أحدث الأخبار مع #الصمت


اليوم السابع
منذ 4 ساعات
- ترفيه
- اليوم السابع
سِرك.. لا تَحبسه في فمٍ مفتوح
القلوب، يا عزيزي، ليست مجرد عضلات تنبض بالحياة، بل هي أوعية خفية، تمتلئ بما لا يُقال، وتفيض أحيانًا بما لا يُحتمل، فيها تختبئ الأسرار، وتسكن الحكايات التي لم تجد مخرجًا، تنتظر أمانًا لا يأتي، أو لحظة ضعف تفتح القفل عنوة. والشفاه، تلك الحواف اللحمية الوديعة، ليست فقط لابتسامة عابرة أو كلمة مجاملة، بل هي أقفال محكمة، يُختبر من خلالها الوفاء، ويُقاس بها وعي الإنسان بما يجب أن يُقال وما يجب أن يُوارى خلف صمتٍ حكيم. أما الألسن، فهي المفاتيح بها نفتح القلوب أو نغلقها، نُفشي الأسرار أو ندفنها، نُقيم بها جسور الثقة أو نهدمها بكلمة طائشة، الكلمة، حين تخرج، لا تعود، والسرّ، إذا غادر محرابه، صار ملكاً للريح. في زمنٍ صار فيه الكتمان عملة نادرة، والثرثرة عملة رائجة، أصبح الصمت مهارة، والحفاظ على السر بطولة، فكم من صديق تحول إلى عدوّ لمجرد أن لسانًا لم يعرف كيف يصون ما سمع، وكم من قلب كُسر لأن مفتاحه وُضع في يد من لا يُحسن غلق الأبواب. ليس كل من يُنصت جديرًا بسرّك، فالأذن ليست دليلاً على الأمان، وبعض القلوب ثقوبها واسعة، ما أن يدخل السرّ حتى يتسرّب إلى ألف فم. احذر أن تعيش ككتاب مفتوح في زمن يتصفّحه الجميع دون استئذان، واحرص أن تكون سيد أسرارك، لا عبد حديثٍ عابر. الناس أنواع: منهم من يحتضن سرك كأمّ تحتضن طفلها، لا تسمح لريح أن تمسه، ومنهم من يتعامل مع سرك كسلعةٍ في سوق الكلام، يبيعه بثمنٍ بخس من الإعجاب أو الانتباه، فاختر لمن تفتح وعاء قلبك بعناية، ووفّر مفاتيحك لمن يستحق أن يسكن طمأنينتك. السرّ، حين يُقال، يُصبح هشًّا، يتنقّل بين الألسن كقطعة زجاج، تُخدَش في كل مرة تُمرَّر، حتى تنكسر وتفقد شكلها وقيمتها، أما حين يبقى في القلب، فإنه ينضج، يتطهر، يتحول من وجع إلى حكمة، ومن حكاية إلى درع. فلا تكن سريع البوح، ولا تخلط الصداقة بالثقة المطلقة، فالماء العذب لا يُسكب في أوانٍ مشروخة، ولتعلم أن الصمت أحيانًا ليس خوفًا، بل وعيًا أن السرّ لا يحتاج دائمًا من يسمعه، بل يحتاج قلبًا يحتويه دون أن يلفظه. احفظ مفتاح قلبك، ولا تمنحه لمن لا يُجيد غلق الأبواب بعده، فليس كل من اقترب منك يعرف كيف يُحبك، وليس كل من أنصت إليك يستحق أن يعرفك من الداخل.


مجلة هي
منذ يوم واحد
- صحة
- مجلة هي
كيف تُعيدين اكتشاف ذاتكِ بعيدًا عن ضوضاء الحياة؟
في زحم الحياة، حيثتتزاحم الأصوات كأَمواجٍ عاتيةٍ؛ تختفي أَنتِبين طبقاتالضجيج، كنجمةٍ تُحاوِر الظّلام، وتسمع أصوات الضوضاء التي تُخفّي أَسئلة الروح: "من أَنا؟ ماذا أُرِيد؟ كم من مرةٍ هربتِ مِنصمتكِ إِلَى ضجيج الْآخرِين ليُجيبوا عنكِ؟". لذا، أنا معكِ اليوم محررة مجلة "هي"، لأؤكد عليكِ، أن الهروب إلى العزلة ليس انطواء؛ بل ولادة جديدة تُعيدكِ إلى نبضكِ الأصيل. فتحت غطاء السكينة، تنكسر قيود توقعاتكِ، تشعُرين بصوتكِ الداخلي، ذلك الصوت الذي طالما اندثر تحت أنقاض مخاوفكِ. ولاستعادة اكتشاف ذاتكِ بعيدًا عن صخب الحياة، عليكِ أن تعرفي من تكونين قبل أن يعرفكِ العالم. من هذا المنطلق، سأطلعكِ عبر موقع "هي" على خطوات عملية لإعادة اكتشاف ذاتكِ بعيدًا عن ضوضاء الحياة، بناءً على توصيات استشارية الطب النفسي لبنى عزام من القاهرة. امنحي نفسكِ هدية الصمت لاكتشافك ذاتكِ لاكتشاف ذاتكِ بعيدًا عن ضوضاء الحياة أمنحي نفسكِ هدية الصمت واستمتعي بفوائده تؤكد عليكِ دكتورة لبنى، أن الشخص الذي تعرفينه الآن قد لا يكون كل ما أنتِ قادرةعلى أن تكونيه. فالضوضاء تُشبه غبارًا يتراكم على مرآة روحكِ، والهدوء هو الفرشاة التي تكشفُ السطحَ اللامعَ تحتها. لذا، امنحي نفسكِ هديةَ الصمت؛ ففي أعماقه تُولدين من جديد، لبناء توازنكِ النفسي والعقلي، وتحقيق فوائد عدّة أبرزها: استعادة الحوار الداخلي تُغرق الضوضاء الخارجية مثل "ضجيج المدن، الضغوط الاجتماعية، أوالتدفق المستمر للمعلومات" صوتكِ الداخلي. أما الابتعاد عنها فيُتيح لكِ "سماع مشاعركِ الحقيقية من دون تشويش، فهم دوافعكِ وقيمكِ بعمق أكبر، واكتشاف التناقضات بين ما تريدينه حقًا وما يُفرض عليكِ". تعزيز الوعي الذاتي (Self-Awareness) تنشيط مناطق الدماغ المرتبطة بالتفكير التأملي أحد فوائد الصمت لتعزيز وعيكِ بذاتكِ بعيدًا عن الضوضاء وفقًا لدراسات علم النفس، تزيد العزلة المؤقتة عن الضوضاء نشاط مناطق الدماغ المرتبطة بالتفكير التأملي، مما يساعدكِ على "تحديد نقاط قوتكِ وضعفكِ بوضوح، ملاحظة أنماطكِ السلوكية التلقائية مثل ردود الأفعال تحت الضغط، وتعديل المسار قبل أن تتراكم الأخطاء". تحرير الإبداع المكبوت يفقدّ العقل المشتت بالضوضاء قدرته على الربط بين الأفكار غير التقليدية. أما الهدوء فيمنحكِ: "مساحة للتفكير الجانبي (Lateral Thinking)، حيث تولدين حلولًا مبتكرة لمشكلاتكِ، فرصة لاستكشاف هواياتٍ أو مواهبَ لم تلتفتي إليها (كالرسم، الكتابة، أو الزراعة). تقليل التوتر وإعادة ضبط الجهاز العصبي ترفع الضوضاء المستمرة مستويات الكورتيزول (هرمون التوتر)، بينما الهدوء يُحفز الجهاز العصبي الباراسمبثاوي، الذي "يُبطئ معدل ضربات القلب، يُحسّن الهضم، ويُعيد شحن طاقتكِ العاطفية". تعميق الاتصال بالطبيعة والكون تعميق اتصالكِ بالطبيعة والكون أحد فوائد الصمت لاكتشاف ذاتكِ يجعلكِ الابتعاد عن الضوضاء الصناعية أكثر انفتاحًا على إيقاعات الطبيعة (كخرير الماء، حفيف الأشجار، أو تغريد الطيور)، ممايُذكّركِ بأنكِ جزء من نظام أكبر، ويُقلل شعوركِ بالوحدة الوجودية، كذلك يُعيد تعريف مفهومكِ للزمن (من "السباق ضد الساعة" إلى "التدفق مع اللحظة"). فك الارتباط بالتوقعات الاجتماعية الضوضاء ليست فقط صوتية، بل قد تكون ضجيجًا من الآراء الخارجية مثل (مقارنتكِ بالآخرين، أو ضغوط "النجاح" كما يُعرِّفه المجتمع). أما العزلة المؤقتة فتساعدكِ على "التمييز بين أهدافكِ الحقيقية وتلك المُفروضة عليكِ، وبناء معاييركِ الخاصة للسعادة والرضا". اكتشاف الذات الروحية يُتيح الهدوء لكِ طرح أسئلة وجودية عميقة قد تغفلين عنها في زحام الحياة، مثل "ماذا أريد أن أترك في العالم بعد رحيلي؟، ما معنى أن أعيشَ بصدقٍ مع نفسي؟". بناء علاقات أكثر صدقًا اختيار صديقاتكِ وققًا لقيمك الحقيقية أحد فوائد العزلة المؤقتة لاكتشافكِ ذاتكِ عندما تعرفين نفسكِ جيدًا، تُصبحين قادرة على "تحديد الحدود الصحية (Boundaries) في العلاقات، اختيار الأشخاص الذين يتوافقون مع قيمكِ الحقيقية، والتواصل بوضوح من دون الخوف من الرفض". تحسين جودة اتخاذ القرارات تدفعكِ الضوضاء للتفكير السطحي والاندفاع. أما الهدوء فيُعززالتفكير التأملي "الاستماع لحدسكِ الداخلي"، وتقييم الخيارات بعيدًا عن الضغوط العاطفية. التأهيل لمواجهة الأزمات المستقبلية يُنمي اكتشاف الذات المرونة النفسية (Resilience)، فتصبحين "أقل تأثرًا بضجيج الآراء السلبية، وأقدر على إيجاد ملاذكِ الداخلي في الأوقات الصعبة". خطوات عملية لاكتشاف ذاتكِ بعيدًا عن ضوضاء الحياة لا تفوتكِ الخطوات العملية التي ستُعيد تواصلكِ مع ذهنكِ وروحكِ لاكتشاف ذاتكِ بعيدًا عن ضوضاء الحياة تُشجعكِ دكتورة لبنى، على تجربة صيام الضوضاء وهو "يوم واحد شهريًا من دون هواتف أو تلفاز". كذلك الاعتماد على خطوات عملية قد تُعيد التواصل إلى ذهنكِ وروحكِ بوعي؛ وهي كالتالي: الانفصال الرقمي.. إيقاف الضجيج الافتراضي أغلقي الهاتف لمدة ساعتين يوميًا "خصصي وقتًا للابتعاد عن الإشعارات ووسائل التواصل". احذفي التطبيقات غير الضرورية "قللي مصادر التشتت التي تستهلك طاقتكِ الذهنية". الخلوة مع الطبيعة.. محادثة الصمت تنزهي وحدكِ في حديقة أو غابة، وابحثي عن الأماكن الخضراء حيث تُسمعين صوت أوراق الأشجار أكثر من أصوات السيارات. جربي الاستحمام الغابي" (Forest Bathing) وهو فن ياباني للتواصل مع الطبيعة عبر الحواس الخمس. اليوميات.. حوار مع الذات اكتبي رسالة لنفسكِ المُرهقة، ودوني مشاعركِ من دون قيود، ثم مزقيها كرمز للتخلص من الأعباء. اسالي نفسكِ أسئلة استكشافية، على سبيل المثال "ما الذي كنتِ تحبينه قبل أن تغمركِ المسؤوليات؟، ما الشيء الوحيد الذي تخافين من الاعتراف به؟". الحركة الواعية.. جسدكِ مرآة روحكِ تمارين التنفس كل صباح أحد الخطوات المهمة لتصفية ذهنكِ بعيدًا عن الضوضاء ركزي على تمارين التنفس (Pranayama) كل صباح لتصفية ذهنكِ اتبعّي الرقص الحر في غرفة مظلمة، ودعِي جسدكِ يعبّر دون خوف من الحكم. الاستكشاف الإبداعي.. العبث بلا أهداف ارسمي بألوان مائية من دون تخطيط مسبق "رسوم عشوائية"، ودعي اليد تتحرر من سيطرة العقل. املئي صفحة بكلمات عشوائية "الكتابة التلقائية"من دون توقف لمدة 10 دقائق. الأسفار الانفرادية.. لقاء مع المجهول اختاري رحلة قصيرة بمفردكِ، حتى لو كانت لمدينة مجاورة، حيث تُجبركِ الغربة المؤقتة على الاعتماد على حدسكِ. اتبعي شوارع جديدة من دون استخدام GPS"خريطة من دون خط سير"وتعلمي فن "التيه الآمن". طقوسيومية.. إعادة برمجة الروتين صباحًا "اشربي كوب ماء مع ليمون وأنتِ تستمعين لصوت العصافير "حتى لو كان تسجيلًا". مساءً "اكتبي 3 أشياء صغيرة شعرتِ بالامتنان لها اليوم". القراءة كمرآة.. كتب تُعيدكِ لذاتكِ قراءة كتب السيرة الذاتية المتنوعة تحديدًا أحد الأساليب التي تُعيد اكتشافكِ لذاتكِ اقرئي كتب السير الذاتية مثل "المنفى والأرض" لـ أثير عبد الله، أو "المرأة التي تسقط في الحُب" لـ هايليو غابرييل. ابحثي عن قصائد تلامس أسئلتكِ الداخلية "خواطر الشعر" مثل أشعار نيرودا أو محمود درويش. حوارات الصمت.. أسئلة عميقة اسألي نفسكِ: "إذا لم يكن هناك أحد ليُعجب بي.. فماذا سأفعل؟، ما الذي سأندم عليه لو متُ غدًا؟". التطوع الانفرادي.. العطاء يُعيد الاكتشاف ساعدي الآخرين من دون ضجةمثل "تنظيف شاطئ بمفردكِ، أو زرع أزهار في مكان عام ليلًا؛ وذلك لاختبار قيمتكِ الذاتية بعيدًا عن الشكر أو الاعتراف. البحث عن "اللحظة الصافية" كل يوم، التقطي لحظة واحدة تشعرين فيها بالوجود الحقيقي، مثل: "مشاهدة غروب الشمس حتى تختفي تمامًا، أوتذوق قهوة الصباح ببطء كأنها الأولى" حفلة الاستماع.. أصواتكِ الداخلية استلقي في الظلاموأغمضي عينيكِ لمدة 20 دقيقة، وراقبي الأفكار العابرة من دون محاولة التحكم فيها؛ لتكتشفي أن "الضوضاء" ليست خارجية دائمًا.. أحيانًا نصنعها بأفكارنا! إرادتكِ لإعادة اكتشاف ذاتكِ بعيدًا عن ضوضاء الحياة هي المحور الجوهري لشخصية لا تُقهر مدى الحياة وأخيرًا، تذكري دومًا أن إعادة اكتشاف الذات ليست رفاهية، بل ضرورة كـ"إعادة ضبط المصنع" لِتستمر الحياة بمعنى. عمومًا، لنتحتاجين إلى مكان بعيد، بل إلى إرادةٍ تُوقف الزمنَ قليلًا، وتقولي: "أنا هنا.. أستحقّ أن أسمعَ صوتِي بعيدًا عن ضوضاء الحياة".


الإمارات اليوم
منذ 5 أيام
- منوعات
- الإمارات اليوم
فن الصمت
يقابل كلٌ منا في حياته الكثير من الناس، أصدقاء، زواراً، زملاء، معارف، وفي كل لقاء حديث وحكاية، ومشاعر متباينة بين النقاش والصمت. فالصمت فنّ راقٍ لا يتقنه إلا من أدرك أن الكلمة مسؤولية، وأن الإصغاء قوة، وأن في الصمت إجابة أبلغ من ألف عبارة. ومن الجميل أن هذا المعنى العميق للصمت كان محوراً لخطبة الجمعة الأخيرة، التي تناولت أهمية ضبط اللسان، والوعي بقيمة الكلمة، فخطب الجمعة، تؤدي دوراً بالغ الأهمية في تحقيق استدامة المعرفة بأسلوب مبسط، يلامس حياة الناس اليومية، بما ينعكس على وعي الأفراد وسلوكهم في المجتمع. احترام الصمت لا يعني الانطواء، بل هو وعي راقٍ يدعو الإنسان إلى التحكم في لسانه، والتمييز بين التحدث والصمت، وقد قيل: «إذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب». في العلاقات الأسرية، يكون الصمت أحياناً أكثر فاعلية من مئة كلمة، فحين يغضب أحدهم، ويصرخ الآخر، ثم يصمت الطرف المقابل، يُمنح الجميع لحظة لمراجعة النفس، والتفكير في أثر الكلمة، أما في العمل، فكم من موظف تسرّع بكلمة أضاعت عليه فرصة، وكم من مدير حكيم اختار أن يصمت، ليستمع إلى موظفيه، ويفهم ما لا يُقال علناً. تقود لحظات الصمت إلى تأمل عميق في علاقة الإنسان بخالقه، وهو مساحة للاتصال الصادق مع الله بعيداً عن شوائب الضجيج. قال النبي محمد ﷺ «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت»، وهذا الحديث يؤكد أهمية الصمت حين يعجز الكلام. وفي عالم السرعة والتقنيات، حيث تقاس القيمة بعدد المتابعين، ويستعاض عن الحكمة بالمنشورات السريعة، يبقى الصمت عبادة خفية، ومهارة راقية، ولغة لا يتقنها إلا من اختار أن يكون عميقاً في زمن السطحية، وأن يصغي بصدق في زمن الضجيج. * مؤسس سهيل للحلول الذكية لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه


الرياض
منذ 6 أيام
- صحة
- الرياض
تعليق الحياة ليوم واحد
الصمت ممارسة تعمل على خفض ضغط الدم، وترفع المناعة والقدرة على التركيز، وتساعد في تهدئة الدماغ، وموازنة هرمونات الجسم، وتقلل من إفراز هرمون التوتر المعروف باسم الكورتيزول.. الصمت في المواقف المستفزة وغير المرغوبة يعبر عن نضج انفعالي، وهو ليس سهلًا أبدًا.. الناس يحتاجون الى الصمت أكثر من الكلام، وهذه العبارة ليست مجانية وإنما تستند الى حقائق علمية، فقد قامت منظمة الصحة العالمية في 2011، بقياس التكلفة الصحية التي تدفعها أوروبا بسبب الضوضاء، ووجدت أن 430 مليون شخص في أوروبا الغربية يفقدون في كل عام نحو مليون عام من الحياة الصحية، وذلك نتيجة للضوضاء والصخب، وكلاهما، في رأيها، يمثلان السببب الأساسي لوفاة ثلاثة آلاف أوروبي بأمراض القلب سنوياً، لأنهما يؤثران على الصحة الجسمانية والنفسية للأشخاص، وبصورة لا يمكن تصوّرها. في تقرير تسويقي وطني صدر في فنلندا عام 2010، وشارك فيه قرابة 100 خبير في مجال التسويق، لوحظ أن انشغالات الناس التي لا تحتمل في المجتمع المعاصر، تجعل من الصمت مصدراً مهما ًيمكن تسويقه في المستقبل القريب، وبأسلوب المنتجات الاستهلاكية، وما قيل تعيشه فنلندا هذه الأيام، فهناك من يدفع مئات الدولارات لشراء سماعات كاتمة للصوت، أو قد يلتحق بحصص تأمل، لا تقل تكلفتها الأسبوعية عن آلاف الدولارات، حتى أن ساعات (رونكو) الفنلندية، ترافقها عبارة: ساعات يدوية الصنع من عمق الصمت الفنلندي، وكلها تشير لدور الصمت الحيوي في حياة المجتمعات على اختلافها. بالإضافة لما سبق يوجد في السياسة ما يعرف بالاستراتيجية الصامتة، وتحديداً في المواقف من الملفات الساخنة على مستوى العالم، وهو أسلوب عملت عليه الصين والهند واليابان والسويد، ومعها الدنمارك والمجر والدول الإسكندنافية، بتركيزها على أمورها الداخلية، والابتعاد عن الصراخ السياسي، الذي لا يفيد في معظم الأحيان، واستطاعت الصين من خلاله أن تتفوق على أميركا اقتصادياً منذ 1827، علاوة على إخراجها اليابان من عجزها بعد الاستبداد النووي في 1945، لتأخذ مكانها في صدارة العالم المتقدم، وفي أكثر من مجال، بينما في المنطقة العربية مازال المشهد يؤكد ما قاله المفكر الراحل عبدالله القصيمي، منذ زمن، وبالأخص في كتابه "العرب ظاهرة صوتية"، في المقابل ذكرت مجلة هارت الأميركية، في دراسة نشرتها عام 2005 أن دقيقتين من الصمت تحقق استرخاءً بدرجة أكبر، عند مقارنتها بالاستماع الى الموسيقى الهادئة، بمعنى أن اللاصوت أفضل من الصوت ما دام طبيعياً وغير مصنوع. فقد قامت وكالة ناسا الأميركية بتصميم ما يعرف بالغرف الصامتة، منذ خمسينات القرن العشرين، لتعويد رواد الفضاء على الهدوء، والأكيد أن الأمير سلطان بن سلمان قد جربها في التجهيز لرحلته كأول رائد فضاء عربي مسلم عام 1985، وهذه الغرف هدوؤها قاتل، ولا يسمع فيها شيء على الإطلاق، لأن سماكة جدرانها تصل لـ100 سنتيمتر، وعلى أسطحها الداخلية ألياف زجاجية وفولاذ وإسمنت، لمنع ارتداد الموجات الصوتية، وحدوث الصدى، لدرجة أن الشخص العادي فيها يسمع دقات قلبه وصوت معدته ورئتيه، ولا يستطيع الجلوس بداخلها لأكثر من 45 دقيقة، وهذا النوع من الصمت ممرض، فانعدام أصوات الطبيعة تماماً يؤدي إلى إضعاف الوعي والإدراك الحسي. الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام كان طويل الصمت، وقبل البعثة النبوية، مارس صمته وتأمله في غار حراء، ومعه مريم بنت عمران، عندما حملت بالمسيح عليهما السلام، وزكريا عندما بُشّر بيحيى عليهما السلام، وهذه الممارسة تعمل على خفض ضغط الدم، وترفع المناعة والقدرة على التركيز، وتساعد في تهدئة الدماغ، وموازنة هرمونات الجسم، وتقلل من إفراز هرمون التوتر المعروف باسم الكورتيزول، وبخلاف ما سبق، الصمت في المواقف المستفزة وغير المرغوبة يعبر عن نضج انفعالي، وهو ليس سهلاً أبداً، والدليل ما كتبه الروائي الأميركي ارنست همنغواي، وفي رأيه، الإنسان يحتاج عامين ليتعلم الكلام، و60 عاماً ليتقن الصمت، ووجدت دراسة أجريت في 2016 بأكاديمية نيويورك للعلوم، أن التحرر العقلي للأشخاص لا يحصل إلا إذا توفرت ثلاثة أمور: الأول الجلوس في مكان مريح وهادئ، والثاني الابتعاد عن المشتات كالجوال، والثالث إغماض العينين والصمت التام. اللافت هو يوم الصمت في جزيرة بالي الأندونيسية، والذي تم تحديده في السابع من مارس سنوياً، وفيه يصوم أهل الجزيرة عن الكلام لمدة 24 ساعة، ولا يغادرون بيوتهم، ويعتبر يوم إجازة رسمية لهم، لا يستخدمون فيه الجوالات والراديو والالكترونيات، وكل ما يصدر صوتاً إجمالاً، والمناسبة خاصة بالهندوس، ولكن أتباع الديات الأخرى يشاركونهم بحكم العادة، وحتى السياح الأجانب يلتزمون به، وهم يعتقدون ءن الأرواح الشريرة تنزل إلى الأرض في هذا اليوم، ويكون الصمت لحمايتهم، ولإظهار الجزيرة وكأنها خالية، ورغم أن سكان أندونيسيا مسلمون في غالبيتهم، والهندوس لا يمثلون إلا 2 % من الإجمالي، إلا أن نسبتهم في بالي، التي يسكنها أربعة ملايين شخص، تصل الى 83,5 %، وبعيداً عن المرجعية الهندوسية للاحتفال، فإنه، في اعتقادي، يقبل التعميم العالمي بشكله المجرد، وبما يمكن الناس والإعلام والشوارع من أخذ إجازة رسمية يتفرغون فيها للصمت وحده، والأجمل تطبيق ذلك على كل أماكن الصراع والنزاعات بدون استثناءات، وتعليق صخب الحياة بالكامل ليوم واحد.


اليوم السابع
١٣-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- اليوم السابع
الكلمات.. ثمار لا تُقطف خضراء
في عالمٍ ازدادت فيه سرعة القول وتضاءلت فيه حكمة الحديث، صار الصمتُ فضيلةً مهدورة، والكلمةُ رصاصةً طائشة قد تُصيب عقلًا أو تكسر قلبًا، قليلون أولئك الذين يعرفون أن الكلام، كالثمار، لا يُؤكل قبل نُضجه، ولا يُلقى قبل أن يُختار. فما أكثر ما نندم على كلمة خرجت قبل أوانها، أو جملة زلّت قبل أن يُمنحها عقلُنا فرصة المراجعة! نحن لا نتحدث فقط لنملأ الفراغ، بل لنمنح الوجود شيئًا من المعنى، والناس شيئًا من الأثر، ولذلك، لا بد للكلمة أن تُحرَث في القلب، وتُسقى بالتفكير، وتُقطف فقط حين تنضج على غصن العقل. في كل حديث، أنت كزارع يقف أمام أشجار نفسه، بعض الكلمات يانعة، شهية، فيها عذوبة الفهم وطيب النيّة، وبعضها مُرّ، جارح، لم تنضج بعد، ومع ذلك نلقيه. نُفرط في الحديث، وننسى أن اللسان سلاح ذو حدّين، إمّا أن تبني به جسرًا، أو تحفر به قبرًا. تأمل الفلاح الذي ينتظر موسم القطاف، لا يستعجل، ولا يخدع نفسه بلونٍ أخضرٍ زائف، كذلك يجب أن نكون مع كلماتنا، دعها تتخمر في صمتك، تتأملها، تراجعها، تعدّلها ثم قلها، لا تتحدث لأنك قادر، بل تحدث لأنك حكيم. وكم من كلمة نضجت فأزهرت حياةً! وكم من كلمة قُطفت قبل وقتها فأذبلت روحًا! لذلك، الكلام لا يُقاس بطوله، بل بوزنه، ولا يُقاس بعلو الصوت، بل بعمق المعنى. ليس من الضعف أن تصمت، بل من القوة أن تنتظر، أن تُمسك الكلمة على طرف لسانك وتعيدها إلى عقلك لتسألها: "هل أنتِ صالحة للخروج؟ أم أنكِ لازلتِ حامضة النية؟" المتكلم الحكيم، ليس من يكثر، بل من يختار، هو الذي يعلم أن الكلمة الملقاة بلا تفكير، كالثمرة الساقطة قبل أوانها، لا تُشبع، ولا تُفيد، بل قد تُسمم. اختر كلماتك كما يختار الشاعر قوافيه، كما تختار الأم اسم ابنها، كما يختار الحبيب موعد اعترافه، فالحياة قصيرة جدًا لا نُفسدها بكلامٍ لا يُصلح، وعُمر القلوب طويل جدًا فلا تُجرَح بكلماتٍ لا تشفى. وفي زمنٍ تُطلق فيه الكلمات أسرع من الرصاص، اجعل لحديثك وقارًا، ولصمتك هيبة، تكلم لتُضيء، لا لتُصيب، فالكلمة الطيبة شجرة، والكلمة الجارحة فأس. وختامًا.. إن لم تكن الكلمة ناضجة، فاتركها على غصنها، فبعض الصمت أنضج من كل كلام.