منذ 12 ساعات
الساحرة المستديرة والحرب الحقيرة!
في خطين متوازيين يتابع العالم نوعين من اللعب ؛أولهما يتخذ السياسة اللا أخلاقية واللإنسانية وصفا رغم قبحه،والآخر يتخذ اللعب المقنن طريقا وساحات يجتمع فيها مئات الآلاف من النظارة والمشاهدين في الملاعب ومئات الملايين أمام الشاشات مشدوهين،مشتتين بين متعة ما يرونه ووبال مايدور على الطرف الآخر وتراق فيه الدماء وتشتعل فيه الأبراج والمبانى بما فيها،بل تتحول السماء الزرقاء ليلا إلى الأحمر القانى اقترابا من وصف القرآن لسماء القيامة وهى "وردة كالدهان"!
مباراة الدم والنار والهدم والخراب وتهديد أمن عشرات الملايين من الناس ووعيد غيرهم بالويل والثبور وعظائم الأمور،وأن الدور سيطولهم حالا أو مؤجلا لأجل غير مسمى ؛تلك هي رحى تدور بالحرب القذرة من خميرة عكننة بنى آدم "بنى إسرائيل" تجاه إيران..وفى المقابل تدور رحى مباريات كأس العالم للأندية لكرة القدم، في ثوبها الجديد بفرقها الاثنين والثلاثين لأول مرة لهذه البطولة ذات المكافآت السخية التي يسيل لها لعاب كل الفرق المشاركة فيها،وبموازاة لعاب المشاركين تجرى نظرات أحقاد من غابوا ولم يلحقوا بنظرائهم "أولاد المحظوظة"!
ويخامرنى شك مع هذا التنظيم في الولايات المتحدة الأمريكية ـ بالذات ـ لهذه البطولة كما لو كان هناك نوع من الاتفاق المسبق غير المكتوب خلال التجهيز لهذه النسخة التاريخية لتجرى ستارا ومخدرا لبقية البشرية ولفتا للأنظار إلى مستطيلات أمريكا الخضراء بعيدا عن ساحات غزة المهدمة والملطخة بالدماء وعن إيران ومنشآتها النووية والعسكرية والمدنية أيضا وهى تتعرض لهجمات مجنونة من جيش النتن ياهو وقتل القادة والعلماء غيلة باستخدام التجسس بالنساء والذكاء الاصطناعى والسلاح الفتاك والطائرات الشبح والحماية القذرة من زعماء القرصنة في العالم الجديد ترامب وأتباعه رجال اليمين الأمريكي ذوى العقيدة الصهيونية والأحلام النازية في أحط صورها!
نعم أستشعر اتفاقا بين استخدام كرة القدم على وجه الخصوص غطاء لاستنفاد حماس الناس وانشغالهم بالساحرة المستديرة،ولِم لا وهناك ممولون أسخياء بتوفير ورصد جوائز مليونية تترجم إلى مليارات في المجمل يرصدونها عن طيب خاطر لتنظيم تلك المسابقات وتطويرها وتكبيرها عشرات المرات عن صورتها البدائية. وليس هذا الملمح من عندياتى؛ فقد ألّف عالم النفس الفرنسى جوستاف لوبون كتابه الشهير «سيكولوجيا الجماهير» فى نهاية القرن التاسع عشر سنة 1895، الذى يضم سطرًا يقول: «من يعرف فن إثارة إعجاب الجماهير يعرف أيضًا فن التحكم بها»، وفى عصرنا الحالى يصارحنا يورجن كلوب، مدرب فريق ليفربول، وهو يودع اللعبة كلها ويعتزل التدريب، قال كلمات مقتضبة لكنها بليغة: «كرة القدم مُجرد لعبة يستمتع بها الناس نهاية الأسبوع.. ويهتفوا حتى يهدأوا ويُنفسوا عن جوفهم المضطرب.نؤدى وظيفة فقط.. وعلى الناس العودة لحياتهم بمجرد سماع صافرة الحكم.. الحياة لا تتوقف على جلد مدوّر!».
إنها شهادة واحد من أهلها البارزين يجسد فيها حقيقة الأمر الذى يتضح لمن يدقق فيه ،فمع كل توسع يواكب زيادة دول العالم وعدد سكانه تتوافر ميزانيات الاتحاد الدولى «فيفا» وتتضخم أعداد المشاركين من خلال الرعاة الذين يتوارون خلف ستار اقتصادى لكنهم فى الغالب يدعمون الأهداف الخفية لهيمنة كرة القدم على عقول مشاهديها وعشاقها، ولتمرير أجندات تتراوح بين العالمية إلى القارية إلى الإقليمية أمام عقول مبهورة وأعين مغمضة رغم شدة انتباهها، لكنه الانتباه إلى ما لا يجب الانتباه إليه وغض البصر عما يجب الانتباه إليه.إنه نص الفقرة السابعة عشرة من بروتوكولات حكماء صهيون الذى يقول: إننا سنغرق العالم في جنون المباريات الرياضية حتى لا يصبح للأمم ولا للشعوب إشتغال بالأشياء العظيمة
بل ينزلون إلى مستويات هابطة ويتعودون على الاهتمام بالأشياء الفارغة وينسون الأهداف العظيمة في الحياة.