logo
#

أحدث الأخبار مع #داربنغوين

بايدن... أو الخطيئة الأصلية التي أعادت ترمب
بايدن... أو الخطيئة الأصلية التي أعادت ترمب

Independent عربية

timeمنذ 4 أيام

  • سياسة
  • Independent عربية

بايدن... أو الخطيئة الأصلية التي أعادت ترمب

لعل أشخاصاً من عوام الناس في أوروبا والصين والشرق الأوسط وكندا وأميركا اللاتينية وأوكرانيا، ويمكن أن تتسع القائمة لمناطق لا أعلم بها، يلومون الشعب الأميركي على الرئيس الذي اختاروه لأنفسهم – ولغيرهم - في انتخاباتهم الرئاسية الأخيرة. والمؤكد أن رؤساء دول ووزراء خارجية وتجارة وصناعة ومسؤولي استخبارات ودفاع وجمارك في هذه المناطق وغيرها يتجاوزون اللوم إلى ما هو أشد منه وأنكى، فهؤلاء يجدون أنفسهم في حيرة لعلهم لم يعرفوا مثلها إزاء رئيس لأهم دولة في العالم لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، ولا يمكن التخطيط لشيء بناءً على تصريحاته. غير أن اللوم، وما هو أشد منه، قد يستحق أن ينحصر لا في الشعب الأميركي كله، أو نصفه، وإنما يمكن أن ينصب على فريق الرئيس السابق جو بايدن، أو أسرته، أو يضيق حتى لا ينصب إلا على جو بايدن وحده. ففي نهاية المطاف، كان قرار بايدن "الكارثي"، على حد وصف كتاب حديث الصدور، بالترشح للرئاسة مرة ثانية دفعة كبيرة لدونالد ترمب إلى البيت الأبيض. خطيئة بايدن الأصلية صدر الكتاب المعني قبل أيام بعنوان رئيس صادم هو "الخطيئة الأصلية"، وبعنوان فرعي يفصل طبيعة الخطيئة المقصودة "اعتلال الرئيس بايدن، والتستر عليه، وقراره الكارثي بالترشح مرة أخرى". عن دار "بنغوين" في 330 صفحة، وهو من تأليف جيك تابر المذيع في قناة "سي أن أن"، وألكس طومسن الصحافي في "أكسيوس". تكتب جينيفر سالاي مستهلة استعراضها للكتاب ["نيويورك تايمز"، الـ13 من مايو (أيار) 2025] بقولها إن الخطيئة الأصلية في اللاهوت المسيحي هي أكل آدم وحواء الثمرة المحرمة من شجرة المعرفة. أما كتاب "الخطيئة الأصلية" فيؤرخ لسقوط مختلف من فردوس مختلف، ولا يخلو من دلالة أن على غلاف الكتاب صورة لبايدن، إذ يغطي كلتا عينيه بيديه. وإذا كان موضوع "القصة الإنجيلية هو خطر الفضول البريء، فإن موضوع قصة هذا الكتاب هو الجهل العمدي". أجرى تابر وطومسن حوارات مع قرابة 200 شخص، منهم المسؤولون رفيعو المستوى المقربون من بايدن، وبعض هؤلاء كما يقول المؤلفان "قد لا يعترفون مطلقاً بأنهم تكلموا معنا، لكنهم جميعاً يعلمون أن ما في صفحات هذا الكتاب حقائق". وقد أثمرت هذه الحوارات -بحسب سالاي - سرداً تفصيلياً لما فعله المقربون من "الرئيس العنيد الطاعن في السن" لتمكينه من ترشيح نفسه لولاية ثانية. يتتبع المؤلفان طوفان الأخطاء الذي نجم عن خطيئة بايدن الأصلية هذه، من تهميش نائبة الرئيس كمالا هاريس، والهجمات على الصحافيين الذين أشاروا إلى إرهاق بايدن الواضح وحاله العقلية (ومنهم طومسن)، وانقطاع التواصل بوضوح بين الشعب الأميركي ورئيسه، حتى بات الشعب في مهب الريح. لقد "كان الأمر شنيعاً"، بحسب ما قال أحد المصادر للكاتبين، مضيفاً أن الانتخابات "سرقت من الحزب الديمقراطي، ومن الشعب الأميركي، بفعل مخطط استراتيجي ديمقراطي بارز كان يدافع عن صحة بايدن علناً"، ولعل المعني هنا هو مايك دونيلون. لم يكن ذلك الدفاع عن حال بايدن الصحية إلا كذباً، إذ يبدأ ألكس شيفرد، رئيس تحرير مجلة "نيو ريببليك"، استعراضه للكتاب ["نيويورك تايمز"، الـ14 من مايو 2025] بقصة رواها الإعلامي الأميركي جون فافرو عن زيارتين قام بهما إلى البيت الأبيض، أولاهما في ديسمبر (كانون الأول) 2022، والثانية في 2024، وفي كلتيهما التقى الرئيس بايدن، فبدا له متقد الذهن والذاكرة في الأولى، مفكك الجمل معتل الصحة يروي حكايات لا يستطيع أحد فهمها في الثانية، فلما شعر فافرو بالقلق وسأل أحد موظفي البيت الأبيض الكبار عن الأمر، بدد المسؤول مخاوفه قائلاً إن الرئيس مرهق لا أكثر. وبعد شهرين من تلك الواقعة "قدم بايدن أسوأ أداء خلال 60 عاماً من المناظرات الرئاسية المتلفزة، مسدداً ضربة قاصمة لحملته الانتخابية، ومدمراً رئاسته نفسها، ومسلماً البلد عملياً لدونالد ترمب". تستعيد جينيفر سالاي ذكرى تلك المناظرة الكارثية، فتقول إن "الناخبين الديمقراطيين تابعوا المناظرة الرئاسية الأولى - في مساء الـ27 من يونيو (حزيران) الماضي - في دهشة وفزع، إذ أطلق دونالد ترمب بوجهه الأحمر وابلاً من الأكاذيب الصفيقة، بينما كان بايدن الشاحب متهدل الفك يجاهد من أجل تكوين ردود واضحة". جاء أداء ترمب في المناظرة متماشياً مع أدائه في فعالياته الانتخابية، فلم يزد عن مزيج من الاستطرادات العبثية والمزاعم الجامحة. أما ضعف بايدن فكان صادماً لكثير من الأميركيين. وفي ذلك الوقت، كان ظهور الرئيس العلني أصبح مسألة تخضع لسيطرة مشددة. فكان مساعدو بايدن منذ عام ونصف العام في الأقل يبذلون جهداً مضنياً من أجل مراعاة وضع رئيس تجاوز الـ80 وبات متزايد الإنهاء والارتباك. وبحسب كتاب "الخطيئة الأصلية" الذي يجاهر باستعمال كلمة "التستر" في عنوانه الفرعي، فقد كان المتبرعون للحملة والسياسيون يسعون في قلق إلى معرفة حقيقة وضع بايدن الذهني الذي تم إخفاؤه عنهم تماماً. وكان آخرون يرون أدلة يومية على اعتلال بايدن ولكنهم لم يرغبوا في تصديقها. هرم وأناني ومعزول يصف ألكس شيفرد كتاب "الخطيئة الأصلية" بأنه سرد لقصة "رئيس هرم، أناني، معزول عن الواقع بفعل زمرة من الموالين، وبفعل أفراد من عائلته، فقد اجتمع هؤلاء وأولئك على شعور بالإنكار والعزم على تشويه سُمعة أي شخص يتجاسر على التشكيك في أهلية الرئيس لتولي منصبه أو يعد اعتلاله الصحي تهديداً للجمهورية، فلا يتورعون عن اتهام من يقول ذلك بأنه يعمل سراً لمصلحة ترمب وبالنيابة عنه. وعلى مدار سنين ظل هؤلاء ينكرون معاناة الرئيس من أية مشكلات، وينأون به عن الشعب الذي انتهى إلى أن الرئيس شاخ فلم يعد أهلاً لوظيفته. ونجح نهج التستر هذا لفترة طويلة طولاً مذهلاً، ثم حدث فجأة أن فشل". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) يورد كتاب "الخطيئة الأصلية" طائفة كبيرة من أسباب التصريحات العلنية الإيجابية بخصوص الرئيس، منها أن بعض الديمقراطيين، وبخاصة من كانوا لا يرون الرئيس كثيراً، اعتمدوا على مساعديه في الاطمئنان عليه (وكان يقال لهم مراراً إنه بخير)، وأن آخرين كانوا يخشون من إمداد حملة ترمب بالذخيرة ويحذرون من تمثيله خطراً وجودياً على البلد. غير أن تابر وطومسن يبديان ازدراء كبيراً لهذا المنطق، فـ"الذين حاولوا تبرير تسترهم بالخوف من خطر تولي ترمب مرة ثانية، كان ينبغي أن يفيقوا بفعل هذه المخاوف ويروا الواقع، بدلاً من أن ينصرفوا عنه". في الـ23 من أبريل (نيسان) 2023 أعلن بايدن أنه سيترشح مرة ثانية للانتخابات، وكان قد بلغ الـ80 في نوفمبر (تشرين الثاني) السابق، وبات بالفعل أكبر الرؤساء الأميركيين سناً في التاريخ. وكان على مدار عمره الطويل قد شهد كثيراً من الصدمات، من قبيل وفاة زوجته وابنته في حادثة سيارة عام 1972، وخضوعه لجراحتين لتمدد الأوعية الدموية عام 1988، ووفاة ابنه عام 2015، وما تسبب فيه ابنه الآخر المدمن المتعافي هانتر من متاعب لا تنتهي من بينها تحقيق وزارة العدل معه، ولكن بايدن كان دائماً يعاود النهوض. وكان تحديه للرافضين وانتصاره على احتمالات فوزه الضعيفة بانتخابات 2020 علامة - بالنسبة إليه ودائرته المقربة من الأهل والمستشارين - على أنه شخص استثنائي غير مقدر حق قدره. وبقي هؤلاء - بحسب ما يرد في الكتاب – "على إيمانهم شبه الديني بقدرة بايدن على النهوض من جديد. وشأن كل دين، لم يكن مسموحاً بأي شك". يكتب شيفرد أن "أكبر فضائل كتاب (الخطيئة الأصلية) الكثيرة يتمثل في اقتصار تركيزه على صحة بايدن، لا باعتبارها أهم عامل في انتخابات 2024، وإنما باعتبارها السبب الوحيد الحاسم لفوز ترمب. فقد كانت الخطيئة الأصلية في انتخابات 2024 هي قرار بايدن الترشح لفترة رئاسية ثانية، بحسب ما كتب المؤلفان، وما أعقبها من جهود حثيثة لإخفاء تدهور بايدن الذهني". يتتبع المؤلفان طوفان الأخطاء الذي نجم عن خطيئة بايدن الأصلية هذه (مواقع التواصل)​​​​​​​ يطرح الكاتبان ثلاثة أسئلة "إلى أي مدى بلغ تدهور بايدن الصحي؟ ومن الذي كان على علم به؟ وهل انطوى الأمر على مؤامرة؟ وللإجابة عن هذه الأسئلة، سنترك الحقائق تتحدث بنفسها". مع تفاقم تدهور الرئيس، تغيرت طبيعة رئاسته تماماً بحسب ما قال أحد المساعدين للمؤلفين اللذين يكتبان أن "كل شيء بات أقصر، الخطب أقصر، والفقرات، وحتى الجمل. المفردات نفسها تقلصت". مع ذلك لم يواجه أحد الرئيس قط بأدلة على أنه يترنح أو أن الشعب حسم أمره فيه وبات يراه غير صالح للرئاسة. تكتب جينيفر سالاي عن تفاقم التدهور الذي طرأ على صحة الرئيس بين ترشحه الأول عام 2019 حينما كان "بايدن الصالح هو الأكثر حضوراً من بايدن الهرم"، وبين عام 2023 حينما انعكست الآية كما يرى الكاتبان. ولكن "كان من الصعب التفرقة بين بعض مظاهر تدهوره وبعض ما يعرف بـ(البايدنية)، أي السمت الذي اشتهر به طويلاً وقوامه زلات اللسان، والحكايات المتعرجة، وعادة نسيان أسماء مساعديه". تكتب جينيفر سالاي أن وقع الصدمة كان أشد على الذين كانوا لا يرون بايدن يومياً، "إذ أصابهم الذهول حينما وقعت أعينهم عليه أخيراً. وتكلموا عن صوته المدوي القديم الذي بات همساً، وعن خُطاه الواثقة وقد باتت زحفاً، حتى إن عضواً في الكونغرس تذكر والده الذي أصيب بألزهايمر، ومات بمرض باركنسون". رؤوسهم في الرمال كان من جملة الحيل التي اتبعها المقربون من بايدن لإخفاء تدهوره - بحسب جينيفر سالاي - حصر الأعمال العاجلة في ما بين العاشرة صباحاً والرابعة عصراً، وتوجيه كتاب خطبه إلى إيجازها بحيث لا يضطر إلى قضاء وقت كبير واقفاً، وحمله على استعمال السلم القصير لصعود الطائرة الرئاسية، وتوجيه الفنيين عند التصوير التلفزيوني إلى التصوير في بعض الأحيان بتقنية الحركة البطيئة لتقليل وضوح مدى بطئه في السير، ثم تأخير برنامج عمله - بحلول أواخر عام 2023 - إلى منتصف اليوم. وتستشهد سالاي بكتاب آخر وشيك الصدور، اشترك في تأليفه ثلاثة صحافيين من "وول ستريت جورنال" و"نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" وعنوانه "2024: كيف استعاد ترمب البيت الأبيض وفقد الديمقراطيون أميركا"، فتنقل عن هذا الكتاب أنه "في وقت لم يكن فيه مساعدو البيت الأبيض ينشغلون بهذه الإدارة المسرحية، كانوا يدفنون رؤوسهم في الرمال، إذ قرر مساعدو بايدن عدم إخضاعه لاختبار عقلي في مطلع 2024. ونقل مؤلفا (الخطيئة الأصلية) عن طبيب عمل مستشاراً للوحدة الطبية بالبيت الأبيض خلال الإدارات الأربع الأخيرة أنه مستاء من حجب هذه المعلومات قائلاً إنه إذا لم يتوافر التشخيص، فما من شيء يمكن الكشف عنه". ثمة أدلة وافرة على أن تدهور بايدن الذهني بدأ فعلاً في 2015 لا عام 2023 (غلاف الكتاب- أمازون) ولكن، هل كان كل ذلك "التستر" مؤامرة؟ بل هل يصح وصف تلك المحاولات بـ"التستر"؟ تقول سالاي إنه ليس من الواضح كم من هذا كله كان تفكيراً يائساً، وكم منه كان تدبيراً مقصوداً، "لكن تابر وطومسن يشيران إلى مجموعتين أساسيتين من المقربين لبايدن: واحدة تتألف من أسرته، وأخرى من مساعدين مقربين يطلق عليهم الكتاب مصطلح (المكتب السياسي)، وتضمنت هذه المجموعة مخططه الاستراتيجي العتيد مايك دونيلون ومستشاره ستيف ريتشيتي. كانت الأسرة تشجع رؤية بايدن باعتباره شخصية تاريخية. وكان أعضاء المكتب السياسي يرون إبراز سجل بايدن في الحكم وكفاءة المحيطين به. أما مسألة الغفوات، والهمس، والزحف، وكل ما يماثل ذلك فلا يعدو في رأيهم جوانب (أدائية) من الوظيفة". يختلف تابر وطومسن مع ذلك اختلافاً تاماً، ويعرضان صورة كريمة لروبرت هور المحقق الخاص في تعامل بايدن مع مواد سرية، والذي قال في تقريره في فبراير (شباط) 2024 إن بايدن "رجل مسن، طيب، حسن النية، ضعيف الذاكرة". واشتهر قوله هذا، فاستشاط بايدن وفريقه غضباً، وحاولوا تشويه هور ووصفه بالمتشدد اليميني العديم الاحترافية، لكن مؤلفي "الخطيئة الأصلية" دافعا عنه وعن قوله الشهير. وأكدا أن واجبه ألزمه بالتصريح بما انتهى إليه، وأن ما كتبه هور عن بايدن كان حقيقياً. في وقت سابق من الشهر الجاري، وفي ما يبدو أنه كان محاولة لاستباق نشر كتاب "الخطيئة الأصلية"، ظهر جو بايدن في برنامج "ذي فيو" على قناة "أي بي سي" ليقول إنه يقبل بتحمله بعض المسؤولية عن فوز ترمب، فقد قال "كنت مسؤولاً"، لكنه رفض ما يتردد عن معاناته من أي تراجع ذهني، غير أن كاتبي "الخطيئة الأصلية" يصفان بايدن "إذ استيقظ في الصباح التالي لانتخابات 2024، وهو يفكر في أنه لو كان بقي في السباق لكان فاز، بأنه "ظل يقول المرة تلو الأخرى إن هذا ما كانت تشير إليه استطلاعات الرأي. ولم يكن في ذلك التفكير إلا مشكلة واحدة، هي أن الجهات المسؤولة عن إجراء استطلاعات الرأي قالت إنه لا وجود لاستطلاعات كهذه". يتناول شيفرد أيضاً فكرة "المؤامرة" في التستر على حال الرئيس المتدهورة صحياً وذهنياً، فيقول إنه قد تكون هناك مؤامرة، لكنها مؤامرة فاشلة، فالناخبون الأميركيون انتهوا مبكراً إلى عدم صلاحية بايدن لمنصبه بسبب شيخوخته. وفي كتاب "الخطيئة الأصلية" أدلة وافرة على أن تدهور بايدن الذهني بدأ فعلاً في 2015 لا عام 2023. فالقول الأكثر إزعاجاً في كتاب تابر وطومسن هو أن خطيئة بايدن الأصلية لم تتمثل في قراره بالترشح للفترة الرئاسية الثانية، وإنما في قراره بالترشح للفترة الأولى. العنوان: ORIGINAL SIN: President Biden's Decline, Its Cover-Up, and His Disastrous Choice to Run Again تأليف: Jake Tapper - Alex Thompson الناشر: Penguin

"ما بعد غزة"... حيرة عظيمة من انهيار أخلاقي شامل
"ما بعد غزة"... حيرة عظيمة من انهيار أخلاقي شامل

Independent عربية

time١٧-٠٢-٢٠٢٥

  • سياسة
  • Independent عربية

"ما بعد غزة"... حيرة عظيمة من انهيار أخلاقي شامل

لو اكتمل للرئيس الأميركي دونالد ترمب ما يدعو إليه فقد يتحتم تغيير عنوان الكتاب الأحدث للكاتب الهندي بانكاج ميشرا من "العالم بعد غزة" إلى "العالم بغير غزة" أو "العالم ذي الريفييرا الشرق أوسطية" أو "العالم وقد مات ضميره"، إذ صدر الكتاب أخيراً في 300 صفحة عن "دار بنغوين" وقوبل على الفور باهتمام كبير. نشأ الكاتب والروائي بانكاج ميشرا خلال سبعينيات القرن الماضي في أسرة من القوميين الهندوس تكن إعجاباً عظيماً لإسرائيل على رغم مناصرة الزعماء الهنود للقضية الفلسطينية، ومن خلال جدّه تشرب بانكاج في صباه قصص بطولات الحركة الصهيونية في إقامة دولة إسرائيل لتكون ملاذاً آمناً لليهود في عالم يعاديهم وجيشاً يضرب أعداءهم، فوصل إعجاب الشاب ميشرا بإسرائيل حد أنه كان يعلق في غرفة نومه صورة لوزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان. غير أننا نصادف ميشرا الآن في حوار مع موقع "الديمقراطية الآن" يعلق على اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس" بنبرة تتنافر تماماً مع ما نشأ عليه، "أعتقد أن وقف إطلاق النار في غاية الهشاشة بسبب إعلان ترمب خططه لتطهير غزة عرقياً، فقد تضاءل في اعتقادي حافز 'حماس' وغيرها من الجماعات المسلحة للثبات على الاتفاق، كما أننا نعلم أن النظام اليميني المتطرف في إسرائيل يقر تماماً خطة ترمب ويتلهف لبدئها، فلا أعتقد أننا ينبغي أن نندهش إذا ما انهار الاتفاق بأسرع مما نتوقع الآن". وليست هذه بالنبرة المنتظرة من مناصر للدولة الإسرائيلية، فلقد تغير ميشرا مع مرور السنين وعدل عن الإعجاب إلى الانتقاد الشديد لإسرائيل ولكل ما ومن يناصرها، ويوضح دافعه إلى تأليف كتاب "العالم بعد غزة" فيقول "أعتقد أن الدافع الأساس هو أن أنهي هذه الوحدة الرهيبة التي شعرت بها شأن كثير من الناس، أعني حال الخواء الناجمة عن حقيقة أن الأقوياء من الساسة في البلاد الديمقراطية والصحافيين والمثقفين إما صمتوا عما يحدث في غزة من إبادة جماعية أو دعموها دعماً شديداً، فأرغم ذلك كثيرين على إعادة النظر لا في سرديات تاريخ الشرق الأوسط أو التاريخ الإسرائيلي أو التاريخ الفلسطيني وحسب، وإنما في التاريخ الأوسع للتفوق الغربي وحركة إنهاء الاستعمار، كما شهدنا انقساما عالمياً هائلاً في المواقف حيال الأعمال الوحشية في غزة، فكانت جنوب أفريقيا هي الرائدة في رفع دعوى قضائية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، ونرى الآن عقاب ترمب وماسك الشديد لها لاجترائها على ذلك". ويضيف ميشرا "رأينا أيضاً فزع الرأي العام في معظم العالم من فداحة الرد الإسرائيلي وعدم تناسبه مع الفعل نفسه، ورأينا الرأي العام يطرح أسئلة عن الديمقراطيات الغربية نفسها من قبيل: ما الذي حدث هنا؟ ولماذا تدعمون هذه المجزرة اللانهائية لآلاف البشر؟ أعتقد أنني وجدت نفسي في موقف كثير من المتحيرين في الرد الإسرائيلي على السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وكان لدي في الأقل خيار أن أحول ألمي وحيرتي إلى محاولة للفهم من خلال الكتابة، لكن الواقعة تبقى محيرة ونحن الآن في طريقنا إلى الجزء الأكثر احتداماً فيها". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ويكتب بن هوبارد مستعرضا ًالكتاب "نيويورك تايمز - 9 فبراير (شباط) 2025" فيقول إن القوميين الهندوس من حول ميشرا كانوا ينظرون إلى نجاحات دولة إسرائيل فتتعاظم في أعينهم إخفاقات الهند، وفي ذلك يكتب ميشرا أن "القومية الهندوسية بدت بالمقارنة مع إسرائيل أشبه بمأساة، إذ حرمها الانفصاليون المسلمون من دولة موحدة بعد أن سمح تراخي غاندي ونهرو بتقسيم كارثي للهند عام 1947". ويضيف بن هوبارد "كانت قراءة الأدب هي التي ساقت ميشرا إلى تجاوز دروس أسرته، فبقراءة منتقدي القومية من أمثال رابندرانت طاغور والكاتب الصهيوني آحاد هاعام، ضاق بما يعده الآن نموذجاً للهيمنة العرقية في الهند وإسرائيل، وتغيرت قناعاته أكثر عندما زار الضفة الغربية عام 2008 وشهد بنفسه المعاناة الفلسطينية في ظل سيطرة الجيش الإسرائيلي، وكتب أنه شعر بالانزعاج لأن "من يضطهدونهم الآن هم ضحايا الغرب السابقين، وأنه شعر بنبرات عرقية عميقة كان لها أثر فيه بوصفه منتمياً إلى بلد له تجربة سابقة مع الاستعمار، فرأى ميشرا أن الفلسطينيين يشبهونه وأنهم 'يعيشون كابوساً بات بالنسبة إلي ولأسلافي في ذمة الماضي' فرجع إلى وطنه بإحساس من أفاق بعد غفلة". ويكتب ميشرا عن زيارته إلى الضفة الغربية التي أسهمت كثيراً في تغيير قناعاته تجاه إسرائيل فيقول "ما كان لشيء أن يهيئني لوحشية ووضاعة الاحتلال الإسرائيلي والجدار الملتوي وحواجز الطرق العديدة وكل ما يعذب الفلسطينيين في أرضهم، والشبكة الحصرية العنصرية من الطرق الممهدة اللامعة وشبكات الكهرباء وأنظمة المياه التي تربط المستوطنات اليهودية غير الشرعية بإسرائيل". ويكتب بن هوبارد أن "الكتاب يستكشف خيوط التاريخ والذاكرة والهوية والسياسة المتشابكة، ساعياً إلى إلقاء الضوء على دلالة الحرب بين إسرائيل و'حماس'، وعلى رغم أن تفكيره في إسرائيل قد تغير فقد بقي رأيه ثابتاً في أن العنف في الشرق الأوسط يتعلق بما هو أكثر من قتال طائفي محدد في جزء من الكوكب بإرث حروب كبرى، وبانهيار الـ 'كولونيالية' وظلال الـ 'هولوكوست' وظل دائماً مثقلاً بصراعات أخرى تمثل مرايا له، وكلما تعمق ميشرا في بحثه ازدادت تأملاته تنوعاً". وفي حين يسيطر الإحساس بالغضب على الكتاب الذي ألفه ميشرا قبل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار الراهن بين إسرائيل و"حماس"، "فما كان لهذا الاتفاق أن يخفف حدة الانتقاد الذي يكيله للحكومة الإسرائيلية والولايات المتحدة التي ينتقد إمدادها إسرائيل بالسلاح الذي دمر حياة المدنيين"، ويكتب هوبارد أن الكتاب أكثر من محض سيرة لميشرا أو استعراض لتطوره الشخصي، فهو يكتب في المقدمة عن الأثر الكبير لأحداث السابع من أكتوبر 2023 وما تلاها من حرب، محدداً غاية إضافية للكتاب في " شعرت أني شبه مرغم على تأليف هذا الكتاب، لأخفف حيرتي وإحباطي من هذا الانهيار الأخلاقي الشامل". وأضاف في ما ينقل عنه هوبارد أنه أراد لكتابه أن يكون دعوة إلى "التضامن بين البشر" بما يتجاوز الانقسامات العنصرية والعرقية، لكن الكتاب أيضاً "اتهام غاضب ورصين لدور الغرب في إنشاء إسرائيل وكل ما نجم عنه". ولكي يحقق ميشرا غايته الطموحة بأن يكون كتابه عودة للتضامن بين البشر تتجاوز الاختلافات العرقية والعنصرية، فإنه يتسلح، بحسب ما يكتب هوبارد، بقائمة ببليوغرافية واسعة النطاق، وبخاصة في ما يتعلق بحقائق الـ "هولوكوست" قبل أن "تشوهها هوليوود فتتحول إلى أداة للمدافعين عن إسرائيل يصدون بها أي نقد". ويستقوي ميشرا أيضاً باقتباسات من عدد كبير من الناجين من الـ "هولوكوست" والمؤرخين والمثقفين الإسرائيليين والفلسطينيين والكُتاب الأفرو- أميركيين، بل وتمتد قائمته لتشمل وودي آلن، "ويبدو أن الهدف من ذلك هو أن يفاجئ القراء بانتقادات لإسرائيل من مصادر غير متوقعة، عسى أن يكون ذلك سبيلاً إلى أن يتقبلوا سبلاً أخرى لفهم التاريخ". يكتب رئيس قسم الأخبار الدولية السابق في "صحيفة غارديان" البريطانية تشارلي إنغليش مستعرضاً الكتاب (غارديان - 8 فبراير 2025) فيقول إن "شرور الـ 'كولونيالية' الغربية هي أساس تحليل ميشرا الذي يؤكد أن جميع القوى الغربية عملت متآزرة من أجل دعم نظام عنصري عالمي بات الطبيعي فيه تماماً للآسيويين والأفارقة أن يتعرضوا للإبادة والإرهاب والسجن والنبذ، بل إن النازية في رأيه لم تكن إلا امتداداً للـ 'كولونيالية' استوردها هتلر إلى أوروبا، وما كانت الـ 'هولوكوست' إلا تدفقا طبيعياً لإبادات أخرى اقترفها البيض في حق شعوب بأنحاء العالم". وفي حواره مع موقع "الديمقراطية الآن" يقول ميشرا "إنني أعتقد أنه من المهم بحق ألا نقتصر على التفكير في الماضي أو التاريخ، أي التاريخ الأوسع لما يجري اليوم في غزة، فعلينا أن نفكر أيضاً في الحاضر، وهذا أيضاً بعض مما أتناوله في الكتاب، فهل غزة تشير إلى شيء أكبر من محض الحلقة الأحدث في حلقات صراع قديم في الشرق الأوسط؟ وهل هي نذير بوصول أنظمة حكم عنصرية عرقية يمينية متطرفة إلى السلطة في أرجاء العالم الغربي؟ إنني أقول في الكتاب إننا نشهد انهياراً أخلاقياً وسياسياً بل أقول إنه أيضاً انهيار فكري، وانهيار أكبر وأشمل مما سبق أن عرفنا على مدى أعمارنا بلا أدنى شك". ويضيف "العالم منذ القرن الـ 19 يقوم على نظام واضح العنصرية من الإمبريالية والرأسمالية، وأعتقد أن بعض أفضل الناس في آسيا وأفريقيا قد قاوموا هذا النظام العالمي وانتصروا في نهاية المطاف، وبدءاً من منتصف القرن الـ 20 أقاموا الدول القومية التي نجدها الآن في أرجاء آسيا وأفريقيا والتي باتت سياسياً واقتصادياً وجيو-سياسياً أشد رسوخاً، فضلاً عن ثورة عقلية أراها قائمة ومستمرة منذ عقود عدة، لكن من أغرب الأمور على الإطلاق أننا نرى الولايات المتحدة ترجع للوراء، وهذا جزء من التفكك الأميركي الكبير، إذ ترجع إلى نظام القرن الـ19 والإمبريالية الجشعة الحريصة على الاستيلاء على الأرض"، كما نرى في طرح الاستيلاء على غزة حين قال دونالد ترمب حرفياً "سنأخذ غزة ولن يكون علينا أن نشتريها، فما من شيء يشترى، سنأخذ غزة" وحينما يسأله صحافي عما يعنيه بهذا يقول "ما من سبب للشراء، فما من شيء ليشترى، إنها غزة، منطقة مزقتها الحرب وسنأخذها". ويقول ميشرا إن "الناس يتكلمون منذ وقت طويل عن أن هياكل الإمبريالية العنصرية وعقلياتها التي تكونت في القرن الـ 19 لا تزال حية إلى حد كبير، فكان من يقولون ذلك يتعرضون للاستخفاف لكننا الآن نرى عياناً بياناً ما يثبت صحة هذه الأفكار، فما يقوله ترمب اليوم واضح للغاية ويمكننا أن نرى كيف تراكمت هذه الثروة، وهذه السلطة العظيمة على مهل، ونرى كيف أن بعضهم خائفون من فقدان تلك السلطة بسبب صعود الصين وسيطرتها، وعلى رغم أنهم الأقوى في العالم فهم يرجعون لأكثر أشكال التوسع سفوراً". ويرى بن هوبارد أن إنهاء الاستعمار إطار شديد الضخامة للعقود الثمانية أو نحو ذلك من التاريخ الإنساني، ويقر بأن ذلك الإطار يوسع نطاق البحث في كتاب ميشرا لكنه لا يطرح كثيراً من الرؤى لتفسير صراع الشرق الأوسط، فميشرا نفسه "بعد أن يصف حركة إنهاء الاستعمار بأنها 'ثورة لا يمكن إيقافها' يخلص إلى أنها قد لا تحدث فارقاً كبيراً على أية حال، فيتنبأ بأن إسرائيل في نهاية المطاف ستطرد الفلسطينيين من الضفة الغربية وغزة". ويكتب بن هوبارد أن هذه النبوءة صدمته عند قراءته الكتاب للمرة الأولى، ولم يخفف من هذه الصدمة إلا دعوة الرئيس الأميركي إلى نقل الفلسطينيين وتجاوزه إلى حد القول بالاستيلاء على غزة، "قد يتوقع المرء من ميشرا بعد الاحتجاج بالغ القوة بأن إنهاء الاستعمار غير وجهات النظر العالمية تغييرا عميقاً أن يتنبأ بمقاومة جديدة وفعالة للتهجير الجماعي أو يتوقع في الأقل قدراً من الأمل في أن دعوته إلى نظرة أكثر تعقيداً إلى الماضي قد تلهم بتغيير ما لولا أن التشاؤم يغلب التفاؤل عند ميشرا". غير أن الأمر قد يكون بعيداً من بساطة التفاؤل أو التشاؤم، فلو صح أن نضال الفلسطينيين من أجل حريتهم جزء من نضال مماثل لشعوب العالم المضطهدة منذ منتصف القرن الـ 20، ولو صح أن إسرائيل محض جزء متخلف عن المشروع الاستعماري الغربي فقد لا يكون غريباً الخروج من هذا التحليل بنتيجة مفادها أن حركة التاريخ نفسها منحازة لأحد طرفي هذا الصراع، وأن فيها غنى للفلسطينيين عن التفاؤل ووقاية أكيدة من التشاؤم. العنوان: THE WORLD AFTER GAZA: A History تأليف: Pankaj Mishra الناشر: Penguin

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store