أحدث الأخبار مع #دوسلدورفأحمدسليمانالعُمري


كواليس اليوم
منذ 3 أيام
- أعمال
- كواليس اليوم
قمم عربية تحت عباءة ترامب
دوسلدورف/أحمد سليمان العُمري في مشهد يعكس التفاوت الفادح بين مسارات السياسة والمآسي الإنسانية، شهدت منطقة الشرق الأوسط جولة للرئيس الأميركي دونالد ترامب؛ لم تكن مجرّد زيارة دبلوماسية، بل استعراضا لقوة الاقتصاد في تشكيل الجغرافيا السياسية، حيث حوَّل ترامب الدماء إلى أرقام، والمعاناة إلى فرص للابتزاز. التريليون الذي يشتري الأمن ويُغذّي الحرب بدأ ترامب جولته في السعودية، التي استقبلته كـ «فاتح»، لتُعلن عن صفقات تجاوزت قيمتها 600 مليار دولار، لكن الرجل الذي لا يشبع من المال والمجد طالب ببراغماتيته المعهودة برفع القيمة إلى تريليون دولار، معلناً أن «أمن الخليج يستحق أكثر». هنا تتحول الأرواح إلى سلعة في سوق النخاسة الحديث: كل دولار يُضاف إلى الصفقة هو دمٌ جديد يُسكب في اليمن، وقنبلةٌ تُلقى على غزّة، ودعمٌ لآلة الحرب الإسرائيلية التي لا تتوقّف عن التهام الأرض الفلسطينية. المال وسياسة التوازنات الهشّة ثم جاءت قطر، التي لم تكن أقل سخاءً، حيث أُبرمت صفقاتٌ بقيمة 1.4 تريليون دولار، لكن اللافت كان تصريح ترامب الغامض الذي طالب فيه إيران بأن «تشكر أمير قطر شكراً عظيماً»، هذا التصريح، رغم سخرية سياقه يُسلّط الضوء على تعقيد الخيوط التي تتلاعب بالشرق الأوسط، حيث تتحرّك الدوحة على حبل مشدود بين المصالح المتضاربة: توازن بين نفوذ إيران وضغوط الخصوم العرب، وتحافظ على شراكتها مع واشنطن، التي لم تُخف استفادتها المالية من الصفقات. وفي السياق ذاته، أبرمت الإمارات صفقة أسلحة مع الولايات المتحدة بقيمة 23 مليار دولار، شملت طائرات F-35 ومسيّرات متقدمة، بالإضافة إلى اتفاقية تعاون في مجال الذكاء الاصطناعي بقيمة 1.4 تريليون دولار، مما رفع إجمالي الصفقات الخليجية إلى 4 تريليونات دولار. إنه «الغموض الاستراتيجي» بامتياز: تظهر كأنها تُطفئ الحرائق التي تُشعلها واشنطن وتل أبيب، بينما تحمي مصالحها عبر استثمارات في القرار الغربي نفسه. رمزية الابتذال في زمن المذابح بلغت المهزلة ذروتها حين قُدّمت لترامب طائرةٌ فاخرةٌ وُصفت بـ «القصر الطائر»؛ تبلغ قيمتها 400 مليون دولار، كـ «هدية» تليق بمن يُعيد تشكيل المنطقة على مقاس المصالح الأميركية – الإسرائيلية، لكن هذا المشهد المُخزي لم يكن سوى إهانة للضمير الإنساني، ففي اللحظة ذاتها التي تُضاء فيها شاشات العالم بأنوار الطائرة الذهبية، يُحاصر أطفال غزّة في ظلام الموت: مستشفياتُهم بلا كهرباء، وجثثُهم تتطايرت في ذات الآن فعلا – وبدون مبالغة – جرّاء تنفيذ مقاتلات الجيش الإسرائيلي حزاما ناريا بعشرة صواريخ متتالية، حيث بلغ عدد الضحايا الفلسطينيين أثناء وجود ترامب في الخليج 378 شهيدا؛ جُلّهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وبعض المتواجدين دُفنوا تحت الأنقاض من شدّة الإنفجار، وآخرون بأجسادهم الهزيلة يبحثون عن قطرة ماء مخلوطة بالدماء بين الركام، تزامنا مع الأجواء الإحتفالية والتصفيق للرئيس الأمريكي. غزّة، التي لم يدخل إليها أي نوع من المساعدات منذ بداية مارس/آذار، وهي أطول مدة لم تدخل بها مساعدات منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023: الدواءُ نفد، والغذاءُ صار رفاهية، والهواءُ نفسه مُلوثٌ برائحة الموت، وبينما تُنفق المليارات على استثمارات أمريكية – خليجية مزعومة، يُمنع إدخال الأدوية الضرورية أو كيس طحين بطعم شظية إلى غزّة، وكأن حياة الطفل الفلسطيني أقل قيمة من ذخيرة الدبابة الإسرائيلية. التصريح الأخطر وفي اللحظة التي لم يعد فيها للمأساة قاع، جاء التصريح الأخطر من ترامب: «لدي تصورات جيدة جداً لغزّة لجعلها منطقة حُرّيّة، وسأكون فخوراً لو امتلكتها الولايات المتحدة». هكذا، بلا حياء، تُختزل غزّة، بتاريخها ونضالها وشهدائها، إلى «ممتلكة» أمريكية محتملة. هذا التصريح يعكس العقلية الاستعمارية الحديثة، حيث تتحول الجغرافيا إلى مشروع عقاري، وتتبدّد السيادة في صفقة جاهزة تنتظر التوقيع. التصريح الذي جاء عقب استعراض المليارات، لا يمكن فصله عن السياق الأشمل: مشروع أمريكي لسلخ غزّة من نضالها واحتلالها، وتحويلها إلى منطقة استثمارية مخصخصة، يُعاد إعمارها لا كحقّ إنساني، بل كمخطط رأسمالي تروّج له الإدارة الأميركية، مقابل تفريغها من شعبها، وطمس هويتها، وإنهاء قضيتها. القمّة العربية (قمّة بغداد) في هذا السياق، انعقدت القمّة العربية في بغداد؛ مشهدٌ بدا أقرب إلى مسرحية مُرتجلة، أو عجز ميزانية وزارية؛ والهروب منه هو: إقامة فعالية أو تصريحات متعدّدة لإنجازات وهمية؛ أبعد من أن تكون استجابة فعلية لحجم الكارثة والإبادة الجماعية والقتل بالتجويع والصواريخ والتهجير في غزّة. قادة لا يعرفون كيف يواجهون المأساة، فاستعاضوا عن الفعل بخطابات عربية وقمم بروتوكولية، كمن يضع رقعة على جرح نازف، بينما الشرق الأوسط برُمّته على شفى حفرة، يُسحق قطاع غزّة في فكي الاحتلال الإسرائيلي، قبل أن يُطعن في خاصرته العربية. لقد أضحت هذه القمم، بكل ما تحمله من شعارات فارغة، عاجزة حتى عن إصدار بيان مُقنع، أو موقف يُحرّك ماء راكدا، فقمم كقمّة بغداد ليست سوى تكرار عقيم، باتت لا تُشكّل شيئا أمام القنابل المُلقاة على أطفال فلسطين في غزّة، ولا تحمل من ملامح القرار سوى أوراق الحضور والإنصراف. رفع العقوبات بشرط التطبيع في تحوّل مفاجئ، أعلن ترامب عن نيته رفع العقوبات عن سوريا بقيادة الرئيس أحمد الشرع، والذي تعمل حكومته على إعادة الإعمار بعد سقوط نظام الأسد. هنا تظهر مُفارقةٌ جديدة: فرفع العقوبات، الذي يُفترض أن يكون خطوةً إنسانية وتبعة بديهية بعد سقوط نظام الأسد، تحوّل إلى أداة ضغط سياسي مشروط بالتطبيع مع إسرائيل. الشعب السوري، الذي دفع ثمن مقاومته للدكتاتورية الدموية، يُراد له اليوم أن يدفع فاتورة التقارب مع تل أبيب من قوت يومه وماء وطنه. إنها نسخة جديدة للإخضاع بوجه ناعم. أيُّ عدالة هذه؟ المفارقة الأقسى أن ترامب، الذي يُغدِق عليه الخليج بالصفقات والهدايا، هو نفسه من يُصفّق لإسرائيل وهي تذبح الفلسطينيين، ويهنئ نتنياهو على «إنجازاته الأمنية». إنه الرجل الذي حوّل السياسة إلى بورصة: يبيع الأمن للسعودية، ويشتري الصمت من قطر، ويتلقى من الإمارات شهادة حُسن السلوك للهيمنة الإسرائليلية بإسم التنمية، ويطرح غزّة للبيع. لكن ما يُفجِّر القلب غيظاً هو الصمت العربي المُطبق، فالقادة الذين يتبارون في استضافة ترامب هم أنفسهم مَن يغلقون حدودهم أمام لاجئي غزّة وفي الماضي سوريا، ويُشاركون في تطبيعٍ لا يُنتج إلا خنوعاً. العرب في المزاد وصفقة التهجير كنا نأمل، بعد أن حمل ترامب من الخليج ما يزيد على 4 تريليونات دولار من مقدّرات الأوطان العربية والإسلامية، أن يحمل في المقابل همّاً إنسانياً، أو حتى موقفًا سياسيا يكبح العدوان على غزّة، لكنّ المفاجأة جاءت مريرة، حين اتخذ فور عودته إلى واشنطن قراره الأخطر: تهجير مليون فلسطيني من القطاع إلى ليبيا، مقابل صفقة سياسية ليبية، بشرط الإفراج عن ملياراتها المجمّدة في البنوك الأميركية. هكذا تحوّلت غزّة إلى بند في مفاوضات مالية، وتحوّل الدم الفلسطيني إلى رقم في حساب بنكي مؤجّل الصرف. هذا هو العصر الذي تُقاس فيه الكرامة بالدولار، وتُشترى السيادة بالمليار، بينما تُدفن العدالة تحت ركام المجازر، وغزّة، بكل دمها ودموعها، ستظل تقاوم، لا لتبقى فحسب، بل لتُذكّر العالم بأن القضية الفلسطينية لا تُشترى ولا تُباع، وأن الشعب الذي لا يملك إلّا حجراً، لا يمكن أن يُساق. وغداً، حين يُكتب التاريخ، لن تُذكر الصفقات، بل الدماء التي صرخت «لا» في وجه طغيان الدولار رغم الدمار والمرار.


كواليس اليوم
٢٥-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- كواليس اليوم
الأردن ما بعد الإخوان: تفكيك الإخوان في ظرف إقليمي ملتهب
دوسلدورف/أحمد سليمان العُمري لم يكن قرار الحكومة الأردنية بتفكيك جماعة الإخوان المسلمين بعد 80 عاما من النشاط السياسي والدعوي في البلاد حدثا عابرا في سياق سياسي عادي، بل جاء في لحظة إقليمية استثنائية؛ تُواجه فيها الأردن ضغوطا متشابكة: حرب إبادة على غزّة، وتصاعد دور المقاومة الفلسطينية، واشتعال التوترات الأمنية في الضفة الغربية، وقد تزامن القرار مع إعلان الأجهزة الأمنية ضبط خلية لتصنيع أسلحة محلية الصنع، حيث أكّد بيان النيابة العامة أن بعض المتورّطين هم أعضاء في الجماعة، لكن التحقيقات أثبتت أن التصرّف فردي ولم يُنسّق مع الإخوان. ورغم أن دعم المقاومة لا يُعدّ جريمة في السياق الأردني «الشكلي»، إلّا أن الحكومة استخدمت الحادثة كذريعة لتصفية الجماعة، عبر قرار قضائي سريع تبعه إعلان من وزارة الداخلية بحلّ الإخوان المسلمين ومصادرة ممتلكاته. هذا التحول الاستراتيجي يطرح تساؤلات عن مستقبل المشهد السياسي الأردني، خاصّة في ظل غياب بديل واضح لملء الفراغ. صراع السرديات وتجييش الرأي العام أثار القرار انقساما حادا في الرأي العام، فمن ناحية، روّجت الحكومة عبر منصّات إعلامية موالية ورقمية لسردية تربط الإخوان بالتمويل المشبوه والعنف، مستشهدة بتقارير أمنية عن صلات لبعض أعضاء الجماعة بجماعات مسلّحة. ومن ناحية أخرى فالقرار يمثّل انتكاسة للحريات السياسية بالمُطلق، وإغفال حقيقة أن جماعة الإخوان ضمّت خلال مسيرتها في الأردن قيادات تاريخية شاركت في إصلاحات كثيرة، مثل عبد المجيد الذنيبات، كما تجاهل الخطاب الحكومي دور الجماعة التاريخي في الحوارات الوطنية، كاتفاقية الميثاق الوطني (1991). وبما يتعلّق بحزب جبهة العمل الإسلامي لم توجه له اي تُهم رسمية، ولم تُحرّك النيابة العامّة دعوى ضده، ما يعني أن أي إجراء محتمل لا يزال ضمن دائرة التقديرات القانونية، وليس الحقائق القضائية. من يملأ الفراغ؟ تفكيك جماعة الإخوان لا يهدد الاستقرار السياسي فحسب، بل يُنذر بكارثة اجتماعية، فقد قدّمت الجماعة لعقود خدمات اجتماعية وتعليمية وصحية بديلة للدولة؛ في المدن وفي المناطق المهمّشة. وتقدّر تكلفة تعويض هذه الخدمات بنحو 1.5 مليار دولار، وفقا لبرقية صادرة عن السفارة الأمريكية في عمّان تشرين الأول/أكتوبر 2009، وهذه مبالغ تفوق قدرة الحكومة على تحمّلها في ظل أزمة اقتصادية طاحنة. الفراغ الناجم عن حلّ الجماعة قد يفتح الباب لجماعات مُتطرّفة، كما حدث في مصر بعد حظر الإخوان عام 2013، حيث ظهرت جماعات مثل «أنصار بيت المقدس» في سيناء، وفقا لتقرير «معهد واشنطن» (2021). وفي الأردن نفسها، سبق أن شهدت العاصمة الأردنية عمّان عام 2005 أعمالا إرهابية، حيث نفّذت مجموعة عدّة عمليات إرهابية على فندق (غراند حياة، فندق راديسون ساس وبار ديز)، راح ضحيته 57 مدنيا، من بينهم المخرج السوري العالمي مصطفى العقاد، وإصابة أكثر من 110 آخرين. هذا الحدث شكّل صدمة وطنية، وأكّد أن الفراغ في الحقل العام، سواء أمنيا أو سياسيا، يمكن أن يكون بيئة خصبة للتطرّف. والحديث هنا لا يتعلّق بالفراغ الأمني وحده، بل بالفراغ المجتمعي والسياسي الذي قد ينجم عن تغييب جماعة حاضنة سياسيا واجتماعيا ودينيا كحركة الإخوان المسلمين، وهي التي تمثّل صمام أمان لاحتواء تيارات شبابية واسعة داخل إطار سلمي ومنظّم. الدروس الإقليمية في تونس، حين أسقط الشعب النظام الديكتاتوري لزين العابدين بن علي عام 2011، اختار – في أول انتخابات حرّة – حركة النهضة لتكون المعبّر عن آماله في الحرية والكرامة والتنمية، فقد شكّل إدماج النهضة في المشهد السياسي حينها تجربة نادرة لاحتواء العنف في المراحل الانتقالية، لكنها انهارت لاحقا تحت ضغط أزمات الشرعية والاستقطاب السياسي. على النقيض، خاض حزب «العدالة والتنمية» المغربي تجربة مماثلة، لكن تراجعه الانتخابي عام 2021 جاء نتيجة فشله في تحقيق المطالب الاقتصادية، لا بسبب إقصاء أمني. وفي المقابل، قدّمت تجربة حزب «العدالة والتنمية» التركي نموذجا مختلفا، إذ تحوّل إلى شريك أول في الحكم، تحت قيادة رجب طيب أردوغان، عبر مشروع اقتصادي وتنموي طموح؛ ساعد في استقرار تركيا وخلق قاعدة شعبية صلبة. قيادات حملت الوطن لا يمكن تجاهل دور شخصيات مثل عبد اللطيف عربيات، رئيس البرلمان الأردني الأسبق والقيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين، الذي قاد إصلاحات تعليمية واجهت انتقادات من داخل النظام نفسه. هذه القيادات مثّلت جسرا بين التيار الإسلامي والدولة، وإبعادها يفقد النظام شركاء في مواجهة التطرّف. ما بين مطرقة الأمن وسندان الشرعية إذا كان الأردن جادا في دعم فلسطين، فالخطوة الأولى ليست حلّ جماعة الإخوان المسلمين، بل مراجعة الاتفاقات الاقتصادية مع إسرائيل، مثل «اتفاقية الغاز»، التي تُدرّ على الاحتلال أرباحا سنوية تُقدّر بـ 300 مليون دولار. السؤال الأهم: هل تستطيع الدولة تعويض عمل الإخوان السياسي، فضلا عن الخدمات الاجتماعية دون تفجير أزمات خانقة خطيرة؟ التجارب الإقليمية تُجيب: الفراغ السياسي لا يُملأ إلا بدمج التيارات، لا بإقصائها. إذا كان الهدف الحقيقي من القرار هو حماية الأمن الوطني، فإن الحلّ لا يكمن في القمع، بل في النظر للأسباب الجذرية التي تدفع الشباب نحو الإخوان، فبدلا من هدم الآلية الديمقراطية يمكن التوجيه نحو الإصلاح والتعليم ونشر الوعي، مما يُحاصر الجماعة في معاقلها التقليدية، ونهجها القويم يكمن في الوعي. وهذه هي المعضلة حكوميا في المصالحة مع التيار الإسلامي، الممكن حلّها عبر إعادة إنتاج حكومة في شكل تنافسي سوي ووازن للنهوض بالوطن، فالتاريخ يُعلّمنا أن الإقصاء يزيد بالشرخ الاجتماعي والسياسي، وأن الاستقرار الحقيقي يُبنى بالضمائر لا بالقمع والإقصاء. reundliche Grüße Ahmad Al Omari أحمد سليمان العمري


وطنا نيوز
٢٦-٠٢-٢٠٢٥
- سياسة
- وطنا نيوز
الديمقراطية الألمانية تُجهِض الديمقراطية
دوسلدورف/أحمد سليمان العُمري شهدت انتخابات الـ «بوندستاغ» في ألمانيا نتائج هامة، حيث فاز حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) بقيادة «فريدريش ميرتس» بنسبة 28.5% من الأصوات، ليصبح الحزب الأكبر في البرلمان. في المقابل، حقق حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) اليميني المتطرّف نسبة 20.6%، ليصبح ثاني أكبر حزب في البرلمان، بينما حصل الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) على 16.5% من الأصوات، وحصل حزب الخضر (Die Grünen) على نحو 12%، كما دخل حزب اليسار (Die Linke) البرلمان بنسبة 8%، بينما فشل الحزب الديمقراطي الحر (FDP) وحزب «سارة فاغنكنيشت» (الذي حقق 4.97%)، حيث لم يتجاوز عتبة الـ 5% المطلوبة لدخول البوندستاغ. التحالفات وعقبات تشكيل الحكومة لم يحقق حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الأغلبية المطلقة، مما يعني أنه يحتاج إلى شريك ائتلافي، والحسابات تشير إلى إمكانية تشكيل تحالف بين حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي، ليصلوا معاً إلى 328 من أصل 630 مقعداً في البوندستاغ. ومع ذلك، هناك تحفّظات داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي بشأن التعاون مع حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، فقد قال رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي، «لارس كلينغبايل»: «نحن نريد ضمانات واضحة من الاتحاد الديمقراطي المسيحي بأنهم لن يتعاونوا مع حزب البديل من أجل ألمانيا تحت أي ظرف من الظروف». أما حزب البديل، فقد أبدى رغبة في التعاون مع حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، حيث شددت «أليس فايدل»، زعيمة الحزب والمرشّحة عنه، على استعداد حزبها للتعاون مع الاتحاد الديمقراطي المسيحي، قائلة: «نحن نعتقد أن لدينا الكثير من القواسم المشتركة مع الاتحاد الديمقراطي المسيحي، خاصّة في قضايا مثل الهجرة والأمن»، إلّا أنّ «ميرتس» رفض هذه الفكرة بشكل قاطع، مؤكداً أن «التعاون مع حزب البديل ليس خياراً مطروحاً». تحليل السياسات المحددة من بين القضايا الرئيسية التي قد تؤثّر على المفاوضات الائتلافية هي سياسات الطاقة والهجرة والاقتصاد، فعلى سبيل المثال، يختلف حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزب الخضر بشكل كبير في سياسات الطاقة، حيث يدعم الخضر التحوّل السريع إلى الطاقة المتجددة، بينما يفضّل الاتحاد الديمقراطي المسيحي نهجاً أكثر تدريجية. في قضايا الهجرة، قد يكون هناك توتر بين الاتحاد الديمقراطي المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي، حيث يدعم الأخير سياسات أكثر انفتاحاً تجاه اللاجئين، بينما يُرجّح الحزب المسيحي سياسات أكثر تشدداً. فيما يتعلّق بالسياسات الاقتصادية فإنّ الحزب المسيحي قد يواجه صعوبة في التوافق مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي والخضر، وقد قال الخبير الاقتصادي والرئيس السابق لمعهد «إيفو» «هانز فيرنر زين»: «السياسات الاقتصادية للاتحاد الديمقراطي المسيحي تُركّز على تقليل العجز المالي ودعم الشركات، بينما يميل الحزب الاشتراكي الديمقراطي والخضر إلى زيادة الإنفاق الاجتماعي والاستثمار في البنية التحتية الخضراء». دور حزب اليسار قد يلعب حزب اليسار دوراً في حال تشكيل حكومة أقلية، حيث يمكن أن يدعم بعض القرارات المتعلّقة بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية. وعلى الرغم من هذه الإحتمالية، فإن مواقف حزب اليسار المتشددة في قضايا مثل السياسة الخارجية والدفاع قد تجعل التعاون معه صعباً بالنسبة للاتحاد الديمقراطي المسيحي. حكومة الأقلية: خيار محفوف بالمخاطر في حال فشل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في تشكيل تحالف حكومي مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي أو أي حزب آخر، قد يلجأ إلى تشكيل حكومة أقلية. هذا الخيار يعني أن الحزب سيشكّل حكومة دون الحصول على أغلبية برلمانية، مما يضطره إلى الاعتماد على دعم مؤقّت من أحزاب أخرى لتمرير التشريعات. حكومة الأقلية قد تواجه صعوبات كبيرة في تحقيق الاستقرار السياسي، حيث ستكون عرضة للانهيار في أي لحظة إذا فشلت في الحصول على دعم كافٍ من الأحزاب الأخرى، بالإضافة إلى أن هذه الحكومة قد تعاني من تأخير في اتخاذ القرارات المهمة، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها ألمانيا. من ناحية أخرى، فإن تشكيل حكومة أقلية قد يزيد من الاستياء الشعبي، حيث سيظهر الحزب غير قادر على تحقيق الأغلبية المطلوبة لتشكيل حكومة قوية، ما قد يؤثّر سلباً على ثقة الناخبين في النظام السياسي الألماني، وربما يؤدي إلى زيادة الدعم لليمين المتطرّف. ردود الفعل الدولية في خطوة أثارت جدلاً دولياً حول أعلان زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، عن نيته دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» لزيارة ألمانيا، وذلك على الرغم من صدور مذكّرة اعتقال بحقّه من المحكمة الجنائية الدولية بتهم تتعلّق بجرائم حرب في غزّة. هذا الإعلان جاء بعد اتصال هاتفي بين ميرتس و «نتنياهو»، حيث هنأ الأخير ميرتس بفوزه في الانتخابات، وأكّد ميرتس خلال الاتصال عزمه على دعوة نتنياهو، معتبراً قرار المحكمة الجنائية الدولية «فضيحة» ووصفه بأنه «معادٍ للسامية». من جانبها، أكّدت المحكمة الجنائية الدولية أن تنفيذ قراراتها هو التزام قانوني بموجب «نظام روما الأساسي»، وأنه ليس من حق الدول تحديد صحّة الأحكام القانونية للمحكمة بشكل منفرد. كما أثارت هذه الخطوة ردود فعل متباينة من دول الاتحاد الأوروبي، حيث أعربت فرنسا عن قلقها من تأثير هذه الدعوة على العلاقات الأوروبية مع إسرائيل، بينما دعمتها بولندا باعتبارها خطوة لتعزيز العلاقات الثنائية. الخلاصة الأسابيع القادمة ستكون حاسمة لتحديد ما إذا كان حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي سيتمكّن من تشكيل حكومة مستقرّة تُلبي تطلعات الناخبين، أمّا إذا فشلت المفاوضات، قد تتسع الهوة بين الأحزاب التقليدية، ويزداد التعقيد في تشكيل حكومة قادرة على مواجهة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ما يعني بالضرورة صعود أقصى اليمين المتطرّف على حساب إخفاق حزب المحافظين وضعف الإشتراكيين. وفي حال لم يتمكّن اتحاد يمين الوسط من تشكيل تحالف وازن متماسك، فسيكون أمامه خيارات محدودة مثل حكومة الأقلية، مما سيُفاقم من حجم الصعوبات الحكومية في المرحلة المقبلة، ويُهدد بإطالة الأزمة وإضعاف ثقة الناخبين في قدرة النظام على الاستجابة لرهانات المستقبل السياسي.