#أحدث الأخبار مع #جمالحمدان،بوابة الأهراممنذ يوم واحدسياسةبوابة الأهراممصر التى فى خاطرىأثارت تطورات أخيرة شهدتها المنطقة، كان لها طابع المفاجأة والإثارة، مشاعر وردود فعل مختلفة لدى الكثيرين، وتعنينى بصفة خاصة مشاعر الحيرة والقلق عند بعض المصريين حرصًا على وطنهم الغالى ودوره، خاصة أن حملات التشويه لمصر ودورها مستعرة كالعادة فى وسائط إعلامية كثيرة، ولرواد تلك الحملات المشبوهة أقول «موتوا بغيظكم»، أما أبناء الوطن المخلصون الحريصون على مصر ودورها، والذين ربما تشغلهم أعباء الحياة اليومية عن استعادة بعض المسلمات والحقائق فأقول لا تكن بكم أدنى خشية على مصر ودورها، فهو حقيقة موضوعية تاريخية قد يتراجع أحيانًا لظروف قاهرة أو سياسات جانبها الصواب، لكنه يبقى عبر الزمن من الحقائق الراسخة فى منطقتنا من العالم، ولست بحاجة للتنويه بمقولات ابن مصر العظيم جمال حمدان، لكنى أود التذكير، خاصة أن هذا الدور لم يكن أبدًا دورًا سياسيًا فحسب، وإنما تجاوز ذلك دائمًا إلى الدور الثقافى والحضارى، ومازلت أتذكر كلمات المناضل والسياسى الجزائرى محمد الميلى - رحمه الله ـ وهو يحدثنى عن لهفة المثقفين الجزائريين فى انتظار العدد الشهرى من مجلة «الهلال» التى أبدع الجزائريون فى ابتكار وسائل تهريبها رغم أنف المستعمر، أو احتفاء الجمهور الجزائرى بجولات فرقة يوسف وهبى المسرحية فى ربوع بلادهم، فلم يبدأ الدور المصرى فى الجزائر بدعم حركة التحرير المسلحة، وإنما سبق الدور الثقافى والحضارى ذلك بكثير، وما ينطبق على الجزائر ينطبق على غيرها، فالدور الريادى للمعلم المصرى فى النهضة التعليمية للبلدان العربية موضع امتنان من الجميع، وكنت منذ أيام أناقش دارسًا عربيًا فى رسالته التى تقدم بها لإحدى المؤسسات التعليمية العسكرية الرفيعة، وقلت له إن وجوده فى مصر لتلقى العلم رغم ما يملكه بلده من إمكانات توفر له فرصة التعلم المتميز فى بلده وفى أى مكان خارجها لدليل على حُسْن العلاقات بين البلدين، فإذا به يرد عليَّ بأن كل قادته تلقوا العلم فى مصر. وبعد الدور الريادى الثقافى والحضارى، قادت مصر باقتدار حركات التحرر فى الوطن العربى بعد ثورة 23 يوليو 1952، وتصدت بنجاح لمخططات ربط الوطن العربى بسلسلة الأحلاف الغربية، ووضع شعبها وجيشها وقيادتها المسمار الأخير فى نعش الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية بالصمود، فالانتصار على العدوان الثلاثى 1956، وحفظت السياسة المصرية النزيهة النظام العربى من خطر التمزق بتصديها العاقل للمطالبة العراقية بضم الكويت قبيل استقلاله 1961، وساعدت الشعب اليمنى على الخروج من قمقم العزلة والتخلف بنصرة ثورة سبتمبر 1962، ورغم فداحة الهزيمة فى يونيو 1967 فإن الشعب المصرى وضع وطنه على الطريق الصحيح بتمسكه بمواصلة النضال وتصحيح الأخطاء، وتصدى مقاتلوه للعدو بنجاح بعد أيام من الكارثة، واستنزفت مصر عدوها على مدار 6 سنوات حتى حرب أكتوبر العظيمة، وإذا كانت الدبلوماسية السلمية للسادات قد أدت لتراجع مؤقت فى دور مصر، فمن الواجب أن نتذكر أن الدول العربية التى اعترضت على مسار التسوية المصرى لم تتمكن من تغييره وإنما طورته، كذلك فإن بروز احتمال تحقيق إيران نصرًا فى حربها ضد العراق دفع القمة العربية 1987 إلى البدء فى إنهاء مقاطعة مصر باعتبار أن دورها لا غنى عنه إن كان ثمة حديث عن مواجهة عربية مع إيران، ثم لعبت مصر دورها المُقدر فى مواجهة الغزو العراقى للكويت دبلوماسيًا وعسكريًا، وأخيرًا وليس آخرًا كان الدور المصرى حاسمًا فى كسر شوكة الحركات الإرهابية التى تنسب نفسها للإسلام، والتى كانت قد ازدهرت بعد أحداث ما عُرف بالربيع العربى. وسيُقال بطبيعة الحال إن كل هذا صحيح ولكنه ينتمى للماضى، فأين مصر من التحديات والمخاطر الراهنة التى أحالت غزة لأنقاض، وقتلت وأصابت نحو مائتى ألف من أبنائها، ويزايد بعض الحملات على مصر لعدم انخراطها فى الحرب دفاعًا عن غزة وشعبها، ورغم التأييد الكامل لحقوق الشعب الفلسطينى بما فيها الحق فى مقاومة الاحتلال فإن مصر مرتبطة بالتزامات تعاقدية يُفضى الخروج عليها لتداعيات سلبية، وبالذات فيما يتعلق بسمعة مصر فى الالتزام بتعهداتها الدولية، أما إذا كان الأمر يتعلق بنصرة الأشقاء فى غزة فإن مصر لم تكن شريكة فى تخطيط عملية المقاومة فى 7 أكتوبر أو اختيار توقيتها حتى تُدعى للمشاركة فيها، وعندما خاضت مصر وسوريا معا حرب أكتوبر احتاج الأمر منهما سنوات كى تتفقا على خطة مشتركة وساعة صفر واحدة، لكن مصر كانت صاحبة الجهد الرئيسى فى غزة منذ بداية العمليات وحتى الآن، فتحملت العبء الأكبر فى تقديم المساعدات لأهل القطاع حتى أوجدت القوات الإسرائيلية وضعًا يستحيل فيه استخدام معبر رفح لإدخال المساعدات، وتحملت العبء الأكبر كذلك فى تقديم الأفكار الصالحة لعبور الفجوات بين الجانبين فى جهود الوساطة التى كُللت بالنجاح مرتين لولا العدوانية الإسرائيلية، ثم يأتى التصدى الحاسم لأفكار تهجير الغزاويين لمصر والأردن أو لأى مكان، والمسارعة بوضع خطة مصرية بديلة وحشد الدعم العربى لها فى قمة مارس الماضى بالقاهرة، ناهيك بالموقف الحاسم الصارم الذى تبناه الرئيس فى كلمته النموذجية أمام قمة بغداد الأخيرة، وبالذات تنبيهه إلى أن كل ما يجرى من محاولات تطبيع بين إسرائيل والدول العربية لن يجدى نفعًا طالما بقيت المشكلة الفلسطينية بغير حل. لا تدعى مصر أنها تحرك الأمور فى المنطقة بإصبعها الصغير، فهى دولة مسئولة تعرف قدرها، ولا تدعى أنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان، فهى تدرك قيود الحركة على الجميع، لكنها لا تقف ساكنة، ولا تتخلى عن مسئولياتها وأشقائها، ولا تقول إلا ما تفعل، ولينعق الحاقدون على دورها ما شاءوا فلن يدفعوها للتخلى عن مسئولياتها تجاه أمنها وأمن العرب كافة، وهما لا يتجزآن، وليواصل المصريون بكل همة واقتدار عملية البناء فى كل شبر من أرضهم الغالية، فمن نجاح البناء وحده يقوى دور الوطن ويزدهر.
بوابة الأهراممنذ يوم واحدسياسةبوابة الأهراممصر التى فى خاطرىأثارت تطورات أخيرة شهدتها المنطقة، كان لها طابع المفاجأة والإثارة، مشاعر وردود فعل مختلفة لدى الكثيرين، وتعنينى بصفة خاصة مشاعر الحيرة والقلق عند بعض المصريين حرصًا على وطنهم الغالى ودوره، خاصة أن حملات التشويه لمصر ودورها مستعرة كالعادة فى وسائط إعلامية كثيرة، ولرواد تلك الحملات المشبوهة أقول «موتوا بغيظكم»، أما أبناء الوطن المخلصون الحريصون على مصر ودورها، والذين ربما تشغلهم أعباء الحياة اليومية عن استعادة بعض المسلمات والحقائق فأقول لا تكن بكم أدنى خشية على مصر ودورها، فهو حقيقة موضوعية تاريخية قد يتراجع أحيانًا لظروف قاهرة أو سياسات جانبها الصواب، لكنه يبقى عبر الزمن من الحقائق الراسخة فى منطقتنا من العالم، ولست بحاجة للتنويه بمقولات ابن مصر العظيم جمال حمدان، لكنى أود التذكير، خاصة أن هذا الدور لم يكن أبدًا دورًا سياسيًا فحسب، وإنما تجاوز ذلك دائمًا إلى الدور الثقافى والحضارى، ومازلت أتذكر كلمات المناضل والسياسى الجزائرى محمد الميلى - رحمه الله ـ وهو يحدثنى عن لهفة المثقفين الجزائريين فى انتظار العدد الشهرى من مجلة «الهلال» التى أبدع الجزائريون فى ابتكار وسائل تهريبها رغم أنف المستعمر، أو احتفاء الجمهور الجزائرى بجولات فرقة يوسف وهبى المسرحية فى ربوع بلادهم، فلم يبدأ الدور المصرى فى الجزائر بدعم حركة التحرير المسلحة، وإنما سبق الدور الثقافى والحضارى ذلك بكثير، وما ينطبق على الجزائر ينطبق على غيرها، فالدور الريادى للمعلم المصرى فى النهضة التعليمية للبلدان العربية موضع امتنان من الجميع، وكنت منذ أيام أناقش دارسًا عربيًا فى رسالته التى تقدم بها لإحدى المؤسسات التعليمية العسكرية الرفيعة، وقلت له إن وجوده فى مصر لتلقى العلم رغم ما يملكه بلده من إمكانات توفر له فرصة التعلم المتميز فى بلده وفى أى مكان خارجها لدليل على حُسْن العلاقات بين البلدين، فإذا به يرد عليَّ بأن كل قادته تلقوا العلم فى مصر. وبعد الدور الريادى الثقافى والحضارى، قادت مصر باقتدار حركات التحرر فى الوطن العربى بعد ثورة 23 يوليو 1952، وتصدت بنجاح لمخططات ربط الوطن العربى بسلسلة الأحلاف الغربية، ووضع شعبها وجيشها وقيادتها المسمار الأخير فى نعش الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية بالصمود، فالانتصار على العدوان الثلاثى 1956، وحفظت السياسة المصرية النزيهة النظام العربى من خطر التمزق بتصديها العاقل للمطالبة العراقية بضم الكويت قبيل استقلاله 1961، وساعدت الشعب اليمنى على الخروج من قمقم العزلة والتخلف بنصرة ثورة سبتمبر 1962، ورغم فداحة الهزيمة فى يونيو 1967 فإن الشعب المصرى وضع وطنه على الطريق الصحيح بتمسكه بمواصلة النضال وتصحيح الأخطاء، وتصدى مقاتلوه للعدو بنجاح بعد أيام من الكارثة، واستنزفت مصر عدوها على مدار 6 سنوات حتى حرب أكتوبر العظيمة، وإذا كانت الدبلوماسية السلمية للسادات قد أدت لتراجع مؤقت فى دور مصر، فمن الواجب أن نتذكر أن الدول العربية التى اعترضت على مسار التسوية المصرى لم تتمكن من تغييره وإنما طورته، كذلك فإن بروز احتمال تحقيق إيران نصرًا فى حربها ضد العراق دفع القمة العربية 1987 إلى البدء فى إنهاء مقاطعة مصر باعتبار أن دورها لا غنى عنه إن كان ثمة حديث عن مواجهة عربية مع إيران، ثم لعبت مصر دورها المُقدر فى مواجهة الغزو العراقى للكويت دبلوماسيًا وعسكريًا، وأخيرًا وليس آخرًا كان الدور المصرى حاسمًا فى كسر شوكة الحركات الإرهابية التى تنسب نفسها للإسلام، والتى كانت قد ازدهرت بعد أحداث ما عُرف بالربيع العربى. وسيُقال بطبيعة الحال إن كل هذا صحيح ولكنه ينتمى للماضى، فأين مصر من التحديات والمخاطر الراهنة التى أحالت غزة لأنقاض، وقتلت وأصابت نحو مائتى ألف من أبنائها، ويزايد بعض الحملات على مصر لعدم انخراطها فى الحرب دفاعًا عن غزة وشعبها، ورغم التأييد الكامل لحقوق الشعب الفلسطينى بما فيها الحق فى مقاومة الاحتلال فإن مصر مرتبطة بالتزامات تعاقدية يُفضى الخروج عليها لتداعيات سلبية، وبالذات فيما يتعلق بسمعة مصر فى الالتزام بتعهداتها الدولية، أما إذا كان الأمر يتعلق بنصرة الأشقاء فى غزة فإن مصر لم تكن شريكة فى تخطيط عملية المقاومة فى 7 أكتوبر أو اختيار توقيتها حتى تُدعى للمشاركة فيها، وعندما خاضت مصر وسوريا معا حرب أكتوبر احتاج الأمر منهما سنوات كى تتفقا على خطة مشتركة وساعة صفر واحدة، لكن مصر كانت صاحبة الجهد الرئيسى فى غزة منذ بداية العمليات وحتى الآن، فتحملت العبء الأكبر فى تقديم المساعدات لأهل القطاع حتى أوجدت القوات الإسرائيلية وضعًا يستحيل فيه استخدام معبر رفح لإدخال المساعدات، وتحملت العبء الأكبر كذلك فى تقديم الأفكار الصالحة لعبور الفجوات بين الجانبين فى جهود الوساطة التى كُللت بالنجاح مرتين لولا العدوانية الإسرائيلية، ثم يأتى التصدى الحاسم لأفكار تهجير الغزاويين لمصر والأردن أو لأى مكان، والمسارعة بوضع خطة مصرية بديلة وحشد الدعم العربى لها فى قمة مارس الماضى بالقاهرة، ناهيك بالموقف الحاسم الصارم الذى تبناه الرئيس فى كلمته النموذجية أمام قمة بغداد الأخيرة، وبالذات تنبيهه إلى أن كل ما يجرى من محاولات تطبيع بين إسرائيل والدول العربية لن يجدى نفعًا طالما بقيت المشكلة الفلسطينية بغير حل. لا تدعى مصر أنها تحرك الأمور فى المنطقة بإصبعها الصغير، فهى دولة مسئولة تعرف قدرها، ولا تدعى أنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان، فهى تدرك قيود الحركة على الجميع، لكنها لا تقف ساكنة، ولا تتخلى عن مسئولياتها وأشقائها، ولا تقول إلا ما تفعل، ولينعق الحاقدون على دورها ما شاءوا فلن يدفعوها للتخلى عن مسئولياتها تجاه أمنها وأمن العرب كافة، وهما لا يتجزآن، وليواصل المصريون بكل همة واقتدار عملية البناء فى كل شبر من أرضهم الغالية، فمن نجاح البناء وحده يقوى دور الوطن ويزدهر.