logo
#

أحدث الأخبار مع #الرأسمالية

الاندماج في المنظومة العالمية لا يمنع نقدها
الاندماج في المنظومة العالمية لا يمنع نقدها

الشرق الأوسط

timeمنذ 18 ساعات

  • سياسة
  • الشرق الأوسط

الاندماج في المنظومة العالمية لا يمنع نقدها

في عصر الحرب الباردة والاستقطاب الآيديولوجي بين الاشتراكية والرأسمالية شهد العالم نظماً سياسية هدفها فك الارتباط من المنظومة الرأسمالية العالمية، وبناء نموذج يعتمد على الذات ومنعزل عن العالم، فكانت الصين إحدى أبرز تجارب النجاح في ذلك الوقت، ومعها تجارب أخرى نجحت وتعثرت في تحقيق هدف بناء أسوار العزلة عن النظام العالمي بالاعتماد على النفس وتحقيق الاكتفاء الذاتي بعيداً عن العالم الخارجي الذي صُنّف إما استعماراً أو نظاماً رأسمالياً مستغلاً. وقد غيّرت الصين من مشروعها منذ نحو نصف قرن، ووظّفت ما بنته في عقود الاشتراكية الماوية والثورة الثقافية من بناء داخلي صناعي وزراعي ضخم لكي تندمج بصورة نقدية في النظام العالمي، وأصبح هدف قاعدتها الصناعية الداخلية ليس أساساً الاكتفاء الذاتي، وإنما التصدير والمساهمة في التجارة العالمية والتأثير في المنظومة الدولية. صحيح أن الصين تمثل نموذجاً مغايراً للنموذج الغربي والأميركي، إلا أنها مندمجة في المنظومة الاقتصادية العالمية وفي النظام الرأسمالي، وأن أهم الشركات الغربية تصنع منتجاتها في الصين، وهي جزء أصيل من العولمة الاقتصادية، حتى لو اختلفت في السياسة، ولكنها تتحرك وفق قواعد نظام السوق العالمي ومندمجة فيه، وباتت تقدم نموذجاً مختلفاً عن الذي قُدم في عهد الرئيس الصيني الراحل ماو تسي تونغ، والذي عمل على تأسيس نظام منقطع الصلة بالنظام العالمي. لم تعد كوبا الستينات هي كوبا الحالية، ولا أوروبا الشرقية هي نفسها بعد دخول «الاتحاد الأوروبي»، ولا فيتنام المحاربة هي الحالية، وحتى إيران «الممانعة» هناك محاولات حثيثة لإدماجها في المنظومة الدولية عبر المفاوضات التي تجري مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، حتى لو كان يعني «الاندماج النقدي»، وبقيت كوريا الشمالية حالة استثنائية من الصعب تكرارها. إن العالم بأقطابه وقواه المتعددة أصبح يسمح بتنوعات داخله وفق قدرات كل دوله الاقتصادية وحضورها السياسي، وأصبح معيار تقدم أي دولة ووزنها في النظام الدولي يكمن في قدرتها على الاندماج والتأثير فيه، حتى لو كان اندماجاً نقدياً يختلف مع بعض الجوانب، ويسعى لتغيير جوانب أخرى. إن الاندماج «الناجح» في النظام العالمي يعني امتلاك مقومات وقدرات اقتصادية وسياسية لكي تصبح طرفاً مؤثراً في معادلاته، لا تسلم بكل جوانبه ولا تقبل بكل شروطه، وإنما يكون لديك القدرة على التفاعل النقدي مع كثير أو قليل من جوانبه. والحقيقة أن النقاش في العالم العربي اقترب من أن ينتقل من نقاش حول كيف يمكن أن توظف قدراتك الذاتية من أجل العزلة عن العالم، واستدعاء نماذج «ستينية» تعتبر سقف طموحها هو فقط الاكتفاء الذاتي، إلى النقاش حول كيفية المساهمة في الاقتصاد العالمي والتأثير سياسياً في النظام الدولي، وهو لن يتم ما لم تكن تمتلك أوراق قوة تسمح لك بأن يكون اندماجك نقدياً في النظام العالمي، وقادراً على الاستفادة منه لتحقيق مصالحك، وتعديل بعض جوانبه إن أردت. إن هناك محاولات لعدد من الدول العربية والشرق أوسطية، وبخاصة بلدان مثل السعودية وتركيا وغيرهما، التي اختارت أن تكون جزءاً من النظام العالمي الذي تقوده أميركا، واختلفت مع المحور الممانع لهذا النظام، ولكنها في نفس الوقت حافظت على قدراتها في التأثير والتفاعل النقدي مع بعض جوانب هذا النظام الدولي. والحقيقة أن القمة السعودية - الأميركية التي عُقدت في الرياض وظّفت فيها الأولى قدرتها الاقتصادية لصالح خيارات سياسية لم تكن على الأقل ستُحسم بهذه السرعة لولا وجود هذه القدرات وتوظيفها في التوقيت المناسب، وأبرزها القرار التاريخي للرئيس الأميركي برفع العقوبات عن سوريا، والذي ما كان ليتم لولا وجود ضغوط سعودية وحضور تركي، قُدمت فيه حجج قوية ومبررات سياسية لإدارة ترمب دفعته لاتخاذ هذا القرار. لقد وظّفت الرياض قدراتها الاقتصادية لصالح خيار سياسي محدد في صالح الشعب السوري، ونال ترحيبه وعزز من تأثيرها وحضورها السياسي. كما طرحت القمة أيضاً قضية وقف حرب غزة وجرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، وهو هدف ما زال متعثراً بسبب السياسات العدوانية الإسرائيلية. إن فكرة تأسيس تحالف دولي لإقامة الدولة الفلسطينية يجب الإصرار عليه وتفعيل نشاطه عبر تحالف مدني عالمي، وإن الاستفادة من القدرات الاقتصادية والاستثمارات السعودية الكبيرة في أميركا تمثل فرصة حقيقية لإنهاء حرب غزة، وترسيخ نموذج التفاعل النقدي مع المنظومة العالمية. إن أهمية إعادة الاعتبار لمعنى الاندماج النقدي في النظام العالمي تتطلب قدرات اقتصادية وكفاءة سياسية وليس مجرد شعارات، بخاصة بعد تراجع تأثير النظم التي عارضت هذا النظام من خارجه وحاولت تأسيس منظومة موازية، وأصبح الحضور والتأثير في المنظومة الدولية متوقفاً على قدرة كل دولة على الاستفادة من أوراق قوتها الاقتصادية والسياسية.

رحلة في فكرة .. التدمير الخلّاق الذي أعاد رسم خريطة الاقتصاد
رحلة في فكرة .. التدمير الخلّاق الذي أعاد رسم خريطة الاقتصاد

أرقام

timeمنذ 2 أيام

  • أعمال
  • أرقام

رحلة في فكرة .. التدمير الخلّاق الذي أعاد رسم خريطة الاقتصاد

- في زمنٍ بحثت فيه الاقتصادات عن التوازن، خرج جوزيف شومبيتر بنظريته الثورية بعنوان "التدمير الخلاق"؛ وهو مفهومٌ قلب المفاهيم السائدة رأسًا على عقب، وأعاد صياغة فهمنا للنمو والتطور. - لم يكن شومبيتر مجرد أستاذ جامعي أو وزير مالية سابق، بل كان عقلًا اقتصاديًا فذًا أضاء القرن العشرين، وخلّد اسمه بين الكبار الذين أحدثوا تحولات جذرية في الفكر الاقتصادي. - وُلد شومبيتر عام 1883 في مدينة تريش، بمنطقة مورافيا التابعة حينها للإمبراطورية النمساوية-المجرية (جمهورية التشيك اليوم). للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام - نشأ في بيئة ناطقة بالألمانية، وانتقل في سن مبكرة إلى فيينا حيث تلقّى تعليمًا نخبويًا في مدرسة "تيريزيانوم"، قبل أن يلتحق بجامعة فيينا لدراسة القانون والاقتصاد. - بعد تخرجه عام 1906، بدأ مسيرته المهنية من القاهرة، حيث عمل في مكتب محاماة إيطالي، وهناك نشر أول كتبه بعنوان "طبيعة الاقتصاد النظري ومحتواه". - ثم سرعان ما عاد إلى فيينا ليكمل دراسته العليا، ويُعيّن أستاذًا جامعيًا في جامعة تشيرنوفيتس، ثم في جامعة جراتس، حيث خطّ أولى أفكاره حول ريادة الأعمال والتنمية الاقتصادية. على مسرح السياسة والمال: تجربة فريدة - لم يكن شومبيتر رجل أكاديميًا فقط، بل خاض غمار السياسة والمال؛ ففي عام 1919، شغل منصب وزير المالية في حكومة النمسا قصيرة العمر، ثم ترأس بنك "بيدرمان"، قبل أن ينتقل في مطلع الثلاثينيات إلى الولايات المتحدة، حيث استقر أكاديميًا في جامعة هارفارد، وأصبح لاحقًا مواطنًا أمريكيًا عام 1939. - وقد واصل نشر أفكاره التي هزّت الأوساط الاقتصادية في أمريكا، ومن أبرزها كتابه الشهير "الرأسمالية، والاشتراكية، والديمقراطية" الصادر عام 1942، والذي جسّد فيه رؤيته الكاملة لدور الابتكار وريادة الأعمال في تحريك عجلة الرأسمالية. "التدمير الخلاق": قلب النظرية الاقتصادية - لعلّ أبرز ما ميّز فكر شومبيتر هو مفهوم "التدمير الخلاق"، وهو يرى أن التقدّم لا يولد من رحم الاستقرار، بل من خلال زعزعة النظام الاقتصادي القائم، واستبداله بنماذج مبتكرة أكثر فاعلية. - يصف هذا المفهوم كيف أن روّاد الأعمال، من خلال الابتكار وإدخال تقنيات وأساليب جديدة، يتسببون في اختفاء كيانات وأسواق تقليدية، وظهور قطاعات وصناعات جديدة. إنه النمو الذي لا يعرف الرحمة تجاه القديم، لكنه يحمل وعدًا بمستقبل أكثر ازدهارًا. - وقد شدّد شومبيتر على أن هذه الديناميكية ليست "خللًا" في الرأسمالية، بل تمثل جوهرها الحقيقي؛ فهي ما يدفع عجلة التقدم، حتى لو تسببت أحيانًا في فترات من الركود الاقتصادي أو المعاناة الاجتماعية. الريادة والابتكار: وقود الاقتصاد الحديث - لا يتحقق النمو في نظر شومبيتر من خلال التوازنات الجامدة، بل من خلال الطاقة الريادية التي تحرك الأسواق. - فقد ابتكر مصطلح "روح رائد الأعمال"، واعتبر أن هؤلاء الأشخاص الاستثنائيين هم القوة التي تكسر الروتين، وتعيد تشكيل قواعد اللعبة الاقتصادية. - كما اعتبر أن الأسواق لا تصل إلى التوازن تلقائيًا، بل تبقى في حالة تغيّر دائم بفعل الابتكار، وأن الاحتكارات "العابرة" الناتجة عن الاختراعات الجديدة هي ما يحفّز الشركات على المجازفة، والبحث عن حلول غير مسبوقة. موجات النمو والركود: نظرة زمنية أعمق - لم يكتفِ شومبيتر بوصف التغيير اللحظي، بل نظر أيضًا إلى حركة الاقتصاد عبر الزمن؛ فقدم مفهوم "الموجة الطويلة"، وهي دورة اقتصادية تمتد لعقود، يُحدثها ظهور تكنولوجيا جديدة تقود مرحلة من النمو، ثم يعقبها تباطؤ مع تقادم هذه التكنولوجيا. - وقد سمح هذا التحليل بفهمٍ أعمق للتقلبات الاقتصادية، وأشار إلى أن التجديد التكنولوجي هو المسؤول الأكبر عن تغير أنماط الاستثمار والنمو والركود، وليس فقط العوامل المالية أو السياسية. أثر يتجاوز الزمن: من النظرية إلى السياسات - لم يقتصر تأثير شومبيتر على قاعات الجامعات، بل امتد إلى صانعي السياسات حول العالم. فقد ساعدت أفكاره في دعم توجهات التدخل الحكومي الإيجابي عبر الاستثمار في البحث العلمي والبنية التحتية والابتكار، باعتبارها ركائز أساسية لتحفيز النمو المستدام. - وفي عالم اليوم، حيث تهيمن شركات التكنولوجيا العملاقة، وتظهر تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا البلوكشين، تبدو رؤى شومبيتر أكثر واقعية من أي وقت مضى. مؤلفات لا تزال حاضرة - من أبرز ما تركه شومبيتر للمكتبة الاقتصادية العالمية: - "نظرية التنمية الاقتصادية" (1911): وضع فيه أسس دور رائد الأعمال كعامل محرك للنمو. - "الدورات الاقتصادية" (1939): تناول فيه التحولات الاقتصادية الكبرى والموجات الطويلة. - "الرأسمالية، والاشتراكية، والديمقراطية" (1942): من أشهر كتبه، قدّم فيه رؤيته الكاملة عن مستقبل النظام الاقتصادي العالمي. إرث شومبيتر في زمن الاقتصاد الرقمي - رغم مرور أكثر من سبعين عامًا على وفاته، فإن فكر جوزيف شومبيتر لا يزال يتردد صداه في قلب التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي اليوم. - فمفهوم "التدمير الخلاق" أصبح العدسة التي ينظر من خلالها المحللون وصنّاع السياسات إلى تحولات التكنولوجيا، سواء في صعود شركات مثل أمازون وتسلا، أو في زوال إمبراطوريات كانت بالأمس القريب تهيمن على السوق. - لقد أتاح شومبيتر فهمًا عميقًا لكيفية عمل قوى السوق بعيدًا عن النموذج الكلاسيكي الجامد؛ فمن خلال تتبعه لدورات الابتكار، ومنح رواد الأعمال الدور المحوري في ديناميات الاقتصاد، رسم معالم مدرسة فكرية تزداد أهميتها مع تسارع وتيرة التغيير. - اليوم، تزداد الحاجة إلى سياسات اقتصادية تستند إلى فكر شومبيتر، خاصة فيما يتعلق بتمويل الابتكار، ورعاية ريادة الأعمال، ومواكبة الثورات التكنولوجية. - لقد علّمنا أن التغيير ليس خطرًا يجب كبحه، بل قوة ينبغي توجيهها، وأن في كل انهيار فرصًا، وفي كل دمار بذورًا لخَلْق جديد. - وبينما لا تزال اقتصادات العالم تسعى لفهم ديناميكيات العصر الرقمي، تظل بصيرة شومبيتر منارة تُضيء الطريق.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store