logo
#

أحدث الأخبار مع #الصراعات

قمة بغداد.. "السوداني" يعلن تأسيس صندوق عربي لإعادة الإعمار بعد الأزمات
قمة بغداد.. "السوداني" يعلن تأسيس صندوق عربي لإعادة الإعمار بعد الأزمات

صحيفة سبق

timeمنذ 6 أيام

  • سياسة
  • صحيفة سبق

قمة بغداد.. "السوداني" يعلن تأسيس صندوق عربي لإعادة الإعمار بعد الأزمات

أعلن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني؛ السبت، تأسيس صندوق عربي لإعادة الإعمار بعد الأزمات. وكشف "السوداني"؛ خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية للقمة العربية رقم 34 المنعقدة في بغداد، عن "18 مبادرة طموحة لتنشيط العمل العربي المشترك، وفي مقدمتها مبادرة تأسيس الصندوق العربي لدعم جهود التعافي وإعادة الإعمار ما بعد الأزمات والصراعات والحروب".

تقرير عالمي يحذر من تفاقم أزمة الجوع بسبب الصراعات
تقرير عالمي يحذر من تفاقم أزمة الجوع بسبب الصراعات

الجزيرة

timeمنذ 7 أيام

  • صحة
  • الجزيرة

تقرير عالمي يحذر من تفاقم أزمة الجوع بسبب الصراعات

كشف تقرير عالمي اليوم الجمعة أن أكثر من 295 مليون شخص في 53 دولة عانوا من مستويات حادة من الجوع خلال عام 2024، مسجلا بذلك زيادة قدرها 13.7 مليون شخص مقارنة بسنة 2023. وتثير الأرقام المعلنة في التقرير القلق إزاء تفاقم انتشار انعدام الأمن الغذائي الحاد الذي بلغ نحو 22.6% من السكان الذين تم تقييمهم. وأفاد التقرير بأن سنة 2024 تمثل السنة الخامسة على التوالي التي يظل فيها انعدام الأمن الغذائي الحاد أعلى من 20%. وأكد التقرير أن الصراعات والصدمات الاقتصادية والظواهر المناخية المتطرفة والنزوح القسري كلها عوامل واصلت دفع عجلة انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية في جميع أنحاء العالم، مخلفة "آثارا كارثية على العديد من المناطق الهشة". وأشار التقرير إلى أن عدد الأشخاص الذين يواجهون المجاعة تضاعف بأكثر من الضعف خلال الفترة نفسها، ليصل إلى 1.9 مليون شخص، وهو أعلى مستوى مسجل منذ أن بدأ التقرير العالمي حول أزمات الغذاء في عام 2016. وبلغ سوء التغذية لدى الأطفال خاصة مستويات عالية للغاية، بما في ذلك في قطاع غزة ومالي والسودان واليمن، إذ يعاني ما يقرب من 38 مليون طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد في 26 أزمة غذائية. النزوح والصراعات وسلط التقرير الضوء على زيادة حادة في الجوع الناجم عن النزوح القسري، إذ يعيش حوالي 95 مليون نازح في دول تواجه أزمات غذائية مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وكولومبيا والسودان وسوريا، ضمن إجمالي عالمي قدره 128 مليون نازح قسرا. وأفاد التقرير بأن الصراعات المسلحة تُعد العامل الأساسي وراء تفاقم انعدام الأمن الغذائي، إذ يعاني 140 مليون شخص في 20 دولة من تبعاتها. كما أكد التقرير وجود مجاعة في السودان وقطاع غزة وجنوب السودان وهاييتي ومالي. ورجح التقرير العالمي حول أزمات الغذاء أن تستمر صدمات الجوع حتى عام 2025، إذ تتوقع الشبكة العالمية لرصد الموضوع حدوث أكبر انخفاض في التمويل الإنساني لأزمات الغذاء والتغذية منذ بداية إصدار التقرير.

لماذا لم يعد السلاح النووي يخيف أحدا؟
لماذا لم يعد السلاح النووي يخيف أحدا؟

الجزيرة

time١٤-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الجزيرة

لماذا لم يعد السلاح النووي يخيف أحدا؟

مقدمة الترجمة لطالما عُدَّت الأسلحة النووية الأداة القصوى للردع، والسقف الأعلى الذي لا تتجاوزه الدول في صراعاتها، خشية الانزلاق إلى دمار شامل لا يُبقي ولا يذر. غير أن مشاهد الصراعات في العقد الأخير، من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، بدأت تطرح تساؤلات جوهرية حول فعالية هذا الردع، لا سيّما حين لا يكون الخصم نِدًّا نوويا. فهل ما زال السلاح النووي يحفظ التوازن؟ أم أن ظله الثقيل بدأ يتبدد أمام واقع إستراتيجي متغير، حيث باتت الدول غير النووية تجرؤ على تحدّي مَن يمتلك هذا السلاح الفتاك؟ هذا التقرير يحاول تفكيك هذه المعضلة، من خلال تحليل مجموعة من الأمثلة الحديثة التي هزّت الثوابت القديمة في فهم القوة النووية ومحدوديات استخدامها. نص الترجمة شكَّلت الصراعات الأخيرة تحديا للرؤية التقليدية للردع النووي، التي تفترض أن أي جهة لن تُقْدِم على شن هجوم، سواء كان نوويا أو غير نووي، على دولة تمتلك سلاحا نوويا، خوفا من قدرتها على الرد الانتقامي. لكن الأحداث الأخيرة أثبتت أن هذا الردع لم يعد فعالا كما كان يُعتقد. فرغم أن روسيا تمتلك أكبر ترسانة نووية في العالم، فإن ذلك لم يمنع أوكرانيا من تنفيذ هجمات ضد قواعد عسكرية ومدن روسية، بما في ذلك العاصمة موسكو. وفي صيف العام الماضي، تمكَّنت القوات الأوكرانية من السيطرة على نحو 500 ميل مربع من الأراضي داخل منطقة كورسك الروسية، ولا تزال تحتفظ بجزء من تلك الأراضي. كما أن الترسانة النووية الإسرائيلية لم تمنع إيران من شنّ هجمات صاروخية ضدها العام الماضي. وفي وقت سابق من العام نفسه، نفّذت إيران أيضا ضربات ضد عناصر من جماعة مسلحة داخل باكستان، وهي دولة نووية أيضا. إعلان بيدَ أن "السلاح النووي"، الذي كان يُنظر إليه على أنه "الردع النهائي"، لم يعد يُشكِّل رادعا فعالا في مواجهة بعض التهديدات أو الهجمات، كما كان يُعتقد سابقا. لقد منعت قوة الردع النووي اندلاع حروب شاملة بين الدول النووية. فمثلا، كان الخوف من الدمار المتبادل سببا في عدم تصاعد الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة إلى صراع مباشر. وبالمثل، فإن الصراعات الدامية التي استمرت لسنوات بين الهند وباكستان تحوّلت إلى مواجهات محدودة واشتباكات أصغر بعد أن أجرت الدولتان تجارب نووية عام 1998. لم تكن الأسلحة النووية فعّالة دائما في ردع الصراعات بين الدول النووية وغير النووية. فرغم أن السلاح النووي يُعد من أقوى وسائل الردع، فإن استعماله يجر وراءه كوارث أشد إيلاما مثل التدمير الشامل الذي قد يُعطِّل الأهداف الإستراتيجية، أو يُعقِّد العمليات العسكرية، بالإضافة إلى ردود الفعل الدولية إزاء استخدام هذه الأسلحة. فمنذ الحرب العالمية الثانية، بدأت العديد من الدول غير النووية تدرك أن الدول النووية تواجه هذه القيود في استخدام أسلحتها، فانبعثت في نفوسها روح التحدي، مما دفعها إلى التصرف بجرأة أكبر والهجوم على الدول النووية، معتقدة أن ذلك لن يؤدي إلى رد نووي، خاصة إذا كانت الهجمات لا تؤثر مباشرة على أمن تلك الدول النووية أو لا تؤدي إلى انهيار عسكري. صحيح أن الأسلحة النووية أكثر قوة من الناحية النظرية، لكنها لا توفر سوى مزايا عملية محدودة في مواجهة الدول غير النووية. السبب والنتيجة تواجه الدول التي تفكر في استخدام الضربات النووية مجموعة من العقبات، سواء كان خصومها يمتلكون أسلحة نووية أم لا. فحتى الأسلحة النووية ذات القوة المحدودة، خاصة تلك التي تنفجر بالقرب من الأرض، يمكن أن تكون مدمرة للغاية، مما يعوق تحقيق الأهداف الكبرى. إعلان فمثلا ليس منطقيا تدمير منطقة إذا كان الهدف هو الاستحواذ عليها، أو الاستفادة من مواردها، أو تحرير سكانها. علاوة على ذلك، فإن آثار الضربات النووية ضد دولة مجاورة قد تتسبب في تلوث إشعاعي يعود بالضرر على الدولة المهاجمة نفسها. وفي بعض الحالات، يمكن للضربات النووية أن تؤدي إلى تلويث ساحة المعركة بالإشعاع النووي، مما يجعل العمليات العسكرية التقليدية أكثر صعوبة وتعقيدا. على الجانب الآخر، قد تكون فكرة استخدام الأسلحة النووية محدودة التأثير من على ارتفاعات عالية وسيلةً لتقليل الأضرار الجانبية وتفادي بعض التحديات المرتبطة بالضربات النووية. ومع ذلك، فإن استخدام قنبلة نووية محدودة التأثير بهدف تقليل الدمار الهائل قد لا تكون قوية بما يكفي لتحقيق الهدف العسكري بالكامل. على سبيل المثال، في عام 1990 وقبيل حرب الخليج، طلب ديك تشيني، وزير الدفاع الأميركي آنذاك، من كولن باول، رئيس هيئة الأركان المشتركة، دراسة عدد الأسلحة النووية التكتيكية اللازمة لتدمير فرقة من الحرس الجمهوري العراقي. وبعد إعداد تقرير مفصل، تبيّن أن الأمر يتطلب 17 سلاحا نوويا لتحقيق هذا الهدف، وقد علّق باول لاحقا قائلا: "إذا كانت لديّ في السابق أي شكوك حول فعالية استخدام الأسلحة النووية في ميدان القتال، فقد أكدَّ هذا التقرير -بما لا يدع مجالا للشك- عدم جدواها". حتى في ظل ظروف ميدانية مواتية لاستخدام هذا النوع من الأسلحة مثل الصحراء البعيدة عن المناطق السكنية، فإن تحقيق هدف عسكري واضح كان سيتطلب كمًّا هائلا من القنابل لتحقيق هذا الهدف المنشود. على الجانب الآخر، ستواجه أي دولة تستخدم السلاح النووي عواقب دولية. فقد تعزل العديد من الدول -سواء كانت تسعى للحفاظ على القاعدة الدولية التي تمنع استخدام الأسلحة النووية، أو لأنها حليفة للدولة المُستهدفة- الدولة المهاجِمة سياسيا أو اقتصاديا، أو تقدِّم دعما مباشرا للدولة المتضررة. إعلان والأمر الأهم هو أن شنّ هجوم نووي قد يدفع دولا أخرى لا تملك أسلحة نووية حاليا إلى التفكير في امتلاكها وتطوير برامج نووية في سبيل الدفاع عن نفسها مستقبلا. رغم المخاطر الجسيمة المرتبطة باستخدام الأسلحة النووية، فإن شبح الهزيمة الكاملة في ساحة المعركة قد يدفع أحيانا بعض القادة إلى التفكير في احتمال اللجوء إليها. ففي بداية عام 1968، حاصرت القوات الفيتنامية الشمالية مشاة البحرية الأميركية في معركة كيه سانه، وهي معركة مهمة خلال حرب فيتنام. وخلال تلك الفترة، ناقش كبار المسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي ليندون جونسون استخدام الأسلحة النووية التكتيكية ضد الفيتناميين الشماليين إذا ساءت الأوضاع، لكن جونسون قرر إلغاء الفكرة بعد تسريب الخبر. وفي خريف 2022، عندما اخترق الجنود الأوكرانيون الخطوط الروسية، أفادت الاستخبارات الأميركية بأن القادة العسكريين الروس فكروا في استخدام الضربات النووية، لكن لا يوجد دليل حاسم على أن روسيا كانت تُحضِّر أسلحتها لهذا الاحتمال. وفي كلتا الحالتين، لم تكن الدولة النووية تواجه خطرا حقيقيا يهدد بقاءها أو انهيار جيشها، وهذان الشرطان -رغم أنهما غير رسميين- يُعدّان من الأسباب الرئيسية التي قد تدفع أي دولة إلى استخدام السلاح النووي. عندما تتصادم دولتان نوويتان، يكون الخطر كبيرا على كلٍّ منهما، لأن كل واحدة تملك القدرة على تدمير الأخرى بالكامل، مما يجعل التهديد وجوديا ومباشرا. أما الدول غير النووية، فليست لديها القدرة على تهديد بقاء الدولة النووية أو التسبب في انهيارها، ولهذا فهي تُشكِّل خطرا أقل. لكن ما لا نفطن إليه أن هذا يمنحها مساحة أوسع للتحرك، وجرأة أكبر في التصعيد. ولهذا السبب، نجد أن الدول غير النووية عبر التاريخ غالبا ما كانت أكثر جرأة في مهاجمة خصومها النوويين مقارنة بما تفعله الدول النووية عندما تتعامل مع بعضها بعضا. إعلان لكن في النهاية، عندما تتخذ دول غير نووية خطوات عدائية، فإنها تتبنى إستراتيجيات لتقليل خطر الانتقام النووي. على سبيل المثال، عندما تدخلت الصين في حرب كوريا عام 1950 وألحقت خسائر فادحة بالقوات الأميركية، سرعان ما طلبت الدعم الجوي السوفيتي للتصدي لأي هجوم نووي أميركي على أراضيها. وكذلك في حرب أكتوبر 1973، عندما قررت مصر وسوريا تنسيق هجوم ضد إسرائيل، أعلن القادة المصريون عن حدود الهجوم بوضوح حتى لا توضع إسرائيل أمام موقف لا تُفْرِط خلاله في تقدير التهديد ولا تتخذ رد فعل نوويا غير مبرر. ورغم الهجمات التي شنَّتها أوكرانيا على روسيا وتوغلها في منطقة كورسك، فإنها أيضا تفتقر في النهاية إلى القدرة على تهديد بقاء روسيا، وهي حقيقة تتماشى مع الأمثلة السابقة لدول غير نووية تحارب دولا نووية. وبناءً على ذلك، صرَّح بوتين بأنه لا يرى ضرورة لاستخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا رغم انخراطه في بعض التهديدات النووية، وبدلا من ذلك أسفرت الهجمات الروسية عن دمار هائل في أوكرانيا ولكن باستخدام القوات العسكرية التقليدية. عندما تلتقي القوى المتكافئة تُظهر روسيا حذرا أكبر في تعاملها مع الولايات المتحدة ودول حلف الناتو، فرغم تبادل السياسات العدائية بين الطرفين مثل الهجمات السيبرانية والعقوبات الاقتصادية، فإن روسيا امتنعت عن تنفيذ ضربات عسكرية مباشرة ضد دول الناتو، حتى مع استمرار هذه الدول في تزويد أوكرانيا بأسلحة أفضت إلى خسائر فادحة في صفوف القوات الروسية. ومن جانبها، امتنعت الولايات المتحدة أيضا عن التدخل المباشر في الحرب، رغم أن جو بايدن وسّع خلال فترة رئاسته أنواع الأسلحة المقدَّمة لأوكرانيا، وقلّص القيود المفروضة على استخدامها. ورغم شدة التنافس بين الدول النووية، فإن هذا التنافس قلّما يبلغ حدّ الانفجار، ويظلّ حبيس التهديدات والضغوط دون أن ينفلت إلى مواجهة شاملة. ففي عام 1965، توقّع الباحث في الدراسات الأمنية، غلين سنايدر، أن الردع النووي سيمنع أشكال الصراع النووي الأكثر تدميرا، لكنه قد ينقل الصراعات إلى مستويات أقل حِدّة، مثل الحروب التقليدية أو الاستخدام المحدود للسلاح النووي. إعلان ومع ذلك، تبيّن لاحقا أن تأثير الردع بين الدول النووية كان أعمق مما توقّعه سنايدر، إذ إن حالة الخوف المتبادل تجعل جميع الأطراف أكثر حذرا، مما يقلّل من احتمالية اندلاع الحرب بجميع أشكالها. ومن بين الأسباب العديدة التي تفسّر تجنّب الدول النووية الدخول في صراعات مباشرة مع بعضها هو أن امتلاك الطرفين لأسلحة نووية يجعل حتى الضربات المحدودة محفوفة بخطر التصعيد، إذ يمكن أن تتصاعد المواجهة لتصل في النهاية إلى استخدام أقوى الأسلحة في العالم. وهناك أيضا احتمال أن يحاول أحد الطرفين، في المراحل المبكرة من النزاع، استباق التصعيد عبر ضرب القدرات النووية للطرف الآخر لتقليل الأضرار المحتملة. في مثل هذه الحالة، قد ترى الدولة أن تكلفة عدم التحرك أكبر من تكلفة استخدام السلاح النووي، لا سيما إذا تراءى لها أن مدنها تقف على حافة الانهيار، مهددة بأن تُمحى من الوجود. حتى إن كان الطرفان يسعيان لتجنب التصعيد النووي، فإن احتمالات الخطأ، وسوء التقدير، والتطورات غير المتوقعة -وهي أمور شائعة في الحروب- تُضاعف احتمالات الانجراف نحو الهاوية النووية، حيث تكفي شرارة خطأ واحدة أو سوء تقدير لفتح أبواب الكارثة على مصراعيها عندما يكون كلا الجانبين مسلحا نوويا. ولهذا السبب تميل الدول النووية إلى تفادي الدخول في مواجهات عسكرية مباشرة فيما بينها من الأساس. كان وعي القوى النووية بخطورة الانزلاق نحو تصعيد لا يمكن السيطرة عليه عاملا حاسما في نزع فتيل التوتر خلال لحظات تاريخية شديدة الحساسية. ففي أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، حذّر الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف الرئيس الأميركي جون كينيدي قائلا: "إذا اندلعت الحرب فعلا، فلن يكون بوسعنا إيقافها، فهذا هو منطق الحرب". وفيما بعد، ذكر ستة مسؤولين في إدارة كينيدي أن "أخطر ما في الأمر آنذاك لم يكن رغبة أيٍّ من الزعيمين في التصعيد، بل الخطر الحقيقي كان في أن تؤدي سلسلة من الأفعال وردود الأفعال أو سوء الحسابات إلى خروج النزاع عن سيطرة كليهما". وقد دفعت هذه المخاوف الزعيمين إلى اتخاذ خطوات جادة لنزع فتيل الأزمة. إعلان يُعدّ الصدام المباشر بين الهند وباكستان في حرب كارجيل عام 1999، في وقت كانت فيه الدولتان تمتلكان قدرات نووية، حالة استثنائية نادرة لحرب نشبت بين قوتين نوويتين. غير أن هذه الحرب ليست استثناء فريدا كما قد يبدو للوهلة الأولى، إذ يبقى شبح التصعيد الذي يتجاوز حدود السيطرة أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع الدول النووية إلى تجنّب خوض حروب فيما بينها. ومع ذلك، يرى الباحثان في العلاقات الدولية مارك بيل وجوليا ماكدونالد أن خطر هذا التصعيد خلال حرب كارجيل كان منخفضا، فقد اقتصر القتال على منطقة كشمير الجبلية، وكانت الهند تفصل عادةً بين رؤوسها النووية والصواريخ أو الوسائل التي تُستخدم لإطلاقها. كما أن الطرفين حافظا على تواصل واضح بينهما، ولعب الخوف من استخدام السلاح النووي دورا كبيرا في الحدّ من تصاعد القتال. ومنذ ذلك الحين، استمرت المناوشات بين الطرفين، لكنها لم تتطور إلى حرب شاملة. وكثيرا ما يتحدث العلماء السياسيون عن نظرية "السلام الديمقراطي"، التي تفترض أن الدول الديمقراطية لا تشن حروبا ضد دول ديمقراطية أخرى. ومع ذلك، فإن الديمقراطيات ليست مسالمة بطبيعتها، بل إنها تخوض حروبا مع الدول غير الديمقراطية. ولهذه الفكرة نظير نووي، فالدول غير النووية قد تخوض الحروب ضد خصومها النوويين، أما الدول النووية فيوجد بينها سلام هش ومتنازع عليه، لكنه يظل مستمرا. لذا على المحللين وصناع القرار أن يأخذوا في اعتبارهم هذين العاملين في الردع النووي عند تقييم المخاطر النووية في النزاعات الحالية، فمثلا امتنعت روسيا عن الرد النووي إزاء الضربات الأوكرانية، لكن رد فعلها قد يختلف تماما إذا كانت القوات الأميركية هي التي تطلق النار على أهداف روسية. لا يزال هناك الكثير من الغموض الذي يلتف حول العصر النووي، ورغم أن العالم لم يشهد سوى استخدامين فعليين للأسلحة النووية، ولم تندلع أي حرب نووية حتى الآن، فإن ذلك يدعو إلى الحذر عند إطلاق أحكام واسعة أو استخلاص استنتاجات حاسمة بشأن السيناريوهات النووية المحتملة، نظرا لندرة التجارب الفعلية في هذا المجال. إعلان ومع ذلك، يمكننا استخلاص بعض الدروس الأولية، منها أن اللجوء إلى الأسلحة النووية محفوف بمخاطر جسيمة. فعلى مدار ثلاثة أرباع القرن الماضي، كانت هذه المخاطر هي ما منع الصراعات الكبرى بين الدول النووية، ولكن تبيَّن في العديد من الحالات أن الترسانة النووية لا تكفي لردع خصم غير نووي عازم على تحقيق أهداف محدودة. لذلك، تحتاج الدول النووية إلى أدوات تقليدية لمواجهة هذه التهديدات بدلا من الاتكال فقط على رهبة الأسلحة النووية وهيبتها. _____________________________________________ هذا المقال مترجم عن فورين أفيرز ولا يعبر بالضرورة عن الجزيرة نت

الحرب العالمية الثانية.. الصراع الدموي الذي يشكل العالم إلى اليوم
الحرب العالمية الثانية.. الصراع الدموي الذي يشكل العالم إلى اليوم

الجزيرة

time١٢-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الجزيرة

الحرب العالمية الثانية.. الصراع الدموي الذي يشكل العالم إلى اليوم

مقدمة الترجمة يقدم المؤرخ العسكري البريطاني أنتوني بيفور نظرية لتفسير الصراعات الآنية من خلال الحرب العالمية الثانية ، التي يرى أن أصداءها تشكل السياسات العالمية إلى اليوم. ويرى بيفور، في مقاله المنشور بمجلة "فورين أفيرز"، أن جميع القوى/الدول الفاعلة في الحرب تقريبا تقدم روايتها الخاصة حولها، وأن بمقدور تلك الرواية أن تفسر السياسات الراهنة لتلك القوة/الدولة في عالم اليوم. يشمل ذلك الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا وحتى الصين التي ورثت مقعد الإمبراطورية اليابانية في أعقاب الحرب. يركز بيفور بشكل كبير على روسيا، وهو يقرأ أفكار بوتين وسياساته اليوم باعتبارها إرثا وامتدادا لأفكار وسياسات ستالين ، خاصة في الفضاء الجيوسياسي. ولا يخف المؤرخ البريطاني بطبيعة الحال تحيزه إلى الرواية الغربية، لدرجة أنه يبرر إلقاء الولايات المتحدة القنبلة الذرية فوق ناغازاكي وهيروشيما على أنه قرار ينطوي على "موازنة أخلاقية صعبة"، زاعما أنه أنقذ أعدادا كبيرة من البشر، أضعاف أولئك الذين قتلتهم القنابل الأميركية. نص الترجمة نادرا ما يكون التاريخ مرتبا أو منظما، حيث تتداخل العصور وتستطيل الأعمال غير المكتملة من حقبة إلى أخرى. كانت الحرب العالمية الثانية حربًا لا مثيل لها من حيث حجم تأثيرها على حياة الناس ومصائر الأمم، وكانت في الوقت نفسه مزيجا من الصراعات التي صنعتها الضغائن العرقية والوطنية التي أعقبت انهيار 4 إمبراطوريات وإعادة رسم الحدود في مؤتمر باريس للسلام بعد الحرب العالمية الأولى. وقد ذهب العديد من المؤرخين إلى أن الحرب العالمية الثانية (بحدودها الزمنية التي نعرفها اليوم بين عامي 1939 و1945) كانت مجرد جزء من حرب طويلة ممتدة منذ عام 1914 (تاريخ اندلاع الحرب العالمية الأولى) حتى عام 1945، أو ربما حتى انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991.. حرب أهلية عالمية نشبت أولا بين الرأسمالية والشيوعية، ثم بين الديمقراطية والدكتاتورية. لا شك أن الحرب العالمية الثانية جمعت خيوط تاريخ العالم معا، بفضل نطاقها المتسع جغرافيا والدور الذي لعبته في تسريع نهاية حقبة الاستعمار في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط. ولكن رغم تقاسم معظم الدول لهذه التجربة ودخولها في ذات النظام الذي بُني في أعقابها، فإن كل دولة مُشارِكة في النظام خلقت روايتها الخاصة لذلك الصراع الكبير وتمسكت بها حتى النهاية. وحتى مسألة بسيطة نظريا مثل: متى بدأت الحرب؟ لا تزال موضع جدل، ففي الرواية الأميركية مثلا، بدأت الحرب تأخذ مسارا جديا فقط عندما دخلت الولايات المتحدة على خط الصراع في أعقاب الهجوم الياباني على بيرل هاربور يوم 7 ديسمبر/كانون الأول 1941، وبعد إعلان "الدكتاتور" الألماني أدولف هتلر الحرب على واشنطن بعد ذلك ببضعة أيام. من جانبه، يصر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أن الحرب بدأت في يونيو/حزيران 1941، عندما غزا هتلر الاتحاد السوفياتي ، متجاهلاً الغزو السوفياتي والنازي المشترك لبولندا في سبتمبر/أيلول 1939، والذي يمثل بداية الحرب بالنسبة لمعظم الأوروبيين. وهناك من يُرجعون بدايات الحرب إلى تواريخ أبعد من ذلك، فبالنسبة للصين، بدأ الأمر عام 1937، مع اندلاع الحرب الصينية اليابانية، أو ربما قبل ذلك مع الاحتلال الياباني لإقليم منشوريا (التابع للصين) في عام 1931. هذا ويعتقد كثيرون من اليساريين في إسبانيا أن الأمر بدأ في عام 1936 مع إطاحة الجنرال فرانكو بالجمهورية، مما أدى إلى اندلاع الحرب الأهلية الإسبانية. تشكل هذه الرؤى العالمية المتضاربة مصدرا للتوتر وعدم الاستقرار في السياسة العالمية. ينتقي الرئيس الروسي بوتين من التاريخ الروسي ما يناسبه، فيجمع بين تكريم التضحيات السوفياتية في "الحرب الوطنية العظمى"، كما تُعرف الحرب العالمية الثانية في روسيا، وبين الأفكار "الرجعية" للروس البيض القيصريين المنفيين بعد هزيمتهم على يد الشيوعيين الحمر في الحرب الأهلية الروسية خلال الفترة 1917- 1922. هذه الأفكار "القيصرية" تقدم مبررات دينية للهيمنة الروسية على كامل الكتلة الأوراسية، "من فلاديفوستوك (في أقصى الشرق الروسي) إلى دبلن (إيرلندا في أقصى الغرب الأوروبي)"، على حد قول ألكسندر دوغين ، المنظر والأيديولوجي الأقرب إلى بوتين، كما تؤصل لكراهية متجذرة لأوروبا الغربية الليبرالية (جدير بالذكر أن هذه الأفكار تنتشر نسبيا وسط الدائرة المقربة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب). في غضون ذلك، أعاد بوتين تأهيل صورة الزعيم السوفياتي خلال فترة الحرب العالمية الثانية جوزيف ستالين، الذي يُعد، كما اعترف الفيزيائي السوفياتي المنشق أندريه ساخاروف، مسؤولاً مباشرا عن قتلى بالملايين، أكثر من هتلر نفسه. ويذهب الرئيس الروسي إلى حد الإصرار على أن الاتحاد السوفياتي كان بوسعه أن يحقق النصر في الحرب ضد ألمانيا النازية بمفرده، بينما يعترف ستالين وغيره من الزعماء السوفيات أن الاتحاد لم يكن ليتمكن من الصمود دون المساعدات الأميركية. ويدرك هؤلاء الزعماء أن الحملة الجوية الاستراتيجية التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا ضد المدن الألمانية أجبرت الجزء الأكبر من القوات الجوية الألمانية على العودة والانسحاب من الجبهة الشرقية، الأمر الذي منح السوفيات التفوق الجوي. وعلاوة على كل ذلك، يرفض بوتين الاعتراف بأهوال العصر الستاليني. وكما أخبرتني ماري سوامز ابنة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل في حفل عشاء عام 2003، فإن تشرشل سأل ستالين خلال اجتماع غير رسمي في أكتوبر/تشرين الأول 1944 عن الأمر الذي يندم عليه الزعيم السوفياتي أكثر من ندمه على أي شيء آخر في حياته.. أخذ ستالين بعض الوقت للتفكير قبل أن يجيب بهدوء: "قتل الكولاك"- أي الفلاحين أصحاب الأراضي. بلغت هذه الحملة ذروتها مع المجاعة الكبرى "هولودومور" في عامي 1932 و1933، حيث تسبب ستالين عمداً في المجاعة الأوكرانية، مما أسفر عن مقتل أكثر من 3 ملايين شخص، وغرس الكراهية لموسكو بين العديد من الناجين وذرياتهم. على صعيد آخر، أنتجت الحرب العالمية الثانية توازنا غير مستقر في كثير من الأحيان داخل المعسكر الغربي بين أوروبا والولايات المتحدة، بعدما أجبرت الحرب وطموحات هتلر للهيمنة؛ المملكةَ المتحدة على التخلي عن الدور الذي عينته لنفسها كشرطي العالم، والتوجه إلى الأميركيين طلبا للمساعدة. كان البريطانيون فخورين حقا بدورهم في النصر النهائي للحلفاء، ولكنهم حاولوا إخفاء الألم الناجم عن تراجع نفوذهم العالمي من خلال ترديد المقولة المبتذلة القائلة بأن بريطانيا "تحملت فوق طاقتها" في الحرب، وكذا من خلال التمسك "بعلاقتها الخاصة" مع الولايات المتحدة. كان تشرشل منزعجًا من احتمال عودة القوات الأميركية إلى ديارها بعد انتهاء الحرب في المحيط الهادئ عام 1945، ورغم أن المواقف الأميركية ظلت تتذبذب بين السعي إلى دور عالمي نشط والارتداد إلى الانعزالية، فإن التهديد القادم من موسكو ضمِنَ استمرار انخراط واشنطن بشكل عميق في أوروبا حتى انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991. واليوم، دخلت أول حرب قارية كبرى في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية عامَها الرابع، ويرجع هذا جزئيا إلى القراءة الانتقائية التي يتبناها بوتين للتاريخ الروسي، في حين تهدد الصراعات القاتلة في الشرق الأوسط وأماكن أخرى بالانتشار على نطاق أوسع، وفي الوقت نفسه، يبدو أن إدارة ترامب تتخلى عن القيادة العالمية للولايات المتحدة في خضم "حالة مزاجية مرتبكة". قبل 80 عامًا، مهدت نهاية الحرب العالمية الثانية الطريق لنظام دولي جديد يرتكز على احترام السيادة الوطنية والحدود، ولكن الآن، ربما حان الوقت أخيرا لدفع فاتورة باهظة نتيجة التناقض الأميركي، والاستسلام الأوروبي، وشهية "الانتقام" الروسية. أكثر من مجرد أرقام من المؤكد أن القسوة الشديدة التي اتسمت بها الحرب العالمية الثانية ظلت محفورة في ذاكرة أجيال عديدة، حيث كان ذلك أول صراع حديث يفوق ضحاياه المدنيون -بكثير- أعداد قتلاه المحاربين، ولم يكن ذلك ليصبح ممكنا إلا من خلال نزع الصفة الإنسانية عن العدو على أساس أيديولوجي، وإثارة النزعات القومية إلى حدها الأقصى، والترويج للعنصرية باعتبارها أمرا مسلما به، فضلا عن "الحرب الطبقية" اللينينية التي أيدت إبادة جميع المعارضين. ومن اللافت للنظر أن الدبلوماسيين السوفيات كافحوا بعد الحرب لمنع ذكر الحرب الطبقية -التي شملت عمليات القتل الجماعي التي ارتكبها الاتحاد السوفياتي ضد الأرستقراطيين والبرجوازيين والفلاحين مالكي الأراضي- في اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948 بشأن الإبادة الجماعية. وإجمالا، لقي قرابة 85 مليون شخص حتفهم خلال الحرب العالمية الثانية، من ضمنهم أولئك الذين قضوا بالمجاعة والمرض. لقد قتلت ألمانيا النازية الملايين، بينما فقدت بولندا خُمس سكانها (نحو 6 ملايين شخص) خلال الحرب. وبشكل أكثر بشاعة، خسر الصينيون ما يزيد على 20 مليون إنسان، وكان عدد القتلى الصينيين من المجاعة والمرض أكبر من عدد القتلى نتيجة الصراع في ساحة المعركة، بينما تتراوح أعداد قتلى السوفيات بين 24 و26 مليونا. كان ستالين يدرك في عام 1945 أن إجمالي الخسائر تجاوز 20 مليون إنسان، ولكنه اعترف بثلث هذه الخسارة فقط (7.5 ملايين قتيل)، محاولا على ما يبدو إخفاء الحجم الحقيقي للرعب الذي أطلقه ضد شعبه. بيد أنه في هذا المقام لا يكفينا أن نتذكر الموتى الذين أخفى قاتلوهم عمدا هويات العديد منهم، فقد غيّر الصراع أيضا حياة الناجين وأسرى الحرب والمدنيين المسجونين في المعسكرات بطرق يتعذر الإحاطة بها. في كثير من الأحيان، كان أولئك الذين استسلموا لمصيرهم في قائمة الضحايا الأوائل، بينما كان الناجون من أولئك الذين لديهم تصميم شديد على العودة إلى أسرهم، والتمسك بمعتقداتهم، وتقديم شهاداتهم على جرائم يتعذر الحديث عنها من فرط بشاعتها. وحتى تكتمل الصورة القاتمة، لم يتمكن العديد من الجنود الأسرى من العودة إلى ديارهم. بادئ ذي بدء، قُبض على أفراد الجيش الأحمر السوفياتي الذين جُنِّدوا قسرا من قبل الجيش الألماني أثناء وجودهم في فرنسا بزيهم العسكري الألماني وسُلِّموا إلى الضباط السوفيات الذين أعدموا القادة في الغابات ونقلوا البقية إلى الاتحاد السوفياتي، حيث حُكم عليهم بالعمل بالسخرة في الشمال المتجمد. وبعد أيام قليلة من استسلام ألمانيا، أمرت القوات البريطانية في النمسا بتسليم أكثر من 20 ألف يوغسلافي مناهض للشيوعية في المنطقة الخاضعة لسلطتها إلى السلطات اليوغسلافية الشيوعية، التي أطلقت النار عليهم ثم دفنتهم في مقابر جماعية. كما سلّمت القوات البريطانية السلطات السوفياتية بعض أبناء الكزاخ (أحد الأعراض السلافية الشرقية) وهم مواطنون سوفيات لكنهم قاتلوا من أجل ألمانيا. ومن المؤكد أن الحكومة البريطانية كانت تعلم أن عقوبة قاسية تنتظر هؤلاء الجنود، لكنها خشيت أن يؤدي السماح لهم بالرحيل إلى احتفاظ السلطات السوفياتية بأسرى الحرب البريطانيين الذين حررهم الجيش الأحمر في بولندا وشرق ألمانيا. وبالمثل، جمع الجيش الأحمر 600 ألف جندي ياباني في شمال الصين ومنشوريا، وأرسلهم جميعًا إلى معسكرات العمل في سيبيريا حيث مارسوا أعمالا شاقة حتى الموت. لعقود طويلة بعد الحرب، ظلت تلك الذكريات حية في أذهان أولئك الذين عاشوها بأنفسهم وتركت بصماتها القاسية في نفوسهم. وعلى إثر ذلك، جرى تشكيل النظام الذي تلا الحرب العالمية الثانية على يد أجيال كان هدفها منع وقوع مثل هذه المأساة مرة أخرى. ولكن بالنسبة لأولئك الذين لم يعيشوا هذا الصراع، وينظرون إلى الوراء من عالم اليوم، فإن عدد ضحايا الحرب العالمية الثانية ربما يكون مجرد رقم، وهم معذورون في ذلك لأنه يصعب استيعاب حقيقة مقتل عشرات الملايين. غير أن فقدان هذه الصلة المباشرة مع الماضي يعني بالتبعية فقدان العزم المشترك الذي أنتج -على مدار 80 عاما- سلاما متصلا، وإن كان غير كامل، بين القوى العظمى. معارك غير منتهية خلّفت الحرب العالم مكانًا مختلفًا تمامًا. وفي الدول المتحاربة، لم يبق سوى عدد قليل من الناس الذين لم يتأثروا مباشرة بويلات الحرب، فالعديد من النساء اللواتي قُتل خُطّابهن في الحرب لم يتزوجن أبدًا ولم ينجبن أطفالًا، بينما لم يتمكن الرجال العائدون من استيعاب حقيقة أن النساء تَولين إدارة كل شيء، مما جعلهم يشعرون أنهم عديمو القيمة. وكان رد الفعل الأقوى في أوروبا القارية. ففي ألمانيا مثلا، سمع الرجال الذين سُجنوا أثناء الحرب للمرة الأولى عن عمليات الاغتصاب الجماعي التي ارتكبها الجيش الأحمر، وشعروا بالإهانة لأنهم لم يكونوا متاحين للدفاع عن نسائهم، ولم يتمكنوا أيضا من التكيف مع حقيقة أن النساء تعاملن مع الصدمة بالطريقة الوحيدة الممكنة وهي التحدث عنها إلى بعضهن بعضا. وفي فرنسا وغيرها من البلدان المحتلة، تساءل الرجال الذين عادوا من السجون ومعسكرات العمل القسري في ألمانيا؛ كيف تمكنت النساء من البقاء على قيد الحياة دون أي وسيلة للدعم، وبدؤوا يشكون في علاقاتهن مع جنود العدو أو تجار السوق السوداء. وليس مستغربا أن هذه الاستجابات أدت إلى فترة من ردود الفعل الاجتماعية المدمرة استمرت طيلة أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين. في غضون ذلك، ظل الصراع السياسي العنيف مستمرا حتى بعد انتهاء الأعمال الحربية العدائية. في أغسطس/آب 1945، وبعد فترة طويلة من انتهاء القتال في المسرح الأوروبي، بدأ الاتحاد السوفياتي إطلاق سراح الجنود الإيطاليين العاديين الذين أسرهم في الجزء الأخير من حملة قوى المحور للسيطرة على ستالينغراد. لكن هؤلاء الجنود أُرسلوا إلى أوطانهم بدون ضباطهم، لأن زعيم الحزب الشيوعي الإيطالي ناشد موسكو تأخير عودة السجناء الأعلى رتبة الذين قد يدينون الاتحاد السوفياتي علناً ويضرون بفرص الحزب في الانتخابات المقبلة. وبينما تجمعت الجماعات الشيوعية في محطات السكك الحديدية بإيطاليا للترحيب بالجنود العائدين، كانوا يتوقعون منهم أن يكونوا أكثر تعاطفا مع قضيتهم. لكنهم فوجئوا برؤية الجنود الذين كتبوا عبارة "تسقط الشيوعية" (Abbasso Comunismo) على عربات القطار، ليندلع الاشتباك في المحطات. وعلى إثر ذلك، اعتبرت الصحافة الشيوعية الجنود العائدين الذين انتقدوا الاتحاد السوفياتي بأي شكل من الأشكال؛ أنهم "فاشيون". لقد أزيلت الحدود أو أعيد رسمها خلال الحرب وبعدها، ولم يعد الكثير من النازحين يعرفون جنسياتهم بعدما جرى اقتلاع أعداد كبيرة من السكان، وفي بعض الأحيان مدن بأكملها، أو إخلائها، أو قتل جميع سكانها على يد الجماعات شبه العسكرية والشرطة السرية والقوات المسلحة. ولا أدل على ذلك مما حدث في عام 1939، حين دُفع البولنديون من منطقة لفيف (Lwów) التي أصبحت فجأة ضمن حدود الغرب الأوكراني؛ إلى المناطق المهجورة في كزاخستان أو سيبيريا حيث تُركوا لمواجهة الموت. خضعت لفيف البولندية للاحتلال السوفياتي مرتين، كما احتلها النازيون الذين أرسلوا اليهود إلى معسكرات الموت. وفي أعقاب الحرب، حصلت المدينة على اسم أوكراني جديد، وهو لفيف "Leviv" (بنطق متقارب تقريبا ولكن باختلاف اللغة والهجاء). وفي مؤتمر يالطا في فبراير/شباط 1945، حين التقى زعماء بريطانيا والاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة لمناقشة شكل أوروبا بعد الحرب، أجبر ستالين قوى الحلفاء على قبول إزاحة بولندا بأكملها إلى الغرب، واستقبال المقاطعات الألمانية السابقة على الجانب الغربي، على أن يستوعب الاتحاد السوفياتي المقاطعات البولندية إلى الشرق. ولإكمال تنفيذ هذه الخطة، نفذ الجيش الأحمر أكبر عملية تهجير قسري ممنهج للسكان في العصر الحديث، حيث نقل أكثر من 13 مليون ألماني وبولندي وأوكراني من مناطقهم. ومع استمرار مناقشات يالطا إلى مؤتمر بوتسدام في أغسطس/آب 1945، أصبحت رغبة ستالين في توسيع الأراضي السوفياتية أكثر وضوحا، مبديا اهتمامه بتولي السيطرة على المستعمرات الإيطالية السابقة في أفريقيا، ومقترحا الإطاحة بنظام فرانكو في إسبانيا. وحين داعبه السفير الأميركي لدى الاتحاد السوفياتي آنذاك، أفريل هاريمان، على هامش المحادثات قائلا "لا بد أنه من دواعي سرورك أن تكون في برلين الآن بعد كل ما عانته بلادك"، أجابه ستالين بجمود قائلا: "لقد وصل القيصر ألكسندر إلى باريس". لم تكن تلك الملاحظة من ستالين مجرد مزحة على الإطلاق، ففي العام السابق، أمرت القيادة السوفياتية بوضع خطط لغزو فرنسا وإيطاليا والاستيلاء على المضائق بين الدنمارك والنرويج. وخلال عام 1945 قال الجنرال السوفياتي سيرغي شتيمينكو، في إحدى محادثاته: "لقد كنا نتوقع أن يتخلى الأميركيون عن أوروبا التي تغط في الفوضى، وأن تصاب بريطانيا وفرنسا بالشلل بسبب مشاكلهما الاستعمارية". لقد اعتقد القادة السوفيات أن هذا من شأنه أن يخلق فرصة سانحة لهم، لذا فإنهم لم يتخلوا عن خططهم إلا بعد معرفة أن الولايات المتحدة كانت قريبة من بناء القنبلة الذرية، رغم أن شهيتهم للتوسع ظلت قائمة. ومن المؤكد أن الحرب العالمية الثانية كانت بمثابة فجر العصر النووي، حيث نظر الكثيرون إلى اختراع القنبلة الذرية برعب، واعتبروا قصف الولايات المتحدة لهيروشيما وناغازاكي جريمة حرب. ورغم ذلك فإن استهداف هاتين المدينتين اليابانيتين في أغسطس/آب 1945 كان ينطوي على خيار "أخلاقي" بالغ الأهمية. فقبل أن تؤدي عمليات القصف إلى تسريع نهاية الحرب، كان الجنرالات اليابانيون يرغبون في مواصلة القتال بدلاً من قبول شروط الاستسلام التي أصدرتها قوى الحلفاء في إعلان بوتسدام في يوليو/تموز، وكانوا مستعدين للتضحية بملايين المدنيين اليابانيين من خلال إجبارهم على مقاومة غزو الحلفاء باستخدام الرماح المصنوعة من الخيزران والمتفجرات المثبتة على أجسادهم فقط. وبحلول عام 1944، كان حوالي 400 ألف مدني يموتون شهرياً بسبب المجاعة في مناطق شرق آسيا والمحيط الهادئ وجنوب شرق آسيا التي احتلتها القوات اليابانية. كان الحلفاء يريدون أيضًا إنقاذ أسرى الحرب الأميركيين والأستراليين والبريطانيين الذين كانوا يلقون حتفهم في المعسكرات اليابانية، أو كانوا يتعرضون للذبح على يد خاطفيهم بأوامر من طوكيو. وهكذا، ورغم أن القنبلة الذرية حصدت أرواح أكثر من 200 ألف ياباني، فإن هذا السلاح الرهيب ربما أنقذ عدداً أكبر بكثير في "مفارقة أخلاقية مقلقة". في النهاية، لا شك أن الحرب العالمية الثانية أعادت ضبط مسار السياسة العالمية، سواء إلى الأفضل أو الأسوأ (على اختلاف موقع الناظر وانتمائه). وفي نهاية المطاف، مهدت هزيمة اليابان الطريق أمام صعود الصين الحديثة، وكان انهيار الإمبراطوريات البريطانية والهولندية والفرنسية في عامي 1941 و1942 بمثابة شهادة وفاة لأوروبا الإمبريالية، كما حفزت تجربة الحرب الاتجاه نحو التكامل الأوروبي، وفي الوقت نفسه، ارتفعت مكانة الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي إلى مصاف القوى العظمى. كذلك، أدت الحرب العالمية الثانية إلى ظهور الأمم المتحدة، التي كان من أهدافها الرئيسية حماية سيادة الدول، ومنع العدوان المسلح والاستيلاءِ على الأراضي بالقوة. كانت الأمم المتحدة حلما يراود الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، وكان مستعدًا للسماح لستالين بالسيطرة الكاملة على بولندا لتحقيق هذا الحلم. ولكن في فبراير/شباط من العام الحالي (2025)، أدارت الولايات المتحدة ظهرها للمبادئ التأسيسية للأمم المتحدة، وصوتت إلى جانب موسكو، ورفضت إدانة "العدوان" الروسي على أوكرانيا. كما أدت الحرب العالمية الثانية إلى نشوب الحرب الباردة، ويقول بعض المؤرخين إن هذا الصراع الجديد بدأ في عام 1947 باتفاقية كلاي-روبرتسون (نسبة إلى لوسيوس د. كلاي، الحاكم العسكري للولايات المتحدة، والجنرال برايان روبرتسون، نائب الحاكم العسكري البريطاني) التي كانت بداية تخلي الحلفاء الغربيين عن ألمانيا الموحدة و"تخليق" ألمانيا الغربية مما أثار جنون ستالين. شهد ذلك العام تصاعد التوترات، حيث أصدر ستالين في سبتمبر/أيلول أمراً للأحزاب الشيوعية الأوروبية بتجهيز أسلحتها استعداداً للحرب المستقبلية، وهو ما وضع الأساس للحصار السوفياتي لبرلين في العام التالي. غير أن الأصول الحقيقية لتلك الأحداث تعود إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، وتحديدا إلى يونيو/حزيران 1941 حين أصيب ستالين بصدمة نفسية بسبب عملية بارباروسا، الغزو الذي قادته النازية ضد الاتحاد السوفياتي، والذي بدأ في ذلك الوقت. ومنذ ذلك الحين، بدا ستالين عازما على أن يحيط نفسه بدول تابعة في وسط أوروبا وجنوبها حتى لا يتمكن أي غازٍ من مفاجأة الاتحاد السوفياتي مرة أخرى. لقرون عديدة، كانت روسيا مهووسة بفكرة السيطرة على جيرانها لمنع تطويقها، وكان اهتمام ستالين منصبًّا بالأساس على بولندا. وفيما يبدو فإن بوتين حافظ على العقلية نفسها، لكن اهتمامه تركز على أوكرانيا، موطن الحدود الأكثر ضعفا لروسيا، والتي يراها بوتين جزءا لا يتجزأ من بلاده. وعندما تحرك الرئيس الروسي بناء على هذا "الادعاء" لغزو أوكرانيا في عام 2022، أعاد إلى الأذهان سمة من سمات زمن الحرب العالمية الثانية التي كانت غائبة إلى حد كبير عن السياسة العالمية منذ ذلك الحين. لقد ساهم الزعماء الأفراد، الذين تمتع العديد منهم بدعم الأنظمة الشمولية التي سيطروا عليها، في تشكيل مسار ذلك الصراع الواسع. من تشرشل إلى روزفلت إلى ستالين، أعادت مؤامرات الزعماء ومكائدهم إحياء فكرة "الرجل العظيم" الذي يحرك مجرى التاريخ في المخيلة الشعبية. وفي السنوات الأخيرة، أصبح نفوذ الزعماء السياسيين أقل نسبيا. ويرجع ذلك إلى حقيقة أن النظام الاقتصادي العالمي يقيد -إلى حد كبير- حرية تصرفهم، وهو الأمر الذي يفعله أيضا الفحص المستمر لقراراتهم من قبل وسائل الإعلام، والذي يجعل الكثيرين منهم أكثر حذرا. ولعقود من الزمن، بدا الأمر كما لو أن شخصيات الزعماء لن تتمكن مرة أخرى من تحديد مسار الأحداث بالطريقة التي فعلتها إبان الحرب العالمية الثانية، لكن بوتين غيّر هذا الوضع، وترامب، الذي يتخذ من بوتين قدوة له، يغيّر هذا الوضع أيضا. واليوم، بينما احتفلت روسيا بيوم النصر في 9 مايو/أيار، يصر بوتين على استغلال قصة "الحرب الوطنية العظمى" التي تخوضها بلاده إلى أقصى حد. ويلمح بوتين إلى إمكانية إعادة تسمية مدينة فولغوغراد باسمها السابق ستالينغراد -وهو الاسم الذي تغير في عام 1961 كجزء من حملة الزعيم السوفياتي نيكيتا خروشوف لإزالة آثار الستالينية- بغية تسليط الضوء على انتصار الجيش الأحمر على "غزاة" المحور في معركة ستالينغراد عام 1943، وهي نقطة التحول النفسية العظيمة في الحرب من وجهة نظر بوتين والروس. في واقع الأمر، لا توجد مجموعة واحدة من الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها من الحرب العالمية الثانية، فالحرب بطبعها تتحدى التعميم ولا يمكن إدراجها تحت تصنيفات سهلة أو ثابتة. وتجلب الحرب عددا لا يحصى من القصص حول المأساة، والفساد، والنفاق، والأنانية، والخيانة، والاختيارات المستحيلة، والسادية، لكنها تنطوي أيضًا على حكايات عن التضحية بالنفس، والرحمة، والبشر الذين تمسكوا بإيمانهم بالإنسانية رغم الظروف المروعة والقمع الوحشي. وسيظل المثال الذي يقدمه هؤلاء جديرًا دائمًا بالتذكر والمحاكاة، بغض النظر عن مدى قتامة الصراعات التي نشهدها في عالم اليوم.

اختلال العلاقات الدولية مع سقوط البرجين!
اختلال العلاقات الدولية مع سقوط البرجين!

صحيفة الخليج

time١٠-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • صحيفة الخليج

اختلال العلاقات الدولية مع سقوط البرجين!

متعددة هي الخرائط التي تحمل تضاريس تضحيات الأوطان والشعوب في تاريخ الأمم قبل تنقيحها ورسمها ووضعها في الكتب المدرسية، بهدف ترسيخها في التاريخ والذاكرة الجماعية. يفترض في الميدان بصم تاريخ العلاقات الدولية، سواء أكانت متباعدة متنازعة أم متفاهمة عبر المنظمات الدولية، مع أنها لم تحمل قطعاً خطوطاً أو قوانين أو أحكام شرف نهائية للشهوات الكونية بمنابع الطاقة والإمدادات النفطية والغازية إلى طرائق الإمداد وتكاليف نقلها والسهولة بإيصالها نحو أسواق العالم. تلك مسائل بقيت ملحة ومعاصرة شديدة المخاطر ومرهونة للاستراتيجيات المعقدة التي تظهر وتكبر عبر لوحة الصراعات المعقّدة بأحداثها وتنظيمها وإنهائها لكأنها ترسو كلّها في مفاهيم ومصطلحات دولية ثمّ إقليمية محدّدة جديدة اختصرها طالب دكتوراه ناقشناه مؤخّراً في باريس بعنوان: «اختلال العلاقات الدولية منذ سقوط البرجين». أعتمد هذا العنوان باعتباره لقية أكاديمية مشغولة جامعياً وذكرى باقية تتجدّد معلنةً سقوط المصطلحات القديمة، بحثاً عن تقفّي خطى الإرهاب والكيمياوي والنووي منذ أفغانستان والعراق وتونس ومصر واليمن وليبيا ومالي والسودان إلى غزّة ولبنان وغيرها من البقع المتحوّلة، لتحطّ أخيراً كما نرى أو نُفاجأ اليوم فوق دمشق بل سوريا لكأنها نقطة الانطلاق الإقليمية بل العالمية الجديدة بل المتجددة التي سنتابع وضوح معالمها المعقّدة. يستلزم الوضوح صبراً ذكيّاً قادراً، من ناحية، على فهم الرؤية الأمريكية الباحثة عن تعويض خسائرها برفع الضرائب الواسع على منتجاتها في الأسواق العالمية بهدف مداواة جروحها المالية الداخلية الموروثة لتظهر بكونها الدولة الكبرى المسكونة لا بالثروات الغازية والنفطية وحسب بل بأحاديتها الوحيدة المتقدّمة مع رئيسها المشرّع نوافذ البيت الأبيض على العالم يتطلع لإظهار صورة عظمتها وعظمته العالمية الأولى وتوفير الطاقة وتسعيرها وتسهيلها عبر طرقٍ وممرّات ولربما شروط جديدة، ومن ناحية أخرى تضميد شعور أوروبا بالخسائر الكبرى في موضوع البترول ومعالجة الإلحاح بل الملل العربي والإسلامي للحسم الجديد المبهم في غزة ولبنان وسوريا والعراق وإيران... إلخ. ويطفو على السطح الإعلامي الشعبي رفض بل خوف قاطع للتدخّلات العسكرية أو الحلول المستوردة أو المفروضة بما يطرح إشكاليات دولية بدأت روسية وصينية وصارت تغري الدول الناشئة بحثاً لافتاً عن قوانين التدخلات العسكرية ومصطلحاتها وتسخيرها بشعارات حقوق الإنسان ومبدأ السيادة. وإذا اعتبرنا المصطلح Terminologie العبارة أو اللفظة التي تصقلها التجارب والخبرات والأحداث الحارّة، ويبريها الزمان لتتحوّل إلى حكمةٍ تتناقلها الأجيال، فإنّنا نقع في زمن سقوط المصطلحات. ماذا نفهم مثلاً اليوم التلفّظ بمصطلحات مثل الحريّة والسيادة والمجتمع الدولي والإرهاب والمقاومة والشرق الأوسط وحقوق الإنسان والمجتمع المدني وحقوق الأقليات والتعددية والإسلام السياسي والسلفية الجهادية والصحوة الإسلامية والشفافية والمحاسبة والإصلاح وغيرها؟ أين نشرح لأجيالنا مصطلحات معرّبة مثل استراتيجية وأيديولوجيا وبراغماتية وأرستقراطية وديماغوجية وديمقراطية وفاشية وفيدرالية وكونفدرالية وليبرالية أو جيو استراتيجية؟ يدور الصراع الدولي حول مصطلح وحيد هو السيادة الدولية بعدما سقطت أحاديته ومنه سيعاد زمن نسج مفاهيم العلاقات الدولية والمجتمع الدولي أو السلم والأمن الدوليين، بعدما قفزت أمريكا، عندما أدركها الموت في بروجها المشيّدة فوق مجلس الأمن وميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية فأسقطت الأجوبة نهائياً عن الأطراف التي يمكنها تحديد شرعية التدخل الدولي. من يمنح الدولة المتدخلة عسكرياً أو إنسانياً الغطاء القانوني والجدوى والتوقيت والمسؤوليات؟ وما هي الدول التي يحقّ لها التدخّل؟ ومن يحفظ حقوق الإنسان وسلامة المواطنين فيها من دون تعريض الأمن والسلم الدوليين للخطر؟ وكيف نضبط فوران الغيظ لدى الحكام والأنظمة عندما تغرق في وحول الحصار والضغوط؟ هناك مشاريع جدّية لإعادة النظر بالأمم المتحدة ودورها ومجلس الأمن والقوانين الدولية، لكننا نرصد الكثير من الإشارات التي تحيي المفهوم الحديث للنظام العالمي بما ينبش معاهدات السلام الدولية ومفهوم الدولة الحديثة المستقلة ذات السيادة على أرض الوطن وغياب أي دور خارجي في شؤون البلاد الداخلية. قد نصادفه في اللسان الأمريكي الرسمي الذي يعيدنا عبر توصيف نهضة العرب 365 سنة إلى الوراء. باشره كيسنجر مستنداً إلى معاهدة وستفاليا الاسم الذي أطلق على معاهدتي السلام اللتين تم التوقيع عليهما في 15 مايو/أيار و24 أكتوبر/تشرين الأول 1648 لوقف حرب الأعوام الثلاثين في الإمبراطورية الرومانية المقدسة (ألمانيا اليوم)، وحرب الأعوام الثمانين بين إسبانيا وجمهورية الأراضي السبع الواطئة المتحدة. أرسى هذا الصلح أول اتفاق دبلوماسي في أوروبا الوسطى أساسه مبدأ سيادة الدول الذي أقصى الكنيسة ضحية خفيّة للحروب الكاثوليكية وأسقطت قرار الوضع الذي كانت عليه ممتلكاتها في 1624 ومكّنتها من إخراج الإصلاحات البروتستانتية، فانحطّ شأن الدين في أوروبا، ولم تعد البابوية قوة سياسية عظمى ليبرز بعدها الأمراء أسياد العقيدة لرعاياهم. لماذا هذه العودة إلى صلحٍ ركّز مفهوم سيادة الدولة ودفع إلى سيطرة العقل في أوروبا وترك الطريق وعراً يمكن المرور الشاق فيه، مع تحمّل وحشية الحروب، وقساوة العقائد والجدل الديني الباقي للناس أرحم من هيجان المتشددين يقتلون بالجملة متسترين ظلماً بأقنعة السلطة. تلك مرحلة تعيدني إلى جدلية «ديكارت' حول التقاليد والسلطة، فهل نحن في مرحلة مشابهة في عين الغرب؟

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store