أحدث الأخبار مع #الكتّاب


الرياض
منذ 12 ساعات
- ترفيه
- الرياض
اللغة الأدبية.. في قلب التحول
في عالم الأدب لا تقاس قوة النص بجمال مفرداته فقط، بل بمدى قربه من القارئ وقدرته على ملامسة واقعه ومع تطور أساليب الكتابة وتبدل اهتمامات الجمهور، بدأت العامية تفرض نفسها كلغة حضور لا يمكن تجاهلها، إلى جانب الفصحى التي احتفظت بمكانتها التاريخية واللغوية، وهذا الحضور الجديد لم يأت على حساب اللغة الأم، بل كشكل من أشكال التعبير المتنوع الذي يعكس تحولات الثقافة والمجتمع، كما أن العامية بما فيها من بساطة ومرونة، لم تأت لمنافسة اللغة العربية الفصحى أو لتقليص دورها، بل ظهرت كأداة تعبير بديلة في بعض النصوص، قادرة على نقل مشاعر، وفي الرواية مثلاً تمنح اللغة العامية الشخصيات صوتًا حقيقيًا، وتجعل الحوار بين الأبطال أقرب إلى الواقع، فيشعر القارئ وكأنه يستمع إليهم لا يقرأ عنهم وفي الشعر خاصة الشعبي منه، تحولت العامية إلى وسيلة لإيصال القضايا اليومية والمواقف الشخصية بلغة سهلة وعاطفية، لكن استخدام العامية لا يخلو من تساؤلات: هل هي مجرد موجة عابرة؟ هل استخدامها يقلل من قيمة النص الأدبي؟ أم أنها تفتح للأدب بابًا جديدًا للتنوع والتجديد؟ يرى بعض النقاد أن الإفراط في العامية قد يؤدي إلى إضعاف الذائقة اللغوية، بينما يعتقد آخرون أن تنوع الأدوات اللغوية يغني النص ويمنحه طابعًا عصريًا وشخصيًا، وفي المملكة بدأت تظهر أعمال أدبية تدمج اللهجة المحلية في السرد، خصوصًا في النصوص التي تحاول استحضار ثقافة المجتمع، دون أن تتخلى عن القيم الفنية أو الرسائل العميقة، وهذا ما يمنح القارئ إحساسًا بالأصالة والانتماء، ويعيد تعريف العلاقة بين اللغة والأدب، كما أن الكتابة ليست مجرد التزام بقواعد لغوية بل هي أيضًا اختيار لصوت يعبر ويقنع القارئ، ليرسم الكاتب باللغة جسوراً للإبداع والأحاسيس، ويجد الكاتب نفسه كذلك بين الفصحى والعامية أمام خيارات متعددة، لكل منها طاقته التعبيرية وجماله الخاص، حيث إن تلك الخيارات تشكل الأدب الحديث بما يحمله من رغبة في الوصول إلى القارئ بأقرب الطرق وأصدق الكلمات.


صحيفة الخليج
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- صحيفة الخليج
بين البياتي وأصلان
قبل أقل من عام وقفتُ هنا عند إحدى حكايات إبراهيم أصلان في كتابه الشائق «خلوة الغلبان». قلتُ يومها إنه كتاب لا يملّ من العودة إليه. الكتاب سرد لوقائع عاشها الكاتب، ولكنه كحكّاء ماهر يقدّمها لنا بشكل جاذب، فلا نشعر أننا نقرأ مشاهدات الكاتب وإنما قصصاً قصيرة اجترحتها مخيلته. وعدتُ يومها بأن أعود بين الحين والآخر لبعض حكايات الكتاب، ووفاءً للوعد أقف اليوم عند ما حكاه أصلان عن لقاء جمعه مع الشاعر العراقي عبدالوهاب البياتي في العاصمة الأردنية عمّان، التي أتاها أصلان لتقديم محاضرة، فيما كان البياتي يقيم يومها فيها، حيث التقيا بداية في مقهى اسمه «الفينيق» قبل أن ينتقلا، في المساء نفسه، إلى مطعم اسمه «الياسمين» لتناول العشاء وإكمال السهرة. وسنفهم أن علاقة ودّ سابقة جمعت الرجلين، ويقول أصلان، إنه أحبّ البياتي لأسباب كثيرة هي نفسها التي أخذها الكثيرون عليه: «مناكفاته التي لم ينجُ منها أحد وابتكاراته الجارحة التي تملأ القلب غبطة»، ولن يخرج ما حكاه أصلان عما دار بينهما في «الفينيق» و«الياسمين»عن تلك المناكفات. في البداية أخرج البياتي حبة دواء من علبة في جيبه وتناولها، وهو يقول: «الصيادلة يفتحون الزجاجات ويسرقون الحبات ثم يغلفونها ببراعة شديدة.. كانت الزجاجة تكفيني أسبوعاً. الآن تكفيني يومين أو ثلاثة»، قبل أن يدعو صبيّاً يعمل في المقهى ويعطيه نشرة علبة الدواء وورقة من خمسسة دنانير ويطلب منه أن يشتري له من الصيدلية علبة جديدة. عاد الصبي بالعلبة ودينارين ورقيين وبعض القطع المعدنية، والبياتي يعرض باقي النقود أمام أصلان قال له: «هناك نصف دينار ناقص»، ثم نادى الصبي ليقول له الشيء نفسه، وقبل أن يرد الصبي بادره بالقول: «أنت لا غبار عليك. الصيدلية هي المسؤولة». وحين عاد الصبي ثانية بالفاتورة لم يعلق البياتي. اكتفى بالقول: «إنهم يرفعون الأسعار دون أن يأخذوا رأينا». وهما جالسان في المقهى يدخل إليه بين الحين والآخر بعض من يعرفون البياتي، ومن مكانهم يوجهون له التحية: «أهلاً يا أبا علي». يردّ البياتي على هؤلاء بفتور أو عدم اكتراث، وبعد غياب الزبون الذي حيّاه يقول لأصلان: «هذا مدسوس» وعن آخر: «يظنّ نفسه كاتباً». باختصار لا أحد ولا شيء يعجبه. خطر في بال البياتي لحظتها أن يدعو أديباً ثالثاً ليشاركهما السهرة. أخرج من جيبه مفكرة وأعطى الجرسون رقم هاتف الرجل وطلب منه مهاتفته ودعوته للحضور. عاد الجرسون ليقول: قالوا لي إن الرجل خارج البيت. سكت البياتي قليلاً ثم خاطب أصلان: «لا عليك. إنه في البيت لكنه يخاف زوجته». هذا فقط «غيض من فيض» ما حكاه الحكّاء أصلان من طرائف أمسيته مع البياتي.