logo
#

أحدث الأخبار مع #السنّة

"أنصار السنّة" يثير الرعب في سوريا ويُكفّر الشرع: أولويتنا الأقليات ونخطط للتمدّد في لبنان
"أنصار السنّة" يثير الرعب في سوريا ويُكفّر الشرع: أولويتنا الأقليات ونخطط للتمدّد في لبنان

النهار

timeمنذ 4 أيام

  • سياسة
  • النهار

"أنصار السنّة" يثير الرعب في سوريا ويُكفّر الشرع: أولويتنا الأقليات ونخطط للتمدّد في لبنان

أثار تنظيم جديد يُطلق على نفسه اسم "سرايا أنصار السنّة" حالة من الرعب في مختلف أنحاء سوريا، لا سيما في الساحل السوري، بسبب توجهه العلني لمحاربة الأقليات الدينية والانتقام منها بحجة كفرها وشركها. كما أثار الذعر بما أعلنه من ممارسات دموية ارتكبها بحق أفراد من أبناء هذه الأقليات، وخصوصاً من الطائفة العلوية. ورغم ذلك، نجح التنظيم في الحفاظ على سرّيته، إذ لا يُعرف له هيكلية محددة، ولا مواقع معلنة، ولولا ظهوره على مواقع التواصل الاجتماعي، وبشكل خاص عبر تطبيق "تلغرام"، لما سُمع باسمه. وقد ساهم هذا الغموض في إثارة الشكوك بشأن وجوده، وفتح المجال أمام روايات متضاربة، فاعتبره البعض "فصيلاً منفلتاً" يتصرف بشكل منفرد، فيما رأى آخرون أنه "ذراعٌ للسلطة" تُستخدم في إرهاب الخصوم من دون أن تتحمّل مسؤولية أفعاله، على غرار "الشبّيحة" في عهد النظام السابق. مجازر الساحل... "غيض من فيض" غير أنّ "النهار" تمكّنت من التحقق من وجود تنظيم "سرايا أنصار السنّة"، بعد أن تواصلت عبر "تلغرام" مع أحد أبرز قادته، الشيخ أبو الفتح الشامي، المسؤول عن القسم الشرعي في التنظيم. وأكد الشامي، ليس فقط وجود التنظيم وانتشاره، بل أشار أيضاً إلى أن تأسيسه يعود إلى ما قبل سقوط النظام، وأن الظروف الراهنة تمنحه فرصة لمضاعفة نفوذه. وأقرّ الشامي، أيضاً، بمشاركة التنظيم في مجازر الساحل، معتبراً أنّ ما حصل هو "غيض من فيض"، ومتوعداً الأقليات بأنّها على رأس قائمة أولويات التنظيم في هذه المرحلة. وعلى الرغم من أن "سرايا أنصار السنّة" أصدر خلال الأسابيع الماضية فتاوى عدّة تُكفّر الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع و"هيئة تحرير الشام" وكل من يقاتل معهما، إلا أنه لا يرى ضرورة للاصطدام العسكري مع الشرع وجماعته في هذه المرحلة، إلا عند الضرورة، لأن الاهتمام - بحسب قوله - يجب أن يكون منصبّاً على الأقليات الدينية ومناطق انتشارها. خريطة التمدد المحتمل ويبدو أن تركيز "سرايا أنصار السنّة" على مناطق الأقليات، وخصوصاً العلويين في ريفي حماة وحمص، لا يعود فقط إلى "محاربة الكفر"، كما تذكر فتاواهم، بل يندرج ضمن خطة تهدف إلى إيجاد موطئ قدم في المناطق الريفية البعيدة عن سيطرة "هيئة تحرير الشام"، استعداداً لمرحلة مقبلة قد تستوجب الدخول في صدام عسكري مع الهيئة، خاصة في ضوء مؤشرات ظهرت مؤخراً في حلب ودير الزور، مثل المداهمات وتفجير سيارة مفخخة قرب أحد مراكز الأمن العام. كذلك، فإنّ الوجود في ريف حمص يوفّر لـ"سرايا أنصار السنّة" أفضلية جغرافية للوصول إلى الحدود اللبنانية تمهيداً لدخول لبنان، بحسب بيان صادر عن التنظيم أعلن فيه عن الشروع بهذه الخطوة. وعلى الرغم من التشكيك بصحة هذا البيان عند صدوره، أكد أبو الفتح الشامي لـ"النهار" صحته، قائلاً إنه صادر فعلاً عن جماعته. قبل سقوط النظام وظهر اسم التنظيم للمرة الأولى في 1 شباط/فبراير الماضي، أثناء الهجوم على بلدة أرزة في ريف حماة، حيث قُتل نحو 15 مدنياً، إضافة إلى تهجير المئات من سكان البلدة التي خلت لاحقاً من أي وجود علوي. لكن الشامي أكد لـ"النهار" أن "سرايا أنصار السنّة" كان موجوداً قبل هذا التاريخ، وأنه تأسس في إدلب قبل سقوط النظام، وبعيداً عن أنظار جهاز "الأمن العام". وقال الشامي إنّ "سرايا أنصار السنّة جهاز أمني نسج خطاه في الخفاء قبل سقوط النظام، وسار خلف الخطوط بلا جلبة أو ادّعاء. أُديرت شؤونه من إدلب الحصينة، وخُطط له بتدبر وحيطة. مضى على درب الكتمان كأنه السر المصون، لا يُرى منه إلا الأثر، ولا يُسمع له غير الصدى. خرج إلى العلن لا حبّاً في الظهور، بل لأن الخفاء أصبح عائقاً، والستر حاجزاً، وإعلان البراءة من الطاغوت الجولاني (أحمد الشرع) ضرورة لا مهادنة فيها". وأكد الشامي أن منتسبي "سرايا أنصار السنّة" ينحدرون من خلفيات مختلفة، فبعضهم منشقون عن "هيئة تحرير الشام"، وآخرون من فصائل مختلفة، إضافة إلى مدنيين التحقوا بالتنظيم. ونفى أن يكون انتشار خلايا التنظيم محصوراً في الأرياف، مكتفياً بالقول إنهم يتواجدون "حيث يتواجد الكفر". وشدد على أن "أولوية المرحلة هي ضرب طوائف الردة: النصيرية، والدرزية، والرافضية، وميليشيا الأكراد القسدية"، وفق تعبيره. ورداً على سؤال "النهار" بشأن صحة مزاعم تنفيذ التنظيم حملات دموية ضد الأقليات ومشاركته في مجازر الساحل، قال إنّ "سرايا أنصار السنّة صدقوا القول بالفعل، وأسرارهم في الجهاد لا تُعدّ ولا تُقال. عملياتهم كثيرة وما زالت في الخفاء... وما مضى ليس إلا غيث السحر، وما سيأتي زلزلة تدك الحصون وتكسر الحجر". ورغم أن التنظيم يتبنى العديد من عقائد ومنهجيات "داعش"، ويستخدم دوراته الشرعية في تدريب عناصره، إلا أن الشامي نفى مبايعة "سرايا أنصار السنّة" لزعيم "داعش"، مؤكداً أن التنظيم لا يتبع له، لكنه ترك الباب موارباً بقوله: "من وافقنا في توحيد خالص وجهاد صادق، فله منا أخوّة الصف". وكان تنظيم "داعش" قد دعا، في افتتاحية صحيفة "النبأ" الصادرة يوم الجمعة الماضي، المقاتلين، وخصوصاً الأجانب منهم، إلى الابتعاد عن الشرع وجماعته، متهماً إياهم بالوقوع في "شباك الردّة والكفر"، وطالبهم بالالتحاق بـ"السرايا" المنتشرة في الأرياف، دون أن يسمّيها أو يحدد تبعيتها. وفي حديثه مع "النهار"، عبّر الشامي عن موقف متشدد تجاه المقاتلين الأجانب الذين يقاتلون مع "هيئة تحرير الشام"، معتبراً أن ما يصدق عليهم هو الآية القرآنية: (كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَإِنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إلى عَذَابِ السَّعِيرِ)، في إشارة إلى الشرع. وأضاف: "الرأي الشرعي عندنا أن مقاتلي ميليشيا الجولاني من الأجانب يُعاملون كالأقارب، لا يُعذرون ببُعد الديار، ولا يُرفع عنهم وزر الأوزار، فقد تولّوا طاغوتاً مستكبراً، وناصروه سيفاً ومنبراً. فلا جنسية تُنقذهم، ولا نية صالحة تُبرّئهم. فمن ناصر الكفّار صار منهم، ولو جاء من وراء البحار أو تقنّع بقناع الأبرار". وفي تمييز واضح بين فئتين من المقاتلين الأجانب، أضاف: "أما المهاجرون الذين لم يُلوّثوا سيوفهم بولاء الجولاني، ولم يركنوا لظلمه، فهؤلاء إن أرادوا مواصلة الجهاد، فالجماعات المجاهدة لا تزال في الساحات، قائمة بالعهود، رافعة للرايات، لم تنسَ الدماء، بل بقيت على الثغر، صامدة في وجه الكفر والغدر". وفي أقسى هجوم من نوعه على شخصية الشرع، قال الشامي: "الجولاني لا يُؤتمن، ولا يعرف للوفاء ثمناً، يخدع باسم الأمان، ويغدر تحت لواء البهتان. فإن سلّمته نفسك، سلّمك للسجن واليأس، وإن آويت إليه ظنّاً بالأمان، آويت إلى نار وسجّان". وقد طلبت "النهار" التواصل مع أبو عائشة الشامي، المعروف أيضاً بلقب "أبو عائشة خليل"، والذي يُعتقد أن "خليل" هو اسمه الأول الحقيقي، وهو القائد العام لـ"سرايا أنصار السنّة"، لسؤاله عن الأوضاع الميدانية وخطط التنظيم. إلا أن الجواب كان أن التواصل معه "مستحيل في هذه المرحلة بسبب التحديات الأمنية الكبيرة".

بلدية طرابلس بلا مسيحيين: قراءة في الأسباب والنتائج
بلدية طرابلس بلا مسيحيين: قراءة في الأسباب والنتائج

القناة الثالثة والعشرون

timeمنذ 7 أيام

  • سياسة
  • القناة الثالثة والعشرون

بلدية طرابلس بلا مسيحيين: قراءة في الأسباب والنتائج

شهدت مدينة طرابلس قبل أيام، أغرب عملية انتخاب تحصل في تاريخها. هي انتخابات بلدية لا تشبه سابقاتها لا شكلاً ولا مضموناً، ولا تشبه أي انتخابات حصلت في المدينة. وفيما كان متوقعاً، أن تؤدي هذه الانتخابات مع الانطلاقة الجديدة للعهد، إلى فرز مجالس بلدية تمثّل التنوّع اللبناني، إذ بها تأتي بمجلس في طرابلس من مذهب واحد هو "السني"، لولا وجود عضو واحد علوي أفرزته النتائج، التي لم توصل أي عضو مسيحي، ولا امرأة، وقد استغرق صدورها ثلاثة أيام، وشابتها مخالفات، وتقصير وأخطاء. لم تحم نتائج الانتخابات البلدية في طرابلس التنوّع، فكانت صورة طبق الأصل عن المجلس البلدي السابق، الذي وصل من لون واحد، ثم تجاذبته الولاءات السياسية، والخلافات بين الأعضاء، فكان مصيره الفشل في إدارة مشاكل المدينة. وما حصل في طرابلس انسحب على المنية أيضاً، مع عدم وصول أي عضو مسيحي إلى مجلسها البلدي. واللافت في العملية الانتخابية، تدنّي نسبة التصويت في طرابلس. فالجمهور السني وهو الأكبر في المدينة، وعلى الرغم من الحشد والضغط السياسي، وعمل الماكينات التابعة للنوّاب: أشرف ريفي، فيصل كرامي، عبدالكريم كبارة، إيهاب مطر، وماكينة جمعية "المشاريع" و "العزم" وغيرها من القوى، لم يقبل على التصويت. ولم تستطع الماكينات جذب الناخبين السنّة إلى الصناديق بكثافة، لغياب الرؤية، وفقدان الثقة لدى الغالبية الساحقة من الطرابلسيين، بالأداء السياسي بشكل عام. في مقابل التراجع في التصويت عند الناخبين السنّة، سُجّل شبه لامبالاة مسيحية بكل ما يجري، بينما نزل الناخب العلوي إلى الصناديق بكثافة، واستطاع إيصال 7 مخاتير من أصل 14 وهو أمر يحصل للمرة الأولى في طرابلس، فسّره البعض بغياب القيادة الواحدة لدى الشارع العلوي، التي كان من المفترض لوجودها أن يضبط عملية التصويت. النائب في تكتل "الجمهورية القوية" عن طرابلس إيلي خوري يشرح لـ "نداء الوطن" الأسباب التي أدّت إلى هذه النتيجة ويقول: "إلى ما قبل الانتخابات بشهر واحد، كان الناس لا يزالون يعتقدون أنها ستؤجّل وهذه من الأسباب التي أفقدت الحماسة للعملية الانتخابية". أضاف: "لقد شجعت على التوافق الذي كان يتمّ التحضير له تجنباً لأي اصطفاف، ودعوت المسيحيين ليترشّحوا ويشاركوا، وعلى الرغم من غياب الحماسة، ترشّح 5 مسيحيين ضمن معايير الكفاءة، وقد أقنعتهم بذلك بمساعدة المطارنة، وتوزّعوا على اللوائح. كان هناك أمل بأن يراعى تمثيل الأقليات في المدينة عبر اللوائح المقفلة، ولكن ذلك لم يمرّ في مجلس النواب. نحن كحزب لم تكن لدينا ماكينة في طرابلس وقد شكّلنا call center للتواصل مع الناخبين المسيحيين ومعظمهم يسكن خارج طرابلس". وإذ يلفت خوري إلى أن "البيئة الطرابلسية لا سيّما السنيّة، كانت تشجّع على تمثيل الأقليات، لكن كثرة اللوائح، جعلت المنافسة تنحصر بين المرشّحين السنة"، ويؤكد "عدم وجود نيّة مسبقة لدى السنّة لتشطيب المسيحيين ولكن طبيعة المعركة فرضت هذه النتائج". يتابع خوري، أنّ "نواب طرابلس سعوا والتزموا بوصول الأقليات، وثمة مرشّح مسيحي حصل على أكثر من 8 آلاف صوت واقترب من الفوز. وعن المخاتير سُجّل وصول 3 مخاتير من المسيحيين في الزاهرية ومختار في منطقة التل. يختم خوري حديثه بالتأكيد "أن تكتل "الجمهورية القوية"، وعندما طرح قانون اللائحة المقفلة، لم يكن ذلك بقصد تغيير المعادلة في المدن الكبرى، وإنما لإظهار حقيقة هذه المدن ونسيجها المتنوّع". مايز عبيد - نداء الوطن انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

الصفويون.. تاريخ وتحوُّلات
الصفويون.. تاريخ وتحوُّلات

جريدة الرؤية

time١٢-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • جريدة الرؤية

الصفويون.. تاريخ وتحوُّلات

د. هيثم مزاحم ** ألقى المفكر الإيراني الراحل علي شريعتي محاضرة عام 1971 بعنوان «التشيّع الصفوي والتشيّع العلوي» حوّلها لاحقًا إلى كتاب بالعنوان نفسه. كانت منطلقات شريعتي للتمييز بين التشيّعين سياسية وثورية ترتبط بصراع الحركات الثورية المعارضة لحكم الشاه محمد رضا بهلوي آنذاك. وأراد شريعتي في كتابه القول إن التشيّع العلوي هو التشيّع لأهل البيت الرافض للظلم والاستبداد والذي لا يخشى أتباعه من الشهادة والتضحية في سبيل الحق والحقيقة، مستشهدًا بمواقف الإمام علي ونجليه الحسن والحسين وابنته زينب خلال صراعهم مع الظالمين في عصورهم. ويذهب شريعتي إلى أن ذلك الخط الشيعي الثوري المعارض تواصل خلال ثمانية قرون ضد مختلف الحكومات المستبدة القائمة، من الأمويين إلى الإيلخانيين، إلى أن جاء الحكم الصفوي وأقام حكمه في إيران باسم التشيّع وأيده بعض رجال الدين الشيعة، برغم استبداده وفساده وعدم اختلافه عن السلاطين السابقين الذين حكموا باسم أهل السنّة والجماعة. ويرى شريعتي أن التشيّع تحوّل في عهد الصفويين من تشيّع حركة ونهضة إلى تشيّع حكومةً ونظامًا، وبدأ الحكم الجديد بتبنّي طقوس المواطنين الشيعة ويشجع على زيارة المراقد ويقوم بتشييدها وزيارتها. وكانت الحركة الصفوية قد بدأت كحركة صوفية سنّية مع الشيخ صفي الدين الأردبيلي ثم تحوّلت مع حفيده الشيخ الجنيد إلى حركة شيعية وغدت لاحقًا سلالة ملكية تعتمد المذهب الشيعي الإمامي رافعة دينية لحكمها. يذهب الباحث الإنكليزي كولن تيرنر في دراسته المنقولة إلى العربية بعنوان «التشيّع والتحوّل في العصر الصفوي» (منشورات الجمل – 2008)، إلى أن "ثمة مفارقة أساسية في التاريخ الديني الإيراني هي أن ما ظل دينًا للدولة في القرون الخمسة الأخيرة، أي التشيّع البراني الطابع، قد فُرض على الغالبية السنية من قبل حاكم غير شيعي الظاهر ولا براني التوجّه. كما أن الصفويين ما كانوا فرسًا بالمعنى الأدق، مع أن الأصول الجغرافية الصحيحة للسلالة لم تحدد نهائيًا بعد". إذن ليس هناك اتفاق بين الباحثين والمؤرخين بصدد عدد من المسائل المتعلقة بالصفويين. المسألة الأولى هي جذور السلالة الصفوية؛ إذ يذهب البعض إلى أنهم من سكان إيران الأصليين ومن عرق آري نقي، غير أنهم كانوا يتكلمون الآذرية، اللغة المحلية في آذربيجان. فيما ذهب آخرون إلى أن أسلاف الصفويين هم أكراد رافقوا الأمير الكردي ماملان بن وهسودان عندما احتل هذا الأخير مدينة أردبيل عام 1025م. أما البعض الثالث فيقول بالأصول التركمانية للصفويين. لكن من المتفق عليه أن الصفوية كانت في بادئ أمرها طريقة صوفية في بلدة أردبيل في آذربيجان عند بداية القرن الثامن الهجري. دخل مؤسسها الشيخ صفي الدين أو صفي (توفي عام 1335م) في التصوّف على يد الشيخ تاج الدين إبراهيم زاهدي (توفي 1301م)، وهو مرشد من جيلان زوّج ابنته للشيخ صفي. وبعد وفاة عمه وشيخه تاج الدين، غدا الشيخ صفي رأسًا للطريقة التي عُرفت باسمه بعدها. يقول تيرنر في دراسته إن الطريقة الصفوية كانت محترمة من قبل السلطات الحاكمة المعاصرة من الإيلخانيين إلى الجلايرية والتيموريين، حيث كانت الحركات الصوفية الجوانية مشجعة ما دامت غير سياسية، إذ كان القادة الصفويون الأوائل كسنّة وكصوفية من أتباع التوجّه العام، حيث كان أكثر سكان أردبيل ينتمون إلى المذهب الشافعي فقهيًا وكما كانوا أتباعًا للشيخ صفي. وقد فاخرت الطريقة بامتناعها عن الدخول في المشاجرات المذهبية، مفضلة اتباع أصح الأحاديث إسنادًا من المذاهب السنية الأربعة. لكن كيف حصل تحوّل الصفوية من طريقة سنية صوفية إلى الغلو؟ يقول تيرنر إنه "مع استخلاف الشيخ الجنيد (توفي عام 1460م)، حفيد الشيخ صفي، على رأس الحركة الصفوية، دخلت الطريقة في تحوّل هائل ليس من السهل تفسيره، ولا تُعين المصادر في ذلك الزمان كثيرًا على فهمه. كان التغيّر في الميل الديني دراميًا: تراجَع التصوّف المتأمل الجواني أمام غلوّ هرطقي في شكل صارخ". وينقل تيرنر عن ابن روزبهان خونجي، الكاتب السنّي في بلاط السلطان يعقوب بن أوزون حسن آق قوينلو، أن أتباع الطريقة الصفوية دعوا صراحة الشيخ جنيد إلهًا وابنه ابن الله. ويرى تيرنر أنه لا يمكن شرح تحوّل الصفويين من طريقة سنية - صوفية إلى فرقة تتبنّى الغلوّ في الإمام علي كمجرّد تعديل بسيط في التوجّه الديني. بل كان هذا التبدل الجذري المفاجئ مصحوبًا بتغيّر جذري في ميول الطريقة الصفوية حوّلها إلى حركة مسلحة استطاعت في أقل من نصف قرن أن تنصّب إسماعيل، حفيد الجنيد، شاهًا على العرش في تبريز. ويذهب تيرنر إلى أن هذا التحوّل الديني يجب أن يفهم في ضوء التحوّل السياسي أي كستار للطموح السياسي للجنيد. لكن لماذا يختار الجنيد الغلوّ العلوي كرافعة سياسية في مجتمع ذي غالبية سنية وصوفية أرثوذكسية، إذ يصر الباحث تيرنر على أن إيران كانت في غالبيتها الساحقة سنية. يحاول تيرنر تفسير ذلك بأن الجنيد قد انتقل إلى منطقة الأناضول حيث قاد أتباعه المنضوين في فرقة من الغزاة واستقر به المطاف في ديار بكر حيث تلقاه حاكمها الآق قوينلو، أوزون حسن، بحرارة. وكانت الأناضول قد تحوّلت إلى أرض خصبة لكل البدع الدينية نتيجة الوضع السياسي المزعزع للدولة العثمانية بعد زوال دولة السلاجقة الروم، إضافة إلى التدفق الهائل للقبائل المغولية التركمانية بعقائدها الدينية المبهمة. وكان الغلو العلوي الهوى منتشرًا يعضده تاريخ من الثورات على الحكم قادتها شخصيات كاريزمية ذوات ميول شيعية إمامية ضد الحكام السلاجقة والعثمانيين. وقد انتشرت تعاليمهم بين تركمان الأناضول الذين تبنى بعضهم لاحقًا فرقًا كالصفوية والبكتاشية، ذات الغلو الشيعي. إذًا في أرض البدع الخصبة هذه، حاول الجنيد الحصول على الدعم لطموحاته السياسية والعسكرية الناشئة، وكانت القبائل التركية الرّحل في ريف الأناضول مع تاريخها المحارب للدولة وتطرفها الديني مادة خصبة للجنيد كي يبني مجموعة من المقاتلين، وكان طبيعيًا أن يهجر الجوانية المسالمة، أي عموم التصوّف والتسنّن ويأخذ عوضًا عنها بدعاوى مغالية. هذا هو تفسير تيرنر لتحوّل الجنيد الذي تزوج من أخت الحاكم أوزون حسن، وبذلك مهّد لأن يصبح الصفويون لاحقًا أمراء البلاد. تحت قيادة حيدر إبن الجنيد تبلوّرت الطريقة الصفوية كحركة سياسية ذات ميول دينية مغالية باطّراد حيث اعتبره أتباعه إلهًا وعرفوا باسم القزلباش أي الرؤوس الحمراء، وذلك بسبب القلنسوة الحمراء التي أمرهم حيدر بارتدائها. نصب حيدر على أردبيل عام 1469م من قبل خاله أوزون حسن الذي كان قد هزم الحاكم الإيلخاني جهان شاه وسلالة قره قوينلو واستولى على أراضيهم. كما أدت عودة الطريقة الصفوية إلى أردبيل إلى تدفق أتباع الطريقة من الأناضول وشمال سورية إليها. وتوثقت علاقة حيدر بسلالة آق قوينلو بزواجه من ابنة خاله أوزون حسن. لم يستلم الصفويون الملك إلا في عام 1499م بقيادة إسماعيل نجل حيدر الذي تمكن من السيطرة على تبريز بمساعدة قبائل التركمان التي شكلت عصب القزلباش حيث أعلن إسماعيل نفسه شاهًا، وبحلول عام 1508م عندما استولى إسماعيل على بغداد، كانت البلاد بأجمعها تقريبًا تحت حكمه. يقول تيرنر إن إيران كانت في ذلك الوقت تحت سيطرة تيارين دينيين شعبيين هما: التصوّف «الراقي» أو السنّي العام، والتصوّف الشعبي مع طابع شيعي قوي. وكان معظم السنّة الإيرانيين على فقه المذهبين الشافعي والسني. ثمة خلاف آخر بين المؤرخين والباحثين في شأن مدى انتشار التشيّع في إيران قبل الصفويين ومدى فرض التشيّع بالقوة خلال حكم الصفويين. يذهب تيرنر إلى أن تشيّع الفقهاء الإمامي البراني الأرثوذكسي قد أثّر في شكل ضئيل في الإيرانيين، بينما كان ميل الإيرانيين أكثر إلى الحركات الجواّنية الصوفية السنّية والشيعية منها، وخصوصًا المولوية والنقشبندية والنعمة اللهية، وكان واضحًا فيها الولاء لآل علي على غرار غيرها من الطرق الصوفية، ويرفض تيرنر وصفها بالتشيّع. أميل إلى الرأي القائل إن أرضية التشيّع كانت مهيأة في إيران قبل تولّي الصفويين للحكم، وذلك لأسباب عدة هي: أولًا العلاقة الوثيقة بين التشيّع والتصوّف العائدة إلى اعتبار المتصوّفة الإمام علي والأئمة الآخرين من أقطابهم. وثانيًا، الولاء التاريخي للفرس لآل البيت منذ بداية النزاع بين العرب والموالي الفرس في عهد الخلفاء الراشدين. ثالثًا، قيام دول شيعية عدة في أجزاء مختلفة من إيران قبل الصفويين بعضها كان إماميًا وبعضها كان زيديًا، مثل الدولة المشعشعية والدولة السربدارية ودولتي طبرستان وجيلان. وأخيرًا لا ينبغي إغفال وجود التقية لدى الشيعة في إخفاء تشيّعهم خلال فترات الاضطهاد الديني، وهو قد يكون اعتمده قسم من الإيرانيين الشيعة خلال عهود الحكام السنة في إيران. لكن ذلك لا ينفي قيام بعض الحكام الصفويين بنشر التشيّع في إيران بالدعوة والحسنى تارة وبالقوة والإكراه تارة أخرى. يذكر تيرنر أن التحوّل الظاهري للإيرانيين كان سريعًا، إذ أن كثيرًا ممن اعتنق الإمامية ظاهرًا قد حافظ على تسنّنه سرًا، ويستدل على ذلك بالدعم الذي استطاع الشاه إسماعيل الثاني (حكم 1576 – 1577م) حشده في محاولته إعادة تمكين التسنّن دينًا رسميًا بعد حوالى سبعين سنة. إذًا أصبحت التقية تقليدًا يمارسه السنّة هذه المرة. وفجأة أعلنت الطريقة النعمة اللهية تشيّعها ودخلت في حلف طويل نسبيًا مع الصفويين. كان الشاه إسماعيل ومستشاروه جاهلين تمامًا بالفقه الإمامي عندما تبنوا مذهب الإمامية دينًا جديدًا للدولة، فإسماعيل نفسه كان منتميًا إلى الغلو. ويرى تيرنر أن تبنيهم الإمامية كشكل من أشكال البرانية الإسلامية مع الحفاظ على موقفهم العلوي الهوى، يعود إلى أن مذهب الإمامية يمتلك إطارًا فكريًا محددًا وحبكة عقائد مفصلة يمكن بسهولة نسبية إزدراعها في شكل الحكومة التي ينوي الصفويون إنشاءها. وهكذا يجب النظر إلى تبنّي الشاه إسماعيل للإمامية كعمل سياسي نفعي أكثر منه رغبة منه في نشر المذهب بذاته. كان أبرز فقهاء الإمامية وأهمهم تاريخيًا في العصر الصفوي الأول الشيخ علي الكركي العاملي اللبناني (توفي نحو 1534م) الذي دعاه الشاه إسماعيل للانتقال من جبل عامل إلى إيران من أجل نشر مذهب الإمامية. ويعتبر تيرنر أن الكركي هو الأب المؤسس للبرانية الإمامية في إيران الصفوية وأول علماء الشيعة الذين نشروا المذهب على نطاق واسع في البلاد. ويفسّر تيرنر ملاءمة الإمامية الأرثوذكسية لأهداف الحكام الصفويين الجدد بأن هذا المذهب يساعدهم على توطيد حكمهم واستئصال مكامن المقاومة المحتملة المتمثلة في التسنن والتصوّف وكذلك في قبائل القزلباش، الذين سيتحوّل غلوّهم عبئًا على الصفويين. ويروي الباحث أن الشاه إسماعيل وجد حليفًا صلبًا في الشيخ الكركي وفقهاء الإمامية البرانيين الوافدين من خارج إيران، الذين كتبوا رسائل ضد التصوّف وبخاصة الطرق السنّية منها. يحاول تيرنر في كتابه أن يثبت أن التحوّل في التشيّع من التشيّع الجواني أي الصوفي العرفاني إلى التشيّع البراني المرتكز على الفقه والشريعة، قد حصل خلال العصر الصفوي، وأن التحوّل الأهم في التشيّع هو تمحور التشيّع حول مركزية الإمامة بدلًا من مركزية الله، حتى لدى بعض الحركات الصوفية الشيعية. ويكرّس تيرنر جزءًا كبيرًا من دراسته حول دور الشيخ محمد باقر المجلسي، صاحب كتاب «بحار الأنوار»، في سيادة التشيّع البراني الأخباري المستند إلى الحديث والمبتعد عن إعمال العقل والمعرفة الجوانية. ولكن تيرنر نفسه يظهر أن ثمة تفاوتًا في عداء الحكام الصفويين للتسنّن والتصوّف، فكان بينهم من هو أقرب إلى التسنّن كالشاه إسماعيل الثاني الذي رفض الطعن بالخلفاء الثلاثة الأوائل، ومن حارب الغلو كالشاه طهماسب والشاه عباس. وكان بينهم من حارب الحركات الصوفية أو من كان صوفي الهوى ودعم التصوّف. وبرغم المآخذ على الحكام الصفويين، فإن تبنيهم للمذهب الشيعي الإمامي بدلًا من الغلو ومحاربتهم للغلو لاحقًا تُحسب لهم. أما دعمهم لما يسمّيه تيرنر بالإسلام البراني، أي التقليدي الأرثوذكسي على حساب التصوّف، فهو غير مذموم بالمطلق، وخصوصًا لما ينطوي عليه بعض التصوّف من غلوّ وشطحات. أما استغلال الحكام الصفويين للإسلام والتشيّع لحفظ سلطانهم فهو شأن جميع الحكام في الماضي والحاضر. ويبقى أن التعميم مرفوض في الحكم على حقبة تاريخية كاملة، فلا يمكن إطلاق التعميمات وإدانة الحكم على جميع الحكام الصفويين بإسقاط الخلافات السياسية والقومية والمذهبية الحالية على التاريخ، وتحميلهم مسؤولية التحوّل في التشيّع إن صحّ هذا الرأي، فهم لم يقوموا إلا بتمكين التشيّع الإمامي من الانتشار في إيران، ولكنهم استعانوا في ذلك بأبرز فقهاء الشيعة آنذاك والذين كانوا عربًا من لبنان والعراق والإحساء، حيث لعب علماء جبل عامل الدور الأبرز في ذلك. ** رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية في لبنان

خطورة خطاب الازدراء والتحريض الطائفي المتصاعد ضد شيعة العراق
خطورة خطاب الازدراء والتحريض الطائفي المتصاعد ضد شيعة العراق

موقع كتابات

time١٠-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • موقع كتابات

خطورة خطاب الازدراء والتحريض الطائفي المتصاعد ضد شيعة العراق

تطوَّر بعض الخطاب السُّني العراقي الطائفي بشكل كبير نحو مزيد من التطرّف بعد سيطرة عصابات الجولاني على سوريا، وبدأ يتحوّل من شعورٍ بالنشوة والثقة بالنفس إلى تهديدٍ علني للشيعة، واستعدادٍ ميداني لمهاجمة النظام السياسي العراقي، والدعوة إلى العودة بالقوة لاحتكار السلطة في العراق، والانتقام من الشيعة. هذا الخطاب يقوم على وهمٍ كبيرٍ ينتجه عقلٌ أخرق، يشبه البناء على أرض طينية مشبعة بمياه آسنة، مما سيؤدي إلى غرق أصحابه ومروِّجيه وهلاك أتباعه. فهؤلاء الطائفيون الحالمون قد لا يدركون أن أمنهم واستقرارهم وثقتهم الحقيقية بأنفسهم لا تتحقق إلّا من خلال تعايشٍ إيجابي مع أهلهم الشيعة، في العراق والمنطقة، ومن خلال الكفّ عن التحريض ضدهم والتآمر عليهم، والقبول بالواقع الديموغرافي والسياسي العراقي. وخلاصة هذا الواقع هي أن العرب السنّة أقلية مذهبية وقومية (16% فقط من عدد سكان العراق)، في حين أن الشيعة يشكّلون الأغلبية الساحقة (65% من سكان العراق)، وأن السنة العرب لن يعودوا إلى احتكار السلطة في العراق، بل لن يتقاسموا قرار الدولة والحكم مع الشيعة مناصفةً، لا اليوم ولا غداً، ولا في المستقبل البعيد، حتى لو استعانوا بكل دول العالم، وليس فقط بعصابات الجولاني أو إرهابيي داعش والقاعدة، أو فلول البعث، أو حكّام تركيا والسعودية وقطر والأردن. فهذه الأوهام ينبغي أن تتلاشى إلى غير رجعة. أما المكابرة والاستغراق في الأحلام والاتكال على الخارج فلن تجديهم نفعاً، بل ستدخلهم في أنفاق مظلمة ومتاهات لا نهاية لها. ومن بديهيات مخرجات النظام الديمقراطي أن تكون مفاصل الدولة العراقية وقراراتها التشريعية والتنفيذية والقضائية والأمنية بيد الشيعة، كما هو الحال في معظم دول العالم، حيث تتولى الأكثرية القومية أو المذهبية أو الدينية قيادة الدولة وإدارة الحكم. وقد بدأ الشيعة في العراق، منذ عام 2003، يتدرجون في امتلاك عناصر القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية والدينية والاجتماعية، حتى بلغوا مستويات غير مسبوقة منذ قرون طويلة. ولا يعلم كثير من العراقيين، سنة وشيعة، أن 20% فقط من عديد القوات المسلحة العراقية وعدتها، قادرة ــ بحسب المعطيات العسكرية ــ على الاستيلاء على دمشق خلال شهر واحد، وهو ما يجعل الاستقواء النفسي والدعائي بعصابات الجولاني لا يعدوا أن يكون عبثاً أخرق. ولعل من الواجب أن يسجد سنّة العراق لله شكراً كل يوم، على ما يتمتعون به من امتيازات كبيرة لا تحلم بها أي أقلية أخرى في العالم، بل لم يكونوا يتمتعون بها حتى في عهد النظام البعثي، وخاصة على مستوى أوضاعهم المعيشية والمالية والاقتصادية والدينية. كما ينبغي لهم أن يشكروا أهلهم الشيعة الذين لم يعاملوهم كما عاملهم نظام البعث السني، ولم يحمِّلوهم وزر طائفية ذلك النظام وعنصريته وظلمه وقمعه وتهميشه للشيعة، بل جعلوهم شركاء أساسيين في الحكم، ومنحوهم رئاسة أعلى سلطة تشريعية في الدولة، إلى جانب العديد من المناصب العليا التي يُحرم منها الشيعة في البلدان الأخرى التي يشكّلون فيها نسبًا تفوق نسبة السنة العرب في العراق بكثير. ويتزامن خطاب التحريض الطائفي المتصاعد ضد الشيعة مع خطاب الازدراء؛ فمفردات مثل 'الشروگ'، 'الصفويين'، 'العتاگه'، 'العجم'، 'الذيول' وغيرها، هي مصطلحات يستخدمها الطائفي العراقي للتعبير عن ازدرائه للشيعة والتحريض عليهم، دون أن يذكر كلمة 'الشيعة' مباشرة، مراوغةً وتجنّباً للمواجهة المباشرة. ويستهدف بهذا الأسلوب خداع بعض الشيعة المغفّلين أو المنسلخين عن هويتهم، لإيهامهم بأنه لا يقصدهم، بل يقصد فئات معينة. وهذا الأسلوب ليس جديداً؛ فقد كان يستخدمه النواصب والطائفيون سابقاً عندما كانوا يصفون الشيعة بالرافضة والغلاة والمشركين، لتجنّب المواجهة المباشرة معهم. وكان ابن تيمية التكفيري من أبرز من مارس هذه المخاتلات. وكان هناك من الشيعة من يبرّر صمته آنذاك، بزعم أنه ليس مقصوداً بتلك الأوصاف. وهو ما يحدث اليوم أيضاً؛ حيث يُقنع بعض الشيعة أنفسهم بأن مصطلحات مثل 'الشروگي'، أو 'الصفوي'، أو 'العجمي'، أو 'الذيل'، أو 'العتاگ' لا تستهدفهم، وإنما تستهدف مناطق أو وظائف أو تيارات سياسية ودينية بعينها. لكن الحقيقة أن الطائفي يقصد بهذه المصطلحات جميع الشيعة دون استثناء: إسلاميين أو علمانيين، مؤمنين أو ملحدين، متمسكين بهويتهم أو منسلخين عنها، حكّاماً أو معارضين، سياسيين أو دينيين. ومن أراد خداع نفسه والتهرّب من واجب الدفاع عن النفس، فذلك شأنه. ولا شك أن الاستمرار في التصعيد العدواني والتحريضي ضد الشيعة، والدفع بالبعثيين والتكفيريين نحو مزيد من التغلغل في مفاصل الدولة، والعمل على تخريبها من الداخل، واستخدام المصطلحات الطائفية والعنصرية بهدف الازدراء، والاستعانة بالأنظمة السنية الطائفية، يؤدي تلقائياً إلى ردود أفعال تصعيدية مقابلة من القواعد الشعبية والنخب الشيعية. لذلك، ينبغي مواجهة هذه الموجة المرَضيّة الجديدة المتصاعدة، ومنع انتشار عدواها وتحولها إلى وباء، وتنفيس احتقان الشارع الشيعي للحيلولة دون تفجّره، كما حدث في عامي 2006 و2014. ولعل الوسائل الآتية كفيلة بذلك: قيام المواطنين وممثليهم في مجلس النواب بمقاضاة كل مَن يستخدم هذا الخطاب وتلك المصطلحات الطائفية ويروج لها، بغض النظر عن صفته أو موقعه. مبادرة الادعاء العام بمقاضاتهم أيضاً استناداً إلى الحق العام، تمهيداً لاتخاذ قرارات قضائية صارمة وفرض عقوبات رادعة. التحضير لتنظيم احتجاجات شعبية مدنية. فرض العزلة السياسية على الأفراد والمجموعات الداعمة لهذا الخطاب. التفكير الجاد في تقنين شيعية الدولة العراقية، ثقافياً وقانونياً وسياسياً.

الدروز في مواجهة المخطط الإسرائيلي: هل ينجح جنبلاط في إنقاذ العلاقة التاريخية مع السنّة؟
الدروز في مواجهة المخطط الإسرائيلي: هل ينجح جنبلاط في إنقاذ العلاقة التاريخية مع السنّة؟

لبنان اليوم

time٠٧-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • لبنان اليوم

الدروز في مواجهة المخطط الإسرائيلي: هل ينجح جنبلاط في إنقاذ العلاقة التاريخية مع السنّة؟

ما يجري في السويداء وجرمانا ليس مجرّد حراك محلّي، بل إنذار حادّ يدوّي في أرجاء المشرق العربي. الدروز، هذه الأقلّية التي شكّلت رقماً صعباً في معادلات المنطقة منذ قرون، يعودون اليوم إلى واجهة مشروع خطير عنوانه: 'الشرق الأوسط الإسرائيلي'. فصل الدروز عن محيطهم السنّي، وإشعال فتنة مذهبيّة عابرة للحدود، ليسا مجرّد سيناريوهات نظريّة، بل واقع يتحرّك خطوةً خطوة، بإخراج إسرائيليّ محسوب. في قلب هذه العاصفة، يتحرّك وليد جنبلاط بخبرة السياسيّ العتيق، محاولًا احتواء ما يُرسم لسوريا ولبنان معًا، حيث الطائفة الواحدة تُقسم، والحلف التاريخي بين الدروز والسنّة بات على المحك. في هذا السياق، كتب فادي الأحمر في موقع 'أساس ميديا' تحت عنوان 'علاقة تاريخية بين السنّة والدروز: هل ينجح جنبلاط في حمايتها؟': خطير جدّاً ما يحدث في سوريا. وتحديداً مع دروزها. الكلّ يتّفق على ذلك. ما يجري خطوة أساسيّة في 'المشرق الإسرائيليّ الجديد'، أو 'الشرق الأوسط الإسرائيليّ'. الكلام عن انفصال الدروز عن سوريا يتقدّم تباعاً. كثرة الكلام عنه دليل على جدّيّة المشروع. لطالما تصدّرت هذه الأقلّيّة الدينيّة المتغيّرات الجيوسياسيّة في المشرق العربيّ منذ ثلاثة قرون. وغالباً ما دفعت الثمن. الخطر الأكبر الذي يبرز نتيجة ما يحدث في السويداء وجرمانا وأشرفيّة صحنايا هو الشرخ بين الدروز والسنّة. وهو لا ينحصر في سوريا، إنّما ستكون له تداعيات في لبنان، حيث يظهر عدد كبير من المشايخ الدروز تعاطفاً مع دروز سوريا وإسرائيل، ولا يؤيّدون الخيار السياسيّ لوليد جنبلاط. هذا ما أظهره استفتاء جرى داخل الطائفة قبل أشهر وبقي سرّيّاً بحسب مصادر مطّلعة. منذ تأسيس لبنان كان الدروز إلى جانب السنّة. رأَسَ الزعيم الدرزي كمال جنبلاط الحركة الوطنيّة. وبعد اغتياله رأسها نجله وليد. دعموا معاً منظّمة التحرير الفلسطينيّة في بيروت. وناضلوا معاً من أجل الإصلاحات الدستوريّة، ولو اختلفوا أحياناً على بعضها أو على أولويّاتها، مثل اعتراض السنّة على اقتراح كمال جنبلاط أن يكون رئيس الوزراء مسلماً من دون تحديد طائفته. هذه المسيرة السياسيّة للدروز والسنّة تبدو اليوم مهدّدة بسبب ما يحصل في سوريا. وهذا ما يعمل على تداركه وليد جنبلاط، إدراكاً منه لخطورة ما يحدث على مستقبل الطائفة، وخطورة مشروع تحالف الأقلّيات الذي رفضه منذ عقود. بعد اغتيال والده، زار وليد جنبلاط حافظ الأسد واستمرّ معتمراً الكوفيّة الفلسطينيّة، رمز القضيّة الفلسطينيّة التي تشكّل القضيّة الأساس لدى السنّة في لبنان والعالم العربيّ حتّى بعد 'خطف' إيران لها. ذهب مرغماً إلى الاتّفاق الثلاثيّ الذي استبعد سنّة لبنان، وأيّد اتّفاق الطائف برعاية دوليّة وعربيّة. بعد نهاية الحرب تعايش مع الوصاية السوريّة، وتحالف مع رفيق الحريري، الزعيم السنّيّ. وكان تحالفه ثابتاً. حتّى في تحالفه مع النظام السوريّ السابق كان صديقه الثابت السنّيّ حكمت الشهابيّ. جنبلاط الخبير بعد سقوط نظام الأسد، كان وليد جنبلاط أوّل شخصيّة عربيّة تزور أحمد الشرع في قصر المهاجرين. زاره على رأس وفد درزيّ كبير ضمّ وريثه تيمور. حينها انتقد العديد من اللبنانيين الخطوة. اعتبروها 'إعلان ولاء' للسلطة الجديدة في دمشق. اليوم فُهمت أهداف تلك الزيارة. لقد أراد زعيم دروز لبنان استباق الإشكاليّة بين دروز سوريا والسلطة الجديدة في دمشق. فإسرائيل كانت قد أعلنت حمايتها دروز سوريا. والرجل، أي جنبلاط، 'سياسيّ عتيق' و'درزيّ عتيق'. يدرك المخطّطات الإسرائيليّة في المنطقة، ويعرف جيّداً رجالات الطائفة في لبنان وسوريا وإسرائيل منذ عقود. فهو قرأ جيّداً مشروع الصهيونيّة، وحفظ تاريخ الطائفة. يدرك جنبلاط أن لدى بعض دروز سوريا نزعة انفصاليّة تعود إلى عشرينيّات القرن الماضي. حينها كانت فئة منهم مع المشروع التقسيمي الفرنسيّ ومع إقامة دولة درزيّة في الجنوب. لم تؤيّد هذه الفئة الثورة التي قادها سلطان باشا الأطرش ضدّ الفرنسيين. ويدرك اليوم مشكلة عدم وجود قيادات سياسيّة لدى دروز سوريا وانقسام مشيخة العقل بين ثلاثة مشايخ، أحدهم الشيخ حكمت الهجريّ الذي يجنح نحو الانفصال تحت مسمّى الخصوصيّة الدرزيّة. ومطالبته بالأمس بحماية دوليّة لدروز سوريا تؤكّد هذا الجنوح. في ما يتّصل بإسرائيل، يدرك وليد جنبلاط أنّ دروز الجليل هُم إسرائيليون. نظرتهم لأحداث المنطقة إسرائيليّة. هذا ما تعكسه بشكل واضح تصريحات الشيخ موفّق طريف، شيخ عقل الدروز في إسرائيل. فالدروز هم المكوّن الدينيّ الوحيد غير اليهوديّ المنخرط في حياة دولة إسرائيل سياسياً، بل وعسكريّاً أيضاً. يشكّل الشباب الدروز قوّة أساسيّة في الجيش الإسرائيليّ، والسياسيّ الدرزيّ أيّوب القرا عضو في حزب الليكود الذي يتزعّمه بنيامين نتنياهو، وكان وزيراً ونائباً عن الليكود. الزّمن الإسرائيليّ أبعد من خطر المشروع التقسيميّ الذي تقوده إسرائيل بعد مئة عام على سقوط المشروع الفرنسيّ، بدعمها دروز سوريا في الجنوب والأكراد في الشرق، يدرك الزعيم الدرزي اللبنانيّ خطر الشرخ بين الدروز والسُّنّة الذي تعمل عليه إسرائيل، والذي ستكون له تداعياته على العلاقة بين الدروز والسُّنّة في لبنان. هذا ما أكّده التسجيل الصوتيّ المفبرك الذي أشعل 'الحريق' في جرمانا ذات الغالبيّة الدرزية الواقعة في محيط العاصمة دمشق، وامتدّ إلى أشرفيّة صحنايا. الجغرافيا لها دلالاتها. واضح أنّ إسرائيل أرادت نقل تحدّيها لنظام الشرع من 'الأطراف' (في الجنوب) إلى 'المركز' (في العاصمة). هذا ما أكّده استهدافها محيط القصر الجمهوري. للمرّة الأولى يستهدف سلاح الطيران الإسرائيليّ محيط قصر رئاسة عربيّة. اللافت في بيان الجيش الإسرائيليّ قوله إنّ الغارة استهدفت 'المنطقة المجاورة لقصر أحمد حسين الشرع في دمشق'، وهو ما يدلّ على أنّ إسرائيل لا تعترف برئاسة الشرع لسوريا ولا تعترف بنظامه. في الاجتماع في دار الطائفة الذي دعا إليه شيخ العقل الدكتور سامي أبي المنى سفراء الدول العربيّة وسفير تركيا وحضره النوّاب الدروز، أكّد رفض 'المخطّطات التي تدفع إلى اعتبار الدروز ديناً مستقلّاً أو قوميّة مستقلّة'. وهو ما كان قد أكّده وليد جنبلاط في أكثر من مناسبة ومقابلة وتصريح. بالتزامن مع هذا الاجتماع زار جنبلاط دمشق والتقى أحمد الشرع لوأد الفتنة الدرزيّة – السنّيّة. ربّما طلب منه الانفتاح أكثر على الطائفة وإشراكها في السلطة للحفاظ على وحدة سوريا المهدّدة في الجنوب والشرق، خاصّة أنّ أحداث جرمانا تزامنت مع انعقاد مؤتمر 'وحدة الصفّ والموقف الكرديّ'، وتسريبات عن تأسيس ميليشيا علويّة في الساحل. وهي مؤشّرات إلى إمكان انفجار الوضع في سوريا من جديد، وقد تطال شظاياه دول الجوار، وفي مقدَّمها لبنان. مساعي جنبلاط مهمّة وضروريّة. هذا ما تؤكّده مصادر مطّلعة. ولكنّ السؤال: هل تنجح؟ المهمّة صعبة، ذلك أنّ المنطقة تعيش في الزمن الإسرائيليّ.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store