أحدث الأخبار مع #جابرحسينالعُماني


جريدة الرؤية
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- جريدة الرؤية
الحكومات الناجحة
جابر حسين العُماني ** الحكومات الناجحة لا تقتصر جهودها على تشييد المباني الإدارية والتجارية والصناعية، ولا على تزيين الطرقات بالأشجار الباسقة، واللافتات الإعلانية الواضحة، وهي لا تكتفي بالشعارات الرنانة في الإعلام ووسائل التواصل؛ بل تضع احتياجات مواطنيها فوق كل اعتبار، والحكومة الناجحة يجب أن تشرك المواطن في برامجها؛ فهو حجر الأساس في بناء الوطن وصناعة القرار. وهي من يجب أن يُدير موارد البلاد بعقول نزيهة وقلوب مخلصة، فتؤدي واجباتها بروح من النزاهة والوفاء والإخلاص، وتسعى جاهدة لترسيخ العدل، واعتماد الكفاءات بعيدًا عن المحسوبيات والمُحاباة، لذا ينبغي أن تتسلح بمبادئها وقيمها الإنسانية الموروثة والأصيلة، ويجب أن يراها الجميع مستمعة لمواطنيها بإنصات، وشعور عميق بالمسؤولية قبل إصدار أي قرار يعلن على رؤوس الأشهاد. الحكومة الناجحة يجب أن تراقب عن كثب احتياجات الناس لتلبيتها، حتى ترفع بذلك همومهم، وتخفف آلامهم وأحزانهم، وإذا فشلت؛ لا يجب أن تُبرر فشلها للجميع؛ بل تعترف وتصلح وتنظم وتسعى وتجتهد لتنهض من جديد من أجل خدمة مواطنيها. وعندما يحظى المواطن بحكومة ناجحة، سيشعر حتمًا بأن صوته أصبح مسموعًا، وحقه بات محفوظًا، وطريقه نحو المستقبل يسير نحو حياة أفضل وأجمل، وبالتالي لن يضطر المرضى في وجودها للانتظار طويلًا؛ بل سيستمتعون بخدمات سريعة، ولن يُهمَّش المبدعون والمعلمون والمهندسون والمفكرون؛ بل سيكون لكل منهم شأن عظيم يجعلهم يفخرون ويفاخرون بوطنهم وقادتهم وحكومتهم الناجحة. إنَّ المتأمل في التاريخ الإسلامي يجده يخبرنا عن حكومات ناجحة أدت ما عليها من مسؤوليات عظيمة تجاه مواطنيها، لذا ينبغي اتخاذ تلك الحكومات قدوة حسنة لصناعة الحكومات النزيهة والعادلة في العالم، ومن أعظم تلك الحكومات الناجحة والمتألقة حكومة خليفة المُسلمين العادل الإمام علي بن أبي طالب، والتي كانت تعد من أنجح الحكومات الإسلامية في التاريخ البشري، كما اعترف لها بذلك حتى من خالفه في الرأي والموقف والدين والمعتقد؛ حيث قامت حكومته على مبدأ العدل والحق والمساواة بين الناس، وتميزت بمميزات فريدة وواعية رغم التحديات والصعوبات الكثيرة التي واجهتها. لقد تميَّز حكم خليفة المسلمين علي بن أبي طالب بالعدل بين النَّاس؛ حيث كان العدل من أهم الركائز الأساسية في إدارته وحكومته، كما يروى عنه قوله: "اَلْعَدْلُ يَضَعُ اَلْأُمُورَ مَوَاضِعَهَا" في كتاب "نهج البلاغة"، فقد كان لا يُفرِّق بين القريب والبعيد، وبين الأبيض والأسود، وهو من كان يقول لقائد جيشه مالك الأشتر "وَلْيَكُنْ أَحَبُّ اَلْأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطَهَا فِي اَلْحَقِّ، وَأَعَمَّهَا فِي اَلْعَدْلِ، وَأَجْمَعَهَا لِرِضَى اَلرَّعِيَّةِ." ومن أجل إعداد الحكومات الناجحة التي تؤمن بالسعادة لشعوبها لابد من توفير الرؤية الواضحة، وإعداد الكفاءات الوطنية المناسبة، التي تقوم على مبدأ الشفافية والمشاركة المجتمعية، وهنا نذكر أهم ما ينبغي توفره في صناعة الحكومات الناجحة وهي كالآتي: أولًا: القيادة الحكيمة التي تضع المصلحة العامة فوق مصالحها الشخصية، بل وتملك القدرة الكافية على اتخاذ القرارات المناسبة في صالح الشأن العام. ثانيًا: إعداد وبناء المؤسسات القوية والمستقلة والفاعلة في البلاد بحيث تعتمد على الكفاءات الوطنية، والابتعاد عن المحسوبيات بحيث تكون قادرة على مراقبة الأداء في الحكومة وخارجها. ثالثًا: احترام القانون، والحث على تطبيقه، والعمل به من قبل الجميع، والحد من الفساد، فلا يمكن للحكومات أن تكون ناجحة إذا استحوذ الفساد في أروقتها. لا استثمار التعليم، وهو من أفضل ما ينبغي التركيز عليه في الحياة الاجتماعية والأسرية، لما له من أهمية بالغة في خدمة البشرية جمعاء. خامسًا: الانصات والاستماع للناس، وذلك من خلال التفاعل الحكومي الجاد مع ما يحتاج إليه المواطن ومشاركته في صناعة القرار. سادسًا: توفير فرص العمل، وتحسين مستوى المعيشة، والقضاء على البطالة، وإدارة البلاد بالشكل المتوازن والمستدام. سابعًا: الاستقرار السياسي في البلاد وهو توفير المناخ المستقر والمشجع لجذب المستثمرين الحقيقيين، مما يزيد في ازدهار التجارة الوطنية ويرفع من معدلات الإنتاج المحلي. إنَّ العالم العربي والإسلامي اليوم بحاجة إلى صناعة دول ناجحة على غرار تلك الدول التي اجتهدت فنجحت ووصلت إلى أهدافها المنشودة، ومنها على سبيل المثال سنغافورة التي عرفت بكفاءتها الاقتصادية والإدارية، أو النرويج والدنمارك اللتان عرفتا بنظام الرفاه الاجتماعي في المجتمع، أو كندا وألمانيا اللتان تقدمان الخدمات بكفاءة عالية لمواطنيهما. وأخيرًا.. إنَّ تشكيل الحكومات الناجحة لا يتحقق إلّا من خلال المسؤول الناجح، الذي لا يرى من كرسيه ومنصبه كسُلطة؛ بل مسؤولية عظيمة، وخدمة جليلة يجب أن يُقدِّمها كتكليف شرعي واجتماعي وليس مجرد تشريف. ** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء


جريدة الرؤية
٢٨-٠٤-٢٠٢٥
- صحة
- جريدة الرؤية
لغة لا تحتاج إلى ترجمة
جابر حسين العُماني ** اللغة الوحيدة التي تفهمها كل لغات العالم بكل أشكالها وألوانها وأعراقها، والتي لا تحتاج إلى ترجمة، ويسود من خلالها الحب والاحترام والتقدير والاجلال دون الحاجة إلى التحدث لأحد، هي لغة الابتسامة، اللغة الفريدة التي تعبر دائما عن قوة التواصل بين الشعوب، وتشعر الجميع بالراحة والاطمئنان والاستقرار، ويفهمها الجميع بلا تعب أو كلل أو ملل. إنها وسيلة ناجحة وفعالة لكسر الكثير من الحواجز الثقافية التي يعجز الكثيرون عن فهمها، وهي ليست مجرد حركة عضلية تعكس تقاسيم الوجه أمام الآخرين، بل هي انعكاس دقيق لحالة إيجابية فريدة، وراحة نفسية عميقة، وهي من أهم علامات الفرح والسرور، التي من الممكن أن يقدمها الانسان لنفسه ولغيره، وأداة فاعلة لتقليل الكثير من التوترات في المواقف الحياتية الصعبة التي قد يمر بها الأفراد في داخل أسرهم ومجتمعاتهم، وهي كفيلة بإشعارهم بالراحة والسكينة والاستقرار والاطمئنان، وقادرة على تقليل مستويات هرمون التوتر. وأثبتت ذلك دراسة أجراها باحثون في جامعة كانساس، والتي أُعلنت عام 2012، حيث تقول: أن الابتسامة وسيلة طبيعية فعالة للتخفيف من التوتر الذي يمر به الانسان في أسرته ومجتمعه، ومن هنا ينبغي على الجميع الاهتمام بتلك اللغة السامية وابدائها للجميع لما لها من فوائد كثيرة في خدمة الانسانية جمعاء. يستطيع الإنسان بابتسامته الصادقة أن يظهر للجميع حسن نواياه وانفتاحه؛ بل ويستطيع بناء جسور الثقة بينه وبين من حوله مهما كانت توجهاتهم الإنسانية والعرقية والعرفية، ويستطيع تعزيز التعاون والترابط بين الجميع بشتى ثقافاتهم وألوانهم المختلفة كما يمكن للغة الابتسامة أن تساعد على تجاوز الاختلافات الثقافية بمختلف أنواعها وهي في حد ذاتها تعزز الكثير من الموارد المشتركة بين الشعوب والتفاهم المتبادل بين الجميع. إن المبتسمين هم الأكثر جاذبية للآخرين، مقارنة بأولئك الذين لا يبتسمون وتكون وجوههم دائما مكفهرة، لذا ينبغي الاستفادة من نعمة الابتسامة والبشاشة والسير في ذلك على النهج النبوي الشريف، فلم يكتفي نبي هذه الأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون قدوة للأمة بابتسامته وبشاشته المشرقة بل دعانا وحثنا عليها وعلى التفاعل معها إذ قال صلى الله عليه وآله وسلم: "تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيْكَ لَكَ صَدَقَةٌ"، وقال: "إذا التقيتم فتلاقوا بالتسليم والتصافح، وإذا تفرقتم فتفرقوا بالاستغفار". وقال الله تعالى: { فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ } [النمل: 19]. ختامًا.. ينبغي أن تكون الابتسامة الساحرة وروح البشاشة أساس التعامل مع الجميع. أما العبوس وتجهم الوجه؛ فيجب تجنبهما تمامًا، والتركيز على الابتسامة وجعلها أساس من أساسيات التربية السليمة داخل الأسرة والمجتمع. ** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء


جريدة الرؤية
٢١-٠٤-٢٠٢٥
- صحة
- جريدة الرؤية
إلى من يلجؤون بعد الله؟
جابر حسين العُماني ** ظاهرة مُقلقة بدأت تؤثر على المجتمعات العربية والإسلامية، وبدأ تأثيرها يعود سلباً على المجتمع العربي، وهي: ظاهرة إهمال كبار السن؛ سواء كانوا من المُقعدين أو المرضى أو الأصحاء، نلاحظ اليوم هناك من يحترم ويقدر كبار السن بينما هناك مؤشرات خطيرة تخبرنا بتراجع ذلك الاحترام والتقدير، وذلك لعدة أسباب حياتية واجتماعية، من بينها تغير نمط الحياة، وكثرة الانشغال بالعمل، وضعف العلاقات العائلية مقارنة بالماضي الجميل. كان الناس في المجتمعات العربية التقليدية يعتبرون كبار السن مصدرًا ملهمًا للحكمة والخبرة الأسرية والاجتماعية، وكان الاهتمام بهم من أجمل الآداب التي يتربى عليها أفراد الأسرة، ومن أهم الجوانب الأخلاقية والدينية التي لا يغفلها الناس، أما اليوم ونحن نواكب الحداثة والتطور والعولمة في العالم البشري، نشهد تحولات اجتماعية وأسرية سلبية أثرت بشكل كبير على كثير من أخلاقنا، وديننا والتزامنا بمبادئنا وقيمنا الاجتماعية الراسخة التي كنا نؤمن بها، ومن أبرز نتائج تلك التحولات الضارة إهمال فئة كبار السن، وذلك لعدة أسباب منها: أولًا: الهجرة إلى مدن أخرى؛ فهناك من يرغبون بالانتقال من مناطقهم إلى مناطق أخرى بسبب ظروف العمل، مما يجبرهم على قطيعة آبائهم وأمهاتهم وأفراد أسرهم من كبار السن، وهذا لا يعني بالضرورة الإهمال المتعمد، ولكن الظروف المعيشة القاهرة أحيانًا تفرض عليهم ذلك، مما جعل من البعض ينظر إلى كبار السن كعبء وليس كمسؤولية، ومن هنا تم انتشار دور الرعاية للمسنين ورغم فوائدها الكثيرة التي تقدمها لكبار السن، إلا أنها تدل بوضوح على إهمال في الرعاية لكبار السن من قبل الأسرة وأفرادها. ثانيًا: تأثير التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي على تواصل أفراد الأسرة مع آبائهم وأمهاتهم، وقد أوصى الله تعالى بالبر بالوالدين، وجعل الإحسان إليهما من أهم القربات، فقال سبحانه: { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } [الإسراء: 23]، وكان ولا يزال لذلك أثر سلبي كبير على كبار السن، مما أدى إلى الإهمال العاطفي بسبب انشغال الأبناء والأحفاد بوسائل التواصل الاجتماعي، حتى أصبح اللقاء والحديث مع كبار السن نادرًا في كثير من الحالات، مما جعل من كبار السن يعيشون العزلة والوحدة في داخل الأسرة. ثالثًا: التأثيرات الاقتصادية، ومنها غلاء المعيشة، الذي جعل بعض الأفراد غير قادرين على إدارة الاقتصاد الأسري بكفاءة عالية، مما أثر على قدرتهم على رعاية كبار السن من الآباء والأمهات والجدات. وأدى ذلك إلى لجوء البعض إلى تسليم كبار السن إلى دور الرعاية الاجتماعية كحل بديل عن الرعاية المباشرة. وروي عن حفيد الرسالة المحمدية الإمام علي بن الحسين زين العابدين أنه قال في رسالة الحقوق حول حق الكبير: (وَحَقُّ اَلْكَبِيرِ تَوْقِيرُهُ لِسِنِّهِ، وَإِجْلاَلُهُ لِتَقَدُّمِهِ فِي اَلْإِسْلاَمِ قَبْلَكَ، وَتَرْكُ مُقَابَلَتِهِ عِنْدَ اَلْخِصَامِ، وَلاَ تَسْبِقْهُ إِلَى طَرِيقٍ، وَلاَ تَتَقَدَّمْهُ، وَلاَ تَسْتَجْهِلْهُ). اليوم هناك جهود جبارة لتعزيز الاهتمام بكبار السن الذين هم بحاجة ماسة للرعاية الاسرية، وهو ما تقوم به بعض التشريعات التي تحمي حقوق ورعاية كبار السن، وكذلك ما تقوم به الكثير من المبادرات الاجتماعية التي تهتم بتعزيز دور كبار السن في الاسرة، لذا علينا أن نسأل وبوضوح تام: هل مشكلة اهمال كبار السن اليوم هو بسبب المجتمع أم بسبب تغير مفهوم الأسرة ودورها التقليدي الذي ينبغي الحفاظ عليه؟ والجواب على ذلك أن المسؤولية ملقاة على الأسرة والمجتمع معًا، فهما اللذان ينبغي أن يتشاركا في حماية كبار السن من الوحدة والعزلة والاهتمام بهم، وذلك بإشعارهم بأهميتهم في الأسرة والمجتمع، لذا يمكن للجميع الحد من ظاهرة إهمال كبار السن ولكن بتعزيز القيم والمبادئ الاسرية والاجتماعية، ويكون ذلك من خلال نشر الوعي الاجتماعي حول أهمية رعاية كبار السن وايجاد الكثير من التوازنات الحياتية في الأسرة والمجتمع، والجمع بين المسؤوليات والواجبات العائلية التي ينبغي اتخاذها بحكمة ودراية. أخيرًا.. يجب أن يلتجئ كبار السن بعد الله تعالى إلى أبنائهم وأحفادهم أولًا، فهم الملاذ الأقرب إليهم، والواجب يحتم عليهم الاهتمام بهم، كما ينصح بأن يكون لكبار السن تواصل مع المجتمع والجيران، إذ أن العلاقات الاجتماعية تمنحهم الاطمئنان والاستقرار والشعور بالأمن والانتماء إلى العائلة والمجتمع، والأهم من كل ذلك أن يشعر كبار السن بأنهم ليسوا في عزلة أو وحدة، وأنهم غير مهملين من قبل الأهل والمجتمع، بل يعيشون حياتهم الأسرية والاجتماعية الطبيعية التي اعتادوا عليها. ** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء


جريدة الرؤية
٠٧-٠٤-٢٠٢٥
- منوعات
- جريدة الرؤية
جيل بلا مسؤولية
جابر حسين العُماني ** هل الجيل الذي نواكبه هو الأقل التزامًا بمبادئه وعاداته وتقاليده، أم أنَّ الظروف المحيطة به هي التي فرضت عليه الكثير من التحديات التي جعلته يهمل بعض مسؤولياته الاجتماعية والأسرية؟ سؤال يطرح في الأوساط الاجتماعية والأسرية والثقافية، ويعتقد الكثيرون أن الجيل في زماننا هذا يفتقد الكثير من الإحساس بالمسؤولية، مقارنة بالأجيال السابقة التي كانت تعي مسؤوليتها الأسرية والاجتماعية، ويعود ذلك إلى دخول العديد من العادات والظواهر الاجتماعية المستجدة التي أثرت كثيرا على البنية الاجتماعية والأسرية، ومن أبرز تلك الموارد الإفراط في استخدام التكنولوجيا، التي جعلت من الجيل الحديث مقصرًا في تحمل المسؤوليات الأسرية والمجتمعية، وسيطرة الأوضاع الحياتية الدخيلة على الجميع، والتي كان لها الأثر البالغ في تغيير الكثير من السلوكيات القيمية للشباب، وهو ما جعل الجيل الحديث يواجه الكثير من التحديات المعقدة مثل غلاء المعيشة وصعوبة التوفيق للحصول على الوظائف المناسبة، وانعدام الأمان الوظيفي في كثير من بلداننا العربية والإسلامية. ويرى آخرون أن الظروف الاقتصادية والسياسية أيضًا لعبت دورًا كبيرًا في تشكيل الكثير من تلك السلوكيات، بحيث أصبح الجيل الحديث يواجه الكثير من التحديات المعقدة، والتي من أهمها صعوبة الدخول إلى أسواق العمل، وامتهان المهن التي تليق بهم وبتخصصاتهم العلمية والاجتماعية، وبالتالي تعطلت الكثير من طموحاتهم في خدمة أوطانهم ومجتمعاتهم وأسرهم، مما جعل البطالة في تزايد ملفت ومستمر في وطننا العربي والإسلامي. والمتأمل لواقعنا الحديث والواقع المعاش عند الأجيال السابقة، يلاحظ حجم ازدياد تعقيدات ومشاكل الحياة الحديثة بشكل ملحوظ، فالمسؤوليات الاجتماعية في عصرنا هذا تتسم بالكثير من التغيرات المستمرة وهي ليست ثابتة، مما يفرض الكثير من التحديات والعقبات في كل حقبة زمنية تمر على الشباب في مجتمعاتهم. ينبغي اليوم، وبدلا من إلقاء اللوم على الشباب، أن تبذل الحكومات العربية والإسلامية، بل وجميع الجهات المعنية، جهودًا حثيثة ومدروسة لتوفير بيئة داعمة للشباب، تمكنهم من تحقيق طموحاتهم وآمالهم وأهدافهم، مع مراعاة دورهم الفاعل واحترام مسؤولياتهم ومكانتهم الاجتماعية. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعتمد كثيرًا على قدرات الشباب وإمكانياتهم وطاقاتهم في كثير من المهام الاجتماعية والدينية والرسالية، مما يدل على ثقته الكبيرة بقدراتهم وإمكانياتهم في خدمة المجتمع، وهذا ما فعله عندما نصب أسامة بن زيد قائدا على جيش جرار، وهو شاب لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، وكذلك عندما بعث مصعب بن عمير لنشر الدعوة وهو في عز مراحل شبابه. ولمساعدة الشباب على الإخلاص والوفاء لأوطانهم ومجتمعاتهم وأسرهم ينبغي منحهم الكثير من الفرص المناسبة، لإيصالهم إلى النجاح والإبداع والتفوق بشكل أفضل، ويمكن ذلك من خلال الموارد التالية: أولًا : التشجيع على مزاولة العلم والتدريب وحضور الدورات التدريبية التي من خلالها يتم تأهيلهم لأسواق العمل. ثانيًا : إشراكهم في صناعة القرار، وإعطاؤهم المساحة الكافية والمناسبة التي يشعرون من خلالها بقيمتهم الوطنية في خدمة وطنهم ومجتمعهم. ثالثًا : تعزيز ريادة الأعمال إلى نفوسهم وذلك من خلال إعانتهم على تفعيل مشاريعهم الخاصة، والعمل الجاد على دعمها وتشجيعها. رابعًا : احترام أفكارهم ومقترحاتهم وطاقاتهم الجبارة، وتطبيقها في الميادين الوطنية والاجتماعية المختلفة. خامسًا : دعم مبادراتهم وإبداعاتهم وابتكاراتهم وتمويلها وتهيئة الاستشارات لمشاريعهم الخاصة. سادسًا : غرس روح المسؤولية والانتماء الوطني في نفوسهم، وتعزيز وعيهم وإدراكهم بأهمية الدور الفاعل الذي يقومون به من أجل بناء أوطانهم ومجتمعاتهم وإسعاد أسرهم. سابعًا : التشجيع المستمر على بذل الجهود المتواصلة لصناعة المحتويات الهادفة والتركيز عليها لخدمة المجتمع واجتناب المحتويات الهابطة والعمل على مقاطعتها. ثامنًا : تسليط الضوء على إنجازات الشباب ومشاريعهم الخاصة وذلك من خلال تغطيات تلفزيونية وإعلامية شاملة تعكس مكانتهم الاجتماعية والإنسانية في مجتمعاتهم وأوطانهم. تاسعًا : تشجيع الحوار المفتوح والمتبادل بين الشباب والمسؤولين لتبادل الكثير من المقترحات بهدف رسم الخطط التي فيها خير البلاد والعباد. عاشرًا : تكريم المخلصين منهم والأوفياء لأوطانهم خصوصا النماذج الشبابية الناجحة والمبدعة والمبتكرة ليكونوا أنموذجا واضحا للآخرين. وأخيرًا.. لا بُد أن يعلم الجميع أن إتاحة الفرص الكاملة والمدروسة للشباب تعد من أهم الاستثمارات الوطنية التي تحتاجها أجيالنا الحديثة؛ وذلك ليكونوا جزءًا لا يتجزأ من عملية التنمية الوطنية بدلاً من أن يكونوا مجرد متفرجين أو جيل بلا مسؤولية. ** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء


جريدة الرؤية
١٧-٠٣-٢٠٢٥
- ترفيه
- جريدة الرؤية
النداء الأخير!
جابر حسين العُماني ** في مُعظم رحلات الحياة التي يُخطط لها الإنسان، لا بُد أن تُصادفه لحظة أخيرة يُعلَن فيها النداء الأخير قبل إغلاق كل شيء، عندها يستجيب البعض لذلك النداء دون تردد أو تأخير أو تسويف، حتى لا تفوتهم الرحلة، بينما يتكاسل آخرون ويماطلون ويتأخرون، فيخسرون الرحلة بكل ما تحمله من مزايا جميلة. هكذا هي رحلة الإنسان وانتقاله من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة، رحلةٌ يسيطر فيها ملك الموت، الذي سخّره الله تعالى لقبض أرواح البشر، فهو لا يكتفي بالنداء الأخير، بل يستل الأرواح من أجسادها، فتتكرر حالات الوفاة أمامنا في كل حين، حاملة رسائل واضحة لا لبس فيها، تنبه الإنسان بأنَّ الحساب آت لا محالة. فما الذي قدمته لآخرتك؟ يهلّ علينا شهر رمضان المبارك كل عام بالمغفرة والرحمة والضيافة الإلهية، ويأتي معه النداء الإلهي، قال تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]. يُوجه هذا النداء كذلك إلى من أهمل الشهر الكريم وعبادة الله تعالى فيه، وهي رسالة واضحة مفادها تذكير الإنسان بما فرّط فيه من عمره في غير طاعة تعالى، وكأن النداء يقول: "يا ابن آدم، إنَّ الفرصة لا تدوم، فاغتنمها قبل فواتها." والمطلوب من الإنسان استغلال الفرص المتاحة قبل حلول النداء الأخير، وما أجمل تلك الفرص عندما تستغل في شهر الطاعات والرحمات، الشهر الذي دعانا الله تعالى لضيافته. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما خطب في الناس مذكرا لهم بأهمية شهر رمضان المبارك واستغلال أوقاته بما ينفعهم: "أَيُّهَا اَلنَّاسُ؛ إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اَللَّهِ بِالْبَرَكَةِ وَاَلرَّحْمَةِ وَاَلْمَغْفِرَةِ، شَهْرٌ هُوَ عِنْدَ اَللَّهِ أَفْضَلُ اَلشُّهُورِ، وَأَيَّامُهُ أَفْضَلُ اَلْأَيَّامِ، وَلَيَالِيهِ أَفْضَلُ اَللَّيَالِي، وَسَاعَاتُهُ أَفْضَلُ اَلسَّاعَاتِ، هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ اَللَّهِ". فعلى الإنسان أن يعلم أن شهر رمضان لم يجعله الله تعالى شهرًا للإسراف أو التبذير في الطعام أو الشراب أو اللعب والملهيات، كما هو متعارف عليه في زماننا عند البعض، بل هو فرصة ثمينة لمحاسبة النفس، ومراجعة العمل، والعودة إلى الله تعالى. لذا ينبغي على الإنسان ألّا يفوّت الفرصة فيه، وأن يعتبره النداء الأخير لكل من تهاون في أداء صلاته، أو ابتعد عن القرآن الكريم، أو أثقلته الذنوب والمعاصي والموبقات، أو أحاطت به الغفلة والملذات. وهو نداء يدعونا إلى العودة الفورية إلى الله تعالى حتى نستطيع أن نحظى بمغفرته ورضوانه وضيافته الكريمة. قد يتساءل بعض الناس: ماذا يمكننا أن نفعل في شهر رمضان إلى جانب إقامة الصلاة، وحضور المساجد، وقراءة القرآن الكريم؟ والجواب أن هناك العديد من الأعمال العبادية التي تقرب الإنسان من رضا الله تعالى، وهي سهلة ويسيرة، ويمكن استغلالها في هذا الشهر الفضيل، ومنها: أولًا: جدد توبتك مع الله تعالى، وحاول أن تكتب الذنوب والمعاصي التي اقترفتها في دفتر هاتفك بينك وبين نفسك، وعاهد الله أنك لن تعود إليها مهما حصل. ثانيًا: أكثر من السجود لله تعالى، واعلم أن أقرب ما يكون العبد من ربه هو عندما يكون ساجدًا خاضعًا لله وحده لا شريك له. ثالثًا: أكثر من قراءة الأذكار، ومن الجيد أن تكتبها في عدة أماكن داخل غرفة نومك لتتذكرها دائمًا وترددها باستمرار، مثل: "أَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ"، أو "اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ اَلْعٰالَمِينَ"، أو "اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ"، أو "لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ اَلْعَلِيِّ اَلْعَظِيمِ". رابعًا: عوّد نفسك على إخراج الصدقة في كل يوم للفقراء والمساكين، ولو بالقليل، فإن الصدقة تدفع البلاء المبرم كما ورد في الأحاديث النبوية الشريفة. خامسًا: أصلح نفسك وغيّر غيرك، واجعل من نفسك قدوة حسنة، فلا تنصح الناس بشيء وتفعل عكسه. كن مصلحًا للمتخاصمين، واعلم أن ذلك من أهم الأعمال التي ترضي الله تعالى، يَوْمَ لاٰ يَنْفَعُ مٰالٌ وَلاٰ بَنُونَ إِلاّٰ مَنْ أَتَى اَللّٰهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ. سادسًا: جاهد نفسك ما استطعت، وانتبه من الغيبة والنميمة والبهتان، واستغل الوقت في طاعة الله تعالى، واعلم أن أيام شهر رمضان معدودة، فينبغي استغلالها بشكل أفضل وأجمل. وأخيرًا.. كُنْ على ثقة بالله تعالى، واعلم أن الله تعالى يقول: { وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ }، ويقول: { وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ } ، اجعل ندائك الأخير في هذه الدنيا هو العمل الصالح لتحظى بذلك برضا الله تعالى. ** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء