#أحدث الأخبار مع #ثقافة_الاستهلاكالجزيرةمنذ 18 ساعاتمنوعاتالجزيرةمرايا معطوبة.. تعكس المظهر وتخفي الجوهرفي زمنٍ تتسارع فيه وتيرة الحياة وتتداخل فيه القيم مع المغريات، باتت ثقافة الاستهلاك سيدًا متوَّجًا يوجّه سلوك الأفراد والمجتمعات، ويعيد تشكيل ضمائرهم ووعيهم، وحتى مشاعرهم. فلم تعد الحاجة أمّ الاختراع، بل أصبحت الرغبة سيّدة القرار، ولم يعد الإنسان يقيس نفسه بما يملك من فضائل أو مبادئ، بل بما يملك من أشياء. لقد غزت ثقافة الاستهلاك كل زاوية في حياة الناس، وفرضت منطقها الجديد: "كن كما تملك، لا كما تكون"، وهذا المنطق -وإن بدا في ظاهره عصريًّا ومبهرًا، فإنه يحمل في جوهره تحوّلًا خطيرًا في طبيعة الإنسان، وفي علاقته بذاته والآخرين. فلم يعد المظهر وسيلة للتعبير عن النّفس، بل أصبح غاية في حد ذاته، وتحوّل السعي خلف الموضة والرفاهية من خيار إلى واجب، ومن ترف إلى ضرورة. المظهر أولًا.. والجوهر إلى النسيان في ظل هيمنة ثقافة الاستهلاك، أصبح الاهتمام بالمظهر عبادة العصر، وتحوّلت المقاييس من عمق الفكر إلى ماركة الحذاء، ومن دفء القلب إلى بريق الهاتف المحمول! لم يعد الإنسان يُقاس بما يحمل من حكمة أو عطف، بل بساعة يضعها على معصمه، أو سيارة يركبها.. هذه التحولات لم تأتِ من فراغ، بل هي نتاج آلة دعائية جبارة، تُقنِع الناس ليل نهار بأن السعادة تُشترى، وبأن القيمة تُكتسب من الخارج لا من الداخل. تحت هذا التأثير، تبلدت المشاعر، وانكمشت إنسانية الناس، وصرنا إلى زمن تُرى فيه المأساة على شاشة الهاتف، ثم يُمر عليها كما يمر المرء على إعلان ترويجي؛ صار الحزن شعورًا ثقيلًا لا يناسب جدولَ أعمال مزدحمًا بالصورة والتسوق والظهور. لقد أثرت ثقافة الاستهلاك على قدرة الإنسان على الإحساس بالآخر، والتفاعل مع ألمه، لأنه بات يعتبر المأساة استهلاكًا عاطفيًّا لا فائدة منه. المعيشة كحلبة سباق واحدة من أكثر الظواهر خطورة، التي كرّستها ثقافة الاستهلاك، هي نمط الحياة التنافسي المتسارع؛ فلم يعد كافيًا للمرء أن يعيش ضمن إمكاناته، بل بات ملزمًا بمجاراة من حوله في نمط حياتهم، حتى وإن كان ذلك يفوق قدرته المالية. وهنا تبدأ المعركة الأخلاقية بين الرضا بالقليل، أو اللجوء إلى الوسائل الملتوية لتحقيق المزيد. كثيرون اليوم لا يرضون بدخلهم، ليس لأنه لا يكفي حاجاتهم، بل لأنه لا يفي بمتطلبات الصورة التي رسموها لأنفسهم. ولأجل تلك الصورة، يبرر البعض الكذب والغش والاحتيال، ويُسوّغ السرقة، بل ويُجمّل الخيانة! كل ذلك من أجل الحفاظ على وهم النجاح الذي تبيعه ثقافة الاستهلاك تحت اسم "المظهر الاجتماعي". في السابق، كان المنطق يُبنى على أسس أخلاقية وإنسانية، أما اليوم، فتُعاد برمجته وفق معادلة استهلاكية: "إن كان يُباع، فهو جيد؛ وإن لم يكن، فهو لا يستحق النظر"! معايير السوق لا الضمير إن أخطر ما تفعله ثقافة الاستهلاك هو إعادة تشكيل منطق الناس، وتوجيه بوصلتهم الأخلاقية؛ فالأمر لم يعد متعلقًا فقط بما نشتريه أو نلبسه، بل بكيفية فهمنا لما هو صواب وما هو خطأ. في ظل هذه الثقافة، أصبح الحق مرتبطًا بالقوة الشرائية، والباطل هو العجز عن المواكبة.. بات الناس يقيسون الأمور بمعايير السوق لا بمعايير الضمير. في السابق، كان المنطق يُبنى على أسس أخلاقية وإنسانية، أما اليوم، فتُعاد برمجته وفق معادلة استهلاكية: "إن كان يُباع، فهو جيد؛ وإن لم يكن، فهو لا يستحق النظر"! بهذه البساطة، يُختزل التعقيد الإنساني، وتُطمس الفطرة، ويُستبدل العقل بالبطاقة الائتمانية. الأثرياء الحقيقيون لا يكترثون والمفارقة العجيبة أنّ هذا اللهاث وراء المظاهر لا يحدث غالبًا في الطبقات الثرية فعلًا، بل في الطبقات المتوسطة التي تمثّل العمود الفقري للمجتمعات. إعلان هؤلاء الناس الذين يُشقون أنفسهم ليلًا ونهارًا، ويستهلكهم التعب، لا لشيء إلا لمواكبة نمط حياة مصطنع.. قد يستدين أحدهم ليشتري ساعة فاخرة، أو هاتفًا حديثًا، أو حتى سيارة لا تتناسب مع دخله وغير اقتصادية، فقط لمواكبة نمط الحياة الذي يسعى إليه. إنه نزيف خفي للكرامة والطمأنينة، سببه وهم الجماعة وضغط المجتمع، حيث لا يُقاس الإنسان بما يُنجز أو بما يشعر، بل بما يُظهر. والأسوأ أن هذه المحاكاة تنصبّ على صورة نمطية مشوّهة، بينما الواقع يُظهر أن الأغنياء الحقيقيين لا يكترثون لمثل هذه المظاهر الزائفة، فتراهم يرتدون ملابس عادية، ويعيشون ببساطة محسوبة، لأنهم لا يحتاجون لإثبات شيء لأحد. أما المنهكون في دروب الاستهلاك، فهم الذين يقعون في فخ "الاستعراض"، فيغرقون في الديون لا لشيء إلا ليبدو عليهم الثراء، دون أن يملكوه حقًّا.
الجزيرةمنذ 18 ساعاتمنوعاتالجزيرةمرايا معطوبة.. تعكس المظهر وتخفي الجوهرفي زمنٍ تتسارع فيه وتيرة الحياة وتتداخل فيه القيم مع المغريات، باتت ثقافة الاستهلاك سيدًا متوَّجًا يوجّه سلوك الأفراد والمجتمعات، ويعيد تشكيل ضمائرهم ووعيهم، وحتى مشاعرهم. فلم تعد الحاجة أمّ الاختراع، بل أصبحت الرغبة سيّدة القرار، ولم يعد الإنسان يقيس نفسه بما يملك من فضائل أو مبادئ، بل بما يملك من أشياء. لقد غزت ثقافة الاستهلاك كل زاوية في حياة الناس، وفرضت منطقها الجديد: "كن كما تملك، لا كما تكون"، وهذا المنطق -وإن بدا في ظاهره عصريًّا ومبهرًا، فإنه يحمل في جوهره تحوّلًا خطيرًا في طبيعة الإنسان، وفي علاقته بذاته والآخرين. فلم يعد المظهر وسيلة للتعبير عن النّفس، بل أصبح غاية في حد ذاته، وتحوّل السعي خلف الموضة والرفاهية من خيار إلى واجب، ومن ترف إلى ضرورة. المظهر أولًا.. والجوهر إلى النسيان في ظل هيمنة ثقافة الاستهلاك، أصبح الاهتمام بالمظهر عبادة العصر، وتحوّلت المقاييس من عمق الفكر إلى ماركة الحذاء، ومن دفء القلب إلى بريق الهاتف المحمول! لم يعد الإنسان يُقاس بما يحمل من حكمة أو عطف، بل بساعة يضعها على معصمه، أو سيارة يركبها.. هذه التحولات لم تأتِ من فراغ، بل هي نتاج آلة دعائية جبارة، تُقنِع الناس ليل نهار بأن السعادة تُشترى، وبأن القيمة تُكتسب من الخارج لا من الداخل. تحت هذا التأثير، تبلدت المشاعر، وانكمشت إنسانية الناس، وصرنا إلى زمن تُرى فيه المأساة على شاشة الهاتف، ثم يُمر عليها كما يمر المرء على إعلان ترويجي؛ صار الحزن شعورًا ثقيلًا لا يناسب جدولَ أعمال مزدحمًا بالصورة والتسوق والظهور. لقد أثرت ثقافة الاستهلاك على قدرة الإنسان على الإحساس بالآخر، والتفاعل مع ألمه، لأنه بات يعتبر المأساة استهلاكًا عاطفيًّا لا فائدة منه. المعيشة كحلبة سباق واحدة من أكثر الظواهر خطورة، التي كرّستها ثقافة الاستهلاك، هي نمط الحياة التنافسي المتسارع؛ فلم يعد كافيًا للمرء أن يعيش ضمن إمكاناته، بل بات ملزمًا بمجاراة من حوله في نمط حياتهم، حتى وإن كان ذلك يفوق قدرته المالية. وهنا تبدأ المعركة الأخلاقية بين الرضا بالقليل، أو اللجوء إلى الوسائل الملتوية لتحقيق المزيد. كثيرون اليوم لا يرضون بدخلهم، ليس لأنه لا يكفي حاجاتهم، بل لأنه لا يفي بمتطلبات الصورة التي رسموها لأنفسهم. ولأجل تلك الصورة، يبرر البعض الكذب والغش والاحتيال، ويُسوّغ السرقة، بل ويُجمّل الخيانة! كل ذلك من أجل الحفاظ على وهم النجاح الذي تبيعه ثقافة الاستهلاك تحت اسم "المظهر الاجتماعي". في السابق، كان المنطق يُبنى على أسس أخلاقية وإنسانية، أما اليوم، فتُعاد برمجته وفق معادلة استهلاكية: "إن كان يُباع، فهو جيد؛ وإن لم يكن، فهو لا يستحق النظر"! معايير السوق لا الضمير إن أخطر ما تفعله ثقافة الاستهلاك هو إعادة تشكيل منطق الناس، وتوجيه بوصلتهم الأخلاقية؛ فالأمر لم يعد متعلقًا فقط بما نشتريه أو نلبسه، بل بكيفية فهمنا لما هو صواب وما هو خطأ. في ظل هذه الثقافة، أصبح الحق مرتبطًا بالقوة الشرائية، والباطل هو العجز عن المواكبة.. بات الناس يقيسون الأمور بمعايير السوق لا بمعايير الضمير. في السابق، كان المنطق يُبنى على أسس أخلاقية وإنسانية، أما اليوم، فتُعاد برمجته وفق معادلة استهلاكية: "إن كان يُباع، فهو جيد؛ وإن لم يكن، فهو لا يستحق النظر"! بهذه البساطة، يُختزل التعقيد الإنساني، وتُطمس الفطرة، ويُستبدل العقل بالبطاقة الائتمانية. الأثرياء الحقيقيون لا يكترثون والمفارقة العجيبة أنّ هذا اللهاث وراء المظاهر لا يحدث غالبًا في الطبقات الثرية فعلًا، بل في الطبقات المتوسطة التي تمثّل العمود الفقري للمجتمعات. إعلان هؤلاء الناس الذين يُشقون أنفسهم ليلًا ونهارًا، ويستهلكهم التعب، لا لشيء إلا لمواكبة نمط حياة مصطنع.. قد يستدين أحدهم ليشتري ساعة فاخرة، أو هاتفًا حديثًا، أو حتى سيارة لا تتناسب مع دخله وغير اقتصادية، فقط لمواكبة نمط الحياة الذي يسعى إليه. إنه نزيف خفي للكرامة والطمأنينة، سببه وهم الجماعة وضغط المجتمع، حيث لا يُقاس الإنسان بما يُنجز أو بما يشعر، بل بما يُظهر. والأسوأ أن هذه المحاكاة تنصبّ على صورة نمطية مشوّهة، بينما الواقع يُظهر أن الأغنياء الحقيقيين لا يكترثون لمثل هذه المظاهر الزائفة، فتراهم يرتدون ملابس عادية، ويعيشون ببساطة محسوبة، لأنهم لا يحتاجون لإثبات شيء لأحد. أما المنهكون في دروب الاستهلاك، فهم الذين يقعون في فخ "الاستعراض"، فيغرقون في الديون لا لشيء إلا ليبدو عليهم الثراء، دون أن يملكوه حقًّا.