أحدث الأخبار مع #تلغرافسوسن


إيطاليا تلغراف
٢٣-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- إيطاليا تلغراف
في ضرورة الوقفة النقدية للواقع السوري
إيطاليا تلغراف سوسن جميل حسن كاتبة وروائية سورية. هل تكفي مدة لم تكمل الشهور الخمسة، أو سقوط النظام السياسي الذي كان يحكم سورية بقبضة أمنية مدعومة بفساد يفوق الوصف، وحكم عائلي جثم على صدور السوريين أكثر من نصف قرن، كي نطلق حكماً بأن 'الثورة حققت أهدافها'؟ فرّ الطاغية، وترك خلفه ركاماً من المشكلات المعقدة المتداخلة، تبدو كل واحدةٍ أكثر أولوية من غيرها، مشكلات داخلية وخارجية، لا يمكن فصل بعضها عن بعض، منها الأمن الذي ما زال محفوفاً بالأخطار منذ سقوط بشّار الأسد، بعد نحو 14 عاماً من الحرب التي دمّرت المداميك الأولى التي حلم الشعب السوري، ذات عصر أطلق عليه عصر النهضة، أن يبني عليها مستقبله بما يكفل له العيش في العصر، ويواكب المسيرة الحضارية الإنسانية. لكن هذا المجال، فائق الحساسية، الأمن، في بلدٍ متعدّد الطوائف والإثنيات، شهد تاريخُه محطّات عنفية عديدة على أرضية التعصّب الطائفي أو القومي، آخرها هذه السنوات الأربع عشرة الأخيرة، يحتاج مقاربة موضوعية وعقلانية وهادفة. وهذا ما لم تنجح الإدارة الحالية في تحقيقه بعد، وبالتالي، تتكرّر مخرجاته باستمرار، بأشكال متنوعة، جديدها أخيراً ما حصل من مجازر في الساحل السوري، ومناطق أخرى، بحقّ مدنيين على أساس طائفي. أما ما يشغل الرأي العام اليوم، ويثير سجالاً كثيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، أو في الوسائط المتعدّدة، فهو ظاهرة 'اختطاف' فتيات ونساء من المناطق التي يقطنها السوريون العلويون، في مدن سورية عدة، بينها اللاذقية، حمص، طرطوس، وحماة، في غياب معلومات حول مصيرهن. شهد العقد الماضي في سورية انتشاراً سريعاً للعنف والإرهاب والصراع 'شنت وزارة الداخلية السورية، الأربعاء الماضي، حملة اعتقالات في مدينة حماة، بعد الاشتباه بتنفيذ (عصابة) عمليات خطف وتعذيب، وأعلنت الوزارة اعتقال عدد من الأشخاص'، كما جاء في صحيفة 'العربي الجديد' في 18 إبريل/ نيسان الجاري. وهنا سؤال جوهري: لماذا لا تجري الحكومة والجهات المسؤولة عملية تحقيقٍ علنيةٍ تُظهر المرتكبين أمام الشعب؟ أمام هذا السيل الذي يتدفق في وسائل التواصل، وغياب منبر إعلامي رسمي تابع للحكومة، يصل المتابعون إلى أن مجموعات مسلحة غير معنية بالتعليمات أو الأوامر المطالبة بوقف عمليات القتل وخطف النساء واحتجازهن وفق تقليد 'السبايا وغنائم الحرب'، كما رأينا في مقاطع مصوّرة، في مقرّات تابعةٍ لها، ولا تتبع لسيطرة الحكومة المؤقتة. تشير تقارير موثقة صادرة عن منظّمات دولية حقوقية إلى تصاعد الانتهاكات ضد المدنيين في الساحل السوري، وسط تفاقم العنف الطائفي، وارتكاب جرائم عديدة كالإعدامات الميدانية، والتهجير القسري، وعمليات القتل الممنهجة، فقد أكدت منظمة العفو الدولية في تقريرها، 3 إبريل/ نيسان، أن مليشيات تابعة للحكومة السورية ارتكبت مجازر بحقّ المدنيين السوريين العلويين في مدينة بانياس والمناطق الساحلية المجاورة، ما أسفر عن مقتل أكثر من مائة شخص (ويشير هذا العدد إلى عيناتٍ أخضعتها للتحليل والدراسة)، بينهم أطفال ونساء، في عمليات قتل ممنهجة ذات طابع طائفي. ويحتاج هذا الواقع تحرّكاً سريعاً من الحكومة قبل كل شيء، لحماية الضحايا والنسيج الاجتماعي وقطع الطريق أمام سيول الفوضى المدمّرة. ووفقاً لأحدث تقارير لجنة الرصد والتوثيق التابعة لحركة التجديد الوطني، الصادر في 26 من الشهر الماضي (مارس/ آذار)، فقد استمرّت الانتهاكات الممنهجة ضد الطائفة العلوية بين 7 و26 مارس، متخذة أشكالاً متعدّدة، مثل القتل الميداني، الاختطاف، التعذيب حتى الموت، والتهجير القسري. كما جاء في تقرير لشبكة 'يورو نيوز'. شريحة واسعة من السوريين، وبينهم نخب ثقافية، يعلون الصوت أمام كل ارتكابٍ لا يمتّ إلى أخلاقيات الثورة بصلة لقد شهد العقد الماضي، أو منذ تحوّلت الثورة في سورية إلى صراع مسلح، انتشاراً سريعاً للعنف والإرهاب والصراع، وكانت المرأة في قلب الحرب والنزاعات التي تجلّت بأشكالٍ لا تعدّ ولا تُحصى من الجرائم والعنف الممنهج. ولكن هل استمرار هذه الممارسات بمبرّرات انتقامية وثأرية، على أساس أن النظام السابق قام بهذه الارتكابات، مبرّر للثورات، ولا يمسّ نزاهتها وقيمها وأهدافها؟ أم من نافل القول الإقرار بحقيقة أنه كانت هناك حالة معيّنة، قبل الحدث الثوري وبعده، تظهر حالة مختلفة تماماً، وهي الانتقال، الذي غالباً ما يكون عنيفاً، من نظام سياسي إلى آخر، بل واجتماعي أيضاً، وبالتالي التعامل بحكمة مع هذا الواقع، ومن منطلق وطني بامتياز؟ في الواقع، ما زالت النساء في قلب الحدث والفوضى السورية منذ 14 عاماً، وكأن هذه السنوات، على الرغم من فداحة ثمنها، لم تُحدث خدشاً صغيراً في الوعي الجمعي، ولم يحدُث أي تغيير، كما يرتجى من الثورات. بل يحزّ في النفس، ويزيد من القلق على مستقبل سورية، التي عاش شعبها، بغالبيته، فرحة الخلاص من كابوس طاغية جثم نصف قرن على صدره، أن شريحة لا يمكن الاستخفاف بحجمها، من النخب الثقافية السورية، تتعامل مع واقعٍ من هذا القبيل بالطريقة نفسها التي يراها عامة الناس، فمنهم من يرى الحديث عن ظاهرة اختطاف الفتيات من الساحل السوري، وغيره من مناطق يقطنها سوريون علويون، محض 'شائعات'، ويناشد الحكومة أن تسنّ قوانين صارمة تجرّم من يبث شائعاتٍ من هذا النوع، يرى أنها تثير الكراهية والطائفية والتفرقة، بدلاً من أن يطالب الحكومة بالتحقيق الشفاف والعلني في هذه الظاهرة المدمّرة للعيش المشترك والسلم المجتمعي، وبناء دولة معافاة يمكنها الاستمرار. هل الثورة تقضي بأن ندير ظهرنا بالضرورة للمستقبل وننظر إلى الماضي، حتى لو كان ما نراه ليس سوى كومةٍ من الدمار والركام والكوارث؟ وهل أكملت الثورة نضالها ووصلت إلى هدفها من أجل الثأرية والانتقام؟ حتى أن شريحة واسعة من السوريين، وبينهم نخب ثقافية، يعلون الصوت أمام كل ارتكابٍ لا يمتّ إلى أخلاقيات الثورة بصلة، ويتعارض مع كل القيم الأخلاقية والحقوقية، فيقولون: هكذا كان النظام يمارس، أو: هل نسيتم ما كان النظام يفعل، أو: أين كنتم؟ مهما بلغ موقف من يندّد بتلك التجاوزات من الوضوح في مناصرته قضايا الشعب السوري. الثورة السورية يلزمها مؤرّخوها العظماء، البعيدون عن الاستقطاب السياسي، علّ 'علم الثورات' يفسح لها مجالاً للدرس والتقويم والنقد الذاتي على الرغم من تكرار 'اختطاف النساء' (أو سبيها)، وأنها أصبحت ظاهرة ليست جديدة، في تاريخ بعض الجماعات السلفية الجهادية المتطرفة، ومنها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وشبيهاته، إذ تظهر تقارير ودراسات صادرة عن منظمّات ومؤسّسات أبحاث وإعلام معترف بمهنيتها، أن هناك بعض 'السبايا' كن موجودات سابقاً في إدلب ومناطق سورية أخرى، من الأيزيديات، جرى تحريرهن بطريقة أو بأخرى، فإن نكرانها المتكرّر، أو الحطّ من قيمتها وتأثيرها، بمقارنتها بارتكابات النظام الساقط، لا يعد طريقة سليمة في التعامل معها ظاهرة خطرة. وفي حال غياب التوثيق الحكومي والرسمي ظواهر من هذا النوع، لا يمكن الاعتراض على الوصف الخالص والبسيط للوقائع، على أساس أدلّة معينة، يوثقها الأفراد العاديون من ذوي الضحايا بشكل خاص. … تقرير الوقائع، على خلفية أدلة موثوقة، في حد ذاته مصدر حقيقي. هل تشكّل الثورة اضطراباً كاملاً للنظام الاجتماعي؟ سيكون من التعسّف، في الوقت الحاضر، تعريف الثورة بأنها 'تغيير أساسي وسريع، له آثار دائمة، في النظام السياسي والاجتماعي، يؤثّر بشكل أساسي على السكان أنفسهم في مواقفهم وشخصيتهم ونظام معتقداتهم'. كما يقول الأكاديمي الأميركي هارولد ج. بيرمان. وفي المقابل، لا بد من الوقوف عند مقولتين، تعدّ إحداهما إحدى النظريات الثورية تقول إن الثورة مرضٌ له أعراض فسيولوجية ونفسية تؤثر على جسد الدولة وتؤدّي، من خلال تحول عنيف، إلى تحوّل جذري بين نظامين، قديم وجديد. والأخرى: كل ثورة بعينها، وكذلك الظاهرة الثورية ككل، لها مؤرخّوها العظماء. من هذا التأريخ الوطني والعام للثورات، يتشكل 'علم الثورات'. أما الثورة السورية، فيلزمها مؤرّخوها العظماء، البعيدون عن الاستقطاب السياسي، علّ 'علم الثورات' هذا يفسح لها مجالاً للدرس والتقويم والنقد الذاتي، فالثورة لا تنتهي، وهي في حالة صيرورة مستمرّة، فكل واقع يخلق واقعاً ثوريّاً آخر، بحسب المفكر والفيلسوف جيل دولوز.


إيطاليا تلغراف
٠٢-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- إيطاليا تلغراف
الدولة بموقعها الحيادي والسلطة التي تضمن الحياديّة
نشر في 2 أبريل 2025 الساعة 6 و 18 دقيقة إيطاليا تلغراف سوسن جميل حسن كاتبة وروائية سورية. الانحياز إلى ثورة الشعب موقف أخلاقي في الدرجة الأولى، خاصة في حالة الثورة السورية التي تعرّض فيها الشعب السوري في مناطق واسعة للعنف بأقصى درجاته والتهجير وتدمير المدن والأحياء. وهذا لا يعني أن كل المنحازين إلى الثورة أو الداعمين لها كانوا من النخب الثقافية أو العلمية، أو يتمتعون بكفاءاتٍ عاليةٍ على مستوى الصعد المختلفة. بناء عليه، لا يكفي أن يكون المرشّح لتولّي منصب في الإدارة العامة، أو في مواقع المسؤولية، منحازًا للثورة كي يكلف بهذه المسؤولية، وفي حالة مثل الحالة السورية التي سقط فيها نظام الطاغية مخلفًا دولة ومجتمعًا منهارين تقريباً، بل إن إعادة الإعمار، على مستوى الدولة والمجتمع أيضاً، تحتاج إلى كفاءات عالية وخبرات، بالإضافة إلى التخصّصات الأكاديمية، بعيداً عن الاستقطابات السياسية أو الإيديولوجيات من أي لون. انطلاقاً من وعي شريحة واسعة من السوريين ضرورة التغيير والانقلاب على الواقع الذي كان سائداً في فترة الاستنقاع التي تمادت زمنيّاً، وأدت إلى عطالة في جميع مناحي الحياة تقريباً، نظم طلاب كلية الإعلام في جامعة دمشق، في الرابع من الشهر الماضي (فبراير/ شباط) وقفة احتجاجية للمطالبة بـ'تحسين جودة التعليم في الكلية، وإبعاد أي شخصياتٍ تعيق تطورها'. وطالبت الوقفة بـ'إزالة جميع الشخصيات الأكاديمية والإدارية التي ثبت تورّطها في الفساد، المحسوبية، الظلم، والتحيز ضد الطلاب' و'إنهاء سيطرة أي شخصياتٍ تمثل امتداداً لسياسات قمعية أثرت سلباً على جودة التعليم في الكلية'. كانت تترأس عمادة الكلية سابقاً نهلة عيسى، لا أعرف شيئاً عن أدائها الأكاديمي، إنما المعروف عنها تأييدها النظام البائد. عيّن في مارس/ آذار الحالي خالد زعرور عميداً للكلية. وأثار فيديو له انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي ضجّة ولغطًا وانتقادات واسعة، بعدما أطلق تسمية على شريحة من المجتمع ممن يستخدمون بعض وسائط التواصل (التيكتوك تحديداً) بتقديم محتوى، في رأيه تافه، أطلق عليهم تسمية مجتمع 'الدياثة'. شرائح الشعب السوري تعاني من أزمات حياتية وأزمة هوية في الوقت نفسه، وهناك استعارٌ مذهبيٌّ وطائفيٌّ وعرقيٌّ نمت بذرته خلال العقود الفائتة ليس خطاب العميد المذكور، الذي يتبنّى فيه معايير يشدّد عليها، خاصة في الإعلام الجاد والموجّه، كما يقول في فيديوهات كثيرة ومحاضرات له، مجال النقاش في هذه المقالة، إنما استخدام مصطلح من هذا النوع الذي يُستخدم شعبيّاً شتيمة أو اتهاماً بالأخلاق لشخص ما في المجتمع، خاصة في حال الخصومة، وكل فرد في المجتمع السوري يعرف حجم الكمية من التحقير التي تحملها كلمة 'ديوث' في الثقافة الشعبية. وإذا عدنا إلى القواميس، فإن الكلمة تطلق على الرجل الذي لا يغار على أهله ولا يخجل. وفي شرح آخر، هو القوّاد على أهله. وفي الشرح الديني، وغنيٌّ عن الشرح أن الدين دعامة أساسية لمنظومة القيم والأخلاق في مجتمعاتنا، فإن الديوث هو الذي لا يغار على أهله ومحارمه ويرضى بالمعصية والفاحشة، استشهاداً بقول رسول الله 'ثلاثة لا ينظر الله عز وجلّ إليهم يوم القيامة: العاقّ لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث'. حرية الإعلام قضية رئيسية في مجتمع المعلومات. يجب أن تكون وسائل الإعلام قادرة على الإعلام بحرية، من دون التعرّض لضغوط سياسية أو اقتصادية. وهذا شرط أساسي لتتمكّن من الاضطلاع بدورها في تشكيل الرأي العام. وتعدّ هذه القاعدة أساسية للإعلام في الأنظمة الديمقراطية. ولكن إذا كان القصد من محاضرات العميد زعرور حماية المجتمع من الثقافة الدخيلة التي تؤثر على قيم المجتمع، فإن السلاح الأمضى في مواجهة هذا التخريب لا يكون بمحاصرة حرّيات الأفراد والجماعات، ولا بتصنيف بعض منها على أساس أخلاقي، وإنما بالمساعدة على تفعيل الفكر، والفكر النقدي بالدرجة الأولى. فالشعب، بكامل تنوّعه، يصنع هويته الثقافية ومنظومة قيمه. لطالما كانت وسائل الإعلام لاعباً رئيسياً في المجتمع. سواء كانت الصحافة المكتوبة أو الإذاعة أو التلفزيون أو في الآونة الأخيرة، الإنترنت ووسائل التواصل، فهي تلعب دوراً أساسياً. ولذلك تتطلب مقاربة الموضوع الدقة والنباهة وتقدير المجتمع المستهدف، هذا بالنسبة إلى تأسيس الجسم الإعلامي الوطني. ما يفرض أيضاً على الجهات المؤسّسة والفاعلة احترام كرامة هذا المجتمع المستهدف، من جهة، والرقي بالخطاب والابتعاد عن تكريس مفاهيم شعبوية أو استخدام لغةٍ يمكن وصفها بأنها هابطة أو لغة شارع، من الواجب تنقيتُه منها والنهوض بالذائقة العامة. دور الإعلام غايةٌ في الأهمية، وهو يحمل رسائل متنوّعة، عدا الوظيفة الإخبارية، من وظائفه أيضاً، الوظيفة الترفيهية، وهنا، ما دام أن الوسائط المتعدّدة باتت أحد الأعصاب الرئيسية في التواصل بين البشر، ولكل شخصٍ الحرية الكاملة في استخدامها ونشر المحتوى الذي يريد، فإن الدور الرسمي، الذي ترى السلطات أن من واجبها الحفاظ على قيم المجتمع من خلال ضبطها هذه الوسائط، لا يكون بالمساس بكرامة بعض شرائح المجتمع واختراع توصيفاتٍ قيميةٍ بحقها، بل من واجب الجهات الر سمية تنقية الخطاب من كل ما يعزّز هذه التصنيفات، والتركيز على أولوياتٍ أخرى، ربما تكون فاعلة ومؤثرة أكثر، وأهمها، كما أسلفت، احترام الأفراد والعمل على تنشيط الوعي والفكر النقدي، وحرية التعبير والرأي، خاصة بالنسبة للمجتمع السوري الحالي، بعد أكثر من نصف قرن من الاستبداد المتعدد. سيكون لاختراع مثل هذا المصطلح الذي أطلقه عميد كلية الإعلام في جامعة دمشق 'مجتمع الدياثة' مستقبلاً أثر سيئ على المجتمع، خاصة لو اعتمد في مناهج تعليمية، ما يفسح المجال لدقّ الأسافين بين شرائح المجتمع، ويفسح مجالًا للتنمّر، ما دام أنه يحمل حكم قيمة أخلاقية معتمداً في المنهج التدريسي. الكلمة مسؤولية، أيّاً كان ناطقها، فكيف بمسؤول حقيقي، في رقبته أمانة النهوض بالواقع وتوجيهه نحو الازدهار والديمومة؟ لوسائل الإعلام دور كبير في تشكيل رأينا العام، كنا على دراية بهذا أم لا، فإن المعلومات التي تنقلها تؤثر على تصوّرنا للعالم، وفهمنا الواقع المحيط بنا. لذلك سيكون لهذا الخطاب تأثير سلبي. وهنا لا بد من الإشارة إلى دور السلطة القائمة في تصحيح الأخطاء التي تقع، عن قصد أو من دون قصد، وتكليف أشخاص أكثر كفاءةً لإدارة بعض القطاعات فائقة التأثير في الوعي العام وحياة المجتمعات، واختيار الأفراد القادرين على معرفة حاجات المرحلة، من أجل بناء جيل مسؤول من الشباب الذي يعدّ نفسه لمرحلة البناء، خاصة أن هناك أموراً أولية فائقة الضرورة، من أجل تدعيم البناء المستقبلي على أسس سليمة، فشرائح الشعب كلها تعاني من أزمات حياتية وأزمة هوية في الوقت نفسه، وهناك استعارٌ مذهبيٌّ وطائفيٌّ وعرقيٌّ نمت بذرته خلال العقود الفائتة على قاعدة ماضوية لم يسعَ النظام البائد إلى معالجتها، بل أجّجها واستغلها في فرض سيطرته على المجال العام، زاد العنف في تأجيجها وتعزيز مشاعر المظلومية والثأرية في الصدور. هذا ما تحتاج المرحلة السورية الراهنة إليه في الدرجة الأولى، علّ الهدوء والسلم الأهلي يفسحان المجال للطاقات الإبداعية وللعقول كي تنفتح، وللقيم أن تسمو من جديد بعد تحررها من المستنقع الحارق التي حشرت فيه. تبدّد الشعب السوري، وهام في كل بقاع الأرض، منه من حظي بحياة كريمة ومستقبل لأولاده، ومنه من لم يحظَ بفرصة من هذا النوع، فسعى معظم هؤلاء إلى تأمين مصدر رزق لأسرهم عن طرق ما تقدّم وسائط التواصل والميديا المتنوّعة من إمكانية الكسب بصناعة محتوى ما، كثير منهم ذهب باتجاه الطبخ وتقديم الوصفات 'السورية منها بشكل أساسي' ومنهم ابتدع محتوى مغايراً، يستطيع من خلاله كسب جمهور يحقق له دخلًا ماديًا، هؤلاء لا يمكن وصفهم بأنهم مجتمع 'دياثة'، بل مجتمع مقهور يبحث عن فرصة عيش. الكلمة مسؤولية، أيّاً كان ناطقها، فكيف بمسؤول حقيقي، في رقبته أمانة النهوض بالواقع وتوجيهه نحو الازدهار والديمومة؟ وقد أخطأ عميد كلية الإعلام بحقّ شريحة من السوريين، عليه الاعتذار منهم، وعلى الجهات المسؤولة تكليف الأشخاص بحسب الكفاءات الأكاديمية وبعيداً عن الأيديولوجبا والعقائد، مهما كانت فلسفتها، فمواقع المسؤولية العامة يجب أن تكون موجهة إلى كل السوريين وليس إلى شرائح بعينها. السابق لا تصدّقوا مَن يتشفّون من المقاومة الفلسطينية


إيطاليا تلغراف
١٩-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- إيطاليا تلغراف
المعضلة السورية في الدولة والمجتمع - إيطاليا تلغراف
إيطاليا تلغراف سوسن جميل حسن كاتبة وروائية سورية. منذ انطلاق الثورة السورية، باكراً في عمرها، بدأ التأسيس لذاكرة الدم، ونحن شعوبٌ في الأساس تعيش في الماضي، ولا تريد أن تنسى، شعوبٌ نحمل الماضي على كاهلنا مثل سلحفاة، مسيرتها نحو المستقبل تحرق قروناً من السنوات من دون أن تتقدّم، حتى تصير المسافة بينها وبين الركب الإنساني لا تقاس. منذ 14 عاماً والشعب السوري يكرّس تبعيته للماضي في جوانبه المظلمة، دفع أثماناً باهظة في مقارعة الاستبداد، وفي سبيل نيل حريته ودفاعاً عن كرامته، لكنه لم يُنجز ثورته كما كان يرجو، على الرغم من الإنجاز الكبير في سقوط الطاغية. للثورة أهداف ومبادئ وقيم. في الواقع، ازدادت حياة الناس بؤساً وفاقةً، وزيادة على ذلك عمّت الفوضى، وعُدنا إلى المربع الأول، وكأن نظام الأسد لم يسقط، بل الذي سقط آخر المشاعر والقيم الإنسانية. سورية اليوم في أكثر مراحلها ضعفاً، وتحدّيات داخلية وخارجية كثيرة تقف في وجه بناء الدولة السورية، ولن يسلّم داعمو النظام الساقط الإقليميون بالهزيمة، على الرغم من الضربة التي تلقّوها، بل سيحاولون الانقضاض على سورية الوليدة وإثارة الفوضى فيها. لذلك كانت أدواتهم جاهزة للتحرّك في لحظةٍ ما، وهذا ما حدث في الساحل السوري، وجرى قتل كثيرين من عناصر الأمن العام، وهذا مرفوضٌ ومُدان، لأنه جهاز دولة، منوطٌ به حماية الأمن والسلم الأهليين، لكن مواجهة هذه الحالة من التمرّد لا تكون بفسح المجال لفصائل متطرّفة إلى هذا الحدّ، تضم أعداداً من المقاتلين الغرباء عن المجتمع السوري، من جنسياتٍ عديدة، بأن تواجه البيئة كلها، مستبيحةً أمن الساكنين في حياتهم وممتلكاتهم، ولا بإعلان النفير العام والدعوة إلى الجهاد من على منابر المساجد، فالظرفُ لا يحتمل مزيداً من المواجهة الطائفية، وكثير من الشعب السوري لم تلتئم جراحُه، ولم تنصفه العدالة الانتقالية بعد. كأن سورية عادت عقداً إلى الخلف، قتل طائفي، ترهيب، بل حتى طيران يلقي ما يشبه البراميل المتفجرة يعيد المشهد نفسه، وكأن سورية عادت عقداً إلى الخلف، قتل طائفي، ترهيب، بل حتى طيران يلقي ما يشبه البراميل المتفجرة، وصوّر هذه المشاهد من نفذ القتل، كما كان جيش النظام البائد والفصائل الرديفة يمارسون، كذلك التهجير، فأمام هذا العنف المنفلت هجّ مئات من الساكنين، هام قسم كبير منهم في البراري من دون وجهة، يبحثون عن النجاة فحسب. أين المشكلة؟ بل أين المعضلة، ما دام أن الحروب الأهلية تتكرّر في سورية؟ ربما يمكن القول إن المشكلة تكمن في شكل الدولة، وفي شكل المجتمع السوريين، سورية البلد متعدّد الطوائف والإثنيات، لا يمكن أن تتعايش هذه التعددية وتعيش في وطن يشعر معه أبناؤه بالانتماء إليه والدفاع عنه والسير به ليواكب ركب الحضارة الإنسانية، من دون أن تكون هناك دولة تقف على مسافةٍ واحدةٍ من الجميع، لها دستور يشارك الجميع في صياغته، دستور يجعل الكرامة الإنسانية أعلى قيمة ومنطلق الحقوق لكل المواطنين، ويرفع من شأن الحرية، حرّية القول، حرّية العقيدة، حرّية التعبير عن الخصوصية الثقافية من دون فرض قيم ومبادئ أي طرف، مهما بلغ تعداده في الخريطة البشرية السورية، على أطراف أخرى. تحت خيمة الحرية بحماية القانون، ربما يستطيع المجتمع أن يتأمل موروثه الثقافي بطريقة أخرى عوضًا عن التمسّك الأعمى به مهما حمل من سرديات متراكمة عبر تاريخ من الحروب والانكسارات، فيتصالح مع نفسه، ومع فكرة العيش في دولة مواطنة تقوم على القانون والمؤسّسات، فهل يمكن الحديث عن دولة حديثة تقوم على القانون والمؤسّسات من دون الحديث عن الديمقراطية؟ إذا لم تتوافر الفرص أمام جميع شرائح المجتمع كي تكون فاعلة ومشاركة في صنع القرارات المتعلقة بتنظيم الحياة في الداخل، ورسم السياسات الخارجية، فسوف تبقى سورية تحت تهديد أخطار القلاقل التي تهدّد السلم الأهلي واستقرار المجتمع. تحتاج سورية إلى مجتمع أكثر عدلاً وديمقراطية، وقائم على الحقوق. لقد أدّى النظام الشمولي الذي سيطرت فيه الدولة بإحكام على المجتمع والأفراد، وسعت إلى إضفاء أيديولوجية على المجتمع بأسره بالقوة، إلى تخريبٍ كاملٍ للهياكل السياسية والمؤسّسية وحتى الاقتصادية والاجتماعية، وروّجت، إضافة إلى ذلك، ثقافة مدمرة، بتشجيع الهويات الضيقة والانتماء إلى الجماعة، سواء الطائفية أو القومية، وعزّزت، إضافة إلى ذلك، ثقافة مدمّرة، بتشجيع هذه الهويات الضيقة والانتماءات، ما أدّى إلى جعل المجتمع السوري جاهزاً للاشتعال كلما توافرت الظروف الملائمة، زاد في هذه الحرائق المدمّرة ما تعرّض له الشعب السوري من قتل وعنف بمختلف أشكاله في سنوات الثورة، عدا وصف كل من ثار في وجهه بالإرهاب، وتمكُّن بعض الفصائل السلفية الجهادية من بعض المناطق في سورية، وتعزيز فكرها وطرق إدارتها المناطق التي تسيطر عليها. يكمن التحدّي في سورية في إيجاد طرق لبناء مجتمع مستدام، بعد تغيير النظام، أكثر عدلاً، وديمقراطي، ومتطوّر، وآمن للناس وحقوقهم إذا أضفنا صفة أخرى إلى النظام الشمولي الذي أدار به البلاد حكمُ الأسد، صفة الاستبداد، نفهم لماذا ترفض شرائح من الشعب السوري التسامح مع التعبير العلني عن الخلافات السياسية الكبيرة، فهذه إحدى مخرجات الأنظمة الشمولية الاستبدادية. لكن هل يصبح الوضع أسهل بمجرّد سقوط النظام وانتهائه وانتقال سلطة الدولة إلى الحكومة الجديدة؟ بالطبع لا، فهذا مرتبط بمسألة كيفية الحكم في هذه المرحلة. إنها مسألة فهم أنه لا يكفي إسقاط النظام القديم. للنظام قواعد، وجذوره وقوته المؤسسية لا تختفي لمجرّد اغتيال أو سجن أو فرار إلى الخارج. هناك سببٌ وراء الطريقة التي يتم بها تشكيل القوى الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والقضائية والسياسية في نظامٍ ما، ووراء الطريقة التي يتم بها الحفاظ عليها، على الرغم من التوترات الداخلية والمصالح المتباينة، وما جرى في سورية بعد دخولنا في الشهر الرابع من سقوط النظام، أن الدولة تديرها حكومة انتقالية، يمكن القول إنها من لون واحد، قد يكون له مبرّراته كمرحلة انتقالية، لكن الإعلان الدستوري وتشكيل الحكومة المؤقتة ضرورة ملحّة، فأمام الحكومة مشكلات كبيرة: دفع رواتب الذين يعملون في الحكومة بانتظام، والتعامل مع النزاعات بطريقة مختلفة وأكثر عدلاً، وتعويض ضحايا الجرائم والانتهاكات السابقة، خاصة بعد تفعيل العدالة الانتقالية، وإقامة تحالفات جديدة مع الدول وقطاعات الأعمال الأخرى، والحفاظ على القانون والنظام، لقطع الطرق على الذين يحاولون استغلال الفراغ السياسي، والذين يحاولون القيام بأفعال إجرامية، تنشط بشكل كبير في ظروفٍ مشابهة. جرى إشهار الإعلان الدستوري أخيراً، فأحدث ضجيجاً وسجالاً حامياً على مستوى القاعدة الشعبية، وهذا صحّي، فلدى سورية ما يكفي من الكفاءات من رجال ونساء يمكنهم قراءة هذا الإعلان قراءة نقدية، وتحليله وبيان ما يقدّم من ضمانات لأهداف الثورة التي قام الشعب بها، أو مدى افتراقه عنها. وبحسب هذه الشريحة من المنتقدين، من حقوقيين وغيرهم، لم يكن هذا الإعلان الدستوري المرجو والمنتظر، بل يؤسس لسورية مغايرة عن التي طمح ببنائها معظم الشعب السوري. لدى سورية ما يكفي من الكفاءات من رجال ونساء يمكنهم قراءة الإعلان الدستوري قراءة نقدية من نافل القول إنه بعد فترة من الصراع الداخلي، كما وقع في سورية، وبعد التدهور الاقتصادي وانعدام الأمن السياسي والضغط الدولي، بدأ السكان، بعد أن عاشوا فرحتهم بسقوط النظام،، يطمحون إلى رئيس دولةٍ قادرٍ على تحقيق الاستقرار والنهوض بالبلاد، لكن هذا الأمر تواجهه تحدّياتٌ كبيرة، ويكمن التحدّي بشكل أساسي في إيجاد طرق لبناء مجتمع مستدام، بعد تغيير النظام، أكثر عدلاً، وديمقراطي، ومتطوّر، وآمن للناس وحقوقهم، كذلك معاقبة مجرمي النظام السابق، بما تقتضي العدالة، ومواجهة الحركات القتالية التي تهدّد الأمن المجتمعي، كما حصل في الساحل السوري، إنما عن طريق أجهزة الدولة الوطنية، وليس بترك الفصائل تتدخّل فتستبيح أمن السكان وتضرم الكراهية والثأرية. وما دام أن هذا الأمر وقع ولا مكان لنكرانه، بل أقرّ به الرئيس أحمد الشرع، وقال إن 'بعض الانتهاكات وقعت' وشكّل لجنة تحقيق، كان من المفيد أكثر لو ضمّت شخصيات من الخارج، من أجل الموضوعية المطلوبة، وإحالة المرتكبين إلى القضاء، فإن ما تقتضيه المرحلة بعد الإعلان عن هذه اللجنة هو الإنصاف المرجو والموضوعية في تقويم الوضع، وينتظر أيضاً عرض كل المقاتلين الذين أثاروا الفوضى، ممن يطلق عليهم 'فلول النظام' وقتلوا عشرات من رجال الأمن العام، ليعرف الشعب مدى الخطورة التي تتربّص به، ويعرف أن الدولة تحمي الجميع. لكن سؤالاً مقلقاً يطفو اليوم، بعد الإعلان الدستوري الذي يرسم هوية الدولة والمجتمع السوريين خمس سنوات على الأقل في مرحلة انتقالية، عن مدى احتمال استقرار المجتمع في هذه الفترة، في ما لو لم تتم معالجة المشكلة من جذورها، والخروج على الناس بكل شفافيةٍ بعرض الواقع بكل ملابساته، كي لا تتكرّر هذه المأساة الإنسانية، ولا تتوسّع الاضطرابات التي تزيد من تفتيت المجتمع الذي يعاني، أساساً، هشاشة خطرة.