أحدث الأخبار مع #الفصائل_المسلحة


العربية
منذ 3 أيام
- سياسة
- العربية
السلطة الفلسطينية في مواجهة معادلات ما بعد الحرب
لا يمكن فصل زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس المرتقبة إلى لبنان في 19 مايو عن المشهد الأوسع الذي تتحرك ضمنه السلطة الفلسطينية خلال الشهر الحالي، فالجولة التي بدأها عباس من موسكو وتستكمل في عدد من العواصم العربية والدولية لا تأتي بدافع المجاملة الدبلوماسية بل تحمل في طياتها محاولة جدية لإعادة تقديم السلطة كجهة فاعلة ومسؤولة في زمن تتزاحم فيه المبادرات، وتُعاد فيه صياغة الاصطفافات. زيارة بيروت على وجه الخصوص تتجاوز بعدها التقليدي لتلامس واحدا من أكثر الملفات تعقيدا في العلاقة اللبنانية – الفلسطينية، وهو ملف السلاح داخل المخيمات، هذا الملف الذي ظل لفترة طويلة محاطا بهواجس الحذر يدخل اليوم دائرة المعالجة ضمن تصور مشترك يحظى بقبول لبناني وفلسطيني ويستند إلى فكرة واضحة: لا أمن حقيقيا خارج منطق الدولة، ولا استقرار دون حصر السلاح بيد الدولة وفقط. من ناحية فإن السعي إلى تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة رغم تعقيدات سياسات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المنحازة لإسرائيل قد يكون خطوة تكتيكية لاستعادة الحضور الفلسطيني في الأروقة الدولية، فالدبلوماسية الناجحة تتطلب أحيانا التعامل مع أطراف غير متوازنة شريطة أن يكون الهدف كسب حلفاء أو تخفيف الضغوط، كما أن محاولة السلطة الفلسطينية تقديم نفسها كجهة معتدلة ومسؤولة قد يُفيد في عزل الرواية الإسرائيلية التي تروّج لوصم القضية الفلسطينية بالإرهاب، وهذا ما يفسر الحرص على الفصل بين موقف السلطة وبعض الفصائل المسلحة خاصة في ملف حساس مثل مخيمات اللاجئين في لبنان. السلطة الفلسطينية وهي تعود إلى هذا الملف لا تفعل ذلك من باب تصفية الحسابات الداخلية، بل لأن المرحلة تفرض عليها أن تثبت حسن النوايا أمام الشركاء الدوليين وعلى رأسهم الإدارة الأميركية، فمن خلال هذه الخطوة تُجدّد السلطة الخطاب الذي يؤكد على أنها قادرة على التمايز عن الجماعات التي ترفض منطق الدولة، وأنها مستعدة للتعاطي مع شروط الواقع الجديد من موقع المسؤولية لا من موقع رد الفعل. ورغم أن السلطة لا تراهن كثيرا على انقلاب مفاجئ في الموقف الأميركي إلا أنها تدرك أن ثمة ديناميكيات جديدة تتشكل في المنطقة وتفرض عليها التفاعل لا الترقب، فالنقاش الذي بدأ يطفو مجددا حول إحياء اتفاقيات إقليمية شبيهة بـ'اتفاقيات أبراهام' لا يبدو معزولا عن مساعي إعادة ترسيم خارطة النفوذ بعد حرب غزة، وهذه الاتفاقيات وإن كانت قد ولدت في سياق مختلف فإنها اليوم تُطرح كممر إجباري لأيّ تصور لمستقبل غزة وكأن هندسة ما بعد الحرب لن تكتمل إلا بإعادة تركيب التحالفات الإقليمية تحت المظلة الأميركية، وتدرك السلطة أن هامش مناورتها ضيق، لكنها لا تريد أن تجد نفسها خارج الطاولة عندما تُوزع الأدوار وترسم خطوط المرحلة القادمة. إن الرسائل التي توجهها السلطة عبر تحركاتها الأخيرة تتقاطع مع رغبات عواصم القرار في رؤية طرف فلسطيني قادر على التفاوض والإسهام في إعادة ترتيب الأولويات في الإقليم بعيدا عن منطق التصعيد العبثي أو المغامرة غير محسوبة العواقب، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنها مستعدة للقبول بأيّ صفقة تتجاوز الحقوق الفلسطينية أو صفقة تجعل منها جهازا إداريا خاضعا لدولة الاحتلال. منذ السابع من أكتوبر لم تعد قواعد اللعبة هي ذاتها ولا السياقات التي ألفناها، بل حتى نظرة العالم إلى الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي تغيرت وفي خضم هذه المعادلة الجديدة، تجد السلطة الفلسطينية أيضا نفسها في مرحلة مصيرية بعنوان 'إما أن تكون أو لا تكون'.. لذلك فإن ما نشهده اليوم لا يُعدّ انقلابا على الثوابت بقدر ما هو مراجعة هادئة وواعية لأساليب العمل المتاحة والحرص على بناء إستراتيجية طويلة الأمد تجمع بين المقاومة السياسية والدبلوماسية الذكية، دون تفريط في الحق المشروع ببناء دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.


الميادين
٠٩-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الميادين
قراءة في خطة "عربات جدعون" وأثرها العسكري
تتبع "إسرائيل" استراتيجية عسكرية مُحددة تحت اسم "عربات جدعون" تستهدف إعادة تشكيل غزة، جغرافياً وديموغرافياً، بشكل جزئي، على أن يُعاد تقسيم القطاع إلى مربعات معزولة جغرافياً، بما يعزل الفصائل المسلحة عن الشعب، ويقضي على الدعم الشعبي الذي يُعدّ ركيزة أساسية للمقاومة. الهدف الاستراتيجي لهذه الخطة هو إضعاف المقاومة على المستوى العسكري، وإفراغ غزة من أي قدرة على التحرك الميداني الفاعل من خلال إعادة تشكيل المحيط الجغرافي للمقاومة، وذلك من خلال قصف مستمر، إغلاق طرق الإمداد، وضغط لا يتوقف على البنية التحتية المعيشية، من مياه وكهرباء وغذاء، وهو ما يؤدي إلى تحويل غزة إلى "منطقة مدمرة"، ويشلّ المقاومة ويحاصرها، إذ لا تُكسر إرادة المقاومين بدمائهم فحسب، بل بدمار مستمر لنقاط قوتهم المدنية. · الاستهداف الجغرافي المحسوب: يركز الاحتلال على مربعات استراتيجية داخل القطاع تكون معدّة عسكرياً لخلق انفصال بين الأحياء السكنية والمقاومة، تستهدف هذه المربعات المناطق الحيوية، مثل نقاط التجمعات السكانية، وكذلك المحاور اللوجستية الرئيسية التي تربط أجزاء القطاع ببعضها، الهدف هنا ليس فقط تدمير هذه المناطق، بل تمهيد الطريق لتقسيم غزة إلى كانتونات معزولة تفتقر إلى أي اتصال اجتماعي بين بعضها البعض. · التفريغ السكاني التدريجي: جزء رئيسي من خطة "عربات جدعون" هو الضغط على السكان في المناطق المستهدفة عبر التجويع والقصف المستمر والتهديد بالنزوح القسري، بحيث يصبح العيش والتنقل فيها مستحيلاً، من خلال هذه السياسة، يسعى الاحتلال إلى تخفيض أعداد السكان في تلك المناطق، ما يسهل عمليات اقتحامها وتدميرها. اليوم 10:01 8 أيار 10:03 والنزوح القسري الذي تمارسه "إسرائيل" لا يكون فقط في الجانب الجغرافي، بل على المستوى الاجتماعي أيضاً، حيث تفقد المناطق المدمرة تدريجياً القدرة على تقديم الدعم الشعبي للمقاومة. الهندسة الأمنية والديموغرافية: أحد الأهداف الهامة في خطة "عربات جدعون" هو فرض مناطق عازلة في القطاع، وهي مناطق يُمنع على السكان العيش فيها أو إجراء أي نشاط اجتماعي أو اقتصادي داخلها، بحيث تتحوّل إلى فضاءات رقابية عسكرية، وتصبح مناطق عسكرية بحتة، لا تشهد أي حركة، ولا يمكن التواصل بين فصائل المقاومة، ما يؤدي إلى فصل المدنيين عن عناصر المقاومة. هذا التكتيك يأتي مشابهاً للسياسات المعتمدة في الضفة الغربية، حيث تم تقسيم الأراضي الفلسطينية إلى مناطق "C" التي تخضع لسيطرة "الجيش" الإسرائيلي الكاملة. شلّ البنية التحتية للمقاومة: الاحتلال الإسرائيلي يركّز على ضربات استخبارية مركّزة، تهدف إلى شلّ البنية التحتية للمقاومة، يتم استهداف محاور الإمداد، المخازن، الأنفاق، مراكز القيادة والسيطرة، باستخدام وحدات اقتحام نخبويّة مدعومة بتقنيات استخبارية متقدمة. هذه العمليات تهدف إلى منع المقاومة من إعادة التنظيم بعد أي ضربة ميدانية، بحيث يبقى المقاومون في حالة استنزاف مستمرة. بالضغط على هذه البنية التحتية، يحاول الاحتلال قطع العلاقة الحيوية بين الأفراد العسكريين والشعب، ما يجعل الانتفاضة غير ممكنة من حيث القدرة على التجديد والتمويل. فرض معادلة الردع المستدام: جزء أساسي من استراتيجية "عربات جدعون" هو خلق بيئة يشعر فيها المقاومون أنهم دائماً مكشوفون أمام العدو، يُعتَقد أنَّ أي تحرك ميداني سيقابله "رد استخباري سريع" من قبل الاحتلال، لزرع الإرباك وتعميق الاستنزاف في صفوف المقاومة. المعادلة التي تسعى "إسرائيل" إلى فرضها هي (كل حركة ستكون مكشوفة ويُتوقع رد سريع، الأمر الذي يخلق حالة من الإحباط بين المقاومين). · تقليص قدرة الردع المقاوم: جغرافياً وديموغرافياً، إذ تحاول خطة "عربات جدعون" عزل المقاومة في أطر محدودة، حيث يُتوقع أن تُفقد أي قدرة على التصعيد الميداني المستمر. · تجفيف الدعم الشعبي: مع تفريغ المناطق، وتهجير الناس بشكل قسري، يسعى الاحتلال إلى تدمير الحاضنة الشعبية التي تعتمد عليها المقاومة في تحريك الأرض، يُتوقع أن تتآكل القدرة على تحفيز الجماهير، وبالتالي يتم تحويل المقاومة إلى عدو معزول. · إغلاق مسارات الدعم الإقليمي: مع تعطيل مسارات الإمداد، يُتوقع أن يُخفف الاحتلال من قدرة الفصائل على الحصول على التمويل والدعم اللوجستي من خارج القطاع. خطة "عربات جدعون" تمثل مرحلة متقدمة في الحرب على غزة، تهدف إلى تقسيم القطاع بشكل يعزل المقاومة عن حاضنتها الشعبية ويضغط عليها اقتصادياً وأمنياً، لكن هذا التكتيك قد يُظهر أيضاً أزمة الاحتلال في تحقيق تفوّق حاسم من دون اللجوء إلى اجتياح شامل. في هذا السياق، يجب على المقاومة أن تتبنى استراتيجيات ميدانية متجددة، تتعامل مع هذه التحديات بمرونة، وتبني مبادرات سياسية ودبلوماسية لمواجهة هذه الهجمات المركّبة.