logo
#

أحدث الأخبار مع #حربالبلقان

صاروخ متسكع يصدم الولايات المتحدة: هكذا اقترب الحوثيون من إسقاط طائرة أمريكية
صاروخ متسكع يصدم الولايات المتحدة: هكذا اقترب الحوثيون من إسقاط طائرة أمريكية

دفاع العرب

time١٣-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • دفاع العرب

صاروخ متسكع يصدم الولايات المتحدة: هكذا اقترب الحوثيون من إسقاط طائرة أمريكية

علي الهاشم – باحث كويتي مختص بالشؤون الدفاعية كشفت مصادر غربية مطلعة عن حادثة خطيرة كادت أن تغيّر قواعد الاشتباك الجوي في المنطقة، حين أطلق الحوثيون صاروخًا أرض-جو نحو مقاتلة أمريكية أثناء تنفيذ غارات جوية في اليمن قبل فترة وجيزة. ووفقًا للتقرير، اقترب الصاروخ بدرجة كبيرة من إصابة المقاتلة الشبحية لولا اتخاذ الطيار تدابير دفاعية عاجلة. وتثير هذه الواقعة تساؤلات كبيرة: كيف تمكن الصاروخ من 'رؤية' طائرة يُفترض أنها خفية عن الرادار؟ وما هو مستوى التكنولوجيا التي باتت بيد الحوثيين؟ للإجابة، يجب التذكير بأن المقاتلات الشبحية ليست 'غير مرئية' بشكل مطلق، بل تتمتع ببصمة رادارية منخفضة، وهو ما لا يمنع رصدها في ظروف معينة، كما حدث سابقًا عندما أسقط الصرب مقاتلة F-117 في حرب البلقان عام 1999. Notable Iran acknowledges '358' Surface-to-Air Missile for the first time – a weapon it has supplied to Yemen Houthi since at least 2019https:// — Joseph Dempsey (@JosephHDempsey) September 20, 2023 اللافت أن الصاروخ المستخدم – وفقًا لاستخبارات أمريكية – هو من نوع 358 الإيراني، وهو صاروخ 'متسكع' مضاد للطائرات، مبني على بدن صاروخ روسي من طراز R-27، ويعتمد على تقنية التوجيه بالأشعة تحت الحمراء ذات التصوير الحراري (IIR). هذا التوجيه المتطور يتيح له التعرف على البصمة الحرارية والهندسية للطائرة وتفادي الشعلات المضللة، مما يجعله أكثر فتكًا حتى ضد الطائرات الخفية. NYTs reports F-16s and F-35s nearly got shot down by Houthi air defenses. Critical piece we am re-upping here: What Air Defenses Do The Houthis In Yemen Actually Have? Story: — The War Zone (@thewarzonewire) May 13, 2025 والأخطر من ذلك أن هذا الصاروخ قادر على التحويم بعد الإطلاق في مسار يشبه الرقم 8، إلى أن يكتشف الهدف جويًا ويهجم عليه، وهي ميزة تفسر نجاح الحوثيين في إسقاط العديد من الطائرات المسيرة الأمريكية. ويبدو أن إيران قد زوّدت وكلاءها في المنطقة بهذا السلاح المتطور، ما يمثل تهديدًا حقيقيًا حتى لأكثر الطائرات تقدمًا في العالم.

علوم للكشف عن المتفجرات.. هل يحل النحل محل الكلاب البوليسية؟
علوم للكشف عن المتفجرات.. هل يحل النحل محل الكلاب البوليسية؟

اليمن الآن

time٣١-٠٣-٢٠٢٥

  • علوم
  • اليمن الآن

علوم للكشف عن المتفجرات.. هل يحل النحل محل الكلاب البوليسية؟

النحل ليس مُلقِّحًا رائعًا فحسب، بل هو أيضًا من أفضل أجهزة كشف القنابل والمتفجرات في العالم (بيكسابي) إسراء فخر الدين النحل ليس مُلقِّحًا رائعًا فحسب، بل هو أيضًا من أفضل أجهزة كشف القنابل والمتفجرات في العالم. يبدو الأمر غريبًا، ومع ذلك، يُمكن أن يكون أفضل من مُعظم كلاب كشف القنابل، ولكن كيف يحدث ذلك بالضبط؟ وكيف يخبر النحل البشر بوجود متفجرات؟ في السنوات الأخيرة، بدأ العلماء، من بينهم الدكتور روس جيلاندرز، الباحث في كلية الفيزياء والفلك بجامعة سانت أندروز، في استخدام النحل وتحويله إلى أجهزة كشف قنابل لخدمة الناس من خطر الألغام المزروعة تحت الأرض، والتي تتسبب في مقتل الآلاف سنويًا رغم الجهود الدولية لإزالتها. يُقدَّر إجمالي عدد الألغام المزروعة على مستوى العالم بـ110 ملايين لغم في 60 دولة بما فيها الدول الموقعة على معاهدة "أوتوا" لحظر الألغام، في حين تظل الموارد المخصصة لبرامج مساعدة ضحايا الألغام الأرضية محدودة في العديد من البلدان، وفي العديد من الحالات، انخفض توافر الخدمات. لعل هذا ما دفع لاختبار تقنيات جديدة لمكافحة "أسوأ أشكال التلوث على وجه الأرض"، كما يقول جيلاندرز، في حديثه للجزيرة نت، ويُرجع اختيار النحل بالتحديد إلى "قدرتها الفطرية على تحديد الروائح بدقة عالية، وامتلاكها حاسة شم تقارب حاسة الشم عند الكلاب البوليسية"، ويضيف "هذه الحشرات تمتلك أجهزة استشعار للرائحة بحساسية تصل إلى أجزاء من التريليون". ويعمل جيلاندرز على تدريب هذه الحشرات في إطار مشروع مخصص لكشف الألغام يموله حلف شمال الأطلسي (الناتو) بالتعاون مع جامعتي زادار وزغرب في كرواتيا وجامعة بانيا لوكا في البوسنة والهرسك. تم الكشف عن أولى المحاولات التي تعتمد على النحل في عام 1999، عندما شرع باحثون في مختبرات سانديا الوطنية التابعة لوزارة الطاقة الأميركية، في تجربة باستخدام النحل لاكتشاف الألغام الأرضية بشكل موثوق وبتكلفة منخفضة، ودرسوا سلوك النحل لتحديد ما إذا كان بإمكانه التقاط بقايا المتفجرات أثناء بحثه عن حبوب اللقاح في الحقول المليئة بالألغام الأرضية. وفي عام 2013، قام باحثون كرواتيون في جامعة زغرب بتطوير تقنية فريدة من نوعها للعثور على الألغام غير المنفجرة والمتناثرة في كرواتيا وغيرها من دول البلقان، عبر استخدام النحل، حيث يُقدَّر أن 2500 شخص لقوا حتفهم بسبب انفجارات الألغام الأرضية منذ نهاية حرب البلقان عام 1991. ووفقًا للدكتور جيلاندرز "لدى النحل الحس الكامل للشم، مما يمكنه من الكشف عن أماكن وجود الألغام الأرضية القاتلة، ويجري تدريبها على تحديد أماكن المواد شديدة الانفجار مثل "ثلاثي نيترو التولوين"، المعروفة اختصارًا بـ"تي إن تي"، وهي مادة صفراء عديمة الرائحة تُستخدم على نطاق واسع في القذائف العسكرية والقنابل والقنابل اليدوية، وكذلك في التفجيرات الصناعية وتحت الماء. وعن دور النحل في العثور على الألغام الأرضية، يقول جيلاندرز "أثناء بحثها عن الطعام وعودتها إلى المستعمرة (الخلية)، نُدخل أنابيب تحتوي على بوليمر خاص ينقل المادة المتفجرة من جسم النحلة إلى سطح البوليمر، مما يُؤدي إلى تراكم كمية المتفجرات على السطح على مدار اليوم. ويضيف "هذا يُنبئنا بوجود ألغام أرضية مدفونة في المنطقة، وننتقل إلى المرحلة التالية، وهي تدريب النحل". اختبار القبول.. مهمة تأهيل النحل تنطوي هذه التقنية الجديدة والغريبة على تدريب أنواع من النحل على تتبع آثار المواد المتفجرة الخطيرة، وتعويده على رائحتها كما لو كانت رحيقا من خلال من استخدام تقنية تسمى "التكييف الإجرائي" مثل مكافأة الكلب حتى يدرك أنه قد فعل شيئا صحيحًا. يقول جيلاندرز "إنها ليست كلابًا في النهاية، لكن ماذا لو قلنا إنها في الواقع كالكلاب؟ ويضيف "النحل جيد في استشعار المواد الكيميائية الموجودة في الألغام الأرضية، مما يساعده في العثور على الرحيق من أزهاره المفضلة". الخطوات البسيطة لتدريب الكلب تنطبق أيضًا على النحل. يمكن تقديم محفز محايد للحيوان، مثل رنين الجرس، الذي لا يعني شيئًا في البداية، ولكن عندما يتبع ذلك بنتيجة ذات أهمية بيولوجية مثل الطعام، يتعلم الحيوان بسرعة أن الرنين يعني وجود طعام قريبًا. من ذلك الوقت، يبدأ الكلب في إفراز اللعاب توقعًا لوصول الطعام في كل مرة يسمع فيها رنين الجرس. إذا استبدلت رنين الجرس برائحة المخدرات، سيسيل لعاب الكلب عند شم تلك المخدرات، وهذا هو المبدأ الأساسي وراء تدريب الكلب الكاشف. تبدأ عملية استخدام النحلات ككاشف للقنابل بالتقاطها من الخلية باستخدام مكانس كهربائية متخصصة تسحبها بأمان إلى داخل الحجرة. بمجرد نقلها إلى مختبر التدريب، تُبرّد في ثلاجة صغيرة لإبطاء حركتها وتسهيل التعامل معها بشكل كبير ثم تُوضع بأمان – باستخدام آلة تحميل نحل آلية لمنع أي ضرر عرضي- في قاعة الإنعاش لمدة نصف ساعة لتتأقلم مع بيئة التعلم. بمجرد وضعها في إحدى هذه الآلات، تُجبر على الدخول إلى أسطوانة، واحدة تلو الأخرى. تُسقط كل أسطوانة من هذه الأسطوانات في أنبوب التحميل حيث تُدفع النحلات إلى مقاعدها الصغيرة تمهيدًا لتلقيها تدريبات تؤهلها لتكون شرطيًا متخصصًا في كشف القنابل والألغام والمتفجرات. نظرًا لأن نحل العسل يتم جمعه عشوائيًا، فعلى كل نحلة أن تجتاز فحص القبول واختبار التأهيل قبل تدريبها، والذي يعتمد على مبدأ الارتباط، فعند تعريضها لرائحة أبخرة المتفجرات، يُقدّم لها الماء المُحلى بالسكر على طرف مسحة في نفس الوقت لاختبار رد فعلها. يقول جيلاندرز القائم على المشروع "قد لا يسيل لعاب نحل العسل مثل الكلاب، لكن لديهم ألسنتهم، التي تُسمى خراطيم، والتي يستخدمونها حصريًا للأكل". مع مرور الوقت، تبدأ هذه النحلات بربط رائحة المتفجرات بالمكافأة، فتمدد لسانها (خرطومها) كرد فعل لأي بخار متفجر، يُطلق على هذا "رد فعل تمديد الخرطوم" (PER)، وهو المؤشر الرئيسي لقدرات النحل على الكشف عن القنابل. ينتقل المتأهلون إلى ساحات التدريب حيث يُعرَّض النحل لبخار المتفجرات والقنابل لمدة 6 ثوان، ثم يُقدم له مكافأة "ماء السكر" في آخر 3 ثوان. وتُكرر العملية عدة مرات إما يدويا أو عبر نظام الأتمتة باستخدام جهاز متخصص يربط بين إطلاق بخار المتفجرات وآلية التغذية التي ترتفع أمام النحل مباشرة بعد الاستنشاق. يقول جيلاندرز "إذا اشتمت النحلة رائحة المتفجرات، تقوم بإخراج لسانها توقعا للحصول على مكافأة، ويضيف "يشبه الأمر مكافأتها بالحلوى في كل مرة تشم فيها شيئًا خطيرًا". تستغرق عملية التدريب هذه 4 جولات، ليتم تخريج الدفعة التي تتقن الاستجابة بشكل تام لتمييز رائحة المتفجرات، وتعلن جاهزيتها للعمل الميداني. يؤثر التلوث البيئي على النحل بشكل أكبر من بقية الحشرات (بيكساباي) لدى النحل الحس الكامل للشم مما يمكنه من الكشف عن أماكن وجود الألغام الأرضية القاتلة (بيكسابي) مراقبة استجابة النحل بدقة بعيدا عن النظر بصريا إلى النحل، يعتمد المتخصصون طريقتين متميزتين لمراقبة استجابة النحل للكشف عن القنابل: الطريقة الأولى تستخدم كاميرا داخل جهاز مراقبة تسجل سلوك النحل عن كثب، وترصد مد لسانه. باستخدام خوارزميات الرؤية الحاسوبية، يمكن ترجمة مخرجات الكاميرا إلى إشارات النحل التي تصدر رد فعل انعكاسي بعد شم رائحة كريهة للغاية، وعندما تعطي النحلات إشارة بالإجماع، فهذا يشير إلى احتمال كبير أنهم اكتشفوا نوع المتفجرات الذي تم تدريبهم عليه. أما الطريقة الثانية لقراءة ردود فعل النحل، فتتم عبر وضع 6 خراطيش صغيرة، تحتوي كل منها على نحلة واحدة داخل جهاز متطور يعمل بالأشعة تحت الحمراء لقياس انعكاس الضوء على النحلة. ودون الحاجة إلى مراقبة النحل بالعين، تكشف كمية الضوء التي يلتقطها المستشعر ما إذا كان لسانها ممتدًا أم لا، وهي إشارة واضحة إلى أنها التقطت أم لم تلتقط الرائحة التي تدربت عليها. يقول جيلاندرز "ما هو رائع أن النحل في كل خرطوشة يمكن تدريبه على نوع مختلف من المتفجرات، بحيث يمكن للجهاز اكتشاف ليس فقط وجود القنبلة أو المادة المتفجرة، بل أيضًا نوعها. هل يحل النحل محل الكلاب؟ يستغرق تدريب النحل ساعات قليلة، بينما يحتاج الكلاب شهورًا، كما أن تكلفة النحل أقل بكثير من الكلاب، والأهم أن النحل قد يكون أكثر فائدة في بعض التطبيقات من الكلاب، مثل اكتشاف الألغام الأرضية. ليس من المستحيل أن يتسبب وزن الكلب في تفجير لغم أرضي، وعادةً ما تُستخدم الجرذان الأفريقية للكشف عن الألغام الأرضية، لأنها فعالة ولا تزن سوى بضعة أرطال. وعن استخدام النحل المدرب في تطبيقات الحياة العملية، يقول جيلاندز "النحل المدرب يمكنه أن يساعد في تنظيف المناطق الملغمة وكشف المتفجرات المخفية، إذ يلتقط بسهولة جزيئات المتفجرات على أجسامه أثناء بحثه عن الطعام، علاوة على ذلك يمكن استخدامه في تفتيش حقائب السفر والشحن لضمان الأمان في المطارات والموانئ". ومن مزاياه أيضًا -كما يقول جيلاندز- وجود آلاف النحل في كل مستعمرة، والتي تبحث عن الطعام بأنماط متوقعة، مما يُمكّنها من جمع كمية قابلة للقياس من المتفجرات في منطقة معينة. ويضيف "يتمتع النحل بميزة أنه لا يُفجر لغمًا أرضيًا عن طريق الخطأ، على عكس البشر أو الكلاب، ويمكنه الوصول إلى الأماكن التي لا يمكن للكلاب الوصول إليها بسهولة"، لكنه يعترف بأن مشكلة العمل مع النحل تكمن في عدم توقع تصرفه، فخلال تجربة ميدانية واحدة نال 20 لسعة في كاحله الذي لم تغطه بدلة تربية النحل. وعلى الرغم من أنه يمكن تدريب النحل على اكتشاف الألغام الأرضية، فسرعان ما أدرك الباحثون أن المشي عبر حقل ألغام بجهاز كاشف يدوي محمول لرؤية ما إذا كان النحل يخرج لسانه يحمل خطرا كبيرا. بدلا من ذلك، قام الخبراء بتطوير آلية لإطلاق النحل المدرب على كشف الألغام، وتتبعه بطائرة بدون طيار "درون"، حيث يميل النحل المدرب إلى التجمع حول الأماكن التي تُدفن فيها الألغام على أمل العثور على طعام، بينما تقوم طائرة الدرون بنقل الإشارة ليترجمها الحاسوب لفريق الكشف. بعد أيام قليلة من العمل تنتهي المهمة، وتُعاد هذه النحلات "البطلات" إلى خلاياها بطريقة أخلاقية، مما يضمن سلامتها طوال العملية، ليبدأ بعد ذلك اختبار فريق آخر من مخلوق لم يكلفهم سوى جرعة بخار المتفجرات وقطرات من ماء السكر لتسخير عجائب تكوينه في خدمة الإنسان. تبرهن تجربة النحل المحب للسكر على أنها بديل أكثر أمانًا وفعالية من استخدام الكلاب أو التكنولوجيا الحالية، لكن جيلاندز لا يتوقع أن تحل محل الكلاب البوليسية تمامًا، بل أن تكون مُكمِّلًا لها في بيئات أو استخدامات مُحددة. وحتى اليوم "أجري جيلاندز وزملاؤه الاختبارات في مواقع بكرواتيا، ووصلو إلى مستوى جاهزية التكنولوجيا يقارب 7. (مقياس من 1 إلى 9 يُستخدم لوصف مدى نضج التقنيات الجديدة)، وانتهى المشروع في عام 2021، ويقول "نسعى حاليًا للحصول على تمويل لتطبيق هذه التقنية في بيئات ألغام حقيقية". المصدر : الجزيرة ا . //

للكشف عن المتفجرات.. هل يحل النحل محل الكلاب البوليسية؟
للكشف عن المتفجرات.. هل يحل النحل محل الكلاب البوليسية؟

الجزيرة

time٢٩-٠٣-٢٠٢٥

  • علوم
  • الجزيرة

للكشف عن المتفجرات.. هل يحل النحل محل الكلاب البوليسية؟

النحل ليس مُلقِّحًا رائعًا فحسب، بل هو أيضًا من أفضل أجهزة كشف القنابل والمتفجرات في العالم. يبدو الأمر غريبًا، ومع ذلك، يُمكن أن يكون أفضل من مُعظم كلاب كشف القنابل، ولكن كيف يحدث ذلك بالضبط؟ وكيف يخبر النحل البشر بوجود متفجرات؟ في السنوات الأخيرة، بدأ العلماء، من بينهم الدكتور روس جيلاندرز، الباحث في كلية الفيزياء والفلك بجامعة سانت أندروز، في استخدام النحل وتحويله إلى أجهزة كشف قنابل لخدمة الناس من خطر الألغام المزروعة تحت الأرض، والتي تتسبب في مقتل الآلاف سنويًا رغم الجهود الدولية لإزالتها. يُقدَّر إجمالي عدد الألغام المزروعة على مستوى العالم بـ110 ملايين لغم في 60 دولة بما فيها الدول الموقعة على معاهدة "أوتوا" لحظر الألغام، في حين تظل الموارد المخصصة لبرامج مساعدة ضحايا الألغام الأرضية محدودة في العديد من البلدان، وفي العديد من الحالات، انخفض توافر الخدمات. لعل هذا ما دفع لاختبار تقنيات جديدة لمكافحة "أسوأ أشكال التلوث على وجه الأرض"، كما يقول جيلاندرز، في حديثه للجزيرة نت، ويُرجع اختيار النحل بالتحديد إلى "قدرتها الفطرية على تحديد الروائح بدقة عالية، وامتلاكها حاسة شم تقارب حاسة الشم عند الكلاب البوليسية"، ويضيف "هذه الحشرات تمتلك أجهزة استشعار للرائحة بحساسية تصل إلى أجزاء من التريليون". و يعمل جيلاندرز على تدريب هذه الحشرات في إطار مشروع مخصص لكشف الألغام يموله حلف شمال الأطلسي (الناتو) بالتعاون مع جامعتي زادار وزغرب في كرواتيا وجامعة بانيا لوكا في البوسنة والهرسك. تم الكشف عن أولى المحاولات التي تعتمد على النحل في عام 1999، عندما شرع باحثون في مختبرات سانديا الوطنية التابعة لوزارة الطاقة الأميركية، في تجربة باستخدام النحل لاكتشاف الألغام الأرضية بشكل موثوق وبتكلفة منخفضة، ودرسوا سلوك النحل لتحديد ما إذا كان بإمكانه التقاط بقايا المتفجرات أثناء بحثه عن حبوب اللقاح في الحقول المليئة بالألغام الأرضية. وفي عام 2013، قام باحثون كرواتيون في جامعة زغرب بتطوير تقنية فريدة من نوعها للعثور على الألغام غير المنفجرة والمتناثرة في كرواتيا وغيرها من دول البلقان، عبر استخدام النحل، حيث يُقدَّر أن 2500 شخص لقوا حتفهم بسبب انفجارات الألغام الأرضية منذ نهاية حرب البلقان عام 1991. ووفقًا للدكتور جيلاندرز "لدى النحل الحس الكامل للشم، مما يمكنه من الكشف عن أماكن وجود الألغام الأرضية القاتلة، ويجري تدريبها على تحديد أماكن المواد شديدة الانفجار مثل "ثلاثي نيترو التولوين"، المعروفة اختصارًا بـ"تي إن تي"، وهي مادة صفراء عديمة الرائحة تُستخدم على نطاق واسع في القذائف العسكرية والقنابل والقنابل اليدوية، وكذلك في التفجيرات الصناعية وتحت الماء. وعن دور النحل في العثور على الألغام الأرضية، يقول جيلاندرز "أثناء بحثها عن الطعام وعودتها إلى المستعمرة (الخلية)، نُدخل أنابيب تحتوي على بوليمر خاص ينقل المادة المتفجرة من جسم النحلة إلى سطح البوليمر، مما يُؤدي إلى تراكم كمية المتفجرات على السطح على مدار اليوم. ويضيف "هذا يُنبئنا بوجود ألغام أرضية مدفونة في المنطقة، وننتقل إلى المرحلة التالية، وهي تدريب النحل". اختبار القبول.. مهمة تأهيل النحل تنطوي هذه التقنية الجديدة والغريبة على تدريب أنواع من النحل على تتبع آثار المواد المتفجرة الخطيرة، وتعويده على رائحتها كما لو كانت رحيقا من خلال من استخدام تقنية تسمى "التكييف الإجرائي" مثل مكافأة الكلب حتى يدرك أنه قد فعل شيئا صحيحًا. إعلان يقول جيلاندرز "إنها ليست كلابًا في النهاية، لكن ماذا لو قلنا إنها في الواقع كالكلاب؟ ويضيف "النحل جيد في استشعار المواد الكيميائية الموجودة في الألغام الأرضية، مما يساعده في العثور على الرحيق من أزهاره المفضلة". الخطوات البسيطة لتدريب الكلب تنطبق أيضًا على النحل. يمكن تقديم محفز محايد للحيوان، مثل رنين الجرس، الذي لا يعني شيئًا في البداية، ولكن عندما يتبع ذلك بنتيجة ذات أهمية بيولوجية مثل الطعام، يتعلم الحيوان بسرعة أن الرنين يعني وجود طعام قريبًا. من ذلك الوقت، يبدأ الكلب في إفراز اللعاب توقعًا لوصول الطعام في كل مرة يسمع فيها رنين الجرس. إذا استبدلت رنين الجرس برائحة المخدرات، سيسيل لعاب الكلب عند شم تلك المخدرات، وهذا هو المبدأ الأساسي وراء تدريب الكلب الكاشف. تبدأ عملية استخدام النحلات ككاشف للقنابل بالتقاطها من الخلية باستخدام مكانس كهربائية متخصصة تسحبها بأمان إلى داخل الحجرة. بمجرد نقلها إلى مختبر التدريب، تُبرّد في ثلاجة صغيرة لإبطاء حركتها وتسهيل التعامل معها بشكل كبير ثم تُوضع بأمان – باستخدام آلة تحميل نحل آلية لمنع أي ضرر عرضي- في قاعة الإنعاش لمدة نصف ساعة لتتأقلم مع بيئة التعلم. بمجرد وضعها في إحدى هذه الآلات، تُجبر على الدخول إلى أسطوانة، واحدة تلو الأخرى. تُسقط كل أسطوانة من هذه الأسطوانات في أنبوب التحميل حيث تُدفع النحلات إلى مقاعدها الصغيرة تمهيدًا لتلقيها تدريبات تؤهلها لتكون شرطيًا متخصصًا في كشف القنابل والألغام والمتفجرات. نظرًا لأن نحل العسل يتم جمعه عشوائيًا، فعلى كل نحلة أن تجتاز فحص القبول واختبار التأهيل قبل تدريبها، والذي يعتمد على مبدأ الارتباط، فعند تعريضها لرائحة أبخرة المتفجرات، يُقدّم لها الماء المُحلى بالسكر على طرف مسحة في نفس الوقت لاختبار رد فعلها. يقول جيلاندرز القائم على المشروع "قد لا يسيل لعاب نحل العسل مثل الكلاب، لكن لديهم ألسنتهم، التي تُسمى خراطيم، والتي يستخدمونها حصريًا للأكل". مع مرور الوقت، تبدأ هذه النحلات بربط رائحة المتفجرات بالمكافأة، فتمدد لسانها (خرطومها) كرد فعل لأي بخار متفجر، يُطلق على هذا "رد فعل تمديد الخرطوم" (PER)، وهو المؤشر الرئيسي لقدرات النحل على الكشف عن القنابل. ينتقل المتأهلون إلى ساحات التدريب حيث يُعرَّض النحل لبخار المتفجرات والقنابل لمدة 6 ثوان، ثم يُقدم له مكافأة "ماء السكر" في آخر 3 ثوان. وتُكرر العملية عدة مرات إما يدويا أو عبر نظام الأتمتة باستخدام جهاز متخصص يربط بين إطلاق بخار المتفجرات وآلية التغذية التي ترتفع أمام النحل مباشرة بعد الاستنشاق. يقول جيلاندرز "إذا اشتمت النحلة رائحة المتفجرات، تقوم بإخراج لسانها توقعا للحصول على مكافأة، ويضيف "يشبه الأمر مكافأتها بالحلوى في كل مرة تشم فيها شيئًا خطيرًا". تستغرق عملية التدريب هذه 4 جولات، ليتم تخريج الدفعة التي تتقن الاستجابة بشكل تام لتمييز رائحة المتفجرات، وتعلن جاهزيتها للعمل الميداني. مراقبة استجابة النحل بدقة بعيدا عن النظر بصريا إلى النحل، يعتمد المتخصصون طريقتين متميزتين لمراقبة استجابة النحل للكشف عن القنابل: الطريقة الأولى تستخدم كاميرا داخل جهاز مراقبة تسجل سلوك النحل عن كثب، وترصد مد لسانه. باستخدام خوارزميات الرؤية الحاسوبية، يمكن ترجمة مخرجات الكاميرا إلى إشارات النحل التي تصدر رد فعل انعكاسي بعد شم رائحة كريهة للغاية، وعندما تعطي النحلات إشارة بالإجماع، فهذا يشير إلى احتمال كبير أنهم اكتشفوا نوع المتفجرات الذي تم تدريبهم عليه. أما الطريقة الثانية لقراءة ردود فعل النحل، فتتم عبر وضع 6 خراطيش صغيرة، تحتوي كل منها على نحلة واحدة داخل جهاز متطور يعمل بالأشعة تحت الحمراء لقياس انعكاس الضوء على النحلة. ودون الحاجة إلى مراقبة النحل بالعين، تكشف كمية الضوء التي يلتقطها المستشعر ما إذا كان لسانها ممتدًا أم لا، وهي إشارة واضحة إلى أنها التقطت أم لم تلتقط الرائحة التي تدربت عليها. يقول جيلاندرز "ما هو رائع أن النحل في كل خرطوشة يمكن تدريبه على نوع مختلف من المتفجرات، بحيث يمكن للجهاز اكتشاف ليس فقط وجود القنبلة أو المادة المتفجرة، بل أيضًا نوعها. هل يحل النحل محل الكلاب؟ يستغرق تدريب النحل ساعات قليلة، بينما يحتاج الكلاب شهورًا، كما أن تكلفة النحل أقل بكثير من الكلاب، والأهم أن النحل قد يكون أكثر فائدة في بعض التطبيقات من الكلاب، مثل اكتشاف الألغام الأرضية. ليس من المستحيل أن يتسبب وزن الكلب في تفجير لغم أرضي، وعادةً ما تُستخدم الجرذان الأفريقية للكشف عن الألغام الأرضية، لأنها فعالة ولا تزن سوى بضعة أرطال. وعن استخدام النحل المدرب في تطبيقات الحياة العملية، يقول جيلاندز "النحل المدرب يمكنه أن يساعد في تنظيف المناطق الملغمة وكشف المتفجرات المخفية، إذ يلتقط بسهولة جزيئات المتفجرات على أجسامه أثناء بحثه عن الطعام، علاوة على ذلك يمكن استخدامه في تفتيش حقائب السفر والشحن لضمان الأمان في المطارات والموانئ". ومن مزاياه أيضًا -كما يقول جيلاندز- وجود آلاف النحل في كل مستعمرة، والتي تبحث عن الطعام بأنماط متوقعة، مما يُمكّنها من جمع كمية قابلة للقياس من المتفجرات في منطقة معينة. ويضيف "يتمتع النحل بميزة أنه لا يُفجر لغمًا أرضيًا عن طريق الخطأ، على عكس البشر أو الكلاب، ويمكنه الوصول إلى الأماكن التي لا يمكن للكلاب الوصول إليها بسهولة"، لكنه يعترف بأن مشكلة العمل مع النحل تكمن في عدم توقع تصرفه، فخلال تجربة ميدانية واحدة نال 20 لسعة في كاحله الذي لم تغطه بدلة تربية النحل. وعلى الرغم من أنه يمكن تدريب النحل على اكتشاف الألغام الأرضية، فسرعان ما أدرك الباحثون أن المشي عبر حقل ألغام بجهاز كاشف يدوي محمول لرؤية ما إذا كان النحل يخرج لسانه يحمل خطرا كبيرا. إعلان بدلا من ذلك، قام الخبراء بتطوير آلية لإطلاق النحل المدرب على كشف الألغام، وتتبعه بطائرة بدون طيار "درون"، حيث يميل النحل المدرب إلى التجمع حول الأماكن التي تُدفن فيها الألغام على أمل العثور على طعام، بينما تقوم طائرة الدرون بنقل الإشارة ليترجمها الحاسوب لفريق الكشف. بعد أيام قليلة من العمل تنتهي المهمة، وتُعاد هذه النحلات "البطلات" إلى خلاياها بطريقة أخلاقية، مما يضمن سلامتها طوال العملية، ليبدأ بعد ذلك اختبار فريق آخر من مخلوق لم يكلفهم سوى جرعة بخار المتفجرات وقطرات من ماء السكر لتسخير عجائب تكوينه في خدمة الإنسان. تبرهن تجربة النحل المحب للسكر على أنها بديل أكثر أمانًا وفعالية من استخدام الكلاب أو التكنولوجيا الحالية، لكن جيلاندز لا يتوقع أن تحل محل الكلاب البوليسية تمامًا، بل أن تكون مُكمِّلًا لها في بيئات أو استخدامات مُحددة. وحتى اليوم "أجري جيلاندز وزملاؤه الاختبارات في مواقع بكرواتيا، ووصلو إلى مستوى جاهزية التكنولوجيا يقارب 7. (مقياس من 1 إلى 9 يُستخدم لوصف مدى نضج التقنيات الجديدة)، وانتهى المشروع في عام 2021، ويقول "نسعى حاليًا للحصول على تمويل لتطبيق هذه التقنية في بيئات ألغام حقيقية".

التطهير العرقي في فلسطين: جريمة مستمرة أم حقيقة مُغيَّبة؟
التطهير العرقي في فلسطين: جريمة مستمرة أم حقيقة مُغيَّبة؟

صدى مصر

time٢٢-٠٣-٢٠٢٥

  • سياسة
  • صدى مصر

التطهير العرقي في فلسطين: جريمة مستمرة أم حقيقة مُغيَّبة؟

التطهير العرقي في فلسطين: جريمة مستمرة أم حقيقة مُغيَّبة؟ بقلم: [ أشرف ماهر ضلع] منذ أكثر من سبعة عقود، لا تزال فلسطين تشهد واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية والسياسية تعقيدًا في التاريخ الحديث. تتجدد التساؤلات حول حقيقة ما جرى ويجري على أرضها، ومن بين هذه التساؤلات: هل ما تعرض له الفلسطينيون منذ عام 1947 يمكن تصنيفه على أنه تطهير عرقي؟ مفهوم التطهير العرقي: هل ينطبق على فلسطين؟ ظهر مصطلح 'التطهير العرقي' بقوة خلال حرب البلقان في التسعينيات، حيث تم استخدامه لوصف عمليات الإبادة والتهجير القسري التي تعرضت لها مجموعات سكانية بهدف خلق تجانس عرقي. هذا المفهوم، رغم حداثته، يمكن إسقاطه على ما جرى في فلسطين، وفقًا لعدد من الباحثين، أبرزهم المؤرخ الصهيوني إيلان بابيه، الذي أكد أن التهجير القسري للفلسطينيين لم يكن نتيجة حربٍ فقط، بل كان جزءًا من مخطط مُسبق، تم تنفيذه عبر ما عُرف بـ 'خطة داليت' في عام 1948. 'خطة داليت': تطهيرٌ ممنهج أم ضرورات حرب؟ وفقًا للمؤرخ الفلسطيني وليد الخالدي، فإن خطة داليت لم تكن مجرد استراتيجية عسكرية لمواجهة قوات عربية، بل كانت تهدف إلى 'إزالة الوجود الفلسطيني' من القرى والمدن، وإقامة دولة ذات طابع يهودي خالص. تقارير تاريخية ووثائق أرشيفية تشير إلى أن هذه الخطة تضمنت عمليات قتل جماعي، وتهجير قسري، وهدم قرى بأكملها، وهي ممارسات تتوافق تمامًا مع تعريف 'التطهير العرقي' وفق القانون الدولي. المجازر: حلقات دامية في مسلسل التهجير من مذبحة دير ياسين عام 1948، إلى مجازر صبرا وشاتيلا وجنين، تتكرر الأنماط نفسها: اقتحامات، قتل جماعي، تهجير، وتغيير ديموغرافي متعمد. هذه الأحداث، التي وثقتها منظمات حقوقية عالمية، ليست مجرد وقائع تاريخية، بل تمثل سلسلة متواصلة من الانتهاكات المستمرة بحق الفلسطينيين. لماذا لا يُحاسب مرتكبو الجرائم؟ رغم توفر أدلة دامغة على عمليات التهجير القسري، إلا أن المجتمع الدولي لم يتخذ خطوات حقيقية لمحاسبة المسؤولين. القرارات الأممية، التي تُدين الاستيطان والاحتلال، تبقى حبرًا على ورق أمام الدعم السياسي والعسكري الذي تتلقاه إسرائيل من قوى كبرى، مما يُعزز سياسة الإفلات من العقاب. 'حتى لا ننسى': مسؤولية التوثيق والمقاومة إن إحياء ذكرى النكبة والمجازر الفلسطينية ليس مجرد استرجاع للأحداث، بل هو معركة وعي تهدف إلى منع طمس الحقيقة. على الأجيال الفلسطينية والعربية، بل والعالمية، أن تستمر في توثيق الرواية الحقيقية، ومقاومة حملات التضليل التي تسعى لطمس جرائم الماضي والتلاعب بالحقائق. ختامًا: هل ينتهي التطهير العرقي؟ التطهير العرقي في فلسطين لم يكن مجرد حدث عابر، بل هو سياسة مستمرة تتجلى في التهجير القسري، وهدم المنازل، والاستيطان المتواصل. والسؤال الذي يظل مطروحًا: إلى متى يبقى هذا الظلم بلا محاسبة؟

كيف تم تصنيع لحظة  وعد بلفور  سياسيا
كيف تم تصنيع لحظة  وعد بلفور  سياسيا

أخبار اليوم الجزائرية

time٢١-٠٢-٢٠٢٥

  • سياسة
  • أخبار اليوم الجزائرية

كيف تم تصنيع لحظة وعد بلفور سياسيا

بقلم: إبراهيم نوار حصل اليهود على وعد بإقامة وطن قومي في فلسطين منذ أكثر من 100عام وبدأ تنفيذ الوعد مع تفويض بريطانيا من عصبة الأمم بفرض الانتداب على فلسطين عام 1920 لكن قرنا من الزمان ما يزال يصيح فينا بأن نعيد قراء التاريخ لمحاولة استخلاص العبر. خلال قرن من الزمان أصبح الفلسطينيون غرباء في فلسطين بل إن اسم فلسطين نفسه تجري المحاولة تلو المحاولة لاغتياله. *ثقافة معادية لليهود في أوروبا كانت الثقافة السائدة لدى الأرستقراطية الحاكمة في أوروبا عشية الحرب العالمية الأولى تنظر إلى اليهود بشكل عام نظرة سلبية وتراهم مجتمعا مغلقا شديد السرية وأنهم على الرغم من تناثرهم في بقاع العالم من روسيا إلى الولايات المتحدة يقيمون في ما بينهم صلات قوية ويتآمرون على البلدان التي يعيشون فيها من أجل السيطرة عليها لمصلحتهم. لكن الجاليات اليهودية لم تكن تستنزف قوتها في عداءات مقابل تلك النظرة السلبية وإنما في بناء جسور للتعاون مع أفراد من النخبة الأرستقراطية في مواقع الحكم والسيطرة. ولعبت مجموعة من اليهود المقيمين في بريطانيا دورا حاسما في تأمين مصالح اليهود ليس في بريطانيا فقط ولكن في العالم أجمع. هذه المجموعة ضمت اللورد روتشيلد سليل أغنى أسرة في العالم وهربرت صامويل سليل عائلة من أكبر تجار الذهب والمال في بريطانيا وحاييم وايزمان عالم الكيمياء المهاجر من روسيا والمفكر والصحافي ناحوم سوكولوف المهاجر من بولندا إلى جانب الحاخام (الحكيم) موسى جاستر الروماني الأصل حاخام طائفة اليهود الشرقيين. وكانت نظرية صامويل التي لخصها في مذكرة بعنوان مستقبل فلسطين قدمها للحكومة عام 1915 تقول إن هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى ستجعل أملاكها في آسيا عرضة للتقسيم وسط تنافس شرس بين القوى الأوروبية المنتصرة بعد أن تم فعلا اقتطاع أملاكها الأوروبية في حرب البلقان 1913 وفي شمال افريقيا من قبل. وحذر من أن كل واحدة من القوى الأوروبية ستريد الحصول لنفسها على فلسطين نظرا لمكانتها الدينية والتاريخية والسياسية وأن هذا التنافس الشرس قد يفضي إلى حروب لا نهاية لها. ولتجنب هذا المصير اقترح أن يتم حجز فلسطين لإقامة دولة لليهود فلا تكون لأحد من القوى الأوروبية المتنافسة على أن تخضع مؤقتا للحماية البريطانية حتى تعديل ميزان القوى الداخلي لأن ما يقرب من نصف مليون من السكان العرب لن يقبلوا بحكم 100 ألف من اليهود. وقد تحدث صامويل باستفاضة عن مشروعه لمستقبل فلسطين مع السير إدوارد غراي وزير الخارجية ووجد المشروع تأييدا من رئيس الوزراء ديفيد لويد جورج الذي كان يضع تفكيك الدولة العثمانية على رأس أولوياته السياسية كما كان لا يقبل على الإطلاق فكرة اقتسام فلسطين مع فرنسا. *اتصالات روتشيلد – بلفور بعد احتلال القوات البريطانية بقيادة الجنرال اللنبي لفلسطين واطمئنان الحكومة للوضع هناك طلب رئيس الوزراء من آرثر بلفور وزير الخارجية أن يدرس كيفية تنفيذ فكرة توطين اليهود في فلسطين التي كان قد طرحها أيضا اللورد روتشيلد انطلاقا من أفكار ثيودور هرتزل. وفي عام 1917 طلب بلفور من روتشيلد إعداد الصيغة التي يمكن أن ترضي المنظمة الصهيونية العالمية. وعلى الفور تم تكليف فرع الفيدرالية الصهيونية في بريطانيا برئاسة حاييم وايزمان بإعداد صيغة البيان كما طلب روتشيلد من وايزمان ضرورة التعاون مع هربرت صامويل الذي أصبح وزيرا للداخلية فكان أول وزير يهودي في حكومة بريطانية. ودارت العجلة بسرعة خلال الأسابيع الأولى من عام 1917 لصياغة ما عرف بعد ذلك بـوعد بلفور. وعُقد الاجتماع التأسيسي لخلية العمل في 7 فيفري في منزل حاخام (حكيم) طائفة اليهود الشرقيين موسى جاستر وضم كلا من مارك سايكس (شريك اتفاقية سايكس- بيكو) الذي كان قد تم تعيينه سكرتيرا سياسيا لرئيس الوزراء وحاييم وايزمان وناحوم سوكولوف. وعرض وايزمان صيغة وصفها مارك سايكس بأنها مترهلة وغير صالحة فتم الاتفاق على أن يتولى هو إعادة صياغتها. وانتهى مارك سايكس إلى صياغة الإعلان في فقرة واحدة فقط تم إرسالها إلى مكتب رئيس الوزراء وإلى روتشيلد الذي اعتقد وقتها أن الإعلان سيصدر خلال أيام قليلة لكن ذلك لم يحدث لأن المشروع بأكمله وجد معارضة شديدة من جانب اثنين من قيادات رابطة اليهود البريطانيين المعادية للصهيونية. هما الصحافي لوسين وولف والسياسي أدوين مونتاغو وزير شؤون الهند. وقد عرض مونتاغو مذكرة تستحق أن توصف بأنها وثيقة تاريخية تدفع بأن الصهيونية هي أساس لإشعال العداء للسامية وأن اليهود لا حق لهم في استيطان فلسطين وإقامة دولة لهم هناك. وعارض بشدة مشروع إعلان بلفور. وتسببت معارضته في تأخير موافقة الحكومة على البيان وسط جدل حاد قال مارك سايكس أنه كاد يؤدي إلى دفن المشروع بأكمله في أرشيف التاريخ. *تهديد لندن بباريس ومع تأخر إصدار إعلان بلفور زاد قلق اللورد روتشيلد وراح قادة الحركة الصهيونية العالمية يبحثون عن سبيل للضغط على بريطانيا فتوجهوا إلى باريس لطلب تعهد بتأييد توطينهم في فلسطين. وساعدهم على ذلك أن مارك سايكس كان قد أقام علاقة بين ناحوم سوكولوف وفرانسوا بيكو استثمرها الأول بسرعة لإقامة علاقة مع وزارة الخارجية الفرنسية. واستطاع في 4 جوان من العام نفسه أن يحصل على خطاب مكتوب من جول كامبون السكرتير العام لوزارة الخارجية بتأييد فرنسا توطين اليهود في فلسطين. وعندما علم سايكس بذلك أبلغ رئيس الوزراء أن حصول الفيدرالية الصهيونية على وعد من فرنسا بتأييد الاستيطان اليهودي في فلسطين ليس في مصلحة بريطانيا وطالب بإصدار إعلان بلفور على وجه السرعة. ومع ذلك فقد استمر الجدل خلال صيف عام 1917 واستمر حتى أكتوبر فقرر رئيس الوزراء إجراء مناقشة أخيرة لمشروع البيان في مجلس حكومة الحرب وتمت الموافقة فعلا عليه في اجتماع عاصف يوم 2 نوفمبر. وقال مارك سايكس أنه فور موافقة الحكومة خرج ليلتقي حاييم وايزمان الذي كان ينتظر خارج مقر الاجتماع وهتف: مبروك.. مولود ذكر . لكن وايزمان لم يبتهج كثيرا بالإعلان لأنه من وجهة نظره لم يتضمن أي صيغة تنفيذية وأسرع إلى روتشيلد لإبلاغه. *الدور التنفيذي لهربرت صامويل انطلاقا من مذكرته بشأن مستقبل فلسطين التي كان قد أعدها منذ سنوات بدأ هربرت صامويل يتهيأ لممارسة دور كبير لتحويل ما جاء في المذكرة إلى حقائق وذلك بوضع خطط تفصيلية لإقامة سلطة يهودية مستقلة في فلسطين وفتح باب الهجرة لليهود على مصراعيه وإصدار قانون للجنسية يمنح اليهود المهاجرين حقوق المواطنة الكاملة بالمساواة مع الفلسطينيين (المسلمين والمسيحيين واليهود) من حيث التملك والعمل ومقومات الأهلية المدنية كافة وجعل (العبرية) لغة رسمية إلى جانب العربية والإنكليزية وفك ارتباط فلسطين بالجنيه المصري وإنشاء سلطة نقد فلسطينية مستقلة وإنشاء شركة عقارية لشراء أملاك وأراضي العرب وبيعها للمهاجرين اليهود وإنشاء الوكالة اليهودية العالمية والجامعة العبرية. وتسلم صامويل منصبه كأول مندوب سامي لبريطانيا في فلسطين اعتبارا من أول جويلية 1920 حنى نهاية جوان 1925. *لقاء حاييم وايزمان بالأمير فيصل بمجرد إقرار إعلان بلفور بدأ مارك سايكس في إعداد خطة لتشكيل مفوضية صهيونية تتألف من قيادات الفيدراليات الصهيونية الأوروبية على أن تقوم هذه المفوضية بالسفر إلى مصر وفلسطين للقاء الزعامات العربية والإسهام في خلق مناخ ودي بين اليهود والعرب خصوصا الشريف حسين وأبناءه ومشايخ القبائل. وتم اختيار حاييم وايزمان لرئاسة هذه المفوضية. ومن أجل منحها مكانة سياسية رفيعة رتبت الحكومة مع القصر لقاء للمفوضية مع الملك جورج الخامس قبل سفر الوفد إلى القاهرة. وفي الاسبوع التالي سافر وايزمان إلى الإسكندرية في مارس 1918 ثم توجه بعد ذلك إلى القاهرة وأمضى هناك عدة أسابيع التقى فيها قيادات اليهود والجنرال اللنبي والمندوب السامي البريطاني ثم سافر إلى فلسطين وهناك رتب له أحد مساعدي الجنرال اللنبي لقاء مع الأمير فيصل بن الشريف حسين. وقد أبدى وايزمان إعجابا شديدا بفيصل وقال إن تلك كانت المرة الأولى التي يلتقي فيها شخصية عربية قومية ومع ذلك فقد لاحظ أنه ليس معنيا كثيرا بمستقبل فلسطين ولكنه كان شديد الحرص على معرفة مستقبل دمشق وأعرب عن أمله في أن يحصل على سوريا بأكملها. ونظرا لأن لورانس كان صديقا للشريف حسين وأبنائه فإن الانكليز لم يكونوا قلقين كثيرا من ردود فعل العرب تجاه إعلان بلفور لثقتهم بقدرته على احتوائها تماما كما حدث عندما أبلغهم جمال باشا بتفاصيل اتفاقية سايكس- بيكو بعدما نشرها البلاشفة. حقوق النشر © 2024 أخبار اليوم الجزائرية . ة

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store