logo
#

أحدث الأخبار مع #تلغرافسمر

عن كرة السلّة وما بعدها - إيطاليا تلغراف
عن كرة السلّة وما بعدها - إيطاليا تلغراف

إيطاليا تلغراف

time١٣-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • إيطاليا تلغراف

عن كرة السلّة وما بعدها - إيطاليا تلغراف

إيطاليا تلغراف سمر يزبك كاتبة وروائية وإعلامية سورية ليس في أن يمارس رئيس الجمهورية كرة السلّة ما يثير الإدانة في ذاته. من حقّ أي شعب، بمن فيهم السوريون، أن يروا رئيسهم على نحو غير تقليدي، إنساناً، لا تمثالاً، شخصاً يتحرّك ويتصبّب عرقاً، ويفرح، لا مجرّد صورة موضوعة في إطار رسمي. لا عيب في المشهد نفسه، لكنّ المشكلة ليست في المشهد، بل في السياق. فما بدا تمريناً رياضياً، كان في جوهره تمريناً بصرياً معدّاً بدقة، ضمن حملة علاقات عامّة موجّهة أساساً إلى الخارج. الخارج الذي ما زالت السلطة تسعى إلى إعادة التموضع ضمن خرائطه، والظهور أمامه بمظهر النظام القادر على تقديم 'وجه مدني'. أمّا الداخل، فلا يعنيه هذا النوع من الإشارات. هو غارق في قضايا أكثر إلحاحاً: السلم الأهلي المهدد، آلاف العائلات تنتظر العدالة عن جرائم النظام السابق، وحدة وطنية هشّة، ضحايا جدد ينتظرون من الدولة الجديدة أن تمنحهم الأمان وتضمن مطالبهم بالعدالة عن المقتلة التي وقعت لهم ولمطالب غيرهم، وواقع اقتصادي لا يمنح أفقاً لأحد. في مثل هذا المناخ، تغدو الرموز باردة إن لم تسندها إجراءات واضحة، وإشارات حقيقية نحو التغيير. حين تخرج صورة الرئيس، مرتدياً بذلته الرسمية، ممسكاً بكرة سلّة داخل ملعب مغلق، ومحاطاً بفريق تصوير، في وقت تتسع فيه الفجوة بين السلطة والناس، يكون السؤال: لمن تُرسل هذه الصورة؟ إلى من تتوجّه؟ وما الذي تقوله في العمق؟ لا يعارض السوريون صورة رئيسٍ يمارس الرياضة. لكنهم يدركون أن الحياة، كما هي عندهم، لا تسمح باللعب أصلاً. هذا هو الفارق. لا تُستفزّ الصورة بذاتها، بل بفراغها السياسي. لا يُطلب من رأس الدولة أن يمتنع عن الظهور إنساناً، بل يُطلب منه ألا يتوقّف عند ذلك، وألا يعامل 'الإنسانية' بديلاً عن الوظيفة الدستورية. بدورها، كشفت زيارة الرئيس الأخيرة إلى فرنسا مجدّداً عمق الانقسام بين السوريين، حتى وهم في المنفى. في باريس، خرجت تظاهرتان، إحداهما مؤيّدة، تستقبل الشرع بصفته ممثّلاً للسيادة الوطنية، وأخرى معترضة، ترى في ظهوره إهانة لمظلومية لم تُعالَج. هذا الانقسام لا يُختصر في الشعار، بل يتجذّر في غياب أي صيغة جامعة لمفهوم 'الوطن' نفسه. أي سورية نعني؟ ولمن هي هذه البلاد أصلاً؟ أسئلة لم تنجح السلطة حتى الآن في الإجابة عنها. في خضم هذا الفراغ، تصبح الرموز عبئاً إذا لم تُحمَل على مشروع وطني واضح. اللعب أمام الكاميرا لا يصنع سياسة، ولا يعيد توزيع الثقة، ولا يرمّم ما انكسر بين المواطن والدولة. وفي المقابل، لا يطلب المواطن المُستنزَف معجزة. يطلب فقط أن يشعر بأن المؤسّسات تعمل، وأن هناك قانوناً يُطبَّق، وأن الأمن لا يعني الصمت، ولا أن يكون لفئة من دون غيرها. في نظام جمهوري، يُفترض أن الرئاسة ليست مساحة لمراكمة الكاريزما، بل موقعٌ لممارسة السلطة وفق توازنها المؤسّسي. والمشكلة في الصورة أنها تُضفي طابعاً شخصياً على ما يُفترض أن يكون تعبيراً عن الدولة، لا عن الفرد. الرئيس ليس نجماً، بل ضامناً لمسار عام. ومن دون هذا المعنى، تفقد الصور جدواها، مهما بدت ودّية. المصالحة بين المجتمع ودولته تبدأ من إعادة بناء الثقة على أسس واضحة: ضمان الحقوق، وتداول المعرفة، وحماية القانون، واحترام التنوع داخل الوطن الواحد. ولا تُحلّ أزمة سياسية عميقة باستبدال الجدّية بالمشهد، بل بإعادة ترتيب العلاقة بين السلطة والناس. نعم، من حقّ السوريين أن يشاهدوا رئيساً يشبههم. من حقّهم أن يشعروا بأن من يحكمهم لا ينتمي إلى طبقة خارج الواقع. لكن قبل ذلك، هم بحاجة إلى من يعيد الواقع نفسه إلى مساره. من حقّهم جميعاً أن يشعروا بأن هذه البلاد بلادهم، من حقهم أن يذكّروا الجميع، بمن فيهم السلطة القائمة، أن الشعب خرج قبل عشر سنوات بمطلب: 'الشعب السوري واحد' و'الشعب السوري ما بينذلّ'. لا بالكلمات، ولا بالصور، بل بإرادة فعلية لاستعادة ما تفتّت: وحدة السوريين والشعور الجمعي بأن هذه البلاد، رغم كلّ شيء، لا تزال ممكنة.

مواجهة الأشباح... السلم الأهلي وبناء الثقة
مواجهة الأشباح... السلم الأهلي وبناء الثقة

إيطاليا تلغراف

time٢٩-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • إيطاليا تلغراف

مواجهة الأشباح... السلم الأهلي وبناء الثقة

إيطاليا تلغراف سمر يزبك كاتبة وروائية وإعلامية سورية يُستخدم مصطلح 'السلم الأهلي' في سورية كما لو أنه علامة على عودة الحياة إلى طبيعتها، لكنّه توصيفٌ مُضلِّل، لا لأنه غير دقيق فحسب، بل لأنه يتغافل عن سؤال أعمق: ما معنى 'الحياة الطبيعية' بعد كلّ ما جرى قبل سقوط النظام وبعده؟ وهل الصمت المتبادل بين السوريين استقرار، أم خوف مؤجَّل؟ الرهان اليوم لا يتعلّق بمنع السلاح، بل بكيفية التعامل مع ما خلّفه من انقسامات في الوعي، فما حدث لم يكن بين غرباء، بل بين أبناء الوطن الواحد، وقد ارتكز على تصنيفاتٍ حادّة: خائن، عميل، شهيد، طائفي، وطني، شبّيح. هذه المفردات، وإن تراجعت من الخطاب الرسمي بعد سقوط النظام، ما تزال حاضرةً في الأحاديث، في النظرات العابرة، وفي صمت القرى الصغيرة وخوفها المتراكم. السلم لا يُفرض من أعلى. لا تصنعه اللجان، بل يُبنى من الأسفل: من تفكيك الخوف، ومساءلة السرديات التي شرعنت العنف، وترميم الثقة بين الأفراد والمجتمعات. وحتى اليوم، لم يشهد السوريون مراجعةً حقيقيةً لما حدث، ولا اعترافاً متبادلاً بالخطأ، ولا حتى بدايةً لمسار عدالة انتقالية، ولو رمزية. الدولة والمجتمع معاً يتعاملان مع الذاكرة كأنّها عبء يُستبدل به الصمت. في مناطق كثيرة، يُختزل 'التعايش' إلى مجاورة حذرة. يتفادى الناس الصدام لا لأنهم تصالحوا، بل لأنهم أُنهكوا من الخسارات. الخوف لم يغادر، بل غيّر وجهه: هناك من يخاف من السلطة الجديدة، من الجار، من الكلمة، من نفسه. والسلطة بدل أن تكون وسيطاً راعياً للثقة، تكتفي بدور الرقيب الصامت الذي يمنع الانفجار من دون أن يزيل أسبابه. في الأحياء المختلطة طائفياً، أو تلك التي شهدت تبدّلاً في السيطرة، يظهر توتّر صامت يشبه هدنةً غير معلنة. كأن الناس اتفقوا على قاعدة ضمنية: لا نتحدّث عن الماضي، لا ننبش، لا نُكثر من الأسئلة. لكن هذا 'السلام' القائم على النسيان القسري سرعان ما ينهار عند أول احتكاك، لأن ما لم يُقل لا يموت، بل يُكنس تحت البساط. ورغم تكرار مصطلح 'السلم الأهلي'، تغيب أدواته الحقيقية: لا برامج لإعادة دمج وتعويض الضحايا، ولا حتى البحث عنهم بالحدّ الأدنى؛ لا إعلام يعترف بتعدّد الروايات؛ لا حوارات تشاركية، ولا نقاش عام، ولا سردية وطنية مشتركة عمّا جرى. والأسوأ أن من يطرح هذه الأسئلة يُتّهم بإثارة الفتنة، وكأنّ المشكلة في مَن يُشير إلى الجرح، لا في الجرح ذاته. السوريون اليوم عالقون في ما يشبه 'الزمن المؤجَّل': لا عودة ممكنة إلى ما كان، ولا أدوات لتجاوز ما حدث. حالة من التجميد الرمزي تُغذّي غياب الثقة، ليس فقط بين الفرد والدولة، بل بين السوريين أنفسهم. ليست المصالحة نصاً قانونياً، بل عملية لإعادة صياغة العلاقة بين الذات والآخر، بين الفرد والمجموعة، وبين الجماعة وسرديتها عن نفسها. في هذا السياق، تصبح الذاكرة عبئاً شخصياً. لا أحد يريد أن يسمع من الآخر ما رآه أو عاشه. ومع الوقت، يُستبدل بالألم الصمت، ثمّ التأقلم القسري. وهكذا، يتحوّل السلم الأهلي غلافاً هشّاً، أشبه بواجهة بناء مرمّمة، تخفي خلفها شقوقاً داخلية تواصل التمدّد. بناء الثقة لا يتم بالشعارات، بل من خلال الممارسة اليومية؛ في المدرسة، حين يُسمح بتعدّد الروايات؛ في الإعلام، حين يُتخلّى عن خطاب الغلبة؛ في القضاء، حين تُفتح أول نافذة للعدالة؛ وفي السياسة، حين يُعترف بالعمق الاجتماعي للنزاع. السلم ليس غياب الحرب، بل حضور عقد اجتماعي جديد، يعترف بما جرى، ويعيد تعريف معنى العيش المشترك. وهذا لا يتحقّق من دون سياسة عامّة تجاه الذاكرة، تُقرّ بأن الوطن لا يُبنى بالنسيان، بل بالجرأة على القول. لأنّ العنف، في النهاية، لا يبدأ بالسلاح، بل بالمعنى الذي لا يُقال، وبالتاريخ الذي لا يُسأل.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store