أحدث الأخبار مع #العلومالاجتماعية


مراكش الإخبارية
٠٩-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- مراكش الإخبارية
الــــكـــــوارث: سبل المواجهة
لم تغفل الدساتير المغربية المتعاقبة قضية الكوارث، فقد نصت على التضامن في مواجهتها وعلى تكاليفها بحد القول: «على الجميع أن يتحملوا متضامنين التكاليف الناتجة عن الكوارث». والمقصود بالتضامن تحميل القادر التكاليف عن غير القادر. و لم يعرف الدستور الكارثة ولا التضامن كما لم يحدد نوعية التكاليف، بل اكتفى بالقاعدة المشار إليها تاركا للقانون و لظرفية الكارثة و مرحلتها تحديد مفهوم الكارثة و مدى التضامن و نوعية التكاليف. فـــــما هــي الــكــارثــة؟ يمكن تعريف الكارثة أو الكوارث بأنها « الحدث المأساوي غير المتوقع ». والكارثة إما أن تكون طبيعية كالزلزال أو الفيضان أو الحريق أو الجفاف… وإما تكون غير طبيعية كالحروب و الثورات و التمرد ومحاولات الانقلاب…. إلا أن التعريف السابق قد يكون قاصرا في المرحلة الحالية سواء تعلق بالكوارث الطبيعية أو غير الطبيعية أحيانا، فمع ثورة الإعلام والأخبار وتعاون المنظمات الدولية، أصبحت الكارثة الطبيعية وغير الطبيعية متوقعة أو شبه متوقعة إلا أن التداعيات قد تكون غير متوقعة، فكارثة الحرب على العراق في 2003 – مثلا- كانت متوقعة. مما أوجد نظرية جديدة في ميدان العلوم الاجتماعية و السياسية هي نظرية « المتوقع ». إن الحدث المأساوي غير المتوقع يتحول مع الأجهزة الاستشعارية حتى في ميدان الكوارث الطبيعية إلى حدث متوقع. لذلك يمكن القول إن التعريف الأنسب مرحليا للكوارث هو: »الحدث المأساوي المتوقع وغير المتوقع ». وهناك من يعرف الكارثة بأنها « هي التي تقع داخل الدولة و تتسبب في أضرار عامة واسعة»، إلا أن الكارثة قد تأتي من خارج حدود الدولة كالتسونامي أو انهيار أو بناء السدود – كسد النهضة بإثيوبيا لمنع مرور مياه النيل إلى مصر – بالنسبة للدول التي تتشارك في بحار أو أنهار معينة. ثم ان الكارثة قد تكون سياسية – أزمة العراق و تداعياتها في 2003- أو قد تكون طبيعية كزلزال النيبال في سنة 2015، الذي فقد فيه 200 ألف شخص أرواحهم، وخلق خسارة اقتصادية هائلة. فالكوارث تكون طبيعية و قد تكون نتيجة تدخل أو تآمر خارجي. لقد تجاهلت منظمة الأمم المتحدة المعطى الخارجي و السياسي للكوارث، حين أعلنت في سنة 1994 «استراتيجية يوكوهاما » للتأهب لمواجهة الكوارث. وأعلنت في سنة 1999 «الإستراتيجية الدولية للحد من الكوارث»، ووضعت المنظمة نفسها في سنة 2005 برنامجا لمدة 10 سنوات لبناء قدرات المجتمعات على مواجهة الكوارث. ومن خلال ذلك يتضح أن الأمم المتحدة لازالت ترى أن الكوارث ترتبط بعامل طبيعي فقط، في حين ان الذين فقدوا أرواحهم في احتلال أفغانستان سنة 2001 والعراق سنة 2003، فاق عدد الذين فقدوا أرواحهم في الزلازل والأعاصير ناهيك عن تدمير الاقتصاد. والمؤسف ان منظمة الأمم المتحدة لم تتخذ أي قرار في مواجهة مرتكبي الكوارث السياسية آنا ومستقبلا، بل قامت بالنسبة لاحتلال العراق وأفغانستان بمنح واشنطن إقرارا بكونها دولة محتلة للبلدين، أي منحتها غطاء شرعيا وتلك هي المأساة التي ما فتئت تداعياتها تنتج عن الكوارث المتتالية. إلا أن النقاش يتجاوز الكارثة المتوقعة، وغير المتوقعة تداعياتها إلى تساؤل حول كيفية مواجهة الكارثة؟ ويعقبه سؤال ثان عن: كيفية تجاوزها أي تجاوز نتائج الكارثة وثم أسئلة أخرى حول استباق الكارثة ومواجهة اختلاقها وصناعتها….. مواجهة الكارثة : تختلف الدول في إجراءات مواجهة الكارثة، ذلك أن بعض الدول تملك القدرة المادية و التعبوية إداريا و هيكليا لمواجهة الكارثة مثل اليابان، التي تعاني من زلازل متوقعة وتتوفر على أجهزة استشعار. كما أن إجراءات التعمير والبناء تم تجهيزها سلفا لمواجهة الكارثة، بالإضافة إلى قدرة هذه الدولة الثرية ماليا والمتقدمة علميا والتي تتوفر على تجربة هيكلية وأدوات لمواجهة الكارثة من جهة، كما تتوفر من جهة أخرى على نظام متكامل لتجاوزها. وفي هذا تختلف الدول عن بعضها، فبعض أو أكثر الدول لا تستطيع التصدي للكارثة، وليس لها قدرة هيكلية لمواجهة النتائج أو التداعيات – ونسوق هنا مثال- الإيدز في بعض الدول الإفريقية، الذي ينتشر بمتواليات هندسية: «2-4-8-16…» نعم مع الظروف الدولية الراهنة صارت المساعدات الدولية والتضامن الدولي، تتضافر من أجل تجاوز هذه الكارثة حتى لو كانت وطنية. إلا أن هذا لا يكفي لمواجهة و تجاوز الكارثة، لأن أجهزة الدولة الموبوءة والمصابة ينبغي أن تلعب الدور الاستباقي والأساسي لمواجهة الكارثة، و يبقى الجهد الدولي عامل مساعد فقط. رغم أن ميزة المرحلة الراهنة هي التضامن في الكوارث الطبيعية و الأوبئة. لا تتوقف الكارثة في حدوثها بل تستمر مع التداعيات التي ترتبط بـها: القتلى، الجرحى، الدمار، انتشار الأمراض و الأوبئة، عصابات السرقة، أغنياء الأزمات، الفساد الإداري….. مما يجعل الدولة و أجهزتها أمام مجموعة من العوامل المربكة و الخطيرة، التي تحتاج إلى اتخاذ قرار حاسم و سريع. وتختلف الدول في مواجهة الكوارث و تداعياتها، فالدول المركبة مثل ألمانيا و الولايات المتحدة و المكسيك، التي تتألف من فدراليات وحكومات محلية و حكومة مركزية، تتخذ القرارات محليا و وطنيا. إذ القرار يكون في يد الحكومة المحلية أساسا، و يتدخل المركز للمساعدة إما عن طريق الجيش، أو القرار السياسي بتوجيه الدعم المركزي للمنطقة عينها إذا كانت الكارثة محلية، أما الدول البسيطة: مثل المغرب و فرنسا و الجزائر وهي التي تتميز بارتكاز أو تمركز القرار في المركز، فإن هذا المركز هو الذي يتخذ القرار الأول و الأخير لمواجهة الكارثة و تداعياتها. و تكون الأجهزة المحلية متخلفة عن اتخاذ القرار وهي ضعيفة بطبيعتها، كما تتميز بخوف الأطر المحلية من اتخاذ القرار دون استشارة المركز و موافقته – مثال حوادث مخيم إكديم إيزيك سنة 2013-، مما يعطل اتخاذ القرار العاجل و الحاسم لمواجهة الكارثة و نتائجها. وقد تتضاعف تداعيات الكارثة نتيجة هذا الاضطراب بين ما هو محلي و ما هو وطني. تـــجـــاوز الــكــارثــة: إذا كان استباق الكارثة و مواجهتها أمرين أساسين تقوم بهما الدولة و أجهزتها لتفادي الكوارث، فإن الأمر الثالث هو تجاوزها مع مخلفاتها، والرجوع إلى الحالة السابقة لما قبل الكوارث. وهذا لا يختلف في شيء عن مواجهة الكارثة، إذ أن تجاوز تداعيات الكوارث وإعادة المنطقة الى حالتها العادية مع أقل قدر ممكن من الخسائر هي النتيجة المطلوبة. فلو كانت الكارثة طبيعية فإن إعادة المتضررين إلى وضعيتهم العادية سكنا و شغلا، واجتماعيا بصفة عامة، عبر تهيئ الظروف المادية و المعنوية للمناطق المتضررة، هو الأمر المطلوب من الدولة و أجهزتها لتجاوز تداعيات الكوارث، أما إذا كانت الكارثة غير طبيعية كالتمرد و الحرب و العصيان، فالمطلوب تحييد القائمين به بأقل ضرر ممكن وإعادة تأهيل المنطقة أو المناطق، عبر استغلال الدولة لقواتها العامة البشرية والاقتصادية لتكريس السلام الاجتماعي في المنطقة المقصودة. اسـتــبـاق الــكــارثــة : في العديد من المراحل يمكن استباق الكارثة ولكن ليس بشكل دائم، فقد صار ممكنا معروف لدى بعض الدول رصد بعض أسباب الكوارث نتيجة التقدم العلمي: كالمناطق الزلزالية و الأعاصير السنوية و الحرائق، و بالتالي صار ممكنا استباق وقوع الكارثة أو التخفيف منها ومن آثارها على الأقل، حيث يتم تهجير السكان من مناطق الخطر، واتخاذ إجراءات لمنع امتداد الحرائق: كالفراغات الفاصلة بين أشجار الغابات، وتغيير المعمار لتتناسب الدور مع الدرجات الزلزالية حسب السلالم، وتشجير المناطق البعلية والصحراوية لإيقاف زحف الرمال، و توزيع الأدوية و الأمصال لإيقاف انتشار الأمراض أو مرض معيـن. ولا تنتهي صور استباق الكارثة إذ تختلف من دولة لأخرى ومن مكان لآخر. واستباق الكارثة أو التخفيف منها يستلزم من أجهزة الدولة تهيئا دائما ومستمرا للأطر، سواء في الوقاية المدنية أو الشرطة أو الجيش أو الأجهزة الطبية أو الإدارية كتخزين وسائل الاستباق: الخيام، الأغطية، المواد الغذائية، مياه الشرب، الأدوية، المستشفيات المتنقلة، ويقظة الأجهزة القضائية لتحييد المستفيدين من الكوارث، و إعداد أماكن الاحتجاز، لأن بعض الدول تلجأ إلى إعدام اللصوص ميدانيا بدون تحقيق، وهو أمر قد تكون له انعكاسات أخلاقية واجتماعية. إذ أن حالة الطوارئ التي تعلن عادة قد يستفيد منها بعض الموظفين للتصفية السريعة لخصومهم و للإثراء من الأزمة. اختلاق الكارثة: قد تكون الكارثة مختلقة فيتم التهويل من شأنها و تضخيمها إلى درجة نشر الرعب في الوسط الاجتماعي للمنطقة المعتقد أنها موبوءة أو على المستوى الوطني، فيستغل البعض هذا التهويل الذي ينتج عنه رعب عام، إما لمصلحة أشخاص طبيعيين أو شركات في أكثر الأحيان للاستفادة من كارثة لم تقع أصلا أو من تداعياتها، وذلك من أجل بيع منتوجاتها: كالشركات التي استغلت الدعاية القائمة حول وباء الإنفلونزا لبيع أمصال لم تستعمل لكون الكارثة كانت مختلقة، و يتضاعف اختلاق الكوارث مع سيطرة الاتجاه الرأسمالي على المنظومة السياسية في العالم. ومع استغلال الإعلام الذي صار سلطة مؤثرة، فإن صناعة الكارثة يصبح أمرا واقعا في منعرجات معينة، فتستغل الشركات الرأسمالية حالة اللاتوازن والرعب العام لبيع منتوجاتها عبر استغلال الوضع، وقد تكون هذه المنتوجات مواد محددة أو استشارات. ويمتلئ العالم بعصابات دولية على شكل شركات، تستغل الدول لبيع مواد غير صالحة، واستنزاف مواد في مراحل معينة مع استغلال الكوارث أو الإيهام بها، ولهذا يجب عدم السقوط في أحابيل هذه الشركات أو الأشخاص بخلق مؤسسات اجتماعية، تتمتع بأجهزة علمية ووعي سياسي/ اقتصادي لتجاوز المحاولات التي تقوم بها هذه الشركات لاستغلال تداعيات الكارثة المختلقة أو المخوفة. الــكــوارث الــتآمرية: إضافة إلى المآسي الطبيعية والحروب، فإن العالم مقبل على كوارث من صنع البشر – إن صح التعبير أو المصطلح- فالصين والهند اللتان تتوفران على أضخم تجمع بشري يصل إلى حوالي مليارين ونصف المليار. وتتنافسان على العالم الإفريقي، الذي يتوفر على أراض شاسعة خالية من السكان، وقد تزداد خلوا مستقبلا نتيجة الأمراض والحروب، إن التجمعات البشرية لهاتين الدولتين بدأت تتشكل في إفريقيا. فهناك مجتمعات هندية تتعزز باستمرار، وصينية بدأت في الـتأسيس، وتلعب الصين والهند حاليا دورا هاما في تعزيز السلام الدولي من الكوارث لمجرد أنهما تحتفظان بشعبيهما في بلديهما. لكن الانفجار السكاني قد يؤدي إلى كوارث، خصوصا للبلدان القريبة من قوس التمدد البشري كالخليج العربي. و هذه الكوارث إذا كانت حاليا مجرد افتراض فقد تصبح واقعا مأساويا في المقبل الكارثي; خـــــلاصـــة يستخلص مما سبق، ان الكوارث قد تكون طبيعية محلية أو وطنية، وقد تكون غير طبيعية داخلية أو ذات تدخل خارجي، صادر عن مؤامرة دولية بمساهمة أو مشاركة المنظمات الإقليمية والدولية ضد نظام أو وحدة الدولة المعنية بالكارثة. ولمواجهة وتجاوز الكوارث فإن التضامن يستلزم توزيع التكاليف والثروة على الشعب، وتهيئ الجماهير معنويا و تعبويا وموضوعيا في إطار المساواة، وإيقاف نشر ثقافة القيم الاستهلاكية و توحيد الرؤى في التعليم و الإعلام، و تكوين الأجيال وطنيا عبر تعديل البرامج المدرسية، و الارتكاز على عقيدة الشعب لدحض مؤامرة الخصم، و إظهار الجلد لإفشال المخططات، وهكذا يكون بالإمكان تجاوز الكارثة أو الكوارث كيفما كانت.


شبكة النبأ
١٣-٠٤-٢٠٢٥
- علوم
- شبكة النبأ
التقاطع والتداخل في التخصصات العلمية المختلفة
إن الفصل بين الذات والموضوع لا يوجد تقريبا في العلوم الإنسانية والاجتماعية وغالبا ما يجري الانتصار للذات في هذه العلوم بناء على وجود وجهات نظر إنسانية مختلفة، في حين أن فصلا كهذا معدومٌ تقريبا في العلوم المادية؛ فالحديد يتمدد بالحرارة عند المؤمن والملحد على السواء وهو بهذا المعنى لا يقبل بأكثر من وجهة نظر واحدة... هناك متشددون يستكثرون إطلاق كلمة "علم" على العلوم الإنسانية، والعلوم الاجتماعية، ومن هؤلاء لاسيما بعض الأطباء من لا يطاوعه لسانه على مخاطبة حامل شهادة الدكتوراه في العلوم آنفة الذكر بعبارة: "يا دكتور" وغالبا ما يستعيض عنها بـ "يا أستاذ"، وفي هذا السياق ثمة "يوتيوبر" نال شهرة أو " طشة" واسعة جدًا بين العراقيين بسبب تبنيه لفكرة: أن العلوم الإنسانية وكذا العلوم الاجتماعية إنما هي مؤامرة استعمارية يجب مقاومتها! والكشف عن ظلاميتها! لا شك في أنّ التعامل مع العلوم الإنسانية وحاملي شهاداتها العليا بالطريقة التي نقلنا شطرًا من مواصفاتها يدخل ضمن الأعمال شديدة التعسف التي تُمارس للأسف الشديد من طرف بعض المحسوبين على العلم والعلماء خاصّة في مجال العلوم التطبيقية أو العلوم الصرفة؛ ونظرة الاستعلاء بين أصحاب التخصصات العلمية بعضهم ضد بعضهم الآخر يتوجب أن تنتهي إلى الأبد إذا ما كان الغرض هو بلوغ عتبة متقدمة أكاديميًا. أمّا النظر إلى العلوم الإنسانية بوصفها مؤامرة غربية ضد العالم العربي أو الإسلامي كما يتبنى ذلك " اليوتيوبر" العجيب الذي أشرنا لها سابقًا ولا نودّ التصريح باسمه "احترامًا" لجمهوره فهذه سفسطة بدائية لا ترقى " شبهتها" إلى أي سند منطقي؛ ذلك أن العلوم الإنسانية تضم طيفا واسعا من التخصصات اللازمة للوجود البشري. وفي مقدمة تلك العلوم كما هو معلوم: التاريخ، والفلسفة، وعلما النفس والاجتماع، والانثروبولوجيا، واللغويات والآداب، والفنون، والجغرافيا البشرية، وكذلك العلوم السياسية والقانونية. ومكمن الفرق بين العلوم الإنسانية والاجتماعية من جهة، والعلوم الطبيعية من جهة أخرى يتمثل في أن العلوم الإنسانية والاجتماعية تركز على الإنسان كـ (كائن ثقافي وروحي وأخلاقي) في حين تركز العلوم الطبيعية على قوانين الطبيعة، والمادة، على أن العلوم الطبيعية في جملتها ذات أثر تواصلي محدود في حين أن العلوم الإنسانية والاجتماعية تمتد على رقعة تواصلية هائلة للغاية، لاسيما في سياق فهم الثقافات والهويات للأمم والمجتمعات، ومعرفة كيفية تطورها عبر الزمان والمكان، وهي بذلك تعزز التفاهم الإنساني من ناحيتي التعاون والتفاعل ومن ثم تحقيق مآرب التعايش السلمي العالمي، وتحفيز الإبداع والفنون بنحو عام تجاه تشكيل الحياة الثقافية، فضلا عن صيانتها للتراث البشري وإثراء الوعي الجمعي الخاص بفهم الماضي وتفهمه... وفي الدول المتقدمة ثمة تقاليد راسخة هناك تُبقي على العلاقة الحميمة بين التخصصات العلمية المختلفة؛ إذ يثابرون باستمرار على بناء فرق بحثية من خلفيات علمية مختلفة للعمل معًا في مشروعات كبرى، من ذلك دراسة تغير المناخ، وتصميم السياسات العامة المتعلقة بالصحة أو التعليم أو الطاقة حيث اجتماع علماء الفيزياء والطب مع مختصين في علم الاجتماع أو الاقتصاد أو الفلسفة الأخلاقية...الخ. وأبرز الأمثلة على هذا التوجه التعاون الجاري حاليا بين لغويين وعلماء حاسوب لتحسين التواصل اللغوي بين الإنسان والآلة، وبخلاف الحال لدينا فعادة ما يجري التعاون على أوسع نطاق في جامعات الغرب المتقدم بين التخصصات العلمية المختلفة كما في جامعتي ستانفورد، وأكسفورد؛ إذ بإمكان طالب في علم النفس مثلا أن يعمل مع فيزيائي أو مبرمج على مشروع واحد! وعلى نحو الإجمال يتميّز التعاون بين اللغويين وسائر المتخصصين في علم النفس، والاجتماع، والسياسة، وطب الأعصاب في الدول المتقدمة بالطابع التداخلي التخصصي (Interdisciplinary) قصد تحقيق فهم أعمق وشامل للغة بوصفها ظاهرة معقّدة، وانعكاس هذه الظاهرة على أبعاد الإنسان الأخرى اجتماعيةً وسياسيةً ونفسيةً وعصبية، وبقدر ما يتعلق الأمر بعلم اللغة السياسي فإنه معني في المقام الأول بتحليل الخطاب السياسي، وآليات الإقناع الإعلامي بما يكشف عن أثر اللغة في نطاق السلطة والإطار الآيدلوجي. أمّا علم اللغة العصبي فيبحث في العلاقة بين اللغة والدماغ مشخصًّا الاضطرابات اللغوية العصبية كالحبسة مثلا مما يفيد في إيجاد وسائل مبتكرة غير تقليدية لعلاج المرضى وإعادة تأهيلهم... على أن القواسم المشتركة التي تجمع التخصصات العلمية كافة لا تعني نفي خصوصية كل علم من تلك العلوم المختلفة، ولتوضيح هذه النقطة فإن الفصل بين الذات والموضوع لا يوجد تقريبا في العلوم الإنسانية والاجتماعية وغالبا ما يجري الانتصار للذات في هذه العلوم بناء على وجود وجهات نظر إنسانية مختلفة، في حين أن فصلا كهذا معدومٌ تقريبا في العلوم المادية؛ فالحديد يتمدد بالحرارة عند المؤمن والملحد على السواء وهو بهذا المعنى لا يقبل بأكثر من وجهة نظر واحدة!


اليوم السابع
٠٨-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- اليوم السابع
تقرير: مصر وفرنسا إرث ثقافى ممتد عبر العصور
تتشارك مصر وفرنسا إرثا ثقافيا وحضاريا ممتدا عبر العصور، وتتميز العلاقات بين البلدين بعمقها وامتدادها وخاصة على المستوى الثقافى، فهى تعكس تقاربًا حضاريًا وثقافيًا بين شعبين تجمعهما رؤى مشتركة فى مجالات الفنون والفكر والإبداع . ونستعرض في هذا التقرير، قامات مصرية خالدة، تأثرت بالثقافة والتاريخ الفرنسي وهو ما ظهر واضحا من خلال كتابتهم، التي كتبوها بعد عودتهم من العاصمة الفرنسية باريس ومن أبرز هذه الشخصيات: الشاعر الكبير أحمد شوقي التحق أحمد شوقي في عمر الرابعة بــ كُتّاب الشيخ 'صالح' وتعلّم هناك القراءة والكتابة وحفظ الكثير من آيات القرآن الكريم، أنهى أحمد شوقي دراسته الثانوية مبكراً ففي عمر الـ 15 التحق بمدرسة الحقوق والترجمة (كلية الحقوق حالياً) وانتسب الى قسم الترجمة وبعد تخرجه ذهب إلى فرنسا في بعثة دراسية على نفقة الخديوي توفيق الخاصة وقد ترجم شوقي قصيدة "البحيرة" للشاعر الفرنسي "ألفونس دي لامارتين"، كما ترجم مقطعات للفرنسي "ألفريد دي موسيه". وكتب شوقي قصائد عن معالم فرنسا؛ منها: قصيدة "غاب بولونيا"، وكتب قصيدة "ذكرى هيجو" في الذكرى المئوية لميلاد "فيكتور هيجو" صاحب "أسطورة القرون"، "البؤساء"، "الشرقيات". كما نسج شوقي شعر الحكمة على لسان الحيوان متأثرًا بـ"خرافات" للشاعر الفرنسي "لافونتين"، تشبه كتاب "كليلة ودمنة" لـ"بيدبة" الهندي، وترجمة "ابن المقفع". محمد حسين هيكل ينفرد الدكتور محمد حسين هيكل بين أبناء جيله، وكلهم هامات سامقة في عالم الأدب والفكر، بأشياء حاز بها السبق والريادة، فسبق غيره في تأليف أول رواية عربية بقصته المعروفة "زينب"، بعد عودته من فرنسا سنة 1914 وفتح لأصحاب القلم والبيان كتابة التاريخ الإسلامي على نحو جديد يجمع إلى جانب العمق والتحليل العرض الجميل، والأسلوب الشائق، والربط المحكم بين أحداث التاريخ. من كفر غنام إلى باريس في قرية كفر غنام إحدى قرى مركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية، وُلِد محمد حسين هيكل في 12 أغسطس عام 1888، وبعد أتم حفظ القرآن الكريم انتقل وهو في السابعة بمدرسة الجمالية الإبتدائية بالقاهرة، وظلَّ بها حتى أتم دراسته بها، وحصل على شهادتها الإبتدائية سنة (1319هـ = 1901م)، ثم انتقل إلى المدرسة الخديوية، وأتم دراسته بها سنة، ثم التحق بمدرسة الحقوق الخديوية، وفي أثناء هذه الفترة توثقت صلته بأحمد لطفي السيد وتأثر بأفكاره، والتزم بتوجيهاته، فأكبَّ على قراءة الأدب العربي القديم، في أمهاته المعروفة كالأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، والبيان والتبيين للجاحظ، وطالع عيون كتب الأدب الإنجليزي، وبعد تخرجه في مدرسة الحقوق سنة (1327هـ = 1909م) سافر على نفقته الخاصة إلى باريس؛ ليتم دراسته في الحقوق، ويحصل على إجازة الدكتوراة. واغتنم هيكل فرصة وجوده في فرنسا، فالتحق بمدرسة العلوم الاجتماعية العالية، وحصل فيها على دراسات مختلفة، وواظب على الاستماع لمحاضرات عديدة في الأدب الفرنسي، وأقبل على قراءة الأدب الفرنسي بعد أن أتقن الفرنسية وأصبح عسيرها ميسورًا له، هذا إلى جانب اهتمامه بزيارة المعارض، والمتاحف، والآثار وظلَّ هيكل في باريس ثلاث سنوات حصل في نهايتها على درجة الدكتوراة في الحقوق من جامعة باريس سنة 1912 عن دين مصر العام. يذكر أن محمد حسين هيكل ألف رواية " زينب" بعد عودته إلى مصر قادما من فرنسا فى سنة 1914 وهى تعد البداية الرسمية للإبداع الروائى العربى كأول رواية تكتب باللغة العربية، وهو ما يوضح تأثره بالثقافة والأدب الفرنسى، خاصة وأن فن الرواية كان أحد فنون الكتابة المستقرة فى الغرب. طه حسين تأثر عميد الأدب العربي طه حسين تأثرا كبيرا بالثقافة والأدب الفرنسي، وبدأ نبوغه الأدبي بعد حصوله على الدكتوراه من جامعة السوربون في باريس عام 1919 عن أطروحته "الفلسفة الإجتماعية عند ابن خلدون"، والتي أشرف عليها عالم الإجتماع والفيلسوف الفرنسى الكبير اميل دوركايم، إلا أن طه حسين أثر أيضا في الثقافة الفرنسية. ويتضح هذا الأثر الذي تركه عميد الأدب العربي في عدد مؤلفاته التي ترجمت إلى الفرنسية، فمن نحو 25 مؤلفا لطه حسين قام الناشرون الفرنسيون بترجمة أحد عشر عملا له، على الرغم من عدم حصوله على أية جائزة أدبية عالمية، مما يؤكد مكانته في الأدب العالمى، علما بأن حركة ترجمة أعمال الأدباء العرب المعاصرين كانت ضعيفة آنذاك. وبدأ الإهتمام بمؤلفات عميد الأدب العربي منذ صدور رسالة الدكتوراه التي حصل عليها من السوربون في طبعة عن دار نشر "ا. بيدون"، ثم قامت دار نشر "اكسيلسيور" في عام 1934 بإصدار ترجمة الجزء الأول من رواية "الأيام" والتي ترجمها جان لوسيرف، ثم نشرت دار "جايمار" عام 1947 ترجمة الجزء الثاني من الرواية وقام بترجمته جان لوسيرف وجاستون ويد، وهو الجزء الذي قدم له الأديب الفرنسي الكبير أندريه جيد. كما صدرت عام 1949 الترجمة الفرنسية من رواية "دعاء الكروان" عن دار نشر "دينويل"، والتي أصدرت طبعة ثانية من الرواية عام 1989 وصدرت طبعتان فرنسيتان من رواية "أديب" عن "دار المعارف" المصرية عام 1960 وعن دار نشر "كلانسييه-جينوه" الفرنسية عام 1988. وأصدرت دار المعارف المصرية عام 1964 الترجمة الفرنسية لرواية "شجرة البؤس"، وصدرت ترجمة "الفتنة الكبرى-عثمان بن عفان" عام 1974 عن دار نشر "فرين" الفرنسية، وترجمة "شهرزاد" عام 1997 عن دار نشر "ديالوج" الفرنسية، وكان آخر الأعمال المترجمة لعميد الأدب العربي إلى الفرنسية هي "مع أبي العلاء المعري في سجنه" عام 2009 عن دار نشر "ميليلي" الفرنسية. ولم يقتصر أثر طه حسين في الثقافة الفرنسية على ترجمة أعماله، بل تعدى ذلك إلى نشر دراسات عنه، فقد نشرت دار المعارف المصرية عام 1963 دراسة باللغة الفرنسية للباحث الفرنسي ريمون فرانسيس بعنوان "طه حسين روائيا". كما صدرت عن دار نشر المطبوعات الجامعية بمدينة بوردو الفرنسية فى عام 1991 نتائج ندوة أقيمت فى 1989 عن أعمال طه حسين. كما نشرت "الجامعة الأورو-عربية" بمونبيليه في عام 1990 دراسة عن طه حسين بين شاطئي المتوسط ، فيما نشرت دار "تيموان دومانيتيه" الفرنسية دراسة بعنوان "طه حسين، الثقافات والحوار" للباحث الفرنسي برونو رونفار. كما امتد تأثير طه حسين عند الفرنسيين إلى الحد الذى دعاهم إلى البحث عن جوانب حياته الشخصية، وفي هذا الإطار أصدرت دار نشر "سيرف" الفرنسية في اكتوبر 2011، مذكرات زوجة عميد الأدب العربي سوزان، وهي فرنسية الجنسية، بعنوان "من فرنسا إلى مصر، قصة حب غير عادية". توفيق الحكيم بعدما حصل توفيق الحكيم على الليسانس في الحقوق سنة 1925 قرر السفر إلى فرنسا بزعم دراسة الحقوق والاستعداد للدكتوراه في القانون بدعم من والده ولكنه ما حط بفرنسا رحاله، وملك حريته حتى أحس بأن ليس في مستطاعه أن يمضي في دراسة القانون. لهذا انصرف عن القانون ومباحثه إلى الأدب المسرحي والقصص يطلع على روائع آثاره في الآداب الأوروبية عن طريق اللغة الفرنسية، وشغف توفيق بالموسيقى الأوروبية، إذ وجد فيها ما يرفع نفسه إلى عوالم داخلية سامية، فكلف بموسيقى بتهوفن وموزار وشرمان وشوبيرت وعكف على دراسة الفن من ينابيعه الصافية في أوروبا وعاش عيشة فنان بوهيمي في عاصمة فرنسا مدينة النور باريس. كان توفيق قد استقر في فرنسا في إحدى ضواحي باريس النائية عند أسرة من الأسر الفرنسية التي يشتغل جميع أفرادها في أحد المصانع، وكان توفيق يقضي أيامه هنالك يطالع ويتأمل ويغرق في تصوراته وخيالاته ويمضي وقته بين الاستماع للموسيقى والقراءة حتى عرف الجميع عنه ذلك. كما يعتبر البعض رواية "عصفور من الشرق" هي ملخص لسيرة "الحكيم" فى فرنسا، حيث تعد الرواية انعكاسا حقيقاً لحال المجتمع الفرنسى فى ذلك الوقت، ويحاول الكاتب فى الرواية أن يبحث عن الحلم المفقود والمدينة الفاضلة، ويتكلم عن حيرة بطل الرواية الشرقى فى باريس، وقصة حبه الحالم، والصراع بين الغرب والشرق، الواقع والخيال، العقل والقلب، الحداثة والأصالة، العلم والإيمان، الماديات والروحانيات. رفاعة الطهطاوي في يوم 14 أبريل 1826 سافر رِفاعة الطهطاوي و40 من زملائه، متوجها إلى مارسيليا في فرنسا ضمن بعثة علمية أرسلها محمد علي باشا لدراسة العلوم هناك ومُذ وطئت قدما رِفاعة أرض هذه المدينة بدأ يتعلم اللغة الفرنسية، يقول في رحلته: «وتعلَّمنا في نحو ثلاثين يومًا التهجِّي.» وهناك قرر ألا يعود إلا بعد أن يكون شخصاً نافعاً لوطنه ومجتمعه، فعكف على تعلم الفرنسية، وقراءة أهم الكتب وأنفعها، وترجمة ما استطاع منها مع شرحه وتفسيره. وقد قرأ رفاعة كتبا كثيرا خلال وجوده في فرنسا جعلته صاحب ثقافة موسوعية، وفي باريس اتَّصل بكبار المُستشرقين الفرنسيين، وخاصةً المسيو «سلفستر دي ساسي» والمسيو «كوسان دي برسيڨال» ونشأت بينه وبين هذين العالِمين صداقةٌ متينة، وكان كلٌّ منهما يقدِّر جهد الشيخ التلميذ وعلمه، وقد تبادل رفاعة معهما كثير من الرسائل أثبت بعضها رِفاعة في رحلته. وبعد خمس سنوات قضاها الطهطاوي في باريس، عاد إلى مصر عام 1831، واضعاً كتابه الأشهر "تخليص الإبريز في تلخيص باريز".. كما عمل على تطوير الدراسة فى العلوم الطبيعية، واشتغل بالترجمة فى الطب، وبعدما بأربعة أعوام سنة 1835، قام بتأسيس مدرسة الترجمة – الألسن، لتعليم اللغات الأجنبية، كما ترجم القوانين الفرنسية، وطبعها فى كتاب باسم "تعريب القانون المدنى الفرنساوى". عبد الرزاق السنهورى يعد عبدالرازق السنهوري علما من أعلام الفقه والقانون في مصر والعالم العربي، فبعدما نال درجة الليسانس في الحقوق سنة 1917 من مدرسة الحقوق الخديوية بالقاهرة (باللغة الإنجليزية)، وجاء ترتيبه الأول على جميع الطلاب، رغم أنه كان يعمل موظفًا بوزارة المالية إلى جانب دراسته قرر السفر إلى فرنسا سنة 1921م في بعثة علمية لدراسة القانون بجامعة ليون. وفي فرنسا وضع عبد الرزاق السنهوري رسالته الإصلاحية التي عرفت بـ (مواد البرنامج) الذي يتضمن رؤيته في الإصلاح، وأنجز خلال وجوده في فرنسا رسالته للدكتوراه (القيود التعاقدية على حرية العمل في القضاء الإنجليزي)، ونال عنها جائزة أحسن رسالة دكتوراه. ورغم موقف "السنهورى" النقدى من الحضارة الفرنسية، إلا أنه تأثر من خلال دراسته للقانون هناك، ما جعله يضع أول قانون مدنى مصرى عام 1953 بعد عام من ثورة يوليو 1952، متأثرا بالقانون المدنى الفرنسى. وساهم السنهوري في وضع الدساتير في الدول العربية، فقد وضع أثناء وجوده في دمشق أول مخطط لإنشاء اتحاد عربي سنة 1944 م قبل قيام الجامعة العربية، ووضع مشروع معهد الدراسات العربية العليا الذي تأجل تنفيذه حتى سنة 1952 م في إطار جامعة الدول العربية. وتولى وزارة المعارف العمومية في أكثر من وزارة من عام 1945 م حتى 1949 م، وقام بتأسيس جامعتي فاروق (الإسكندرية الآن) وجامعة محمد علي وعيّن عضوًا بمجمع اللغة العربية في مصر سنة 1946 م. عيّن سنة 1949 م رئيسًا لمجلس الدولة المصري، وأحدث أكبر تطوير تنظيمي وإداري للمجلس في تاريخه، وأصدر أول مجلة له، وتحول المجلس في عهده للحريات واستمر فيه إلى ما بعد ثورة يوليو سنة 1952م. وشارك في وضع الدستور المصري بعد إلغاء دستور 1923م. سافر إلى ليبيا بعد استقلالها، حيث وضع لها قانونها المدني الذي صدر سنة 1953 م دون مقابل.. كما وضع المقدمات الدستورية والقانونية لكل من مصر وليبيا والسودان والكويت والإمارات العربية المتحدة، ووضع دستور دولة الكويت واستكمال المقومات الدستورية القانونية التي تؤهلها لعضوية الأمم المتحدة. طلعت حرب يعد طلعت باشا حرب أبو الاقتصاد المصرى، وصاحب النهضة الاقتصادية والصناعية الكبرى، في البلاد في مطلع القرن الماضي، بدأ أولى خطواته للتحرر من الاستعمار وتمصير الاقتصاد الوطني، بتعلمه وإتقانه اللغة الفرنسية. انفتح "حرب" على العديد من الثقافات والاقتصاديات الغربية خاصة الفرنسية، مما ساعده في تكوين عقليته الاقتصادية، وأصدر في 1912 كتاب بعنوان( قناة السويس ). وبعد كتاب طلعت حرب الاقتصادي الأول في عام 1911، انعقد مؤتمر وطني ليعلن فيه طلعت حرب عن حاجة مصر لإنشاء بنك مصري، لتحرير اقتصاد مصر، وليكون البنك يخدم المصريين. الشيخ مصطفى عبد الرازق أديب ومفكر مصري، وأول شيخ للأزهر من غير الدارسين بجامعة الأزهر، لقب بمجدد الفلسفة الإسلامية، وتأثر "عبد الرازق" بالحضارة والثقافة الفرنسية، من خلال سفره إلى فرنسا ودراسته بجامعة "السوربون"، ثم جامعة ليون التى حاضر فيها فى أصول الشريعة الإسلامية، وحصل على شهادة الدكتوراه برسالة عن "الإمام الشافعى أكبر مشرعى الإسلام"، وترجم إلى الفرنسية "رسالة التوحيد" للإمام محمد عبده بالاشتراك مع "برنار ميشيل" وألفا معا كتابا بالفرنسية. وتولى مصطفى عبد الرازق وزارة الأوقاف عام 1938، وظل فيها سبع وزارات متتالية، ثم منصب شيخ الأزهر، عام 1945، وبعدها بعام اختير أميرا للحج.


مستقبل وطن
٠٨-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- مستقبل وطن
مصر وفرنسا .. إرث ثقافي ممتد عبر العصور
تتشارك مصر وفرنسا إرثا ثقافيا وحضاريا ممتدا عبر العصور، وتتميز العلاقات بين البلدين بعمقها وامتدادها وخاصة على المستوى الثقافي، فهي تعكس تقاربًا حضاريًا وثقافيًا بين شعبين تجمعهما رؤى مشتركة في مجالات الفنون والفكر والإبداع . ونستعرض في هذا التقرير، قامات مصرية خالدة، تأثرت بالثقافة والتاريخ الفرنسي وهو ما ظهر واضحا من خلال كتابتهم، التي كتبوها بعد عودتهم من العاصمة الفرنسية باريس ومن أبرز هذه الشخصيات: الشاعر الكبير أحمد شوقي التحق أحمد شوقي في عمر الرابعة بــ كُتّاب الشيخ 'صالح' وتعلّم هناك القراءة والكتابة وحفظ الكثير من آيات القرآن الكريم، أنهى أحمد شوقي دراسته الثانوية مبكراً ففي عمر الـ 15 التحق بمدرسة الحقوق والترجمة (كلية الحقوق حالياً) وانتسب الى قسم الترجمة وبعد تخرجه ذهب إلى فرنسا في بعثة دراسية على نفقة الخديوي توفيق الخاصة وقد ترجم شوقي قصيدة "البحيرة" للشاعر الفرنسي "ألفونس دي لامارتين"، كما ترجم مقطعات للفرنسي "ألفريد دي موسيه". وكتب شوقي قصائد عن معالم فرنسا؛ منها: قصيدة "غاب بولونيا"، وكتب قصيدة "ذكرى هيجو" في الذكرى المئوية لميلاد "فيكتور هيجو" صاحب "أسطورة القرون"، "البؤساء"، "الشرقيات". كما نسج شوقي شعر الحكمة على لسان الحيوان متأثرًا بـ"خرافات" للشاعر الفرنسي "لافونتين"، تشبه كتاب "كليلة ودمنة" لـ"بيدبة" الهندي، وترجمة "ابن المقفع". محمد حسين هيكل ينفرد الدكتور محمد حسين هيكل بين أبناء جيله، وكلهم هامات سامقة في عالم الأدب والفكر، بأشياء حاز بها السبق والريادة، فسبق غيره في تأليف أول رواية عربية بقصته المعروفة "زينب"، بعد عودته من فرنسا سنة 1914 وفتح لأصحاب القلم والبيان كتابة التاريخ الإسلامي على نحو جديد يجمع إلى جانب العمق والتحليل العرض الجميل، والأسلوب الشائق، والربط المحكم بين أحداث التاريخ. من كفر غنام إلى باريس في قرية كفر غنام إحدى قرى مركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية، وُلِد محمد حسين هيكل في 12 أغسطس عام 1888، وبعد أتم حفظ القرآن الكريم انتقل وهو في السابعة بمدرسة الجمالية الإبتدائية بالقاهرة، وظلَّ بها حتى أتم دراسته بها، وحصل على شهادتها الإبتدائية سنة (1319هـ = 1901م)، ثم انتقل إلى المدرسة الخديوية، وأتم دراسته بها سنة، ثم التحق بمدرسة الحقوق الخديوية، وفي أثناء هذه الفترة توثقت صلته بأحمد لطفي السيد وتأثر بأفكاره، والتزم بتوجيهاته، فأكبَّ على قراءة الأدب العربي القديم، في أمهاته المعروفة كالأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، والبيان والتبيين للجاحظ، وطالع عيون كتب الأدب الإنجليزي، وبعد تخرجه في مدرسة الحقوق سنة (1327هـ = 1909م) سافر على نفقته الخاصة إلى باريس؛ ليتم دراسته في الحقوق، ويحصل على إجازة الدكتوراة. واغتنم هيكل فرصة وجوده في فرنسا، فالتحق بمدرسة العلوم الاجتماعية العالية، وحصل فيها على دراسات مختلفة، وواظب على الاستماع لمحاضرات عديدة في الأدب الفرنسي، وأقبل على قراءة الأدب الفرنسي بعد أن أتقن الفرنسية وأصبح عسيرها ميسورًا له، هذا إلى جانب اهتمامه بزيارة المعارض، والمتاحف، والآثار وظلَّ هيكل في باريس ثلاث سنوات حصل في نهايتها على درجة الدكتوراة في الحقوق من جامعة باريس سنة 1912 عن دين مصر العام. يذكر أن محمد حسين هيكل ألف رواية " زينب" بعد عودته إلى مصر قادما من فرنسا فى سنة 1914 وهى تعد البداية الرسمية للإبداع الروائى العربى كأول رواية تكتب باللغة العربية، وهو ما يوضح تأثره بالثقافة والأدب الفرنسى، خاصة وأن فن الرواية كان أحد فنون الكتابة المستقرة فى الغرب. طه حسين تأثر عميد الأدب العربي طه حسين تأثرا كبيرا بالثقافة والأدب الفرنسي، وبدأ نبوغه الأدبي بعد حصوله على الدكتوراه من جامعة السوربون في باريس عام 1919 عن أطروحته "الفلسفة الإجتماعية عند ابن خلدون"، والتي أشرف عليها عالم الإجتماع والفيلسوف الفرنسى الكبير اميل دوركايم، إلا أن طه حسين أثر أيضا في الثقافة الفرنسية. ويتضح هذا الأثر الذي تركه عميد الأدب العربي في عدد مؤلفاته التي ترجمت إلى الفرنسية، فمن نحو 25 مؤلفا لطه حسين قام الناشرون الفرنسيون بترجمة أحد عشر عملا له، على الرغم من عدم حصوله على أية جائزة أدبية عالمية، مما يؤكد مكانته في الأدب العالمى، علما بأن حركة ترجمة أعمال الأدباء العرب المعاصرين كانت ضعيفة آنذاك. وبدأ الإهتمام بمؤلفات عميد الأدب العربي منذ صدور رسالة الدكتوراه التي حصل عليها من السوربون في طبعة عن دار نشر "ا. بيدون"، ثم قامت دار نشر "اكسيلسيور" في عام 1934 بإصدار ترجمة الجزء الأول من رواية "الأيام" والتي ترجمها جان لوسيرف، ثم نشرت دار "جايمار" عام 1947 ترجمة الجزء الثاني من الرواية وقام بترجمته جان لوسيرف وجاستون ويد، وهو الجزء الذي قدم له الأديب الفرنسي الكبير أندريه جيد. كما صدرت عام 1949 الترجمة الفرنسية من رواية "دعاء الكروان" عن دار نشر "دينويل"، والتي أصدرت طبعة ثانية من الرواية عام 1989 وصدرت طبعتان فرنسيتان من رواية "أديب" عن "دار المعارف" المصرية عام 1960 وعن دار نشر "كلانسييه-جينوه" الفرنسية عام 1988. وأصدرت دار المعارف المصرية عام 1964 الترجمة الفرنسية لرواية "شجرة البؤس"، وصدرت ترجمة "الفتنة الكبرى-عثمان بن عفان" عام 1974 عن دار نشر "فرين" الفرنسية، وترجمة "شهرزاد" عام 1997 عن دار نشر "ديالوج" الفرنسية، وكان آخر الأعمال المترجمة لعميد الأدب العربي إلى الفرنسية هي "مع أبي العلاء المعري في سجنه" عام 2009 عن دار نشر "ميليلي" الفرنسية. ولم يقتصر أثر طه حسين في الثقافة الفرنسية على ترجمة أعماله، بل تعدى ذلك إلى نشر دراسات عنه، فقد نشرت دار المعارف المصرية عام 1963 دراسة باللغة الفرنسية للباحث الفرنسي ريمون فرانسيس بعنوان "طه حسين روائيا". كما صدرت عن دار نشر المطبوعات الجامعية بمدينة بوردو الفرنسية فى عام 1991 نتائج ندوة أقيمت فى 1989 عن أعمال طه حسين. كما نشرت "الجامعة الأورو-عربية" بمونبيليه في عام 1990 دراسة عن طه حسين بين شاطئي المتوسط ، فيما نشرت دار "تيموان دومانيتيه" الفرنسية دراسة بعنوان "طه حسين، الثقافات والحوار" للباحث الفرنسي برونو رونفار. كما امتد تأثير طه حسين عند الفرنسيين إلى الحد الذى دعاهم إلى البحث عن جوانب حياته الشخصية، وفي هذا الإطار أصدرت دار نشر "سيرف" الفرنسية في اكتوبر 2011، مذكرات زوجة عميد الأدب العربي سوزان، وهي فرنسية الجنسية، بعنوان "من فرنسا إلى مصر، قصة حب غير عادية". توفيق الحكيم بعدما حصل توفيق الحكيم على الليسانس في الحقوق سنة 1925 قرر السفر إلى فرنسا بزعم دراسة الحقوق والاستعداد للدكتوراه في القانون بدعم من والده ولكنه ما حط بفرنسا رحاله، وملك حريته حتى أحس بأن ليس في مستطاعه أن يمضي في دراسة القانون. لهذا انصرف عن القانون ومباحثه إلى الأدب المسرحي والقصص يطلع على روائع آثاره في الآداب الأوروبية عن طريق اللغة الفرنسية، وشغف توفيق بالموسيقى الأوروبية، إذ وجد فيها ما يرفع نفسه إلى عوالم داخلية سامية، فكلف بموسيقى بتهوفن وموزار وشرمان وشوبيرت وعكف على دراسة الفن من ينابيعه الصافية في أوروبا وعاش عيشة فنان بوهيمي في عاصمة فرنسا مدينة النور باريس. كان توفيق قد استقر في فرنسا في إحدى ضواحي باريس النائية عند أسرة من الأسر الفرنسية التي يشتغل جميع أفرادها في أحد المصانع، وكان توفيق يقضي أيامه هنالك يطالع ويتأمل ويغرق في تصوراته وخيالاته ويمضي وقته بين الاستماع للموسيقى والقراءة حتى عرف الجميع عنه ذلك. كما يعتبر البعض رواية "عصفور من الشرق" هي ملخص لسيرة "الحكيم" فى فرنسا، حيث تعد الرواية انعكاسا حقيقاً لحال المجتمع الفرنسى فى ذلك الوقت، ويحاول الكاتب فى الرواية أن يبحث عن الحلم المفقود والمدينة الفاضلة، ويتكلم عن حيرة بطل الرواية الشرقى فى باريس، وقصة حبه الحالم، والصراع بين الغرب والشرق، الواقع والخيال، العقل والقلب، الحداثة والأصالة، العلم والإيمان، الماديات والروحانيات. رفاعة الطهطاوي في يوم ١٤ أبريل ١٨٢٦ سافر رِفاعة الطهطاوي و40 من زملائه، متوجها إلى مارسيليا في فرنسا ضمن بعثة علمية أرسلها محمد علي باشا لدراسة العلوم هناك ومُذ وطئت قدما رِفاعة أرض هذه المدينة بدأ يتعلم اللغة الفرنسية، يقول في رحلته: «وتعلَّمنا في نحو ثلاثين يومًا التهجِّي.» وهناك قرر ألا يعود إلا بعد أن يكون شخصاً نافعاً لوطنه ومجتمعه، فعكف على تعلم الفرنسية، وقراءة أهم الكتب وأنفعها، وترجمة ما استطاع منها مع شرحه وتفسيره. وقد قرأ رفاعة كتبا كثيرا خلال وجوده في فرنسا جعلته صاحب ثقافة موسوعية، وفي باريس اتَّصل بكبار المُستشرقين الفرنسيين، وخاصةً المسيو «سلفستر دي ساسي» والمسيو «كوسان دي برسيڨال» ونشأت بينه وبين هذين العالِمين صداقةٌ متينة، وكان كلٌّ منهما يقدِّر جهد الشيخ التلميذ وعلمه، وقد تبادل رفاعة معهما كثير من الرسائل أثبت بعضها رِفاعة في رحلته. وبعد خمس سنوات قضاها الطهطاوي في باريس، عاد إلى مصر عام 1831، واضعاً كتابه الأشهر "تخليص الإبريز في تلخيص باريز".. كما عمل على تطوير الدراسة فى العلوم الطبيعية، واشتغل بالترجمة فى الطب، وبعدما بأربعة أعوام سنة 1835، قام بتأسيس مدرسة الترجمة – الألسن، لتعليم اللغات الأجنبية، كما ترجم القوانين الفرنسية، وطبعها فى كتاب باسم "تعريب القانون المدنى الفرنساوى". عبد الرزاق السنهورى يعد عبدالرازق السنهوري علما من أعلام الفقه والقانون في مصر والعالم العربي، فبعدما نال درجة الليسانس في الحقوق سنة 1917 من مدرسة الحقوق الخديوية بالقاهرة (باللغة الإنجليزية)، وجاء ترتيبه الأول على جميع الطلاب، رغم أنه كان يعمل موظفًا بوزارة المالية إلى جانب دراسته قرر السفر إلى فرنسا سنة 1921م في بعثة علمية لدراسة القانون بجامعة ليون. وفي فرنسا وضع عبد الرزاق السنهوري رسالته الإصلاحية التي عرفت بـ (مواد البرنامج) الذي يتضمن رؤيته في الإصلاح، وأنجز خلال وجوده في فرنسا رسالته للدكتوراه (القيود التعاقدية على حرية العمل في القضاء الإنجليزي)، ونال عنها جائزة أحسن رسالة دكتوراه. ورغم موقف "السنهورى" النقدى من الحضارة الفرنسية، إلا أنه تأثر من خلال دراسته للقانون هناك، ما جعله يضع أول قانون مدنى مصرى عام 1953 بعد عام من ثورة يوليو 1952، متأثرا بالقانون المدنى الفرنسى. وساهم السنهوري في وضع الدساتير في الدول العربية، فقد وضع أثناء وجوده في دمشق أول مخطط لإنشاء اتحاد عربي سنة 1944 م قبل قيام الجامعة العربية، ووضع مشروع معهد الدراسات العربية العليا الذي تأجل تنفيذه حتى سنة 1952 م في إطار جامعة الدول العربية. وتولى وزارة المعارف العمومية في أكثر من وزارة من عام 1945 م حتى 1949 م، وقام بتأسيس جامعتي فاروق (الإسكندرية الآن) وجامعة محمد علي وعيّن عضوًا بمجمع اللغة العربية في مصر سنة 1946 م. عيّن سنة 1949 م رئيسًا لمجلس الدولة المصري، وأحدث أكبر تطوير تنظيمي وإداري للمجلس في تاريخه، وأصدر أول مجلة له، وتحول المجلس في عهده للحريات واستمر فيه إلى ما بعد ثورة يوليو سنة 1952م. وشارك في وضع الدستور المصري بعد إلغاء دستور 1923م. سافر إلى ليبيا بعد استقلالها، حيث وضع لها قانونها المدني الذي صدر سنة 1953 م دون مقابل.. كما وضع المقدمات الدستورية والقانونية لكل من مصر وليبيا والسودان والكويت والإمارات العربية المتحدة، ووضع دستور دولة الكويت واستكمال المقومات الدستورية القانونية التي تؤهلها لعضوية الأمم المتحدة. طلعت حرب يعد طلعت باشا حرب أبو الاقتصاد المصرى، وصاحب النهضة الاقتصادية والصناعية الكبرى، في البلاد في مطلع القرن الماضي، بدأ أولى خطواته للتحرر من الاستعمار وتمصير الاقتصاد الوطني، بتعلمه وإتقانه اللغة الفرنسية. انفتح "حرب" على العديد من الثقافات والاقتصاديات الغربية خاصة الفرنسية، مما ساعده في تكوين عقليته الاقتصادية، وأصدر في 1912 كتاب بعنوان( قناة السويس ). وبعد كتاب طلعت حرب الاقتصادي الأول في عام 1911، انعقد مؤتمر وطني ليعلن فيه طلعت حرب عن حاجة مصر لإنشاء بنك مصري، لتحرير اقتصاد مصر، وليكون البنك يخدم المصريين. الشيخ مصطفى عبد الرازق أديب ومفكر مصري، وأول شيخ للأزهر من غير الدارسين بجامعة الأزهر، لقب بمجدد الفلسفة الإسلامية، وتأثر "عبد الرازق" بالحضارة والثقافة الفرنسية، من خلال سفره إلى فرنسا ودراسته بجامعة "السوربون"، ثم جامعة ليون التى حاضر فيها فى أصول الشريعة الإسلامية، وحصل على شهادة الدكتوراه برسالة عن "الإمام الشافعى أكبر مشرعى الإسلام"، وترجم إلى الفرنسية "رسالة التوحيد" للإمام محمد عبده بالاشتراك مع "برنار ميشيل" وألفا معا كتابا بالفرنسية. وتولى مصطفى عبد الرازق وزارة الأوقاف عام 1938، وظل فيها سبع وزارات متتالية، ثم منصب شيخ الأزهر، عام 1945، وبعدها بعام اختير أميرا للحج.


الشرق الأوسط
٠٨-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- الشرق الأوسط
مصر وفرنسا إرث ثقافي ممتد عبر العصور
القاهرة في 8 إبريل/أ ش أ/ كتب .. محمد المعبدي تتشارك مصر وفرنسا إرثا ثقافيا وحضاريا ممتدا عبر العصور، وتتميز العلاقات بين البلدين بعمقها وامتدادها وخاصة على المستوى الثقافي، فهي تعكس تقاربًا حضاريًا وثقافيًا بين شعبين تجمعهما رؤى مشتركة في مجالات الفنون والفكر والإبداع . ونستعرض في هذا التقرير، قامات مصرية خالدة، تأثرت بالثقافة والتاريخ الفرنسي وهو ما ظهر واضحا من خلال كتابتهم، التي كتبوها بعد عودتهم من العاصمة الفرنسية باريس ومن أبرز هذه الشخصيات: الشاعر الكبير أحمد شوقي التحق أحمد شوقي في عمر الرابعة بــ كُتّاب الشيخ 'صالح' وتعلّم هناك القراءة والكتابة وحفظ الكثير من آيات القرآن الكريم، أنهى أحمد شوقي دراسته الثانوية مبكراً ففي عمر الـ 15 التحق بمدرسة الحقوق والترجمة (كلية الحقوق حالياً) وانتسب الى قسم الترجمة وبعد تخرجه ذهب إلى فرنسا في بعثة دراسية على نفقة الخديوي توفيق الخاصة وقد ترجم شوقي قصيدة "البحيرة" للشاعر الفرنسي "ألفونس دي لامارتين"، كما ترجم مقطعات للفرنسي "ألفريد دي موسيه". وكتب شوقي قصائد عن معالم فرنسا؛ منها: قصيدة "غاب بولونيا"، وكتب قصيدة "ذكرى هيجو" في الذكرى المئوية لميلاد "فيكتور هيجو" صاحب "أسطورة القرون"، "البؤساء"، "الشرقيات". كما نسج شوقي شعر الحكمة على لسان الحيوان متأثرًا بـ"خرافات" للشاعر الفرنسي "لافونتين"، تشبه كتاب "كليلة ودمنة" لـ"بيدبة" الهندي، وترجمة "ابن المقفع". محمد حسين هيكل ينفرد الدكتور محمد حسين هيكل بين أبناء جيله، وكلهم هامات سامقة في عالم الأدب والفكر، بأشياء حاز بها السبق والريادة، فسبق غيره في تأليف أول رواية عربية بقصته المعروفة "زينب"، بعد عودته من فرنسا سنة 1914 وفتح لأصحاب القلم والبيان كتابة التاريخ الإسلامي على نحو جديد يجمع إلى جانب العمق والتحليل العرض الجميل، والأسلوب الشائق، والربط المحكم بين أحداث التاريخ. من كفر غنام إلى باريس في قرية كفر غنام إحدى قرى مركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية، وُلِد محمد حسين هيكل في 12 أغسطس عام 1888، وبعد أتم حفظ القرآن الكريم انتقل وهو في السابعة بمدرسة الجمالية الإبتدائية بالقاهرة، وظلَّ بها حتى أتم دراسته بها، وحصل على شهادتها الإبتدائية سنة (1319هـ = 1901م)، ثم انتقل إلى المدرسة الخديوية، وأتم دراسته بها سنة، ثم التحق بمدرسة الحقوق الخديوية، وفي أثناء هذه الفترة توثقت صلته بأحمد لطفي السيد وتأثر بأفكاره، والتزم بتوجيهاته، فأكبَّ على قراءة الأدب العربي القديم، في أمهاته المعروفة كالأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، والبيان والتبيين للجاحظ، وطالع عيون كتب الأدب الإنجليزي، وبعد تخرجه في مدرسة الحقوق سنة (1327هـ = 1909م) سافر على نفقته الخاصة إلى باريس؛ ليتم دراسته في الحقوق، ويحصل على إجازة الدكتوراة. واغتنم هيكل فرصة وجوده في فرنسا، فالتحق بمدرسة العلوم الاجتماعية العالية، وحصل فيها على دراسات مختلفة، وواظب على الاستماع لمحاضرات عديدة في الأدب الفرنسي، وأقبل على قراءة الأدب الفرنسي بعد أن أتقن الفرنسية وأصبح عسيرها ميسورًا له، هذا إلى جانب اهتمامه بزيارة المعارض، والمتاحف، والآثار وظلَّ هيكل في باريس ثلاث سنوات حصل في نهايتها على درجة الدكتوراة في الحقوق من جامعة باريس سنة 1912 عن دين مصر العام. يذكر أن محمد حسين هيكل ألف رواية " زينب" بعد عودته إلى مصر قادما من فرنسا فى سنة 1914 وهى تعد البداية الرسمية للإبداع الروائى العربى كأول رواية تكتب باللغة العربية، وهو ما يوضح تأثره بالثقافة والأدب الفرنسى، خاصة وأن فن الرواية كان أحد فنون الكتابة المستقرة فى الغرب. طه حسين تأثر عميد الأدب العربي طه حسين تأثرا كبيرا بالثقافة والأدب الفرنسي، وبدأ نبوغه الأدبي بعد حصوله على الدكتوراه من جامعة السوربون في باريس عام 1919 عن أطروحته "الفلسفة الإجتماعية عند ابن خلدون"، والتي أشرف عليها عالم الإجتماع والفيلسوف الفرنسى الكبير اميل دوركايم، إلا أن طه حسين أثر أيضا في الثقافة الفرنسية. ويتضح هذا الأثر الذي تركه عميد الأدب العربي في عدد مؤلفاته التي ترجمت إلى الفرنسية، فمن نحو 25 مؤلفا لطه حسين قام الناشرون الفرنسيون بترجمة أحد عشر عملا له، على الرغم من عدم حصوله على أية جائزة أدبية عالمية، مما يؤكد مكانته في الأدب العالمى، علما بأن حركة ترجمة أعمال الأدباء العرب المعاصرين كانت ضعيفة آنذاك. وبدأ الإهتمام بمؤلفات عميد الأدب العربي منذ صدور رسالة الدكتوراه التي حصل عليها من السوربون في طبعة عن دار نشر "ا. بيدون"، ثم قامت دار نشر "اكسيلسيور" في عام 1934 بإصدار ترجمة الجزء الأول من رواية "الأيام" والتي ترجمها جان لوسيرف، ثم نشرت دار "جايمار" عام 1947 ترجمة الجزء الثاني من الرواية وقام بترجمته جان لوسيرف وجاستون ويد، وهو الجزء الذي قدم له الأديب الفرنسي الكبير أندريه جيد. كما صدرت عام 1949 الترجمة الفرنسية من رواية "دعاء الكروان" عن دار نشر "دينويل"، والتي أصدرت طبعة ثانية من الرواية عام 1989 وصدرت طبعتان فرنسيتان من رواية "أديب" عن "دار المعارف" المصرية عام 1960 وعن دار نشر "كلانسييه-جينوه" الفرنسية عام 1988. وأصدرت دار المعارف المصرية عام 1964 الترجمة الفرنسية لرواية "شجرة البؤس"، وصدرت ترجمة "الفتنة الكبرى-عثمان بن عفان" عام 1974 عن دار نشر "فرين" الفرنسية، وترجمة "شهرزاد" عام 1997 عن دار نشر "ديالوج" الفرنسية، وكان آخر الأعمال المترجمة لعميد الأدب العربي إلى الفرنسية هي "مع أبي العلاء المعري في سجنه" عام 2009 عن دار نشر "ميليلي" الفرنسية. ولم يقتصر أثر طه حسين في الثقافة الفرنسية على ترجمة أعماله، بل تعدى ذلك إلى نشر دراسات عنه، فقد نشرت دار المعارف المصرية عام 1963 دراسة باللغة الفرنسية للباحث الفرنسي ريمون فرانسيس بعنوان "طه حسين روائيا". كما صدرت عن دار نشر المطبوعات الجامعية بمدينة بوردو الفرنسية فى عام 1991 نتائج ندوة أقيمت فى 1989 عن أعمال طه حسين. كما نشرت "الجامعة الأورو-عربية" بمونبيليه في عام 1990 دراسة عن طه حسين بين شاطئي المتوسط ، فيما نشرت دار "تيموان دومانيتيه" الفرنسية دراسة بعنوان "طه حسين، الثقافات والحوار" للباحث الفرنسي برونو رونفار. كما امتد تأثير طه حسين عند الفرنسيين إلى الحد الذى دعاهم إلى البحث عن جوانب حياته الشخصية، وفي هذا الإطار أصدرت دار نشر "سيرف" الفرنسية في اكتوبر 2011، مذكرات زوجة عميد الأدب العربي سوزان، وهي فرنسية الجنسية، بعنوان "من فرنسا إلى مصر، قصة حب غير عادية". توفيق الحكيم بعدما حصل توفيق الحكيم على الليسانس في الحقوق سنة 1925 قرر السفر إلى فرنسا بزعم دراسة الحقوق والاستعداد للدكتوراه في القانون بدعم من والده ولكنه ما حط بفرنسا رحاله، وملك حريته حتى أحس بأن ليس في مستطاعه أن يمضي في دراسة القانون. لهذا انصرف عن القانون ومباحثه إلى الأدب المسرحي والقصص يطلع على روائع آثاره في الآداب الأوروبية عن طريق اللغة الفرنسية، وشغف توفيق بالموسيقى الأوروبية، إذ وجد فيها ما يرفع نفسه إلى عوالم داخلية سامية، فكلف بموسيقى بتهوفن وموزار وشرمان وشوبيرت وعكف على دراسة الفن من ينابيعه الصافية في أوروبا وعاش عيشة فنان بوهيمي في عاصمة فرنسا مدينة النور باريس. كان توفيق قد استقر في فرنسا في إحدى ضواحي باريس النائية عند أسرة من الأسر الفرنسية التي يشتغل جميع أفرادها في أحد المصانع، وكان توفيق يقضي أيامه هنالك يطالع ويتأمل ويغرق في تصوراته وخيالاته ويمضي وقته بين الاستماع للموسيقى والقراءة حتى عرف الجميع عنه ذلك. كما يعتبر البعض رواية "عصفور من الشرق" هي ملخص لسيرة "الحكيم" فى فرنسا، حيث تعد الرواية انعكاسا حقيقاً لحال المجتمع الفرنسى فى ذلك الوقت، ويحاول الكاتب فى الرواية أن يبحث عن الحلم المفقود والمدينة الفاضلة، ويتكلم عن حيرة بطل الرواية الشرقى فى باريس، وقصة حبه الحالم، والصراع بين الغرب والشرق، الواقع والخيال، العقل والقلب، الحداثة والأصالة، العلم والإيمان، الماديات والروحانيات. رفاعة الطهطاوي في يوم ١٤ أبريل ١٨٢٦ سافر رِفاعة الطهطاوي و40 من زملائه، متوجها إلى مارسيليا في فرنسا ضمن بعثة علمية أرسلها محمد علي باشا لدراسة العلوم هناك ومُذ وطئت قدما رِفاعة أرض هذه المدينة بدأ يتعلم اللغة الفرنسية، يقول في رحلته: «وتعلَّمنا في نحو ثلاثين يومًا التهجِّي.» وهناك قرر ألا يعود إلا بعد أن يكون شخصاً نافعاً لوطنه ومجتمعه، فعكف على تعلم الفرنسية، وقراءة أهم الكتب وأنفعها، وترجمة ما استطاع منها مع شرحه وتفسيره. وقد قرأ رفاعة كتبا كثيرا خلال وجوده في فرنسا جعلته صاحب ثقافة موسوعية، وفي باريس اتَّصل بكبار المُستشرقين الفرنسيين، وخاصةً المسيو «سلفستر دي ساسي» والمسيو «كوسان دي برسيڨال» ونشأت بينه وبين هذين العالِمين صداقةٌ متينة، وكان كلٌّ منهما يقدِّر جهد الشيخ التلميذ وعلمه، وقد تبادل رفاعة معهما كثير من الرسائل أثبت بعضها رِفاعة في رحلته. وبعد خمس سنوات قضاها الطهطاوي في باريس، عاد إلى مصر عام 1831، واضعاً كتابه الأشهر "تخليص الإبريز في تلخيص باريز".. كما عمل على تطوير الدراسة فى العلوم الطبيعية، واشتغل بالترجمة فى الطب، وبعدما بأربعة أعوام سنة 1835، قام بتأسيس مدرسة الترجمة – الألسن، لتعليم اللغات الأجنبية، كما ترجم القوانين الفرنسية، وطبعها فى كتاب باسم "تعريب القانون المدنى الفرنساوى". عبد الرزاق السنهورى يعد عبدالرازق السنهوري علما من أعلام الفقه والقانون في مصر والعالم العربي، فبعدما نال درجة الليسانس في الحقوق سنة 1917 من مدرسة الحقوق الخديوية بالقاهرة (باللغة الإنجليزية)، وجاء ترتيبه الأول على جميع الطلاب، رغم أنه كان يعمل موظفًا بوزارة المالية إلى جانب دراسته قرر السفر إلى فرنسا سنة 1921م في بعثة علمية لدراسة القانون بجامعة ليون. وفي فرنسا وضع عبد الرزاق السنهوري رسالته الإصلاحية التي عرفت بـ (مواد البرنامج) الذي يتضمن رؤيته في الإصلاح، وأنجز خلال وجوده في فرنسا رسالته للدكتوراه (القيود التعاقدية على حرية العمل في القضاء الإنجليزي)، ونال عنها جائزة أحسن رسالة دكتوراه. ورغم موقف "السنهورى" النقدى من الحضارة الفرنسية، إلا أنه تأثر من خلال دراسته للقانون هناك، ما جعله يضع أول قانون مدنى مصرى عام 1953 بعد عام من ثورة يوليو 1952، متأثرا بالقانون المدنى الفرنسى. وساهم السنهوري في وضع الدساتير في الدول العربية، فقد وضع أثناء وجوده في دمشق أول مخطط لإنشاء اتحاد عربي سنة 1944 م قبل قيام الجامعة العربية، ووضع مشروع معهد الدراسات العربية العليا الذي تأجل تنفيذه حتى سنة 1952 م في إطار جامعة الدول العربية. وتولى وزارة المعارف العمومية في أكثر من وزارة من عام 1945 م حتى 1949 م، وقام بتأسيس جامعتي فاروق (الإسكندرية الآن) وجامعة محمد علي وعيّن عضوًا بمجمع اللغة العربية في مصر سنة 1946 م. عيّن سنة 1949 م رئيسًا لمجلس الدولة المصري، وأحدث أكبر تطوير تنظيمي وإداري للمجلس في تاريخه، وأصدر أول مجلة له، وتحول المجلس في عهده للحريات واستمر فيه إلى ما بعد ثورة يوليو سنة 1952م. وشارك في وضع الدستور المصري بعد إلغاء دستور 1923م. سافر إلى ليبيا بعد استقلالها، حيث وضع لها قانونها المدني الذي صدر سنة 1953 م دون مقابل.. كما وضع المقدمات الدستورية والقانونية لكل من مصر وليبيا والسودان والكويت والإمارات العربية المتحدة، ووضع دستور دولة الكويت واستكمال المقومات الدستورية القانونية التي تؤهلها لعضوية الأمم المتحدة. طلعت حرب يعد طلعت باشا حرب أبو الاقتصاد المصرى، وصاحب النهضة الاقتصادية والصناعية الكبرى، في البلاد في مطلع القرن الماضي، بدأ أولى خطواته للتحرر من الاستعمار وتمصير الاقتصاد الوطني، بتعلمه وإتقانه اللغة الفرنسية. انفتح "حرب" على العديد من الثقافات والاقتصاديات الغربية خاصة الفرنسية، مما ساعده في تكوين عقليته الاقتصادية، وأصدر في 1912 كتاب بعنوان( قناة السويس ). وبعد كتاب طلعت حرب الاقتصادي الأول في عام 1911، انعقد مؤتمر وطني ليعلن فيه طلعت حرب عن حاجة مصر لإنشاء بنك مصري، لتحرير اقتصاد مصر، وليكون البنك يخدم المصريين. الشيخ مصطفى عبد الرازق أديب ومفكر مصري، وأول شيخ للأزهر من غير الدارسين بجامعة الأزهر، لقب بمجدد الفلسفة الإسلامية، وتأثر "عبد الرازق" بالحضارة والثقافة الفرنسية، من خلال سفره إلى فرنسا ودراسته بجامعة "السوربون"، ثم جامعة ليون التى حاضر فيها فى أصول الشريعة الإسلامية، وحصل على شهادة الدكتوراه برسالة عن "الإمام الشافعى أكبر مشرعى الإسلام"، وترجم إلى الفرنسية "رسالة التوحيد" للإمام محمد عبده بالاشتراك مع "برنار ميشيل" وألفا معا كتابا بالفرنسية. وتولى مصطفى عبد الرازق وزارة الأوقاف عام 1938، وظل فيها سبع وزارات متتالية، ثم منصب شيخ الأزهر، عام 1945، وبعدها بعام اختير أميرا للحج. س.ع أ ش أ