أحدث الأخبار مع #حزب_البعث


اليوم السابع
منذ 3 أيام
- سياسة
- اليوم السابع
إيلي كوهين جاسوس في سوريا.. القصة الكاملة
منذ أكثر من 60 عامًا، استيقظت دمشق على مشهد إعدام "كامل أمين ثابت"، أبرز أعضاء حزب البعث السوري، لكنهم صُدِموا بكارثة أخرى، فـ"كامل أمين ثابت" كان كذبة، هذا الرجل هو ضابط مخابرات إسرائيلي يُدعى: " إيلي كوهين"، ورغم نجاح الجهات الأمنية في كشفه، لكنه تمكن من إيصال معلومات مهمة، ساعدت الجيش الإسرائيلي في حرب يونيو 1967 ، وفي السطور التالية، نستعرض القصة الكاملة ل إيلي كوهين. وُلِد إلياهو شاؤول كوهين، في الـ26 من ديسمبر عام 1924 في الإسكندرية، والمفاجأة أن عائلته هاجرت من سوريا إلى مصر، فوالديه شاؤول وصوفي كانا من أصول سورية، التحق إيلي بكلية الهندسة، لكنه لم يُكمل دراسته، إذ انضمَّ إلى منظمة الشباب اليهودي، وكان سببًا في هجرة العديد من الشباب إلى إسرائيل، وبعد 1948، سافر إخوته وأبويه إلى إسرائيل، وبقي هو في مصر، حتى أُلقي القبض عليه عام 1954، بتهمة تفجير مكاتب الاستعلامات الأمريكية، والتي عُرِفت فيما بعد بفضيحة لافون، نسبة إلى وزير الدفاع آنذاك بنحاس لافون. لكنه تمكن من إقناع السلطات المصرية ببراءته، فأُفرِج عنه ولحِق بأسرته في إسرائيل عام 1955، وانضمَّ للوحدة 131 في الموساد، وعاد إلى مصر بعد العدوان الثلاثي، لكن السلطات المصرية ألقت القبض عليه عام 1957، وتمكن من إقناع السلطات ببراءته مرة أخرى. لم يعد إيلي إلى الموساد، فعمِل في التجارة، ثم مترجمًا في وزارة الدفاع، لكنه استقال منها وعاد إلى الموساد، إذ كانت هناك وجهات نظر تدعو للاستفادة منه في الموساد، لكنهم غيروا وجهتهم من مصر إلى سوريا. في عام 1961، سافر إيلي إلى الأرجنتين، واختلط بالجالية السورية هناك، ومكنته أصوله السورية من اختلاق شخصية رجل الأعمال السوري الشاب، الذي عاش في الإسكندرية، ويحِنُّ للعودة إلى وطنه الأم، وفي عام 1962، سافر إيلي إلى سوريا، واستقر هناك باسم: "كامل أمين ثابت"، وبسبب علاقاته التي كونها في الأرجنتين وسوريا، تمكن من الوصول لمكانة اقتصادية وسياسية مرموقة، وبقي فيها 4 سنوات، حتى كُشِف أمره. يتناقل الكثيرون روايات اكتشاف حقيقة إيلي كوهين، فالبعض يشيع أن رفعت الجمال أو رأفت الهجان، هو مَن اكتشف حقيقته، والبعض الآخر يشيع أن سيارة الرصد السورية هي التي كشفته، هناك فئة أخرى تؤكد أن السفارة الهندية كانت سببًا في كشف أمره. في الحقيقة، لقد كان رفعت الجمال سببًا في إثارة الشكوك حول شخصية "كامل أمين ثابت"، وبسبب البحث تمكنوا من تعرفه، أما رواية سيارة الرصد الأمنية، والسفارة الهندية، فهما متقاربتان، إذ كشفت سيارة الرصد عن إشارات مجهولة المصدر، في إحدى البنايات السكنية في حي الرمانة، ثم أرسلت السفارة الهندية شكوى للجهات الأمنية بوجود تشويش على رسائلهم إلى الهند، ومن خلال البحث والتحرّي، تمكنت المخابرات السورية من تحديد الشقة، التي تصدر عنها إشارة الإرسال، وكانت المفاجأة عندما اكتشفوا أن صاحب الشقة، هو عضو حزب البعث البارز "كامل أمين ثابت"، وأسفر التفتيش عن العثور على أجهزة إرسال لاسلكية، وأُلقي القبض عليه في الـ12 من يناير عام 1965، وأسفر التحقيق عن اعترافه بكونه ضابط في الموساد، وفي الـ18 من مايو، أُعدِم إيلي كوهين، في ساحة المرجة في سوريا، وما زالت إسرائيل تطالب برفاته حتى اليوم.


الشرق الأوسط
منذ 7 أيام
- سياسة
- الشرق الأوسط
تجربة حزب
مع انهيار النظام السياسي في سوريا، انتهى تقريباً «حزب البعث» الذي حكم بلدين عربيين مدة تزيد على أربعين عاماً. تأسس حزب البعث العربي الاشتراكي في 1947، وشارك في الحكومة السورية منذ 1952، ثم انفرد بالحكم في 1963. كذلك الأمر في العراق منذ 1963 ثم انفرد بالسلطة في 1968 حتى الإطاحة به في 2003. هذه تجربة سياسية عريضة، لم يحظ بها حزب عربي آخر. مع ذلك فإن تأثيره الثقافي والسياسي في المجتمع العربي ضئيل، ونادراً ما لوحظ له وجود عميق أو مؤثر، خارج البلدان التي حكمها أو شارك في حكمها. حتى إنه بالكاد يذكر في العراق اليوم. ولم يكن السبب هو القمع أو عداوة الحكومات المحلية في مختلف الأقطار. فهذا ظاهر حتى في البلدان التي سمحت له بالعمل العلني، كما هو الحال في لبنان واليمن، حيث اقتصرت عضويته على مجموعة صغيرة، معظم أعضائها من كبار السن، رغم سخونة المشهد السياسي في البلدين. منذ سنوات طويلة، دار سؤال جدي حول التأثير المحتمل لممارسة السلطة، على كفاءة الحزب في التعامل مع التحولات الثقافية والاجتماعية، وانعكاسها على موقف الجمهور من أي حزب سياسي. وقرأت لأعضاء سابقين نقاشاً فحواه أن انفراد «البعث» بالحكم في سوريا والعراق، جعله رهينة للسياسات الجارية في البلدين، والتي لم تكن في غالب الأحيان مواتية أو مريحة لعامة الناس. عدا هذا، فثمة انطباع عام بين الباحثين، خلاصته أن مشاركة أي حزب في السلطة، سوف تحمله - بشكل شبه آلي - مسؤولية إخفاقاتها، بنفس القدر الذي تجعله يجني ثمار نجاحاتها. وأميل إلى الاعتقاد - بناء على مراقبة تجارب - أن تمتع الحزب بالسلطة المادية، قد عزز قناعة الأعضاء بعدم الحاجة إلى مراجعة مبانيه الفكرية أو مستهدفاته، رغم التحولات العميقة التي عرفها المجتمع العربي، خلال الحقبة الطويلة الفاصلة بين ظرف تأسيسه عقيب الحرب العالمية الثانية، ونهايات القرن العشرين. المراجعة تعني نقد الذات أو الإشارة إلى أخطاء فكرية أو عملية، وهذه تتطلب استعداداً لتحمل مسؤولية الخطأ. فأين تجد الشجاع الراغب في تقديم نفسه قرباناً للآخرين؟ تمحور الخطاب السياسي البعثي حول ثلاثة أهداف كبرى، وهي الوحدة العربية والحرية والاشتراكية. ونعلم أن الحزب لم يعمل بشكل جاد لتحقيق أي من هذه الأهداف. بل إنه أخفق حتى في إنشاء علاقة مودة بين دمشق وبغداد، خلال حكمه فيهما. وأخفق في احترام شعار الوحدة العربية في علاقته بمصر الناصرية، ثم في علاقة دمشق مع بيروت وعلاقة بغداد بالكويت. الشعار الثاني، أي الحرية، لم يكن أحسن حالاً، فالحزب لم يتردد أبداً في قمع معارضي قيادته، حتى لو كانوا من المناضلين والقادة المؤسسين، فضلاً عن غيرهم. وعلى أي حال فإن الضيق بالرأي المختلف سمة ظاهرة عند العرب والمسلمين، لذا لا نستبعد القول بأن الحزب كان مرآة للمجتمع الذي أنتجه. لا أظننا بحاجة للحديث عن الهدف الثالث للحزب، أي الاشتراكية، لأن كل ما عرفه العراق وسوريا من الاشتراكية هو هيمنة الدولة على مفاصل الإنتاج الوطني، وتحويل جانب من القوات المسلحة والعديد من الدوائر الرسمية إلى متاجر أو منصات تجارية، تنافس القطاع الخاص، وتستعين عليه بقوة الدولة. نعرف أن هذا التوجه قد ضيق مسارات الاستثمار المحلي، كما أغلق الباب أمام الاستثمار الأجنبي. وكانت النتيجة أن الاقتصاد في كلا البلدين بات هزيلاً ومعتمداً تماماً على النفقات الحكومية الجارية، رغم الدعاية الواسعة عن المصانع والمزارع الضخمة وغيرها. تجربة حزب البعث الطويلة، جديرة بأن تقرأ نقدياً، كي نتفادى الوقوع في أحلام مماثلة، لا نضمن نهاياتها. أستطيع التأكيد أن عودة «البعث» إلى السلطة احتمال مستحيل، لكن القراءة النقدية تعيننا على معرفة الطريق نفسه، بغض النظر عمن يحمل الاسم والشعار.


الرياض
١٣-٠٥-٢٠٢٥
- علوم
- الرياض
البحوث العلمية وامتلاك القوة
البحوث العلمية بحاجة إلى مقومات كثيرة من أهمها: الدعم والتشجيع من أعلى سلطة، والصرف عليها بسخاء وصبر، وتزويدها بالعلماء والباحثين، وتفريغهم للأبحاث وإجراء التجارب، والحرية والتعاون مع مراكز الأبحاث في الدول المتقدمة بعيداً عن قيود البيروقراطية، والانفتاح على القطاع الخاص، وجعل المنتج مدني الطابع ليسهل التعاون مع أهم مراكز الأبحاث في العالم.. يقول عالم الرياضيات الإيرلندي وليام هاميلتون وهو واحد من أعظم علماء القرن التاسع عشر: "ليس ثمة ما يرقّي العقل، أو يرفع الإنسان فوق زملائه من البشر أكثر من البحوث العلمية"، وهذا في رأيي ينطبق على الدول ورقيها وجودة الحياة فيها، وامتلاكها القوة بكل مقوماتها، فلا يوجد ما يزيد من قوة الأمم ويدعم اقتصادها، ويجعلها في المقدمة كاهتمامها بالتعليم والبحوث العلمية. تذكرت ذلك وأنا أرى العدو الصهيوني يصول ويجول في سماء العرب، وينتهك كل المحرمات الدولية. ولا أدل على ذلك ما يقوم به من عدوان على سورية ووحدتها، والتدخل في شؤونها الداخلية، والقصف بالطائرات في محيط القصر الجمهوري. وما يقوم به من تجويع وتدمير وتهجير للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة. ليس هذا فحسب، بل انفتحت شهية القوى الإقليمية الأخرى المحيطة بنا للتدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية، غير آبهة بحسن الجوار، أو ردود الأفعال. وما أصاب الدول العربية من ضعف له سببان رئيسان: الأول قرار جعل فلسطين وطناً لليهود، وما تبعه من مؤامرات الصهيونية العالمية، ومعها الغرب لإضعاف الدول العربية، وبالأخص الدول الكبيرة المجاورة لفلسطين.. أما السبب الثاني فمن أبنائه وما قاموا به من انقلابات عسكرية، وما ابتلي به من أحزاب قومية كحزب البعث والقوميين العرب والشيوعيين، والأحزاب المتأسلمة كحزب الإخوان المسلمين، وما أفرز من تنظيمات إرهابية، والأحزاب الشيعية وميليشياتها المسلحة. كل ذلك يدعونا إلى امتلاك القوة، والسعي إليها بهدوء ودون ضجيج، وكما هو في الحديث، وقيل إنه لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فكل ذي نعمة محسود". والبحوث العلمية هي الداعم للاقتصاد، وهي الأساس لقيام صناعة وطنية ناجحة، وهي السبيل إلى امتلاك القوة العسكرية، والاحتفاظ بأسرارها.. والبحوث العلمية لا تقتصر على التقنية، لكنها تمتد إلى العلوم الإنسانية والاجتماعية، وأفضل الحلول لكل التحديات الاجتماعية كالفقر والجريمة والمخدرات هي القيام بالدراسات الميدانية، والاستبانات المصممة علمياً لمعرفة الأسباب والحلول المناسبة.. ولا شيء كالحلول العلمية لحل المعضلات، حتى لو كانت أطول، وتكاليف تنفيذها أكثر. والبحوث العلمية بحاجة إلى مقومات كثيرة من أهمها: الدعم والتشجيع من أعلى سلطة، والصرف عليها بسخاء وصبر، وتزويدها بالعلماء والباحثين، وتفريغهم للأبحاث وإجراء التجارب، والحرية والتعاون مع مراكز الأبحاث في الدول المتقدمة بعيداً عن قيود البيروقراطية، والانفتاح على القطاع الخاص، وجعل المنتج مدني الطابع ليسهل التعاون مع أهم مراكز الأبحاث في العالم، كما يمكن استخدام نتائجه لاحقاً في مجالات الدفاع والحماية. وفيما يخص جلب الكفاءات العالمية فلا يوجد وقت أفضل من هذا الوقت، وبالأخص من الجامعات الأميركية، فقد أظهرت دراسة حسب ما ذكرت سوسن الأبطح في مقال لها في جريدة الشرق الأوسط، أن مجلة (نيتشر) أجرت دراسة اتضح منها أن 75 % من العلماء المستطلعين يفكرون في ترك الولايات المتحدة، ووجهتهم المفضلة هي كندا وألمانيا وأستراليا، وقد رحبت بهم أوروبا وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا، وخصصوا المزيد من المبالغ للأبحاث والتطوير، وأعلنوا عن الإغراءات للالتحاق بالجامعات الأوروبية ومراكز الأبحاث فيها. ما تخسره مراكز الأبحاث الأميركية سيؤثر على ترتيب جامعاتها بين الجامعات في العالم، وسيؤثر على تنافسيتها مع الصين التي انفتحت شهيتها لاستقطاب العلماء الصينيين، وطلبة الدكتوراه الذين بدؤوا الهجرة من أميركا مع بداية التنافس بين القوتين الكبيرتين، وبالأخص بعد اندلاع أزمة شركة هواوي الصينية في عام 2010. الصين تتقدم بسرعة مذهلة في مجال الأبحاث والتطوير وبالأخص في التقنيات الحديثة ومنها الذكاء الاصطناعي.. وذكر باحث فرنسي هو دافيد جايز أن أوروبا أصبحت خارج السباق مقارنة بالصين، التي وحسب دراسة حديثة أشارت إلى أن 37 من أصل 44 مجالاً تكنولوجياً دقيقاً تقدمت فيه الصين على أميركا. المملكة قوية بقيادتها الطموحة، وشعبها الوفي، ومكانتها الدينية، وما تملكه من ثروات، وموقع مميز، وستزداد قوة بتركيزها على البحوث العلمية، واستقطاب المزيد من الأساتذة والعلماء المميزين لجامعاتها ومراكز أبحاثها، وبالأخص من العلماء المسلمين الذين يعملون في أوروبا وأميركا، ولا أفضل من هذا الوقت لاستقطابهم، ومنحهم ما يستحقون من ميزات مالية ومعنوية.


الغد
٠٩-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الغد
الطائفية.. سلاح يهدد مساعي السوريين لبناء دولتهم
سورية- بعد 6 عقود من حكم حزب البعث، وهيمنة عائلة الأسد على السلطة في سورية، يتركز اهتمام السوريين على بناء دولة وطنية ديمقراطية، تتوفر فيها شروط الحياة الكريمة، على الرغم مما يواجهونه من تحديات، وواقع معيشي مثقل بالهموم والمصاعب. اضافة اعلان وحذر خبراء من أن الطريق إلى هذا الهدف ما يزال يواجه عوائق كثيرة، فبالإضافة إلى إرث الرئيس المخلوع بشار الأسد وتداعياته على بلد خرج لتوه من الجحيم، وما يزال يعاني من أزمة إنسانية متواصلة منذ 2011، تواجه سورية هجمة مضادة، تسعى من خلالها فلول النظام السابق إلى جانب قوى محلية وجهات خارجية إلى تقويض ما أنجزته الثورة، وصبغ المرحلة الانتقالية بصبغة طائفية، تمهيدا لإنشاء كيانات تخدم مصالحها وتوجهاتها. يوارى أحمد، خلفَ هدوئه، وهو يتحدث، أوجاع سنوات من القهر والعذاب، فقد فر مع عائلته إلى تركيا إثر تعرض أحياء مدينة حمص الثائرة وسط البلاد لقصف بري وجوي حوّلها إلى ركام. وبعد سقوط الأسد في 8 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، استفاد كغيره من السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة في تركيا، من تسهيلات قدمتها الحكومة التركية، سمحت لهم بزيارة مدنهم الأصلية، والاطمئنان على سلامة أوضاعها، قبل أن يقرروا العودة ومغادرة تركيا بشكل طوعي. وتحدث أحمد عما شاهده قائلا "رأيت منزلي مجرد أطلال، الحياة شبه معدومة داخل الحي بسبب الخراب، وعلى مشارف أحياء أخرى تتمركز قوات الأمن العام تراقب بحذر حركة السيارات دون إزعاج، بعد أن تعرض بعض عناصرها لكمائن محكمة من قبل فلول النظام السابق، أسفرت عن مقتل العشرات". وخلال الفترة التي قضاها، شنت تجمعات عسكرية لفلول النظام السابق في مدن مجاورة لمدينته هجمات مسلحة على عناصر الأمن العام ومقرات الحكومة، ما دعاه ليؤكد أن ما يجري لا يشكل تهديدا أمنيا فحسب، بل من شأنه تفكيك المجتمع، رغم هشاشة تماسكه متأثرا بإرث سياسة الأسد الطائفية. وكانت مدن الساحل السوري إلى جانب أحياء في حمص يقطنها علويون قد شهدت خلال الأشهر الثلاثة الماضية، اشتباكات وتوترات طائفية على إثر هجمات مسلحة شنها موالون للأسد على قوات الأمن العام أدت إلى مقتل المئات. وامتدت التوترات والصدامات مؤخرا إلى مناطق بريف دمشق تسيطر عليها مليشيات درزية إثر سجالات من التصريحات الطائفية، تخللها تدخل إسرائيلي. وبعد عقود من حكم الاستبداد، بات السوريون يأملون أن يشكل انهيار نظام الأسد فرصة ثمينة لتجسيد ما دعت إليه ثورتهم ضد النظام السابق، بالانتقال إلى دولة ديمقراطية، تضمن الحرية والكرامة للجميع، وتصون وحدة أراضيها. ويخشى كثيرون، بحسب منشورات على منصات التواصل الاجتماعي، من أن يفسد الحراك الطائفي والمناطقي عليهم فرحتهم بسقوط الأسد، أو يحبط ما تبقى لديهم من طموحات وآمال بمستقبل أفضل. وفي هذا الإطار، استبعد الخبير الحقوقي عبد الملك الأحدب أن تمتلك الحكومة المؤقتة حلا سحريا لمشكلات سورية الراهنة في ظل استمرار العقوبات التي فرضها الغرب على النظام السابق. وأشار الأحدب، إلى أن الطريق نحو المستقبل ليس ممهدا بالكامل، إذ تعترضه تحديات، منها: الوضع الحياتي، حيث يحتاج الاقتصاد إلى رافعة تمكن البلد من تلبية متطلبات نهوضه وإعادة إعماره، ومن ثم تهيئة الظروف لعودة ملايين اللاجئين. أزمة الأقليات، التي انحرف بعض من تصدروا لتمثيلها على خلفية انفصالية للاستقواء بدول أجنبية، من بينها إسرائيل. التحدي الخارجي، ويتصل بالعقوبات التي ما يزال الغرب يفرضها، ويربط رفعها بمطالب قد تمس سيادة الدولة. إلى جانب ما تشكله هجمات الاحتلال الاسرائيلي العسكرية، واستثمارها الجانب الطائفي من الأزمة الداخلية، من خطر يهدد الأمن القومي السوري. السرديات الطائفية تدعم الفلول وانتقد الأحدب السردية التي تروجها الأطراف المتضررة من سقوط الأسد، معتبرا أن "ما يتم تصويره كصراع طائفي أو مواجهة بين أغلبية سنية وأقليات المجتمع السوري، هو تضليل خطير، يراد منه توجيه رسالة للغرب مفادها أن الأقليات تتعرض لمذابح على يد الإسلاميين (النظام الجديد) وعلى المجتمع الدولي إنقاذها". ويتفق ما طرحه الخبير الأحدب، مع ما ذهب إليه الباحث في معهد دراسات الحرب، رايان كارتر، حيث أوضح في تقرير أن السرديات الطائفية التي تنشرها جهات مناهضة لحكومة أحمد الشرع، تدعم أهداف المتمردين. كما كشف كارتر وجود حسابات شعبية على مواقع التواصل الاجتماعي، بعضها باللغة الإنجليزية، تنشر محتوى يهدف إلى تأجيج هذا التوتر. ومن المرجح، بحسب رأيه أن يكون هدفها هو نزع الشرعية عن الحكومة لدى الجمهور الأجنبي، وتعزيز مشاعر الخوف والحرمان الكامنة لدى العلويين. إسرائيل في عمق المشهد ودفع سقوط النظام السابق المدوي دولة الاحتلال إلى العودة لسياسة كانت قد استخدمتها سابقا في العراق ولبنان، ترتكز في مبادئها على إضعاف خصومها، وشل قدراتهم، وتشجيع الأقليات على إنشاء كانتونات تخدم مصالحها. وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، نقلا عن مصادر لم تسمها، أن تل أبيب تعمل حاليا على إقناع القوى العالمية بدعم فكرة تبني الدولة الناشئة في سورية، نظاما اتحاديا، يضم مناطق عرقية مستقلة، مع جعل المناطق الحدودية الجنوبية منزوعة السلاح، معتبرة "سعي الإسلاميين لتوحيد سورية إنما يشكل تهديدا لها". "ارفعوا أيديكم عن سورية" من وجهة نظر الكاتب البريطاني، سيمون تيسدال، الذي يرى في تدخل القوى الأجنبية بالشأن السوري أمرا قد يعرض ثورة السوريين للخطر، بدأت سخرية المواقف الحالية تخطف الأنفاس. فالأصدقاء والجيران تكالبوا كالذئاب المفترسة، على جثة نظام البعث المخلوع، التي ما تزال تنتفض، وإذا لم يتم كبح جماحهم، كما يرى، فقد يمزقون سورية من جديد. وأوضح في مقال، نشرته صحيفة غارديان البريطانية، أن على القوى الأجنبية أن تدع سورية وشأنها، وترْكَ أمر مستقبل السوريين للسوريين. وأضاف "ليس للمجتمع الدولي الحق بإبداء رأيه بعد 13 عاما من الفشل في سورية، خصوصا أن "تدخلات الغرب الجبانة" أجّجت الحرب، وأمام القيادة الحالية العديد من المصاعب، من إعادة اللاجئين والتخلص من الألغام إلى إصلاح اقتصاد البلاد المتهالك والتعافي من السنوات السابقة. وتساءل تيسدال "كم سيكون من المنعش أن يثق العالم ولو لمرة واحدة فقط بشعب تحرَّر للتوّ، كي يرسم طريقه نحو العدالة والمصالحة وإعادة الإعمار بعيدا عن التدخل الخارجي؟".-(وكالات)


الجزيرة
٠٧-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الجزيرة
في رثاء "سايكس بيكو" والتعايش الهش
في البداية كان "الوطن" بحلول السادس عشر من مايو/ أيار، تُكمل اتفاقية سايكس بيكو عامها التاسع بعد المئة، تلك اللحظة الفارقة التي استفاق فيها سكان بلاد الشام والعراق ليكتشفوا أن مناطق "أ" و"ب" والحمراء، والزرقاء والسمراء، التي رسمها على عجل كلٌّ من مارك سايكس وجورج بيكو، تحوّلت إلى كيانات جديدة تُدعى: سوريا، العراق، فلسطين، شرق الأردن. مذ ذلك اليوم وحتى الآن، ابتداءً بسلطات الانتداب، مرورًا بحكومات الاستقلال، وصولًا لجنرالات الانقلابات، الذين تناوبوا جميعهم على إقناع شعوب هذه الكيانات بأن العالم بأسره يتآمر على "أوطانهم" وثرواتها وحدودها، وأن الدفاع عنها في مواجهة أطماع الشقيق قبل الغريب واجب مقدّس يستحق التضحية بالغالي قبل الرخيص.. تكيفت شعوب هذه المناطق بصورة من التعايش الذي ظل صامدًا لأكثر من مئة عام. لعل التوغّل الإسرائيلي في جنوب الليطاني اللبناني، وجبل الشيخ السوري، وقطاع غزة الفلسطيني، كان أول عبث حقيقي بحدود سايكس بيكو، تزامن مع فوضى مخاض الثورة الصناعية الرابعة، والنظام العالمي الجديد، وتخبط القطب الأميركي الذي كان الضامن لهذه الحدود، كمحور فيلادلفيا -أو صلاح الدين- الذي يفصل غزة عن مصر أمة عربية واحدة ذات حدود راسخة على مدى عقود، كانت حدود سايكس بيكو شماعة مثالية تُعلَّق عليها سلسلة الإخفاقات العربية، من النكبات إلى النكسات، مرورًا بمحاولات التوحّد الثنائية والثلاثية، التي كانت تنهار أمام أول اختبار حقيقي لتغيير الحدود المرسومة. وبالرغم أن الشعار ظل يصدح: "أمة عربية واحدة"، فإن الواقع كان يعكس انفصالًا صارخًا بين المبادئ والأفعال، لا سيما بين سدنة الفكر القومي، جناحي حزب البعث في العراق وسوريا. فبينما كانا يرفعان ذات الراية، اتسمت العلاقة بين النظامين بالتنافر والتنافس وتبادل الاتهامات، ومحل إقامة "الرفيق" ميشيل عفلق، مؤسس ومنظّر حزب البعث، وليقف النظام العراقي حارسًا على "البوابة الشرقية" للوطن العربي -عدا الكويت-، ويمنح النظام السوري جواز سفر مكتوبًا فيه: "يسمح للسوري السفر إلى كل بلدان العالم عدا العراق"! محور فيلادلفيا وتراث صلاح الدين بعد مرور مئة عام على سايكس بيكو، جاء صخب الربيع العربي ليقلق رقاد تلك "الحدود المصطنعة"، معلنًا بداية تشكل شرق أوسط جديد. ولعل التوغّل الإسرائيلي في جنوب الليطاني اللبناني، وجبل الشيخ السوري، وقطاع غزة الفلسطيني، كان أول عبث حقيقي بحدود سايكس بيكو، تزامن مع فوضى مخاض الثورة الصناعية الرابعة، والنظام العالمي الجديد، وتخبط القطب الأميركي الذي كان الضامن لهذه الحدود، كمحور فيلادلفيا -أو صلاح الدين- الذي يفصل غزة عن مصر. وبالتمعن بتراث "صلاح الدين"، القائد الذي نشأ في العراق وجمع جيشه في سوريا لتحرير فلسطين، فقد بات يحتاج الآن إلى معجزة لا ليحرر، بل فقط ليعبر هذه الدول التي تحوّلت حدودها إلى متاريس سياسية وأمنية، أما صلاح الدين -المحور- فقد تحول إلى حبل يُخنق به الشعب الفلسطيني، مقابل عربدة فائض القوة الإسرائيلية المدعوم بالتآمر العالمي، والمنقول على الهواء مباشرة في زمن طغى فيه الواقع التجزيئي والحروب الإلغائية على أي حلم حتى بالمحافظة على حدود سايكس بيكو. من الأهمية بمكان أن نعلم أن التحدي الأبرز لم يعد فقط في تجاوز الماضي، بل في الحفاظ على ما تبقى من استقرار، ومنع تحوّل الولاءات الطائفية والقومية إلى كيانات منفصلة وهشة، غير قادرة على البقاء، فضلًا عن الحياة لوحة الفسيفساء الوطنية والنعرات الطائفية في مفارقة تاريخية لافتة، تحوّلت الانتماءات العرقية والطائفية -التي حاول الانتداب قديمًا توظيفها لتقسيم المقسَّم وتفتيت الكيانات الحديثة إلى دويلات أصغر، ورفضتها شعوب المنطقة وقتَها- إلى القوى الوحيدة التي نجحت حاضرًا في تجاوز حدود سايكس بيكو؛ فـ"محور المقاومة" الشيعي و"كردستان الكبرى" الكردي يُعدّان أبرز مثالين على الانتماءات العابرة للحدود، إلا أن هذه المشاريع -رغم تمكّنها من خلق توازنات مرحلية جديدة- تبقى وظيفية ومحكومة بظروف سياسية متغيّرة، ومرتبطة بتحالفات إقليمية ودولية، تخضع في شرعيتها لما تسمح به القوى الكبرى تحت عباءة "سايكس بيكو". ضرورة التعايش والأسئلة الهامة منذ اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، مرورًا بالصراعات الطائفية والسياسية في العراق، وصولًا إلى المأساة السورية، لا يزال السؤال الجوهري يطرح نفسه بإلحاح: هل تستطيع شعوب هذه المنطقة أن تتعايش، رغم التنوّع العرقي والديني، وتباين الولاءات والانتماءات؟ وما هي الحدود التي يجب أن تزول لأنها وُضعت لتُفرّق وتزرع الانقسام، وتلك التي ينبغي أن تُحترم لأنها تحفظ التوازن وتضمن الحقوق؟ إعلان من الأهمية بمكان أن نعلم أن التحدي الأبرز لم يعد فقط في تجاوز الماضي، بل في الحفاظ على ما تبقى من استقرار، ومنع تحوّل الولاءات الطائفية والقومية إلى كيانات منفصلة وهشة، غير قادرة على البقاء، فضلًا عن الحياة. وذلك يتطلب إعادة صياغة عقد اجتماعي جديد، قائم على العدالة والمشاركة، يحفظ كرامة الفرد، ويكرّس احترام التعددية، ويحوّل المصالح المشتركة إلى أساس للتفاهم لا للتناحر. في ظل الفوضى العالمية الراهنة، لم يعد التعايش خيارًا، بل ضرورة وجودية تفرضها الحاجة إلى البقاء المشترك ضمن حدود قابلة للحياة، لا للتفكك.