logo
#

أحدث الأخبار مع #النصيحة

بَينَ نَصيحةِ المَعرّي وَشفقتِه
بَينَ نَصيحةِ المَعرّي وَشفقتِه

الشرق الأوسط

time١٩-٠٧-٢٠٢٥

  • منوعات
  • الشرق الأوسط

بَينَ نَصيحةِ المَعرّي وَشفقتِه

عَجيبٌ ما فعلَهُ شَاعرُ الفَلَاسفةِ، وَفَيلسُوفُ الشُّعراء، أبُو العَلاء المَعَرِّي وهوَ ينقُضُ عُرَى المُتَكبّرِ، باسْتخدَامِهِ منطقاً حِوارياً يمكنُ لِمَنْ يتفكَّرُ به ويتأمَّلُه بِتمعُّنٍ وَتَبَصُّرٍ أنْ يُصدمَ مِنْ حَقَائقَ جَلَاهَا المَعرّي وأزَالَ عنهَا كلَّ خِمارٍ وَكَشَفَ عنهَا كلَّ غِطَاء. كَانتِ البدايةُ في وصفِ سُلُوكِ المُتكبّرينَ، الّذِي يندُرُ أنْ يَتَنَبَّهَ إليهِ المُتغَطرِسُ وإنْ كَانَ يَتلبَّسُ بهِ؛ إذْ يُمارسُه كلَّ حِينٍ وَفِي كلّ مَكَان! يُريدُ المتكبرُ أن يُحدثَ جلبةً ودوياً وما يترك إلا قعقعةً بلَا طِحْنٍ ضمنَ بحثِهِ عنِ الشُّهرةِ الفَارِغَةِ وضمنَ هُيامِه المُفرطِ بنفسِهِ، تَراهُ يَمشِي بِتَبخْتُرٍ وَتَغطْرُسٍ، وَيضرِبُ الأَرضَ بِأقدامِهِ، وَكَأنَّهُ يَسيرُ فِي عَرضِ مارشالٍ عَسْكَرِي، لِذلكَ تَلَطَّفَ المَعَرّي بِنَصِيحَتِهِ الشَّفِيفَةِ فَقَالَ: صَاحِِ هَـذِي قُبُـورُنَا تَمْلَأُ الـرُّحْـبَ فَــأَيْـنَ القُـبُـورُ مِـنْ عَـهْـدِ عَـادِ يَبدأُ أبُو العلاء بيتَه بنداءٍ مُرخَّمٍ تّحَبُّباً وَتَلَطُّفاً وَحُنُوّاً معَ المُتغطْرسِ، فيقولُ لَهُ: صَاحِ وَهُوَ تَرْخِيمُ صَاحِبي، فَوَصَفَ المتكبّرَ بِصَاحبِه، وهذَا فيهِ دلالةٌ علَى أنَّ منهجَ النَّصيحةِ الأَمثلَ إنَّمَا يكونُ بالمَحبَّةِ وَاللطفِ واللينِ، لأنَّ النَّاصحَ الحَقيقيَّ مُشفقٌ علَى المَنصُوحِ، والمُشفقُ مُحِبٌ غايتُهُ أنْ يفتحَ اللهُ علَى المَنصوحِ فَيَرِقّ للنَّصيحةِ ويَقتنِع بِهَا وَيَمتثل لَهَا، وليسَ هدفُ النَّاصحِ أنْ ينفخَ ذاتَه ويُطرِبَ داخلَه بصوتِه المُخمَلِيِّ وَهوَ يقولُ لنفسِه بشكلٍ غيرِ مُباشرٍ، أنَا خيرٌ مِنْ هذَا الّذِي لَمْ يَتَوصَّلْ إلَى مَعنَى النَّصيحَةِ، فأنَا أُحَدّثُ المَنصُوحَ مِنْ عُلُوٍّ، حيثُ مَرتبةُ العَالمِ الفَاهِمِ مِثلِي، وأنَا أتَفضَّلُ عَليهِ بِنُصْحِي، وَوَقتِي وَجهدِي وَعِلمِي! هَذَا النَّوعُ منَ النَّصَائحِ مرَّ علَى مُحرّرِ صِيَاغَةٍ فِي جُمهوريَّة إبليسَ، فَحَبَّرَ النَّصَّ للنَّاصِحِ، وَدَبَّجَهُ بِكلّ تَوَاضُعٍ شَيْطَانِيّ يَكفِي للدّلالةِ عَليهِ مَرَّاتُ اسْتخدَامِ (أنَا) فِي حَديثِ النَّاصِحِ، حَتَّى أوْشَكَتْ أنْ تَتحوَّلَ إلَى (نحنُ) مِنْ كَثْرَتِهَا! ثمَّ قالَ الشَّاعرُ فِي تَأكيدٍ عَلَى مَنْهَجِهِ المُشْفِقِ فِي النَّصِيحَة: صَاحِ هَـذِي قُبُـورُنَا تَمْلَأُ الـرُّحْـبَ فاستخدمَ (قبورنا)، جَامعاً نفسَه معَ المَنصوح، وجعلَهَا قضيةً لا تختصُّ بِالمنصُوحِ وحدَه، حتَّى لَا يتركُه في العَراء وحيداً، بل اعتبرَ الأمرَ مُتَعَلّقاً بِالجَميعِ، ومَا هيَ بِمشكلةٍ ينفردُ بهَا المَنصُوحُ المُتغطرِسُ! وَقولُهُ (الرُّحب): يريدُ الأرضَ الرَّحبةَ الواسعةَ الشاسعةَ الممتدة، وَهيَ رغمَ امتدادِهَا بلَا حَدٍّ، فإنَّ قبورَنَا تَملأُهَا، منْ كَثْرةِ القُبُورِ. وَقَصدَ بِالجَمعِ فِي قُبورِنَا: البَشرَ كُلَّهُمْ فِي مُختلفِ العُصُور. ثم انتقل ليطرحَ تساؤلاً في عجزِ البيتِ، بقوله: فأينَ القبورُ من عهدِ عادِ؟ أيْ هذهِ الأعدادُ المَهولةُ منَ الخَلقِ، أين هيَ قبورُهم؟ إذا كانتِ الأرضُ تملؤها قبورُنَا نحنُ وأسلافنا المعاصرين فأينَ قبورُ الأوائل؟! يُلمح الشَّاعرُ إلى أن القبورَ تضيع ملامحُها بالتقادم، وتبقى قبورُ المتأخرين ظاهرةً شاخصةً، لكنَّها إلى زوالٍ سائرة، شأنُها شأنُ قبور المتقدمين. وتحدَّثَ عن عهدِ عاد بالذات، لأنَّ العربَ كانوا إذا أرادوا أن يتحدثوا عن عصرٍ قديم، ذكرُوا قومَ عادٍ. وَفِي التَّنزيل: (وإلى عادٍ أخاهم هوداً)، أي وأرسلنَا إلى عادٍ أخاهم هودَا. ثمَّ ينشدُ المعرّي، بيتاً رائعاً، يخاطبُ به المتكبر: خَــفِّــفِ الـوَطْءَ مَـا أَظُـنُّ أَدِيـمَ الْأَرْضِ إِلَّا مِــنْ هَــذِهِ الأَجْـــسَـــادِ يقول: يا أيُّها المتغطرسُ في مشيتِه، إذ يضرب الأرضَ بقدميه بقوة، خفف وطأك بأقدامك، فأديم الأرض: أي ظاهرها، وهي الطبقة العلوية من الأرض أحسبُها تشكَّلت من أجسادِ الموتى؛ إذ أصبحتْ أجسادُهم جزءاً من التربة. والأرض التي بعضها فتات أجساد البشر الأوائل لا تستحق أن تضربَها بخطوات قدميك القوية، فخفّفْ وطأتَك وخفّف وطأَكَ. ويبرر نصيحته بتخفيف الوطء، بقوله: وَقَـبِــيـحٌ بِــنَـا وَإِنْ قَــدُمَ الــعَـهْــدُ هَــــوَانُ الآبَــــاءِ وَالأَجْــــدَادِ أي أنَّ إهانةَ الآباءِ والأجدادِ الذين صارَ رفاتُهم على هذه الأرضِ يكون بضربِ الأرضِ بالأقدامِ بقوةٍ، وَهوَ فعلٌ قبيحٌ. لاحظْ أنَّ المعريَّ يكرّرُ الانضمامَ إلى المنصوحِ بقولِه: قبيحٌ بنَا، ولم يقلْ قبيحٌ بكَ أيُّهَا المُتَغطْرِسُ، مع أنَّ الشَّاعرَ لم يمشِ مِشيةَ التَّكبُّرِ تلك، لكنَّها شَفقةُ المُحِبِّ النَّاصِحِ.

اجذبوا هذا المقال !
اجذبوا هذا المقال !

عكاظ

time١٠-٠٧-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • عكاظ

اجذبوا هذا المقال !

يُقال يا أصدقائي أن «النصيحة بجمل» وأنا شخصياً لا أمانع أبداً في أن أستلم هذا الجمل لكن بشرط، أن لا يكون يعاني من نقص تغذية أو حقد دفين أو عقد نفسية ويكون ثمنه منه وفيه. فأنا من الناس الذين لا يحبون الاستماع إلى النصائح، وإن كان ولا بد فقد أتقبّل سماعها من أحد عزيز على قلبي وتكون مغلفة «بتغليف هدايا» ومعها وردة وابتسامة حتى لو كانت صفراء. وعلى سبيل المقال؛ نجد في مواقع التواصل الاجتماعي كثير من الناس يصنّفون أنفسهم على إنهم «مدربين تنمية بشرية» حتى ولو كان بعضهم لا يستطيع أن يكتب جملتين على بعضها دون التعثر ما بين النحو واللغة! فيعطي الآخرين نصائح مثل: «لا تستسلم، انهض، قاوم، انجح» وهو في الأساس إنسان فاشل، يكتب كلماته هذه من على فراشه، ومن وسط بيته المدمر أسرياً، وحاله الميؤوس منه، وحاجته الفعلية إلى دورة تعلّمه كيفية التعامل مع الحياة بدون (دراما) وفلسفة غير منطقية. فهو ممن ينطبق عليه المثل الذي يقول: «فاقد الشيء يتفلسف فيه». والأدهى من كل هذا؛ أن من ينصحك لا يطبق ولا 1% من كلامه، وفوق ذلك يكتب تعريفاً لنفسه بأنه «مُلهم، محفز، مدرب تنمية بشرية ناجح». ومع الأسف يحدثك عن النجاح وهو بعيد عن دربه، وعن الاستقلالية المالية وهو مديون «لشوشته»، وعن النشاط وهو يستيقظ آخر النهار، وعن الأمل وهو متشائم، وينصحك أن تطرد الطاقة السلبية من داخلك وهو قلق ومضطرب! ويقول لك: «اتخذ قرارك» وهو إذا دخل لمقهى يحتار يطلب «كابتشينو أو لاتيه». وأنا في هذا المقال لستُ بصدد أن أقول لكم لا تستمعوا للنصائح، بل على العكس فالنصيحة مثل «الملح» في الطعام لا بد أن نذوقها، ولكن دعني أنا من أحدد إن كنت سوف أحتسي (شوربتي) بملح أو بدون، دون أن تحشر أنفك (المكعبر) فيما أريد. فالتنمية البشرية في الأساس هي مجموعة من الأساليب والمبادئ التي تهدف لتطوير قدرات الإنسان الذهنية، والنفسية، والسلوكية، والعملية، ولكن البعض اتخذها (كحِرفة تجارية)! فبعض دورات التنمية البشرية مليئة (بالخرافات)، أهمها «قانون الجذب» الذي يوهمون الناس فيه بأن كل ما يتمنونه بشدة سوف يأتيهم، مثل إنسانة أعرفها تؤمن بمثل هذه الخزعبلات قالت لي في ليلة (راس سنة كبيسة): «اكتبي أهدافك، وضعيها تحت مخدتك ونامي، الكون يشتغل»، وأخذت بنصيحتها ونمت وصحيت لقيت المخدة (طايحة) على الأرض، والكون كله يغط في سُبات عميق. وعموماً؛ وحرصاً مني على وقتكم الثمين الذي لا بد أن تستثمروه كما يقول خبراء التنمية البشرية والتطوير والإلهام، أود أن أقول لكم: اقرؤوا هذا المقال مرتين على الأقل، وبعدها إن أراد أحدٌ منكم نُصحي، فليرسل مع نصيحته باقة ورد جميلة، ومعها كوب «قهوة مُرة» مكتوب عليها اسمي، حتى أُسمّي بالله وأشربها مع كلامه الذي لن يسمن، ولن يغنيني من جوع. وقبل أن أودعكم سوف أنصحكم نصيحة لوجه الله؛ في وسط العتمة دائماً سوف تجدون نور، اطفوه وناموا. أخبار ذات صلة

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store