#أحدث الأخبار مع #رؤوففرّاح،الخبر١٣-٠٤-٢٠٢٥سياسةالخبرالخبير رؤوف فرّاح يشرح جذور مأزق الجزائر مع جيرانها في الساحليتوقف رؤوف فرّاح، الخبير الجزائري في التحولات السياسية بمنطقتي شمال إفريقيا والساحل، في هذا الحوار، عند حادثة إسقاط الطائرة المالية المسيرة، وما سبقها من تطورات مهّدت لتوتر العلاقة بين باماكو والجزائر. لديك قراءة مركّزة في التوترات الحالية بين الجزائر والجيران في جنوب الصحراء، هل يمكن أن تختصرها لمتابعي موقع "الخبر"؟ حادثة إسقاط الطائرة المسيّرة التركية من قبل الجيش الجزائري، في الأول من أفريل، في منطقة تينزواتين، تمثل منعطفا حاسما في العلاقات بين الجزائر وباماكو. لم تكن هذه الحادثة معزولة بل جاءت كنتيجة لمسار طويل من تدهور العلاقات. ففي حين ترى الجزائر - وعن حق - في هذه الحادثة انتهاكا لسيادتها الترابية، تؤكد مالي أن الطائرة كانت تحلّق داخل مجالها الجوي. وقد أعقبت الحادثة سلسلة من الإجراءات المتسارعة: استدعاء السفراء، تعليق الرحلات، وإغلاق الأجواء. هذا التدهور ناتج عن تشابك في الخلافات الاستراتيجية والتوترات الدبلوماسية وإعادة تشكيل التحالفات الجيوسياسية، بداية من الانقلاب العسكري الذي أوصل المجلس العسكري إلى السلطة، في أوت 2020. وتجلّت هذه التوترات من خلال ثلاثة عناصر أساسية: *انسحاب السلطات المالية من اتفاق السلام والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر، والذي أُعلن عنه في جانفي 2024، منهيا بذلك عقدا من الوساطة الإقليمية. *تنامي نفوذ مجموعة "فاغنر" شبه العسكرية، التي تقاتل إلى جانب الجيش المالي في شمال البلاد، وتقترب بشكل متزايد من الحدود الجزائرية منذ عام 2024. *تصاعد الخطاب السيادي الذي يتضمن اتهامات صريحة للجزائر بالتدخل، بل وبدعم الجماعات المصنفة إرهابية، لاسيما بعد نهاية عملية برخان العسكرية الفرنسية في نوفمبر 2022. حادثة الطائرة المسيّرة لا تخرج عن هذا السياق التصادمي، بل هي استمرار له. كما أن الوضع تأجج مع ظهور تحالف دول الساحل الذي يضم مالي وبوركينا فاسو والنيجر، والذي يتبنّى خطابا سيادويا متشدّدًا ويقصي الأطر التقليدية للتعاون الإقليمي. ويجب ألا ننسى أن هذا التحالف انسحب رسميا من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس) في جانفي 2025، ويدخل في توترات مع العديد من دول غرب إفريقيا. يسعى هذا التكتل لفرض نفسه كنموذج بديل، لكنه يواجه في المقابل عزلة متزايدة. ماذا كان يجب على الجزائر أن تقوم به لتفادي ما يسميه البعض "حركة تمرد" من مالي والنيجر وبوركينافاسو.. علما أن بوادرها تلوح منذ مدة غير قصيرة؟ الأزمة الحالية تخص العلاقات بين الجزائر ومالي بشكل أساسي. لا توجد أزمة مفتوحة مع النيجر أو بوركينا فاسو، رغم أن العقيد عاصمي غويتا، رئيس مالي، يلعب دورا محوريا في ديناميكية تحالف AES . كثّفت الجزائر مؤخرا علاقاتها مع النيجر، وهاذا توجه يجب أن نحافظ عليه. من المبالغة اعتماد قراءة متشائمة. لا النيجر ولا بوركينا فاسو ولا حتى مالي، يسعون إلى الدخول في مواجهة عسكرية مع الجزائر. احتمال التصعيد العسكري ضعيف للغاية، إن لم يكن منعدما رغم أن التصعيد السياسي يبقى واردًا. على الحدود، من المهم التذكير أن السلطات المالية لا تسيطر فعليا على المناطق المقابلة لبرج باجي مختار، تيميونين أو تينزواتين. وقد شهد عام 2024 هزائم قاسية للجيش المالي ومقاتلي مجموعات "فاغنر" في أقصى شمال مالي، في مواجهة مجموعات متمردة ما تزال تنشط في المنطقة. الحذر يبقى ضروريا على طول الشريط الحدودي، إلا أن تعزيز التدابير الأمنية قد بدأ فعليًا منذ استئناف المعارك بين الجيش المالي ومقاتلي أزواد. التحدي الحقيقي لا يتمثل في صدّ هجوم مباشر، بل في استباق تداعيات الصراع: خطر التمدد الإرهابي، تهريب الأسلحة، والاضطرابات الأمنية العابرة للحدود. لكن في العمق، الإجابة على هذا الوضع يجب أن تكون سياسية أولاً. على الجزائر أن تواصل التعاون الثنائي مع النيجر، وتوسّع قنوات الحوار - حتى غير الرسمية - مع مالي، من دون وسطاء، وأن توضّح استراتيجيتها في الساحل في الوقت المناسب. كما سيكون من المفيد إعادة تفعيل آليات التعاون الأمني، بما يخدم المصالح المشتركة للشعوب الحدودية. أصبح جنوب الصحراء منطقة نفوذ قوى كبيرة. لماذا الاهتمام بها، بينما تحاصرها المشاكل، خصوصا أنها ملاذ للجماعات الإرهابية ولشبكات المخدرات وكل أصناف الإجرام؟ في خضم هذه التوترات، لا يمكن تجاهل البعد الجيوسياسي الأوسع: فالساحل اليوم منطقة استراتيجية تتقاطع فيها أجندات دولية متعددة، ما حوّلها إلى ساحة تنافس أمني واقتصادي مكثّف. فرنسا التي كانت القوة المهيمنة سابقا، تراجعت إلى الخلف ونقلت جزءا من عملياتها إلى خليج غينيا، في محاولة للعودة لاحقا إلى الساحل. في هذا الفراغ، تتقدم قوى إقليمية غير إفريقية - روسيا، تركيا، الإمارات - بسرعة، غالبا بتدخلات عدوانية تشمل بيع الأسلحة، دعم الأنظمة العسكرية والانقلابات. جهات أخرى تسعى إلى استغلال الموارد الطبيعية الاستراتيجية: كالذهب (كندا، أستراليا، الصين) واليورانيوم في النيجر (فرنسا، الصين)، أو الثروات السمكية في المحيط الأطلسي (إسبانيا، الاتحاد الأوروبي) عن طريق شركات دولية. أما الدول الأوروبية، فترى في الساحل أرضا لمحاربة الهجرة غير النظامية من خلال سياسات "تصدير الحدود" الكولونيالية، كما يتضح حاليا في موريتانيا ومعظم دول شمال إفريقيا. في هذا السياق أيضا، يسعى المغرب، بدافع من حسابات سياسية ضيقة، إلى كسب ودّ الأنظمة العسكرية وبيع الوهم بوجوده كبديل اقتصادي. أمام هذا المشهد المعقد، تجد الجزائر نفسها أمام تحديات متزايدة رغم ما تملكه من مقومات واضحة. فهي تواجه صدمة مزدوجة: سقوط شركائها التقليديين جرّاء الانقلابات المتتالية. والدخول السريع والعشوائي لقوى أجنبية، بعضها شركاء، لكن كثيرا منها ينافس الجزائر على النفوذ. أمام هذه التحديات، تعاني الجزائر في تجديد استراتيجيتها الساحلية. لا تزال سياساتها تقليدية، تركّز على الأمن الداخلي، من دون رؤية شاملة تأخذ بعين الاعتبار كل تعقيدات النزاعات وطموحات شعوب المنطقة. للاحتفاظ بمكانتها كفاعل إقليمي، تحتاج الجزائر إلى سياسة خارجية أكثر مرونة وابتكارا تنطلق من مصالح إفريقية مشتركة.
الخبر١٣-٠٤-٢٠٢٥سياسةالخبرالخبير رؤوف فرّاح يشرح جذور مأزق الجزائر مع جيرانها في الساحليتوقف رؤوف فرّاح، الخبير الجزائري في التحولات السياسية بمنطقتي شمال إفريقيا والساحل، في هذا الحوار، عند حادثة إسقاط الطائرة المالية المسيرة، وما سبقها من تطورات مهّدت لتوتر العلاقة بين باماكو والجزائر. لديك قراءة مركّزة في التوترات الحالية بين الجزائر والجيران في جنوب الصحراء، هل يمكن أن تختصرها لمتابعي موقع "الخبر"؟ حادثة إسقاط الطائرة المسيّرة التركية من قبل الجيش الجزائري، في الأول من أفريل، في منطقة تينزواتين، تمثل منعطفا حاسما في العلاقات بين الجزائر وباماكو. لم تكن هذه الحادثة معزولة بل جاءت كنتيجة لمسار طويل من تدهور العلاقات. ففي حين ترى الجزائر - وعن حق - في هذه الحادثة انتهاكا لسيادتها الترابية، تؤكد مالي أن الطائرة كانت تحلّق داخل مجالها الجوي. وقد أعقبت الحادثة سلسلة من الإجراءات المتسارعة: استدعاء السفراء، تعليق الرحلات، وإغلاق الأجواء. هذا التدهور ناتج عن تشابك في الخلافات الاستراتيجية والتوترات الدبلوماسية وإعادة تشكيل التحالفات الجيوسياسية، بداية من الانقلاب العسكري الذي أوصل المجلس العسكري إلى السلطة، في أوت 2020. وتجلّت هذه التوترات من خلال ثلاثة عناصر أساسية: *انسحاب السلطات المالية من اتفاق السلام والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر، والذي أُعلن عنه في جانفي 2024، منهيا بذلك عقدا من الوساطة الإقليمية. *تنامي نفوذ مجموعة "فاغنر" شبه العسكرية، التي تقاتل إلى جانب الجيش المالي في شمال البلاد، وتقترب بشكل متزايد من الحدود الجزائرية منذ عام 2024. *تصاعد الخطاب السيادي الذي يتضمن اتهامات صريحة للجزائر بالتدخل، بل وبدعم الجماعات المصنفة إرهابية، لاسيما بعد نهاية عملية برخان العسكرية الفرنسية في نوفمبر 2022. حادثة الطائرة المسيّرة لا تخرج عن هذا السياق التصادمي، بل هي استمرار له. كما أن الوضع تأجج مع ظهور تحالف دول الساحل الذي يضم مالي وبوركينا فاسو والنيجر، والذي يتبنّى خطابا سيادويا متشدّدًا ويقصي الأطر التقليدية للتعاون الإقليمي. ويجب ألا ننسى أن هذا التحالف انسحب رسميا من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس) في جانفي 2025، ويدخل في توترات مع العديد من دول غرب إفريقيا. يسعى هذا التكتل لفرض نفسه كنموذج بديل، لكنه يواجه في المقابل عزلة متزايدة. ماذا كان يجب على الجزائر أن تقوم به لتفادي ما يسميه البعض "حركة تمرد" من مالي والنيجر وبوركينافاسو.. علما أن بوادرها تلوح منذ مدة غير قصيرة؟ الأزمة الحالية تخص العلاقات بين الجزائر ومالي بشكل أساسي. لا توجد أزمة مفتوحة مع النيجر أو بوركينا فاسو، رغم أن العقيد عاصمي غويتا، رئيس مالي، يلعب دورا محوريا في ديناميكية تحالف AES . كثّفت الجزائر مؤخرا علاقاتها مع النيجر، وهاذا توجه يجب أن نحافظ عليه. من المبالغة اعتماد قراءة متشائمة. لا النيجر ولا بوركينا فاسو ولا حتى مالي، يسعون إلى الدخول في مواجهة عسكرية مع الجزائر. احتمال التصعيد العسكري ضعيف للغاية، إن لم يكن منعدما رغم أن التصعيد السياسي يبقى واردًا. على الحدود، من المهم التذكير أن السلطات المالية لا تسيطر فعليا على المناطق المقابلة لبرج باجي مختار، تيميونين أو تينزواتين. وقد شهد عام 2024 هزائم قاسية للجيش المالي ومقاتلي مجموعات "فاغنر" في أقصى شمال مالي، في مواجهة مجموعات متمردة ما تزال تنشط في المنطقة. الحذر يبقى ضروريا على طول الشريط الحدودي، إلا أن تعزيز التدابير الأمنية قد بدأ فعليًا منذ استئناف المعارك بين الجيش المالي ومقاتلي أزواد. التحدي الحقيقي لا يتمثل في صدّ هجوم مباشر، بل في استباق تداعيات الصراع: خطر التمدد الإرهابي، تهريب الأسلحة، والاضطرابات الأمنية العابرة للحدود. لكن في العمق، الإجابة على هذا الوضع يجب أن تكون سياسية أولاً. على الجزائر أن تواصل التعاون الثنائي مع النيجر، وتوسّع قنوات الحوار - حتى غير الرسمية - مع مالي، من دون وسطاء، وأن توضّح استراتيجيتها في الساحل في الوقت المناسب. كما سيكون من المفيد إعادة تفعيل آليات التعاون الأمني، بما يخدم المصالح المشتركة للشعوب الحدودية. أصبح جنوب الصحراء منطقة نفوذ قوى كبيرة. لماذا الاهتمام بها، بينما تحاصرها المشاكل، خصوصا أنها ملاذ للجماعات الإرهابية ولشبكات المخدرات وكل أصناف الإجرام؟ في خضم هذه التوترات، لا يمكن تجاهل البعد الجيوسياسي الأوسع: فالساحل اليوم منطقة استراتيجية تتقاطع فيها أجندات دولية متعددة، ما حوّلها إلى ساحة تنافس أمني واقتصادي مكثّف. فرنسا التي كانت القوة المهيمنة سابقا، تراجعت إلى الخلف ونقلت جزءا من عملياتها إلى خليج غينيا، في محاولة للعودة لاحقا إلى الساحل. في هذا الفراغ، تتقدم قوى إقليمية غير إفريقية - روسيا، تركيا، الإمارات - بسرعة، غالبا بتدخلات عدوانية تشمل بيع الأسلحة، دعم الأنظمة العسكرية والانقلابات. جهات أخرى تسعى إلى استغلال الموارد الطبيعية الاستراتيجية: كالذهب (كندا، أستراليا، الصين) واليورانيوم في النيجر (فرنسا، الصين)، أو الثروات السمكية في المحيط الأطلسي (إسبانيا، الاتحاد الأوروبي) عن طريق شركات دولية. أما الدول الأوروبية، فترى في الساحل أرضا لمحاربة الهجرة غير النظامية من خلال سياسات "تصدير الحدود" الكولونيالية، كما يتضح حاليا في موريتانيا ومعظم دول شمال إفريقيا. في هذا السياق أيضا، يسعى المغرب، بدافع من حسابات سياسية ضيقة، إلى كسب ودّ الأنظمة العسكرية وبيع الوهم بوجوده كبديل اقتصادي. أمام هذا المشهد المعقد، تجد الجزائر نفسها أمام تحديات متزايدة رغم ما تملكه من مقومات واضحة. فهي تواجه صدمة مزدوجة: سقوط شركائها التقليديين جرّاء الانقلابات المتتالية. والدخول السريع والعشوائي لقوى أجنبية، بعضها شركاء، لكن كثيرا منها ينافس الجزائر على النفوذ. أمام هذه التحديات، تعاني الجزائر في تجديد استراتيجيتها الساحلية. لا تزال سياساتها تقليدية، تركّز على الأمن الداخلي، من دون رؤية شاملة تأخذ بعين الاعتبار كل تعقيدات النزاعات وطموحات شعوب المنطقة. للاحتفاظ بمكانتها كفاعل إقليمي، تحتاج الجزائر إلى سياسة خارجية أكثر مرونة وابتكارا تنطلق من مصالح إفريقية مشتركة.