أحدث الأخبار مع #بشيرالجميل


Independent عربية
١٧-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- Independent عربية
17 مايو 1983... اتفاق سلام منسي فهل ظلم التاريخ أمين الجميل؟
في الـ17 من مايو (أيار) 1983 وُقِّع واحد من أكثر الاتفاقات إثارة للجدل في تاريخ لبنان الحديث: اتفاق السلام مع إسرائيل برعاية أميركية وبمشاركة مباشرة من إدارة الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان. هذا الاتفاق الذي أقرَّه مجلس النواب اللبناني ووافقت عليه الحكومة رسمياً لم يستكمل بمرسوم رئاسي من قصر بعبدا (مقر رئاسة الجمهورية اللبنانية). وهنا تبدأ فصول من التاريخ الذي كتبه كثر بخلفيات سياسية، والتقييم المُجتزَأ لحقبة مفصلية ظلمت رموزاً سياسية، على رأسها رئيس الجمهورية السابق أمين الجميل الذي سعى من خلال اتفاق "17 أيار" لمحاولة واقعية لحماية لبنان في زمن كان واضحاً فيه أن البلاد باتت تتحول إلى مربعات للتدخل الدولي والإقليمي. ويبقى السؤال الكبير في ظل الأحداث الراهنة: ماذا لو مضى الجميل حينها للتوقيع على الاتفاق؟ فهل كان لبنان دفع كل الأثمان التي شهدها طوال أربعة عقود؟ هذا سؤال لا يمكن التكهن بجوابه، لكننا إذ ننظر إلى بنود الاتفاق اليوم، نجدها قد تضمنت نصوصاً ليست بعيدة من تجارب السلام بين إسرائيل وبين مصر والأردن وحتى مع السلطة الفلسطينية. لجنة التفاوض اللبنانية - الإسرائيلية بفندق "ليبانون بيتش" في خلدة (غيتي) وأكثر ما وُجِّه من انتقادات حينها للقوى المسيحية، وعلى رأسها "القوات اللبنانية" (اليوم برئاسة سمير جعجع)، أنها فتحت قنوات مع إسرائيل، لكن في الحقيقة، فإن علاقات أنظمة عربية كبرى مثل مصر (اتفاق كامب ديفيد 1979)، والأردن (علاقات تنسيقية سرية قبل اتفاق وادي عربة 1994)، وحتى سوريا التي التزمت بوقف إطلاق نار غير معلن في الجولان منذ عام 1974، كانت تدار خلف الكواليس وبغطاء دولي. لبنان لم يكن استثناءً، بل ضحية اختلال التوازن، وسط انهيار الدولة وتقاطعات دولية حولته إلى ساحة صراع مرتبطة بالقضية الفلسطينية. وبخلاف الرواية السائدة بأن ثورة السادس من فبراير (شباط) هي التي أسقطت الاتفاق، تشير شهادات عدد من المؤرخين والمطلعين على كواليس تلك المرحلة إلى أن الرئيس أمين الجميل لم يقدم على التوقيع، على رغم موافقة الحكومة ومجلس النواب، لأنه أراد توافقاً وطنياً أوسع على خطوة بهذا الحجم. لبنان الخارج من الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، والغارق في حروب طائفية واحتلالات أجنبية، لم يكن موحداً بما يكفي ليحتمل سلاماً منفرداً، في وقت كان فيه معظم النظام الإقليمي إما في حال مساومة غير معلنة مع إسرائيل، أو في حال انسحاب تدريجي من المواجهة. في حين يشير بعض مواكبي تلك المرحلة إلى أن الانقلاب الذي نفذه حينها كل من "حركة أمل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" بدعم من سوريا في السادس من فبراير 1984، والذي روجوا بأن هدفه إجهاض الاتفاق مع إسرائيل، كان هدفه الحقيقي إحكام السيطرة على بيروت الغربية. من بشير إلى أمين المسار الفعلي للاتفاق بدأ مع رئيس الجمهورية الراحل بشير الجميل الذي أطلق مفاوضات جدية بعد انتخابه رئيساً في صيف 1982. بشير، القادم من خلفية مسيحية مقاومة، كان يحاول صياغة اتفاق لبناني - إسرائيلي ينهي حقبة الاحتلالات ويعيد الاعتبار لسيادة الدولة، أسوة بالدول العربية المحيطة بإسرائيل ومنها مصر التي سبق ووقعت اتفاق "كامب ديفيد"، وكذلك الأردن، وأيضاً سوريا التي أوقفت أعمالها العسكرية ضد إسرائيل على رغم احتلال الجولان. وبعد اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل في الـ14 من سبتمبر (أيلول) 1982 انتقلت المهمة إلى الرئيس أمين الجميل (شقيقه)، وسط واقع سياسي وأمني معقد. لم يكن أمامه هامش كبير للمناورة، الميليشيات الفلسطينية واليسارية كانت قد انكسرت عسكرياً، إسرائيل لا تزال في قلب لبنان، وسوريا عادت لتتمركز في البقاع (شرق). أراد الجميل أن يجنب لبنان مصير التفتت، فسعى لاتفاق يضمن الانسحاب الإسرائيلي مقابل ضمانات أمنية، في ظل تخلٍّ دولي واضح. رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن يلقي كلمته في الكنيست في ذروة الاجتياح الإسرائيلي في الـ30 من يونيو 1982 (غيتي) بين الحرب والسلام في الـ17 من مايو 1983 وقَّعت الحكومة اللبنانية اتفاقاً مع إسرائيل برعاية أميركية، عرف لاحقاً باتفاق "17 أيار"، في محاولة لإنهاء حال الحرب التي استمرت منذ عام 1948. شكل الاتفاق، الذي وقع في بلدة خلدة جنوب بيروت، أول معاهدة لبنانية - إسرائيلية من نوعها، ولو لم تستكمل دستورياً. وبذلك، دخل الاتفاق سجل التاريخ كـ"فرصة سلام ضائعة" بنظر البعض، و"تسوية إذعان" بنظر آخرين، من دون أن يرى التنفيذ الفعلي، لكن محتواه يبقى مرجعاً في النقاش حول مستقبل العلاقات اللبنانية - الإسرائيلية. ونص الاتفاق على إنهاء حال الحرب بين الجانبين والاعتراف المتبادل بسيادة كل من الدولتين ضمن حدود معترف بها، كما تعهدت إسرائيل الانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية التي كانت تحتلها منذ اجتياح 1982، خلال فترة لا تتجاوز 12 أسبوعاً، على أن تتولى الدولة اللبنانية نشر جيشها في الجنوب وضمان أمن الحدود. وتضمنت البنود أيضاً إنشاء مكاتب ارتباط بين الطرفين، بهدف تنسيق المسائل الأمنية والتجارية لاحقاً، إلى جانب التزام متبادل بعدم الدعاية العدائية. كما لحق الاتفاق بروتوكول أمني ينص على إنشاء منطقة أمنية جنوبية منزوعة السلاح، ومراقبة ثلاثية برعاية أميركية. وكانت المفاوضات الرسمية بدأت في فندق "ليبانون بيتش" في بلدة خلدة الساحلية جنوب بيروت في الـ28 من ديسمبر (كانون الأول) 1982، وبعد التوصل إلى لاتفاق جرى حفلان لتوقيعها اتفاق في الـ17 من مايو، الأول في فندق "ليبانون بيتش" في خلدة، وبعد ذلك نقلت مروحية جميع المندوبين إلى مدينة كريات شمونة، قرب الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، وجرى حفل توقيع ثانٍ هناك داخل إسرائيل. شرق أوسط جديد وبعد عقود، ومع تغير المشهد الإقليمي إثر ما عرف بـ"طوفان الأقصى" وانهيار ميزان القوى الذي كان لمصلحة محور "الممانعة" الذي تقوده إيران، تشهد المنطقة اليوم تحولاً استراتيجياً بقيادة الولايات المتحدة والسعودية، في اتجاه إعادة تشكيل النظام الإقليمي. هذا التغيير قد يفتح الباب مجدداً أمام نقاشات السلام في المنطقة ومن ضمنها لبنان. ومع توقيع دول عربية عدة على اتفاقات سلام مع إسرائيل، من الإمارات والبحرين إلى السودان والمغرب، يبدو أن لبنان لم يعد وحده في دائرة المحرمات، بل بات خارج الزمن الدبلوماسي الجديد. وهنا يطرح السؤال: هل كان أمين الجميل سابقاً لعصره؟ وهل ظلمته الظروف والتاريخ؟ محاولة لاستعادة السيادة في شهادته عن اتفاق "17 أيار" يقدم الرئيس الجميل مقاربة مغايرة للسرديات السائدة، مؤكداً أن الاتفاق لم يكن خطوة تطبيعية مع إسرائيل، بل محاولة تقنية لإخراج لبنان من احتلال قسري فرضه الاجتياح الإسرائيلي عام 1982. يقول الجميل "هذا الاتفاق لم يكن معاهدة سلام، ولم يحمل طابع التطبيع السياسي أو الثقافي. كان هدفه انسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية التي احتلها، وضمان سيادة الدولة على كامل ترابها". ويضيف، "حين تسلمت الرئاسة، لم تكن أمامي خيارات كثيرة. الاحتلال الإسرائيلي ماثل في قلب بيروت، والدولة منهارة، والجيش مفكك، والدعم العربي غائب. الأميركيون بادروا إلى الوساطة، وكان من المنطقي الدخول في مفاوضات، لا بدافع التنازل، بل حفاظاً على ما تبقى من لبنان". ويؤكد الجميل أن المفاوضات لم تجر في الظل أو عبر وسطاء، بل في العلن، وبرعاية أميركية مباشرة، شارك فيها وفد لبناني محترف استطاع أن يفرض شروطاً سيادية، منها انسحاب كامل لإسرائيل خلال فترة زمنية محددة، وإنشاء منطقة آمنة تحت إشراف الدولة، لا تحت الاحتلال. أما عن سبب عدم توقيعه النهائي على الاتفاق، فيوضح "لم أوقع على الاتفاق لأنني كنت أبحث عن توافق لبناني أوسع. صحيح أن الحكومة وافقت، والمجلس النيابي صدق عليه، لكن كان هناك شرخ داخلي كبير، وانقسام طائفي حاد، والمعارضة كانت تتحرك بدعم خارجي، خصوصاً من سوريا. لم أرد فرض اتفاق بالسلاح، بل كنت أبحث عن صيغة تحفظ السيادة وتحمي الوحدة". ويتابع، "قد يكون البعض رأى في الاتفاق خيانة، لكن في الحقيقة، هو كان محاولة واقعية لوقف النزف واستعادة القرار الوطني. والتاريخ، حين يكتب بموضوعية، سينصف تلك المحاولة، ولو فشلت بفعل توازنات لم تكن في مصلحة لبنان". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) جروح مزدوجة براي السياسي اللبناني المخضرم كريم بقرادوني فإن اتفاق "17 أيار" 1983 بين لبنان وإسرائيل لم يكن مجرد وثيقة سلام فاشلة، بل لحظة مفصلية أصابت عهد الرئيس أمين الجميل "بجروح مزدوجة"، "الأول يوم أقر الاتفاق، والثاني حين تم التراجع عنه تحت ضغط الشارع والمعارضة". وبحسب بقرادوني، فإن الجميل لم يكن يملك هامشاً كبيراً للمناورة عند تسلمه الحكم عام 1982، وسط واقع إقليمي ضاغط ووجود إسرائيلي كثيف في لبنان. ويصفه بأنه "رجل عنيد، يذهب في قراراته إلى النهاية، سواء أصابت أم أخطأت، لكنه لم يكن يملك سوى خيار بدء المفاوضات مع إسرائيل لأن الأميركيين هم من بادروا بالطرح، بينما لم تكن هناك نافذة جدية لفتح حوار مع السوريين". ويضيف أنه حاول إقناع الجميل في حينه بأن يبدأ التفاوض مع سوريا أولاً، باعتبار أن الاتحاد السوفياتي كان قادراً على الضغط على دمشق أكثر مما تستطيع واشنطن الضغط على تل أبيب، إلا أن الرئيس الجميل أجابه بأن الأميركيين فرضوا إيقاع التفاوض، وكان من غير الممكن البدء بسوريا. ويعتبر بقرادوني أن الوفد اللبناني المفاوض كان قوياً، وتمكن من إحراج الإسرائيليين في أكثر من جولة، لكن "الخلل البنيوي في الاتفاق" كان في تجاهله الدور السوري، وكأن دمشق لم تكن لاعبة حاسمة في الساحة اللبنانية. وهذا ما جعل الاتفاق مفرغاً من مضمونه"، وبرأيه أيضاً، "خسر الجميل عندما وافق على الاتفاق، وخسر عندما ألغي"، فقد انقلب عليه المسلمون والعرب حين أقره، وتململ المسيحيون حين اضطر إلى إلغائه. وبدلاً من أن يكون الاتفاق باباً لخروج لبنان من أزمته، تحول إلى عبء سياسي دمغ ولاية الرئيس الجميل بختم الخيبة المزدوجة. لحظة إقليمية نادرة في المقابل يقدم المخرج والكاتب يوسف الخوري مقاربة مختلفة للاتفاق بين لبنان وإسرائيل، معتبراً أن الاتفاق لو أقرت في حينها، لكانت غيرت مسار التاريخ اللبناني بأكمله، ويقول "لو تم توقيع اتفاق 17 أيار، لكان لبنان اليوم بلداً مختلفاً، مستقراً، محايداً، منزوع السلاح غير الشرعي، ومنتظماً في مسار سلام فعلي يحصن سيادته، بدلاً من أن يتحول إلى ساحة صراعات الآخرين"، ويضيف، "كثر يفاخرون بأن الرئيس أمين الجميل لم يوقع الاتفاق، في حين أن ذلك الامتناع ليس مدعاة للفخر، بل محطة ضائعة من تاريخنا كان يمكن أن تؤسس لمرحلة استقرار، تماماً كما فعلت مصر والأردن لاحقاً"، ويذهب الخوري إلى أبعد من ذلك في تحليله للسياق الدولي والإقليمي الذي أحاط بالاتفاق، فيشير إلى أن "السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط كثيراً ما ارتبطت بالأمن القومي الإسرائيلي، وأي محاولة للقول إن واشنطن وتل أبيب كانتا على خلاف جذري في تلك المرحلة هي ذر للرماد في العيون". ويختم "كان المطلوب من لبنان أن يستفيد من لحظة إقليمية نادرة، لكن الانقسامات الداخلية، والشعارات الفارغة، ومزايدات اليسار، أجهضت فرصة تاريخية لبناء دولة طبيعية". نسخة جديدة من جانبه يرى الأكاديمي شارل شرتوني أن الاتفاق كان مدخلاً ضرورياً لسلام لبناني - إسرائيلي لم يكتب له الاكتمال، داعياً إلى إعادة إحياء روحه، ولكن بشروط أوضح وأوسع نطاقاً. ويقول "نحتاج إلى العودة لصيغة شبيهة باتفاق 17 أيار، ولكن بنسخة مبلورة أكثر، تفضي إلى تطبيع واضح مع الدولة الإسرائيلية، لأن اتفاق الهدنة لعام 1949 أثبت نجاعته، لم تطلق رصاصة واحدة على الحدود (بين لبنان وإسرائيل) حتى عام 1965، مما يعني أن إسرائيل كانت تحترم التزاماتها". ويعتبر أن التدهور بدأ مع عسكرة الجنوب من قبل "منظمة التحرير الفلسطينية" واليسار اللبناني، وهو ما شكل بداية الانهيار للكيان اللبناني. ويضيف "الحديث عن استراتيجيات دفاعية واتفاقات كالطائف أو إعلان بعبدا أصبح ضرباً من الهرب من الواقع. لا يمكن إخراج لبنان من الحرب الدائمة إلا عبر تسوية جذرية، تبدأ بمفاوضات مع إسرائيل بغطاء دولي، وتمر بإعادة تأسيس الدولة اللبنانية على قواعد جديدة، لأن الدولة المركزية بصيغتها الحالية انتهت، وأصبحت ساحة لتصفيات دولية وإقليمية". القيادي السابق في الحزب التقدمي الاشتراكي الوزير السابق غازي العريضي والمقرب من الزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط، يرى بدوره أن "اتفاق 17 مايو (أيار) لم يكن سوى محاولة لفرض تسوية مذلة على لبنان، بإرادة أميركية إسرائيلية، في لحظة اختلال توازن كامل داخل البلاد بعد الاجتياح"، ويقول في تصريحات سابقة "نحن في الحزب التقدمي الاشتراكي كنا من أول المعارضين له، لأننا رأينا فيه تهديداً لهوية لبنان ودوره العربي. تحالفنا مع القوى الوطنية الأخرى لإسقاطه، لأننا كنا نؤمن أنه لا سلام يُبنى على الاحتلال، ولا يمكن أن يُفرض على اللبنانيين سلام بالإكراه". ونقل عن جنبلاط رأيه بأن "الاتفاق ساقط، ولن يمر... وما جرى في بلدة خلدة ومنطقة الجبل وبيروت الغربية كان جزءاً من المواجهة السياسية والعسكرية لإسقاط هذا المسار. واليوم، من يراجع التاريخ يرى أن موقفنا في حينه لم يكن انفعالاً، بل رؤية استراتيجية صحيحة".


تيار اورغ
١٠-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- تيار اورغ
الحاضر المر والماضي الجميل: متى يخرج اللبنانيون من النوستالجيا القاتلة؟ -ابراهيم أحمراني
تمر الامم في منعطفات مصيرية اصطلح فيها تسمية ما قبل وما بعد وذلك ربطا بطبيعة الحدث وتداعياته سلبا او ايجابا ومرآة ذلك هو تفاعل الشعوب مع اللحظات المصيرية التي تؤثر على الوعي الجمعي لشعوب تلك الامم. وتشكل الاحداث الأيجابية عادة منطلقا لرسم مستقبل أفضل ورؤية تفاؤلية لعقود قادمة وهذا مفهوم لمن كان له الفوز او الصمود عند مواجهة التحديات .اما سلبية الاحداث والخسارة فلها وقع الصدمة التي اما ان تعيد رسم الواقع الجديد وشكل التفاعل معه، وإما ان تذهب باتجاه النوستالجيا القاتلة أي رفض الواقع المر والعيش بعيدا عنه باللجوء للماضي الجميل أملاً بعودته المستحيلة. ولنا من شواهد التاريخ ما يكفي من أمثلة أن كان في لبنان الدولة أو الطوائف التي كان لكل منها تجربته فرحا او حزنا المسيحيون مع بشير الجميل والسنة مع رفيق الحريري والشيعة مع السيد حسن نصر الله والدروز مع كمال جنبلاط. جميعهم عاشوا الانتصار والانكسار وهم اليوم أمام تحدي بناء الدولة الحاضنة والضامنة وعدم الوقوع مرة اخرى بالتجربة نفسها كرمى للاجيال القادمة وما تبقى لنا من حياة مستحقة على هذه الارض المليئة بدماء الشهداء.والتاريخ يخبر عن صعود وانهيار لأمبراطوريات حسب أصحابها يوما انها باقية للأبد ومنها من صار اثرا او بات دولة لا يحسب لها حساب.يقول المثل إن الذكي من يتعلم من تجارب الاخرين فيوفر على نفسه خوضها فهل نحن بحاجة لمن يذكرنا ونحن اليوم بأمس الحاجة الى قراءة ما نحن عليه اليوم لعلنا نتعظ وننظر كيف تجاوزت الدول التى مرت بما مررنا به فتأقلمت مع الواقع ورسمت مستقبلا مغايرا لماضيها وانطلقت حتى صارت من اقوى الدول اقتصادياً واجتماعياً فهل نسيت تلك الدول ماضيها؟أبدا أنما عاشت واقعها وأدركت المتغيرات وتناست المظالم تاريخاً وحاضرا حتى ان بعضها شطب من ذاكرة أجيالها أهوال الحروب وبشاعتها كما حصل مع اليابان. وبالعودة الى حاضرنا علينا ان نستخلص العبر من تلك التجارب ونعي أننا أمام فرصة لتجاوز ما وقع علينا من خسائر وخيبات فننطلق مجددا بروح تفاؤلية وننظر الى مستقبل أجيالنا فنحفظ لهم الحق بالحياة والعيش الكريم الذي حرمناه. إن تشبيه اللبنانيين بطائر الفينيق هو دافع لنا كي نعود جميعا متكاتفين لبناء دولة تليق بالتضحيات والشهداء. ولندع التاريخ يدور دورته ويعود منطق قوة الحق لا حق القوة من يرعى علاقات الدول والشعوب.*كاتب وناشط سياسي