أحدث الأخبار مع #سندباد


العربي الجديد
منذ 2 أيام
- ترفيه
- العربي الجديد
عيسى مخلوف.. دفاتر شاعر باريسي
في كتابه "قوت الأرض والقوت الجديد"، يكتب الأديب الفرنسي أندريه جيد قائلاً: "لتكن الأهمية في نظرك، لا في الشيء الذي تنظر إليه". تصحّ هذه العبارة في كتاب الشاعر والأديب والأكاديمي اللبناني عيسى مخلوف "باريس التي عشتُ، دفتر يوميات" (2025)، الصادر عن منشورات "المؤسسة العربية للدراسات والنشر"، والذي نال جائزة ابن بطوطة للرحلة المعاصرة في سلسلة "سندباد الجديد" التي تحتفي بأدب الرحلة وتتطلع من خلال الأمكنة إلى "استكشاف طبيعة الوعي بالذات والآخر". ينظر مخلوف في كتابه، بكثير من الأهمية، إلى أيامه الباريسية ، و"بعيون أخرى" على ما يقول الاستشهاد البروستي الذي يفتتح به الكتاب، مازجاً في نظرته الذاتي والموضوعي، الواقعي والمتخيَّل، بحيث باتت أصداء المكان المرئي تتردد في نفسه. هكذا أصبحت الأمكنة كثيرة في المكان الواحد، وانبسطت اليوميات الباريسية الممتدة في الذاكرة في نصوص اكتسبت سحرها، لا من الأمكنة ذاتها فحسب، بل من أناس صنعوا فيها ذكرياته. فباتت كالمنازل التي تترك بصماتها في النفس، لارتباطها بأديب أو مفكر أو شاعر أو فنان أو لوحة أو منحوتة أو قصيدة أو حديقة غيّرت نظرة مخلوف للمدينة التي يعيش فيها ويطلّ منها على العالم. ألم يقل لنا هايدغر إن جوهر الإنسان يكمن في كونه موجوداً في مكان يشعر به؟ الكتاب امتداد لكتابين سابقين: "تفاحة الفردوس: تساؤلات حول الثقافة المعاصرة" و"ضفاف أخرى"، ولا سيما الفصل المعنون "باريس مسرح الحياة المكشوف". كأن الكاتب يختتم به ثلاثية ترصد، منذ أواخر القرن الماضي، تغيّر مدينة كانت "تتوهّج على المستويين الثقافي والإبداعي وتتعدّد فيها روافد الآداب والفنون، وتصبّ في فضائها الواسع آتيةً إليها من جميع الأماكن، بما فيها العالم العربي، قبل أن يخفت صوت الفكر على المستوى العالمي، ويتراجع الحسّ النقدي، وتتلعثم الآداب والفنون تحت ضربات المال المنتصر الذي يلغي كلّ ما يتعذّر تسليعه وتحويله أداةً للمنفعة المادية"، على ما يكتب في مقدمة الكتاب. انطلاقاً من تصوّر أول، يخطّ عيسى مخلوف صورة باريس مدينة الحرية والحياة الفكرية والثقافية وميادينها الإبداعية في الفنون والآداب والفكر والعلوم، التي عرفها منذ أواخر سبعينيات القرن العشرين، وتسنى له فيها لقاء كُتّاب وشعراء عالميين وباحثين فرنسيين تعرّف عميقاً إلى نتاجهم، وعقد أواصر صداقة مع بعضهم. لكنه يتحدث عنها أيضاً وهي واقفة اليوم على مفترق عالم يتراجع فيه الاهتمام بالثقافة والعلوم الإنسانية والاجتماعية، التي أصبحت، بالنسبة للبعض، سلعة وأداة إلهاء وتسلية، أو من لزوم ما لا يلزم. ففي العاصمة الفرنسية، بدأت منذ فترة بعض المجلات الفكرية بإغلاق أبوابها، وبعض دور النشر والمكتبات تتحول إلى متاجر ومقاهٍ فاخرة، في استجابة لسلطة رأس المال الذي بدأ يستولي على روح المدينة. اقتفاء أثر المدينة في تكوين الكاتب الثقافي والفكري أمام هذه التحوّلات الجذرية والتحديات المتسارعة، يتساءل عيسى مخلوف عن جدوى الكتابة في زمن بدأت فيه ملامح باريس الثقافية تتغيّر. لكنه، في لحظات الشك والتعثّر، يعود ليراها ملاذاً ومساراً يُفضي إلى عوالم تربطه بما تبقّى من روح المدينة التي كانت ذات يوم عاصمة للفن والشعر والأدب والفلسفة. فالكتابة، بالنسبة إليه، شرارة تُشعل الكلمات، تلك التي وصفها هايدغر بأنها "بيت الكينونة أو الوجود"، فتحوّلها إلى تجلّيات حيّة تنعش ما أوشك أن يذبل في مدينة خفت فيها النور الذي لطالما تميّزت به. ومن خلال دفتر يومياته، الذي يشبه حدائق نثرية، يدوّن مخلوف تجربته، جامعاً بين جمال اللغة، وعمق الفكر، ووهج الذكريات التي تركتها باريس في أعماقه. ويخالف مخلوف الجغرافي الفرنسي بول فيدال دولابلاش، الذي يتحدث عن الأماكن بوصفها جغرافيا لا علاقة لها بالبشر، يؤكد أن الأماكن لا تنطق بذاتها، بل بناسها، إن تغيّروا تغيّرت. هكذا يبدأ الشاعر دفتر اليوميات بمقدمة يصف فيها ما يجري من حوله في العاصمة الفرنسية، منذ وصوله إليها قادماً من فنزويلا، حيث هرب من أتون الحرب الأهلية المستعرة في لبنان، لمتابعة تحصيله العلمي في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية. فأصبحت مقرّ إقامته ومنطلق أسفاره ومقرّ عمله في الصحافة والإعلام، ما أتاح له لقاء "أدباء وفنانين ومفكرين فرنسيين وأوروبيين وأميركيين لاتينيين، فضلاً عن مثقفين وكُتّاب عرب يقيمون في المدينة" أو مرّوا بها. باريس عيسى مخلوف ليست مجرّد إطار جغرافي جميل تقع فيه الأحداث. فقد شكّلت هذه المدينة الحيّز الأساسي الذي دخل فيه الكاتب في تفاعل ديناميكي مع محيطه، وأضحت شاهداً فاعلاً على تجليات حياته، ومسرحاً تجري على خشبته لقاءات وتجارب تركت بصماتها على مسيرته الأدبية والفكرية. ففي شوارعها ومحترفاتها وصالاتها، رافق عيسى مخلوف إيتل عدنان وسيمون فتّال وصليبا الدويهي وشفيق عبود وآدم حنين، وفيها التقى إدوارد سعيد وسعد الله ونوس، واستمع إلى محاضرات ميشيل فوكو وكلود ليفي ستروس ورولان بارت وجاك بيرك وإيف بونفوا وأندريه ميكيل، وصادق صلاح ستيتيه وأدونيس ومحمود درويش وفاروق مردم بك وأمجد ناصر، وقابل بورخيس، وراسل فيليب جاكوتيه، وقرأ مارسيل بروست وسواهم. وقد خصّ مخلوف كل واحد من هؤلاء الفنانين التشكيليين والشعراء والأدباء والمفكرين والأكاديميين بفصل ضمّنه آراءهم وأفكارهم وتجربتهم الفنية، ومواقفهم من القضايا الإنسانية الكبرى، كالقضية الفلسطينية، والحروب، والهجرة، والمنفى، والرأسمالية، والحب، والصداقة، والموت، والمثاقفة، والعولمة، والشعر، والأدب، وغيرها. فإذا بكتابه رحلة في مسرى حياة كل واحد من هؤلاء، وفي رؤيته لنتاجهم انطلاقاً من انشغالات ذاتية. لعل دفتر يوميات عيسى مخلوف الباريسية ذريعة للتفكير في إسهامات هذه الوجوه والأسماء في الثقافة والفكر والرسم والنحت والعلوم الإنسانية. لكنه، في الوقت عينه، سيرة ذاتية تفيض بالومضات، وتمزج بحرارة خفية بين حكايا من مرّوا في حياته، والمواقف التي شهد عليها. إنه تداخل جميل بين السيرة الذاتية والسيرة الغيرية، والدراسات الأدبية والفنية، والقراءات المتأنية لبعض القضايا الفكرية الكبرى، ما يجعل من الكتاب مرجعاً في فكر ونتاج كل اسم من الأسماء الواردة فيه، ولو انطلق من تجربة شخصية. كلّ فصل من فصول "باريس التي عشت" تبحّر في سؤال، يبدأ من مكان، لينفتح انطلاقاً منه على أسئلة لا حصر لها، تنصهر في معالجتها معارف الكاتب ومواقفه وآراؤه المقيمة على تقاطع الثقافات والحضارات. هكذا نقرأ ما كتبه مخلوف عن جان جينيه "اللقيط والمنبوذ والمجروح في الوجود"، ورواياته ونصوصه الإبداعية كـ"أسير عاشق" أو "أربع ساعات في شاتيلا" الذي وضعه إثر زيارته المخيّم بعد المذبحة المقيتة برفقة مندوبة فلسطين السابقة في فرنسا ليلى شهيد، التي تعرّف مخلوف إليها، والتي ارتبطت بعلاقة صداقة مع أدباء كجينيه ومحمد برادة ومحمود درويش، والتي تحدث مراراً معها عن الأديب الفرنسي وما أثاره نتاجه، الذي خصّه كبار الفلاسفة كجورج باتاي وجان بول سارتر وجاك دريدا بدراساتٍ معمقة. ونقرأ أيضاً ما كتبه عن إدوارد سعيد، الذي التقاه في باريس، مناقشاً إياه في قضايا الاستشراق ومفهوم الشرق والغرب والاستعمار، وتعرّفه إلى الروائية الجزائرية آسيا جبار التي أصبحت عضواً في الأكاديمية الفرنسية، وأحاديثهما، انطلاقاً من رواياتها ونصوصها الأدبية، عن المرأة والحب والهوية والمكان الضائع، وحواره مع الكاتب والشاعر والمترجم الأرجنتيني بورخيس حول مجموعاته القصصية التي تتصل بموضوعات مثل الأحلام والمتاهات والمكتبات والمرايا والأساطير والشعر والعمى، مستكشفاً حبكات رواياته وأفكاره ونظرته إلى نفسه والعالم، وعلاقته بالموروث العربي، لا سيما بكتاب ألف ليلة وليلة. هذه الرحلات في سِفْر الآخرين ووقع كتاباتهم في الذات، يسكبها عيسى مخلوف بلغة أثيرية يتكثّف فيها النور، ولو تناولت موضوعات التقنيات وثورة المعلومات والمجتمعات الاستهلاكية وآخر منجزات التطبيقات الإلكترونية في زمن سطوة المال والعولمة. منذ الكلمة الأولى التي يفتتح بها كتابه، حتى الملاحق التي ضمّت مختارات من قصائد لشعراء فرنسيين أو عرب كتبوا باللغة الفرنسية، ترجمها مخلوف، فضلاً عن لوحات ورسوم ورد ذكرها في الكتاب شكّلت جزءاً من ذاكرته، لكنها طرحت السؤال عن الفن والجمال ومعناهما في زمن التغيّرات والتحولات، يضع مخلوف قرّاءه في ألفة ضوء يتناثر هنا وثمّة. نثر يتحرك بين السيرة الذاتية والفلسفة والشعر والفن نقرأ كتابه الذي يصعب حصره في تعريف، من أوله إلى آخره، أو من آخره إلى أوله، فنجد أنفسنا أمام تجربة داخلية وتأملات فلسفية ومحاورات ونصوص نقدية أدبية وفنية، تتحرك بين السيرة الذاتية والفلسفة والشعر والسياسة والاجتماع وكل الإبداعات الثقافية، التي ينهل منها مادة أدبه وشعره وآرائه على حد سواء، ما حوّل الإقامة الباريسية إلى اكتشاف للذات، نخرج من بريقها ممتلئين وهجاً. سرّ الكتاب قوله إن المدينة تحتضن العالم، وإن النفس لا نلقاها إن انعزلنا والتصقنا بالأرض التي نشأنا عليها. فالمدى جزء من كينونتنا، التي نلتقطها في وجوه الآخرين، وفي خبراتهم وأفكارهم وتساؤلاتهم المصيرية، وسط سعير التصادم بين ماضٍ جميل وآتٍ بدأت تباشيره المقلقة تلوح في الأفق، وعلى رأسها تغيّر المعنى الثقافي وموقع الأدب والشعر والفكر والفنون في العالم. على هذا الصعيد، يتبدى سفر عيسى مخلوف ويومياته، إذن، امتداداً نحو الآخر والعالم والفكر والفن. إنه رحلة بين الشرق والغرب، وحجّ إلى الذات، مبتغاه عند من تعاطى الشعر، حَمَل قرّاءه على الاتصال بالمطلق، في تجاوز مستمر للنفس المتغيّرة على وقع موسيقى أو مشاهدة فيلم أو التأمل بمنحوتة أو لوحة أو قصيدة أو لقاء أشخاص كشفوا أمامه ما كان يطالعه دوماً ولا يراه. * كاتبة وأكاديمية من لبنان كتب التحديثات الحية دايفيد إدموندز.. إعادة التفكير في "معضلة العربة"


إيطاليا تلغراف
منذ 3 أيام
- ترفيه
- إيطاليا تلغراف
عيسى مخلوف.. دفاتر شاعر باريسي - إيطاليا تلغراف
إيطاليا تلغراف مارلين كنعان أكاديمية لبنانية مختصّة في الفلسفة والحضارات. في كتابه 'قوت الأرض والقوت الجديد'، يكتب الأديب الفرنسي أندريه جيد قائلاً: 'لتكن الأهمية في نظرك، لا في الشيء الذي تنظر إليه'. تصحّ هذه العبارة في كتاب الشاعر والأديب والأكاديمي اللبناني عيسى مخلوف 'باريس التي عشتُ، دفتر يوميات' (2025)، الصادر عن منشورات 'المؤسسة العربية للدراسات والنشر'، والذي نال جائزة ابن بطوطة للرحلة المعاصرة في سلسلة 'سندباد الجديد' التي تحتفي بأدب الرحلة وتتطلع من خلال الأمكنة إلى 'استكشاف طبيعة الوعي بالذات والآخر'. ينظر مخلوف في كتابه، بكثير من الأهمية، إلى أيامه الباريسية، و'بعيون أخرى' على ما يقول الاستشهاد البروستي الذي يفتتح به الكتاب، مازجاً في نظرته الذاتي والموضوعي، الواقعي والمتخيَّل، بحيث باتت أصداء المكان المرئي تتردد في نفسه. هكذا أصبحت الأمكنة كثيرة في المكان الواحد، وانبسطت اليوميات الباريسية الممتدة في الذاكرة في نصوص اكتسبت سحرها، لا من الأمكنة ذاتها فحسب، بل من أناس صنعوا فيها ذكرياته. فباتت كالمنازل التي تترك بصماتها في النفس، لارتباطها بأديب أو مفكر أو شاعر أو فنان أو لوحة أو منحوتة أو قصيدة أو حديقة غيّرت نظرة مخلوف للمدينة التي يعيش فيها ويطلّ منها على العالم. ألم يقل لنا هايدغر إن جوهر الإنسان يكمن في كونه موجوداً في مكان يشعر به؟ الكتاب امتداد لكتابين سابقين: 'تفاحة الفردوس: تساؤلات حول الثقافة المعاصرة' و'ضفاف أخرى'، ولا سيما الفصل المعنون 'باريس مسرح الحياة المكشوف'. كأن الكاتب يختتم به ثلاثية ترصد، منذ أواخر القرن الماضي، تغيّر مدينة كانت 'تتوهّج على المستويين الثقافي والإبداعي وتتعدّد فيها روافد الآداب والفنون، وتصبّ في فضائها الواسع آتيةً إليها من جميع الأماكن، بما فيها العالم العربي، قبل أن يخفت صوت الفكر على المستوى العالمي، ويتراجع الحسّ النقدي، وتتلعثم الآداب والفنون تحت ضربات المال المنتصر الذي يلغي كلّ ما يتعذّر تسليعه وتحويله أداةً للمنفعة المادية'، على ما يكتب في مقدمة الكتاب. انطلاقاً من تصوّر أول، يخطّ عيسى مخلوف صورة باريس مدينة الحرية والحياة الفكرية والثقافية وميادينها الإبداعية في الفنون والآداب والفكر والعلوم، التي عرفها منذ أواخر سبعينيات القرن العشرين، وتسنى له فيها لقاء كُتّاب وشعراء عالميين وباحثين فرنسيين تعرّف عميقاً إلى نتاجهم، وعقد أواصر صداقة مع بعضهم. لكنه يتحدث عنها أيضاً وهي واقفة اليوم على مفترق عالم يتراجع فيه الاهتمام بالثقافة والعلوم الإنسانية والاجتماعية، التي أصبحت، بالنسبة للبعض، سلعة وأداة إلهاء وتسلية، أو من لزوم ما لا يلزم. ففي العاصمة الفرنسية، بدأت منذ فترة بعض المجلات الفكرية بإغلاق أبوابها، وبعض دور النشر والمكتبات تتحول إلى متاجر ومقاهٍ فاخرة، في استجابة لسلطة رأس المال الذي بدأ يستولي على روح المدينة. اقتفاء أثر المدينة في تكوين الكاتب الثقافي والفكري أمام هذه التحوّلات الجذرية والتحديات المتسارعة، يتساءل عيسى مخلوف عن جدوى الكتابة في زمن بدأت فيه ملامح باريس الثقافية تتغيّر. لكنه، في لحظات الشك والتعثّر، يعود ليراها ملاذاً ومساراً يُفضي إلى عوالم تربطه بما تبقّى من روح المدينة التي كانت ذات يوم عاصمة للفن والشعر والأدب والفلسفة. فالكتابة، بالنسبة إليه، شرارة تُشعل الكلمات، تلك التي وصفها هايدغر بأنها 'بيت الكينونة أو الوجود'، فتحوّلها إلى تجلّيات حيّة تنعش ما أوشك أن يذبل في مدينة خفت فيها النور الذي لطالما تميّزت به. ومن خلال دفتر يومياته، الذي يشبه حدائق نثرية، يدوّن مخلوف تجربته، جامعاً بين جمال اللغة، وعمق الفكر، ووهج الذكريات التي تركتها باريس في أعماقه. ويخالف مخلوف الجغرافي الفرنسي بول فيدال دولابلاش، الذي يتحدث عن الأماكن بوصفها جغرافيا لا علاقة لها بالبشر، يؤكد أن الأماكن لا تنطق بذاتها، بل بناسها، إن تغيّروا تغيّرت. هكذا يبدأ الشاعر دفتر اليوميات بمقدمة يصف فيها ما يجري من حوله في العاصمة الفرنسية، منذ وصوله إليها قادماً من فنزويلا، حيث هرب من أتون الحرب الأهلية المستعرة في لبنان، لمتابعة تحصيله العلمي في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية. فأصبحت مقرّ إقامته ومنطلق أسفاره ومقرّ عمله في الصحافة والإعلام، ما أتاح له لقاء 'أدباء وفنانين ومفكرين فرنسيين وأوروبيين وأميركيين لاتينيين، فضلاً عن مثقفين وكُتّاب عرب يقيمون في المدينة' أو مرّوا بها. باريس عيسى مخلوف ليست مجرّد إطار جغرافي جميل تقع فيه الأحداث. فقد شكّلت هذه المدينة الحيّز الأساسي الذي دخل فيه الكاتب في تفاعل ديناميكي مع محيطه، وأضحت شاهداً فاعلاً على تجليات حياته، ومسرحاً تجري على خشبته لقاءات وتجارب تركت بصماتها على مسيرته الأدبية والفكرية. ففي شوارعها ومحترفاتها وصالاتها، رافق عيسى مخلوف إيتل عدنان وسيمون فتّال وصليبا الدويهي وشفيق عبود وآدم حنين، وفيها التقى إدوارد سعيد وسعد الله ونوس، واستمع إلى محاضرات ميشيل فوكو وكلود ليفي ستروس ورولان بارت وجاك بيرك وإيف بونفوا وأندريه ميكيل، وصادق صلاح ستيتيه وأدونيس ومحمود درويش وفاروق مردم بك وأمجد ناصر، وقابل بورخيس، وراسل فيليب جاكوتيه، وقرأ مارسيل بروست وسواهم. وقد خصّ مخلوف كل واحد من هؤلاء الفنانين التشكيليين والشعراء والأدباء والمفكرين والأكاديميين بفصل ضمّنه آراءهم وأفكارهم وتجربتهم الفنية، ومواقفهم من القضايا الإنسانية الكبرى، كالقضية الفلسطينية، والحروب، والهجرة، والمنفى، والرأسمالية، والحب، والصداقة، والموت، والمثاقفة، والعولمة، والشعر، والأدب، وغيرها. فإذا بكتابه رحلة في مسرى حياة كل واحد من هؤلاء، وفي رؤيته لنتاجهم انطلاقاً من انشغالات ذاتية. لعل دفتر يوميات عيسى مخلوف الباريسية ذريعة للتفكير في إسهامات هذه الوجوه والأسماء في الثقافة والفكر والرسم والنحت والعلوم الإنسانية. لكنه، في الوقت عينه، سيرة ذاتية تفيض بالومضات، وتمزج بحرارة خفية بين حكايا من مرّوا في حياته، والمواقف التي شهد عليها. إنه تداخل جميل بين السيرة الذاتية والسيرة الغيرية، والدراسات الأدبية والفنية، والقراءات المتأنية لبعض القضايا الفكرية الكبرى، ما يجعل من الكتاب مرجعاً في فكر ونتاج كل اسم من الأسماء الواردة فيه، ولو انطلق من تجربة شخصية. كلّ فصل من فصول 'باريس التي عشت' تبحّر في سؤال، يبدأ من مكان، لينفتح انطلاقاً منه على أسئلة لا حصر لها، تنصهر في معالجتها معارف الكاتب ومواقفه وآراؤه المقيمة على تقاطع الثقافات والحضارات. هكذا نقرأ ما كتبه مخلوف عن جان جينيه 'اللقيط والمنبوذ والمجروح في الوجود'، ورواياته ونصوصه الإبداعية كـ'أسير عاشق' أو 'أربع ساعات في شاتيلا' الذي وضعه إثر زيارته المخيّم بعد المذبحة المقيتة برفقة مندوبة فلسطين السابقة في فرنسا ليلى شهيد، التي تعرّف مخلوف إليها، والتي ارتبطت بعلاقة صداقة مع أدباء كجينيه ومحمد برادة ومحمود درويش، والتي تحدث مراراً معها عن الأديب الفرنسي وما أثاره نتاجه، الذي خصّه كبار الفلاسفة كجورج باتاي وجان بول سارتر وجاك دريدا بدراساتٍ معمقة. ونقرأ أيضاً ما كتبه عن إدوارد سعيد، الذي التقاه في باريس، مناقشاً إياه في قضايا الاستشراق ومفهوم الشرق والغرب والاستعمار، وتعرّفه إلى الروائية الجزائرية آسيا جبار التي أصبحت عضواً في الأكاديمية الفرنسية، وأحاديثهما، انطلاقاً من رواياتها ونصوصها الأدبية، عن المرأة والحب والهوية والمكان الضائع، وحواره مع الكاتب والشاعر والمترجم الأرجنتيني بورخيس حول مجموعاته القصصية التي تتصل بموضوعات مثل الأحلام والمتاهات والمكتبات والمرايا والأساطير والشعر والعمى، مستكشفاً حبكات رواياته وأفكاره ونظرته إلى نفسه والعالم، وعلاقته بالموروث العربي، لا سيما بكتاب ألف ليلة وليلة. هذه الرحلات في سِفْر الآخرين ووقع كتاباتهم في الذات، يسكبها عيسى مخلوف بلغة أثيرية يتكثّف فيها النور، ولو تناولت موضوعات التقنيات وثورة المعلومات والمجتمعات الاستهلاكية وآخر منجزات التطبيقات الإلكترونية في زمن سطوة المال والعولمة. منذ الكلمة الأولى التي يفتتح بها كتابه، حتى الملاحق التي ضمّت مختارات من قصائد لشعراء فرنسيين أو عرب كتبوا باللغة الفرنسية، ترجمها مخلوف، فضلاً عن لوحات ورسوم ورد ذكرها في الكتاب شكّلت جزءاً من ذاكرته، لكنها طرحت السؤال عن الفن والجمال ومعناهما في زمن التغيّرات والتحولات، يضع مخلوف قرّاءه في ألفة ضوء يتناثر هنا وثمّة. نثر يتحرك بين السيرة الذاتية والفلسفة والشعر والفن نقرأ كتابه الذي يصعب حصره في تعريف، من أوله إلى آخره، أو من آخره إلى أوله، فنجد أنفسنا أمام تجربة داخلية وتأملات فلسفية ومحاورات ونصوص نقدية أدبية وفنية، تتحرك بين السيرة الذاتية والفلسفة والشعر والسياسة والاجتماع وكل الإبداعات الثقافية، التي ينهل منها مادة أدبه وشعره وآرائه على حد سواء، ما حوّل الإقامة الباريسية إلى اكتشاف للذات، نخرج من بريقها ممتلئين وهجاً. سرّ الكتاب قوله إن المدينة تحتضن العالم، وإن النفس لا نلقاها إن انعزلنا والتصقنا بالأرض التي نشأنا عليها. فالمدى جزء من كينونتنا، التي نلتقطها في وجوه الآخرين، وفي خبراتهم وأفكارهم وتساؤلاتهم المصيرية، وسط سعير التصادم بين ماضٍ جميل وآتٍ بدأت تباشيره المقلقة تلوح في الأفق، وعلى رأسها تغيّر المعنى الثقافي وموقع الأدب والشعر والفكر والفنون في العالم. على هذا الصعيد، يتبدى سفر عيسى مخلوف ويومياته، إذن، امتداداً نحو الآخر والعالم والفكر والفن. إنه رحلة بين الشرق والغرب، وحجّ إلى الذات، مبتغاه عند من تعاطى الشعر، حَمَل قرّاءه على الاتصال بالمطلق، في تجاوز مستمر للنفس المتغيّرة على وقع موسيقى أو مشاهدة فيلم أو التأمل بمنحوتة أو لوحة أو قصيدة أو لقاء أشخاص كشفوا أمامه ما كان يطالعه دوماً ولا يراه.


المنتخب
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- رياضة
- المنتخب
مصطفى بدري: أتقاسم هذا التكريم مع أسرتي الصغيرة
تم تكريم زميلنا الأستاذ مصطفى بدري المدير العام لمؤسسة " المنتخب" في حفل جوائز الإتحاد الدولي للصحافة للرياضية، وذلك تكريما لمساره الإعلامي الطويل كأحد القامات الإعلامية الوطنية و" سندباد" الصحافة الرياضية الوطنية و " المنتخب". وقدم الأستاذ مصطفى بدري الشكر للإتحاد الدولي للصحافة الرياضية وللجمعية المغربية للصحافة الرياضية على هذه اللحظة التاريخية وهو يتسلم تذكار التكريم من يد رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم السيد فوزي لقجع وإعتبر هذا التكريم لحظة تاريخية في مساره مشيرا بأن هذا تنظيم هذا المؤتمر يأتي بعد إصرار من ثلة من الصحافيين الرياضيين منذ عام 2003 على أن ينظم ببلادنا وتم تنظيمه عام 2005، وبعد 20 سنة يعود لتنظيمه على أرض المملكة المغربية. ولم يفوت الزميل الأستاذ مصطفى بدري الفرصة تمر دون أن يهدي تكريمه لعائلته الصغيرة حيث قال في كلمة عميقة بأن هذ التكريم إهداء لعائلته التي ربت ورعت أبناءه وقد خطفته الصحافة حتى وجدهم قد وصلوا لمستويات تعليمية مهمة، مؤكدا بأن الإعتراف في هذه المنصة الدولية له شعور خاص في مساره الإعلامي.


النهار المصرية
٠٦-٠٥-٢٠٢٥
- النهار المصرية
لجنة فنية من هيئة السلامة البحرية تحقق في أسباب غرق غواصة 'سندباد' بالغردقة
كلّفت جهات التحقيق بمدينة الغردقة لجنة فنية متخصصة من هيئة السلامة البحرية بالإسكندرية، لفحص غواصة "سندباد" التي تعرضت للغرق في مارس الماضي، ما أسفر عن وفاة 6 سائحين روس، وإنقاذ 39 آخرين. وأدت اللجنة اليمين القانونية أمام جهات التحقيق، تمهيدًا لبدء أعمال الفحص الفني، والتي تشمل مراجعة أجهزة الغواصة، حالتها الفنية، وسجل الصيانة، إلى جانب مطابقة التراخيص القانونية بالحالة الفعلية للغواصة، وتحليل تسجيلات الرحلة الأخيرة. من جانبه، أكد محافظ البحر الأحمر خلال زيارته للمصابين أن الغواصة كانت مرخصة بالكامل، ويقودها ربان معتمد من أكاديمية العلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، مشيدًا بسرعة تدخل فرق الإنقاذ التي ساهمت في إجلاء جميع الركاب دون تسجيل مفقودين. وكانت غرفة عمليات المحافظة قد تلقت بلاغًا يفيد بغرق غواصة سياحية تقل 50 راكبًا، بينهم 45 سائحًا و5 من طاقم العمل، أثناء رسوها أمام أحد فنادق الغردقة. وشاركت 21 سيارة إسعاف في التعامل مع الحادث ونقل المصابين. وقد قررت الشركة المالكة للغواصة وقف رحلاتها لأجل غير مسمى، فيما أخلت النيابة العامة سبيل الربان على ذمة التحقيق، وصرحت بدفن الضحايا وتسليم الجثامين لممثلي السفارة الروسية. ومن المنتظر أن تقدم اللجنة تقريرًا فنيًا شاملًا خلال الأسابيع المقبلة، بعد معاينة موقع الغرق وتصوير جسم الغواصة وتقييم مدى الالتزام بإجراءات السلامة. وأظهرت المعاينة الأولية عدم وجود اصطدام مباشر تسبب في الغرق، بانتظار ما ستكشفه نتائج الفحص النهائي لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.


سفاري نت
٢٨-٠٤-٢٠٢٥
- أعمال
- سفاري نت
الطيران العماني يسير رحلات مباشرة إلى مسقط
سفاري نت – متابعات يعمل الطيران العُماني، الناقل الوطني لسلطنة عمان، على توسيع شبكته العالمية من خلال إطلاق رحلات مباشرة إلى أمستردام في هولندا هذا الصيف. ويمثل المسار أول اتصال مباشر لشركة الطيران مع أمستردام ووجهتها الحادية عشرة في أوروبا، ليصل إجمالي عدد الشبكات العالمية إلى أكثر من 40 وجهة. وسيربط المسار الجديد، والذي من المقرر أن يبدأ في 1 يوليو 2025، مطار مسقط الدولي (MCT) بمطار سخيبول أمستردام (AMS). سيقوم الطيران العماني بتشغيل أربع رحلات أسبوعية طوال أشهر الصيف باستخدام طائراته من طراز B787-9. وتعليقًا على الخدمة الجديدة، قال كون كورفياتيس، الرئيس التنفيذي للطيران العماني، إن الشركة تركز على الوجهات التي توفر 'فرصًا طويلة المدى للسياحة والتبادل التجاري'. تعد أوروبا ثاني أكبر سوق لشركة الطيران من حيث الإيرادات وتمثل أمستردام مركزًا رئيسيًا في المنطقة لسفر الأعمال والترفيه. أمستردام هي أول خط جديد للطيران العماني بعد انضمامه إلى تحالف Oneworld، وتشمل مزاياه الوصول إلى صالة Oneworld في مطار سخيبول أمستردام للمسافرين على درجة رجال الأعمال، وعملاء Oneworld Emerald وSapphire، وأعضاء برنامج سندباد من الفئتين الذهبية والفضية. ومن المقرر أيضًا أن تطلق شركة الطيران مسارها الشهير بين مسقط وموسكو على مدار العام، مضيفة ثلاث رحلات أسبوعية في الفترة ما بين مايو وسبتمبر، كما ستزيد عدد رحلاتها على طريق لندن هيثرو – مسقط. ستتم إضافة أربع رحلات أسبوعية إضافية إلى الرحلات اليومية الحالية اعتبارًا من 26 أكتوبر مع خطط لجعلها رحلتين يوميًا بحلول صيف 2026. وقال كورفياتيس: 'لطالما كانت لندن حجر الأساس في شبكتنا الدولية، وتمثل المملكة المتحدة واحدة من أكبر أسواق السياحة الوافدة لدينا'.