logo
#

أحدث الأخبار مع #المانوسفير

المانوسفير: ما هو الفضاء الذكوري الإلكتروني المناوئ للنسوية؟ وما أسباب صعوده؟
المانوسفير: ما هو الفضاء الذكوري الإلكتروني المناوئ للنسوية؟ وما أسباب صعوده؟

شفق نيوز

time١٣-٠٣-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • شفق نيوز

المانوسفير: ما هو الفضاء الذكوري الإلكتروني المناوئ للنسوية؟ وما أسباب صعوده؟

مع ازدياد الخطاب النسوي على مستوى العالم والتهديد الذي طال مفاهيم الذكورة التقليدية، شهدت السنوات الأخيرة صعود ما أصبح يعرف بـ"المانوسفير" (الفضاء الذكوري الإلكتروني) ووصوله إلى شرائح واسعة من الرجال حول العالم. ويشير مصطلح المانوسفير إلى تنامي مجموعة غير منظّمة من المجتمعات الإلكترونية، والمدونات، والمنتديات، والمؤثرين الذين يركّزون على قضايا الرجال، وغالباً ما يروّجون لوجهات نظر مناهضة للنسوية، أو ذكورية متحيّزة ضد النساء، أو رجعية بشأن الجندر والمجتمع. وأصبح هذا الفضاء الافتراضي نقطة التقاءٍ لمجموعةٍ واسعة من الخطابات التي تتراوح بين الدعوة إلى "استعادة الرجولة الحقيقية" ونقد ما يصفه أعضاؤه بـ"هيمنة النسوية" على الخطاب العام، وصولاً إلى تبنيّ نظريات أكثر تطرفاً ترى في العلاقات الجندرية صراعاً صفري النتائج بين الرجال والنساء. وقد أدّت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً محورياً في انتشار أفكار المانوسفير، حيث ساهمت المنصات الرقمية مثل يوتيوب، وتيك توك، وريديت في تعزيز انتشار محتواه، مما سمح لهذه الأفكار بالتغلغل في التيار العام واستقطاب فئات عمرية مختلفة، لا سيما المراهقين والشباب الذين يبحثون عن إجاباتٍ حول هويّاتهم في عالمٍ متغير. لكن ما هي الأفكار الفلسفية الكبرى التي تقوم عليها سرديات "المانوسفير"؟ وكيف استطاعت هذه الحركة الرقمية أن تكتسب كل هذا الزخم في السنوات الأخيرة؟ المجموعات المنضوية في "الفضاء الذكوري الإلكتروني" The matrix يضم المانوسفير طيفاً واسعاً من المجموعات والتيارات التي تتبنى رؤى مختلفة حول قضايا الذكورة والعلاقات بين الجنسين، لكنها تشترك في اعتقادها بأنّ الرجال "يواجهون تحديات جسيمة في المجتمع المعاصر". في ما يلي أبرز هذه المجموعات وأفكارها الأساسية: تستمد هذه المجموعة اسمها من فيلم "ذي مايتركس" الشهير، حيث حيث تشير "الحبوب الحمراء" إلى عملية الإيقاظ/ الصحوة على حقيقة المؤامرات ومنها حقيقة أن النظام الاجتماعي منحاز ضد الرجال، برأيهم. وتدّعي هذه المجموعة أن الرجال يعانون من التمييز في مجالات مثل الطلاق، وحضانة الأطفال، والقوانين المتعلقة بالعنف المنزلي. تركز هذه المجموعة على تعليم الرجال استراتيجيات التلاعب النفسي والعاطفي في العلاقات العاطفية، بهدف تحسين فرصهم في جذب النساء. وتعزز فكرة أن الرجال يجب أن يكونوا "ذكوراً ألفا" مهيمنين في علاقاتهم، أي الرجال الذين يُنظر إليهم على أنهم الأقوى والأكثر سيطرة وجاذبية وفقاً لمنطق الهيمنة الاجتماعية والتفوق الذكوري. تدافع هذه الفئة عن الأدوار الجندرية التقليدية، وترى أن الابتعاد عن هذه الأدوار تسبب في أزمة اجتماعية وأخلاقية. وتعتمد على أفكار فلسفية ونفسية لتبرير ضرورة العودة إلى القيم الأسرية التقليدية، مستندة إلى نظريات ترى في الاختلافات البيولوجية بين الجنسين أساساً لتقسيم الأدوار داخل المجتمع، إضافةً إلى تصورات محافظة حول الاستقرار الأسري بوصفه ركيزة أساسية للحفاظ على النظام الاجتماعي. كما تستند بعض تياراتها إلى تأويلات دينية وأخلاقية تعزز هذا النموذج من العلاقات بين الرجال والنساء. هي مجموعة تعبّر عن استيائها من النساء والمجتمع بسبب فشل الرجال المنضوين فيها في تحقيق نجاح عاطفي أو جنسي، وقد تبنّت في السنوات الماضية هجمات عنيفة استهدفت النساء و"الرجال الناجحين جنسياً"، منها في كاليفورنيا عام 2014 راح ضحيتها 14 شخصاً وفي تورنتو عام 2018 و2020 وراح ضحيتها 11 شخصاً، بالإضافة إلى هجوم في المملكة المتحدة عام 2021 أودى بحياة 5 أشخاص. وتتكوّن هذه المجموعة من رجال يشعرون بالحرمان العاطفي والجنسي، ويلقون اللوم على النساء والمجتمع في ذلك. وتحمل أفكارهم توجهات كراهية متطرفة، وتحريضاً على العنف ضد النساء. كما حُظر العديد من منصاتهم على الإنترنت بسبب خطاب الكراهية والتطرف. ما هي أسباب نمو المانوسفير؟ يحاجج البعض بأن صعود المانوسفير جاء مدفوعاً بعوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية عدة. فمن جهة، أدى عدم الاستقرار الاقتصادي وتراجع فرص العمل إلى إضعاف الأدوار الذكورية التقليدية، مما زاد من شعور بعض الرجال بالإحباط والقلق تجاه مستقبلهم المهني والاجتماعي. هذا الشعور بالتهميش الاقتصادي عزز حالة الاستياء تجاه النسوية والتغييرات الحديثة في الديناميكيات الجندرية. من جهة أخرى، لعبت المنصات الرقمية دوراً محورياً في تضخيم محتوى المانوسفير، حيث تدفع خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي نحو التفاعل مع هذا النوع من المحتوى، مما يزيد من انتشاره. منصات مثل "ريديت" في مجتمعات مثل r/TheRedPill، ويوتيوب، و"تيك توك" أصبحت بمثابة بيئات استقطاب تروج لأفكار هذا التيار، ما سمح له بالوصول إلى شرائح أوسع من الشباب. إلى جانب ذلك، ساهمت ثقافة تطبيقات المواعدة في تعزيز الشعور بالإحباط العاطفي لدى بعض الرجال، إذ تعزز هذه التطبيقات ديناميكيات تنافسية تجعل النجاح العاطفي مقتصراً على فئة محددة، مما يدفع البعض إلى تبني أفكار "الهايبرغامي" أي الاعتقاد بأن النساء يسعين دائماً للارتباط بالرجال ذوي المكانة الأعلى، مما يعمّق الانقسام بين الجنسين. كما أن رد الفعل على حركة "أنا أيضاً" (مي تو) المناهضة للتحرّش كان عاملاً أساسياً في انتشار المانوسفير، حيث يرى بعض الرجال أن هذه الحملة لم تكن مجرد دعوة للمحاسبة، بل هجوماً على الذكورة بحد ذاتها. هذا الشعور بالمظلومية دفع العديد منهم إلى تبني خطاب مناهض للنسوية، مدفوعاً برغبة في مقاومة ما يصفونه بـ"الأفكار التقدمية" أو "اليقظة" حول المساواة بين الجنسين. ويُستخدم مصطلح ثقافة "اليقظة" (Wokism) التي نشأت في الولايات المتحدة وتنامى الحديث عنها في السنوات القليلة الماضية عادةً، لوصف الأفراد والمجموعات المؤيدين للعدالة الاجتماعية. وقد رسخّت هذه الثقافة والردود عليها ما يعرف بـ"الحروب الثقافية" وأثرت على شكل الاصطفافات والقيم والقضايا التي تهم طرفي الطيف السياسي من اليمين واليسار، بالمعنى الواسع. من هم "مفكرّو" المانوسفير؟ وما هي أفكارهم؟ Rollo Tomassi بالرغم من أن "المانوسفير" ليس حركة موحدة، إلا أنه يتشكل من مزيج من المؤثرين الرقميين، والمفكرين المزعومين، وأصحاب التوجهات الرجعية. ورغم اختلاف التيارات داخله، إلا أن هناك شخصيات رئيسية وجذوراً أيديولوجية بارزة تساهم في تشكيل خطاباته الأساسية: رولو توماسي: صانع محتوى على يوتيوب وكاتب أمريكي. يُعتبَر "عرّاب المانوسفير" وهو مؤلف كتاب "الذكر العقلاني" الذي يؤطر العلاقات الجندرية وفقاً لعلم النفس التطوري. ويجادل توماسي بأن المجتمع يعمل وفقاً لما يسميه "الفرضية الأنثوية"، مما يضع الرجال في موقع غير ملائم، ويرى أن النساء بطبيعتهن "هايبرغاميات"، أي أنهن يسعين دائماً وراء شركاء ذوي مكانة أعلى. ويحذّر توماسي الرجال من الوقوع في فخ "الحبّ الهوسي"، والزواج، والتحوّل إلى رجال من فئة "بيتا" الرجال الذين يُنظر إليهم على أنهم أقل هيمنة وثقة بالنفس مقارنة بـ"ذكور ألفا". بينما يشجّع على تحسين الذات ((self-optimizing، والنجاح المالي، وتعلّم "اللعبة" (استراتيجيات المواعدة). وقد تعرّضت أفكاره، التي تستند إلى علم النفس التطوري ورؤى رجعية حول الجندر، لانتقادات واسعة بسبب ترويجها لكراهية النساء وزرع عدم الثقة بين الجنسين. بول إيلام: مؤسس منصة "صوت من أجل الرجال" التي تُعدّ من أوائل المنصات المدافعة عن "حقوق الرجال"، لكنها غالباً ما تتبنى مواقف مناهضة للنسوية. يجادل بأن النسوية الحديثة خلقت ثقافة كراهية للرجال وأن الرجال هم الضحايا الحقيقيون للتمييز المنهجي، بخاصة في مجالات مثل المحاكم الأسرية، "الاتهامات الكاذبة" بالاعتداء الجنسي، وقوانين العنف المنزلي. ويرى إيلام أن المجتمع يولي الأولوية لقضايا النساء بينما يهمل معاناة الرجال، مثل ارتفاع معدلات الانتحار، ووفيات العمل، وغياب الدعم للرجال الذين يتعرضون لسوء المعاملة. وغالباً ما يصوّر الرجال على أنهم مضطهدون بسبب السياسات النسوية، وقد تعرضت آراؤه لانتقادات واسعة لتغذيتها مشاعر الاستياء والمواقف الرجعية تجاه المساواة بين الجنسين. نيل شتراوس: يشتهر بكتابه "اللعبة" (2005) الذي ساهم في انتشار ثقافة "فن الإغواء". تتمثل فكرته الرئيسية في أن الجاذبية تخضع لمبادئ نفسية يمكن للرجال تعلمها وإتقانها من خلال تقنيات محددة، مثل "المجاملات المبطنة بالإهانة"، وإظهار القيمة العليا*، والتلاعب الاجتماعي. ويعرض شتراوس الإغواء كمهارة يمكن تطويرها بشكل منهجي، مستنداً إلى الديناميكيات الاجتماعية وعلم النفس التطوري واستراتيجيات بناء الثقة. ورغم أن "اللعبة" قدّم الإغواء في البداية كنوع من تطوير الذات، إلا أنه أثّر لاحقاً على الجانب الأكثر سُمّية في المانوسفير، حيث تبنى بعض فناني الإغواء أساليب الإكراه والتلاعب. لاحقاً، نأى شتراوس بنفسه عن هذا التيار، معترفاً بمشكلاته الأخلاقية في كتابه "الحقيقة" (2015). ريتشارد كوبر: مدرب تنمية ذاتية وصانع محتوى على يوتيوب، يدمج بين النجاح المالي والخطاب المناهض للنسوية. كوبر هو شخصية بارزة في المانوسفير، ويشتهر بفلسفته في تحسين الذات التي تمزج بين النجاح المالي، والذكورة، والخطاب المناهض للنسوية. في كتابه "ألفا المتحرر"، يؤكد أن على الرجال إعطاء الأولوية لتطوير أنفسهم—من حيث الثروة، واللياقة البدنية، والمكانة—بدلًا من السعي وراء العلاقات العاطفية أو الامتثال لتوقعات المجتمع بشأن الالتزام. ينتقد كوبر النسوية الحديثة، معتبراً أنها أضعفت الذكورة التقليدية، ويحذّر الرجال من أن يصبحوا من فئة "بيتا" يضحّون بأهدافهم من أجل النساء. وهو يروّج لفكر "الحبّة الحمراء"، مشدداً على أن الرجال يجب أن يركزوا على قوتهم الشخصية ويتجنّبوا المخاطر القانونية والعاطفية المرتبطة بالزواج والعلاقات طويلة الأمد. جوردان بيترسون: هو عالم نفس كندي وكاتب معروف بانتقاداته للصواب لثقافة "اليقظة"، وأفكار ما بعد الحداثة، والنسوية. وتركز أفكاره الرئيسية على أهمية المسؤولية الفردية، والقيم التقليدية، وضرورة الانضباط الشخصي القوي. في كتابه "12 قاعدة للحياة"، يدعو بيترسون الرجال إلى تبني الأدوار الجندرية التقليدية والهياكل الهرمية، مؤكداً على ضرورة "النظام والمعنى والهيكل" في الحياة. ويرى أن تراجع القيم التقليدية أدى إلى الفوضى الاجتماعية، ويشجع الناس على تحمل المسؤولية عن أفعالهم والسعي نحو تحسين الذات. وفيما ينال إعجاب البعض بدعمه لحرية التعبير والاستقلالية الشخصية، تعرض لانتقادات بسبب تعزيز القيم الجندرية المحافظة ومعارضته للحركات الاجتماعية التقدمية. جاك دونوفان: كاتب ومتحدث معروف بترويج رؤية للذكورة ترتكز على القوة والشرف والقبلية. وتتمثل أفكاره الرئيسية، خصوصاً في كتابه طريق الرجال، في أن الفضائل الذكورية التقليدية مثل الشجاعة والإتقان والشرف هي صفات أساسية لهوية الرجل وهدفه في الحياة. ويدعو دونوفان الرجال إلى تشكيل مجموعات قوية ومخلصة، أو "قبائل"، لمواجهة تحديات الحياة والحفاظ على إحساسهم بالذكورة. وينتقد المجتمع الحديث لأنه يقوض هذه الفضائل ويعزز القيم التي تضعف الرجولة، مؤكداً أنه على الرجال تبنّي نوع أكثر بدائية وعدوانية من الذكورة لتحقيق النجاح. وترتبط آراؤه غالباً بالأيديولوجيات اليمينية المتطرفة وقد تعرضت لانتقادات بسبب تعزيزها للذكورة السامة والآراء الإقصائية عن الجنس والمجتمع. أندرو تيت: شخصية مؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي، يروج لخليط من الذكورة المفرطة، والنجاح المالي، وكراهية النساء، مما أدى إلى حظره على عدة منصات. في الأصل هو بطل قتال كيك بوكسينغ، تتمحور أفكاره حول الإيمان بأن على الرجال الهيمنة في جميع جوانب الحياة، بما في ذلك العلاقات، والثروة، والمكانة. يدعو تيت إلى تحسين الذات من خلال اللياقة البدنية، والنجاح في الأعمال، ورفض التوقعات الاجتماعية التي يراها مُضعِفة للرجال. ينتقد بشكل متكرر النسوية ويعزز الأدوار الجندرية التقليدية، وغالباً ما يصف النساء بأنهن أدنى من الرجال. أدت تصريحاته وآراؤه المثيرة للجدل إلى حظره من منصات عدة على وسائل التواصل الاجتماعي، لكنه لا يزال مؤثراً في بعض المجتمعات الإلكترونية. كما يواجه تهماً جنائية في رومانيا تتعلق بالاتجار بالبشر والاعتداء الجنسي، ما أدى إلى اعتقاله في عام 2022 مع شقيقه تريستان. كيفن سامويلز: كان صانع محتوى على يوتيوب (توفي عام 1922) ركّز على ديناميكيات المواعدة، وغالباً ما صوّر النساء العصريات على أنهن غير واقعيات في توقعاتهن. عمل سامويلز كمدرّب علاقات وكان معروفاً بآرائه المثيرة للجدل حول المواعدة، والأدوار الجندرية، والعلاقات. تتمحور أفكاره الرئيسية حول تعزيز الأدوار الجندرية التقليدية، بخاصة من خلال التأكيد على أن النساء يجب أن يتوافقن مع معايير معينة للجمال والسلوك لجذب الرجال ذوي القيمة العالية. كان غالباً ما ينتقد النساء، خصوصاً أولئك اللواتي كبرن في السن أو لم يتزوجن، لعدم تلبية هذه المعايير، وكان يشجع الرجال على التركيز على تحسين الذات، بما في ذلك النجاح المالي واللياقة البدنية. وقد تعرضت آراؤه لانتقادات حادة بسبب تعزيزها للصور النمطية والترويج للديناميكيات الجندرية الضارة. نيك فوينتيس: معلق سياسي يميني متطرف وشخصية على الإنترنت معروف بآرائه المثيرة للجدل. تتمحور أفكاره الرئيسية حول القومية، وهوية البيض، والتقليدية. يدعو فوينتيس إلى رفض التعددية الثقافية والهجرة، مؤمناً بضرورة الحفاظ على الحضارة والقيم الغربية. غالباً ما ينتقد الليبرالية، والنسوية، ووسائل الإعلام الرئيسية، ويعزز رؤية للمجتمع قائمة على القيم المسيحية المحافظة. كما يعرف بتصريحاته المثيرة حول كراهية النساء، وتعليقاته المعادية للسامية، ودعمه للسياسات الاستبدادية. وضعت آراؤه في أقصى أطياف الطيف السياسي، وغالباً ما يُرتبط بالحركة البديلة اليمينية وغيرها من الحركات المتطرفة. أفكار فلسفية غير مباشرة برغم أن "المانوسفير" لا يعتمد على أسس فلسفية واضحة، إلا أن بعض أفكاره تستند بشكل غير مباشر إلى تأويلات معينة لفلاسفة ومفكرين مختلفين. من بين هؤلاء يمكن الإشارة إلى الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، على سبيل المثال، حيث غالباً ما يُستشهد به في هذه الأوساط، خصوصاً من خلال مفهوم "إرادة القوة" ونقده للأخلاق المسيحية بوصفها "أخلاق الضعفاء"، عبر تحريف هذه الأفكار لتبرير رؤى ذكورية قائمة على الصراع والتفوق. من جهة أخرى، يمكن اعتبار الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور، المعروف بتشاؤمه ونظرته السلبية تجاه النساء، مصدر إلهام لبعض الخطابات المعادية للنسوية داخل المانوسفير، بخاصة من خلال رؤيته للمرأة كـ"كائن عاطفي وغير عقلاني". كذلك، تستخدم كتابات الأمريكية كاميل باجليا، وهي نسوية غير تقليدية، بشكل انتقائي من قبل بعض منظّري المانوسفير للطعن في النسوية المعاصرة، لا سيما عبر نقدها للخطاب النسوي الذي تعتبره متناقضاً مع الطبيعة البيولوجية للجنسين. وأخيراً، يمكن أيضاً رصد تأثير غير مباشر للفيلسوف الإنجليزي نيك لاند، خصوصاً في أوساط التيارات الأكثر تطرفاً، حيث تلتقي بعض أفكاره حول نظرية "التسريع الرأسمالي" والتسلسل الهرمي الطبيعي مع رؤى المانوسفير التي تمجد المنافسة المطلقة، القوة، والنجاح الفردي كمعايير أساسية لتحديد قيمة الرجل في المجتمع.

المانوسفير: ما هو الفضاء الذكوري الإلكتروني المناوئ للنسوية؟ وما أسباب صعوده؟
المانوسفير: ما هو الفضاء الذكوري الإلكتروني المناوئ للنسوية؟ وما أسباب صعوده؟

BBC عربية

time١٣-٠٣-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • BBC عربية

المانوسفير: ما هو الفضاء الذكوري الإلكتروني المناوئ للنسوية؟ وما أسباب صعوده؟

مع ازدياد الخطاب النسوي على مستوى العالم والتهديد الذي طال مفاهيم الذكورة التقليدية، شهدت السنوات الأخيرة صعود ما أصبح يعرف بـ"المانوسفير" (الفضاء الذكوري الإلكتروني) ووصوله إلى شرائح واسعة من الرجال حول العالم. ويشير مصطلح المانوسفير إلى تنامي مجموعة غير منظّمة من المجتمعات الإلكترونية، والمدونات، والمنتديات، والمؤثرين الذين يركّزون على قضايا الرجال، وغالباً ما يروّجون لوجهات نظر مناهضة للنسوية، أو ذكورية متحيّزة ضد النساء، أو رجعية بشأن الجندر والمجتمع. وأصبح هذا الفضاء الافتراضي نقطة التقاءٍ لمجموعةٍ واسعة من الخطابات التي تتراوح بين الدعوة إلى "استعادة الرجولة الحقيقية" ونقد ما يصفه أعضاؤه بـ"هيمنة النسوية" على الخطاب العام، وصولاً إلى تبنيّ نظريات أكثر تطرفاً ترى في العلاقات الجندرية صراعاً صفري النتائج بين الرجال والنساء. وقد أدّت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً محورياً في انتشار أفكار المانوسفير، حيث ساهمت المنصات الرقمية مثل يوتيوب، وتيك توك، وريديت في تعزيز انتشار محتواه، مما سمح لهذه الأفكار بالتغلغل في التيار العام واستقطاب فئات عمرية مختلفة، لا سيما المراهقين والشباب الذين يبحثون عن إجاباتٍ حول هويّاتهم في عالمٍ متغير. لكن ما هي الأفكار الفلسفية الكبرى التي تقوم عليها سرديات "المانوسفير"؟ وكيف استطاعت هذه الحركة الرقمية أن تكتسب كل هذا الزخم في السنوات الأخيرة؟ المجموعات المنضوية في "الفضاء الذكوري الإلكتروني" يضم المانوسفير طيفاً واسعاً من المجموعات والتيارات التي تتبنى رؤى مختلفة حول قضايا الذكورة والعلاقات بين الجنسين، لكنها تشترك في اعتقادها بأنّ الرجال "يواجهون تحديات جسيمة في المجتمع المعاصر". في ما يلي أبرز هذه المجموعات وأفكارها الأساسية: تستمد هذه المجموعة اسمها من فيلم "ذي مايتركس" الشهير، حيث حيث تشير "الحبوب الحمراء" إلى عملية الإيقاظ/ الصحوة على حقيقة المؤامرات ومنها حقيقة أن النظام الاجتماعي منحاز ضد الرجال، برأيهم. وتدّعي هذه المجموعة أن الرجال يعانون من التمييز في مجالات مثل الطلاق، وحضانة الأطفال، والقوانين المتعلقة بالعنف المنزلي. تركز هذه المجموعة على تعليم الرجال استراتيجيات التلاعب النفسي والعاطفي في العلاقات العاطفية، بهدف تحسين فرصهم في جذب النساء. وتعزز فكرة أن الرجال يجب أن يكونوا "ذكوراً ألفا" مهيمنين في علاقاتهم، أي الرجال الذين يُنظر إليهم على أنهم الأقوى والأكثر سيطرة وجاذبية وفقاً لمنطق الهيمنة الاجتماعية والتفوق الذكوري. تدافع هذه الفئة عن الأدوار الجندرية التقليدية، وترى أن الابتعاد عن هذه الأدوار تسبب في أزمة اجتماعية وأخلاقية. وتعتمد على أفكار فلسفية ونفسية لتبرير ضرورة العودة إلى القيم الأسرية التقليدية، مستندة إلى نظريات ترى في الاختلافات البيولوجية بين الجنسين أساساً لتقسيم الأدوار داخل المجتمع، إضافةً إلى تصورات محافظة حول الاستقرار الأسري بوصفه ركيزة أساسية للحفاظ على النظام الاجتماعي. كما تستند بعض تياراتها إلى تأويلات دينية وأخلاقية تعزز هذا النموذج من العلاقات بين الرجال والنساء. هي مجموعة تعبّر عن استيائها من النساء والمجتمع بسبب فشل الرجال المنضوين فيها في تحقيق نجاح عاطفي أو جنسي، وقد تبنّت في السنوات الماضية هجمات عنيفة استهدفت النساء و"الرجال الناجحين جنسياً"، منها في كاليفورنيا عام 2014 راح ضحيتها 14 شخصاً وفي تورنتو عام 2018 و2020 وراح ضحيتها 11 شخصاً، بالإضافة إلى هجوم في المملكة المتحدة عام 2021 أودى بحياة 5 أشخاص. وتتكوّن هذه المجموعة من رجال يشعرون بالحرمان العاطفي والجنسي، ويلقون اللوم على النساء والمجتمع في ذلك. وتحمل أفكارهم توجهات كراهية متطرفة، وتحريضاً على العنف ضد النساء. كما حُظر العديد من منصاتهم على الإنترنت بسبب خطاب الكراهية والتطرف. ما هي أسباب نمو المانوسفير؟ يحاجج البعض بأن صعود المانوسفير جاء مدفوعاً بعوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية عدة. فمن جهة، أدى عدم الاستقرار الاقتصادي وتراجع فرص العمل إلى إضعاف الأدوار الذكورية التقليدية، مما زاد من شعور بعض الرجال بالإحباط والقلق تجاه مستقبلهم المهني والاجتماعي. هذا الشعور بالتهميش الاقتصادي عزز حالة الاستياء تجاه النسوية والتغييرات الحديثة في الديناميكيات الجندرية. من جهة أخرى، لعبت المنصات الرقمية دوراً محورياً في تضخيم محتوى المانوسفير، حيث تدفع خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي نحو التفاعل مع هذا النوع من المحتوى، مما يزيد من انتشاره. منصات مثل "ريديت" في مجتمعات مثل r/TheRedPill، ويوتيوب، و"تيك توك" أصبحت بمثابة بيئات استقطاب تروج لأفكار هذا التيار، ما سمح له بالوصول إلى شرائح أوسع من الشباب. إلى جانب ذلك، ساهمت ثقافة تطبيقات المواعدة في تعزيز الشعور بالإحباط العاطفي لدى بعض الرجال، إذ تعزز هذه التطبيقات ديناميكيات تنافسية تجعل النجاح العاطفي مقتصراً على فئة محددة، مما يدفع البعض إلى تبني أفكار "الهايبرغامي" أي الاعتقاد بأن النساء يسعين دائماً للارتباط بالرجال ذوي المكانة الأعلى، مما يعمّق الانقسام بين الجنسين. كما أن رد الفعل على حركة "أنا أيضاً" (مي تو) المناهضة للتحرّش كان عاملاً أساسياً في انتشار المانوسفير، حيث يرى بعض الرجال أن هذه الحملة لم تكن مجرد دعوة للمحاسبة، بل هجوماً على الذكورة بحد ذاتها. هذا الشعور بالمظلومية دفع العديد منهم إلى تبني خطاب مناهض للنسوية، مدفوعاً برغبة في مقاومة ما يصفونه بـ"الأفكار التقدمية" أو "اليقظة" حول المساواة بين الجنسين. ويُستخدم مصطلح ثقافة "اليقظة" (Wokism) التي نشأت في الولايات المتحدة وتنامى الحديث عنها في السنوات القليلة الماضية عادةً، لوصف الأفراد والمجموعات المؤيدين للعدالة الاجتماعية. وقد رسخّت هذه الثقافة والردود عليها ما يعرف بـ"الحروب الثقافية" وأثرت على شكل الاصطفافات والقيم والقضايا التي تهم طرفي الطيف السياسي من اليمين واليسار، بالمعنى الواسع. من هم "مفكرّو" المانوسفير؟ وما هي أفكارهم؟ بالرغم من أن "المانوسفير" ليس حركة موحدة، إلا أنه يتشكل من مزيج من المؤثرين الرقميين، والمفكرين المزعومين، وأصحاب التوجهات الرجعية. ورغم اختلاف التيارات داخله، إلا أن هناك شخصيات رئيسية وجذوراً أيديولوجية بارزة تساهم في تشكيل خطاباته الأساسية: أفكار فلسفية غير مباشرة برغم أن "المانوسفير" لا يعتمد على أسس فلسفية واضحة، إلا أن بعض أفكاره تستند بشكل غير مباشر إلى تأويلات معينة لفلاسفة ومفكرين مختلفين. من بين هؤلاء يمكن الإشارة إلى الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، على سبيل المثال، حيث غالباً ما يُستشهد به في هذه الأوساط، خصوصاً من خلال مفهوم "إرادة القوة" ونقده للأخلاق المسيحية بوصفها "أخلاق الضعفاء"، عبر تحريف هذه الأفكار لتبرير رؤى ذكورية قائمة على الصراع والتفوق. من جهة أخرى، يمكن اعتبار الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور، المعروف بتشاؤمه ونظرته السلبية تجاه النساء، مصدر إلهام لبعض الخطابات المعادية للنسوية داخل المانوسفير، بخاصة من خلال رؤيته للمرأة كـ"كائن عاطفي وغير عقلاني". كذلك، تستخدم كتابات الأمريكية كاميل باجليا، وهي نسوية غير تقليدية، بشكل انتقائي من قبل بعض منظّري المانوسفير للطعن في النسوية المعاصرة، لا سيما عبر نقدها للخطاب النسوي الذي تعتبره متناقضاً مع الطبيعة البيولوجية للجنسين. وأخيراً، يمكن أيضاً رصد تأثير غير مباشر للفيلسوف الإنجليزي نيك لاند، خصوصاً في أوساط التيارات الأكثر تطرفاً، حيث تلتقي بعض أفكاره حول نظرية "التسريع الرأسمالي" والتسلسل الهرمي الطبيعي مع رؤى المانوسفير التي تمجد المنافسة المطلقة، القوة، والنجاح الفردي كمعايير أساسية لتحديد قيمة الرجل في المجتمع.

من هو أندرو تيت وسط تكهنات دور ترامب بإخراجه من رومانيا؟
من هو أندرو تيت وسط تكهنات دور ترامب بإخراجه من رومانيا؟

CNN عربية

time٢٨-٠٢-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • CNN عربية

من هو أندرو تيت وسط تكهنات دور ترامب بإخراجه من رومانيا؟

(CNN)-- قال محامي أندرو تيت لشبكة CNN، إنه غادر رومانيا برفقة شقيقه تريستان في رحلة متجهة إلى الولايات المتحدة، بعد أن قبض عليهما في بوخاريست قبل ثلاث سنوات، ويواجهان هناك اتهامات بالاغتصاب والاتجار بالبشر وغسل الأموال، وسط سيل من الأسئلة والتكهنات حول وجود دور لإدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في السماح بمغادرتهما رومانيا. إذن من هو المؤثر الكاره للنساء وما هو مجتمع "المانوسفير" على الإنترنت حيث يحظة أندرو تيت باحترام كبير؟صانع محتوى مثير للانقسام إيموري أندرو تيت الثالث هو مقاتل "كيك بوكسينغ" محترف ولد في الولايات المتحدة يبلغ من العمر 38 عامًا وتحول إلى شخصية إعلامية وقد حصد مليارات المشاهدات عبر الإنترنت من خلال تصريحاته الصاخبة حول هيمنة الذكور وخضوع الإناث والثروة، اكتسب سمعة سيئة لأول مرة في عام 2016 عندما تمت إزالته من برنامج تلفزيون الواقع البريطاني "Big Brother" بعد ظهور مقطع فيديو يظهره وهو يهاجم امرأة بحزام. وفي السنوات التي تلت ذلك، أصبح منشئ محتوى مثيرًا للانقسام عبر الإنترنت وتم تعليق حساباته في وقت ما من جميع منصات التواصل الاجتماعي الرئيسية. في عام 2017، تم حُظر تيت مما كان يعرف آنذاك بتويتر، والمعروف الآن باسم إكس، لقوله إن النساء يجب أن "يتحملن المسؤولية" عن تعرضهن للاعتداء الجنسي. وفي أغسطس 2022، تم حظره من قبل فيسبوك وإنستغرام وتيك توك ويوتيوب لانتهاكه سياساتها، حسبما ذكرت وكالة أنباء PA Media البريطانية. وجاء تعليق حساباته بعد حملة قامت بها مجموعة المناصرة البريطانية "الأمل وليس الكراهية" التي تحارب العنصرية والتطرف. وبعد استحواذ ملياردير التكنولوجيا إيلون ماسك على تويتر في عام 2022، أعيد تيت إلى المنصة. اعتبارًا من فبراير 2025، أصبح لديه 10.7 مليون متابع على إكس. لماذا يُنظر إلى تأثيره على أنه ضار جدًا؟ تم اتهام تيت بنشر آراء بغيضة على الإنترنت وجعل أسلوب حياته المثير للجدل جذابًا للجماهير الشابة والضعيفة. في أحد الأمثلة على العديد من تصريحاته الصاخبة الكارهة للنساء عبر الإنترنت، كتب تيت في منشور على موقع X في 19 فبراير: "لا يزال هذا صحيحًا. أكرهني كما تريد. النساء جميعهن عاملات في مجال الجنس". قال جورجي لامينج، مدير الحملات والاتصالات في منظمة Hope not Hateالتي كانت تراقب تيت لسنوات، لشبكة CNN سابقًا إن الثقة التي يظهرها وأسلوب الحياة الذي يروج له أمران أساسيان لتأثيره الضار، مضيفا أن "محتوى تيت الكاره للنساء والمثليين والعنصريين يشاهده ملايين الشباب عبر الإنترنت.. ثقته وأمواله وأسلوب حياته كلها مصممة بعناية لجعل علامته التجارية للمحتوى الذي يحض على الكراهية ملهمة وطموحة". معارك قانونية مستمرة قبض على أندرو وشقيقه الأصغر تريستان تيت، 36 عامًا، في البداية في بوخارست في ديسمبر 2022، وهناك، يُتهمون بتشكيل جماعة إجرامية منظمة، والاتجار بالبشر، والاتجار بالقاصرين، والجماع الجنسي مع قاصر، وغسل الأموال. وقد أنكروا ارتكاب جميع المخالفات. فشلت القضية الجنائية الأولى ضد تيت وشقيقه في ديسمبر 2024 عندما قررت محكمة في بوخارست تعليق المحاكمة، مشيرة إلى عيوب في لائحة الاتهام. ورفعت محكمة رومانية أمر الإقامة الجبرية ضد تيت في يناير/ كانون الثاني، واستبدلته بشروط مثل إجراء عمليات تفتيش منتظمة من قبل الشرطة. وفي أكتوبر/ تشرين الأول، قضت محكمة بأنه يجب عليه استعادة السيارات الفاخرة التي تبلغ قيمتها حوالي 4 ملايين يورو (4.43 مليون دولار) والتي صادرها المدعون في انتظار التحقيق. وكان الشقيقان قد مُنعا في السابق من مغادرة رومانيا أثناء استمرار التحقيقات. بعد رفع هذه القيود ومغادرة الأخوين البلاد، قال ماثيو جوري - المحامي الذي يمثل الضحايا المزعومين لأندرو تيت في المملكة المتحدة - لشبكة CNNإن "أي اقتراح بأن عائلة تيت ستواجه العدالة الآن في رومانيا هو أمر خيالي". اعتقال اندرو تيت مجددا في رومانيا.. ماذا جد؟

هل نعيش في عصر نهاية الحب؟
هل نعيش في عصر نهاية الحب؟

سيدر نيوز

time١٣-٠٢-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • سيدر نيوز

هل نعيش في عصر نهاية الحب؟

يبدو الحبّ في زمننا متاحاً أكثر من أي وقت مضى: مع انتشار تطبيقات المواعدة ووسائل التواصل الاجتماعي وتزايد الحريات العامة. مع ذلك، هناك شعورٌ عام حول العالم، بأن الحبّ يصبح أبعد عنا يوماً بعد يوم. إذ أصبح السأم والملل يتسللان سريعاً إلى المرتبطين، فيما يتساءل العازبون لماذا يصعب إيجاد الحبّ رغم فائض الإمكانيات التي يوفّرها زمن التواصل المفرط الذي نعيش فيه. في السنوات الأخيرة، ازداد الحديث في أوساط المهتمين بعلم الاجتماع عن 'نهاية الحبّ'، والمقصود هو نهاية الحبّ بمفهومه الرومانطيقي الذي ورثناه من القرن التاسع عشر عبر الأدب والفن، والذي لا يزال يشكّل تصوّر غالبيتنا عن الحبّ. فما هي أسباب هذا الشعور العام الذي يصفه البعض بـ'الجائحة العاطفية'، وهل فعلاً نحن نعيش عصر نهاية الحب؟ الغضب من الجنس الآخر إذا كنتِ امرأة تميلين جنسياً وعاطفياً إلى الرجال، فعلى الأرجح أنك شعرتِ لمرّة واحدة على الأقل، بأنك غاضبة من ميولك الغيرية (للجنس المغاير لجنسك) هذه، بسبب الخيبة التي تشعرين بها حيال الرجال. وقد يكون العكس صحيح أيضاً إذا كنتَ رجلاً غيريّاً. هذه النزعة المتنامية لدى الأشخاص من ذوي الميول الغيرية، أصبح لها اسماً في السنوات القليلة الماضية وهو: التشاؤم من العلاقات الغيرية (Heteropessimism). صاغت هذا المصطلح الكاتبة والأكاديمية الإنجليزية إنديانا سيريزن، التي تقول إنه تعبير ينطوي على الندم أو الإحباط أو الإحراج أو فقدان الأمل تجاه التجربة الغيرية. ويركّز هذا التشاؤم غالباً على الرجال، باعتبارهم الجذر الأساسي للمشكلة. تقول سيريزن إن هذا التشاؤم لا يتجاوز في الغالب كونه نمطاً أدائياً، أي أن المنتقدين لا يتخلّون عن ميولهم الغيرية هذه، لكنهم يتذمرون من وجودها فقط. ويشير هذا المصطلح إلى الطريقة التي يتحدث بها الرجال والنساء من ذوي الميول الغيرية غالباً عن علاقاتهم بوصفها مصدراً للمعاناة وعدم التوافق أو خيبة الأمل. وتنطلق العديد من التعبيرات عن التشاؤم الغيريّ من الصور النمطية الجندرية المتجذّرة في العلاقات بين الرجال والنساء. فقد تشعر النساء بخيبة أمل بسبب عدم توافر الرجال عاطفياً، أو شعورهم بالأحقيّة، بينما قد يشعر الرجال بأنهم مثقلون بالتوقعات التقليدية للرجولة. من جهتها، تقول عالمة الاجتماع الفرنسية إيفا إيلوز، إن النساء ينشأن اجتماعياً على مبدأي العناية والرعاية، لذلك هنّ يتعلّقن عاطفياً أكثر من الرجال الذي يميلون أكثر إلى الانفصال والاستقلالية. وتشرح قائلة: 'ينفصل الرجال لأنّ العقلانية صُوّرت تاريخياً على أنها سمة ذكورية. لم تكن كذلك في الأصل، لكنها أصبحت كذلك في القرن التاسع عشر، حين تم تهميش النساء وتصنيفهن كمخلوقات هستيرية، وهو تصنيف رسّخه سيغموند فرويد'. وفي السياق نفسه، يمكن القول إن زيادة الوعي النسوي عند النساء وتوجههن المتزايد إلى الاستقلالية وحماية حقوقهن وحرياتهنّ، ألقى بظلاله على العلاقة الغيرية بين النساء والرجال حتى ضعُفت إلى مستويات غير مسبوقة. وفي المقابل، ومع تغيّر النظرة إلى الذكورة التقليدية، تبنّى بعض الرجال مواقف أكثر رجعيّة، كما هو واضح في صعود ما يُعرف بـ'المانوسفير' (عالم الرجال). ويشير مصطلح 'المانوسفير' إلى تنامي مجموعة غير منظّمة من المجتمعات الإلكترونية، والمدونات، والمنتديات، والمؤثرين الذين يركّزون على قضايا الرجال، وغالباً ما يروّجون لوجهات نظر مناهضة للنسوية، أو ذكورية متحيّزة ضد النساء، أو رجعية بشأن الجندر والمجتمع. بين هذه الجماعات نجد 'الإنسيلز' (العُزّاب غير الطوعيين)، وهي مجموعة هامشية تعبّر عن استيائها من النساء والمجتمع بسبب فشلها في تحقيق نجاح عاطفي أو جنسي، وقد تبنّت في السنوات الماضية هجمات عنيفة استهدف النساء و'الرجال الناجحين جنسياً'. هذا الواقع زاد من عزلة النساء وفاقم نزعة التشاؤم من الغيرية. وفي الوقت نفسه، أدى تغيّر معايير العلاقات، وارتفاع معدلات الطلاق، وتراجع معدلات الزواج، إلى دفع الكثيرين إلى التعامل مع الالتزام الغيري بشكّ، خوفاً من فشلٍ، يبدو لهم أنه حتميّ. نظريات 'نهاية الحب' واحدة من أوائل النظريات حول 'نهاية الحب' ولو أنها لم تستخدم التعبير نفسه، هي أطروحة عالم الاجتماع البولندي زيغمونت باومان عن 'الحب السائل' (2003) . كامتداد لأطروحته عن 'الحداثة السائلة'، كرّر باومان استخدام استعارة السيولة للحديث عن 'ما لا يمكنه الاحتفاظ بالشكل نفسه لمدة طويلة. على عكس المواد الصلبة حيث ترتبط الجزيئات ببعضها بقوة كبيرة'. يرى باومان أن الحداثة السائلة (وهو اسم آخر اختار أن يطلقه على فترة 'ما بعد الحداثة')، قد أعادت تشكيل العلاقات العاطفية، حيث أصبحت تتسم بالهشاشة وعدم الاستقرار. في المجتمعات التقليدية، كانت العلاقات العاطفية تقوم على روابط قوية ودائمة، مدعومة بمؤسسات اجتماعية صلبة كالأسرة والدين والعادات. أما اليوم، فقد باتت هذه الروابط أكثر مرونة، لكنها أيضاً أكثر هشاشة، حيث أصبح الحب أشبه بسلعة استهلاكية تُستبدل عند أول علامة على عدم الرضا. يرى باومان أنّ الأفراد في المجتمع الحديث يتأرجحون بين رغبتين متناقضتين: الحاجة إلى الارتباط العاطفي والأمان، والخوف من الالتزام وفقدان الحرية الشخصية. ويوضح هنا أنه في عام 1929، اقترح فرويد في كتابه 'قلق في الحضارة' أن 'العديد من اضطراباتنا النفسية تنبع من دخولنا إلى الحضارة، حيث اضطررنا إلى التخلي عن جزء من حريتنا الشخصية مقابل الحصول على مزيد من الأمان، لحماية أنفسنا من خيبات الأمل الاجتماعية، والأمراض، والحروب، وغيرها'. وكأن الحضارة تقوم على مبدأ المقايضة: تتخلّى عن شيء مقابل الحصول على شيء آخر. الحب السائل، بحسب باومان، هو 'حب بلا جذور، بلا التزام حقيقي، وهو انعكاس لتحولات أعمق في بنية المجتمع الحديث، حيث لم يعد هناك مكان للروابط الدائمة، بل أصبحت كلّ العلاقات، بما فيها الحب، مجرد تجارب مؤقتة ضمن عالم سريع الزوال'. ويقول باومان إن 'ما بعد الحداثة' أو 'الحداثة السائلة'، هي 'الحداثة، ناقص الوهم'. وهذا الوهم، هو الاعتقاد بإمكانية وجود حالة نهائية للتاريخ، ثابتة، لا يبقى عندها شيء آخر للقيام به سوى الاستمرار والتكرار. ولعلّ زوال هذا الوهم في المجتمعات المعاصرة، أدى أيضاً إلى النظر إلى الحبّ 'الصلب'، بتوجّس، كوهمٍ آخر يقيّد الأفراد ويضع حدوداً أمام احتمالات وإمكانيات يريدونها لا نهائية. الوفرة و'نزع السحر' عن الحب ترى عالمة الاجتماع الفرنسية إيفا إيلوز، أن الندرة والممنوع كانا دائماً عنصرين أساسيين في تشكيل الرغبة، لكن في عصرنا الحالي عصر 'مجتمع الوفرة'، حيث يبدو أن كل شيء متاح بأعدادٍ كبيرة، تشهد التجربة العاطفية نوعاً من الانكماش والتراجع. في كتابها 'نهاية الحبّ: سوسيولوجيا العلاقات السلبية'، تقول إيلوز إن الحديث عن 'نهاية الحب' هو في جوهره حديث حول 'نزع السحر عن الحبّ'. فالحبّ الرومانطيقي كما يتصوّره الغرب، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمفهوم الحب الإلهي، لا سيما كما عُبّر عنه في المسيحية. إنه حبٌّ مطلق، وفريد، ومقدس، وكثيف. ويشير نزع السحر إلى عملية تجريد الأشياء من طابعها المقدّس، إما لأننا بدأنا نراها من خلال منظور العلم، أو لأننا بتنا نتعامل معها كأشياء تُستَخدم إقتصادياً. نزع السحر والعقلانية يعنيان، على سبيل المثال، 'عدم القدرة على رؤية هذه الشجرة ككائن إلهي بخصائص فوق طبيعية بإمكانه أن يحميني، بل أراها كموضوع للدراسة العلمية أو كمادة أولية لصناعة الورق فقط'. وهذا بالضبط ما حدث مع الحب حيث أنه مع الوقت 'فقدت نظرتنا إليه البراءة'، في رأيها. منذ بداية القرن العشرين، وبخاصةٍ مع ظهور التحليل النفسي، أصبح الحب تدريجياً موضوعاً للدراسة العلمية، سواء من خلال التحليل النفسي أو علم الأحياء أو علم النفس التطوري. اليوم، يمكن للمراهقين أن يقولوا ببساطة إن 'الحبّ ليس إلا تفاعلاً هرمونياً لا أكثر'. هذا ما يجعل تحويل الحب إلى موضوع للمعرفة والتسويق، هو ما يساهم في نزع السحر عنه. 'نهاية الحبّ تعني نهاية الإيمان به، وعندما أقول إيمان، أستخدم هذا المصطلح عن قصد، لأن الحب، في نظري، كان دائماً يشبه إلى حد بعيد إيماناً دينياً'، تقول إيلوز. 'تحوّلات السوق' ولأنّ الخاص والحميم هو شأن سياسي أيضاً، يعكس الحديث عن 'زوال الحبّ' أزمة ثقافية وحضارية، إذ تتجسّد في العلاقات العاطفية، البُنى الاجتماعية الأخرى، ويتكشّف كيف أنها ليست هياكل مجردة، بل هي أنساق معاشة ومتغيّرة. تقول إيلوز إن مساءلة الأدوار الجندرية والتغيّر الذي شهدته والذي ازداد بشكل كبير في السنوات الأخيرة، أدى أيضاً إلى تغيّر في الحب. حتى الحرب العالمية الثانية، كانت الجنسانية والزواج والحب مترابطين بشكل وثيق، وهذا تحديداً ما ورثناه عن الرومانطيقيين الذين نجحوا في تحرير الحبّ والارتباط من هيمنة التقاليد في العصور السابقة، في انتصارٍ للإرادة الحرّة على ما كان في السابق يُفرض من الخارج. لكن بعد ستينيات القرن الماضي، تفجّرت هذه العلاقة وانفصلت هذه الممارسات الثلاث. فأصبح الأفراد في المجتمعات الحديثة، يعيشون مسارات جنسية أو رومانسية لا تتطابق بالضرورة مع مساراتهم الزوجية أو مشاريعهم العائلية. في رأيها، أنه منذ الستينيات مع تنامي الحريات الجنسية، ثم في السبعينيات مع التحولات التي فرضتها الحركات النسوية، بدا وكأن العلاقات أصبحت أكثر تحرراً، لكن هذه الحرية 'سُلبت وأعيدت صياغتها وفق منطق السوق والاستهلاك'. مع تحرير الحبّ والجنسانية من القيود الاجتماعية القديمة وجعلهما يعتمدان على خيارات شخصية وليس على المنطق الاجتماعي كما كان سابقاً، أصبحت المعايير لاختيار الشريك تخضع في الوقت الراهن لسيكولوجية الانترنت – التفضيلات التي تزكّيها الخوارزميات في تطبيقات المواعدة أو وسائل التواصل الاجتماعي – ومنطق السوق. وبالتالي، لم يعد هناك متسع لـ'الوقوع' في الحبّ. الحب 'المجنون' الذي كنّا نقرأ ونسمع عنه في السابق، أصبح أكثر ندرةً اليوم، فيما باتت تطغى على الأفراد نزعة إلى عدم الالتزام، أو ما تسمّيه إيلوز تحديداً 'خيار عدم الاختيار'. الحب كـ'مرآة نجاح' من جهته، يرى الفيلسوف الألماني ذي الأصول الكورية الجنوبية، بيونغ-تشول هان، أن أزمة الحب اليوم ليست ناتجة عن 'وفرة' الآخرين، كما هو رأي إيفا إيلوز، بل عن 'تآكل' الآخر نفسه. ففي عالم يتمحور حول الذات، يقول إن الآخر لم يعد موجوداً كموضوع رغبة، بل كمرآة لنجاح الفرد، كأداة لتأكيد الذات بدلاً من أن يكون تجربة تقود إلى الانفتاح على الآخر. في ظلّ هذا التحول، يقول هان إن الجنس أصبح مجرد وسيلة لتخفيف التوتر، معادلة حسابية للمتعة، وحين تُنزع الآخرية من الآخر، لا يعود الحب ممكناً بل يتحوّل إلى مجرد استهلاك. في كتابه 'مجتمع الاحتراق الوظيفي'، يرى هان أنّ الهوس بالإنجاز وبالتحقيق المستمر للأهداف، في زمن تتفشى فيه 'نرجسية الذات'، أدى إلى انتشار الإرهاق الجماعي والاكتئاب. ويقول: 'لم نعد بحاجة إلى قوى خارجية تضغط علينا لزيادة إنتاجيتنا، فقد استبطنّا قيم الأداء الأمثل والإنجاز الفردي لدرجة أننا أصبحنا نستغل أنفسنا بأنفسنا. لم يعد هناك سيّد خارجي يفرض علينا العمل، بل تحوّلنا إلى سيّد وعبد في آنٍ واحد، حيث أصبحنا نخوض صراعاً طبقياً ضد ذواتنا'. في المجتمعات الحديثة، انتقلنا من مجتمعات تقوم على الانضباط والقمع الخارجي (النموذج الفرويدي للسلطة الأبوية) إلى مجتمعات تقوم على الإنجاز، حيث لم يعد الضغط مفروضاً من الخارج، بل أصبح داخلياً، نابعاً من ذات تسعى بلا توقف إلى تحقيق المزيد. وهنا، تشير عالمة الاجتماع والمحللة النفسية السلوفينية، ريناتا ساليكل، إلى أنه في مواجهة هذه 'الإتاحة المطلقة'، بات الأفراد 'يبتكرون ممنوعات جديدة بأنفسهم'. هذا السعي المحموم وراء النجاح والسعادة والإنتاجية المطلقة يبتلع كل القيم والعلاقات الإنسانية، مؤدياً إلى تلاشي 'الآخر'، برأي هان. فمع استحواذ الفرد على ذاته وانشغاله الدائم بتحقيق ذاته، لم يعد هناك مكان للحب أو للروابط العميقة، بل أصبحت كل العلاقات خاضعة لمنطق الإنجاز. في كتابه 'محنة إيروس'، يشير هان إلى أن المجتمع المعاصر أصبح محكوماً بالنرجسية والانغلاق على الذات، مما أدى إلى فقدان الرغبة واختفاء القدرة على الانفتاح على الآخر. يشرح ذلك قائلاً: 'لم يعد الفرد قادراً على الالتفات إلى الآخر أو للغريب أو لمن هو خارج ذاته، بل بات يدور حول نفسه في حلقة مغلقة، غير قادر على بناء علاقات حقيقية'. هل هناك أمل؟ بالنظر إلى هذا الواقع الذي قد يبدو للوهلة الأولى قاتماً، هل لا يزال هناك ضوء ما يحثّنا على عدم فقدان الأمل بالحبّ؟ لعلّ الإصرار على بناء علاقة عميقة بالآخر، خارج منطق الإشباع الفوري والمنفعة السريعة، يشكّل مقاومة لهذا الواقع. يرى هان أيضاً، أن الحلّ للخروج من هذا المأزق، يكمن في استعادة القدرة على التأمل والترحيب بـ'الملل العميق' كحالة ضرورية لاستعادة الذات وفهمها، بعيداً عن دوامة الإنتاجية القسرية التي 'تبلعنا' في الوقت الراهن. قد يكون الحبّ كما عرفناه انتهى فعلاً، ولكن لا داعي للخوف. لعلّه علينا الآن أن نكرّر مع الشاعر الفرنسي آرتور رمبو جملته الشهيرة: 'الحبّ، علينا أن نُعيد اختراعه'.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store