logo
#

أحدث الأخبار مع #المثقف

مثقفون يتبنّون قضيّة وآخرون يتخلّون عن قضاياهم
مثقفون يتبنّون قضيّة وآخرون يتخلّون عن قضاياهم

عكاظ

timeمنذ 5 ساعات

  • ترفيه
  • عكاظ

مثقفون يتبنّون قضيّة وآخرون يتخلّون عن قضاياهم

/*.article-main .article-entry > figure img {object-fit: cover !important;}*/ .articleImage .ratio{ padding-bottom:0 !important;height:auto;} .articleImage .ratio div{ position:relative;} .articleImage .ratio div img{ position:relative !important;width:100%;} .articleImage .ratio img{background-color: transparent !important;} حنان عنقاوي عبدالعزيز أبو لسه خالد قماش عبدالله الغذامي سهام القحطاني من اللافت لنظر الراصد للمشهد الثقافي في عالمنا العربي، تباين أنماط المثقفين؛ بين من يعيش لنفسه، ومن يهب ذاته ومجهوداته لقضايا عدة، وبين من يحاول الجمع بين قضيّة يدافع عنها ويتمسك بها، ويمنح نفسه حقها من المتعة والراحة واللذة، ولتحرير قضيّة الأسبوع من خلال نخبة من مشهدنا الثقافي والأدبي، نعرض ما توصّل إليه التحقيق الأسبوعي من وجهات نظر حول قضيّة المثقف على مستوى العام والخاص.. الكاتبة سهام حسين القحطاني ترى أن السؤال هو سؤال عن مفهوم «أصالة المثقف»، إذ لا بد لكل مثقف أن تكون له قضية، تتمثل في مبدأ، ومنهج ورؤية ثقافية، وتلكم هي التي تمنحه الأصالة سواء على مستوى كونه مثقفاً قادراً على خلق اتجاه وأسلوب ثقافيين، أو على مستوى التاريخ الثقافي لمجتمعه. وعدّت جذرّية القضية؛ تمثيلاتها المختلفة التي لا تعني الأحادية، بل تؤطر هويته الثقافية، كون الهوية لا تُعيق التنوع، بل تُسهم في استثمار توسيع تلك القضية من خلال التطبيقات والأساليب، وتراه مؤشراً على أصالة المثقف، الذي يطوّع قضيته الخاصة لتأسيس منهج كامل الأركان، مستعيدة تجربتي العروي والغذامي، لافتةً إلى أن المنهج الحاصل من خصوصية الهوية الثقافية للمثقف مثل بصمة الأصبع الذي تميزه عن غيره وتُطيل أثره الثقافي. ويحمّل الشاعر خالد قمّاش، الصراع الشكلي بين المثقف والمجتمع، إشكالية تحويل المثقف إلى قضية في الحياة، خصوصاً إذا استطاع المثقف أن يكون منتجاً للأفكار الخلاقة، والمثيرة للاختلاف لا الخلاف، وذهب إلى أن القاسم المشترك الأكبر بين قضايا المثقفين هو الانحياز للهمِّ الإنساني والانتصار للحق ومحاربة الفساد والظلم، مضيفاً أنّ مشكلة بعض المثقفين تتمثل في اختلاق قضايا هامشية لا تغني ولا تسمن من جوع، طمعاً في لفت النظر إليه عقب أن انطفأت قناديل حضوره في المشهد الثقافي! وقال: في قراءة سريعة إذا ما استثنينا المثقفين البرغماتيين يظل الوطن والإنسان هما المحوران المشتركان لأغلب القضايا الثقافية لدى بعض المثقفين العرب. فيما عدّت خبيرة المسرح الدكتورة حنان عنقاوي تبنّي قضيّة ما جزءاً من مشروع تنمية المثقف المستدامة، وترى أنّ تطور الإنسان في مكان ما من الكون هو تطور لكل العالم، فالفرد جزء من عالمه، وتؤكد أن القضية للمثقف ولغيره تشعره بوجوده، وتحقق انتماءه لمنظومته الخاصة والعامة، وتجذّر واجباته تجاه نفسه، أو مجتمعه، أو البيئة. وترى أن المثقفين درجات؛ إذ منهم من يمتلك المعلومة والمعرفة، ومنهم صاحب رؤية، ومنهم صاحب الوعي الذي يدرك جيداً أنه لا بد أن تكون له قضية مرتبطة بكيانه ومسؤوليته، وغاياته، وقسمت القضايا إلى مستويات؛ منها ما يُسهم في النمو، ومنها ما يطوّر القدرات، ومنها ما يحسّن أداء الذات، بالتعليم، وتراكم الخبرات، لتكون ثمرة القضية عائدة على المجتمع الذي يعيش فيه ويعرف احتياجاته، مؤكدةً مقولة: أنا لديّ قضية إذاً أنا موجود. فيما ذهب الشاعر عبدالعزيز أبو لسه، إلى أن وجود المثقف الحقيقي العميق «قضية» بحد ذاتها، بل هو بنية مستقلة تحتاج إلى تفكيك، واستبطان لسبر أغواره، وقال أبو لسه: في البدء يجب أن نميز المثقف من المتثاقف الذي يعتاش على الثقافة، ثم لو صادقنا أن المثقف يجب أن يتجرد مما يحيط به من حيوات ويفرّغ نفسه لحالته الإبداعية لغدا منعزلاً عن مجتمعه وعمّا حوله، ويرى أن المثقف وبما أنه حالة متماهية مع ذاته ومع مجتمعه فإنه حتماً بوعي أو دونه لن ينفك عن شؤونه التي هي بالضرورة جزء من الشأن العام إلا إذا تحدثنا عن فانتازيا وما وراء الطبيعة وما يتجاوز الفهم البشري.. عبدالله الغذامي:مَنْ ليس له قضيّة عبثيّ وزائدة دوديّة يؤكد الناقد الثقافي الدكتور عبدالله الغذامي أن المسألة لا ترد عنده تحت عنوان المفترض، ولا عنوان الواجب، أو المستحب، بل هي أكبر من كل هذه الافتراضات، فالكائن الذي ليس له قضيةٌ لن يكون كائناً سويّاً، وإنما هو كائنٌ عبثي وزائدة دودية -حسب مصطلحات الطب-، لافتاً إلى أن أي إنسان يحتاج لتحفيز عبر صيغ ما يجب، وما يستحب، ولن يكون حقاً مثقفاً، ولن يكون موظفاً يستحق مرتبه، ولن يكون مزارعاً تجود عليه أرضه بالثمر إلا صاحب قضيّة. وقال صاحب النقد الثقافي: أنا وأنت أبناء جيلٍ كانوا فلاحين أو تجاراً، وهاتان مهنتان بشريتان من أعمق مهن البشرية، والفلاح والتاجر لا ينجحان إلا لأنهما أصحاب قضية، أدناها أن يعيش حياة شريفة هو وأهله؛ ليتفادى الوقوع في مساس الحوج. وأضاف: ويحٌ لأي مثقف يزعم لنفسه صفة التثقف إن احتاج التنبيه على ما يجب وما يستحب. وزاد: نعم هناك مستهترون يعيشون اللذة، ولا يعنيهم غير لذتهم، لكن هؤلاء ليسوا مقياساً لأي معنى، ويظلون موضع بحث وتفكر بما أنهم غير أسوياء. أخبار ذات صلة

ملامح المعركة القادمة بين المثقف والذكاء الاصطناعي
ملامح المعركة القادمة بين المثقف والذكاء الاصطناعي

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • علوم
  • الجزيرة

ملامح المعركة القادمة بين المثقف والذكاء الاصطناعي

ما تشهدُه الحركة العلميّة والمعرفية ببعدها التقني التكنولوجي من تحوّلات كبرى ومهولة في وسائل ووسائط التعليم والوظائف والأدوات، يجعل مسألة الحديث عن الثقافة والمثقف ببعده المعرفي، حديثًا ذا شجون ومثيرًا للنقاش وجالبًا للأسئلة، لما باتت تمثّله التقنية من تحدٍّ كبير للبعد المعرفي، في شخصية المثقف، باعتباره – أي المثقف- رجل المعرفة الأوحد هنا، وباعتبار العمليّة المعرفية عملية ثقافية أيضًا. ولكن قبل هذا مَن هو المثقّف أصلًا، وأين موقعه في زمن الذكاء الاصطناعي؟ صحيح أنَّ مثل هذا الطرح حول تعريف المثقف وأنماطه هو طرح جدلي دائم، لكني أزعم أنَّ ثمة تجاوزًا كبيرًا لهذه النقطة من الحديث بهذا الخصوص حول المثقف وتعريفاته المختلفة، وأن المقاربة الأهم اليوم لمفهوم المثقف لم تعد تلك المقاربة التقليدية للمثقف القارئ للكتب والحاوي لصنوف المعرفة؛ لأنّ مثل هذه الوظيفة اليوم لم تعد حكرًا على صاحبنا المثقّف في زمن الفضاء الإلكتروني المفتوح، والذي أصبحت فيه المعرفة متاحة، وفي متناول الجميع، ولم يعد المثقف ناقل المعرفة وحاملها الوحيد، وإنما المثقف، اليوم، هو موقف نقدي من كل ما يمسّ الإنسان والمجتمعات وحقوقها وكرامتها وحرياتها. وإذا كانت هذه المقاربة هي اليوم الأكثر حضورًا، أو المفترض أن تكون كذلك، وحاضرة في فهم طبيعة ووظيفة المثقّف الحقيقي، وهو الموقف النقدي، فإننا نكون بذلك قد فصلنا بين الجزء الآلي الأدائي، وبين ما يفترض أن تشكّله المعرفة في شخصية المثقف من بُعد روحيّ وأخلاقيّ ورساليّ يتجاوز فكرة العقل الحاسوبي الوظيفي الذي أصبحت تؤدّيه اليوم التقنية باقتدار، ولم يعد حكرًا على العقل البشري فحسب. ففي الزمن الرقْمي لم يعد لفكرة المثقف التقليدي أي معنى؛ لأنه لا يمكنه أن يتماشى أو يداني أو ينافس برامج الذكاء الاصطناعي اليوم بأنواعها، وما باتت تقدّمه من خدمة معلوماتية سريعة وبجودة عالية، وكأنها صادرة عن عقل بشري مجرد، مع فارق الدقة والسرعة في تقديم هذه المعلومة، حيث أصبح اليوم الذكاء الاصطناعي يهيمن على سوق المعلومة وبطريقة مدهشة، ما يجعل اليوم فكرة الذكاء الاصطناعي تحتلّ تدريجيًا، ويومًا بعد آخر، مجالات العقل البشريّ الذي ابتكر فكرة الذكاء الاصطناعيّ ذاتها. لذلك، فاليوم، الحديث عن فكرة المثقّف، وخاصة نمط المثقف الوظيفي تحديدًا، فإنه على وشْك فقدان وظيفته، وهي تلك الوظيفة التي يقوم بها مقابل ما لديه من معارف وعلوم تطبيقيّة أو حتّى إنسانيّة، وهي وظيفة ما يُسمّى بالتكنوقراط، وهو الشخص الذي يسخّر ما لديه من معارف وقدرات لأداء وظيفة معينة يتمكن من خلالها من القيام بما يُراد منه القيام به، لما لديه من المعارف والمعلومات والمهارات والخبرات أيضًا . فهذا النوع من المثقّفين اليوم باتوا أكثر عرضة للاستغناء عن وظائفهم وأدوارهم في هذه الحياة، في ظلّ ثورة الذكاء الاصطناعيّ التي باتت اليوم تقتحم كلّ المجالات، وتتدخل في كل التخصصات، وهي بالمناسبة ثورة ربما سيكون لها وجه إيجابي كبير، حيث ستعيد الاعتبار كثيرًا لمفهوم المثقف العضوي الغرامشي، ذلك المثقف الذي يعني الموقف النقدي والرساليّ وضمير أمّته، بحسب التعريف البيغوفيتشي (نسبة للمفكّر البوسني الراحل علي عزت بيغوفيتش)، وهو ما يفترض أن يقوم به المثقف في مجتمعه وأمّته، جامعًا بين المعرفة والقيم. أمّا المثقف الوظيفي، فأعتقد أنه سيقع في مأزِق توافر البديل الأكثر سرعة ودقة، ومما لا شكّ فيه أنه سيسلب المثقف الوظيفي أهم خصائصه، وهو توفير المعلومة، ودقتها وسرعة جلبها، على عكس روتينية المثقف الوظيفي، التي تتسم بالبطء الشديد والرتابة أيضًا. ولهذا، أعتقد أن الذكاء الاصطناعي اليوم سيشكل تهديدًا كبيرًا لقطاع عريض من الوظائف، وخاصة تلك التي تعتمد على ما يمكن تسميتُه بالمثقف الوظيفي، كالإداريين والأطباء والمهندسين والصحفيين والمترجمين والمحرّرين والمراجعين، وغيرهم الكثير. بالعودة إلى موضوع الذكاء الاصطناعي والمثقف الوظيفي، فلا شك أنّ المثقف الوظيفي سيفقد دوره تدريجيًا لصالح الذكاء الاصطناعي، وهو ما سينعكس مرحليًا لصالح إعادة الاعتبار لمفهوم ودور المثقف الحقيقي، الذي يفترض أنه سيستفيد من هذا التحوّل لصالح دوره ومكانته كناقد يجمع بين ميزتَين؛ وهما الثقافة التقنية والموقف النقدي معًا، وهو ما لا يتوفر لدى الطرفين: الذكاء الاصطناعي، والمثقف الوظيفي. ثمة الكثير والكثير من الفوارق والمفارقات، التي يجب أن تسجل في مقام الحديث عن العلاقة الجدلية الناشئة بين الذكاء الاصطناعي والمثقف، بمعنى أنّ الذكاء الاصطناعي أداة عبقرية، لكنه بلا جسد، بلا ذاكرة حقيقية، وبلا رغبة في الحرية، بعكس المثقف الذي يظلّ ذلك الكائن الهشّ الذي يطرح الأسئلة المحرجة، يعانق التناقضات، ويصرّ على أن الحياة أكثر من مجرد معادلة خوارزميّة رياضية حاسوبية، ليظل المثقف حاضرًا كضمير وقيمة أخلاقية يتجلّى فيها سرّ الإنسان. فالذكاء الاصطناعي قد يعرف عنّا كل شيء، لكنه لا يعرف لماذا نضحك أو نبكي أو نحزن أو نُسرّ أو نُساء؛ أي أن الذكاء دون ضمير هو العبث بعينه، وهذا ربما ما قد يندرج ضمن ما كان يحذّر منه ألبير كامو في رفضه فكرة التكنولوجيا التي تسحق الإنسان. في نفس هذا السياق، ربما تأتي فكرة يورغان هابرماس في تحذيره من أن الذكاء الاصطناعي، أو ما يسميها بخوارزميات المنصات التي تشكل خطرًا على الديمقراطية، وعلى الفعل التواصلي البشري؛ لأن الذكاء الاصطناعي يفتقر لما يسمّيه هابرماس بالعقلانية التواصلية، أي عدم فهم السياق الأخلاقي من قبل الذكاء الاصطناعي، وبالتالي يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزّز كفاءة الأنظمة، لكنه لا يستطيع أن يحلّ محلّ الفعل التواصلي بين البشر، وهذا برأي هابرماس يشكل خطرًا على البشرية بأن تصبح القرارات المصيرية حكرًا على خوارزميات لا تخضع للمساءلة. لهذا كله يرى هابرماس أنّ المثقف ليس خَصمًا للذكاء الاصطناعي، لكنه حارسٌ ضد اختزال العالم الإنساني إلى معادلات تقنية، وإذا تخلّى المثقفون عن هذا الدور، فسيصبح المستقبل مُدارًا بـ"عقلانية صماء" تفتقر إلى المعنى والأخلاق. وهنا تكمن أهمية وضع حدود واضحة بين العقل البشري والعقل الحاسوبي الخوارزمي لذكاء الآلة الصماء، أو ما بات يسمّى بالذكاء الاصطناعي. وهو ربما الاختبار الصعب الذي سقط فيه حتى هابرماس نفسه فيما يتعلق بموقفه من أحداث غزة منذ بدايتها وصمته الطويل عمّا يجري هناك. وختامًا؛ فإن أخطر ما يمكن أن يشكله الذكاء الاصطناعي على المثقف، هو أنه قد يقوده إلى حالة من الضمور النقدي، ويخلق حالة من الكسل الذهني. وهو ما يطرح فكرة أن العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والمثقف يجب ألا تقوم على فكرة الاستبدال؛ لأن مجال الذكاء الاصطناعي سيبقى في حدود حفظ المعلومة لا فهمها، وطرح الأسئلة الصعبة حولها، كما يفعل المثقف. وبالتالي يمكن أن تكون ثمة علاقة تحالف بينهما، لأنه لا يمكن للعقل الاصطناعي أن يحلّ محلّ البصيرة الإنسانية المتجلّية بالموقف الأخلاقي والقدرة على طرح الأسئلة الصعبة والمعقّدة، وامتلاك القدرة على قول "لا"، فضلًا عن رفض فكرة تشيئة الإنسان واختزاله كمجرد رقْم في معادلة خوارزميّة رياضيّة.

معركة قادمة علي الأبواب مع الذكاء الاصطناعي
معركة قادمة علي الأبواب مع الذكاء الاصطناعي

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • علوم
  • الجزيرة

معركة قادمة علي الأبواب مع الذكاء الاصطناعي

ما تشهدُه الحركة العلميّة والمعرفية ببعدها التقني التكنولوجي من تحوّلات كبرى ومهولة في وسائل ووسائط التعليم والوظائف والأدوات، يجعل مسألة الحديث عن الثقافة والمثقف ببعده المعرفي، حديثًا ذا شجون ومثيرًا للنقاش وجالبًا للأسئلة، لما باتت تمثّله التقنية من تحدٍّ كبير للبعد المعرفي، في شخصية المثقف، باعتباره – أي المثقف- رجل المعرفة الأوحد هنا، وباعتبار العمليّة المعرفية عملية ثقافية أيضًا. ولكن قبل هذا مَن هو المثقّف أصلًا، وأين موقعه في زمن الذكاء الاصطناعي؟ صحيح أنَّ مثل هذا الطرح حول تعريف المثقف وأنماطه هو طرح جدلي دائم، لكني أزعم أنَّ ثمة تجاوزًا كبيرًا لهذه النقطة من الحديث بهذا الخصوص حول المثقف وتعريفاته المختلفة، وأن المقاربة الأهم اليوم لمفهوم المثقف لم تعد تلك المقاربة التقليدية للمثقف القارئ للكتب والحاوي لصنوف المعرفة؛ لأنّ مثل هذه الوظيفة اليوم لم تعد حكرًا على صاحبنا المثقّف في زمن الفضاء الإلكتروني المفتوح، والذي أصبحت فيه المعرفة متاحة، وفي متناول الجميع، ولم يعد المثقف ناقل المعرفة وحاملها الوحيد، وإنما المثقف، اليوم، هو موقف نقدي من كل ما يمسّ الإنسان والمجتمعات وحقوقها وكرامتها وحرياتها. وإذا كانت هذه المقاربة هي اليوم الأكثر حضورًا، أو المفترض أن تكون كذلك، وحاضرة في فهم طبيعة ووظيفة المثقّف الحقيقي، وهو الموقف النقدي، فإننا نكون بذلك قد فصلنا بين الجزء الآلي الأدائي، وبين ما يفترض أن تشكّله المعرفة في شخصية المثقف من بُعد روحيّ وأخلاقيّ ورساليّ يتجاوز فكرة العقل الحاسوبي الوظيفي الذي أصبحت تؤدّيه اليوم التقنية باقتدار، ولم يعد حكرًا على العقل البشري فحسب. ففي الزمن الرقْمي لم يعد لفكرة المثقف التقليدي أي معنى؛ لأنه لا يمكنه أن يتماشى أو يداني أو ينافس برامج الذكاء الاصطناعي اليوم بأنواعها، وما باتت تقدّمه من خدمة معلوماتية سريعة وبجودة عالية، وكأنها صادرة عن عقل بشري مجرد، مع فارق الدقة والسرعة في تقديم هذه المعلومة، حيث أصبح اليوم الذكاء الاصطناعي يهيمن على سوق المعلومة وبطريقة مدهشة، ما يجعل اليوم فكرة الذكاء الاصطناعي تحتلّ تدريجيًا، ويومًا بعد آخر، مجالات العقل البشريّ الذي ابتكر فكرة الذكاء الاصطناعيّ ذاتها. لذلك، فاليوم، الحديث عن فكرة المثقّف، وخاصة نمط المثقف الوظيفي تحديدًا، فإنه على وشْك فقدان وظيفته، وهي تلك الوظيفة التي يقوم بها مقابل ما لديه من معارف وعلوم تطبيقيّة أو حتّى إنسانيّة، وهي وظيفة ما يُسمّى بالتكنوقراط، وهو الشخص الذي يسخّر ما لديه من معارف وقدرات لأداء وظيفة معينة يتمكن من خلالها من القيام بما يُراد منه القيام به، لما لديه من المعارف والمعلومات والمهارات والخبرات أيضًا . فهذا النوع من المثقّفين اليوم باتوا أكثر عرضة للاستغناء عن وظائفهم وأدوارهم في هذه الحياة، في ظلّ ثورة الذكاء الاصطناعيّ التي باتت اليوم تقتحم كلّ المجالات، وتتدخل في كل التخصصات، وهي بالمناسبة ثورة ربما سيكون لها وجه إيجابي كبير، حيث ستعيد الاعتبار كثيرًا لمفهوم المثقف العضوي الغرامشي، ذلك المثقف الذي يعني الموقف النقدي والرساليّ وضمير أمّته، بحسب التعريف البيغوفيتشي (نسبة للمفكّر البوسني الراحل علي عزت بيغوفيتش)، وهو ما يفترض أن يقوم به المثقف في مجتمعه وأمّته، جامعًا بين المعرفة والقيم. أمّا المثقف الوظيفي، فأعتقد أنه سيقع في مأزِق توافر البديل الأكثر سرعة ودقة، ومما لا شكّ فيه أنه سيسلب المثقف الوظيفي أهم خصائصه، وهو توفير المعلومة، ودقتها وسرعة جلبها، على عكس روتينية المثقف الوظيفي، التي تتسم بالبطء الشديد والرتابة أيضًا. ولهذا، أعتقد أن الذكاء الاصطناعي اليوم سيشكل تهديدًا كبيرًا لقطاع عريض من الوظائف، وخاصة تلك التي تعتمد على ما يمكن تسميتُه بالمثقف الوظيفي، كالإداريين والأطباء والمهندسين والصحفيين والمترجمين والمحرّرين والمراجعين، وغيرهم الكثير. بالعودة إلى موضوع الذكاء الاصطناعي والمثقف الوظيفي، فلا شك أنّ المثقف الوظيفي سيفقد دوره تدريجيًا لصالح الذكاء الاصطناعي، وهو ما سينعكس مرحليًا لصالح إعادة الاعتبار لمفهوم ودور المثقف الحقيقي، الذي يفترض أنه سيستفيد من هذا التحوّل لصالح دوره ومكانته كناقد يجمع بين ميزتَين؛ وهما الثقافة التقنية والموقف النقدي معًا، وهو ما لا يتوفر لدى الطرفين: الذكاء الاصطناعي، والمثقف الوظيفي. ثمة الكثير والكثير من الفوارق والمفارقات، التي يجب أن تسجل في مقام الحديث عن العلاقة الجدلية الناشئة بين الذكاء الاصطناعي والمثقف، بمعنى أنّ الذكاء الاصطناعي أداة عبقرية، لكنه بلا جسد، بلا ذاكرة حقيقية، وبلا رغبة في الحرية، بعكس المثقف الذي يظلّ ذلك الكائن الهشّ الذي يطرح الأسئلة المحرجة، يعانق التناقضات، ويصرّ على أن الحياة أكثر من مجرد معادلة خوارزميّة رياضية حاسوبية، ليظل المثقف حاضرًا كضمير وقيمة أخلاقية يتجلّى فيها سرّ الإنسان. فالذكاء الاصطناعي قد يعرف عنّا كل شيء، لكنه لا يعرف لماذا نضحك أو نبكي أو نحزن أو نُسرّ أو نُساء؛ أي أن الذكاء دون ضمير هو العبث بعينه، وهذا ربما ما قد يندرج ضمن ما كان يحذّر منه ألبير كامو في رفضه فكرة التكنولوجيا التي تسحق الإنسان. في نفس هذا السياق، ربما تأتي فكرة يورغان هابرماس في تحذيره من أن الذكاء الاصطناعي، أو ما يسميها بخوارزميات المنصات التي تشكل خطرًا على الديمقراطية، وعلى الفعل التواصلي البشري؛ لأن الذكاء الاصطناعي يفتقر لما يسمّيه هابرماس بالعقلانية التواصلية، أي عدم فهم السياق الأخلاقي من قبل الذكاء الاصطناعي، وبالتالي يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزّز كفاءة الأنظمة، لكنه لا يستطيع أن يحلّ محلّ الفعل التواصلي بين البشر، وهذا برأي هابرماس يشكل خطرًا على البشرية بأن تصبح القرارات المصيرية حكرًا على خوارزميات لا تخضع للمساءلة. لهذا كله يرى هابرماس أنّ المثقف ليس خَصمًا للذكاء الاصطناعي، لكنه حارسٌ ضد اختزال العالم الإنساني إلى معادلات تقنية، وإذا تخلّى المثقفون عن هذا الدور، فسيصبح المستقبل مُدارًا بـ"عقلانية صماء" تفتقر إلى المعنى والأخلاق. وهنا تكمن أهمية وضع حدود واضحة بين العقل البشري والعقل الحاسوبي الخوارزمي لذكاء الآلة الصماء، أو ما بات يسمّى بالذكاء الاصطناعي. وهو ربما الاختبار الصعب الذي سقط فيه حتى هابرماس نفسه فيما يتعلق بموقفه من أحداث غزة منذ بدايتها وصمته الطويل عمّا يجري هناك. وختامًا؛ فإن أخطر ما يمكن أن يشكله الذكاء الاصطناعي على المثقف، هو أنه قد يقوده إلى حالة من الضمور النقدي، ويخلق حالة من الكسل الذهني. وهو ما يطرح فكرة أن العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والمثقف يجب ألا تقوم على فكرة الاستبدال؛ لأن مجال الذكاء الاصطناعي سيبقى في حدود حفظ المعلومة لا فهمها، وطرح الأسئلة الصعبة حولها، كما يفعل المثقف. وبالتالي يمكن أن تكون ثمة علاقة تحالف بينهما، لأنه لا يمكن للعقل الاصطناعي أن يحلّ محلّ البصيرة الإنسانية المتجلّية بالموقف الأخلاقي والقدرة على طرح الأسئلة الصعبة والمعقّدة، وامتلاك القدرة على قول "لا"، فضلًا عن رفض فكرة تشيئة الإنسان واختزاله كمجرد رقْم في معادلة خوارزميّة رياضيّة.

صنع الله إبراهيم.. شرف المثقف
صنع الله إبراهيم.. شرف المثقف

صحيفة الخليج

timeمنذ 5 أيام

  • سياسة
  • صحيفة الخليج

صنع الله إبراهيم.. شرف المثقف

اكتسب رمزيته من قوة نموذجه الإنساني، فهو مبدع كبير من جيل الستينات لا يتلون بتغير العصور، يقول ما يعتقده تحت كل الظروف، كأنه صوت ضمير يأبى على اعتبارات البيع والشراء. هو تلخيص رمزي ل«شرف المثقف». لعله أكثر من يستحق في حياتنا المعاصرة أن يكون تجسيداً حياً لتعريف المثقف عند الفيلسوف الفرنسي جوليان بندا- «المثقف الضمير». لم تؤثر معاناته لخمس سنوات في المعتقل إثر الصدام بين ثورة يوليو وحركة «حدِتو» الماركسية عام (1959) على عمق رؤيته. عندما أدخل المعتقل في الثانية والعشرين من عمره، كان يدرس القانون في كلية الحقوق، ويعمل موظفاً بمكتب ترجمة حتى يواصل تعليمه. رأى بعينيه الوقائع الشائنة لمقتل المفكر اليساري «شهدي عطية الشافعي» تحت الضرب المبرح في معتقل «أبو زعبل» يوم 17 يونيو 1960. لأسباب تتعلق بضعف بنيته الجسدية جرى تنحيته على جنب حتى لا تزهق روحه من أول ضربة. رفض الإدلاء بأقواله أمام سلطات الأمن خشية على حياته، وتحدث بما رأى أمام النيابة العامة بشجاعة. استقرت التجربة في وجدانه بكل آلامها، غير أنها لم تمنعه من أن يرى عمق التحولات في مجتمعه ولا تناقضات المشروع الناصري مع نظامه. عندما انكسرت مصر في 5 يونيو 1967 لم يشمت في آلامها، ولا أخفى ما عاينه بنفسه يوم 9 يونيو إثر إعلان عبدالناصر التنحي من إرادة مقاومة عمّت الشوارع. «كان الظلام ينتشر بسرعة والناس تجري في كل اتجاه وهم يصيحون ويهتفون. ثم أخذوا يشكلون اتجاهاً واحداً إلى مصر الجديدة. وهم يرددون في جنون اسم ناصر. وظهرت بعض الأنوار في المحلات والمنازل ثم دوّت أصوات مدافع فوق رؤوسنا فساد الظلام من جديد». روى ما شهده بعينه، في روايته «1967»، من أحداث ومشاعر انفجار بالبكاء وتشنج وانهيار وخروج بعفوية للشوارع. كان الروائي الشاب في ذلك الوقت مطارداً سياسياً. لم يكن هناك ما يدعوه إلى أن يُضفي على «تمثيلية» مصطنعة طابع الحقيقة المصدقة. إنه شرف المثقف. «لماذا تدافع عمن سجنك لخمس سنوات؟». طارده هذا السؤال عبر السنين والعقود مستغرباً دفاعه بحماس بالغ بأي محفل وفي كل وقت عن عبدالناصر. لم يتراجع يوماً، ولا غيّر أفكاره بيوم آخر، لكنه لم يُتَح له أن يعبّر عن كامل وجهات نظره في الرجل وعصره، حتى كتب روايته «1970». النص الروائي أقرب إلى مناجاة طويلة مع رجل رحل قبل أكثر من نصف قرن، يخاطبه كأنه يسمع، يراجع معه مواطن الخلل في تجربته التي أفضت إلى الانقضاض عليها، ينقده بقسوة أحياناً ويعاتبه أحياناً، ولا يخفي محبته وتماهيه مع عذابه الإنساني في مرضه الأخير. شأن أغلب رواياته فهو يعتنى بالتسجيل والتوثيق، كأنه يرسم بالأخبار والوقائع يوماً بيوم صورة تلك السنة، أزماتها وتحدياتها والأحوال الثقافية والفنية فيها، تكاليف المعيشة والإعلانات المنشورة، وكذلك حرب الاستنزاف وشهداؤها، المقاومة الفلسطينية والانقضاض عليها في «أيلول الأسود». فلسطين حاضرة في أعماله، بصورة مباشرة، أو في خلفية الأحداث. العمل الروائي يكتسب قيمته من فنيته وما ينطوي عليه من فلسفة حياة، لا هو موضوع في التحليل السياسي ولا تأريخ لمرحلة، غير أن التاريخ بصراعاته وتناقضاته مادة ثرية للدراما. في واقعتين مدويتين وجد نفسه طرفاً مباشراً في الصراع حول أي مصر نريد؟ الأولى، عام 2003 عندما رفض جائزة ملتقى القاهرة للإبداع الروائي العربي، التي يمنحها المجلس الأعلى للثقافة. كان المشهد مثيراً، فقد جرى الرفض أثناء الإعلان عن الجائزة. فيما كان يعتقد أن الفائز سوف يلقي كلمة شكر لمانحي الجائزة، أعلن رفضه الحصول عليها مُديناً السلطة التي منحتها. كانت تلك رسالة غضب أقرب إلى «وثيقة أخيرة» قبل إسدال الستار. أسبابه المعلنة كلها سياسية تنطق بما يجيش في عقول وقلوب المصريين. بعض الذين منحوه الجائزة، هنّأوه بالاعتذار عنها. كانت تلك رسالة أخرى عن تصدّع نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك. لم يرفض الجائزة لأنها مصرية، بل لأن وجودنا الإنساني في محنة، ووجودنا السياسي كارثة، ووجودنا كوطن وأمة في خطر. في ذلك الوقت ترددت تكهنات أنه قد يعتقل، أو يحدث له مكروه. نقل تلك المخاوف وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني إلى الرئيس، الذي أبلغه أن شيئاً من ذلك لن يحدث. كانت تلك إشارة عن قدر من التعقل السياسي لنظام بدأت قوائمه تهتز من تحته. والثانية، عام 2013 قبل احتجاجات 30 يونيو عندما تصدر مع الروائي الكبير بهاء طاهر اعتصام المثقفين في مبنى وزارة الثقافة. بقوة إلهام الأديبين الكبيرين تدفق على مكان الاعتصام فنانون ومبدعون من جميع الأجيال والاتجاهات الوطنية، طلباً للدولة المدنية الديمقراطية الحديثة. بعده حدث انكفاء المثقفين دون التفات يذكر إلى خطورته على مناعة البلد وقدرته على الإبداع وتجديد قوته الناعمة وبناء تصورات تساعد على تأسيس مشروع ثقافي له طاقة الالتحاق بعصره. عودة الروح إلى الحياة الثقافية، وأدوار المثقفين، ضرورة وجود للبلد في مواجهة تحدياته وأزماته. هنا- بالضبط- معنى وقيمة أن يكون بيننا صنع الله إبراهيم، الذي يستحق عن جدارة تاريخ وإبداع دعوات المصريين والعرب كلهم بالشفاء العاجل من محنته الصحية.

نرجسيّة المبدع تُقلّص حضوره الثقافي
نرجسيّة المبدع تُقلّص حضوره الثقافي

عكاظ

time١٥-٠٥-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • عكاظ

نرجسيّة المبدع تُقلّص حضوره الثقافي

نائلة القاضي رائدة العامري صغير العنزي مريع آل سوادي يتعذّر أحياناً على بعض المثقفين الوفاء بالالتزامات، على مستوى لقاءات، حوارات، مشاركات في ندوات وأمسيات، وفيما يرى البعض أن الالتزام مربك، واقتحام للخصوصية، هناك من يبرر غيابه الثقافي والإبداعي بانشغال، أو عدم توفر الوقت، أو أنه ملّ، أو ليس لديه حماس، وقلّة يصرفهم مزاج متقلّب، أو شعور بانعدام جدوى أي مشاركة، وهنا نطرح السؤال عن مدى حرص المثقف، الأديب، المبدع على أن يلتزم بنشاط أو إسهام في فعالية يُدعى لها، وما مسوغات التثاقل عنها؟ الناقد الدكتور صغير العنزي يرى أنّ المثقّف، الباحث الجادّ -تحديداً- يكون مشغولاً فكريّاً بأبحاثه، وأفكار مواضيع، والأفكار المهمّة والبِكْر ليست من المطروح بالطّريق الذي مُهمّة صاحبه الرّصف فقط، وإنّما يقوم على أسئلة، واستنباط، وتأمّل، وشتات يبحث عن لمِّه، وجمعه، وفكرةٍ غائبة يُجْرَى خلفها، وفكرةٍ أخرى عسيرة المُرتَقى يُحاول تفكيكها للوصول إلى نتيجة، فرأسُهُ أشبهُ ما يكون بالمصنع الذي لا تهدأ ماكينته من العمل والضخّ. ويؤكد العنزي أنّ ذلك يصحبه جهدٌ كبيرٌ من التأمّل والمطالعة، والركض خلف المراجع، والتقاط معلومةٍ من هنا، وأخرى من هناك. هذا ما يُشكّل عليه عبئاً ثقيلاً، وربما يكون همّاً يقضّ مضجعه، وأي انقطاع عن ملاحقة الفكرة يجعلها تشرد بلا عودة، وأي تأخّر ربما يضيع عقد فكرةٍ كانت منتظمة، ولفت إلى أنّ الباحث في جهادٍ مستمرّ ما بين فكريّ وآخر ماديّ (القراءة وتتبّع المراجع)، والانشغال يجعله قلقاً أكثر لو انصرف لغير بحثه لأنّه يقطعه عنه، وقلقاً مع بحثه أيضاً، لأنّه في حال صراعٍ مع الأفكار، والصراع معها عملٌ مُضنٍ، وجبّار، وحملٌ ثقيل الوطأة على صاحبه، ما يجعله يضيق ذرعاً بالالتزامات، كون أبحاثه واشتغالاته تُشكّل عليه التزاماً أثقل من كلّ التزام. فيما عدّها الشاعر مريّع آل سوادي، نسبية التلازم ومزاجية الالتزام، وقال: الأديب مرتهن لانشغاله الجاد بمشروعه الخاص، ومما يؤثر في جديته، الاشتغال بالمحيط من حوله، وهو في حالة ارتباك، وقلق دائم، لا ينفك يعيد إنتاجه من وقت لآخر، ولو كلفه الكثير من الخسائر في محيطه المجتمعي، وبنسب متفاوتة، ويراه قدراً لا يشعر الآخر بحتميته ودوافعه ومآلاته المتعددة. ‏ ‏وتذهب الأكاديمية الدكتورة نائلة القاضي إلى أن رسالة الأديب لا تقتصر على الكتابة في حد ذاتها، بل تصل لمسافات أوسع وأعمق من القلم والورق، يكمن جوهرها في التأمل ومصداقية الرأي والخيال الجامح، وترى بعض الالتزامات عائقاً لحركة الأديب الوجدانية والفكرية، تؤثر على التفكير النقدي والإبداعي وتقلّص مساحته، وترى أنّ الأيدولوجيا الاجتماعية تثقل كاهل المرأة الأديبة، فالمطلوب منها النجاح في أدوارها الاجتماعية؛ زوجةً وأماً وابنة، فتتحمل أعباء الأسرة ونفسها والتقاليد والمجتمع حولها، وهي حريصة على أن تظل وفية لقلمها الأدبي، وعالمها الجذاب، إلا أن الصراع اليومي بين الواجب والإبداع، يجعلها في ضيق، وكأنها في ميدان حرب تخوض المعارك يومياً، وتحاول فيها إعادة صفوها ومزاجها، مشيرةً إلى أن المرأة الأديبة تواجه رقابة مضاعفة من المجتمع، ومن ذاتها تُفرض عليها بسبب تربيتها أو نظرة الآخرين لها باعتبارها جريئة، وبالتالي: تُجبر على كبت قلمها. ولفتت القاضي إلى أن الكثير من الأديبات استطعن تحويل هذا الضيق إلى مصدر إلهام، وكتبن عن اللغة والأدب والشعر والمجتمع وغيرها من العلوم والمعارف بلغة تنبض بالقوة والتحدي، وأرجعت إلى نرجسية الأديب الإخلال ببعض الالتزامات، ويتجلى في تقديره المبالغ لذاته، وسعيه في إبهار الآخرين، وعدم تقبّله للنقد أو الفشل، واعتقاده بأنه مصدر أول للمعرفة، والثقة المبالغ فيها، والتعنت برأي واحد، ومزاجيه التعامل وتضخيم الأنا «أنا المصلح.. أنا المفكر.. أنا الناقد»، والترفع عن قراءة النتاج الأدبي للآخرين، ما ينتج عنه فقده علاقته بزملائه الأدباء، وتأثر سمعته، وعرقلة مشاريعه الأدبية، وعدم الثقة به، ولم تستبعد وقوع البعض في حالة من القلق والتوتر، ويترتب عليها تردد بين التمرد والالتزام وما هو ضروري لأجل نجاحه في مشروعه الأدبي والفني. وتعد القاضي الالتزام مسؤولية، مع القارئ الواعي الذي يود فتح حوارات ، ومع الكاتب المبتدئ أو المختلف معه في المدرسة العلمية أو الأدبية، ومع المجتمع، مع الحفاظ على قيمه وأخلاقه وأمانته الفكرية، مؤكدةً أن الالتزام والتمرد عجلة الأديب الناجح الذي يتمرد على الفكرة وليس على الإنسان، ثم يلتزم لتتهذب الفكرة، وتنتج أدباً عظيماً من أدباء عظماء. رائدة العامري: تفكيك الالتزام وإشكالية السياق الثقافي ترى الناقدة الدكتورة رائدة العامري، أن المثقف يتموضع في سياق المنظومة الثقافية، في موقع إشكالي بين صورة نمطية له، بوصفه مشاكساً لقيود التنظيم، وبين السعي إلى الانضباط داخل الحقل الثقافي، ضمن نسق إنتاجي، وبينهما بقدر ما تبدو الصورة سياقاً ظاهراً لسلوك المثقف، تتأسس مفارقة كبرى تُخفي خلفها إشكالية أعمق تتصل بطبيعة العلاقة البنيوية بين المثقف والزمن، بين لحظة فعل التفكير كتجربة وجودية عميقة، ومطلب الالتزام كشرط مؤسسي يُراد له أن يكون معياراً للاحتراف والجدية، لتغدو مساءلة مفهوم «الالتزام الثقافي» ضرورة نقدية لفهم طبيعة هذا الصراع البنيوي، وتحوّل الثقافة إلى منتج، يقاس بالأداء، أكثر مما يقدّر بالسؤال، وتؤكد أن المثقف الحقيقي لا يسكن الزمن بوصفه تقويماً إدارياً أو جدولاً إنتاجياً، بل يعيش الزمن باعتباره صراعاً بين زمن داخلي ينهض من القلق والحاجة إلى الفهم، وزمن خارجي يُدار وفق جداول وأطر للتقييم. وهنا تتجلّى المفارقة: فالمثقف لا يرفض الالتزام من حيث المبدأ، بل يرفض اختزاله إلى أداة ضبط، ما يُشبه «المراقبة» التي تنقل الفعل الثقافي من حقل الإبداع إلى حقل الإنتاج، مشيرةً إلى أن الكتابة تغدو فعلاً وجودياً يتولد من اضطرار داخلي لقلق الوعي، لا من متطلبات تعاقدية. فالمثقف في وعيه الأعمق، لا يكتب لأنه مكلَّف بكتابة نص، بل لأنّ ثمة سؤالاً يُلزمه من الداخل، فتتحول الكتابة إلى شكل من أشكال الوجود، لا إلى منتج ضمن دورة اقتصادية ثقافية، وفي هذا السياق، تطرح أدوات النقد الثقافي لإعادة قراءة «الالتزام» لا بوصفها آلية سلطوية ناعمة، بل بوصفها معياراً أخلاقياً ينبغي مساءلته. وتذهب إلى أن النقد لا يبدو في الظاهر تمرداً عشوائياً على الالتزام، إنما هو تعبير مضمر عن مقاومة «الضبط الثقافي»، واحتجاج على اختزال التجربة الفكرية في مشروع قابل للتنفيذ، فالنقد الحقيقي لا ينبثق من البنيوية، بل من التفكيك، سعياً لزعزعة الانضباط ذاته. وهنا يبرز دور المثقف، لا في أداء دور مخطط له مسبقاً، بل في إعادة مساءلة الأدوار جميعها، بما فيها دوره الخاص، وذهبت إلى أننا أمام لحظة حرجة تتطلب إعادة تعريف جوهر الالتزام الثقافي، لا بوصفه استجابة لمتطلبات السوق، بل باعتباره فعلاً حرّاً ينبثق من الذات. وأضافت العامري: السؤال لم يعد ثقافياً فحسب، بل وجودياً: من يملك الحق في تنظيم الزمن؟ ومن يملك الجرأة على استعادته؟ وهل ننتج نصوصاً ترضي بنية التلقي؟ أم نكتب لنعيد مساءلة هذه البِنْيَة ذاتها؟ وتؤكد أن المثقف يتحرك داخل مفارقة الذات بوصفها أُفقاً لأسئلة وجودية لا تستجيب للبرمجة الزمنية. ولعل هذا ما يجعل من الالتزام في صيغته السائدة، مظهراً لنسق خفيّ ودقيق يشتغل على الجسد واللغة والزمن، ليعيد إنتاج الذات المُفكّرة، باعتبارها ذاتاً منضبطة، لا ذاتاً حرة. أخبار ذات صلة

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store