أحدث الأخبار مع #اليسوعيون


الجريدة
١٩-٠٤-٢٠٢٥
- منوعات
- الجريدة
ما قل ودل: الإرساليات التبشيرية الحاضنة الثقافية والخدمية للاستعمار القديم (2)
عطفاً على مقال الأحد الماضي تحت عنوان من الإرساليات التبشيرية للاستعمار القديم إلى استعمار يرتدي مسوح الرهبان (1)، يتناول مقال اليوم هذه الإرساليات كحاضنة للاستعمار القديم التي انطلقت من أوروبا إلى آسيا وإفريقيا، كما شملت هذه البعثات التبشيرية القارة الأميركية، واستمرت بعد اكتشاف العالم الجديد، كما رافقت الحملات الصليبية إلى الشرق لنشر التعاليم المسيحية بين المسلمين. وقد استقرت الجمعية اليسوعية في بيروت عام 1830م، وكان قد بعثها البابا بولس السابع عام 1814م، والتي كان قد ألغاها البابا السابق في عام 1774م، وقد سبقتها إرسالیات پروتستانتية إنكليزية وأميركية إلى هذه المنطقة، كما توافد على لبنان اليسوعيون الذين أسسوا الجمعيات والأخويات الدينية ومؤسسات الراهبات وأنشأوا الأديرة في بلدة بكفيا (جبل لبنان) وفي منطقة زحلة، في عام واحد هو عام 1872م، كما انتشرت مدارسهم حتى لم تخلُ بلدة كبيرة أو متوسطة في لبنان من مدارسهم، كما نشأت معها المستشفيات والمستوصفات. وقد أذنت فرنسا للبعثات الكاثوليكية بإنشاء كلية طب فرنسية في بيروت عام 1883، من كليات جامعة القديس يوسف، كما أنشات جامعة ليون الفرنسية مع اليسوعيين، وكلية الحقوق ومعهد الهندسة العالي عام 1919، كما أنشأت هذه الإرساليات المكتبات، وفي مقدمتها المكتبة الشرقية عام 1853، ومن هناك انتشر اليسوعيون في دمشق عام 1872، وجبل حكار. كما نزل اليسوعيون مصر عام 1879، إلا أن الاحتلال البريطاني لمصر بعد ثلاث سنوات من دخوله إليها لم يكن ليهتم بتحقيق الغزو الثقافي في البلاد التي احتلها على النقيض من الاستعمار الفرنسي، الذي كان يهدف إلى تغيير الهوية الثقافية للبلاد المحتلة، بما في ذلك محو لغتها العربية واستبدال بها اللغة الفرنسية، كما حدث في الجزائر وغيرها من البلاد الإفريقية. وبادئ ذي بدء، وقبل أن نتناول دور هذه الإرساليات كحاضنة ثقافية وخدمية للاستعمار القديم، ومع نبل الأعمال التي قام بها اليسوعيون والإرساليات البروتستانتية وغيرهما، من نشر التعليم والتقدم والثقافة والرعاية الصحية في الشرق الأوسط وفي غيره، إلا أن الباعث على إرسال هذه الإرساليات كان الاستعمار الثقافي. إلا أنه من الإنصاف أن نؤكد الأمور الآتية: أولاً: إن هناك انفصاماً تاماً في هذا الباعث بين رواد هذه الإرساليات من الرهبان والمعلمين الأجلاء في هذه الإرساليات الذين يتمتعون بنبل الباعث وبين القيادة المركزية لها في العواصم الغربية، والتي كانت تربطها أواصر وثيقة بالدول الاستعمارية، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر في هذا السياق القديسة تريزا الراهبة الألبانية الهندية التي ولدت في عام 1910 في مقدونيا اليوغسلافية (السابقة)، والتي وهبت حياتها للخير، ومساعدة الفقراء والمرضى والمعدمين، وقد احتلت قلوب الملايين من البشر مسلمين ومسيحيين، فقد كانت تقضي حياتها كلها في فعل الخير، ونالت جائزة نوبل للسلام في عام 1979، وقد توفيت في 5 سبتمبر سنة 1997، إثر مرض عضال عانت منه سنوات طويلة، وقد انتقل إليها المرض خلال خدمتها للمرضى. ولا عجب أن يكون هناك هذا الانفصال، فالانفصام قائم حتى في الفكر السياسي بين القيادات السياسية التي تتبوأ مقاليد الأمور في أغلب الدول العربية وبين القواعد الشعبية في هذه البلاد، كما هو حاصل بالنسبة إلى حرب غزة الآن، حيث ترتبط بعض حكومات هذه الدول بعلاقات تتفاوت درجاتها مع إسرائيل أو الإمبريالية العالمية الاستعمارية التي تساند إسرائيل مادياً وعسكرياً ومعنوياً في هذه الحرب، وبين الشعوب العربية التي تتبوأ فلسطين والقضية الفلسطينية مكاناً كبيراً في قلوب الملايين منها، ويشاركون أهل غزة محنتهم، والانقسام قائم كذلك بين الحكومات الاستعمارية التي تساند إسرائيل وبين شعوبها وطلاب جامعاتها الذين خرجوا مراراً وتكراراً للاحتجاج على هذه الحرب، في كل العواصم الغربية. ثانياً: أن هذا الانفصام بين القيادة المركزية لهذه الإرساليات وبين رهبان وعلماء أجلاء فيها، قد كشف عنه أحد رهبان اليسوعية جيروم زمار ونزكي اليسوعي البولوني الذي طرد من الرهبانية عام 1610م. والذي قرر في كتابه الهجاني لطائفته وإرساليته: «إن هذه الرهبانية يديرها بعض الرجال المحتفظين بأسرار مخيفة، والمرتبط بعضهم ببعض بأنواع من القسم الرهيب»، مضيفاً أن التعليمات السرية لهذه الإرسالية تنحصر في قاعدتين: 1- التضحية بكل شيء، بما في ذلك البشر والسماء وتعاليم الله من أجل الرهبانية. 2- استخدام كل الوسائل الممكنة من أجل السيطرة على العالم. وللحديث بقية غداً عن دور هذه الإرساليات، التي تحولت في المشروعات التعليمية (الجامعات والمعاهد) وفي المشروعات الصحية، إلى مشروعات استثمارية متعددة الجنسيات، وتعتبر هذه الاستثمارات مكوناً من مكونات الاستعمار الاقتصادي الجديد.


النهار
٠٣-٠٤-٢٠٢٥
- علوم
- النهار
لقطات نادرة من المكتبة الشرقية في بيروت معرضاً في باريس
تحت عنوان "تصوير التراث اللبناني 1864-1970، لقطات نادرة من المكتبة الشرقية في بيروت"، افتتح في معهد العالم العربي معرض جديد يضم مجموعة قيمة من الصور من مجموعة المكتبة الشرقية في جامعة القديس يوسف. صور بالأبيض والأسود تؤرخ للمواقع الأثرية والمدن التاريخية اللبنانية وتشهد للدور المهم الذي لعبته المكتبة الشرقية في الحفاظ على الذاكرة اللبنانية والمشرقية منذ تأسيسها منذ أكثر من مئة وخمسين عاما. صور متفاوتة الأحجام ومتعددة التقنيات لجبيل وبعلبك وصور وصيدا وبيروت ولمناطق الهرمل والبقاع والشوف والمتن وكسروان... شهادة على ماض موغل في القدم وعلى طبيعة لبنان المتوسطية قبل زحف الباطون ودمار الحروب، كما تطالعنا مشاهد من الحياة الاجتماعية والاقتصادية. لا بد من التذكير بأن المكتبة الشرقية تملك ما لا يقل عن 250.000 ألف صورة فوتوغرافية التقطها منذ نهاية القرن التاسع عشر الآباء اليسوعيون خلال عملهم وأبحاثهم، بالإضافة طبعا الى آلاف الكتب والمخطوطات النادرة التي تروي تاريخ لبنان والمشرق وتشكل مرجعا أساسيا للبحاثة والطلاب من العالم أجمع. من أقدم الصور المعروضة اليوم في معهد العالم العربي واحدة ترجع الى مطلع القرن العشرين، وتمثل واجهة دير القلعة الأثري المشيد على بقايا هيكل بعل مرقودي، إله الفينيقيين، ويقع جنوب بيت مري. نتعرف الى صور أخرى للمواقع الأثرية اللبنانية منها واحدة تمثل داخل معبد بعلبك من توقيع الأب هنري لامنس (1862-1937) والأب جيرار مارتينبري (1873-1957). كان الأب لامنس قد استقر في لبنان منذ الخامسة عشرة من عمره ودرس اللغة العربية وأنجز كمستشرق العديد من الدراسات التاريخية التي أثارت جدالا في العالم العربي. تستوقفنا خلال تجوالنا في المعرض المنحوتة الجدارية المحفورة على جدار معبد نيحا الروماني في قضاء زحلة وهي تمثل كاهنا بأزيائه التقليدية الفخمة يحمل بيده اليمنى طاسة. التقط هذه الصورة الأب الفرنسي موريس تالون عام 1955 وهو اشتهر بأبحاثه عن مراحل ما قبل التاريخ في لبنان. من محافظة البقاع الى مدينة طرابلس حيث تطالعنا صورة لخان الخياطين أنجزها جان لوفري (1909-2000) نهاية النصف الأول من القرن العشرين. كان لوفري مهندسا معماريا وعالما بالآثار وهو ساهم في العديد من أعمال التنقيب الأثرية في سوريا ولبنان وتركيا. أخيرا هناك الصورة الجوية لمدينة صيدا حيث تظهر قلعتها التاريخية وهي من توقيع عالم الآثار أنطوان بوادبار (1878-1955) الذي عمل في الجامعة اليسوعية منذ مطلع العشرينات. يمكن الزوار مشاهدة المنحوتة التي تحمل اسم "لبيروت" التي أنجزها بمادة البرونز النحات اللبناني شوقي شوكيني بعد انفجار المرفأ صيف 2020 وهي بمثابة تحية للإبداع اللبناني ولفعل المقاومة بالفن وتعرض للمرة الاولى في متحف معهد العالم العربي. مدينة صيدا عام 1934.