أحدث الأخبار مع #سالمبنمحمدالعبري


جريدة الرؤية
٠٧-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- جريدة الرؤية
عُمان والجزائر.. رفقاء التاريخ والمسيرة
سالم بن محمد العبري إن التقاء عُمان والجزائر وفي هذا الظرف التاريخي الصعب حدث مهم، ومرجو، وتنعقد عليه الآمال في إعادة اللحمة القومية للأمة العربية، ولملمة شتاتها، وانتشالها من هوان أمرها، كما نأمل أن يعلو صوت الحكمة والبصيرة وتُسدّ الذرائع في هذه المرحلة الخطيرة التي تشهد علوًّا للهمجية الصهيونية عُدةً وعددا وقوة واقتصادا، ونحن إذ نبارك الزيارة الميمونة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم للشقيقة الجزائر التي نلتقي معها في التاريخ والرؤية والموقف ونقدر لدولة الجزائر القابضة على المبادئ منذ جهادهم ضد الاستعمار الفرنسي ونشيد بتاريخ عُمان المجيد في جهادها ضد الاستعمار البرتغالي قبل قرون ولمدة متقاربة من مدة جهاد الجزائريين ضد الاستعمار الفرنسي طوال قرن ونصف القرن. وإذا كان قادة الجهاد من العلماء الجزائريين كالشيخ مالك بن نبي وعبدالقادر الجزائري والإعلامي النابغة أبي اليقظان قد أفنوا حياتهم في سبيل تحرير وطنهم فإن أئمة عُمان قد قادوا ملحمة الجهاد الأكبر بالعلامة والقائد ناصر بن مرشد وسلطان بن سيف وسيف بن سلطان الملقب بـ(قيد الأرض). وأمّا بعد فنحن نقول لفظا (الأمة العربية) ظنًا أنها أقرب للأمة صاحبة اللغة الواحدة ودين التوحيد والإسلام خاتمه وجوهره، الذي اعترف بالأديان التوحيدية السماوية السابقة عليه، وشهد لها، فنزّه عيسى عليه السلام عن الصلب والقتل { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا } (النساء: 157)، وهذه الأمة حدودها واحدة وقابلة للوحدة والتكامل في الحاجات والإنتاج والتنمية، وقدَّر الله لها ثروات شتى ونادرة من حيث موقعها المتوسط بين قارات الدنيا، وتنوع مناخها. ولن نقفز خارج واقعنا إذا قلنا: إنّ الأمة الإسلامية، والتي نجد أكبر تجمع لها مثل إندونيسيا البعيدة جغرافيا لن تلتقي مع أمتنا العربية إلا إذا صلحت كل أجزاء هذه الأمة وامتلكت سيادتها وأمرها وثرواتها وحاجاتها بتوجّه ربّاني مُحكم؛ ولكننا حين نفتش ونمعن النظر ونُعمل العقل لا نرى أمة كما أرادها الله لنا لأننا فرطتنا وانسلخنا عن ثوابتنا، أليس الله القائل فينا إن تمسكنا بمنهاجه { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ }[آل عمران: 110]، وقوله تعالى: { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [البقرة: 143]. وحين نشأنا في معظم قُرانا، وحوضرنا العُمانية، كنا نعرف الرجل باسمه وهيئته ولا نعرفه بنسبه وقبيلته؛ فضلا عن إيمانه ويقينه وبالتوكيد لا نعرف قبيلته، ثم ما إن خرجنا عن الطوق أو قُل من الحيز المتجانس والمتفاعل والعامل لحياته اليومية ولعائلته الصغيرة وامتد لعائلته الكبيرة القبيلة، والتي كنت أمقت التحزّب لها، ولما شببت عن الطوق وسافرت في أرجاء العالم العربي رأيت شعوبًا، وطني عُمان جزء منها، وآصرة قُربى في جسد أمة تمتد من المحيط الهندي إلى جبال الأطلس، تفزع في الملمات، وتتحد في الأهداف، وتتداعى في الأتراح، وتتضام في الأفراح. ولكن الآن تُحتل أرضها، وتنتهك حرماتها وتسلب ثرواتها وتذل شعوبها – كما يحدث الآن بغزة- ولا حراك بينما الناس يتداعون غضبا وعصبية وانتفاضا حين تبني تضار مصالحهم الخاصة ولا يقبلون الرأي الحكيم الصادر عن قيم التفويض والجوار والتراحم والتسامح. وحين خرجنا غربا وشرقا وجدنا (البعض) من المحسوبين على حكومات بلادهم يدس السُّم في العسل، ويقسم المسلمين إلى مذاهب وطوائف دينية شتى سنّة وشيعة وإباضية ووهابية، وغيرها. وفي يوم من الأيام دخلت نقاشا مُثريًا حول هذه القضية مع أستاذي المُربي (عطوة أحمد بخيت) تؤطره أُبوة وصداقة لم ينفرط عقدها إلا بالبعد المكاني والزمني. والذي كان مدرسا مبتعثا من الأزهر في (مدرسة إمامة عُمان) بالقاهرة بعد صلاة المغرب في جامع أبي العلا بمحلة بولاق على كورنيش النيل بالقاهرة على بعد خطوات من مبنى الإذاعة والتليفزيون شتاء عام 1968، 1969 وكان أزهريا وسطيا لا يعرف التمذهب والتحزّب إلى عقله سبيلا. من هنا عرفنا داء هذه الأمة الذي يفتك بها حيث تُستخدم الآراء وتنوّع الأفكار للتفريق بين أبنائها وتمزيق لُحمتها، ومع تقدم الزمن تسربت هذه الأفكار التدميرية إلى نسيج الأمة، بعد أن أدرنا ظهرنا لكل ما هو عقلاني ومنطقي مثل القول الشهير للإمام الشافعي: (رأيي صواب يحتمل الخطأ، والرأي الآخر خطأ يحتمل الصواب) وهذا هو الوجه الصحيح لإيجابية الخلاف بين رؤى الفقهاء والأقطاب والقضاة. وهذا ما كنا نسير على خطاه، وفي غفلة كثر المشتغلون بالفقه الإسلامي وأقلهم من المتخصصين وأكثرهم من غير الدارسين، بل إن البعض قبل أن يؤجر قلمه ورأيه للمشاركة في تمزيق أواصر الأمة الإسلامية بسلاح التمذهُب والطَوْأَفَة.


جريدة الرؤية
١١-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- جريدة الرؤية
من يتحمل مسؤولية ما يحدث في سوريا؟
سالم بن محمد العبري نعلم أن ما يحصل في فلسطين يقوم به كيان محتل عنصري أقيم لمرامٍ استعمارية وألبسوه ثوب التوراتية؛ لكي يتحول الصراع إلى ما يسمى صراع بين الإسلام واليهود الذين وصفهم الله في كتابه الكريم بأنهم ( أشد عداوة للذين آمنوا ) هم والمشركون. واليوم الغرب العلمانيّ يُعادي الأديان السماوية، وما يقرّه من قوانين مثل اعترافه بالمثلية الجنسية وتبنيها وحمايتها ونشرها، إنما يفعل ذلك مستهدفاً هرطقة الشعوب ونشر الانحلال في الأمم ليسهل عليه السيطرة عليها والتحكم بمصائرها من خلال تقدمه العلميّ أو بوسائل الدمار والقتل كما هو ماثل في حرب غزة ولبنان، وسعيه بأدواته إلى تصفية الرموز والقدوات ورجال المقاومة من أمثال إسماعيل هنية وحسن نصر الله يصبّ في نفس السياسات والاتجاهات. أما ما يجري في سوريا وخاصةً في مناطق الساحل؛ حيث تتمركز الأقليات والمعلوم تاريخيًا أنهم جزء من نسيج الشام، ومشاركون في صناعة كل تاريخه ونضاله، ولا يقتصر تاريخهم على فترة نصف القرن الفائت منذ أن تبوأت عائلة حافظ الأسد الصدارة بالدولة السورية، وشاركت في كفاح الأمة ضد الصهيونية والاستعمار ومقاومة التبعية الاقتصادية؛ لكن أعتقد أن مسؤولية الصراعات والمذابح في الساحل السوريّ تعود إلى عدة مُحدِّدات رئيسة: أولًا: إن النظام العربي السائد مُتفرِّق ولا يملك أيّة أوراق ضغط ليمارسها على الدول الراعية لعملية السلام أو التي تملك نفوذا في الشرق الأوسط، فضلًا عن أنّ هذا النظام العربي نصَّبَ نَفسه قاضيا بين الشعوب وحُكّامها وظل معاديا للدولة السورية من قبل اندلاع فوضى الربيع العربيّ التي خطط لها الغرب بعناية فائقة وصولا إلى سقوط النظام السوري. ثانيًا: كان لخروج الرئيس بشار الأسد وتركه الدولة والشعب والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان يلقون هذا المصير خطأً فادحًا قضى على ما تبقّى من رصيد وإنجازات الدولة السورية في خندق المقاومة طوال نصف قرن. وقد كان يستلزم بشار الأسد بسوريا أن يقود الكفاح بما يتوفر وأن يعطي مساحة ومهلة للمعارضة لاستبيان نهجها: هل تريد إصلاحًا وإنقاذًا للدولة والشعب أم هي حلقة من حلقات التآمر على وحدة الأمة تحقيقًا لمقاصد الكيان الصهيوني. نعم يتحمل بشار الأسد المسؤولية الأكبر فيما تسبب في وقوع مجازر وانتهاكات للحرمات والأعراض وكان خيرًا له أن يبقى في سوريا حتى وإن قُتل أو قُدِّم للمحاكمة كصدام حسين، أو يُقدّم استقالته لمجلس رئاسيّ يتولى تسيير الأوضاع، إلّا أن آفة الالتصاق بالمناصب، والتشبث بالكراسي ما زالت لعنتها تطارد العرب منذ العصر الجاهليّ. ثالثًا: لقد كان على بشار الأسد أن يسير على خطى جمال عبد الناصر في إعلان التنحي ويترك للشعب يقرر إزاحته أو استبقاءه. وعلى الرغم من اعتراف عبد الناصر بمسؤوليته عن نكسة وهزيمة يونيو (حزيران) 1967م واعترافه بأخطاء وقعت في الممارسة والقيادة، إلّا أنّ الشعب العربي كله أبى إلّا أن يقف خلفه فنزل على الرغبة الشعبية وبدأ يعيد تصحيح البوصلة ويبني الجيش. رابعًا: في اعتقادي أن بشار الأسد وما خلفه من محيط مهيمن بعد الانتخابات الرئاسية التي أظهرت التفافًا شعبيًا خلف قيادته، لم ينجح في استغلال هذا الزخم في المسارعة بتوظيف نتائج الانتخابات البرلمانية التي تمت في صيف 2024 لصالح التيار الإصلاحيّ؛ بل كان الأجدى أن يُشَار على الرئيس والحزب والقوى السياسية والمؤسسات المشاركة أن يستقيل الرئيس وتُجرى انتخابات بإشراف عربي ودولي مختار لإخراج سوريا من هذه الحرب الطاحنة عربيًا ودوليًا التي غايتها تأمين بقاء الكيان الصهيوني وكشف ظهر المقاومة. حتى خطاب الأسد الأخير في القمة العربية بالرياض كان نشازًا كما في التعبير الشعري للشاعر أبو ريشة [ لا يُلام الذئب في عدوانه/ إن يك الراعي عدو الغنم ]، ثم كان يدور في خلدي تساؤل ماذا لو صمدت سوريا وظلت على نهجها المقاوم حتى وإن بقيت تجاهد كلاميًا ومعنويًا، كيف سيتصرف هذا الظهير والممسك بأدوات الإدارة هل سيصل بهم الشطط إلى تعديل الدستور ليتمكّن الأسد من الترشح من جديد للرئاسة؟ وأخيرًا أقول إن النظام القائم حاليًا في سوريا لا يفكر في النتائج التي قد تحدث بعد الإطاحة بالدولة فغايته الإجهاز على النظم السياسية التي لا تشبهه ولا تلوي قناتها لتماثل تلك القنوات القزمة، بعد أن أسقطوا العراق والسودان وليبيا والحبل على الجرار، ولا يفكرون في الثروات التي ستسرقها الإمبريالية العالمية كما سرقت ذهب ليبيا، ثم إنهم لم يضعوا إطارًا للحكم يضمن حفظ البشر والحجر والثروات، فالغاية كانت إسقاط النظام لتشكُر إسرائيل سعيهم، ثم تنقلب عليهم لتسقط نُظمًا أخرى؛ وهذا هو المصير الأليم.