أحدث الأخبار مع #سايكس_بيكو


منذ 6 أيام
- سياسة
حسم ملف 'الوكلاء' والولاءات العابرة للحدود
في إطار إعادة ترتيب «البيت الأردني»، نحتاج إلى حسم العديد من الملفات التي لا تزال عالقة منذ عقود، استدعاء الحسم، في هذا التوقيت، ضروري لاعتبارات مختلفة؛ منها الاستعداد لمواجهة التحولات و الاستحقاقات السياسية القادمة التي قد تشكل مفصلاً تاريخياً، على صعيد بلدنا والمنطقة، ومنها، أيضاً، ترسيخ الوعي أو تجديده لفكرة «الانتقال الكبير» للدولة الأردنية وهي تدخل مئويتها الثانية، بعد أن سقطت الكثير من الأفكار التي سادت في عالمنا العربي، خلال القرن الماضي، وما زلنا نتقمصها دون غيرنا، حتى الآن. أشير، هنا، إلى قضية مركزية تتعلق بقيمة الدولة وحركتها ومصالحها في المجال العام، الداخلي والخارجي ؛ صحيح من الضروري ترسيم العلاقة بين إدارات الدولة ومؤسساتها، وبين المجتمع والفاعلين فيه، والعكس صحيح أيضاً، هذا الترسيم في سياق الحقوق الواجبات المتبادلة مفهوم قانونياً، لكن ثمة اختلالات في المجال السياسي تحديداً، تستوجب التوضيح والحسم، وفي مقدمتها اختلال فكرة المعارضة، البعض يعتقد أن المعارضة تتناقض مع الوطنية، آخرون وظفوا فكرة المعارضة للاستقواء على الدولة، أو لاستخدامها كرافعة لحمل أو تبني قضايا من خارج الحدود. لكي نفهم أكثر ؛ نشأت وازدهرت في بلدنا تيارات سياسية باسم القومية أو الأممية، أو الدينية أو النضالية، أو باسم زعامات ورموز في أقطار أخرى، اعتمدت أجندات غير أردنية وخارج السياق الوطني، أصحاب هذه التيارات أصبحوا (وكلاء ) لدول وتنظيمات متعددة، ووظفوا معارضتهم للدفاع عنها، ثم استخدموا الأردن كساحة صراع لمقايضة الدولة وإحراجها، أغلبية هؤلاء لا يؤمنون، أصلا، بفكرة الدولة، ولا يعتقدون أن من حق الأردنيين أن يكون لهم هوية أو دولة وطنية، الأردن في نظر بعضهم دولة وظيفية، او وصمة لمؤامرة سايكس بيكو، أو أرض للحشد والرباط، أو وطن بديل للآخرين. بصراحة أكثر، من واجب الدولة الأردنية أن تتحرك باتجاه حسم ملف «الوكلاء» السياسيين في بلدنا، لا يجوز لأي حزب أو تنظيم أن يعمل على الأرض الأردنية تحت أي أجندة غير وطنية، لا بالاسم ولا بالأيدولوجيا، ما حدث للجماعة المحظورة يجب أن يُعمّم على غيرها من الأحزاب وامتدادات الفصائل والمنظمات، الدولة الأردنية هي الإطار العام الذي تتحرك فيه العملية السياسية، أو هكذا يجب، الهوية الأردنية هي البصمة الوحيدة التي يتميز بها الأردنيون وعليها يتحدون، أو هكذا يجب، الأردن هو الأجندة التي يلتزم بها الجميع، أو هكذا يجب أيضاً. إعادة ترتيب (البيت الأردني) لابد أن تبدأ من دائرة حسم الولاءات وفرز الأجندات وقص خيوط الامتدادات العابرة للحدود، ولاء الأردني وبوصلته الوطنية الحقة هي للأردن، الدولة والوطن أولاً، لا مصالح تعلو أو تتقدم على مصلحة الأردن، لا يجوز أن تنشأ أي علاقات لأي تنظيم مع دولة أو تنظيم خارج الحدود إلا في سياق الدولة الأردنية، وبما يتوافق مع مصالحها، معادلة وضع الأقدام في أكثر من مكان ولحساب أطراف غير أردنية، تحت أي مظلة سياسية، يجب أن تنتهي، الدولة الوطنية هي عنوان المنعة في هذه المرحلة الخطيرة، ومن يغرد خارج هذا السرب يجب أن يعيد حساباته، وعي الأردنيين على الأردن ومن أجله أصبح حقيقة، لا مجال للنقاش فيها.


الجزيرة
٠٧-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الجزيرة
في رثاء "سايكس بيكو" والتعايش الهش
في البداية كان "الوطن" بحلول السادس عشر من مايو/ أيار، تُكمل اتفاقية سايكس بيكو عامها التاسع بعد المئة، تلك اللحظة الفارقة التي استفاق فيها سكان بلاد الشام والعراق ليكتشفوا أن مناطق "أ" و"ب" والحمراء، والزرقاء والسمراء، التي رسمها على عجل كلٌّ من مارك سايكس وجورج بيكو، تحوّلت إلى كيانات جديدة تُدعى: سوريا، العراق، فلسطين، شرق الأردن. مذ ذلك اليوم وحتى الآن، ابتداءً بسلطات الانتداب، مرورًا بحكومات الاستقلال، وصولًا لجنرالات الانقلابات، الذين تناوبوا جميعهم على إقناع شعوب هذه الكيانات بأن العالم بأسره يتآمر على "أوطانهم" وثرواتها وحدودها، وأن الدفاع عنها في مواجهة أطماع الشقيق قبل الغريب واجب مقدّس يستحق التضحية بالغالي قبل الرخيص.. تكيفت شعوب هذه المناطق بصورة من التعايش الذي ظل صامدًا لأكثر من مئة عام. لعل التوغّل الإسرائيلي في جنوب الليطاني اللبناني، وجبل الشيخ السوري، وقطاع غزة الفلسطيني، كان أول عبث حقيقي بحدود سايكس بيكو، تزامن مع فوضى مخاض الثورة الصناعية الرابعة، والنظام العالمي الجديد، وتخبط القطب الأميركي الذي كان الضامن لهذه الحدود، كمحور فيلادلفيا -أو صلاح الدين- الذي يفصل غزة عن مصر أمة عربية واحدة ذات حدود راسخة على مدى عقود، كانت حدود سايكس بيكو شماعة مثالية تُعلَّق عليها سلسلة الإخفاقات العربية، من النكبات إلى النكسات، مرورًا بمحاولات التوحّد الثنائية والثلاثية، التي كانت تنهار أمام أول اختبار حقيقي لتغيير الحدود المرسومة. وبالرغم أن الشعار ظل يصدح: "أمة عربية واحدة"، فإن الواقع كان يعكس انفصالًا صارخًا بين المبادئ والأفعال، لا سيما بين سدنة الفكر القومي، جناحي حزب البعث في العراق وسوريا. فبينما كانا يرفعان ذات الراية، اتسمت العلاقة بين النظامين بالتنافر والتنافس وتبادل الاتهامات، ومحل إقامة "الرفيق" ميشيل عفلق، مؤسس ومنظّر حزب البعث، وليقف النظام العراقي حارسًا على "البوابة الشرقية" للوطن العربي -عدا الكويت-، ويمنح النظام السوري جواز سفر مكتوبًا فيه: "يسمح للسوري السفر إلى كل بلدان العالم عدا العراق"! محور فيلادلفيا وتراث صلاح الدين بعد مرور مئة عام على سايكس بيكو، جاء صخب الربيع العربي ليقلق رقاد تلك "الحدود المصطنعة"، معلنًا بداية تشكل شرق أوسط جديد. ولعل التوغّل الإسرائيلي في جنوب الليطاني اللبناني، وجبل الشيخ السوري، وقطاع غزة الفلسطيني، كان أول عبث حقيقي بحدود سايكس بيكو، تزامن مع فوضى مخاض الثورة الصناعية الرابعة، والنظام العالمي الجديد، وتخبط القطب الأميركي الذي كان الضامن لهذه الحدود، كمحور فيلادلفيا -أو صلاح الدين- الذي يفصل غزة عن مصر. وبالتمعن بتراث "صلاح الدين"، القائد الذي نشأ في العراق وجمع جيشه في سوريا لتحرير فلسطين، فقد بات يحتاج الآن إلى معجزة لا ليحرر، بل فقط ليعبر هذه الدول التي تحوّلت حدودها إلى متاريس سياسية وأمنية، أما صلاح الدين -المحور- فقد تحول إلى حبل يُخنق به الشعب الفلسطيني، مقابل عربدة فائض القوة الإسرائيلية المدعوم بالتآمر العالمي، والمنقول على الهواء مباشرة في زمن طغى فيه الواقع التجزيئي والحروب الإلغائية على أي حلم حتى بالمحافظة على حدود سايكس بيكو. من الأهمية بمكان أن نعلم أن التحدي الأبرز لم يعد فقط في تجاوز الماضي، بل في الحفاظ على ما تبقى من استقرار، ومنع تحوّل الولاءات الطائفية والقومية إلى كيانات منفصلة وهشة، غير قادرة على البقاء، فضلًا عن الحياة لوحة الفسيفساء الوطنية والنعرات الطائفية في مفارقة تاريخية لافتة، تحوّلت الانتماءات العرقية والطائفية -التي حاول الانتداب قديمًا توظيفها لتقسيم المقسَّم وتفتيت الكيانات الحديثة إلى دويلات أصغر، ورفضتها شعوب المنطقة وقتَها- إلى القوى الوحيدة التي نجحت حاضرًا في تجاوز حدود سايكس بيكو؛ فـ"محور المقاومة" الشيعي و"كردستان الكبرى" الكردي يُعدّان أبرز مثالين على الانتماءات العابرة للحدود، إلا أن هذه المشاريع -رغم تمكّنها من خلق توازنات مرحلية جديدة- تبقى وظيفية ومحكومة بظروف سياسية متغيّرة، ومرتبطة بتحالفات إقليمية ودولية، تخضع في شرعيتها لما تسمح به القوى الكبرى تحت عباءة "سايكس بيكو". ضرورة التعايش والأسئلة الهامة منذ اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، مرورًا بالصراعات الطائفية والسياسية في العراق، وصولًا إلى المأساة السورية، لا يزال السؤال الجوهري يطرح نفسه بإلحاح: هل تستطيع شعوب هذه المنطقة أن تتعايش، رغم التنوّع العرقي والديني، وتباين الولاءات والانتماءات؟ وما هي الحدود التي يجب أن تزول لأنها وُضعت لتُفرّق وتزرع الانقسام، وتلك التي ينبغي أن تُحترم لأنها تحفظ التوازن وتضمن الحقوق؟ إعلان من الأهمية بمكان أن نعلم أن التحدي الأبرز لم يعد فقط في تجاوز الماضي، بل في الحفاظ على ما تبقى من استقرار، ومنع تحوّل الولاءات الطائفية والقومية إلى كيانات منفصلة وهشة، غير قادرة على البقاء، فضلًا عن الحياة. وذلك يتطلب إعادة صياغة عقد اجتماعي جديد، قائم على العدالة والمشاركة، يحفظ كرامة الفرد، ويكرّس احترام التعددية، ويحوّل المصالح المشتركة إلى أساس للتفاهم لا للتناحر. في ظل الفوضى العالمية الراهنة، لم يعد التعايش خيارًا، بل ضرورة وجودية تفرضها الحاجة إلى البقاء المشترك ضمن حدود قابلة للحياة، لا للتفكك.