسكية في إسبانيا التي اعترفت بأخطائها وطلبت الصفح من ضحاياها، لتطوي بذلك صفحة من العنف وتلتحق بمسار الدولة المدنية. هذه التجارب تؤكد أن نهاية العمل المسلح والانخراط في العمل السياسي هو الطريق الأسلم لأي فصيل يحمل مطالب سياسية أو ثقافية أو هوياتية. في المقابل، تعيش جبهة البوليساريو ومن ورائها النظام الجزائري، حالة من الإنكار المرضي للواقع، تشبه، كما يشرح علم النفس الحديث، الآليات الدفاعية التي يلجأ إليها العقل الباطن عند العجز عن التكيف. إنكار الواقع هنا تحول إلى متلازمة مرضية تقود إلى ممارسات عبثية، يدفع ثمنها آلاف الصحراويين المحتجزين قسراً في تندوف، كضحايا للعبة جيوسياسية جزائرية خاسرة. لقد أصبح من الواضح أن البوليساريو تحولت من "بؤرة ثورية" إلى "سقط المتاع"، بالنظر إلى مسارها المتآكل. وأمام التحولات الجيوسياسية الكبرى التي يعرفها العالم، يبدو أن نزاع الصحراء يعود ليُقرأ من زاوية جديدة باعتباره امتداد للحرب الباردة، وعامل عدم استقرار في المنطقة، حيث يسعى النظام في الجزائر للبحث الدائم عن صراع خارجي، لتحصين وضبط الجبهة الداخلية من أي انفلات، في حين يدفع المغاربيون ثمناً باهظاً من عدم الاستقرار وضعف التنمية والعجز المزمن في التكامل. في النهاية، يبقى السؤال معلقاً: هل يدرك النظام الجزائري فداحة الجريمة التاريخية التي يرتكبها بحق شعوب المنطقة؟ أم أن مرض إنكار الواقع، كما وصفه فرويد، قد تحول إلى نمط حكم لا يرى في المستقبل سوى تهديداً يجب دفنه في رمال الأوهام؟


النهار
منذ 7 أيام
- سياسة
- النهار
هل تستفيد جبهة البوليساريو من درس أوجلان وحركة "إيتا" الباسكية؟
في مثل هذا الشهر من سنة 1973، تأسست جبهة البوليساريو الانفصالية، في سياق إقليمي ودولي مشحون بصراعات الحرب الباردة وبمخلفات الاستعمار. وقدمت الجبهة نفسها باعتبارها حركة تحررية تسعى لاستقلال الصحراء المغربية عن الوطن الأم. لكن وبعد مرور أكثر من خمسة عقود، عرف الجميع أن البوليساريو ليست سوى أداة في يد النظام الجزائري، في صراع مفتعل لا علاقة له بتقرير المصير بقدر ما هو تجسيد لعقدة النظام الجزائري التاريخية تجاه المغرب. يدّعي النظام الجزائري، منذ بداية النزاع المفتعل، أنه يدافع عن "حق تقرير المصير" لما يسميه الشعب الصحراوي. وهو بذلك يخون أبسط مبادئ الانسجام السياسي، إذ كيف لنظام عاش كل عمره في ظل نظام الحزب الوحيد وصادر إرادة شعبه في انتخابات 1991، ووأد أول تجربة ديموقراطية حقيقية، أن يمنح دروساً في الحرية والاختيار؟ فالنظام الجزائري لم يؤمن أبداً بقيمة الاختلاف ولا بالتعدد، وهو ما يجعل دعمه لجبهة انفصالية بمثابة تصفية حسابات سياسية إقليمية أكثر منه دفاعاً عن مبدأ، وهو أمر أضحى مكشوفاً للجميع. لقد أنهت اتفاقية مدريد الثلاثية بين المغرب وموريتانيا وإسبانيا لسنة 1975 عملياً الوجود الاستعماري الإسباني بالصحراء المغربية، وأسست بذلك لمرحلة جديدة من استكمال الوحدة الترابية، لكن النظام الحاكم في المرادية ظل ينفخ في نار الانفصال، مسقطاً من حساباته الواقع الدولي والإقليمي المتغير، وظل متشبثاً بسردية جامدة تجاوزتها الأحداث، ورفضها منطق التاريخ والجغرافيا. إن الحق في تقرير المصير لا يعني بالضرورة الانفصال. ولو تم تطبيق هذا المبدأ بمفهومه الضيق، لوجب تقسيم القارة الأفريقية إلى مئات الدول العرقية، في قارة تضم أكثر من 300 مجموعة عرقية، ناهيك عن باقي مناطق العالم حيث يتجاوز عدد العرقيات 5 آلاف. فهل يعقل أن يكون الحل لكل تنوع هو خلق كيانات جديدة؟ أم أن الحل الحقيقي يكمن في أنظمة ديموقراطية دامجة تضمن التعدد والوحدة في آن؟ تجارب الحركات الانفصالية في العالم تقدم دروساً بليغة. الزعيم الكردي عبدالله أوجلان، بعد عقود من التمرد المسلح، دعا أنصاره إلى نبذ السلاح واعتماد المسار السياسي، في لحظة وعي وطني عميق بل إن الأمر بلغ حد حل حزب العمال الكردستاني. وكذلك فعلت "إيتا" الباسكية في إسبانيا التي اعترفت بأخطائها وطلبت الصفح من ضحاياها، لتطوي بذلك صفحة من العنف وتلتحق بمسار الدولة المدنية. هذه التجارب تؤكد أن نهاية العمل المسلح والانخراط في العمل السياسي هو الطريق الأسلم لأي فصيل يحمل مطالب سياسية أو ثقافية أو هوياتية. في المقابل، تعيش جبهة البوليساريو ومن ورائها النظام الجزائري، حالة من الإنكار المرضي للواقع، تشبه، كما يشرح علم النفس الحديث، الآليات الدفاعية التي يلجأ إليها العقل الباطن عند العجز عن التكيف. إنكار الواقع هنا تحول إلى متلازمة مرضية تقود إلى ممارسات عبثية، يدفع ثمنها آلاف الصحراويين المحتجزين قسراً في تندوف، كضحايا للعبة جيوسياسية جزائرية خاسرة. لقد أصبح من الواضح أن البوليساريو تحولت من "بؤرة ثورية" إلى "سقط المتاع"، بالنظر إلى مسارها المتآكل. وأمام التحولات الجيوسياسية الكبرى التي يعرفها العالم، يبدو أن نزاع الصحراء يعود ليُقرأ من زاوية جديدة باعتباره امتداداً للحرب الباردة، وعامل عدم استقرار في المنطقة، حيث يسعى النظام في الجزائر للبحث الدائم عن صراع خارجي، لتحصين وضبط الجبهة الداخلية من أي انفلات، في حين يدفع المغاربيون ثمناً باهظاً من عدم الاستقرار وضعف التنمية والعجز المزمن في التكامل. في النهاية، يبقى السؤال معلقاً: هل يدرك النظام الجزائري فداحة الجريمة التاريخية التي يرتكبها بحق شعوب المنطقة؟ أم أن مرض إنكار الواقع، كما وصفه فرويد، قد تحول إلى نمط حكم لا يرى في المستقبل سوى تهديد يجب دفنه في رمال الأوهام؟

جريدة الايام
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- جريدة الايام
الحرب الباردة الثانية: صراع التكنولوجيا لا الأيديولوجيا
العالم لا يسير نحو حرب باردة جديدة، بل يعيشها واقعا. لكن هذه المرة، لا تعلو فيها شعارات الشيوعية والرأسمالية، ولا تتواجه فيها مدافع الأيديولوجيا من خلف الستار الحديدي. إنها حرب باردة من طراز رقمي، تُخاض ببيانات لا دبابات، وبشبكات لا خنادق، وبتحالفات مرنة تحكمها لوغاريتمات الأسواق لا عقائد النُظم. الصين: من الهامش إلى المحور إذا كانت الولايات المتحدة قد خرجت من الحرب الباردة الأولى كقطب أوحد متسلّح بعقيدة الردع ومتفرد بالهيمنة، فإن الحرب الباردة الثانية تُعلن عن عالم متعدد الأقطاب، تقف فيه الصين لا كمُتلقٍ أو لاحقٍ، بل كمهندس لخرائط المستقبل. لقد نجحت بكين في بناء نموذج جديد من القوة الناعمة الصلبة (اقتصاد رقمي، حزام وطريق، ذكاء اصطناعي، وتكنولوجيا فائقة السرعة) كلها أدوات تصوغ بها مجالها الحيوي دون أن تطلق طلقة واحدة. فبدل سياسة الاحتواء التي اعتمدتها واشنطن لكبح الاتحاد السوفييتي، تواجه الصين، اليوم، محاولات تطويق أميركية عبر حظر تصدير الرقائق المتقدمة، وحصار شبكاتها الرقمية، وشيطنة شركاتها الكبرى. ومع ذلك، تمضي الصين في ترسيخ موقعها، ليس من خلال خطاب أيديولوجي أو تصدير ثورة، بل عبر تدفقات استثمارية بلا شروط، وتحالفات براغماتية تُغني عن المحاضرات الأخلاقية. تحالفات لا تسأل عن هوية النظام بعكس النموذج الغربي، لا تسأل الصين شركاءها عن نمط الحكم أو سجل حقوق الإنسان. إنها تقدم نفسها بوصفها شريكا صامتا، لكنه فعّال. لا تبني تحالفاتها على الولاء للعقيدة، بل على الجدوى الاقتصادية. ولذلك، تجد دول الجنوب العالمي (وقد سئمت من مشروطية الغرب) في الصين نموذجا أكثر تحررا من الأثقال السياسية. الولايات المتحدة: دفاع استباقي في زمن الانزياح في هذا التوازن الجديد، تخوض واشنطن حربها بوسائل شبيهة بأدوات الأمس: تشكيل تحالفات مغلقة، توسيع القواعد، استخدام العقوبات، ومحاولة فرض هيمنة رقمية عبر وادي السيليكون. لكن شيئا ما تغير في بنية القوة. الردع لم يعد نوويا بل سيبرانيا، والرد على «الصواريخ الافتراضية» لا يتم في غرف العمليات بل في الأسواق والبورصات والمختبرات. المنطقة العربية: من الساحة إلى اللاعب في الحرب الباردة الأولى، كانت المنطقة العربية ميدانا للنفوذ المتبادل، من الانقلابات إلى الوكلاء. أما، اليوم، فقد أدركت بعض العواصم، وفي طليعتها الرياض، أن العالم الجديد لا ينتظر أحدا. فمع تبني رؤية تنموية شاملة، واستثمارات استراتيجية في التقنية والطاقة المتجددة والفضاء، تحوّلت السعودية من دولة تُستقطب، إلى دولة تستقطب، ومن تابع ضمن توازنات الحرب الباردة القديمة، إلى لاعب مستقل يعيد تموضعه بدقة في الحرب الجديدة. السعودية تفهم أن القوة، اليوم، لا تُقاس بعدد الحلفاء، بل بقدرة الدولة على التحرّك ضمن كل المحاور، دون أن تُستهلك في محور واحد. وهذا بالضبط ما تفعله عبر إدارة ذكية لعلاقاتها مع واشنطن وبكين في آن. فلسطين: بين الذاكرة السياسية وفرصة الانبعاث في زحمة الاستقطاب الجديد، تبدو القضية الفلسطينية وكأنها تائهة بين الملفات، لكنها في الحقيقة تقف أمام لحظة تحوّل يمكن أن تعيدها إلى قلب المعادلة، لا إلى هامشها. فمع تآكل الانحياز الأميركي المطلق لإسرائيل، وصعود قوى جديدة لم تُلوث سجلها بالتحالف الأعمى مع الاحتلال، تتاح للفلسطينيين نافذة، وإن كانت ضيقة، لإعادة تعريف تموضعهم الدولي. غير أن هذه القوى الصاعدة لا تنتظر أحدا. إنها لا تمنح «عدم الانحياز» مجانا، بل تُكافئ من يُحسن التموضع ويُتقن لغة المصالح. وعلى النخب الفلسطينية أن تُغادر أسر الشعارات، وتتحرر من التردد، وتبادر إلى صياغة شبكة تحالفات مع دول مثل إندونيسيا، وماليزيا، وكوريا الجنوبية، وحتى الصين نفسها، لا من باب الاستعطاف، بل من موقع الفعل والمبادرة. فالقضية الفلسطينية، إن أرادت أن تخرج من أرشيف الحرب الباردة الأولى، عليها أن تكتب اسمها بحبر جديد في دفتر الاصطفاف القادم. العالم يعيد اختراع نفسه لم تعد الحرب الباردة مجرد ذكرى، بل واقع يتشكل، بأسلحة جديدة، ومصطلحات جديدة، وخريطة قوى تتغيّر كل يوم. ومن لم يكن يملك في الحرب الأولى إلا خيار التبعية أو الرفض، أمامه، اليوم، فسحة أوسع للمناورة، بشرط أن يُجيد قراءة الزمن، وأن يمتلك ما يقدّمه للعالم الجديد، لا ما يستجديه منه.


معا الاخبارية
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- علوم
- معا الاخبارية
تاريخ إنتاج المسيّرات في العالم: من أدوات الاستطلاع إلى أسلحة متطورة
بيت لحم- معا- شهدت تكنولوجيا الطائرات المسيّرة، أو ما يُعرف بـ"الدرونز"، تحوّلاً جذرياً منذ بداياتها الأولى، ففي حين بدأت كأدوات بسيطة للاستطلاع، باتت اليوم تُستخدم في المهام القتالية المعقدة، وتُحدث فرقاً كبيراً في ساحات الحروب والمهام المدنية على حد سواء. البدايات: الحرب العالمية الأولى والثانية ظهرت فكرة الطائرات بدون طيار في أوائل القرن العشرين، حين حاولت الجيوش استخدام تقنيات التحكم اللاسلكي لتطوير نماذج طيران آلي. ففي عام 1916، جُرّب نموذج أولي يُعرف بـ"Aerial Target" في بريطانيا، تبعته محاولات أمريكية، لكنها لم تكن ناضجة تكنولوجياً بعد. خلال الحرب العالمية الثانية، طوّرت ألمانيا الصاروخ الشهير V-1، الذي يُعتبر من أولى الأسلحة الانتحارية المسيّرة. في المقابل، استخدمت الولايات المتحدة نماذج بدائية للطائرات المسيّرة لأغراض التدريب والرصد. الحرب الباردة: تطور الاستخدامات الاستخباراتية مع احتدام الحرب الباردة، تحوّل تركيز الدول الكبرى إلى استخدام الطائرات المسيّرة في جمع المعلومات. طوّرت الولايات المتحدة طائرات مثل Firebee، ونفّذت بها مهام تجسس فوق الصين وفيتنام. في الوقت نفسه، بدأت إسرائيل بتطوير مسيّرات خفيفة لأغراض الاستطلاع، ما شكّل قاعدة انطلاق لهيمنتها المستقبلية في هذا المجال. الطفرة الإسرائيلية والأمريكية: الثمانينيات والتسعينيات في الثمانينيات، رسّخت إسرائيل مكانتها كدولة رائدة في تكنولوجيا المسيّرات عبر تطوير طائرات مثل Scout وPioneer بالتعاون مع الولايات المتحدة، والتي استخدمتها خلال غزو لبنان عام 1982. بحلول التسعينيات، ظهرت طائرة Predator MQ-1 الأمريكية، المزوّدة بكاميرات عالية الدقة وقدرة على البقاء في الجو لفترات طويلة. ومع بداية الألفية، زُوّدت هذه الطائرات بصواريخ Hellfire، ما حوّلها إلى أدوات اغتيال عن بُعد. الألفية الثالثة: ثورة المسيّرات المسلحة والمدنية وفي العقدين الماضيين، أصبحت المسيّرات محور العمليات العسكرية الحديثة. الولايات المتحدة استخدمتها بكثافة في باكستان وأفغانستان واليمن، بينما طوّرت دول مثل تركيا طائرات Bayraktar TB2 التي حققت شهرة واسعة في ليبيا وسوريا وأوكرانيا. كما دخلت إيران على خط المنافسة عبر تطوير طائرات مثل شاهد 129 وشاهد 136 التي أثارت جدلاً بسبب استخدامها في هجمات إقليمية. الصين وروسيا أيضاً أصبحتا من كبار المنتجين والمصدّرين لطائرات مثل Wing Loong وOrion. الاستخدام الإسرائيلي في النزاعات الحديثة في الحرب الأخيرة على غزة وجنوب لبنان، استخدمت إسرائيل طائرات مسيّرة مزوّدة بصواريخ دقيقة لتنفيذ عمليات اغتيال ضد قيادات في حركتي حماس وحزب الله. تم رصد استخدام مكثف للطائرات المسيّرة في مراقبة التحركات، تنفيذ ضربات جراحية، وتحديد أماكن تخزين الأسلحة، ما يعكس تطور الاستخبارات الجوية الإسرائيلية. التحولات الاستراتيجية: المسيّرات تغير قواعد الحرب أثبتت المسيّرات أنها أداة فعّالة في الحروب غير المتكافئة، حيث يمكن لطائرة صغيرة وغير مأهولة تنفيذ مهام كانت تتطلب في السابق طائرات مقاتلة باهظة التكلفة. تغير هذا المفهوم من طبيعة المعارك، وأصبح عاملاً أساسياً في رسم الاستراتيجيات العسكرية الحديثة. المسيّرات في الصراع الهندي-الباكستاني في أحدث جولات التصعيد بين الهند وباكستان، أعلنت إسلام آباد عن اعتراضها عدداً من المسيّرات الهجومية التي حاولت استهداف مواقع عسكرية. وأشارت إلى أن بعض هذه المسيّرات يُشتبه بأنها من طرازات متطورة. رغم عدم وجود تأكيد رسمي حول مصدرها، فإن هذا التطور يعكس اعتماداً متزايداً على المسيّرات في النزاعات بين الدول ذات العلاقات المتوترة، ويبرز تحديات حماية المجال الجوي ضد تهديدات جديدة وغير تقليدية. جهود الجيوش في التصدي للطائرات المسيّرة ومع تصاعد استخدام المسيّرات الهجومية والانتحارية، تعمل الجيوش على تطوير أنظمة دفاع جوي جديدة، تشمل: • أسلحة الليزر والطاقة الموجهة: مثل النظام الإسرائيلي "Iron Beam". • أنظمة التشويش الإلكتروني: لتعطيل الاتصالات بين الطائرة ومُشغلها. • رشاشات ذكية وأنظمة اعتراض قصيرة المدى: مثل "C-RAM". • استخدام الحيوانات المدربة: كما فعلت الشرطة الهولندية باستخدام النسور في بعض الحالات. كذلك، تمكّن الحوثيون من إسقاط عدد من طائرات MQ-9 Reaper الأمريكية عبر تقنيات تشويش وتقنيات محلية وأجنبية، ما أبرز نقاط ضعف الدرونز أمام أساليب المقاومة غير التقليدية. استخدام الفاعلين غير الحكوميين للطائرات المسيّرة باتت المسيّرات جزءاً من أدوات الجماعات المسلحة، بدءاً من داعش الذي استخدم نماذج تجارية معدّلة لأغراض هجومية، مروراً بحزب الله الذي طوّر مسيّرات خاصة به للاستطلاع وربما للضربات الدقيقة، إلى فصائل في غزة قامت بتجارب استخدام مسيّرات لأغراض قتالية. هذه الاستخدامات تشير إلى أن الدرونز باتت في متناول جماعات لا تملك جيوشاً نظامية، ما يزيد من التهديدات الأمنية ويصعّب من مهمة السيطرة على المجال الجوي. الاستخدامات المدنية خارج ساحة المعركة، حققت المسيّرات ثورة في القطاعات المدنية. تُستخدم حالياً في التصوير السينمائي، الزراعة الدقيقة، مراقبة خطوط الكهرباء، توصيل الطرود، ورصد الكوارث الطبيعية. وتتنافس شركات عالمية مثل DJI على تطوير طائرات ذكية بسعر مناسب للمستهلك. المستقبل القريب سيشهد دخول الذكاء الاصطناعي إلى قلب تكنولوجيا المسيّرات. ستصبح المسيّرات قادرة على اتخاذ قرارات ذاتية، تنفيذ مهام متعددة بالتزامن، والعمل ضمن أسراب منسقة، ما قد يُغيّر شكل الحروب إلى الأبد، ويمنح أفضلية للدول أو الجماعات التي تستثمر في هذا المجال سريع التطور.