logo
#

أحدث الأخبار مع #سارتر

'الغفران'.. مسرحية تسبر أغوار النفس البشرية
'الغفران'.. مسرحية تسبر أغوار النفس البشرية

بديل

timeمنذ 2 أيام

  • ترفيه
  • بديل

'الغفران'.. مسرحية تسبر أغوار النفس البشرية

تحت الأضواء الخافتة على خشبة المسرح، تتكشف أمامنا ملحمة فلسفية عميقة تحمل عنوان 'الغفران' من اخراج ذ.لحسن دسي، تلك المسرحية التي تغوص في أعماق الوجود الإنساني وتستكشف العلاقة المعقدة بين الذنب والتطهير. في عالمٍ تتشابك فيه خيوط الواقع مع الخيال، تقدم 'الغفران' صورة سوسيولوجية متكاملة لمجتمع تتصارع فيه الأرواح المُثقلة بذنوبها، تحاصرها ظلمات ماضيها وتضيع في متاهات الندم القاتم. إنها مرآة تعكس الإنسان المعاصر الذي يعيش في عزلة روحية وسط ضجيج الحياة الحديثة. تطرح المسرحية سؤالاً محورياً: هل هناك خطايا لا تُغتفر؟ وبهذا تتحول الخشبة إلى فضاء فلسفي يستدعي أفكار سارتر وكامو حول مفاهيم المسؤولية والخيار، ويستحضر طروحات نيتشه حول تجاوز الذات. بعيداً عن الوعظ المباشر، تنسج المسرحية حكايتها عبر شخصيات تقف على حافة الهاوية، أصواتها خافتة لا تكاد تُسمع، لكنها تصرخ بحقائق كونية. إنها رحلة غامضة بين عتمة الندم ونور الخلاص، يتمازج فيها التشويق الدرامي مع العمق الفلسفي، فتتجاوز التساؤلات حدود الواقع المألوف. 'الغفران' ليست مجرد عرض مسرحي بل هي تجربة وجودية تسائل الروح وتوقظ الضمير. إنها استكشاف جماعي للحظة التي يقف فيها الإنسان أمام مرآة ذاته، متسائلاً: متى يصبح الغفران ممكناً؟ ومن يملك حق منحه؟ - إشهار - وبين دقات القلب المتسارعة والصمت المهيب، تترك المسرحية جمهورها في حالة من التأمل العميق، ليخرج كل متفرج حاملاً سؤاله الخاص: هل أستحق الغفران؟ كانت هذه المسرحية ضمن فعاليات ملتقى فونيكس الذي نظمته جمعية فونيكس للفنون الدرامية، والذي احتضنته مدينة الرباط، بدعم من حكومة امارة موناكو، وبالتعاون مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل-قطاع الثقافة من تشخيص صفاء استبشار، فاطمة الزهراء الراشدي، هاجر جبران، سعد العشاق، أمينة لهبوب، كوثر بوخريص، مهدي ايت مبارك، أنس بنزعبون، هشام أورحال، احسان برحال.

دليلك لاستكشاف الحياة الثقافية الفرنسية
دليلك لاستكشاف الحياة الثقافية الفرنسية

سائح

timeمنذ 4 أيام

  • ترفيه
  • سائح

دليلك لاستكشاف الحياة الثقافية الفرنسية

فرنسا ليست مجرد وجهة سياحية لزيارة برج إيفل أو التمشي في شوارع باريس الرومانسية، بل هي عالم غني من الثقافة المتجذرة في التاريخ والفن والفلسفة. الحياة الثقافية الفرنسية تُمثل ركيزة أساسية لهوية البلاد، وهي انعكاس لتطورها السياسي والاجتماعي والفكري عبر قرون. استكشاف هذه الحياة الثقافية هو أشبه برحلة ممتدة بين القصور والمتاحف والمقاهي الأدبية، مرورًا بالمسرح والأوبرا وحتى طقوس الحياة اليومية. من خلال هذا الدليل، سنغوص في أعماق المشهد الثقافي الفرنسي لنتعرف على أبرز ملامحه ونكشف أسرار تفرّده. الأدب والفكر: فرنسا مهد التنوير والحداثة الأدبية عندما نتحدث عن الثقافة الفرنسية، لا يمكن تجاوز الإرث الأدبي والفكري العميق الذي تركه كتّاب وفلاسفة مثل فولتير، روسو، بودلير، كامو، وسارتر. فالأدب في فرنسا لا يُعتبر مجرد نشاط إبداعي، بل عنصر من عناصر تشكيل الهوية الوطنية. القراءة جزء من الحياة اليومية للفرنسيين، والمكتبات والمقاهي الأدبية في باريس وليون ومرسيليا شاهدة على ذلك. ويمكن لزائر فرنسا أن يشعر بنبض الأدب في حيّ مونمارتر الباريسي، أو في مهرجان الأدب في مدينة ليل، حيث يلتقي المثقفون والقرّاء من مختلف أنحاء العالم. ومن الجدير بالذكر أن الفرنسيين ما زالوا يتابعون بشغف صدور الجوائز الأدبية السنوية مثل "غونكور"، ما يعكس العلاقة الحيوية التي تربطهم بالكلمة المكتوبة. الفنون البصرية والمسرح: بين الكلاسيكية والانفتاح المعاصر الفن البصري جزء أصيل من الثقافة الفرنسية، فبلاد مثل فرنسا تحتضن أعظم المتاحف في العالم، وعلى رأسها متحف اللوفر الذي يختزل قرونًا من تاريخ الإنسانية. لكن الثقافة الفرنسية لا تقف عند حدود الماضي، بل تتفاعل باستمرار مع الحداثة. في باريس وحدها، هناك عشرات المعارض المعاصرة التي تعرض أعمالًا لفنانين فرنسيين وعالميين. أما المسرح، فهو تقليد قديم يتجدد باستمرار، من عروض الكوميديا الفرنسية التقليدية إلى تجارب المسرح التجريبي في ضواحي المدن الكبرى. ومن لا يزور دار الأوبرا في باريس أو مسرح الكوميدي فرانسيز، فإنه يُفوّت على نفسه فرصة معايشة عمق الفن الفرنسي في أبهى صوره. الحياة اليومية: المطبخ والمقاهي والاحتفالات الشعبية تتجلى الحياة الثقافية في فرنسا أيضًا في تفاصيل الحياة اليومية، فالمطبخ الفرنسي ليس مجرد وسيلة لإشباع الجوع، بل فن وطقس اجتماعي عريق. من الإفطار بالكرواسون في المخابز المحلية، إلى الجلسات الطويلة في المقاهي التي تُعدّ منصات للنقاش والفلسفة، يعيش الفرنسيون ثقافتهم من خلال العادات اليومية. كما تحتفل فرنسا سنويًا بعدد كبير من المهرجانات مثل مهرجان "موسيقى الشوارع" أو احتفالات "يوم الباستيل" التي تمزج بين التقاليد والحداثة. هذا الارتباط بين الحياة اليومية والثقافة يجعل من فرنسا تجربة فريدة لا تُفهم فقط بزيارة المتاحف، بل تُعاش في الشارع والمطعم والسوق. استكشاف الحياة الثقافية الفرنسية يتجاوز الجولات السياحية التقليدية، فهو رحلة في عمق الروح الفرنسية، التي تتنفس أدبًا وفنًا وطعامًا وتقاليدًا. من عواصم الفكر والفن إلى تفاصيل الحياة البسيطة، تقدم فرنسا تجربة ثقافية ثرية ومتعددة الأوجه، تجعل كل زائر يشعر بأنه جزء من قصة حضارية طويلة. وإذا كنت تسعى إلى فهم بلد لا يزال يحاور العالم من خلال قلمه وفرشاته ومطبخه، فإن الحياة الثقافية الفرنسية هي بوابتك الأولى نحو ذلك الفهم العميق.

ما الذي يميز باريس عن غيرها من المدن الأوروبية؟
ما الذي يميز باريس عن غيرها من المدن الأوروبية؟

سائح

time٢٠-٠٥-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • سائح

ما الذي يميز باريس عن غيرها من المدن الأوروبية؟

تُعرف باريس بأنها "مدينة النور" وعاصمة الرومانسية، لكن سحرها يتجاوز هذه الأوصاف المتكررة. فهي ليست مجرد مدينة أوروبية جميلة؛ بل هي تجربة فريدة تجسد مزيجًا متقنًا من الفن والتاريخ والثقافة والموضة. ما يميز باريس حقًا عن غيرها من العواصم الأوروبية لا يقتصر فقط على برج إيفل أو متحف اللوفر، بل يمتد إلى التفاصيل الصغيرة التي تجعل من كل شارع فيها مسرحًا مفتوحًا للحياة الباريسية بكل أناقتها وبساطتها في آنٍ واحد. إنها مدينة تملك قدرة استثنائية على ترك أثر دائم في ذاكرة الزائر، لأنك لا تمرّ بها عبورًا؛ بل تعيشها بكل حواسك. الإرث الثقافي والتاريخي الغني في كل زاوية ما يميز باريس عن سواها هو عمقها الثقافي المتجذر في كل معلم من معالمها، سواء كانت كنيسة قوطية تعود للقرون الوسطى، أو حيًا كان مهدًا للثورات الفكرية والفنية. متاحفها وحدها كفيلة بأن تمنحها مكانة لا تُضاهى، بدءًا من متحف اللوفر الذي يضم آلاف القطع الفنية من مختلف الحضارات، مرورًا بمتحف أورسيه الذي يعرض أعمال كبار الانطباعيين، وصولًا إلى مركز بومبيدو المعاصر. كما أن باريس لا تكتفي بعرض تاريخها داخل المتاحف، بل تنبض به شوارعها وحدائقها وجسورها العريقة. حتى المقاهي القديمة التي كان يجلس فيها فلاسفة وأدباء فرنسا، مثل سارتر ودي بوفوار، ما تزال قائمة، وكأن الزمن قد قرر أن يتركها شاهدًا حيًا على أمجاد المدينة الفكرية. العمارة الباريسية: تناغم الكلاسيكية مع الأناقة في حين تتفاوت المدن الأوروبية بين العصور الوسطى والحداثة الصارخة، استطاعت باريس أن تحافظ على تناغم معماري فريد يجعلها استثناءً بصريًا. فمبانيها التي صممت وفق رؤية البارون هوسمان في القرن التاسع عشر ما تزال تمنح المدينة طابعها الكلاسيكي الموحد، بشرفاتها الحديدية المنمقة، وواجهاتها الحجرية البيضاء. هذا التصميم المتناغم لا يجعل التجول في باريس متعة جمالية فحسب، بل يمنحها هوية معمارية لا تُخطئها العين. ومن حي الماراي القديم بأزقته الضيقة، إلى شوارع الشانزليزيه الواسعة، تبدو باريس وكأنها لوحات مرسومة بعناية، تسكن فيها الأناقة وتتموضع في أدق تفاصيل البناء والتصميم. أسلوب الحياة الباريسي: فلسفة في البساطة والأناقة الجانب الذي يصعب ترجمته بالكلمات لكنه يُلمس بوضوح في باريس هو أسلوب الحياة الفريد. الباريسيون لا يركضون خلف الوقت، بل يحتفون به، سواء في جلستهم الهادئة بمقهى يطل على الرصيف، أو في طريقة تسوقهم من الأسواق المحلية، أو حتى في أناقتهم اليومية التي تتسم بالبساطة المدروسة. "الآرت دو فيفر" أو فن الحياة الفرنسي ليس مجرد تعبير، بل واقع ملموس يجعل الحياة اليومية في باريس تبدو وكأنها فصل من رواية راقية. هذا التوازن بين الرقي والبساطة، وبين العملية والجمال، هو ما يعطي المدينة روحًا لا تتوفر في غيرها. إنها ليست مدينة تسكنها، بل مدينة تُعلّمك كيف تعيش. في النهاية، باريس ليست مجرد وجهة سياحية، بل حالة شعورية وجمالية تستقر في الذاكرة وتترك أثرًا لا يُمحى. فهي المدينة التي تجيد رواية حكايتها عبر التاريخ والفن والناس، وتمنح زائريها تجربة حياة تُعيد تعريف الجمال والرقي والذوق، كما لا يمكن لأي مدينة أوروبية أخرى أن تفعل.

كتاب "آرون ناقد سارتر" يستعيد عصر أسياد الساحة الفكرية
كتاب "آرون ناقد سارتر" يستعيد عصر أسياد الساحة الفكرية

Independent عربية

time٣٠-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • Independent عربية

كتاب "آرون ناقد سارتر" يستعيد عصر أسياد الساحة الفكرية

يمثل كتاب بيرين سيمون-ناحوم ذروة الحوار الفلسفي الراقي بين سارتر وآرون. من هنا كان اهتمام مديرة الأبحاث في المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية وأستاذة الفلسفة في المدرسة العليا للمعلمين التي أعدت للكتاب وقدمت له، رسم إطار هذه النقاشات وتسليط الضوء على راهنيتها. ذلك أن عمقها يظهر للقارئ مدى التقدير الذي كان يكنه آرون لرفيق دراسته ككاتب، ولو لم يتوقف عن مناقشة أطروحاته وتوجيه النقد للوجودية. ولد ريمون آرون وجان بول سارتر في العام نفسه والتقيا على مقاعد الدراسة في المدرسة العليا للمعلمين في باريس، حيث توثقت عرى الصداقة بينهما، وحيث تعرفا على جورج كانغيليم ودانيال لاغاش وبول نيزان وجان كافاييس وسواهم. لكن منذ أواخر ثلاثينيات القرن الـ20 باعدت السبل الفلسفية بين الرجلين. فمع صعود نجم الأنظمة الشمولية، استشرف آرون اندلاع الحرب العالمية الثانية، في حين تطلع سارتر لأن يكون كاتباً كبيراً. وبرز كل واحد منهما على الساحة الفكرية الفرنسية، ولو اكتملت القطيعة بينهما في أوائل الخمسينيات، بعدما اختلفا في رؤيتهما للماركسية ومعنى التاريخ. الجبهة السياسية كتاب "آرون ناقد سارتر" (دار كالمان ليفي) في الحرب الباردة، التزم آرون وسارتر خطوط الجبهة السياسية الجديدة من جهة انقسامها إلى اليمين واليسار وأنماط الالتزام بالحياة العامة. ففي حين جسد سارتر صورة الكاتب اليساري الثوري الملتزم بالاشتراكية والمنحاز لقضايا المظلومين ضد البرجوازية والمبرر لاستخدام العنف أحياناً، جسد ريمون آرون صورة الباحث اليميني الليبرالي والأستاذ الجامعي والكاتب الصحافي المستند إلى معارفه الأكاديمية في إصدار أحكامه المتزنة حول أسس الحكم الرشيد. ففي زمن سارتر وآرون، كانت الماركسية والشيوعية محور الجدل الفكري. وكان هاجس سارتر في "نقد العقل الجدلي" التوفيق بين الوجودية والماركسية. رد عليه آرون قائلاً إن الواجب الأول للماركسي الجديد البدء بتحليل المجتمعات الحديثة كما فعل ماركس مع رأسمالية القرن الـ19. وراء هذا الخلاف النظري، كانت مسألة العنف على المحك. فآرون، المدافع عن الديمقراطية الليبرالية، انتقد وهم التغيير الفوري من خلال العنف. وعندما اندلعت أحداث مايو (أيار) 1968، دان "ثورة غير موجودة"، فاتهمه سارتر بالتحجر البرجوازي. ورغم قطيعتهما الطويلة، جمعتهما سنة 1979 مبادرة مشتركة لدعم اللاجئين الفيتناميين، مما دفع الصحافة الفرنسية آنذاك للحديث عن بوادر مصالحة بين الرجلين. لكن تباشير الاختلافات بين آرون وسارتر بدت تتوضح من خلال مسرى حياتهما. ففي حين رفض سارتر الوظيفة الجامعية وجائزة نوبل للآداب، تسلم آرون، الدقيق في تفكيره والمحترم للأعراف والتقاليد الأكاديمية، أرفع المناصب الجامعية. ومما لا شك فيه أن آرون اعترف بعبقرية سارتر الأدبية و"خصوبة فكره" على مستوى "التنظير". لكنه كان في طليعة الذين تفكروا في الأحداث التاريخية. فقد كان من أوائل خريجي المدرسة العليا للمعلمين الذين عادوا إلى ألمانيا بعد أكثر من عقد على معاهدة فرساي، حيث درس ودرس في جامعتي كولونيا وبرلين بين الأعوام 1931 و1933 بينما كان يعمل على إنجاز أطروحة الدكتوراه. وكان لصعود النازية ومعاداة السامية دور في اختيار آرون التفكير في التاريخ، هو الذي عرف عن نفسه كـ"يهودي فرنسي". سنة 1938 ناقش ريمون آرون أطروحته المعنونة "مقدمة في فلسفة التاريخ"، قبل أيام قليلة من ضم النمسا إلى ألمانيا النازية. بين فيها، خلافاً لهيغل وماركس، فإن التاريخ لا يسير وفق مسار حتمي، وأن السياسة فعل واع ودائم المخاطرة، وليست مجرد عملية تحكمها قوى عمياء تجعل من البشر دمى بين أيديها. قضايا التاريخ بينما لم تكن قضايا التاريخ والسياسة بالنسبة إلى سارتر تشكل موضوعاً محورياً في تلك الفترة. ففي دفاتر "الحرب الغريبة" التي كتبها خلال فترة تجنيده بين سبتمبر (أيلول) 1939 ويونيو (حزيران) 1940 في مقاطعة الألزاس أثناء الحرب العالمية الثانية، والتي نشرتها دار غاليمار سنة 1983، اعترف سارتر بـ"لا مبالاته السياسية". ففي سنة 1933، عند وصول هتلر إلى السلطة، حل سارتر مكان آرون في المعهد الفرنسي في برلين، لكنه كان آنذاك أكثر انشغالاً بمسيرته الأدبية الناشئة وباكتشافه لفينومينولوجية هوسرل وهايدغر. وقد لعبت هذه القراءات دوراً حاسماً في تكوين فيلسوف الوجودية الذي نشر سنة 1943 كتابه "الوجود والعدم"، مستلهماً كتاب هايدغر "الوجود والزمان"، الذي اتبعه سنة 1946 بكتابه "الوجودية نزعة إنسانية"، وهو في الأصل محاضرة ألقاها سنة 1945 حدد من خلالها مبادئ فلسفته التي تؤكد أهمية الوجود الفردي الحر والاختيار والمسؤولية. في سنواتهما الأولى في المدرسة العليا للمعلمين، أبرم جان بول سارتر وريمون آرون، بروح المزاح، ميثاقاً، أن يكتب الناجي منهما نعي الآخر في دليل خريجي المدرسة العليا في شارع أولم. لكن عقود القرن العاصف فرقت بينهما إلى حد أنه، عندما رحل سارتر سنة 1980، كتب آرون في صحيفة "الإكسبرس"، "إن الالتزام لم يعد قائماً". لم يكن هذا القول دليل على تحول الألفة إلى عداوة، بل كان بالأحرى إقراراً بالهوة التي حفرها التاريخ بين الرجلين. ذلك أن هذا التباعد العاطفي عكس في جوهره خلافاً فكرياً متنامياً بين المفكرين، اللذين أصبحا، مع مرور النصف الثاني من القرن الـ20، رمزين لمعسكرين فكريين متعارضين. رغماً عنهما، تحول آرون وسارتر إلى أبطال معركة فكرية استمرت 30 عاماً، مزقت الأوساط الفكرية الفرنسية من أربعينيات القرن الـ20 حتى منتصف سبعينياته. سنة 1956 كتب ريمون آرون في أحد مقالاته، "لم تصمد أي صداقة في جيلنا أمام الخلافات السياسية، واضطر الأصدقاء إلى التغير معاً سياسياً كي لا يتفرقوا، وهذا أمر محزن، ولكن يمكن تفسيره". فقد عاش جيلهما الذي نجا من مجازر الحرب العالمية الأولى، أهوال صعود الأنظمة الشمولية في الثلاثينيات، وهزيمة عام 1940 والاحتلال النازي لفرنسا، ثم تواصلت المآسي مع الحرب الباردة وحركات إنهاء الاستعمار. وكانت الحرب الباردة وقضايا إنهاء الاستعمار هي التي حطمت صداقة سارتر وآرون. حرب الجزائر صحيح أن التاريخ الفكري الفرنسي في القرن الـ20 كان حافلاً بالانقسامات والسجالات حول الشيوعية كتلك التي دارت بين سارتر وكامو أثناء الحرب الباردة، ثم أثناء حرب الجزائر. لكن سارتر وآرون كانا من نفس الجيل ونشآ في بيئة فكرية واحدة، مما جعل دراسة مسيرتهما المتوازية بمثابة تحليل للعواصف الكبرى التي عصفت بالمشهد الفكري الفرنسي. ومع ذلك فإن تحليل العلاقة بين سارتر وآرون لا يقدم صورة عن تحولات المشهد الأيديولوجي فحسب، بل يكشف أيضاً عن حقيقة أن وهج أحدهما لم يكن يتزامن مع وهج الآخر. ففي وقت كان فيه جان بول سارتر في ذروة مجده، كان ريمون آرون مهمشاً، والعكس صحيح لاحقاً. هذا الاختلاف في البروز عكس تحولات السيطرة الأيديولوجية المتعاقبة على الساحة الفكرية الفرنسية. فقد لمع نجم سارتر لأعوام طويلة، حتى صار بإمكاننا الحديث عن "عصر سارتر"، أي العصر الذي عرف مرحلة سيطرة اليسار الفكري المتأثر بالماركسية، التي وصفها آرون عام 1955 بأنها مخدرة بـ"أفيون المثقفين". عام 1945، وفي العدد الأول من مجلة "الأزمنة الحديثة"، نظر سارتر لـ"واجب الالتزام"، ليصبح نموذج المثقف اليساري التقدمي. ولكن مع أواخر السبعينيات، انقلبت الأدوار: تراجع نجم سارتر، في حين ازداد بريق آرون. لم يعد سارتر سوى صوت خافت، بينما بدا آرون، حتى بعد وفاته، وكأنه المنتصر في ميدان الفكر. في تلك الفترة، قال المدافعون عن سارتر عبارة شهيرة، "من الأفضل أن نكون مخطئين مع سارتر على أن نكون على صواب مع آرون"، هذه العبارة الغريبة أثارت لاحقاً حيرة المؤرخين لأنها قوضت مبدأ العقل الذي يفترض أن يكون معياراً أساسياً في الحكم على المثقفين. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) أما عن أعمال آرون، فقد نظر إليها النقاد كمتجذرة في الواقع التاريخي دون السقوط في "وهم مسار التاريخ"، كما كتب هو نفسه في خاتمة مذكراته سنة 1983 قائلاً، "لو قرأ أحدهم في قادم الأيام ما أكتب، فسيرى حتماً تحليلات وتطلعات وشكوك رجل غارق في التاريخ". غير أن الأمر مختلف بالنسبة إلى سارتر. فقد وصفه الكاتب والشاعر والمؤلف المسرحي جاك أوديبيرتي بأنه "حارس ليلي على جميع جبهات الفكر"، عبارة يمكن أن تفسر بطريقتين: إما كإشادة بيقظته الدائمة أو كتهكم على انفصاله عن الواقع، بل وتيهه أحياناً في أحلام اليقظة. باختصار، فكر آرون في التاريخ كما هو، بينما حلم به سارتر على ما ينبغي أن يكون. ومع ذلك إن الصراع بين سارتر وآرون عكس تقلبات المناخ الأيديولوجي في القرن الـ20 أكثر مما عكس مواقف ثابتة. فقد ظل آرون لفترة طويلة مهمشاً في الوسط الثقافي الذي كان يقدس سارتر. ثم مع بداية الثمانينيات، حدث نوع من "بعث" لأفكار كامو وآرون معاً، بينما بدأت أفكار سارتر بالتراجع. ورغم هذا التغير، لا ينبغي للباحث أن يسقط في السطحية الفكرية. ذلك أن كل الكتابات تظل دوماً خاضعة للتحليل والمناقشة. اليوم، تحظى أعمال آرون باهتمام جديد، لا سيما مع إعادة نشر نصوصه حول سارتر التي جمعتها بيرين سيمون-ناحوم. فمع كتاب "آرون ناقد سارتر" تعود ذكرى عصر كان فيه المثقفون يتربعون كأسياد على الساحة الفكرية. لكن المعارك التي جمعت سارتر وآرون وكامو وميرلو بونتي وألتوسير وفوكو وليفي ستروس، لم يعد لها اليوم وجود. فقد حلت محلها الآراء المبعثرة في وسائل الإعلام، وغابت الشخصيات الكبرى القادرة على تقديم رؤى شاملة حول مصير العالم. بعد قراءة النصوص التي اختارتها معدة الكتاب، نشعر بخفة الحياة الفكرية الراهنة.

سارتر ... (الوجودية والفن)
سارتر ... (الوجودية والفن)

البلاد البحرينية

time١٦-٠٤-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • البلاد البحرينية

سارتر ... (الوجودية والفن)

ظهرت الوجودية على يد المفكر الدنماركي سورين كيركغور، من يعتبرها فلسفة، وهناك يعتبرها مجموعة أفكار وآراء. لمجموعة من الفلاسفة مثل فريدريك نيتشه الذي انتشرت آراءه بشكل كبير في عصره القرن التاسع عشر والعشرين، والفيلسوف مارتن هايدغر، واخيراً جان بول سارتر الذي هو موضوع حديثنا، والذي ذاع صيته بسبب أفكاره وآراءه حول (الوجودية) ودأب على نشرها في رواياته. جاءت الوجودية من هذا التساؤل هل وجد الإنسان وحياته ومستقبله ومصيره حددت سلفاً - وهذه رؤية دينية. أم أن الإنسان يولد ثم يكبر ويعي وتكون له آراؤه وافكاره المستقلة وتبدأ حياته الحرة. جاءت الوجودية لتهتم بالإنسان بحريه إرادته الوجودية، ولا تهتم بالمجتمع، بل ولا بما يقوله المجتمع الذي غالبا ما يكون تابعاً لما تمليه السياسة او اية سلطه او اية إملاءات اخرى، لذا نرى سارتر يضخم من إمكاناته وقدرة الفرد على تحقيق الآمال، طالما الإنسان بطبعه حراً. لذا نرى الفرنسيين يرحبون بفكرته لأنهم وجدوا فيها الأمل في تخليص بلادهم، وتخليصهم مما حَلَّ بهم، ونعني بذلك احتلال ألمانيا النازية في الاربعينيات من القرن العشرين خلال الحرب العالمية الاولى والثانية والتي فاجأت وارعبت وأربكت الفرنسيين لأنها كانت على حين غرّه. وإذا ما حاولنا ان نتعرف على رأى الفيلسوف جان بول سارتر في الفن، فسنرى ان من افكاره وآرائه الآتي: يرى سارتر ان هناك فرق بين الفنون والأدب من ناحية المادة، فالرسم عند سارتر مادته الألوان، والموسيقى مادتها الأصوات، والنحت مادته الحجارة، أما الأدب فمادته الكلمات، ويرى أيضاً ان هناك فرق بين الشعر والشاعر، وبين الكاتب والنشر والناشر. فهو يرى ان الشاعر يهتم بالمفردة، ويجد في البحث عنها لذا فهي عصيه لا تطاوعه، لذا ترى ان المعنى يتلاشى ويتباعد بسبب المفردات، بينما المفردة عند الكاتب او في النثر هي جسر ممتد مباشرة بين الكاتب والناشر والقارئ لذا فهو يقول " توصيل المعاني في سهولة على الكاتب والناشر، ويبعد الشعر كوسيلة لنشر الحقائق" وسارتر يرى بناء على أهمية الكتابة أن على الأديب الذي امتهن الكتابة ان يكون صادقاً أو لا يمارس هذه المهنة، وقد هاجم كثيرا من الأدباء الذي تقاعسوا وترددوا في التعبير عما كان يحدث من مجازر في انحاء العالم. بينما لو قالوا الحقيقة لا مكننا من تخفيف مما كان يحدث، وبالنسبة للحرية التي اعتبرها سارتر هي الوسيلة التي عن طريقها يمكننا مقاومة الظلم وتحقيق العدالة، نراه يهاجم وينتقد بلده فرنسا في الاستمرار على إبادة الشعب الجزائري، مطالبا اياها بإعطاء الجزائريين حقهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم. وفي عوده إلى الفن، يقول النقاد رأيهم لما قاله ساتر في الشعر والفن: يبدو ان سارتر كان متأثرا بالنزعة الرمزية في الشعر الفرنسي الذي ساد في فترة معنية على يد الشاعر آرثر رامبو، ولو اتجه إلى الشعراء من امثال هيلدا دوليتل و نوفاليس وتوماس ستيرنز إليوت، لوجد في الشعر المعاني الذهنية، والدلالات الميتافيزيقية ما قد يدفعه إلى التقليل من حدّة تلك القوة التي اقامها بين الشعر والنثر. فالحق ان الفن سواء كان نثراً او شعراً او تصوير او نحتاً او موسيقى، إنما هو في صميمه لغة رمزية تقوم على طائفة من الاشكال والرموز، فليس هناك موضع للقول بأن المصور يهدف إلى اللون في ذاته، وأن الموسيقار يهدف الى النغم فى ذاته، أو أن الشاعر يهدف إلى اللفظ في ذاته، وإنما الحق الذي يجب أن يقال وان يسلّم به من أن ألوان أوغوست رينوار على سبيل المثال تحمل دلالات معنية وان موسيقى بيتهوفن تنطوي على معانٍ، وأن قصائد الشاعر ت. س. إليوت عامرة بالأفكار. ومها كان من امر تلك التفرقة الحاسمة التي اقامها سارتر بين النثر من جهة و غيره من الفنون الأخرى من جهة أخرى، فستظل الفنون جميعاً لغات رمزية تتنوع اساليبها، وتتعدد اشكالها، لكنها تتفق جميعها في كونها تعبير عن العمليات الديناميكية لحياتنا الباطنية، وأنها تقوم بجهدٍ تركيبي هائل من اجل تزويدنا بنوع من الحقيقة، ألا وهي حقيقة الأشكال الخالصة، لا الاشياء التجريبية، ومن هنا فأن لكل عمل فني بناءً ذهنياً يكشف عن نوع من انواع المعقولية، الا وهي معقولية الصور أو الأشكال، ولو ان سارتر فهم ما في الفن من لغةٍ رمزيه لما تورط في استبعاد فنون كالشعر والتصوير والموسيقى من دائرة الالتزام بحجة انها مجرد وسائل في خدمة المتع الجمالية الخالصة دون ان تكون لها ادنى دلالات معنوية او فكرية

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store