logo
#

أحدث الأخبار مع #حركة_طالبان

ثورة الحاسة السادسة تحيل المقاتلات التقليدية إلى وحش محلّق
ثورة الحاسة السادسة تحيل المقاتلات التقليدية إلى وحش محلّق

الجزيرة

timeمنذ 10 ساعات

  • علوم
  • الجزيرة

ثورة الحاسة السادسة تحيل المقاتلات التقليدية إلى وحش محلّق

في صباح رمادي من خريف عام 2015، كانت مقاتلة أميركية من طراز " إف-16" تشقّ سماء مقاطعة باكتيا شرقي أفغانستان، على ارتفاع منخفض، في مهمة جوية اعتيادية لتأمين الغطاء الناري لقوات برية أميركية تتهيأ لرصد تحركات أو الاشتباك مع مقاتلي حركة طالبان. بدت السماءُ هادئة، لكنّ الأرض لم تكن كذلك، ففي لحظة خاطفة، دوّى وابل من طلقات نارية خفيفة انطلق من سلاح فردي، ليصيب ذيل الطائرة ويقلب موازين اللحظة كلها. اضطُر الطيار إلى التخلص من خزانات الوقود والذخائر لتخفيف الحمولة، وتأمين العودة إلى قاعدته. لم يكن الهجوم معقدا، ولا استُخدمت فيه تقنيات متقدمة، مجرد رصاصة من بندقية، أُطلقت من الأرض في بيئة بدائية، لكنها نجحت في إخراج واحدة من أكثر المقاتلات تطورا من ساحة المعركة. ورغم تزويد الطائرة بأنظمة إنذار إلكتروني وراداري متقدمة، فإنها فشلت في كشف الخطر البسيط الذي تسلل من بين ظلال التضاريس الصعبة. حادثة صغيرة، لكن تكلفتها كانت باهظة، ليس من حيث الخسائر المباشرة فحسب، بل من حيث ما كشفته من ثغرة بنيوية في الطريقة التي تتفاعل بها الطائرات مع محيطها القتالي، خصوصا في الحروب غير المتكافئة، حيث لا تأتي الأخطار دوما من صواريخ دقيقة أو منظومات دفاع جوي معقدة، بل أحيانا من سبطانة صدئة تحملها يد مغمورة في ريف ناء أو صحراء مترامية. ومثلُ هذا الدرس المُر هو ما دفع شركات الدفاع الكبرى إلى مراجعة ما اعتُبر يوما "كفاءة مكتملة"، والبحث عن حلول "ذكية" تتجاوز منطق تحديث إمكانات الطائرات التقليدي الذي غالبا ما يكون باهظ التكلفة المادية، والانتقال بدلا من ذلك نحو نهج جديد، هو تمكين الطائرات من "فهم" ما يحدث في البيئة القتالية حولها، وتطوير نظم الاستجابة الفورية "الواعية" لتلك التهديدات، فكيف حدث ذلك؟ ولادة الحاسة السادسة للطائرات من بين الحلول التي ابتكرتها شركات الدفاع، برز نظام متقدم طوّرته شركة "رايثيون" الأميركية، يعتمد على الذكاء الاصطناعي، ويمنح الطائرات القديمة قدرة شبه فورية على إدراك التهديدات المحيطة دون أي تعديل هيكلي أو تكاليف باهظة. الابتكار الجديد، الذي يحمل اسم "نظام نشر الخوارزميات الإدراكية" (Cognitive Algorithm Deployment System – CADS)، عبارة عن وحدة إلكترونية صغيرة تُركّب داخل جهاز الإنذار الراداري الموجود أصلا في العديد من الطائرات الأميركية من الجيل الرابع، مثل "إف-16″، وطائرات النقل والدعم مثل "سي-130″ و"كيه سي-46". ولا يتطلب تثبيت الوحدة سوى إدخال "بطاقة إلكترونية" في منفذ مُعدّ مسبقا داخل الجهاز، لتبدأ التقنية عملها فورا دون الحاجة لتعديل أي مكونات أخرى. وتؤكد رايثيون أن ثمة أكثر من 600 طائرة أميركية مزوّدة بجهاز الإنذار الراداري من طراز (ALR-69A) يمكن ترقيتها مباشرة باستخدام هذا النظام، بما يتيح عملية تحديث واسعة وسريعة للبنية الجوية القائمة. ويمنح النظام الطائرات ما يشبه "حاسة سادسة"، تُعزز وعيها الفوري وتزيد فرص نجاتها في ساحات القتال المعقدة. وللتذكير، فإن جهاز الإنذار الراداري "ALR-69A" هو نظام رقمي مُصمّم لرصد إشارات الرادارات المعادية، سواء كانت مخصصة للتعقّب أو لتوجيه الصواريخ، ومن ثم يقوم بتحذير الطيار فور التعرّض للمراقبة أو الاستهداف، مما يجعله خط الدفاع الأول في المواجهات الجوية الحديثة. سباق التخفي والمراقبة لفهم أعمق لأهمية هذه التكنولوجيا الجديدة، نرجع إلى الوراء خطوة نحو السؤال الجوهري: لماذا تحرص الطائرات على ألا تُرى؟ والجواب يبدأ من جهاز صغير لكنه بالغ التأثير، هو الرادار. يعتمد الرادار على آلية بسيطة هي إرسال موجات كهرومغناطيسية في الهواء، ثم التقاط ما يرتد منها عند اصطدامها بالأجسام، فإذا اصطدمت هذه الموجات بجسم معدني مثل هيكل طائرة، فإن جزءا منها يرتد إلى المصدر، كاشفا وجود هذا الجسم وموقعه وسرعته. لكن الرؤية الرادارية ليست شاملة، بل تعتمد على ما يُعرف بـ"البصمة الرادارية" للطائرة، أي حجم الإشارة التي تعكسها. كلما كانت هذه البصمة أصغر، باتت عملية الرصد أصعب، وزادت قدرة الطائرة على التملص من قبضة الرادار. من هذا المفهوم، وُلدت فكرة "الشبحية" أو التخفي. لا تُخفي هذه الطائرات نفسها تماما، لكنها تعيد تشكيل حضورها في الفضاء، لتبدو على شاشة الرادار كأنها طائر صغير أو حطام عابر. وتحقّق هذه الحيلة من خلال تصميم هندسي معقد، عبارة عن زوايا حادة تُعيد توجيه الموجات بعيدا عن الرادار، وطلاء خاص يمتص جزءا منها، وإخفاء تام للأسلحة والزوائد داخل البدن. وبفضل هذه الخصائص، فإن طائرة مثل " إف-117" قد لا تكاد تُرى على شاشة الرادار، رغم أن طولها يتجاوز 20 مترا. لكن الرادار أيضا لم يبق كما كان، فالتكنولوجيا لا تتطور من طرف واحد. فمع تقدم وسائل التخفي، ظهرت مضاداتها، عبارة عن رادارات طويلة الموجة تستطيع رصد الأجسام من مسافات بعيدة، كما انتشرت المستشعرات الحرارية التي تلاحق حرارة المحرّكات، ونُشرت شبكات دمج البيانات متعددة الزوايا، التي تتيح كشف الأهداف المتخفية من خلال تحليل بصمتها من اتجاهات مختلفة. هذه الأساليب قد تنجح أحيانا في الكشف عن الطائرات الشبحية، خصوصا عند اقترابها من مواقع الرصد أو قيامها بمناورات تكشف زواياها، مثل فتح حجرة القنابل أو عند الانعطاف بزاوية تفضح مقطعها الراداري الجانبي. ورغم ذلك، لا تزال لهذه الأنظمة المضادة حدودها، فالرادارات بعيدة المدى تفتقر للدقة التكتيكية، والمستشعرات الحرارية تتأثر بالضباب والعواصف والحرارة الخلفية. على الجانب الآخر أيضا، فإن الطائرات الشبحية تدفع ثمنا باهظا، إذ إن تكلفة مقاتلة من طراز "إف-35" تتجاوز 100 مليون دولار، بينما لا تتعدى تكلفة "إف-16" المحدّثة ما بين 25 مليونا و30 مليون دولار. كما أن هندسة التخفي تفرض قيودا على الحمولة والمدى، وتضطر الطائرة للحد من سعتها الداخلية حفاظا على بصمتها المنخفضة أمام الرادارات. الإدراك بدلا من الاختفاء.. هل يمكن أن تُفكر الطائرات؟ وهكذا، يبدو أنه أمام هذه التعقيدات التي تكتنف بيئة القتال الحديثة، لم يعد التخفي وحده كافيا. ومع التكاليف الباهظة والتعقيدات الهندسية التي تفرضها تقنيات "الشبحية"، بدأت الجيوش الاتجاه نحو حلول بديلة أو هجينة، تتيح تحسين أداء الطائرات التقليدية دون الحاجة إلى إعادة بنائها من الصفر. في هذا السياق، برز اتجاه متسارع نحو دمج تقنيات رقمية ذكية، تُمكّن الطائرات من إدراك التهديدات المحيطة بشكل لحظي، وتنبيه الطيار في اللحظة الحرجة، بما يعزز قدرتها على البقاء في بيئة قتالية مشبعة بالمخاطر. ويُعد نظام "نشر الخوارزميات الإدراكية" (CADS)، من أبرز تطبيقات هذا التوجه. فرغم أنه لا يمنح الطائرة قدرة شبحية، فإنه يزوّدها بما يشبه "الوعي الإلكتروني"، بما يمنحها قدرة ذاتية على رصد التهديدات وتحليلها والتفاعل معها فورا، دون الحاجة إلى تغييرات جذرية في التصميم أو استثمارات ضخمة في التحديثات. وتُظهر نتائج التجارب الميدانية الأولية التي أُجريت على مقاتلات "إف-16″، بالتعاون بين شركة "رايثيون" والحرس الوطني الأميركي، أن النظام قادر على التعامل مع إشارات رادارية غير مألوفة بكفاءة عالية. فعندما تلتقط الطائرة إشارة لا تتطابق مع أنماط التهديد المعروفة، يقوم النظام بتحليلها ذاتيا، وتقدير مستوى خطورتها، ثم إطلاق تنبيه فوري للطيار، يمنحه وعيا لحظيا بالخطر، حتى لو كان العدو يستخدم تقنية جديدة أو تكتيكا لم يُسجّل من قبل. الميزة الأهم أن هذا "الإدراك الاصطناعي" لا يُثقل كاهل الطيار، بل يخفف عنه عبء التعامل مع سيل التنبيهات في ميدان مشبع بالإشارات والتشويش. ففي مثل هذه البيئات، قد يتلقى الطيار عشرات التحذيرات دفعة واحدة، مما يؤدي إلى الإرباك وتباطؤ الاستجابة. لكن النظام الجديد يُعيد ترتيب الإشارات وفق الأولوية، ويُبرز الأخطر أولا، بما يضمن فعالية القرار وسرعة رد الفعل. وبهذا، تقترب قدرات مقاتلات الجيل الرابع المُحدّثة من خصائص "الحاسة السادسة" التي تميّز مقاتلات الجيل الخامس. ومع تفعيل نظام رايثيون الجديد، تصبح مقاتلات الجيل الرابع مزوّدة بقدرة دفاعية تفاعلية تمنحها بقاء أطول في ساحات القتال. ورغم أنها لا ترقى إلى مستوى التخفي الفعلي، فإنها تستبدل "عدم الظهور" بالقدرة على "الاستجابة الذكية"، مما يعكس فلسفة مختلفة في البقاء، الأولى تراهن على الغياب، والثانية على سرعة الوعي والنجاة. خيارات بديلة تكسر احتكار التكنولوجيا الأقوى عند هذه النقطة يبرز السؤال الأكثر أهمية: هل يمكن للدول الاكتفاء بترقية أساطيلها التقليدية بأنظمة ذكاء اصطناعي متقدمة، والاستغناء عن الاستثمار في طائرات شبحية باهظة التكلفة؟ والسؤال لا يحتمل إجابة واحدة، بل يخضع لمعادلة تُوازن بدقة بين الكفاءة القتالية والجدوى الاقتصادية. فالمقاتلات الشبحية تمنح ميزة إستراتيجية يصعب تعويضها، هي القدرة على اختراق الدفاعات الجوية الأكثر تطورا دون أن تُكتشف، وهذه ميزة لا يمكن مضاهاتها بأية ميزات أخرى. لكنها في الوقت نفسه تأتي بكُلفة هائلة، ليس فقط في التصنيع، بل في التشغيل والصيانة والتدريب والبنية اللوجستية اللازمة لها. في المقابل، يمكن لدولة ما توجيه الميزانية ذاتها نحو ترقية عدد أكبر من مقاتلات الجيل الرابع، بما يتيح لها تأمين انتشار عددي واسع دون التضحية الكاملة بالكفاءة. وهذا التوازن هو ما بدأت تُطبقه بعض الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي تجمع حاليا بين تطوير مقاتلات "إف-35" الشبحية، وتحديث أساطيلها التقليدية مثل " إف-15 إي إكس" و"إف-16″، في مقاربة تمزج بين "الكمّ" و"النوع". ومع ذلك، تبقى الشبحية ضرورة لا غنى عنها في مواجهة التهديدات المعقّدة. فعندما يتعلق الأمر بمنظومات دفاع جوي شديدة التكامل، مثل "أ س-400" الروسية، فإن الطائرات الشبحية تُعد رأس الحربة في الهجوم، فهي القادرة على فتح ثغرات في الجدار الراداري، تمهيدا لتقدّم الطائرات الأخرى. وفي مثل هذه السيناريوهات، لا يكون الذكاء الاصطناعي كافيا بمفرده، مهما بلغت قدراته. فالتقنيات المضادة في سباق دائم مع أدوات التخفي، وتزداد قدرة الرادارات والمستشعرات على كشف أكثر الأجسام مراوغة. من هنا، يبدو أن سلاح الجو المثالي في العقود المقبلة سيقوم على نهج مزدوج، حيث تتقدّم الطائرات الشبحية لكسر منظومات الدفاع وفتح الطريق، بينما تتبعها أسراب من الطائرات التقليدية المُحدّثة بأنظمة إدراك ذكية، تكمل المهام، وتوسع نطاق الضربات، وتحافظ على وتيرة الاشتباك بكلفة أقل. غير أن هذا الخيار لا يتاح للجميع، فامتلاك مقاتلات الجيل الخامس لا يزال حكرا على عدد محدود من الدول الكبرى: الولايات المتحدة، الصين، روسيا، وبعض حلفاء واشنطن المقرّبين. أما الغالبية العظمى من دول العالم، فتعتمد على أساطيل من طائرات الجيل الرابع، وتسعى إلى ترقيتها بشكل مستمر، نظرا لتكلفة الطائرات الشبحية وقيود التصدير المرتبطة بها. وهنا تبرز أنظمة الذكاء الاصطناعي بمنزلة فرصة إستراتيجية. فهي تتيح لتلك الدول تحسين الوعي القتالي، وتعزيز الفاعلية الهجومية والدفاعية في وقت وجيز وبتكلفة معقولة، دون الحاجة إلى انتظار صفقات طويلة الأجل ومقيدة سياسيا مع قوى عظمى. وقد يمتد هذا التوجه مستقبلا ليشمل الدول التي تشغل الطائرات الصينية والروسية الأقدم، مثل " ميغ-29" أو "جيه-10″، عبر تطوير أنظمة إدراك وطنية تُدمج في هذه المنصات، بما يقرّب أداءها من مواصفات الجيل الخامس دون الحاجة إلى امتلاكه فعليا. وباختصار، لا يحل الإدراك والوعي محل التخفي الكامل، والذكاء الاصطناعي لن يعوّض الشبحية بصورة مطلقة، لكنه قد يكون بديلا واقعيا وفعالا في كثير من السياقات، خصوصا للدول التي لا تستطيع امتلاك مقاتلات شبحية، كما أنه مكمّل ضروري حتى للدول المالكة لها، لتحقيق أفضل مزيج من التخفي والإدراك في سلاح الجو.

تقنية الحاسة السادسة تحيل المقاتلات العادية لطائرات فتّاكة
تقنية الحاسة السادسة تحيل المقاتلات العادية لطائرات فتّاكة

الجزيرة

timeمنذ 13 ساعات

  • علوم
  • الجزيرة

تقنية الحاسة السادسة تحيل المقاتلات العادية لطائرات فتّاكة

في صباح رمادي من خريف عام 2015، كانت مقاتلة أميركية من طراز " إف-16" تشقّ سماء مقاطعة باكتيا شرقي أفغانستان، على ارتفاع منخفض، في مهمة جوية اعتيادية لتأمين الغطاء الناري لقوات برية أميركية تتهيأ لرصد تحركات أو الاشتباك مع مقاتلي حركة طالبان. بدت السماءُ هادئة، لكنّ الأرض لم تكن كذلك، ففي لحظة خاطفة، دوّى وابل من طلقات نارية خفيفة انطلق من سلاح فردي، ليصيب ذيل الطائرة ويقلب موازين اللحظة كلها. اضطُر الطيار إلى التخلص من خزانات الوقود والذخائر لتخفيف الحمولة، وتأمين العودة إلى قاعدته. لم يكن الهجوم معقدا، ولا استُخدمت فيه تقنيات متقدمة، مجرد رصاصة من بندقية، أُطلقت من الأرض في بيئة بدائية، لكنها نجحت في إخراج واحدة من أكثر المقاتلات تطورا من ساحة المعركة. ورغم تزويد الطائرة بأنظمة إنذار إلكتروني وراداري متقدمة، فإنها فشلت في كشف الخطر البسيط الذي تسلل من بين ظلال التضاريس الصعبة. حادثة صغيرة، لكن تكلفتها كانت باهظة، ليس من حيث الخسائر المباشرة فحسب، بل من حيث ما كشفته من ثغرة بنيوية في الطريقة التي تتفاعل بها الطائرات مع محيطها القتالي، خصوصا في الحروب غير المتكافئة، حيث لا تأتي الأخطار دوما من صواريخ دقيقة أو منظومات دفاع جوي معقدة، بل أحيانا من سبطانة صدئة تحملها يد مغمورة في ريف ناء أو صحراء مترامية. ومثلُ هذا الدرس المُر هو ما دفع شركات الدفاع الكبرى إلى مراجعة ما اعتُبر يوما "كفاءة مكتملة"، والبحث عن حلول "ذكية" تتجاوز منطق تحديث إمكانات الطائرات التقليدي الذي غالبا ما يكون باهظ التكلفة المادية، والانتقال بدلا من ذلك نحو نهج جديد، هو تمكين الطائرات من "فهم" ما يحدث في البيئة القتالية حولها، وتطوير نظم الاستجابة الفورية "الواعية" لتلك التهديدات، فكيف حدث ذلك؟ ولادة الحاسة السادسة للطائرات من بين الحلول التي ابتكرتها شركات الدفاع، برز نظام متقدم طوّرته شركة "رايثيون" الأميركية، يعتمد على الذكاء الاصطناعي، ويمنح الطائرات القديمة قدرة شبه فورية على إدراك التهديدات المحيطة دون أي تعديل هيكلي أو تكاليف باهظة. الابتكار الجديد، الذي يحمل اسم "نظام نشر الخوارزميات الإدراكية" (Cognitive Algorithm Deployment System – CADS)، عبارة عن وحدة إلكترونية صغيرة تُركّب داخل جهاز الإنذار الراداري الموجود أصلا في العديد من الطائرات الأميركية من الجيل الرابع، مثل "إف-16″، وطائرات النقل والدعم مثل "سي-130″ و"كيه سي-46". ولا يتطلب تثبيت الوحدة سوى إدخال "بطاقة إلكترونية" في منفذ مُعدّ مسبقا داخل الجهاز، لتبدأ التقنية عملها فورا دون الحاجة لتعديل أي مكونات أخرى. وتؤكد رايثيون أن ثمة أكثر من 600 طائرة أميركية مزوّدة بجهاز الإنذار الراداري من طراز (ALR-69A) يمكن ترقيتها مباشرة باستخدام هذا النظام، بما يتيح عملية تحديث واسعة وسريعة للبنية الجوية القائمة. ويمنح النظام الطائرات ما يشبه "حاسة سادسة"، تُعزز وعيها الفوري وتزيد فرص نجاتها في ساحات القتال المعقدة. وللتذكير، فإن جهاز الإنذار الراداري "ALR-69A" هو نظام رقمي مُصمّم لرصد إشارات الرادارات المعادية، سواء كانت مخصصة للتعقّب أو لتوجيه الصواريخ، ومن ثم يقوم بتحذير الطيار فور التعرّض للمراقبة أو الاستهداف، مما يجعله خط الدفاع الأول في المواجهات الجوية الحديثة. سباق التخفي والمراقبة لفهم أعمق لأهمية هذه التكنولوجيا الجديدة، نرجع إلى الوراء خطوة نحو السؤال الجوهري: لماذا تحرص الطائرات على ألا تُرى؟ والجواب يبدأ من جهاز صغير لكنه بالغ التأثير، هو الرادار. يعتمد الرادار على آلية بسيطة هي إرسال موجات كهرومغناطيسية في الهواء، ثم التقاط ما يرتد منها عند اصطدامها بالأجسام، فإذا اصطدمت هذه الموجات بجسم معدني مثل هيكل طائرة، فإن جزءا منها يرتد إلى المصدر، كاشفا وجود هذا الجسم وموقعه وسرعته. لكن الرؤية الرادارية ليست شاملة، بل تعتمد على ما يُعرف بـ"البصمة الرادارية" للطائرة، أي حجم الإشارة التي تعكسها. كلما كانت هذه البصمة أصغر، باتت عملية الرصد أصعب، وزادت قدرة الطائرة على التملص من قبضة الرادار. من هذا المفهوم، وُلدت فكرة "الشبحية" أو التخفي. لا تُخفي هذه الطائرات نفسها تماما، لكنها تعيد تشكيل حضورها في الفضاء، لتبدو على شاشة الرادار كأنها طائر صغير أو حطام عابر. وتحقّق هذه الحيلة من خلال تصميم هندسي معقد، عبارة عن زوايا حادة تُعيد توجيه الموجات بعيدا عن الرادار، وطلاء خاص يمتص جزءا منها، وإخفاء تام للأسلحة والزوائد داخل البدن. وبفضل هذه الخصائص، فإن طائرة مثل " إف-117" قد لا تكاد تُرى على شاشة الرادار، رغم أن طولها يتجاوز 20 مترا. لكن الرادار أيضا لم يبق كما كان، فالتكنولوجيا لا تتطور من طرف واحد. فمع تقدم وسائل التخفي، ظهرت مضاداتها، عبارة عن رادارات طويلة الموجة تستطيع رصد الأجسام من مسافات بعيدة، كما انتشرت المستشعرات الحرارية التي تلاحق حرارة المحرّكات، ونُشرت شبكات دمج البيانات متعددة الزوايا، التي تتيح كشف الأهداف المتخفية من خلال تحليل بصمتها من اتجاهات مختلفة. هذه الأساليب قد تنجح أحيانا في الكشف عن الطائرات الشبحية، خصوصا عند اقترابها من مواقع الرصد أو قيامها بمناورات تكشف زواياها، مثل فتح حجرة القنابل أو عند الانعطاف بزاوية تفضح مقطعها الراداري الجانبي. ورغم ذلك، لا تزال لهذه الأنظمة المضادة حدودها، فالرادارات بعيدة المدى تفتقر للدقة التكتيكية، والمستشعرات الحرارية تتأثر بالضباب والعواصف والحرارة الخلفية. على الجانب الآخر أيضا، فإن الطائرات الشبحية تدفع ثمنا باهظا، إذ إن تكلفة مقاتلة من طراز "إف-35" تتجاوز 100 مليون دولار، بينما لا تتعدى تكلفة "إف-16" المحدّثة ما بين 25 مليونا و30 مليون دولار. كما أن هندسة التخفي تفرض قيودا على الحمولة والمدى، وتضطر الطائرة للحد من سعتها الداخلية حفاظا على بصمتها المنخفضة أمام الرادارات. الإدراك بدلا من الاختفاء.. هل يمكن أن تُفكر الطائرات؟ وهكذا، يبدو أنه أمام هذه التعقيدات التي تكتنف بيئة القتال الحديثة، لم يعد التخفي وحده كافيا. ومع التكاليف الباهظة والتعقيدات الهندسية التي تفرضها تقنيات "الشبحية"، بدأت الجيوش الاتجاه نحو حلول بديلة أو هجينة، تتيح تحسين أداء الطائرات التقليدية دون الحاجة إلى إعادة بنائها من الصفر. في هذا السياق، برز اتجاه متسارع نحو دمج تقنيات رقمية ذكية، تُمكّن الطائرات من إدراك التهديدات المحيطة بشكل لحظي، وتنبيه الطيار في اللحظة الحرجة، بما يعزز قدرتها على البقاء في بيئة قتالية مشبعة بالمخاطر. ويُعد نظام "نشر الخوارزميات الإدراكية" (CADS)، من أبرز تطبيقات هذا التوجه. فرغم أنه لا يمنح الطائرة قدرة شبحية، فإنه يزوّدها بما يشبه "الوعي الإلكتروني"، بما يمنحها قدرة ذاتية على رصد التهديدات وتحليلها والتفاعل معها فورا، دون الحاجة إلى تغييرات جذرية في التصميم أو استثمارات ضخمة في التحديثات. وتُظهر نتائج التجارب الميدانية الأولية التي أُجريت على مقاتلات "إف-16″، بالتعاون بين شركة "رايثيون" والحرس الوطني الأميركي، أن النظام قادر على التعامل مع إشارات رادارية غير مألوفة بكفاءة عالية. فعندما تلتقط الطائرة إشارة لا تتطابق مع أنماط التهديد المعروفة، يقوم النظام بتحليلها ذاتيا، وتقدير مستوى خطورتها، ثم إطلاق تنبيه فوري للطيار، يمنحه وعيا لحظيا بالخطر، حتى لو كان العدو يستخدم تقنية جديدة أو تكتيكا لم يُسجّل من قبل. الميزة الأهم أن هذا "الإدراك الاصطناعي" لا يُثقل كاهل الطيار، بل يخفف عنه عبء التعامل مع سيل التنبيهات في ميدان مشبع بالإشارات والتشويش. ففي مثل هذه البيئات، قد يتلقى الطيار عشرات التحذيرات دفعة واحدة، مما يؤدي إلى الإرباك وتباطؤ الاستجابة. لكن النظام الجديد يُعيد ترتيب الإشارات وفق الأولوية، ويُبرز الأخطر أولا، بما يضمن فعالية القرار وسرعة رد الفعل. وبهذا، تقترب قدرات مقاتلات الجيل الرابع المُحدّثة من خصائص "الحاسة السادسة" التي تميّز مقاتلات الجيل الخامس. ومع تفعيل نظام رايثيون الجديد، تصبح مقاتلات الجيل الرابع مزوّدة بقدرة دفاعية تفاعلية تمنحها بقاء أطول في ساحات القتال. ورغم أنها لا ترقى إلى مستوى التخفي الفعلي، فإنها تستبدل "عدم الظهور" بالقدرة على "الاستجابة الذكية"، مما يعكس فلسفة مختلفة في البقاء، الأولى تراهن على الغياب، والثانية على سرعة الوعي والنجاة. خيارات بديلة تكسر احتكار التكنولوجيا الأقوى عند هذه النقطة يبرز السؤال الأكثر أهمية: هل يمكن للدول الاكتفاء بترقية أساطيلها التقليدية بأنظمة ذكاء اصطناعي متقدمة، والاستغناء عن الاستثمار في طائرات شبحية باهظة التكلفة؟ والسؤال لا يحتمل إجابة واحدة، بل يخضع لمعادلة تُوازن بدقة بين الكفاءة القتالية والجدوى الاقتصادية. فالمقاتلات الشبحية تمنح ميزة إستراتيجية يصعب تعويضها، هي القدرة على اختراق الدفاعات الجوية الأكثر تطورا دون أن تُكتشف، وهذه ميزة لا يمكن مضاهاتها بأية ميزات أخرى. لكنها في الوقت نفسه تأتي بكُلفة هائلة، ليس فقط في التصنيع، بل في التشغيل والصيانة والتدريب والبنية اللوجستية اللازمة لها. في المقابل، يمكن لدولة ما توجيه الميزانية ذاتها نحو ترقية عدد أكبر من مقاتلات الجيل الرابع، بما يتيح لها تأمين انتشار عددي واسع دون التضحية الكاملة بالكفاءة. وهذا التوازن هو ما بدأت تُطبقه بعض الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي تجمع حاليا بين تطوير مقاتلات "إف-35" الشبحية، وتحديث أساطيلها التقليدية مثل " إف-15 إي إكس" و"إف-16″، في مقاربة تمزج بين "الكمّ" و"النوع". ومع ذلك، تبقى الشبحية ضرورة لا غنى عنها في مواجهة التهديدات المعقّدة. فعندما يتعلق الأمر بمنظومات دفاع جوي شديدة التكامل، مثل "أ س-400" الروسية، فإن الطائرات الشبحية تُعد رأس الحربة في الهجوم، فهي القادرة على فتح ثغرات في الجدار الراداري، تمهيدا لتقدّم الطائرات الأخرى. وفي مثل هذه السيناريوهات، لا يكون الذكاء الاصطناعي كافيا بمفرده، مهما بلغت قدراته. فالتقنيات المضادة في سباق دائم مع أدوات التخفي، وتزداد قدرة الرادارات والمستشعرات على كشف أكثر الأجسام مراوغة. من هنا، يبدو أن سلاح الجو المثالي في العقود المقبلة سيقوم على نهج مزدوج، حيث تتقدّم الطائرات الشبحية لكسر منظومات الدفاع وفتح الطريق، بينما تتبعها أسراب من الطائرات التقليدية المُحدّثة بأنظمة إدراك ذكية، تكمل المهام، وتوسع نطاق الضربات، وتحافظ على وتيرة الاشتباك بكلفة أقل. غير أن هذا الخيار لا يتاح للجميع، فامتلاك مقاتلات الجيل الخامس لا يزال حكرا على عدد محدود من الدول الكبرى: الولايات المتحدة، الصين، روسيا، وبعض حلفاء واشنطن المقرّبين. أما الغالبية العظمى من دول العالم، فتعتمد على أساطيل من طائرات الجيل الرابع، وتسعى إلى ترقيتها بشكل مستمر، نظرا لتكلفة الطائرات الشبحية وقيود التصدير المرتبطة بها. وهنا تبرز أنظمة الذكاء الاصطناعي بمنزلة فرصة إستراتيجية. فهي تتيح لتلك الدول تحسين الوعي القتالي، وتعزيز الفاعلية الهجومية والدفاعية في وقت وجيز وبتكلفة معقولة، دون الحاجة إلى انتظار صفقات طويلة الأجل ومقيدة سياسيا مع قوى عظمى. وقد يمتد هذا التوجه مستقبلا ليشمل الدول التي تشغل الطائرات الصينية والروسية الأقدم، مثل " ميغ-29" أو "جيه-10″، عبر تطوير أنظمة إدراك وطنية تُدمج في هذه المنصات، بما يقرّب أداءها من مواصفات الجيل الخامس دون الحاجة إلى امتلاكه فعليا. وباختصار، لا يحل الإدراك والوعي محل التخفي الكامل، والذكاء الاصطناعي لن يعوّض الشبحية بصورة مطلقة، لكنه قد يكون بديلا واقعيا وفعالا في كثير من السياقات، خصوصا للدول التي لا تستطيع امتلاك مقاتلات شبحية، كما أنه مكمّل ضروري حتى للدول المالكة لها، لتحقيق أفضل مزيج من التخفي والإدراك في سلاح الجو.

لندن توقف مخططا لنقل الأفغان إليها وتترك آلاف المتعاونين لمصير مجهول
لندن توقف مخططا لنقل الأفغان إليها وتترك آلاف المتعاونين لمصير مجهول

الجزيرة

timeمنذ 4 أيام

  • سياسة
  • الجزيرة

لندن توقف مخططا لنقل الأفغان إليها وتترك آلاف المتعاونين لمصير مجهول

لندن- لا يبدو أن الانسحاب الفوضوي للقوات الأميركية والبريطانية من أفغانستان قبل 4 سنوات انتهى عند حدود خسارة التحالف الغربي لمنطقة نفوذ جديدة واستعادة حركة طالبان للسلطة، بل ما زالت ارتدادات لحظة الانسحاب المرتبكة تلك تلاحق الحكومات البريطانية المتعاقبة. واحتد الجدل السياسي في لندن مجددا بشأن تخلي الجيش البريطاني عن آلاف المتعاونين الأفغان ممن خدموا مع قواته والذين يواجهون مصيرا غامضا بعد انسحابها من أفغانستان، إثر إعلان الحكومة البريطانية وقف مخطط لإعادة توطينهم في المملكة المتحدة صممته سابقتها لاستدراك تسريب هائل لبياناتهم عام 2022. وكشفت صحف بريطانية أن لوائح طالبي اللجوء الأفغان المخترقة تضمنت إشارة لآخر موقع معروف لمقدمي تلك الطلبات، مما كان سيمنح حركة طالبان القدرة -لو وضعت يدها على القائمة- على تعقب أي فرد مدرج فيها في حال قرروا استهدافه. إهمال بالغ وأشارت صحيفة فايننشال تايمز إلى أن لوائح التسريبات كشفت هوية جواسيس بريطانيين وأسماء أفراد من القوات الخاصة، من بين أكثر من 100 موظف حكومي بريطاني وردت أسماؤهم أيضا في تلك القوائم، فيما وصف بإهمال بالغ الخطورة لإدراج أسماء حساسة إلى جانب طالبي اللجوء الأفغان. ولكن بعد رفع السرية عن القضية قبل أيام، جادل وزير الدفاع البريطاني جون هيلي أمام البرلمان بأن "الأدلة على وجود خطر يهدد حياة آلاف الأفغان الذين ظهرت أسماؤهم على لوائح التسريبات ضئيلة"، ما شجع الحكومة على مراجعة المخطط ورفع التعتيم عنه. ولا تبدو الحكومة البريطانية قلقة على مصير الآلاف من المتعاونين معها في أفغانستان، حيث خلصت المراجعة إلى أن حركة طالبان حصلت بالأساس على قاعدة معلومات واسعة بشأن نشاط أولئك الأفراد، ولن يشكل حصولها على قاعدة البيانات المسربة خطرا إضافيا عليهم. ويرى نيك هارفي، وزير الدفاع البريطاني السابق، أن وقف برنامج الهجرة السري الهادف لحماية الأفغان المهددين بسبب خطأ جسيم في تأمين بياناتهم، قد ترك آلاف الأفغان لمواجهة مصير مجهول في ظروف قاسية، مما يضعف ثقة الشركاء المحليين في مناطق النزاع بقدرة الجيش البريطاني على حمايتهم في حال تعاونهم مع قواته. ويضيف هارفي، الذي شغل منصب وزير الدفاع بين عامي 2010 و2012، للجزيرة نت، أن التبرير الذي قدم لتكتم الحكومة على واقعة التسريب، بحجة حماية المتعاونين الأفغان من انتقام حركة طالبان، كان ليبدو مقبولا لو استخدم كإجراء مؤقت، إلا أن استمرار هذا التستر لأكثر من عامين أثر بشكل كبير على فعالية إدارة برنامج التوطين. وتصر حكومة حزب العمال الحالية أنها تواجه تركة ثقيلة من سوء الإدارة خلفتها 14 سنة من حكم المحافظين، وأن قرار وقف برنامج التوطين سيوفر للخزينة البريطانية 1.2 مليار جنيه استرليني، بعد أن كان مخطط الحكومة السابقة نقل 24 ألف أفغاني بكلفة 7 مليارات جنيه إسترليني. وأفاد هيلي بأن أعداد الأفغان الذين تأثروا بخرق بياناتهم وتمت الموافقة على ترحيلهم إلى بريطانيا بلغ 7900 شخص، بينما لم يتجاوز عدد الذين تم نقلهم إلى الآن 900 من المتعاونين و3600 من عائلاتهم. من جانبها، قالت إيفون ردلي، وهي صحفية بريطانية غطت الحرب في أفغانستان عام 2021 واحتجزتها حركة طالبان قبل أن تطلق سراحها لاحقا، إن الحكومات البريطانية تعاملت باستخفاف شديد مع الأفغان الذين خدموا لصالح القوات البريطانية، والذين عملوا في ظروف بالغة الخطورة على مدى سنوات. وفي حديث للجزيرة نت، اعتبرت ردلي أن "خيانة الحكومة البريطانية لهؤلاء الأفغان ستشكل رادعا لكل من ترغب القوات البريطانية في تجنيده إلى جانبها، ما يثير تحفظات في أوساط صناع القرار العسكري البريطاني". ويتصاعد الغضب والاحتجاج في صفوف البرلمانيين البريطانيين بسبب طلب الحكومات المتعاقبة منذ عام 2023 فرض السرية على فضيحة تسريب البيانات، ووضع مخطط سري للهجرة بكلفة 6 مليارات جنيه إسترليني بمعزل عن أي رقابة برلمانية. وبلهجة تحذير حادة، طالب رئيس لجنة الاستخبارات والأمن اللورد بيميش -في رسالة للحكومة- بإطلاع البرلمان على جميع التقييمات الاستخباراتية التي دفعت المسؤولين البريطانيين لطلب فرض التعتيم الكامل والأول من نوعه في التاريخ البريطاني، مشددا على عدم وجود مبرر لحجب معلومات حساسة عن البرلمان. من جهته، وصف العضو البارز في حزب المحافظين إدوارد لي، التدخل العسكري البريطاني في أفغانستان بـ"الخطيئة الأصلية"، داعيا الحكومات البريطانية للاستفادة من دروس التدخل في دول غير قابلة للسيطرة والحكم كالعراق، وليبيا وأفغانستان. سجال الهجرة ولم يهدأ التراشق السياسي بين حزبي العمال الحاكم والمحافظين اليميني المعارض، بشأن من يتحمل مسؤولية سوء إدارة هذه القضية. فقد دعا رئيس الوزراء كير ستارمر إلى محاسبة وزراء حكومات حزب المحافظين السابقة المتورطين في اتخاذ القرارات بشأن التعامل مع واقعة التسريب الضخم للبيانات ومحاولة استدراكها عبر برنامج لإعادة التوطين. فيما هاجمت رئيسة الوزراء السابقة والقيادية في المحافظين ليز تراس فكرة ترحيل مهاجرين جدد إلى بريطانيا، واعتبرت إقرار مخطط بملايين الجنيهات لترحيل آلاف الأفغان "خطأ بحد ذاته". ويصب الكشف عن برنامج هجرة المتعاونين الأفغان مزيدا من التوتر على سجال لا يتوقف في صفوف النخب الحزبية البريطانية، بشأن تدبير ملف الهجرة وتقليص أعداد المهاجرين الوافدين إلى البلاد. وشن نايجل فاراج زعيم حزب الإصلاح اليميني "المتطرف" المعادي للمهاجرين هجوما لاذعا على المخطط السري للهجرة، متهما الحكومات البريطانية بعدم الكفاءة، وزاعما أن البرنامج استقدم أفغانًا من أصحاب السوابق الجنائية إلى البلاد. وترى كاترين غلنياكي أستاذة سياسات الهجرة في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، في تصريح للجزيرة نت، أن السياسات الحكومية في التعاطي مع تعقيدات ملف طالبي اللجوء تحركها دوافع التنافس الحزبي مع اليمين الشعبوي دون أن تأخذ بعين الاعتبار العواقب الوخيمة لإغلاق الباب في وجه طالبي اللجوء الذين يختارون ركوب القوارب الصغيرة في تحد للإجراءات البيروقراطية. وحذرت منظمات حقوقية لشؤون اللاجئين، كمجلس اللاجئين البريطاني وجمعية "الحماية من أجل كاليه"، من أن إيقاف نظام الهجرة الأفغاني سيدفع المزيد من الأفغان لسلوك خيار الهجرة غير النظامية ومحاولة الوصول إلى السواحل البريطانية على متن قوارب المهربين. من جانبها، ذكرت صحيفة تلغراف البريطانية أن محامين يستعدون للطعن في القرار الحكومي بوقف برنامج التوطين استنادًا للاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، التي تكفل الحماية للأشخاص المعرضين للخطر بدعوى تسريب بياناتهم، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام زيادة في طلبات اللجوء أو المطالبة بتعويضات لنحو 100 ألف أفغاني.

فضيحة تسريب بريطاني عرّض 100 ألف حليف أفغاني للخطر
فضيحة تسريب بريطاني عرّض 100 ألف حليف أفغاني للخطر

الجزيرة

timeمنذ 6 أيام

  • سياسة
  • الجزيرة

فضيحة تسريب بريطاني عرّض 100 ألف حليف أفغاني للخطر

ضجت الصحافة البريطانية اليوم الأربعاء بواحدة من أخطر الفضائح الأمنية في تاريخ الحكومة البريطانية الحديث بعد الكشف عن تسريب بريطاني للبيانات عرّض حياة نحو 100 ألف أفغاني للخطر، واستدعى عملية إجلاء سرية واسعة النطاق من قبل الحكومة البريطانية. وقالت صحيفة تايمز في تقريرها إن مسؤولا دفاعيا سرب في 2022 عن طريق الخطأ قائمة ملفات المتقدمين لبرنامج توطين الأفغان الذين عملوا سابقا مع القوات البريطانية بعد صعود الحكومة التي تقودها حركة طالبان الحالية. وتضمنت القائمة بيانات شخصية لـ33 ألف شخص، أغلبهم خدموا مع القوات البريطانية في أفغانستان ، بينما كان آخرون مجرد متقدمين لبرامج اللجوء، وقدّرت وزارة الدفاع عدد المعرضين للخطر نتيجة التسريب بما يصل إلى 100 ألف شخص، يشملون مقدمي الطلبات وأسرهم، حسب التقرير. وفي خطوة لم تتخذها أي حكومة بريطانية سابقة، طلب وزير الدفاع البريطاني الأسبق بن والاس من المحكمة العليا أمر حظر نشر عالمي (ضد العالم بأسره) قبل أيام من استقالته. ولم يمنع الحظر الإعلام من الحديث عن الواقعة وحسب، بل جعل ذكر وجود الأمر القضائي نفسه جريمة، وأكدت تايمز أن الحظر كان الأطول من نوعه تاريخيا. ورفعت المحكمة العليا البريطانية الأمر أمس الثلاثاء بعد حرب قانونية قادتها تايمز لسنتين، أدت إلى مراجعة مستقلة خلصت إلى أن الخطر الحالي على حياة المتعاونين الأفغان أقل مما كان يُخشى في السابق. إجراءات غير مسبوقة وحسب تايمز، لم تكتشف الحكومة التسريب حتى أغسطس/آب 2023، وأطلقت عقب ذلك بسرعة عملية سرية باسم "روبيفيك" لاحتوائه وتعقّب من حصل على البيانات ومنع انتشارها إعلاميا. وأضافت صحيفة غارديان أن من اكتشف التسريب "ناشطة أفغانية" كانت تساعد الأفغان الذين عملوا مع القوات البريطانية، ونبهها أحد معارفها بأن عضوا مجهولا في مجموعة على فيسبوك قال إن بحوزته قاعدة بيانات سرية وهدد بنشرها كاملة، فاتصلت الناشطة على الفور بوزارة الدفاع. وأثار التسريب مخاوف بإعطاء طالبان "قائمة قتل" بكل من ساعد البريطانيين، واحتوت البيانات على أسماء وهواتف وعناوين بريد المتعاونين بجانب عناوين بريد مسؤولين من وزارة الدفاع البريطانية. ووفق تايمز، خصصت الحكومة ما يصل إلى 7 مليارات جنيه إسترليني (9.1 مليارات دولار) في السنة ذاتها لعملية سرية أخرى باسم "مسار الاستجابة الأفغاني" لإجلاء أكثر من 25 ألف أفغاني، وجدت أنهم الأكثر عرضة للخطر. تكتم سياسي وقانوني وبدورها، أكدت فايننشال تايمز أن ما حدث تجاوز كونه حادثة تسريب معلومات، وأسفر عن بناء نظام سري متكامل أتاح للحكومة اتخاذ قرارات مصيرية بعيدا عن أي رقابة برلمانية أو إعلامية، مع إخفاء التكاليف والأبعاد الأخلاقية والسياسية. ولمنع النواب من كشف التسريب، تم إخطار رؤساء مجلس العموم واللوردات بالأمر القضائي حتى يتمكنوا من منع طرح أسئلة برلمانية حساسة حول برنامج إعادة توطين الأفغان، حسب التقرير. ورفض خليفة والاس، غرانت شابس، إبلاغ المعارضة العمالية أو لجنتي الدفاع والاستخبارات في البرلمان بالمسألة، رغم توصيات رسمية بضرورة إبلاغهم. كما لم تظهر بيانات وزارة الداخلية أعداد الوافدين تحت الخطة السرية ضمن الإحصاءات الرسمية للهجرة لعامي 2023 و2024، حسب التقرير. وكانت نقطة التحول الشهر الماضي عندما خلصت مراجعة مستقلة أجراها بول ريمر (مسؤول استخبارات سابق) -بتكليف من وزير الدفاع هيلي- إلى أن الخطر على الأفغان أقل بكثير مما ادُعي، وأن حركة طالبان قد لا تحتاج أصلا لهذه البيانات نظرا لما تمتلكه من مصادر أخرى. المتضررون وذكر تقرير تايمز أن الحكومة أسكنت من تم إجلاؤهم حتى الآن (18 ألفا و500 أفغاني) في فنادق أو قواعد عسكرية. ومع إلغاء الخطة، تعهدت الحكومة باستقبال 5400 فرد حصلوا على دعوات مسبقة، ليصل العدد الإجمالي لمن تم إجلاؤهم 23 ألفا و900 شخص فقط. ووفق تايمز، فإن وزارة الدفاع لم تُبلغ الغالبية العظمى من المتضررين بخطورة التسريب، مما أثار انتقادات واسعة من نواب ومؤسسات حقوقية. وذكر التقرير أنه يجري الإعداد لدعوى قضائية تشمل حوالي ألف شخص من المتضررين في جميع أنحاء العالم ضد الحكومة، ومن المتوقع أن تبلغ تكلفتها 250 مليون جنيه إسترليني (325 مليون دولار) على الأقل. كما ذكر التقرير أن بعض الأسماء الواردة في القوائم قد تم تداولها مقابل مبالغ مالية، وأن هناك مزاعم غير مؤكدة تفيد بأن طالبان بدأت فعلا باستهداف بعض الأفراد. ووفق تقرير غارديان، أظهرت أرقام وزارة الدفاع التي نُشرت يوم الثلاثاء أن إجمالي عدد الأفغان المشمولين في خطط التوطين المختلفة، سواء ممن وصلوا بالفعل إلى المملكة المتحدة أو ما زالوا في انتظار السفر، 56 ألفا و100 شخص. وتبلغ التكلفة الإجمالية المقدرة لـ3 برامج مختلفة لإعادة توطين الأفغان (منها الخطة السرية) من 5.5 مليارات جنيه إسترليني (7.15 مليارات دولار) إلى 6 مليارات جنيه إسترليني (7.8 مليارات دولار)، وهو أقل من التقديرات السابقة. إعلان ومن المتوقع أن يكلف مخطط إعادة التوطين السري الذي تم إنشاؤه خصيصا استجابة للتسريب 850 مليون جنيه إسترليني (1.1 مليار دولار). "خيانة" وقالت الكاتبة البريطانية المتخصصة بحقوق الإنسان ديان تايلور إن ما حدث يُعد خيانة جديدة للأفغان الذين تعاونوا مع القوات البريطانية، خاصة أن كثيرين منهم لا يعرفون حتى الآن ما إذا كانوا من المتضررين. وأضافت، في مقال نشرته غارديان، أن مراجعة ريمر لخطر التسريبات لن تطمئن الآلاف من الأفغان الذين باتوا في مواجهة الخطر، خصوصا أن أكثر من 24 ألفا تم إحضارهم إلى المملكة المتحدة أو سيأتون لاحقا دون علمهم التام بحقيقة ما تعرضوا له. وفي انتقاد مشابه، نقلت تايمز قول تان ديسي، رئيس لجنة الدفاع في حزب العمال البريطاني، لراديو تايمز إنه "من المخزي أن هؤلاء الأفغان الذين دعموا جيشنا بشجاعة أصبحوا الآن في خطر وقد يتعرضون لأعمال انتقامية أو اتهامات". وعبرت تايلور عن قلقها من أن الكثيرين ممن وردت أسماؤهم في قاعدة البيانات لا يزالون عالقين داخل أفغانستان أو في أوضاع غير مستقرة بدول الجوار مثل باكستان وإيران ، حيث جرى ترحيل بعضهم قسريا إلى وطنهم، ليواجهوا خطر الاغتيال أو الانتقام من طالبان، وفق مقال الكاتبة. ولفتت إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تُسرّب فيها بيانات حساسة لأفغان عملوا مع القوات الأجنبية، مؤكدة أن المشكلة أكبر من مجرد تسريب، بل هي نتاج انسحاب فوضوي من أفغانستان ترك من تعاونوا مع الغرب عرضة للخطر. وذكرت أن آلاف الأفغان لا يزالون يسلكون طرقا غير نظامية إلى المملكة المتحدة لأن كل سبل الوصول القانونية أُغلقت، واصفة ما حدث بأنه "خيانة أخرى" بحق من خدموا الغرب لسنوات.

فضيحة تهريب الأفغان.. حكومة بريطانيا تواصل تكتمها على عملية سرية للغاية.. و100 ألف شخص مهدد بالقتل!
فضيحة تهريب الأفغان.. حكومة بريطانيا تواصل تكتمها على عملية سرية للغاية.. و100 ألف شخص مهدد بالقتل!

روسيا اليوم

timeمنذ 7 أيام

  • سياسة
  • روسيا اليوم

فضيحة تهريب الأفغان.. حكومة بريطانيا تواصل تكتمها على عملية سرية للغاية.. و100 ألف شخص مهدد بالقتل!

وبعد حظر قضائي دام 23 شهرا، كشفت الصحيفة البريطانية كيف تمت الموافقة على عملية إجلاء سرية بتكلفة تقديرية بلغت 7 مليارات جنيه إسترليني، دون علم دافعي الضرائب أو أعضاء البرلمان، بعد تسريب بيانات عسكرية عرضت حياة أكثر من 100 ألف شخص لخطر القتل على يد حركة طالبان. وبدأت العملية، التي حملت الاسم الرمزي "عملية روبيفيك"، بعد فقدان الجيش البريطاني قاعدة بيانات تضم معلومات أفغان طلبوا اللجوء إلى المملكة المتحدة هربا من طالبان. وقد اعترفت الحكومة بأن التسريب وضع 100 ألف شخص "في خطر الموت"، كما كشف عن هويات مسؤولين بريطانيين كانوا مدرجين في القائمة. وفي أغسطس 2023، كشفت "ديلي ميل" عن خرق البيانات، لكن وزارة الدفاع البريطانية فرضت حظرا إعلاميا غير مسبوق عبر "قرار قضائي فائق" لمنع النشر. وخلال هذه الفترة، قامت الحكومة سرا بتنفيذ واحدة من أكبر عمليات الإجلاء في زمن السلم، حيث تم نقل آلاف الأفغان بطائرات حكومية غير مميزة إلى مطارات مثل ستانستيد و"بريز نورتون"، ثم تم إيواؤهم في مساكن تابعة لوزارة الدفاع أو فنادق ريثما يتم توفير سكن دائم. ووصل عدد الأفغان الذين تم إجلاؤهم حتى الآن إلى 18,500 شخص، بينما من المقرر نقل 23,900 آخرين. لكن الحكومة أوقفت البرنامج، تاركة أكثر من 70 ألف أفغاني في بلدهم دون دعم. ومن المفارقات أن المئات من الأفغان الذين تم إنقاذهم يخططون لمقاضاة الحكومة البريطانية بسبب تسريب بياناتهم، مما قد يكلف الخزانة العامة مليار جنيه إسترليني إضافية كتعويضات. وفي أكتوبر الماضي، وافقت الحكومة سرا على تخصيص 7 مليارات جنيه إسترليني لتمديد برنامج الإجلاء خمس سنوات أخرى، وفقا لمحاضر جلسات محكمة سرية. لكن وزير الدفاع جون هيلاي صرح أمس الثلاثاء أمام البرلمان بأن التكلفة الفعلية تتراوح بين 400 و850 مليون جنيه فقط، وأن عدد المشمولين بالإنقاذ بسبب خرق البيانات لا يتجاوز 6,900 شخص. وردا على ذلك، قال مسؤول بوزارة الدفاع إن هناك فرقا بين الأفغان الذين تم إجلاؤهم بسبب تسريب بياناتهم وأولئك المشمولين ببرامج إعادة توطين أخرى. وفي الوقت الذي قدم فيه هيلاي اعتذارا رسميا، بدأ الأفغان يتلقون رسائل من الحكومة تعترف بقلقهم إزاء التسريب. من جهته، قال المحامي عدنان مالك من شركة "بارينغز لو" في مانشستر، التي تمثل ألفا من المتضررين المستعدين لمقاضاة الحكومة، إن المعلومات الرسمية الجديدة تتعارض مع الأدلة المقدمة سابقا في المحكمة، داعيا إلى مزيد من الشفافية. كما وصف رئيس لجنة الدفاع في البرلمان، النائب العمالي تانمانجيت سينغ دهيسي، الوضع بأنه "فوضوي وغير مقبول"، ملمحا إلى ضرورة فتح تحقيق. وأمس الثلاثاء، ألغى القاضي تشامبرلين الحظر القضائي، لكن وزارة الدفاع فرضت حظرا جديدا يمنع نشر تفاصيل حساسة من قاعدة البيانات المتسربة، مما أثار تساؤلات جديدة حول مدى التزام الحكومة بالشفافية. المصدر: ديلي ميل أعادت المملكة المتحدة توطين آلاف الأشخاص في إطار مخطط سري، وذلك إثر تسريب بيانات شخصية لأفغان تعاونوا مع القوات البريطانية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store