logo
#

أحدث الأخبار مع #الذاكرة

العلاج بالنسيان.. علم يعيد تعريف الشفاء
العلاج بالنسيان.. علم يعيد تعريف الشفاء

الرياض

timeمنذ 12 ساعات

  • صحة
  • الرياض

العلاج بالنسيان.. علم يعيد تعريف الشفاء

العلاج بالنسيان لا ينادي بإنكار الماضي، بل بتحرير العقل من قيوده، فالنسيان كآلية علاجية ليس هدفًا في حد ذاته، بل هو جزء من عملية أوسع تهدف إلى إعادة معالجة الذكريات السلبية وتقليل تأثيرها العاطفي.. كما أن النسيان الكامل للتجارب المؤلمة قد لا يكون ممكنًا أو مرغوبًا فيه دائمًا، إذ يمكن أن تُصبح بعض الذكريات دروسًا تعزز المرونة النفسية.. في عالم يقدس الذاكرة، يبرز سؤال جريء: هل يمكن تحويل النسيان من مجرد خلل عصبي إلى أداة علاجية؟ يثير مفهوم "العلاج بالنسيان" جدلا واسعا بين العلماء والأطباء، لكن الأبحاث الحديثة تقدم أدلة على أنه ليس خيالا علميا، بل نهجا واعدا لمساعدة من يعانون من ذكريات مؤلمة. الذاكرة ليست أرشيفا ثابتا، بل عملية حية تعاد صياغتها باستمرار. فعندما نسترجع حدثا تصبح الذكرى هشة لفترة قصيرة قبل أن تخزن مجددا، وهي ظاهرة تسمى إعادة التوطيد (Reconsolidation). اكتشفت هذه الآلية في عام 2000، وأصبحت أساسا لعلاجات تهدف إلى تخفيف الشحنات العاطفية للذكريات السلبية. كما يوضح إريك كانديل، عالم الأعصاب الحائز على جائزة نوبل: "الذاكرة كالنقش على الرمل؛ يمكن تعديلها قبل أن تجف". يعمل العلاج بالنسيان عن طريق عدة استراتيجيات؛ منها العلاج بالتعريض (Exposure Therapy) الذي يعتمد على مواجهة المواقف المسببة للقلق تدريجيا، ما يقلل من استجابة الخوف عبر تعويد الدماغ على الربط بين الحدث والأمان بدلا من الرعب، وقد حقق مرضى اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) تحسنا ملحوظا بعد جلسات مدمجة مع إعادة التوطيد. وهناك استراتيجية منع استرجاع الذاكرة (Memory Suppression)؛ فالدماغ قادر على "قمع" الذكريات عن عمد عبر آلية القمع النشط، ما يضعف الروابط العصبية المرتبطة بها، هذه التقنية تشبه "حذف ملفات" من نظام تخزين البيانات الدماغي. وهناك استراتيجية التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة (TMS)؛ حيث يستخدم هذا الأسلوب نبضات مغناطيسية لتحفيز مناطق محددة في الدماغ (مثل القشرة الأمامية) لتقليل نشاط المناطق المرتبطة بالذكريات السلبية. للنسيان فوائد متعددة؛ فهو مفيد في تخفيف الأعباء النفسية؛ فالذكريات المؤلمة تغذي اضطرابات مثل الاكتئاب والقلق. فتقليل شحنة الذكريات العاطفية يقلل من نوبات الذعر. ومن فوائده تعزيز المرونة العاطفية؛ فالنسيان الانتقائي يساعد الأفراد على التركيز على الحاضر بدلا من التشبث بالماضي. وهذا يعزز اتخاذ قرارات مدروسة بدلا من ردود الأفعال الاندفاعية. ومن فوائد النسيان تحسين العلاقات الاجتماعية؛ حيث إن تذكر الإهانات أو الخلافات القديمة قد يغذي الكراهية. فالأشخاص القادرون على "نسيان" الخلافات يتمتعون بعلاقات أكثر استقرارا. ومن فوائده كذلك زيادة التركيز على الأهداف؛ فالأفراد الذين يتخلصون من الذكريات السلبية يكونون أكثر إنتاجية في العمل والدراسة، لأن عقولهم غير مشغولة بـ "أشرطة" الماضي المتكررة. لا يزال محو الذكريات تماما غير ممكن، بل الهدف هو فصل المحتوى العاطفي عن الحدث، وتحذر المنظمة العالمية للصحة النفسية من استخدام هذه التقنيات لإخفاء ذكريات جماعية (كجرائم الحرب)، مع التشديد على أنها يجب أن تستخدم فقط لتخفيف المعاناة الفردية. أحدثت التكنولوجيا الحيوية ثورة في هذا المجال، ففي عام 2024 نجح باحثون في جامعة ستانفورد باستخدام تقنية التعديل الجيني (CRISPR) لاستهداف الجينات المرتبطة بترسيخ الذكريات السلبية في تجارب على الحيوانات. النتائج الأولية تظهر إمكانية "إطفاء" استجابة الخوف دون التأثير على الذاكرة نفسها، ما يفتح آفاقا لعلاجات أكثر دقة. بالإضافة إلى ذلك، طورت خوارزميات الذكاء الاصطناعي نماذج تتنبأ بالذكريات عالية الخطورة التي قد تسبب انتكاسات نفسية، ما يساعد الأطباء على تصميم خطط علاجية استباقية. على سبيل المثال، تحلل هذه الأنظمة أنماط النوم ونشاط الدماغ لتحديد الذكريات التي تحتاج إلى "إعادة صياغة". النظام العصبي لا يخزن كل شيء؛ فهو ينسى عمداً لتحسين الكفاءة الإدراكية. هذا النسيان النشط قد يكون مفتاحًا لفهم الاضطرابات النفسية. والذاكرة ليست فيديو تسجيليًا، بل كتاب يُعيد كتابته كل مرة نتذكر فيه. هذا يفتح أبوابًا للتدخل العلاجي عبر تعديل هذه الذكريات. ولا يمكننا أن ننسى ذكرياتنا السيئة، لكن يمكننا أن نختار ألا نسمح لها بحكم حياتنا. الصدمة لا تُنسى، لكن يمكننا أن نعلِّم العقل والجسم أن يتوقفان عن إعادة تمثيلها. والنسيان الموجه للذكريات السلبية باستخدام تقنيات التحفيز المغناطيسي العابر أظهر فعالية في تخفيف أعراض الاكتئاب والقلق. العلاج بالنسيان لا ينادي بإنكار الماضي، بل بتحرير العقل من قيوده. يقول الفيلسوف فريدريك نيتشه: "من ينظر إلى الماضي بعين الرحمة، يستطيع بناء مستقبل بلا أسر". اليوم، يقدم العلم أدوات لتحقيق هذا الهدف، لكن المفتاح الحقيقي يبقى في كيفية استخدامنا لها بمسؤولية. وهذه الابتكارات تذكرنا أن العلاج بالنسيان ليس مجرد حذف للماضي، بل تحرير للطاقة العقلية لإعادة استثمارها في البناء. يقول كارل يونغ: "الذي لا يستطيع تذكر الماضي، محكوم بتكراره". اليوم، يصبح الشفاء ممكنا ليس بالنسيان المطلق، بل بالاختيار الواعي لما نحمله معنا. النسيان كآلية علاجية ليس هدفًا في حد ذاته، بل هو جزء من عملية أوسع تهدف إلى إعادة معالجة الذكريات السلبية وتقليل تأثيرها العاطفي.. كما أن النسيان الكامل للتجارب المؤلمة قد لا يكون ممكنًا أو مرغوبًا فيه دائمًا، إذ يمكن أن تُصبح بعض الذكريات دروسًا تعزز المرونة النفسية. يقول سيغموند فرويد: "التذكر هو بداية الشفاء، لكن أحيانًا يُصبح النسيان ضروريًا لحماية العقل من آلام لا يمكن تحملها".

كيف يضيء الدماغ أفكارك.. دراسة تظهر تأثير لحظات الإدراك على الذاكرة
كيف يضيء الدماغ أفكارك.. دراسة تظهر تأثير لحظات الإدراك على الذاكرة

روسيا اليوم

timeمنذ 15 ساعات

  • علوم
  • روسيا اليوم

كيف يضيء الدماغ أفكارك.. دراسة تظهر تأثير لحظات الإدراك على الذاكرة

واستخدم فريق بحثي من جامعة ديوك وجامعة هومبولت، بقيادة البروفيسور روبرتو كابيزا، تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لرصد ما يحدث داخل الدماغ أثناء لحظات "الوجدان" أو "لحظة آها" (Aha moments)، وهي تعبير مجازي عن لحظة اكتشاف أو فهم فجائيه. وكشفت الدراسة التي نشرت في مجلة Nature Communications أن هذه اللحظات الإدراكية المفاجئة تترك أثرا عميقا في الذاكرة، حيث تزيد من قوة تذكر المعلومات بنسبة تصل إلى الضعف مقارنة بالحلول التي يتم التوصل إليها بطرق منهجية تقليدية. وما يجعل هذه النتائج أكثر إثارة هو أن قوة لحظة الإلهام ترتبط طرديا بمدى تذكر الحلول بعد أيام. فكلما كانت لحظة الإدراك أكثر وضوحا وقوة، زادت احتمالية تذكر الفرد للحل بعد خمسة أيام من التوصل إليه. ويرجع هذا التأثير المذهل إلى سلسلة من التغيرات العصبية التي تحدث في مناطق محددة من الدماغ أثناء لحظات الإشراق. وعندما يمر الشخص بلحظة وجدان، يشهد الدماغ انفجارا حقيقيا في نشاط منطقة الحصين (قرن آمون)، تلك المنطقة الصغيرة التي تلعب دورا محوريا في عمليات التعلم وتكوين الذاكرة. كما تظهر تغيرات جذرية في نمط إطلاق الخلايا العصبية في القشرة القذالية الصدغية البطنية، وهي المنطقة المسؤولة عن التعرف على الأنماط البصرية ومعالجة المعلومات المرئية. ولعل الأكثر إثارة هو ما لاحظه العلماء من زيادة ملحوظة في كفاءة الاتصال بين مختلف مناطق الدماغ أثناء لحظات الإلهام. وكما يوضح البروفيسور كابيزا: "تتواصل المناطق المختلفة مع بعضها بعضا بشكل أكثر كفاءة أثناء هذه اللحظات"، ما يخلق نوعا من التكامل العصبي الفريد الذي يفسر قوة هذه التجارب وتأثيرها الدائم على الذاكرة. This Is What Your Brain Looks Like When You Solve a Problem وتفتح هذه النتائج آفاقا جديدة في مجال التعليم وطرق التدريس، حيث تشير إلى أن البيئات التعليمية التي تشجع على الاكتشاف الذاتي وتحفيز لحظات الوجدان قد تكون أكثر فعالية في تعزيز الفهم العميق والاحتفاظ بالمعلومات على المدى الطويل. كما تثير هذه الاكتشافات أسئلة عميقة حول طبيعة الإبداع وآليات حل المشكلات في الدماغ البشري، ما يضع الأساس لمزيد من الأبحاث المستقبلية التي قد تكشف النقاب عن المزيد من أسرار العقل البشري وقدراته المدهشة. المصدر: Gizmodo

حين تآكلت ذاكرتي!
حين تآكلت ذاكرتي!

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • صحة
  • الجزيرة

حين تآكلت ذاكرتي!

في الماضي كنت أتذكّر، ولكني ما عدت أذكر أكان ذلك في صغري أم قبل طوفان تدفّق معلومات الإنترنت الذي يغرقنا بمجرد أن نفتح أعيننا كل صباح. كنت أتذكّر تفاصيل الكتب التي أقرؤها، أصغر حبكات الأفلام وقصصها التفصيلية، أرقام الإحصائيات، تسلسل الحجج في النقاشات، دقائق التقارير، وأحيانًا حتى صفحة وجود معلومة بعينها. لم أكن فقط أستهلك المعرفة، بل كنت أعيشها، أحتفظ بها على مرمى حجر في ذاكرتي، وأستحضرها كما يستحضر الإنسان اسمه الأول. لكن شيئًا ما تغير! اليوم، بمجرد أن أنتهي من قراءة كتاب أكاد أنساه، وعند فراغي من مشاهدة فيلم تتبخر القصة من رأسي، أصوغ نصًّا طويلًا على مدى أشهر، وبعد أسابيع بالكاد أستطيع تذكّر خطوطه العريضة، ناهيك عن تفاصيله؛ وكأن عقلي يصبح كسطح أملس تتساقط عليه المعلومات دون أن تترك أثرًا، وكأنها قطرات مطر أول نيسان التي انزلقت على زجاج نافذة سيارتي قبل بضعة ليالٍ. لا يعد مصطلح "الإرهاق المعلوماتي" شيئًا جديدًا، لكنه اليوم بات كمرضٍ عصري، يصيبنا نتيجة تعرضنا لكمٍّ هائل من المعلومات دفعة واحدة، بحيث يصعب علينا معالجته، ويؤثر على تركيزنا وجودة قراراتنا، وهذا يقود إلى الإجهاد المعرفي هذه ليست مبالغة عاطفية، بل نتاج مجموعة ظواهر تدعمها مجموعة من الأبحاث التي تناقش آثار ظواهر مثل ما بات يسمى تأثير جوجل (Google Effect)، وهي ظاهرة تشير إلى أن أدمغتنا في عصر الإنترنت أصبحت أقل اهتمامًا بحفظ المعلومات، وأكثر اعتمادًا على قدرتنا على البحث عنها لاحقًا. نحن لم نعد نثق في ذاكرتنا، بل في قدرة جوجل على أن يحل مكانها، ما دمنا قادرين على إيجاد المعلومة عبره في أي وقت نشاء. المخيف هو اعتقاد البعض أن تأثير جوجل قد يكون علامة على تطور المهارات التقنية وتسخير التكنولوجيا، على الرغم من عدم وجود دليل على أن قدراتنا البحثية في تحسن، بل -على العكس- يبدو أن قدراتنا في التفكير النقدي في تراجع، حيث إن غالبيتنا فقد القدرة على تقييم المعلومات التي تقذفها الإنترنت الغارقة في المعلومات المضللة في وجوهنا. بالإضافة إلى ذلك، خلف هذا التراجع في القدرة على التذكر يكمن ما هو أعمق وأكثر إنهاكًا.. الإرهاق المعلوماتي. نحن -ببساطة- نتعرّض يوميًّا إلى كمٍّ هائل من البيانات والأخبار والإحصائيات والرسائل والتنبيهات والعناوين المتدفقة من كل اتجاه. وشخصيًّا، وجدت نفسي أُسحق تحت وطأة كثافة معرفية لا يمكنني استيعابها، ناهيك عن تذكّرها أو توظيفها في بعض الأيام، حين يعلو تسونامي المعلومات لدرجة أننا نقرأ فقط لأننا مجبورون على لذلك، لا لأننا نتمعن أو نفهم بتعمق، أو نستمتع بما نقرأ، ونستمر في التنقل من مجموعة معلومات لأخرى دون أن نستطيع تذوّق أيٍّ منها. لا يعد مصطلح "الإرهاق المعلوماتي" شيئًا جديدًا، لكنه اليوم بات كمرضٍ عصري، يصيبنا نتيجة تعرضنا لكمٍّ هائل من المعلومات دفعة واحدة، بحيث يصعب علينا معالجته، ويؤثر على تركيزنا وجودة قراراتنا، وهذا يقود إلى الإجهاد المعرفي، وانخفاض القدرة على التحليل والتأمل، وحتى إلى القلق وصعوبة اتخاذ القرار؛ فلقد بتنا نستهلك كمًّا من المعلومات يتجاوز قدرتنا على هضمها.. نقرأ كثيرًا، لكن يتسلل إلى أعماقنا الفتات، ونعرف عن كل شيء القليل، ولكن لا ندرك شيئًا بعمق. وقد نكأ نيكولاس كار جرح فقداننا القدرة على التركيز العميق باكرًا في كتابه "السطحيون: ما تفعله الإنترنت بأدمغتنا" (The Shallows: What the Internet Is Doing to Our Brains)، حين تناول كيف تعيد الإنترنت تشكيل أدمغتنا، وحذر من أن التحول إلى العوالم الرقمية قد يجعلنا أكثر سطحية في تفكيرنا، مع فقداننا بشكل تدريجي لمهارات القراءة العميقة والتحليل النقدي، وكيف أن اعتمادنا على الإنترنت كـذاكرة خارجية يضعف قدرتنا على التذكر والربط بين المفاهيم، ويدعو نيكولاس كار إلى إدراك خطورة هذه التغييرات وموازنة استخدام التكنولوجيا للحفاظ على قدراتنا الذهنية. وسط كل هذه الفوضى الرقمية، هل يمكن لإنسانٍ مثلي أمضى طفولته بين الكتب غير الدراسية، وغرق خلال سنين عمله في تحليل السياسات والوثائق الطويلة، وتذكر الأرقام وربط الإستراتيجيات بالوقائع، أن يبقى على حاله؟ لا أظن ذلك… لقد تغيّرتُ؛ تغيّرت طريقتي في التعلّم، في الحفظ، في التركيز. وأكاد أجزم أن هذه التغيّرات لم تأتِ من داخلي وحدي، بل فرضها السياق الرقمي الذي نعيش فيه جميعًا، وعليَّ الاعتراف بأن ذاكرتي الحديدية لم تعد كما كانت. ربما، ما نحتاجه الآن ليس فقط الحديث عن ضعف الذاكرة، بل عن حقّنا في التركيز، وفي التروي أحيانًا، وفي الاستيعاب العميق، وفي امتلاك معرفة متجذّرة وليست آنيةً فقط. ربما آن أوان أن نعيد النظر في علاقتنا مع المعرفة، وأن نتعلّم من جديد كيف نقرأ ونتابع ونتعلّم. لربما لا يمكنني استعادة ذاكرتي بشكلها القديم، ولا استرجاع ذلك القارئ النهم الذي كان يتذكّر المعلومة كما يتذكّر رائحة كتاب قديم في مكتبته، وعلى الرغم من ذلك فإن الباحثين لا ينكرون قدرة الدماغ على التكيّف الإيجابي، بل يؤكدون ما يُعرف بـالمرونة العصبية (Neuroplasticity)، أي قدرة الدماغ على إعادة تشكيل نفسه بالتدريب والممارسة، فمثلما تُقوّي التمارينُ العضلات، فإن التدريبَ الذهني يُحفّز الدماغَ على تكوين مساراتٍ عصبية جديدة. وهنا تظهر طرق تنشيط الذاكرة وتحسين التركيز مثل القراءة المتروية والعميقة بدل التصفح السريع، والكتابة باليد التي تعزز الحفظ، والتأمل وتمارين التنفس لتحسين الانتباه وتصفية التشويش الذهني، وبالتأكيد تقليل التشتت الرقمي عبر إطفاء التنبيهات وتخصيص وقت بلا شاشات، ولا بأس ببعض التمارين العقلية المنتظمة كالحفظ، أو حل الألغاز، أو تعلم لغة جديدة. لكن، حتى مع هذه الأدوات التي بدأتُ بممارسة بعضها فعلًا، تبقى الحقيقة أن ذاكرتي لن تعود كما كانت تمامًا، لأن السياق تغيّر؛ فنحن نعيش في عالم لم يُصمَّم لحفظ المعرفة، بل لتداولها السريع. من هنا، ربما ليس من الحكمة الاستبسال في استعادة ما كان، بل في التكيّف الواعي من خلال إدراكي أنني أعيش في عصر رقمي سريع، لا يمكنني فيه مراكمة المعرفة بنفس طريقة الأمس، ولكن يمكنني أن أُعيد تنظيم علاقتي بها… أن أقرأ بوعي، وأتذكّر ما هو جوهري، وأبني نظمًا داعمة للذاكرة بدلًا من أن أعتمد عليها وحدها. لربما ليس من الممكن استعادة ذاكرتي القديمة، لكن استعادة معنى المعرفة في حياتي هو التحدي الحقيقي، ولربما الرحلة القادمة هي الأكثر إثارة.

القصف الرقمي لذاكرة المراهقين
القصف الرقمي لذاكرة المراهقين

الإمارات اليوم

timeمنذ 2 أيام

  • صحة
  • الإمارات اليوم

القصف الرقمي لذاكرة المراهقين

في عصر تتزاحم فيه المهام اليومية، وتغمره التكنولوجيا من كل جانب، أصبح نسيان المواعيد المهمة وعدم التركيز شكوى شائعة بين المراهقين. وهذا الأمر لا يعود إلى الكسل أو اللامبالاة كما يعتقد البعض، بل هو نتاج تفاعل معقّد بين التغيرات البيولوجية في مرحلة المراهقة وأنماط الحياة الحديثة، حيث يشير الكثير من النتائج البحثية لدراسات علم الأعصاب إلى أن دماغ المراهق يخضع لعمليات إعادة هيكلة جذرية خلال هذه المرحلة، فتتراجع بعض الوصلات العصبية، بينما تتشكل أخرى جديدة. هذه التغيرات الطبيعية تؤثر مؤقتاً على الذاكرة قصيرة المدى والقدرة على التنظيم، لكن العامل الأكثر تأثيراً اليوم هو القصف الرقمي الذي يتعرض له المراهقون، كالانتقال السريع بين التطبيقات، ومواقع التواصل الاجتماعي، والألعاب الإلكترونية، وهو ما يؤدي إلى تشتت الانتباه، وإرهاق الذاكرة العاملة، ما يصعّب تخزين المعلومات بشكل فعال. أضف إلى ذلك أزمة النوم التي يعانيها معظم المراهقين، حيث يحتاج الدماغ في هذه المرحلة إلى 8-10 ساعات نوم يومياً، لكن السهر مع الأجهزة الذكية يقلل هذه الساعات بشكل كبير. فالنوم غير الكافي يعطل عملية توطيد الذاكرة التي تحدث أثناء النوم العميق، ما يجعل استرجاع المعلومات صعباً. وحقيقة، وسط كل هذا الأمر لا يمكن إغفال دور الضغوط النفسية في هذه المعادلة، كالضغوط الدراسية، والقلق الاجتماعي، وحتى التوتر العائلي، فهي تطلق هرمونات مثل الكورتيزول، تؤثر سلباً في منطقة الحُصين في الدماغ، المسؤولة عن تكوين الذكريات. لكن دائماً نرى أن الأمل لا ينقطع، والحلول لا تنتهي، بل لايزال العلم يزودنا بالحلول والتغلب على التحديات، فقد أظهرت الدراسات الحديثة أن اتباع استراتيجيات بسيطة يمكن أن يعيد تنشيط الذاكرة، كتخصيص أوقات يومية بعيداً عن الشاشات لتحفيز التركيز، مع ممارسة أنشطة تعزز النوم الجيد، كالقراءة قبل النوم، إضافة إلى اتباع نظام غذائي غني بالـ«أوميغا 3» (كالأسماك والمكسرات) الذي يدعم صحة الخلايا العصبية. بل أرى أنه من الضروري تفهم طبيعة هذه المرحلة العمرية الحرجة، بدلاً من لوم المراهقين على نسيانهم، فهم يحتاجون وبشكل مستمر إلى توجيه لطيف يساعدهم على تطوير آليات التكيف، فالذاكرة القوية ليست هبة فطرية، بل مهارة يمكن بناؤها بالتدريب والدعم، وهذا ما سيمكنهم من تحويل التحديات إلى فرص للنمو. * جامعة الإمارات العربية المتحدة لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

حين تمشي الفلسطينية بثقل حكاياتها
حين تمشي الفلسطينية بثقل حكاياتها

الجزيرة

timeمنذ 3 أيام

  • ترفيه
  • الجزيرة

حين تمشي الفلسطينية بثقل حكاياتها

الحقيبة التي لا تُرى في صباحٍ عاديٍّ من أيام العمل في إحدى مدن الضفة، تفتح الفلسطينية باب بيتها بثيابٍ أنيقة وعقلٍ مزدحم، تحمل حقيبة يدها، لكن لا أحد يرى الحقيبة الأثقل.. تلك التي على ظهر روحها! تمرُّ بين الناس، تبتسم، تلوّح، وتجلس إلى مكتبها أو فصلها، كأنها لم تكن منذ لحظات تغالب دمعةً علقت بطرف عينها وهي تودّع صغيرها، أو ترتّب عبثًا كلماتٍ في رأسها تحاول أن تقولها لشريك لم يسمعها منذ زمن، أو لنفسها التي لم تجد وقتًا تُحادثها. قد تكون ذاهبة إلى مكان بعيد، ولكنها دائمًا تحمل قصصًا ترويها في عقلها. هي لا تودّ أن تسمح لهذه القصص بأن تُسمع بالكامل، ولكن هناك من يراقبها بحذر، يسألها عن تفاصيل حياتها، على الرغم من أنّها في أغلب الأحيان لا تملك وقتًا لالتقاط أنفاسها. هذه الحقيبة -رغم كثافة ما فيها- لا يراها أحد إلا من خلال انعكاسات خفية على وجهها، تعبيرات حزنٍ تفضحها ابتساماتها. المرأة الفلسطينية لا ترى نفسها بطلةً، بل هي تمشي لأنه ليس أمامها خيار آخر! هي لم تتوقع أن ينقلب العالم من حولها مرارًا، ولكنها تعلم أن الحياة تُفرض عليها رغم كل ما يحدث حكايات لا تموت تحت الركام ليست وحدها في هذا، فالمرأة الفلسطينية لا تدخل يومها خالية الوفاض؛ تصطحب معها سردياتٍ كثيرة: أمّها التي كانت تنهض فجرًا رغم هشاشتها في مخيمات الشتات، وجدّتها التي حكت لها عن اللجوء الأول والبيوت التي سُرقت، وصديقتها التي لم تحتمل كل ذلك وغابت. هي لا تحمل حقيبة يد فقط، بل تحمل تاريخًا من الصبر، والخذلان، والبدايات المجهضة، والأمل العنيد. لا تكفّ عن العيش وسط تحديات الحياة المختلفة، بينما كل شيء حولها يعيد رسم تلك القصص في صمت. كلما نظرت إلى وجهها، ترى خطوطًا تذكرها بالظروف التي مرت بها، ولكنها أيضًا تمثل تطلعاتها المتجددة. الحروب، الفقد، الخذلان.. أشياء لا تتوقف، لكن الأمل يظلّ دومًا ينمو بين الضغوطات! تحمل على عاتقها أكثر من مجرد حياة يومية، بل هي حاملة لثقل ذاكرة الأمة الفلسطينية. التوازن المستحيل في ظلّ اللاممكن المرأة العاملة في فلسطين توازن بين دورها كأمّ، وكزوجة، وكمعيلة أحيانًا، وكعاملة في بيئة مضغوطة سياسيًّا واجتماعيًّا. تعيش يومها وهي تُوازن بين ما يُطلب منها خارج البيت، وما يصرخ بداخلها من بيتها.. لا أحد يرى جيدًا تلك الفجوة بين عطاءٍ يُنتظر منها، وتعبٍ لا يُفسَّر.. لا أحد يقرأ في عينيها الأسئلة التي لا تُقال: من يعتني بي؟ متى أضع رأسي وأبكي دون أن أبدو منهزمة؟ بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجز آخر تقف أمامه هذه المرأة الفلسطينية كل يوم: القيود التي تفرضها ظروف الاحتلال، سواء على الحركة أو على الوصول إلى الخدمات الأساسية. ومع كلّ خطوة تخطوها نحو الأمام، قد تجد نفسها عالقة في مكانها بسبب إغلاق الطرق أو حواجز عسكرية، ما يزيد من العبء النفسي والجسدي الذي تحمله. هي تمشي رغم كل شيء لكنها -رغم كل شيء- تمشي؛ لا لأن الطريق معبّد، بل لأن التوقّف ليس خيارًا. تمشي بثقلها، لكنها تمشي.. تحضر الاجتماعات، تُدرّس الدروس، تُشرف على المهام، تُربّي وتُواسي وتُصغي وتُصلح. وبمجرد أن تظن أنّها التقطت أنفاسها، تهتف حياة جديدة بطلب جديد، أحيانًا يأتي على هيئة غارةٍ فجائية أو خبر شهيد. المرأة الفلسطينية لا ترى نفسها بطلةً، بل هي تمشي لأنه ليس أمامها خيار آخر! هي لم تتوقع أن ينقلب العالم من حولها مرارًا، ولكنها تعلم أن الحياة تُفرض عليها رغم كل ما يحدث. تمشي، حتى وإن كانت قد أضاعت توازنها في بعض اللحظات، فذلك هو السبيل الوحيد للمضي قدمًا. بطولة يومية بلا تصفيق لا تنتظر الفلسطينية التصفيق، ولا حتى التفهُّم، فقط تُراكم أيامًا تُشبه بعضها، وتُخفي انتصاراتٍ صغيرة بين طيّات التفاصيل: كأن تُنهي يومًا دون أن تنفجر، أو تُضحك صغيرها رغم خذلانٍ طازج، أو تُعيد الكهرباء إلى بيتها الذي انقطعت عنه الحياة. هذه اللحظات اليومية لا يتم الاحتفاء بها كثيرًا، لكنها تتراكم لتصبح في النهاية شهادة على صمودٍ حقيقي، صمود يشبه الأرض الفلسطينية التي تتعرض للتهديدات المستمرة لكنها تظل ثابتة. في داخلي امرأة مثلها، وربما في داخلك أيضًا، لا تطلب أكثر من اعترافٍ بأن مشيها بهذا الثقل بطولة، وبأن الحكايات التي تمشي بها ليست ضعفًا، بل هي دليلٌ على أنّها لا تزال تختار الحياة، كل يوم، من جديد.. إنها تمشي بثقلها، لكنها تمشي. إنها ليست بطلة في معركة عسكرية، لكنها بطلة في معركة الحياة اليومية! تمشي بثقلها، ولكنها تمشي، وتستمر في السعي وراء العيش رغم كل التحديات. هذه هي فلسطين، وهذا هو وجه المرأة الفلسطينية، التي لا تكلّ ولا تملّ في مواجهة كل ظروف الحياة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store