أحدث الأخبار مع #ثورة


الجزيرة
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الجزيرة
كاتب أميركي زار حمص بعد 13 عاما فماذا وجد؟
قالت صحيفة لوفيغارو إن الكاتب الأميركي جوناثان ليتيل الذي سافر إلى سوريا عام 2012 أثناء الحرب الدموية عاد للقاء من كانوا يقاتلون آنذاك النظام الاستبدادي، وهم يعتقدون اليوم أن الطريق نحو الوحدة والديمقراطية أصبح ممكنا. وأوضحت الصحيفة -في تقرير مطول بقلم جوناثان ليتيل نفسه- أن أول ما يخطر ببال الداخل إلى سوريا، بعد مرور 100 يوم على سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد المكروه، هو الفرح الأقرب إلى الدهشة بالتخلص فجأة من ثقل تنوء به منذ أكثر من 50 عاما. ووصل الكاتب الذي يحمل جوازي سفر فرنسيا وأميركيا في مارس/آذار الماضي في الذكرى السنوية لبدء الثورة، إلى حمص التي قضى فيها بضعة أسابيع في يناير/كانون الثاني 2012، في اللحظة المحورية عندما تحولت الثورة التي واجهت قمع النظام القاسي إلى انتفاضة مسلحة، في وقت بدأت فيه البلاد تهوي في أتون حرب أهلية دامية. فرح ورقص التقى ليتيل عمر التلاوي، وهو من بين الناشطين القلائل الناجين ممن عرفهم، وحدثه عن هروبه وتجواله 5 سنوات، من مخبأ إلى مخبأ مع عائلته الجديدة، وقراره أخيرا بحمل السلاح والقتال، ثم وصوله إلى إدلب حيث أنشأ محلا لإصلاح الأجهزة المنزلية. في ساحة الساعة الرمزية، حيث اندلعت أولى المظاهرات الحاشدة عام 2011 قبل أن يفتح النظام النار على المتظاهرين، كانت الفرحة هذه المرة تحمل سعادة النصر الحاسمة، والرجال يرقصون في دائرة، والنساء خلف طوق من الجنود المسلحين، يصرخن سعيدات ومتحمسات مثل الرجال. يصعد على المسرح عبيدة أرناؤوط، رئيس القيادة السياسية في المحافظة والمتحدث السابق باسم هيئة تحرير الشام ، الفصيل الذي قاد الهجوم الأخير على نظام الأسد، ليقرأ خطابا للرئيس أحمد الشرع يحيّي فيه شهداء حمص الذين لا يحصى عددهم، "يا حمص. سنتذكر دائما كيف صرخت من أجل حريتك وكرامتك". تجول جوناثان ليتيل في الأحياء الثورية في حمص ، بابا عمرو والخالدية والبياضة، حيث التقى عام 2012 ناشطين مدنيين ومقاتلين من الجيش السوري الحر ، وهم يواجهون نيران القناصة وقذائف الهاون بشكل مستمر، فوجد أن هذه الأحياء الشاسعة لم تعد سوى أنقاض، دمرها النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون. مشهد الدمار ذاته يلقاك في كل سوريا -كما يقول الكاتب- في ضواحي دمشق الشاسعة، وفي مدينة حلب القديمة، وفي عشرات البلدات بين حماة وإدلب، "مدن ميتة" وكيلومترات من المباني المدمرة، والجدران الخرسانية العارية والمتشققة ونصف المنهارة. حمام دم مفاجئ بعد أن تعرضت هذه الأحياء لقصف مكثف بالصواريخ والقنابل و البراميل المتفجرة أفرغت من السكان بعد استسلام آخر مقاتلي المقاومة وإجلائهم إلى إدلب، ليبدأ النهب من قبل شبكات مرتبطة ب الفرقة الرابعة الشهيرة بقيادة ماهر الأسد ، شقيق بشار، فنهبت المدارس والمستشفيات والمنازل الخاصة، وسرق الأثاث والأجهزة ثم الأبواب والنوافذ وكل شيء. في أنقاض البياضة، "تحدثت -كما يقول الكاتب- مع صبي يبلغ من العمر 11 عاما كان يلوح بعصا وعيناه تلمعان، ويشير إلى أنه يحمل بندقية كلاشينكوف، وهو يقول: لا يزال العلويون يحاولون الدخول إلى أحيائنا". وفي حماة، شرحت فداء الحوراني للكاتب، وهي معارضة أمضت 3 سنوات في السجن قبل أن تذهب إلى فرنسا عام 2013، أن "القنبلة الموقوتة في سوريا هي كل هؤلاء الأشخاص الذين عذبهم النظام طوال 50 عاما"، وقد تم احتواؤها خلال الأشهر القليلة الأولى بعد سقوط النظام، ولكنها انفجرت أخيرا قبل 10 أيام من ذكرى الثورة. وعلى أمل أن تقبل أغلبية العلويين التي ساندت بشار الأسد الوضع الجديد، سارعت السلطات الجديدة، بعد بضع حملات تمشيط إلى تقليص وجودها الأمني على معقل العلويين في الساحل السوري. وقد استفاد من هذا التقليص من يسميهم السوريون الآن " فلول النظام"، وفي السادس من مارس/آذار الماضي شنت وحدات منهم مدججة بالسلاح هجوما عاما على مواقع حكومية على طول الساحل، ولكن قوات السلطة تغلبت عليها بسرعة، وأصدرت الحكومة نداء للتعبئة العامة، استجابت له قوات من جميع أنحاء البلاد، ومن خارج هيئة تحرير الشام وحلفائها المقربين. حمص تقدم لمحة عن وضع البلاد وبعد أن انتشرت مقاطع فيديو تظهر الإذلال والقتل الوحشي، وتورطت الحكومة في قتال عنيف مع الفلول، خرج الرئيس أحمد الشرع وأمر قواته باسم " سوريا الجديدة" بحماية العائلات العلوية ومعاملة الفلول المأسورين معاملة حسنة، وقال "أعلم أننا نستطيع أن نعيش معا في سلام اجتماعي. هناك تحديات كبيرة، ولكننا قادرون على التغلب عليها". وذكر الكاتب أنه قبل أيام قليلة من وصوله إلى سوريا، ذهب إلى برلين للقاء عروة نيربية، وهو مخرج سينمائي وناشط سوري في المنفى، فحدثه عن السلطة الجديدة قائلا إن "هؤلاء الرجال أقوى بكثير من المعارضة السورية التقليدية. نختلف معهم في أمور كثيرة، لكننا ندعو لهم بالتوفيق". وأضاف أن حمص تقدم لمحة عن الوضع الراهن، "فالتوترات هناك شديدة للغاية، والوضع متقلب. حمص أحد الاختبارات الرئيسية لمستقبل البلاد". أراد عمر التلاوي أن نلتقي بمختار الزهراء، وقد عثرنا عليه في أحد شوارع مسقط رأسه في حي باب السباع، أمام المتجر الذي نجا فيه بأعجوبة من هجوم شنه الشبيحة وأسفر عن مقتل اثنين من أصدقائه في نوفمبر/تشرين الثاني 2011. وفي دوار الزهراء، حيث وزع الشبيحة الأسلحة عام 2011 لمهاجمة المتظاهرين وحيث عرضوا الأشخاص الذين أسروهم قبل اقتيادهم للتعذيب والاغتصاب أو القتل، يقف 4 جنود حراسة أمام المحلات التجارية، وعندما لاحظ أحدهم لحية عمر سأله: ماذا تفعل هنا؟ فقال "أنا أرافق صحفيا فرنسيا، فقال "لا يمكنك الدخول إذا كان لديك سلاح". فحص الرجال عمر بتجهيزاتهم، وقال أحدهم "ليس لديكم أي دفاع هنا. إذا هاجمكم الفلول فستقتلون جميعا بسهولة"، ولكن قائدهم هز كتفيه قائلا "أردنا إقامة نقطة إطلاق نار في الطابق العلوي، لكن قادتنا رفضوا. علينا ألا نخيف السكان، لكن الأمر خطير". مبادرة لاستعادة الحقوق هناك أيضا جيل كامل من المعارضين السوريين الذين لم أقابلهم قط -كما يقول الكاتب- سجنوا جميعهم تقريبا في عهد الرئيس حافظ الأسد أو ابنه بشار، من ضمنهم أبو علي صالح، وهو ناشط علوي سابق في حزب العمال، هادئ ومتزن، يدير الآن شركة لبيع الألواح الشمسية الصينية في حمص، وهو أيضا أحد مؤسسي مبادرة السلام المدني، وهي جمعية مجتمع مدني تعمل مع السلطات على الحد من التوترات المجتمعية وتوثيق العنف بدقة من أجل تصحيح الأخبار الكاذبة المنتشرة على شبكات التواصل الاجتماعي. وهذه الجمعية تتدخل في حالات مثل النزاع على الأراضي في حي الورود المختلط شمالي مدينة حمص القديمة حيث قامت مليشيات النظام، بعد النزوح القسري لسكان الحي السنّة إلى إدلب عام 2014، بتدمير منازل الفقراء الصغيرة لبناء كتل سكنية وبيع شققها بعد ذلك. وعندما سقط النظام عاد الملاك الأصليون وأرادوا استعادة أراضيهم لإعادة بناء منازلهم، فقاموا بطرد أصحاب الشقق، ويعلق أبو علي قائلا "من خلال المبادرة، نقوم بالوساطة. ولكن الأمر سيستغرق سنوات". العدالة هي الأساس يبقى السؤال المحوري لأبو علي وأصدقائه هو العدالة، " لأنه من دون عدالة انتقالية ، سنبقى على الوضع نفسه. الخسائر فادحة. إذا لم تكن هناك عدالة، فلن يكون هناك سلام. تطالب المجتمعات العلوية بالعفو غير المشروط، ونحاول أن نشرح لهم أن العفو من دون عدالة لا يؤدي إلى شيء". وأضاف "لا يمكننا أن ننسى حقوق المطالبين بالعدالة. بعد عملية عدالة انتقالية، يمكننا النظر في العفو. لكن علينا أن نعرف من ارتكب الجرائم". إعلان وقال المحامي العلوي معن صالح، وهو أحد مؤسسي مركز السلام الدولي، إن "القيادة السياسية غير مهتمة بالعدالة الانتقالية. لا توجد قائمة بأسماء مجرمي الحرب المعتقلين أو المطلوبين. لذا بدلا من العدالة لدينا الانتقام. وهذا يزيد من الخوف. من دون عدالة انتقالية، لن تكون هناك مصالحة بين الطوائف". ومع ذلك، يبدو أن السلطات أصبحت تدرك هذه الحقيقة ببطء -كما يقول الكاتب- "وفي يومي الأخير في حمص تمكنت من لقاء عبيدة أرناؤوط الذي قرأ كلمة الشرع مساء المهرجان. استقبلني في مكاتب حزب البعث السابقة، وقال: لدينا أوامر صارمة من الرئيس. لقد حررنا البلاد لتحرير الشعب لا للانتقام. الشعب ليس متعطشا للدماء، لكنه لا يستطيع نسيان المجازر والفظائع. مسألة العدالة هي الأساس". وقد تؤدي مسألة العدالة هذه إلى طرح مسألة بناء الدولة، كما يقول أمجد كلاس، وهو صديق قديم معارض لأبو علي، متحدثا عن الحكومة "إذا تمسكوا بمبادئهم ونسوا الفكر الذي ينتمون إليه، فهذه علامة جيدة للمستقبل، لكن التحديات لا تحصى". وأثناء مروري في إدلب -كما يقول جوناثان ليتيل- دعيت لتناول إفطار مع أسامة الحسين، الرئيس السابق للمجلس المحلي لمدينة سراقب الذي اضطر إلى الفرار إلى تركيا بعد أن رفض العمل مع جبهة النصرة عندما استولوا على المدينة عام 2017، وقد قال هذا الرجل الذي تابع عن كثب تطور المجموعة منذ إنشائها "لقد تغيروا حقا منذ عام 2020". ولا يزال الناشطون على استعداد لمنح الشرع وزملائه فرصة، قال عروة نيربية "إذا انتهى بنا المطاف بعد 53 عاما إلى استبداد ناعم، فسيكون ذلك تحسنا هائلا. ربما لا يمكننا توقع ما هو أفضل من ذلك"، وقال أبو علي "أثق بالشعب السوري. لن يدع شيئا يمر دون أن يرحم. لكن علينا أن نعمل. فالثمار لا تأتي مصادفة".


العربية
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- العربية
السودان..عندما تخذل القوات المسلحة شعبها
السودان بلد عظيم، جمع كل خيرات الأرض، ولديه شعب يمتلك كل مفاتيح العمل والمعرفة والحكمة، استقل رسمياً في الأول من يناير عام 1956 بعد حراك شعبي ومجتمعي. ولكن مع الأسف ابتلي السودان بقادة عسكريين سلموا بلادهم وشعبهم لتنظيم دولي إرهابي، قاد بلادهم إلى حرب حصدت أرواح المدنيين، وإلى دمار عمّ كل إرجاء البلاد. لم ينعم السودان باستقلاله كثيراً، وانتهى الأمر بعد عامين من الاستقلال بانقلاب عسكري والإطاحة بالحكومة المدنية في العام 1958. وقادت القوات المسلحة السودانية البلاد وفق نظرية خطيرة رسمت المشهد السياسي والاقتصادي والتنموي منذ ذلك التاريخ، فقد أدركت التحدي الخطير الذي يواجهها أمام تطلعات الشعب للتنمية وشغف السودانيين بالعمل والاقتصاد، فسعت إلى فرض سياسات خطيرة عطلت عجلة الاقتصاد والتنمية، وقتلت الروح والطموح لدى أجيال ممتدة من الشعب السوداني، وانتهت بإفشال منظومة العمل والتعليم والمعرفة، وبتردي كل مظاهر وأنشطة الاقتصاد والتنمية والنهضة بالبلاد. استعاد الشعب السوداني دولته من الانقلاب العسكري عام 1964 بعد ثورة شعبية أطاحت بحكم العسكر، وعاد المدنيون للحكم في العام 1965، لكن لم يكتب لها الاستقرار نتيجة تدخلات القوات المسلحة ومحاولاتها لبسط نفوذها على المشهد السياسي بالبلاد والسيطرة على مقدرات السودان وموارده وقدراته. استغلت القوات المسلحة السودانية هذا الوضع، لتقود البلاد إلى انقلاب آخر أطاح بالحكومة المدنية عام 1969، وقاد البلاد طوال 16 عاماً كانت مليئة بالانقلابات والتجاذبات والتحالفات مع الأحزاب السياسية التي كان لها النفوذ الأوسع في الساحة، وانتهت هذه المرحلة بثورة شعبية استجاب لها وزير الدفاع المشير عبدالرحمن سوار الذهب الذي أطاح بحكم الجيش وقاد فترة انتقالية لمدة عام، سلم بعدها السلطة إلى حكومة مدنية، لم تستطع الصمود إلا ثلاثة أعوام كان التجاذب وعدم الاستقرار عنوانها الرئيسي، ومهدت الطريق إلى سيطرة «الجبهة الإسلامية» على المشهد السياسي والعسكري والاقتصادي والتنموي للسودان، وتعزيز سيطرتها ونفوذها وتنظيمها على الدولة، وقادت انقلاباً عسكرياً للسيطرة على الدولة في 30 يونيو 1989، ولتستمر في رسم وقيادة المشهد السياسي للسودان طوال أكثر من 30 عاماً، وكان الرئيس المخلوع عمر حسن البشير عنوانها الأبرز وقائدها الأعلى، حيث ازدهر النشاط السياسي للإخوان، حتى أصبحوا القوة الحزبية الرئيسية بالدولة، وانفردوا بحكم السودان، رغم الانقسامات الكثيرة التي صاحبت سيطرتهم، واضطروا إلى إعادة ترتيب تنظيماتهم من «جبهة الميثاق الإسلامية» إلى «الجبهة الإسلامية القومية»، ثم إلى حزب «المؤتمر الوطني» الذي شهد انقساماً أدى إلى ظهور حزب «المؤتمر الشعبي» ومن ثم أطاح الشعب السوداني عام 2019 بحزب «المؤتمر الوطني»، لتنهي بذلك ثلاثة عقود، هي الأصعب على السودانيين والدولة السودانية، حيث الإبادة في دارفور، 3 ملايين قتيل أغلبهم في الجنوب، وملايين اللاجئين والمشردين، وخسارة ربع مساحة السودان وأكثر من نصف ثرواته الطبيعية وثلثي إنتاجه النفطي، ليصبح السودان بعدها من بين أكثر الدول فشلاً وتراجعاً على كافة المستويات.لم تستجب القوات المسلحة السودانية لمطالب الشعب السوداني واستحقاقاته هذه المرة، بل انقلبت على الحكومة المدنية الوليدة التي شكلت تحت ولايته أساساً، فأطاحت بها في أكتوبر 2021، وأعادت سيطرتها على كل مقدرات الدولة، قبل أن ينتهي إلى إعلان الحرب على شريكها العسكري في السلطة، وتقود السودان إلى أسوأ كارثة إنسانية بحسب تصنيف الأمم المتحدة، حيث سقط عشرات الآلاف من القتلى وأضعافهم من المصابين، وتدمير كل مقدرات ومقومات البلاد ومنشآتها، وأكثر من 8 ملايين مشرد وضعفهم من اللاجئين، والقضاء على كل فرص التنمية والتحضر الإنساني والاقتصادي والعمراني. وبعد، هل تتحمل الأمم المتحدة مسئوليتها وتقود جهداً دولياً يفضي لإنهاء سيطرة القوات المسلحة السودانية على السلطة بالسودان، وتعيد البلاد إلى شعبها في ظل حكومة مدنية تحقق للسودانيين الازدهار والتنمية.


الجزيرة
١١-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الجزيرة
من قبوه يكتب إليكم رجل الخيال.. المعتقل السياسي لطفي المرايحي يصدر كتابه الجديد
لماذا هذه حالنا؟ كتاب جديد للكاتب والسياسي والطبيب والمعتقل لطفي المرايحي والذي صدر بمناسبة معرض تونس الدولي للكتاب بعد أن افتتحه الرئيس قيس سعيد منذ أيام. وبدا الكتاب حفرا في أصول نكسة الثورة التونسية وبحثا في تراجيديات الإنسان التونسي ونشأة الانحطاط الذي لم يعد حادثة عابرة أو مرحلة، بل تحول إلى كائن حي يكبر ويتعاظم كوحش ملتهم كل ما هو جميل وذكي. إنها رحلة تساؤل مر من مثقف وسياسي مطارد، يسجلها من مخبئه كما فعل ديستوفسكي من قبوه، يحاكم فيها الكاتب التاريخ واللحظة والشعب والنخب والذات دون شفقة. وتلك الشفقة التي اعتدنا تغميسها في الخوف، وذلك الخوف الذي أحدث كل هذا الظلم والفشل، فاستقام الاستبداد قدرا لأمة تنهض كل صباح وتهتف بإرادة الحياة دون أن تدركها أو تعيها. وهي ذاتها أمة الشابي الذي مات ساخطا عليها لأنها لم تسمع غناءه. وفي هذا المؤلف المؤلم، يفكك المرايحي أسباب الإخفاق التونسي المركب، ويذهب بنا بعيدا في التاريخ الحديث، منقبا ومستفسرا ومحللا، بحثا عن إجابة لسؤاله "لماذا صار هذا حالنا؟!" وفي رثاء العقلانية واستنهاضها، لا يخون الكاتب ولا يتهم أحدا بعينه، ولا يترك أحدا في سلام، فالكل شركاء في إنتاج هذه اللحظة الراهنة من الانحطاط الكلي. في خطاب فكري هو هذا المنجز، فاضحا أزمة الوعي والجهل المكدس وصناع الظلم والمستثمرين في الفقر وفقراء الخيال الذين قادوا مسيرة التخلف عوض قيادة مسيرة التطور والرقي. وطن تحول إلى سجن كتاب المرايحي، الذي وصلنا مخطوطا من عائلته قبل النشر، هو ضد البلادة والسطحية التي غرق فيها المشهد التونسي بكل وجوهه (التعليم، السياسة، الإعلام، الثقافة، الاقتصاد، المجتمع المدني..) فلا يكتب السجين السياسي المرايحي كتابا ذاتيا يقدم فيه محنة شخصية، بل يطرح محنة أكبر، هي وطن تحول إلى سجن، بعد أن أضاع شعبه الطريق نحو حريته عندما أجهز على كل ما يجعل منه شعبا حيا ومريدا فعلا، وعندما تنازل عن التفكير بمصيره لحكامه، وانشغل بالخبز وحده، فصار حتى الخبز قاسيا وبدأ بتكسير أسنانه. ولم يكن صاحب كتاب "الفرد الغائب في مشروع التحديث" حديث عهد بالنضال السياسي والفكري لتربكه ملاحقة أو اعتقال، فقد اختار منذ بدايته أن يكون في صف المستضعفين والحالمين وأرباب الخيال. ولذلك، ورغم انتقاده الشديد لمسار الثورة بعد 2011، إلا أنه لم يهلل لانقلاب 25 يوليو/تموز 2021، لأن أخطاء الديمقراطية لا يمكن إصلاحها بالتخلص منها وتغيير الاتجاه نحو الدكتاتورية القصوى. ويرجع الكاتب كل ما حدث إلى أن المجتمع التونسي من المجتمعات التي "تفككت بناها التي كانت تقوم على الأسس العرقية والقبلية والعشائرية، ولم يحل محلها عقد جديد يربط الناس بعضهم ببعض ويجعلهم يثقون ببعضهم، فأصبحوا أفرادا متناثرين على رقعة جغرافية، متقوقعين على أسرهم، وكل ما زاد على ذلك غريب لا يأمنون جانبه". وهذا الوضع الديستوبي للحظة ما بعد العشائرية وما قبل المواطنة، الذي ينتهي إليه المرايحي في تشخيصه للمجتمع، هو الذي جعل الحشود تصطف وراء أي شخص يدعوهم إلى الكسل ويعفيهم من الفعل ومن التفكير. فرفض الفرد الفاقد لعشيرته لفكرة المواطنة هو الذي جعل الاستبداد يعود بعد كل انتفاضة بصورة أكثر بشاعة من الاستبداد الذي انتفض عليه. ولم يتخذ المرايحي، على عكس السياسيين التونسيين وخاصة المترشحين للرئاسة، نهج منافقة الشعب بمدحه وتعظيمه، بل ذهب إلى مصارحته تلك المصارحة المؤلمة باعتباره شريكا رئيسا فيما يعاني منه الآن، وألحقه بصنف من الشعوب التي تهرب من راهنها الصعب والهوى المتفتت نحو ملاذات أسوأ، كالسلفية، وتهرب من الارتباك الديمقراطي نحو الدكتاتورية، ومن الرجعية نحو الحداثة المزيفة. وهكذا يتنقل المرايحي من فصل إلى آخر، طارحا موضوعا جديدا يطل من خلاله على الانحطاط، مرة من التخلي عن المواطنة وإنكار الديمقراطية، ومرة من قضايا الهوية بين الحداثة والمحافظة، ومرة من المسألة الدينية وطرق التعامل معها، ليتساءل عن النظام السياسي الأنسب وعن مفهوم الوطن اليوم. فهذا كتاب "عقل محض" زمن الانفعال والشعبوية، لمثقف وطبيب يشخص في هدوء علل وطنه وشعبه منذ حلول الرجل المريض (الخلافة العثمانية) به إلى اليوم، ويقترح بين سطوره وصفات ممكنة ورحلة للتعافي. ولم يغيّب الكاتب وجهه الروائي، فالكتاب يروي سردية جديدة لتونس والتونسيين، وينهيه بنص في التخييل الذاتي، كوميديا سوداء يروي فيها المرايحي قصة قرار منعه من الترشح للرئاسة، لينتصر للخيال باعتباره حاجة وضرورة لكل سياسي، فمن دونه لا شيء ممكنا غير الاستبداد. ويغلق الكتاب على كلمة "يتبع.." في إشارة واضحة إلى إصراره على مواصلة النضال من أجل تونس أخرى، ذكية، تقطع مع الاستبداد والغباء، ولا يمكن للاعتقال أن يعتقل رجل الخيال. تونس بين الحرية والاستبداد إن قيمة هذا الكتاب، الصادر عن دار مسكلياني وبتقديم من المولدي قسومي وكلمة للغلاف للإعلامي والناقد عامر بوعزة، وظهوره في معرض تونس الدولي للكتاب، تتمثل في إصرار المجتمع المدني على مواصلة الإيمان بحرية التعبير وبالديمقراطية كحل وحيد للخروج من مأزق الاستبداد. وهي إشارة ومساندة للمعتقلين جميعا في قضايا الرأي والسياسة بأن الفضاء العام في تونس لم يتخل عنهم، وأن صمت قسم من النخبة التونسية لا يمثل إلا أصحابه، وأن المجتمع المدني الذي يتظاهر بشبابه وشيبه في الشوارع لاسترداد المسار الديمقراطي ليس ظاهرة صوتية فقط بل فكرية وثقافية أيضا. ويقول قسومي في مقدمته "إننا أمام نص كتب في برهة سياسية غائمة من تاريخ تونس، جاءت بعد انفتاح الأفق الذي تشوف إليه جميع أبنائها، وتطلعوا من خلاله إلى الدخول في زمنية سياسية تمنحهم كل مقومات المواطنة، وتعبد أمامهم كل مسالك الحرية، إلا أنها انقلبت إلى حالة عصية على البلوغ جراء وثبة ارتجاعية شاهقة إلى ما وراء الوراء، الذي لا يمكن أن تجسده إلا حالة الدولة الأولية". ويكتب بوعزة معززا هذه الفكرة "الكاتب هنا يعاين العلة كما يفعل الطبيب المتمرس، فيجد للتشخيص الذي بين يديه صدى في الماضي وفي تجارب الأمم. الجهل والتخلف والأنانية من صفات الانحطاط، ومقدمات للانهيار الوشيك، عندما يصبح الخلاص الفردي الملاذ المنشود". ويتمدد كتاب الأسير المرايحي على جملة من الأسئلة منها: ما علاقة الديمقراطية بالنهضة؟ حقيقة أم خيال؟ الفردية والجماعية؟ حداثة أم محافظة؟ هل الدين عائق أمام التقدم؟ الديمقراطية الليبرالية أهي الحل؟ أي نظام سياسي؟ من العولمة إلى صراع الهوية، الوطن ما الوطن؟ هل السلطة تفقد صاحبها العقل؟


الغد
٠٩-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الغد
الطائفية.. سلاح يهدد مساعي السوريين لبناء دولتهم
سورية- بعد 6 عقود من حكم حزب البعث، وهيمنة عائلة الأسد على السلطة في سورية، يتركز اهتمام السوريين على بناء دولة وطنية ديمقراطية، تتوفر فيها شروط الحياة الكريمة، على الرغم مما يواجهونه من تحديات، وواقع معيشي مثقل بالهموم والمصاعب. اضافة اعلان وحذر خبراء من أن الطريق إلى هذا الهدف ما يزال يواجه عوائق كثيرة، فبالإضافة إلى إرث الرئيس المخلوع بشار الأسد وتداعياته على بلد خرج لتوه من الجحيم، وما يزال يعاني من أزمة إنسانية متواصلة منذ 2011، تواجه سورية هجمة مضادة، تسعى من خلالها فلول النظام السابق إلى جانب قوى محلية وجهات خارجية إلى تقويض ما أنجزته الثورة، وصبغ المرحلة الانتقالية بصبغة طائفية، تمهيدا لإنشاء كيانات تخدم مصالحها وتوجهاتها. يوارى أحمد، خلفَ هدوئه، وهو يتحدث، أوجاع سنوات من القهر والعذاب، فقد فر مع عائلته إلى تركيا إثر تعرض أحياء مدينة حمص الثائرة وسط البلاد لقصف بري وجوي حوّلها إلى ركام. وبعد سقوط الأسد في 8 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، استفاد كغيره من السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة في تركيا، من تسهيلات قدمتها الحكومة التركية، سمحت لهم بزيارة مدنهم الأصلية، والاطمئنان على سلامة أوضاعها، قبل أن يقرروا العودة ومغادرة تركيا بشكل طوعي. وتحدث أحمد عما شاهده قائلا "رأيت منزلي مجرد أطلال، الحياة شبه معدومة داخل الحي بسبب الخراب، وعلى مشارف أحياء أخرى تتمركز قوات الأمن العام تراقب بحذر حركة السيارات دون إزعاج، بعد أن تعرض بعض عناصرها لكمائن محكمة من قبل فلول النظام السابق، أسفرت عن مقتل العشرات". وخلال الفترة التي قضاها، شنت تجمعات عسكرية لفلول النظام السابق في مدن مجاورة لمدينته هجمات مسلحة على عناصر الأمن العام ومقرات الحكومة، ما دعاه ليؤكد أن ما يجري لا يشكل تهديدا أمنيا فحسب، بل من شأنه تفكيك المجتمع، رغم هشاشة تماسكه متأثرا بإرث سياسة الأسد الطائفية. وكانت مدن الساحل السوري إلى جانب أحياء في حمص يقطنها علويون قد شهدت خلال الأشهر الثلاثة الماضية، اشتباكات وتوترات طائفية على إثر هجمات مسلحة شنها موالون للأسد على قوات الأمن العام أدت إلى مقتل المئات. وامتدت التوترات والصدامات مؤخرا إلى مناطق بريف دمشق تسيطر عليها مليشيات درزية إثر سجالات من التصريحات الطائفية، تخللها تدخل إسرائيلي. وبعد عقود من حكم الاستبداد، بات السوريون يأملون أن يشكل انهيار نظام الأسد فرصة ثمينة لتجسيد ما دعت إليه ثورتهم ضد النظام السابق، بالانتقال إلى دولة ديمقراطية، تضمن الحرية والكرامة للجميع، وتصون وحدة أراضيها. ويخشى كثيرون، بحسب منشورات على منصات التواصل الاجتماعي، من أن يفسد الحراك الطائفي والمناطقي عليهم فرحتهم بسقوط الأسد، أو يحبط ما تبقى لديهم من طموحات وآمال بمستقبل أفضل. وفي هذا الإطار، استبعد الخبير الحقوقي عبد الملك الأحدب أن تمتلك الحكومة المؤقتة حلا سحريا لمشكلات سورية الراهنة في ظل استمرار العقوبات التي فرضها الغرب على النظام السابق. وأشار الأحدب، إلى أن الطريق نحو المستقبل ليس ممهدا بالكامل، إذ تعترضه تحديات، منها: الوضع الحياتي، حيث يحتاج الاقتصاد إلى رافعة تمكن البلد من تلبية متطلبات نهوضه وإعادة إعماره، ومن ثم تهيئة الظروف لعودة ملايين اللاجئين. أزمة الأقليات، التي انحرف بعض من تصدروا لتمثيلها على خلفية انفصالية للاستقواء بدول أجنبية، من بينها إسرائيل. التحدي الخارجي، ويتصل بالعقوبات التي ما يزال الغرب يفرضها، ويربط رفعها بمطالب قد تمس سيادة الدولة. إلى جانب ما تشكله هجمات الاحتلال الاسرائيلي العسكرية، واستثمارها الجانب الطائفي من الأزمة الداخلية، من خطر يهدد الأمن القومي السوري. السرديات الطائفية تدعم الفلول وانتقد الأحدب السردية التي تروجها الأطراف المتضررة من سقوط الأسد، معتبرا أن "ما يتم تصويره كصراع طائفي أو مواجهة بين أغلبية سنية وأقليات المجتمع السوري، هو تضليل خطير، يراد منه توجيه رسالة للغرب مفادها أن الأقليات تتعرض لمذابح على يد الإسلاميين (النظام الجديد) وعلى المجتمع الدولي إنقاذها". ويتفق ما طرحه الخبير الأحدب، مع ما ذهب إليه الباحث في معهد دراسات الحرب، رايان كارتر، حيث أوضح في تقرير أن السرديات الطائفية التي تنشرها جهات مناهضة لحكومة أحمد الشرع، تدعم أهداف المتمردين. كما كشف كارتر وجود حسابات شعبية على مواقع التواصل الاجتماعي، بعضها باللغة الإنجليزية، تنشر محتوى يهدف إلى تأجيج هذا التوتر. ومن المرجح، بحسب رأيه أن يكون هدفها هو نزع الشرعية عن الحكومة لدى الجمهور الأجنبي، وتعزيز مشاعر الخوف والحرمان الكامنة لدى العلويين. إسرائيل في عمق المشهد ودفع سقوط النظام السابق المدوي دولة الاحتلال إلى العودة لسياسة كانت قد استخدمتها سابقا في العراق ولبنان، ترتكز في مبادئها على إضعاف خصومها، وشل قدراتهم، وتشجيع الأقليات على إنشاء كانتونات تخدم مصالحها. وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، نقلا عن مصادر لم تسمها، أن تل أبيب تعمل حاليا على إقناع القوى العالمية بدعم فكرة تبني الدولة الناشئة في سورية، نظاما اتحاديا، يضم مناطق عرقية مستقلة، مع جعل المناطق الحدودية الجنوبية منزوعة السلاح، معتبرة "سعي الإسلاميين لتوحيد سورية إنما يشكل تهديدا لها". "ارفعوا أيديكم عن سورية" من وجهة نظر الكاتب البريطاني، سيمون تيسدال، الذي يرى في تدخل القوى الأجنبية بالشأن السوري أمرا قد يعرض ثورة السوريين للخطر، بدأت سخرية المواقف الحالية تخطف الأنفاس. فالأصدقاء والجيران تكالبوا كالذئاب المفترسة، على جثة نظام البعث المخلوع، التي ما تزال تنتفض، وإذا لم يتم كبح جماحهم، كما يرى، فقد يمزقون سورية من جديد. وأوضح في مقال، نشرته صحيفة غارديان البريطانية، أن على القوى الأجنبية أن تدع سورية وشأنها، وترْكَ أمر مستقبل السوريين للسوريين. وأضاف "ليس للمجتمع الدولي الحق بإبداء رأيه بعد 13 عاما من الفشل في سورية، خصوصا أن "تدخلات الغرب الجبانة" أجّجت الحرب، وأمام القيادة الحالية العديد من المصاعب، من إعادة اللاجئين والتخلص من الألغام إلى إصلاح اقتصاد البلاد المتهالك والتعافي من السنوات السابقة. وتساءل تيسدال "كم سيكون من المنعش أن يثق العالم ولو لمرة واحدة فقط بشعب تحرَّر للتوّ، كي يرسم طريقه نحو العدالة والمصالحة وإعادة الإعمار بعيدا عن التدخل الخارجي؟".-(وكالات)


الجزيرة
٠٩-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الجزيرة
إرث الطائفية.. سلاح يهدد مساعي السوريين لبناء دولتهم
بعد 6 عقود من حكم حزب البعث ، وهيمنة عائلة الأسد على السلطة في سوريا ، يتركز اهتمام السوريين على بناء دولة وطنية ديمقراطية، تتوفر فيها شروط الحياة الكريمة، على الرغم مما يواجهونه من تحديات، وواقع معيشي مثقل بالهموم والمصاعب. وحذر خبراء من أن الطريق إلى هذا الهدف لا يزال يواجه عوائق كثيرة، فبالإضافة إلى إرث الرئيس المخلوع بشار الأسد وتداعياته على بلد خرج لتوه من الجحيم، ولا يزال يعاني من أزمة إنسانية متواصلة منذ 2011، تواجه سوريا هجمة مضادة، تسعى من خلالها فلول النظام السابق إلى جانب قوى محلية وجهات خارجية إلى تقويض ما أنجزته الثورة، وصبغ المرحلة الانتقالية بصبغة طائفية، تمهيدا لإنشاء كيانات تخدم مصالحها وتوجهاتها. سياسة الأسد الطائفية يوارى أحمد، خلفَ هدوئه، وهو يتحدث، أوجاع سنوات من القهر والعذاب، فقد فر مع عائلته إلى تركيا إثر تعرض أحياء مدينة حمص الثائرة وسط البلاد لقصف بري وجوي حوّلها إلى ركام. وبعد سقوط الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، استفاد كغيره من السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة في تركيا، من تسهيلات قدمتها الحكومة التركية، سمحت لهم بزيارة مدنهم الأصلية، والاطمئنان على سلامة أوضاعها، قبل أن يقرروا العودة ومغادرة تركيا بشكل طوعي. وتحدث أحمد للجزيرة نت عما شاهده قائلا "رأيت منزلي مجرد أطلال، الحياة شبه معدومة داخل الحي بسبب الخراب، وعلى مشارف أحياء أخرى تتمركز قوات الأمن العام تراقب بحذر حركة السيارات دون إزعاج، بعد أن تعرض بعض عناصرها لكمائن محكمة من قبل فلول النظام السابق، أسفرت عن مقتل العشرات". وخلال الفترة التي قضاها، شنت تجمعات عسكرية لفلول النظام السابق في مدن مجاورة لمدينته هجمات مسلحة على عناصر الأمن العام ومقرات الحكومة، ما دعاه ليؤكد أن ما يجري لا يشكل تهديدا أمنيا فحسب، بل من شأنه تفكيك المجتمع، رغم هشاشة تماسكه متأثرا بإرث سياسة الأسد الطائفية. وكانت مدن الساحل السوري إلى جانب أحياء في حمص يقطنها علويون قد شهدت خلال الأشهر الثلاثة الماضية، اشتباكات وتوترات طائفية على إثر هجمات مسلحة شنها موالون للأسد على قوات الأمن العام أدت إلى مقتل المئات. وامتدت التوترات والصدامات مؤخرا إلى مناطق بريف دمشق تسيطر عليها مليشيات درزية إثر سجالات من التصريحات الطائفية، تخللها تدخل إسرائيلي. طريق المستقبل ليس ممهدا بالكامل بعد عقود من حكم الاستبداد، بات السوريون يأملون أن يشكل انهيار نظام الأسد فرصة ثمينة لتجسيد ما دعت إليه ثورتهم ضد النظام السابق، بالانتقال إلى دولة ديمقراطية، تضمن الحرية والكرامة للجميع، وتصون وحدة أراضيها. ويخشى كثيرون -بحسب منشورات على منصات التواصل الاجتماعي- من أن يفسد الحراك الطائفي والمناطقي عليهم فرحتهم بسقوط الأسد، أو يحبط ما تبقى لديهم من طموحات وآمال بمستقبل أفضل. وفي هذا الإطار، استبعد الخبير الحقوقي عبد الملك الأحدب أن تمتلك الحكومة المؤقتة حلا سحريا لمشكلات سوريا الراهنة في ظل استمرار العقوبات التي فرضها الغرب على النظام السابق. وأشار الأحدب، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن الطريق نحو المستقبل ليس ممهدا بالكامل، إذ تعترضه تحديات، منها: إعلان الوضع الحياتي، حيث يحتاج الاقتصاد إلى رافعة تمكن البلد من تلبية متطلبات نهوضه وإعادة إعماره، ومن ثم تهيئة الظروف لعودة ملايين اللاجئين. أزمة الأقليات، التي انحرف بعض من تصدروا لتمثيلها على خلفية انفصالية للاستقواء بدول أجنبية، من بينها إسرائيل. التحدي الخارجي، ويتصل بالعقوبات التي ما زال الغرب يفرضها، ويربط رفعها بمطالب قد تمس سيادة الدولة. إلى جانب ما تشكله هجمات إسرائيل العسكرية، واستثمارها الجانب الطائفي من الأزمة الداخلية، من خطر يهدد الأمن القومي السوري. السرديات الطائفية تدعم الفلول وانتقد الأحدب السردية التي تروجها الأطراف المتضررة من سقوط الأسد، معتبرا أن "ما يتم تصويره كصراع طائفي أو مواجهة بين أغلبية سنية وأقليات المجتمع السوري، هو تضليل خطير، يراد منه توجيه رسالة للغرب مفادها أن الأقليات تتعرض لمذابح على يد الإسلاميين (النظام الجديد) وعلى المجتمع الدولي إنقاذها". ويتفق ما طرحه الخبير الأحدب، مع ما ذهب إليه الباحث في معهد دراسات الحرب، رايان كارتر، حيث أوضح في تقرير أن السرديات الطائفية التي تنشرها جهات مناهضة لحكومة أحمد الشرع ، تدعم أهداف المتمردين. وحث الحكومات الغربية على توخي الحذر عند تقييم العنف الناشئ، لأن الجهات الفاعلة في سوريا والمنطقة تحاول دعم روايات المتمردين -عن قصد أو بغير قصد- المصممة لتقويض النظام الجديد. كما كشف كارتر وجود حسابات شعبية على مواقع التواصل الاجتماعي، بعضها باللغة الإنجليزية، تنشر محتوى يهدف إلى تأجيج هذا التوتر. ومن المرجح -بحسب رأيه- أن يكون هدفها هو نزع الشرعية عن الحكومة لدى الجمهور الأجنبي، وتعزيز مشاعر الخوف والحرمان الكامنة لدى العلويين. إسرائيل في عمق المشهد لطالما ادعت إسرائيل -التي ربطتها مع النظام المخلوع تفاهمات فرضت استقرارا يحفظ أمنها- وقوفها على الحياد من المذابح والمجازر التي كان يرتكبها الأسد بحق شعبه طوال الأعوام الماضية. إعلان دفع سقوط النظام السابق المدوي على يد الثوار الإسلاميين، إسرائيل إلى العودة لسياسة كانت قد استخدمتها سابقا في العراق ولبنان، ترتكز في مبادئها على إضعاف خصومها، وشل قدراتهم، وتشجيع الأقليات على إنشاء كانتونات تخدم مصالحها. وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، نقلا عن مصادر لم تسمها، أن تل أبيب تعمل حاليا على إقناع القوى العالمية بدعم فكرة تبني الدولة الناشئة في سوريا، نظاما اتحاديا، يضم مناطق عرقية مستقلة، مع جعل المناطق الحدودية الجنوبية منزوعة السلاح، معتبرة "سعي الإسلاميين لتوحيد سوريا إنما يشكل تهديدا لها". وفي المقابل، ذهب يائير رافيد رافيتز، رئيس فرع عمليات الموساد في بيروت، إلى أبعد من ذلك، عندما طلب من حكومته التعاون مع الأقليات السورية لمواجهة من أسماهم أعداء اسرائيل. وذكر لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، وجود تنسيق يجرى على الأرض بين إسرائيل والدروز، شارحا، أنه رغم غياب المعلومات المؤكدة لديه، إلا أنه يقدّر، استنادا إلى معرفته، أن الأسلحة الإسرائيلية تنقَل بالفعل إلى محافظة السويداء. واستعرض رافيتز خطط تل أبيب المستقبلية لاستخدام الأكراد والعلويين في تحقيق أهدافها، مؤكدا -وفق الصحيفة- أن الظروف مهيأة لدعم الحركة الكردية في سوريا سرّا، وحتى تزويدها بالسلاح. أما بالنسبة للعلويين، فيرى أنه من المناسب تقديم دعم سري لهم، وتزويدهم بالسلاح والمعدات "لاستنزاف دماء أعدائنا الرئيسين في سوريا حاليا، وهم السنة المنتمون لتنظيم القاعدة". "كفوا عن مناصرة الأقليات" بَيد أن حدثا مهما كشف جانبا من الوضع السائد، وقدم صورة مغايرة للسردية الرائجة حول حقيقة الأوضاع في سوريا. ففي فبراير/شباط الماضي، التقت رئيسة الأمانة الدولية للحرية الدينية، نادين ماينزا، بطاركة وأساقفة وقساوسة مسيحيين أثناء زيارتها لدمشق برفقة وفد رسمي يمثل منظمات دولية. ونقلت ماينزا عن رجال الدين المسيحيين في سوريا قولهم "على الغرب أن يكف عن مناصرة وحماية الأقليات في سوريا، لأن من شأن ذلك أن يعزز الرواية الخطيرة التي استخدمها الأسد، وقسمت سوريا إلى أغلبية وأقلية. وبدلًا من ذلك، عليه السعي للاعتراف بهم كعناصر متساوية في المجتمع حتى ولو قلت أعدادهم". وذكرت ماينزا في تقرير أعدته عن الزيارة، ونشره مركز ويلسون، الذي يقدم المشورة والرؤى حول الشؤون العالمية لصناع القرار في الولايات المتحدة، أنها استمعت لأغلب الحضور، وكان من جملة ما أكدوا عليه أن معظم جيرانهم المسلمين السنة يرفضون الطائفية والعنف، وأنه في فترة ما قبل حكم الأسد، عاشت الطوائف الدينية والعرقية المتنوعة في سوريا معًا في سلام نسبي، ويأملون استعادة هذا التاريخ. وأكدوا كذلك أن تأجيج التوترات الطائفية الذي أثبت فشله في العراق بعد الإطاحة بصدام حسين، غذى عدم الاستقرار بدلًا من تعزيز التعافي، ودعوا إلى عدم تكرار نظام المحاصّة العراقي أو النظام الطائفي اللبناني، خشية أن يرسّخ الانقسامات الطائفية نفسها. وأفادت ماينزا بأن هناك إجماعا على الحاجة الملحة لرفع العقوبات، إذ تنذر الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في سوريا بالتحول إلى مجاعة جماعية. وقالت "أعرب معظم الذين قابلتهم عن امتنانهم للرئيس أحمد الشرع الذي أطاح بالأسد، على الرغم من وجود مخاوف جدية لديهم بشأن صِلاته القديمة". "ارفعوا أيديكم عن سوريا" من وجهة نظر الكاتب البريطاني، سيمون تيسدال، الذي يرى في تدخل القوى الأجنبية بالشأن السوري أمرا قد يعرض ثورة السوريين للخطر، بدأت سخرية المواقف الحالية تخطف الأنفاس. فالأصدقاء والجيران تكالبوا كالذئاب المفترسة، على جثة نظام البعث المخلوع، التي لا تزال تنتفض، وإذا لم يتم كبح جماحهم -كما يرى- فقد يمزقون سوريا من جديد. وأوضح في مقال، نشرته صحيفة غارديان البريطانية، أن على القوى الأجنبية أن تدع سوريا وشأنها، وترْكَ أمر مستقبل السوريين للسوريين. وأضاف "ليس للمجتمع الدولي الحق بإبداء رأيه بعد 13 عاما من الفشل في سوريا، خصوصا أن "تدخلات الغرب الجبانة" أجّجت الحرب، وأمام القيادة الحالية العديد من المصاعب، من إعادة اللاجئين والتخلص من الألغام إلى إصلاح اقتصاد البلاد المتهالك والتعافي من السنوات السابقة. وتساءل تيسدال "كم سيكون من المنعش أن يثق العالم ولو لمرة واحدة فقط بشعب تحرَّر للتوّ، كي يرسم طريقه نحو العدالة والمصالحة وإعادة الإعمار بعيدا عن التدخل الخارجي؟".