أحدث الأخبار مع #طافحة


الأيام
١٨-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الأيام
القصة المثيرة لتسمية شارع المهدي بنبركة بالرباط
تعززت الخزانة الوطنية بمولود جديد عبارة عن مذكرات أصدرها الوزير والقيادي الاتحادي السابق فتح الله ولعلو، طافحة بالعديد من الأحداث التي عاشها خلال مساره السياسي والأكاديمي على عهد ملكين، الملك الراحل الحسن الثاني ووارث عرشه الملك محمد السادس. هي مذكرات رجل استثنائي، كان لعقود واجهة الاتحاد الاشتراكي البرلمانية، التي ظلت تهز الرأي العام المتعطش للديمقراطية والعدالة الاجتماعية. كان فتح الله ولعلو خطيبا مفوها شاء القدر أن تتطابق قدراته البرلمانية مع الوزن السياسي لحزب القوات الشعبية. هذه هي الصورة التي يحفظها جيلان على الأقل عن هذا الرباطي ذي الملامح الطفولية، وهي مغايرة نسبيا للصورة التي خلفها الرجل نفسه وهو أول وزير للمالية في حكومة التناوب سنة 1998. وإضافة إلى أنه اقتصادي بارز وثاني مغربي يحصل على الدكتوراه من باريس في هذا التخصص بعد الراحل عزيز بلال، فإن من سيقرأ مذكراته التي نزلت يوم الخميس 24 أبريل 2025 في المعرض الدولي للكتاب بالرباط، سيكتشف رجلا آخر، وسيخلق بالتأكيد حميمية مع رجل لا يمكن أن تميز في سيرته بين ما هو خاص وما هو عام، بين حياته ونضاله. وربما لهذا أعطى هذه المذكرات عنوان «زمن مغربي» وهو يرجح العام على الخاص وهذا مفهوم عموما، ولكنه سيفهم أكثر عندما يبحر القارئ في الصفحات الطويلة والغنية في مجلدين بالتمام والكمال. يبدأ ولعلو مذكراته منذ الولادة حين تزوج والده بنعيسى ولعلو بنت خاله غيثة الجزولي، وسكن دار أبيها بالسويقة في المدينة القديمة بالرباط، ليفتح عينيه في أسرة ليست أرستقراطية ولكنها أسرة «عمل وكد واجتهاد» كما يصفها. وأما عن جده من والده، فيقول إنه كان بائع خضر صغيرا قرب زنقة القناصل، ولكن من بيت جده لأمه مصطفى الجزولي سيبني ولعلو كل عالمه في بيت كبير سيتحول إلى قبلة للوطنيين إلى أن يقرر والده الرحيل إلى حي العكاري ويواصل الفتى دراسته وينخرط في العمل النضالي. المذكرات طويلة جدا، ونحن هنا سنقوم بانتقاء، هو على أية حال تعسفي، وما نتمناه أن يكون هذا التعسف مهنيا نابها. وأن نقرب القارئ من حياة هذه الشخصية المغربية الوازنة وهي تقدم روايتها للتاريخ بمرافقة الزميل لحسن العسيبي، الذي أعد المذكرات للنشر، وخصنا بهذا السبق، فشكرا على ثقة الرجلين. إليكم الجزء الثاني عشر من الصفحات الساخنة التي ارتأت 'الأيام 24' نشرها: القصة المثيرة لتسمية شارع المهدي بنبركة بالرباط وصلتني عبر عدد من النواب الإستقلاليين بالبرلمان (ضمنهم رئيس الفريق السابق عبد الحق التازي)، تخوفاتهم داخل حزب الإستقلال من الكاتب الأول الجديد للإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية عبد الرحمان اليوسفي أثناء الإعداد لتأسيس الكتلة الديمقراطية. فهم لم ينسوا قط أنه ابتعد عن حزب الإستقلال في السنوات الأولى لحصول المغرب على استقلاله، وأنه لعب دورا محوريا مؤثرا في انفصال الإتحاد الوطني للقوات الشعبية عنهم. لكن ما حسم في أمر هذا التَّحَوُّطِ الإستقلالي من اليوسفي، الذي كان لهم منه موقف سلبي مُشَكِّكٌ، هي طبيعة العلاقة الشخصية الحميمة التي كانت تجمع بين كل من اليوسفي والأمين العام للإستقلاليين الأستاذ امحمدبوستة، كونهما أصدقاء منذ فتوتهم الأولى حين كانا زميلي دراسة في إحدى إعداديات مراكش في الأربعينات من القرن العشرين. دون إغفال ما يمتلكهُ بوستة من ذكاءٍ وفطنةٍ سياسية، جعلته يقرأُ اللحظة المغربية حينها بموازين ما تفرضه التطورات من تحالفات. طَلَبْنَا في خضم ذلك الجو السياسي الحيوي الهام، الذي خلقته الكثلة، وفي أفق الإستعداد المشترك للإنتخابات سواء الجماعية أو البرلمانية لسنة 1993، نحن مجموعةٌ من منتخبي الرباط (من الإتحاديين)، رفقة رئيس جماعة حسان عبد الفتاح سباطة لقاء مع وزير الداخلية إدريس البصري لنستعجِلَهُ في أمور تتعلق ببعض القضايا البلدية، حيث حضر معه والي المدينة آنذاك عمر بنشمسي. كان الإخوة في جماعة حسان قد اتخدوا قرارا بتسمية شارع جون جوريس الذي يتواجد به مقر نقابة الإتحاد المغربي للشغل، باسم المهدي بنبركة وربطه بشارع بروكسيل الذي ينتهي في حي المحيط جنوبا، وتمديده حتى الكنيسة التي أُسمِيَتْ في ما بعد بالمركز الثقافي المهدي بنبركة شمالا. راسلوا طبعا الوزارة الوصية التي هي الداخلية ولم يتلقوا أي جواب. في نهاية ذلك الإجتماع مع وزير الداخلية إدريس البصري، الذي حَسَمْنَا فيه معه بخصوص مشاريع تهم أحياء اليوسفية وأكدال طلبتُ الكلمة، دون أن أكون قد استشرت من قبل مع أي أحد (لا في المكتب السياسي ولا مع المستشارين الحاضرين معي)، وخاطبتُ وزير الداخلية البصري قائلا له: – يحضرُ معنا هنا والي المدينة السيد عمر بنشمسي، الذي هو واحدٌ ممن وَقَّعُوا على عريضة المطالبة بالإستقلال، وممن يعرفون تاريخ الحركة الوطنية ربما أكثر من الكثيرين من الحاضرين هنا، وسيتفق معي أن هناك رجلا جَدَّرَ الوطنية في مدينة الرباط، هو المهدي بنبركة. لذلك، نُريدُ منك أن ترفع إلى جلالة الملك أننا نُطالبُ بتخصيص شارع باسم بنبركة في الرباط. فوجئ الجميع بتدخلي، كما لو أنني سَكبتُ سطل ماء بارد على الوزير الذي امْتَقَعَ لونُه واصْفَرَّ وجهه. عقد في الغد اجتماعٌ للمكتب السياسي، أخبرتُهُم فيه بالمبادرة التي قمت بها. فتدخل اليوسفي وقال تعليقا وحيدا: – أحسنت. بعد ثلاثة أيام اتصل بي إدريس البصري، وأخبرني أن جلالة الملك الحسن الثاني موافقٌ على طلبك، وسنقترحُ عليه ثلاثة شوراع ليختار واحدا منها (ضمنها شارع ابن سينا وشارع بني يزناسن)، لكنه يُخبركُم أن شارع جون جوريس الذي سبق أن طلبتم تحويله إلى شارع المهدي بنبركة يجبُ أن يبقى جون جوريس، لأنه جون جوريس. اختار الملك الحسن الثاني في النهاية شارع بني يزناسن الكبير والطويل بحي الرياض، فأقمنا حفلا عموميا تاريخيا، لتدشين ذلك الشارع الذي ترأسه عبد الرحمان اليوسفي وحضرته كل قيادة الحزب. ألقى كلمة فيه خالد عليوة بصفته حينها رئيس المجلس الإقليمي للرباط. تأسفتُ بعدها لردة فعل عائلة المهدي اتجاه اليوسفي (تلك العائلة الكريمة التي حرصتُ دوما على الإرتباط بها رغم أنها كانت مستقرة في فرنسا)، لأنها لم تستوعب كل السياقات المرتبطة بذلك المنجز، الذي أعتز أنني كنت سببا فيه. وهو اليوم من أهم شوارع الرباط المحورية الذي يربط عمليا بين شارع محمد السادس ومدينة تمارة، ويضُمُّ عشرات السفارات والمصالح الإدارية الهامة حيث أصبحت له جمالية جاذبة بعد 2014. قبولُ مطلب تسمية شارع بذلك الحجم وفي ذلك الموقع الإستراتيجي باسم المهدي بنبركة من قبل جلالة الملك الحسن الثاني، الذي اعترف في مذكراته أن لشخصية المهدي أثرا كبيرا عليه، وأن له دورا حاسما في استقلال المغرب وعودة الملك الشرعي محمد بن يوسف إلى عرشه رفقة عائلته الملكية المنفية بمدغشقر، مندرجٌ في سياق التحولات العالمية التي بدأت تُسجَّلُ منذ سقوط جدار برلين وانهيار المعسكر الشرقي في نهاية الثمانينات. مثلما جاء في سياق التهيئ للتحول الإصلاحي مغربيا، كنوعٍ من المصالحةِ مع ذاكرة الوطنيين التقدميين المغاربة، الذي سيَتَعَزَّزُ مع بدايات تحرك ملف حقوق الإنسان وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وصدور العفو العام عنهم وعن المنفيين وبداية عودتهم إلى وطنهم المغرب. من هنا أهمية هذه التسمية لشارع باسم المهدي بنبركة بالعاصمة الرباط. مثلما أُشيرُ إلى رسالة جلالة الملك محمد السادس إلى التجمع الذي بادر بتنظيمه عبد الرحمان اليوسفي سنة 2015 بمناسبة الذكرى الخمسينية لاختطاف الشهيد المهدي بنبركة بالمكتبة الوطنية بالرباط، وهي الرسالة التي أشاد فيها جلالته بدوره الوطني وعلاقته المتميزة مع العائلة الملكية.


الأيام
١٨-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الأيام
عندما ربحت حكومة اليوسفي 1.1 مليار درهم وفرح الملك الحسن الثاني
تعززت الخزانة الوطنية بمولود جديد عبارة عن مذكرات أصدرها الوزير والقيادي الاتحادي السابق فتح الله ولعلو، طافحة بالعديد من الأحداث التي عاشها خلال مساره السياسي والأكاديمي على عهد ملكين، الملك الراحل الحسن الثاني ووارث عرشه الملك محمد السادس. هي مذكرات رجل استثنائي، كان لعقود واجهة الاتحاد الاشتراكي البرلمانية، التي ظلت تهز الرأي العام المتعطش للديمقراطية والعدالة الاجتماعية. كان فتح الله ولعلو خطيبا مفوها شاء القدر أن تتطابق قدراته البرلمانية مع الوزن السياسي لحزب القوات الشعبية. هذه هي الصورة التي يحفظها جيلان على الأقل عن هذا الرباطي ذي الملامح الطفولية، وهي مغايرة نسبيا للصورة التي خلفها الرجل نفسه وهو أول وزير للمالية في حكومة التناوب سنة 1998. وإضافة إلى أنه اقتصادي بارز وثاني مغربي يحصل على الدكتوراه من باريس في هذا التخصص بعد الراحل عزيز بلال، فإن من سيقرأ مذكراته التي نزلت يوم الخميس 24 أبريل 2025 في المعرض الدولي للكتاب بالرباط، سيكتشف رجلا آخر، وسيخلق بالتأكيد حميمية مع رجل لا يمكن أن تميز في سيرته بين ما هو خاص وما هو عام، بين حياته ونضاله. وربما لهذا أعطى هذه المذكرات عنوان «زمن مغربي» وهو يرجح العام على الخاص وهذا مفهوم عموما، ولكنه سيفهم أكثر عندما يبحر القارئ في الصفحات الطويلة والغنية في مجلدين بالتمام والكمال. يبدأ ولعلو مذكراته منذ الولادة حين تزوج والده بنعيسى ولعلو بنت خاله غيثة الجزولي، وسكن دار أبيها بالسويقة في المدينة القديمة بالرباط، ليفتح عينيه في أسرة ليست أرستقراطية ولكنها أسرة «عمل وكد واجتهاد» كما يصفها. وأما عن جده من والده، فيقول إنه كان بائع خضر صغيرا قرب زنقة القناصل، ولكن من بيت جده لأمه مصطفى الجزولي سيبني ولعلو كل عالمه في بيت كبير سيتحول إلى قبلة للوطنيين إلى أن يقرر والده الرحيل إلى حي العكاري ويواصل الفتى دراسته وينخرط في العمل النضالي. المذكرات طويلة جدا، ونحن هنا سنقوم بانتقاء، هو على أية حال تعسفي، وما نتمناه أن يكون هذا التعسف مهنيا نابها. وأن نقرب القارئ من حياة هذه الشخصية المغربية الوازنة وهي تقدم روايتها للتاريخ بمرافقة الزميل لحسن العسيبي، الذي أعد المذكرات للنشر، وخصنا بهذا السبق، فشكرا على ثقة الرجلين. إليكم الجزء الحادي عشر من الصفحات الساخنة التي ارتأت 'الأيام 24' نشرها: عندما ربحنا 1.1 مليار درهم والملك يطمئن اليوسفي بالمشفى أرْبَكتْ تلك الحملةُ إذن مسلسل الإصلاح الذي انطلق شهورا قبل ذلك، من خلال مبادرات إدريس جطو والقوانين الجديدة المقدمة مما جعلهُ يفقد أهميته. كان ذلك واحدا من النقط الإيجابية لتسريع وتيرة تنفيذ التناوب ومنحها ملفات مهمة للإشتغال، حتى تحقق شروط تجاوز الأزمة الكبيرة التي وقعت بين رجال الأعمال والدولة، وهي أزمةُ ثقةٍ، جعلت بعض رجال الأعمال يَبْرُزُونَ من خلال مواقفَ شجاعة انتقادية مثل رئيس اتحاد مقاولات المغرب عبد الرحيم الحجوجي وبعده حسن الشامي. حين جاءت حكومة التناوب إذن وبفضل مشروع الإعفاء الضريبي والتأهيل المؤسساتي الذي قررناه ضمن أول قانون للمالية قدمناه أمام البرلمان (والسنة الفلاحية سنة جفاف موسم 1999 و 2000) تمكنا من استخلاص ما مجموعه 3.5 مليار درهم بينما كنا نعول فقط في حساباتنا الأولية على 1.5 مليار درهم، حيث أفادت تلك المداخيل الميزانية العامة للدولة. تحقَّقَ ذلك النجاح ونحن نُهيِّئُ لبيع الرخصة الثانية للاتصالات الهاتفية تطبيقا لقانون التحرير. كان مقررًّا أن تبيع الحكومة السابقة لوصولنا كراسي المسؤولية تلك الرخصة بحوالي 350 مليون درهما لشركة «دايو» الكورية، التي فاوضت المغرب حول ثلاثة أمور: – إنشاء معمل لها للسيارات بالنواصر بضواحي الدارالبيضاء، – شراء فندق هلتون بالرباط، – شراء الرخصة الثانية لاتصالات المغرب. كان إدريس جطو بصفته وزيرا للتجارة هو الذي تتبع معهم تفاصيل تلك المفاوضات. لكن من حسن الحظ أن تلك الشركة الكورية قد أفلست حينها في ظروف الأزمة المالية الآسيوية (1997)، فباعت فندق هلتون للإماراتيين وتوقف مشروع شراءها للرخصة الثانية للإتصالات، مثلما تخلت عن مشروع معمل السيارات رغم أنه دُشِّنَ من طرف ولي العهد حينها. لابد من التنويه هنا بالدور الذي لعبه الإطار المغربي مصطفى التراب، الذي كان حينها على رأس الوكالة الوطنية لتقنين الإتصالات (ANRT)، حيث كانت بيننا علاقات احترام وثقة. وكذا الدور الذي لعبه الوزير الإتحادي العربي عجول المكلف بالبريد والتقنيات الحديثة والإتصالات. اشتغلنا ثلاثتنا (الوكالة، وزارة البريد والإتصالات، وزارة المالية) لخلق جوٍّ شفاف وتناغُمٍ مؤسساتي بيننا. حيث اتصلنا بأبناك الأعمال دوليا ووضعنا كل الشروط الواجبة للشفافية المُطلقة في دفاتر التحملات والنزاهة في التعامل مع المترشحين. كنا نُعوِّلُ ضمن القانون المالي الذي وضعناه على مداخيل من تلك الرخصة الثانية في حدود 400 مليون درهما. لكن مع توالي الأسابيع بدأ يتضح أنه ممكن رفع السقف أعلى حتى بلغ في النهاية 1.1 مليار درهما، أي بزيادة بلغت 700 مليون درهما. كان لعبد الرحمن اليوسفي عطفٌ خاص على مصطفى التراب، ربما لأنه حفيد شيخ الإسلام محمد بلعربي العلوي، ومع ذلك دخل من منطلق مسؤوليته على رأس وكالة الضبط تلك في تناقضات مع أحمد الحليمي الوزير المكلف بالشون العامة للحكومة، انتهت إلى تقديم استقالته ومغادرة المغرب للعمل بالبنك العالمي بواشنطن. كان عبد الرحمان اليوسفي في مستشفى ابن سينا بالرباط بسبب الجلطة التي أصابته أثناء اجتماع للجنة المركزية للحزب بالرباط، فذهبتُ لزيارته وأنا أحملُ إليه بُشرى الرقم المالي الجديد حيث كان أول من أخبرتُهُ بذلك. وأنا أُغادرُ الطابق حيث الغرفة التي يرقد بها، وجدتُ جلبةً كبيرةً، فإذا بجلالة الملك الحسن الثاني يصعدُ لزيارته والإطمئنان عليه. كانت تلك الزيارةُ دالَّةً بكل المقاييس ونُشرت صورة تاريخية حولها. في تلك الزيارة طمأن الملك اليوسفي أن وضعية البلاد جيدة وأن الحكومة تعملُ بشكل طيب وأنه عليه أن يتعافى بسرعة للعودة لمهامه، وأنه يُبشِّرُهُ أن الحكومة نجحت في بيع الرخصة الثانية لاتصالات المغرب ب 1.1 مليار درهما. لم يُخبر اليوسفي الملك أنني وضعته في الصورة على اعتبار أن المجال غير موات. سافر بعدها بأسابيع جلالة الملك الحسن الثاني إلى فرنسا لحضور الإستعراض العسكري لعيد 14 يوليوز (العيد الوطني الفرنسي) إلى جانب الرئيس جاك شيراك، الذي شاركت فيه لأول مرة فرقةٌ من الحرس الملكي. أثناء العودة إلى المغرب في الطائرة، كان جلالة الملك واقفا مع مستشاريه (ضمنهم أندري أزولاي)، فعبَّرَ لهم عن سعادته بالنجاح الذي يُحقِّقُهُ عبد الرحمن اليوسفي في حكومته، خاصة مداخيل الرخصة الثانية لاتصالات المغرب، وأن هذا عنوانٌ على مدى الثقة التي أصبح يحظى بها المغرب دوليا. في ذلك اللقاء تبَلْوَرَت فكرةُ وضع الفائض غير المنتظر (700 مليون درهم) ضمن حساب خاص بالإتفاق مع وزارة المالية، وأن لا يُدمج ضمن ميزانية التسيير. اجتمعتُ بعدها رفقة عبد الرحمان اليوسفي مع أندري أزولاي، حيث تم الإتفاق على إنشاء حساب خاص، سُمِّيَ (بعد وفاة الملك الراحل الحسن الثاني أسبوعين بعد تلك الزيارة إلى باريس)، باسمه أي «صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والإجتماعية» في عهد الملك محمد السادس. أُنجِزَتْ بفضل ذلك الصندوق كل المشاريع الكبرى التي نُفِّذَتْ على مستوى البنية التحتية بالمغرب خلال العشر سنوات التي تلت ذلك التاريخ، خاصة منها ميناء طنجة المتوسطي ومئات الكلمترات من الطرق السيارة وفك العزلة عن العالم القروي عبر مخطط كبير لتعبيد مئات الكلمترات من الطرق، ثم كهربَةُ العالم القروي وإدخال الماء الشروب إلى العالم القروي ومشروع تهيئة نهر أبي رقراق… إلخ.


الأيام
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الأيام
الأوراق الساخنة لمذكرات فتح الله ولعلو (5): أول استدعاء أمني لي من قبل إدريس البصري
تعززت الخزانة الوطنية قبل أيام بمولود جديد عبارة عن مذكرات أصدرها الوزير والقيادي الاتحادي السابق فتح الله ولعلو، طافحة بالعديد من الأحداث التي عاشها خلال مساره السياسي والأكاديمي على عهد ملكين، الملك الراحل الحسن الثاني ووارث عرشه الملك محمد السادس. هي مذكرات رجل استثنائي، كان لعقود واجهة الاتحاد الاشتراكي البرلمانية، التي ظلت تهز الرأي العام المتعطش للديمقراطية والعدالة الاجتماعية. كان فتح الله ولعلو خطيبا مفوها شاء القدر أن تتطابق قدراته البرلمانية مع الوزن السياسي لحزب القوات الشعبية. هذه هي الصورة التي يحفظها جيلان على الأقل عن هذا الرباطي ذي الملامح الطفولية، وهي مغايرة نسبيا للصورة التي خلفها الرجل نفسه وهو أول وزير للمالية في حكومة التناوب سنة 1998. وإضافة إلى أنه اقتصادي بارز وثاني مغربي يحصل على الدكتوراه من باريس في هذا التخصص بعد الراحل عزيز بلال، فإن من سيقرأ مذكراته التي نزلت يوم الخميس 24 أبريل 2025 في المعرض الدولي للكتاب بالرباط، سيكتشف رجلا آخر، وسيخلق بالتأكيد حميمية مع رجل لا يمكن أن تميز في سيرته بين ما هو خاص وما هو عام، بين حياته ونضاله. وربما لهذا أعطى هذه المذكرات عنوان «زمن مغربي» وهو يرجح العام على الخاص وهذا مفهوم عموما، ولكنه سيفهم أكثر عندما يبحر القارئ في الصفحات الطويلة والغنية في مجلدين بالتمام والكمال. يبدأ ولعلو مذكراته منذ الولادة حين تزوج والده بنعيسى ولعلو بنت خاله غيثة الجزولي، وسكن دار أبيها بالسويقة في المدينة القديمة بالرباط، ليفتح عينيه في أسرة ليست أرستقراطية ولكنها أسرة «عمل وكد واجتهاد» كما يصفها. وأما عن جده من والده، فيقول إنه كان بائع خضر صغيرا قرب زنقة القناصل، ولكن من بيت جده لأمه مصطفى الجزولي سيبني ولعلو كل عالمه في بيت كبير سيتحول إلى قبلة للوطنيين إلى أن يقرر والده الرحيل إلى حي العكاري ويواصل الفتى دراسته وينخرط في العمل النضالي. المذكرات طويلة جدا، ونحن هنا سنقوم بانتقاء، هو على أية حال تعسفي، وما نتمناه أن يكون هذا التعسف مهنيا نابها. وأن نقرب القارئ من حياة هذه الشخصية المغربية الوازنة وهي تقدم روايتها للتاريخ بمرافقة الزميل لحسن العسيبي، الذي أعد المذكرات للنشر، وخصنا بهذا السبق، فشكرا على ثقة الرجلين. إليكم الجزء الخامس من الصفحات الساخنة التي ارتأت الأيام نشرها: يوم هدّدنا وزير الداخلية بالإعدام سنة 1963 سافر (بالصدفة) والدي رفقة والدتي إلى الحج في نفس السنة، عبر الباخرة، وعادا في أبريل 1968، أياما قليلة بعد حصولي على الدكتوراه بباريس. استقبلناهم في ميناء الدارالبيضاء وعدنا إلى الرباط، وما أن بدأنا في الإحتفال العائلي البسيط والعادي بمنزلنا بديور الجامع، حتى دَقَّ باب بيتنا عُنصُرا شرطة، سَلَّماني استدعاءً مستعجلا للحضور إلى مكتب ادريس البصري بولاية الأمن، وكان الأمر يوم أحد. توجهتُ إلى مكتبه 23 بالطابق الأول، والولاية فارغة لأنه يوم عطلة. حين دخلت وجدته لوحده، وأمامه تحت قطعة زجاج على مكتبه صورة للجنرال أوفقير في استعراض عسكري. قال لي إنه مبعوثٌ من الجنرال وهو يُخبرك أن جلالة الملك سيذهب لأداء مناسك العمرة وأنت من الناس الذين تم اختيارهم ضمن الوفد المرافق لجلالته، بعد حصولك على درجة الدكتوراه. فأجبتهُ أنه صعبٌ علي هذا السفر، وأنني أشكر جلالة الملك على تقثه وتقديره، وأنه قد سبق أن اتصل بي السيد ادريس المحمدي مدير الديوان الملكي منذ شهرين وأخبرني بقرار جلالته بعث طالبين منا إلى الحج، ولقد سافرا فعلا. أخبرني أنه صعبٌ عليه نقل ذلك الجواب المعتذر. فقلت له مازحا: – قل له إن ولعلو يقول لك، إنه لا يزال في 26 سنة من عمره، ولا يزال أمامه متسع وقت لإكثار الذنوب، قبل التوجه إلى مكة لغسلها. أُحْرِجَ البصري كثيرا، فتركتُه وخرجت. شرعنا في الإعداد للمؤتمر 12 للإتحاد الوطني لطلبة المغرب، وبسبب ذلك الإتفاق على تقسيم المهام بيني وبين عبد اللطيف المنوني، وقَعَ نوعٌ من الفراغ داخل تنظيمنا الطلابي الإتحادي. وأثناء توجهنا لانتخاب مؤتمري فرع الرباط، وأغلبُ الطلبة من كليتي الآداب والحقوق ونسبةٌ قليلة من كلية الطب ونسبةٌ أقل من المهندسين، عُرِضَتْ لائحتان هما لائحة الطلبةالإتحاديين ولائحة الطلبة التابعين لحزب التحرر والإشتراكية (الشيوعي سابقا)، إذ لأول مرة لم يحصل اتفاقٌ بين الحزبين حول وضع لائحة مرشحين موحدة. فانتبهنا إلى أن طلبة المدرسة المحمدية للمهندسين، التي يعمل فيها أبراهام السرفاتي مؤطرا وأستاذا، حضروا بكثافة رغم أنهم غير منضوين في الأوطم، وصَوَّتُوا كلهم لصالح لائحة طلبة التحرر والإشتراكية، فانهزمنا نحن الإتحاديين. كانت النواةُ الجديدة تلك في صفوف الطلبة المهندسين يتزعمها الطالب المنصوري، وهي ذات النواة التي ستخرج منها منظمة «إلى الأمام» في ما بعد. أدركتُ حينها أن قيادة الأوطم في المؤتمر الذي نهيئ له، قد لا تبقى اتحادية، فتعبئتُ بقوة لمواجهة ذلك، حيث توجهت إلى الدارالبيضاء، لحضور انتخابات المؤتمرين في كلية الحقوق قرب مقر شركة النقل «ستيام»، وربحنا تلك الإنتخابات، فتحقق نوع من التوازن مع الرباط. ثم توجهت إلى فاس، وربح الإتحاديون أكثر، مع تسجيل أن مجموعة الطلبة الإتحاديين بفاس هي التي ستُؤسِّسُ توجه مجموعة «23 مارس» اليسارية الراديكالية. ثم سافرتُ إلى باريس يوم 30 ماي 1968، لتعبئة الطلبة الإتحاديين، وذلك ما حدث. ولن أنسى ذلك اليوم، لأنه حين وصلنا بالطائرة المغربية نزلنا في مطار عسكري بسبب إضراب الطيران المدني في فرنسا، ووجدتُ الميترو والحافلات العمومية والطاكسيات في إضراب أيضا. فتَمَّإرْكَابُنا في حافلةٍ للجيش الفرنسي، الذي كان مجندا لمواجهة الإضراب، وحين بَلَغْتُ ساحة لاكونكورد، وجدتُ أمامي بحرا من البشر. كان ذلك اليوم، هو يوم المظاهرة الديغولية المناهضة لثورة الطلاب، فكانت تلك لحظة الإنقلاب في الحركات الإحتجاجية بفرنسا. لكن أهم ما لاحظتُهُ حينها بباريس، هو أن قيادة الإتحاد الوطني لطلبة فرنسا التي كنتُ أعرفُها منذ سنتين فقط قد تم تجاوزها، وظهرت قيادات ميدانية جديدة راديكالية (مجموعة كوبنديت). مثلما سيكون هناك تجاوزٌ في المغرب بعد سنتين، مع بروز تيار الطلبة المتياسرين الراديكاليين. في نفس ذلك اليوم، التقيتُ وجها لوجه مع فرانسوا ميتران في الظروف التي سبق وحكيت عنها من قبل. زرتُ، أسبوعين قبل المؤتمر 12 للأوطم، تونسَ لحضور مؤتمر الإتحاد العام لطلبة تونس، المنظم بمدينة عين الدراهم، في الشمال قرب مدينة طبرقة، التي يقيم بها الرئيس بورقيبة. وهناك عشتُ الهيمنة الكاملة للدستوريين، بدليل أنه في حفل العشاء العام، انتبهتُ كيف أن كل قيادات الإتحاد الطلابي التونسي السابقين أصبحوا من نخبة البلد ومن قيادات الدولة (إما ولات أو سفراء أو وزراء) وضمنهم الصياح الذي أصبح المؤرخ الرسمي لبورقيبة. كانت القيادة الطلابية التونسية آنذاك تتكون من ثالوث المختار الزناد، بنحمد ومصطفى بنجعفر. بينما كانت مواقع المعارضة الطلابية التونسية ضعيفة ضمن ذلك التنظيم الطلابي. حين تناولت الكلمة، عبَّرتُ عن دعمنا كمغاربة لنضال الشعب الفيتنامي، وحينها كان بورقيبة له موقف مضاد للفيتناميين مساند للغرب، فقام خمسة من المؤتمرين فقط يصفقون على كلمتي بحرارة، بينما بقيت القاعة كلها جامدة. بعد ذلك استقبلنا بورقيبة وألقى خطابا حمل فيه بشدة على ارتداء الفتيات للميني جيب، مما أثارني منه كثيرا هو الذي كان شخصية تُعتَبَرُ منفتحة مجتمعيا. عقد المؤتمر 12 للأوطم بالرباط، وحُزْنَا كاتحاديين الرئاسة وأغلبية اللجنة التنفيذية، مع تسجيل توسع لحضور طلبة التحرر والإشتراكية، حيث فازوا بمقعدين في اللجنة التنفيذية بدل مقعد واحد كما كان عليه الأمر منذ سنوات. لكننا، لم ننتبه لا نحن ولا هم، إلى ما كان يَعْتَمِلُ في أحشاء منظمتنا الطلابية، وفي صفوف الطلبة من تنظيمات يسارية ماركسية لينينية وما تَفَرَّعَ عنها من مجموعتي «23 مارس» و «إلى الأمام». وهو تيارٌاحتجاجيٌّ يرتكز على نتائج أحداث ماي 68 بفرنسا، وتطورات القضية الفلسطينية بعد هزيمة 1967، وبروز تيارات الجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين. وأذكرُ أنه عقدنا لقاء بمقر الحزب القديم فوق «ستيام» كطلبة اتحاديين مع عبد الرحيم بوعبيد، وفي ذلك اللقاء برزت لأول مرة مجموعة مراكش الإنتقادية، التي بدأت تتحدث لغة جديدة، بمصطلحات جديدة، مثل «التقييم»، التي فاجأت بوعبيد نفسه، والتي تقول بضرورة «تقييم تجربة الإتحاد الوطني للقوات الشعبية السياسية». كان ضمنهم الحبيب الطالب، محمد المريني، عبد الواحد بلكبير وعبد الصمد بلكبير.وكل هؤلاء هم من الذين أسسوا منظمة 23 مارس، ثم منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، ثم الحزب الإشتراكي الديمقراطي قبل أن يرجعوا إلى الإتحادالإشتراكي للقوات الشعبية مع مرحلة تحضير تجربة التناوب. المهم، عقد المؤتمر 12 في يوليوز 1968، بكلية الآداب بالرباط. وفاز عبد اللطيف المنوني برئاسة الأوطم. وطُرِحَ موضوعٌ أساسيٌّ أثناء المؤتمر، هو موقفنا من مخطط روجرس وزير الخارجية الأمريكي، الذي قَبِلَهُ الرئيس المصري جمال عبد الناصر بعد هزيمة 1967. وهو المخطط الذي دَعَّمَهُ حزب التحرر والإشتراكية المغربي اعتبارا لأن موسكو قَبِلَتْهُ. بينما كنا نحن الإتحاديين نرفُضُهُ رفضا مطلقا إلى جانب الفلسطينيين بكل جبهاتهم السياسية. بالتالي خَلَقَ موقفُ حزب التحرر والإشتراكية شرخًا داخل الحزب، حيث برز أبراهام السرفاتي وهو من القيادة السياسية للحزب حينها، كواحد من أشد المعارضين لذلك المخطط. فكان ذلك مقدمة لتجسير ذلك الشرخ حزبيا وطلابيا. في السادسة صباحا من اليوم الثالث للمؤتمر، بعد أن انتُخِبَتْ القيادةُ الجديدةُ، المتكونةُ من عبد اللطيف المنوني ومن معارضيه من الإتحاديين محمد لخصاصي والطيب بناني وانتخبتُ كرئيس شرفي، خرجتُ بهدوءٍ، وتمشيتُ لوحدي في الشارع العام (شارع النصر)، وأنا أقول في داخلي: – الآن أُوَدِّعُ مرحلةً أساسية من حياتي، هي حياتي الطلابية. كنتُ مسلحا حينها بالدكتوراه التي حصلت عليها منذ شهور. وقررتُ أن أنسلخ نهائيا عن الحركة الطلابية. وفرحتُ أنني أنجزتُ مهمتي في قيادةالأوطم، في ظروفَ صعبةٍ، بنجاح. كنت أشعر في ذلك الصباح الباكر بنوع من الإطمئنان، اطمئنانِ الإنسان الذي قام بواجبه، وفي نفس الآن ساهَمَ في تحضيرِ تَجَاوُزِ مرحلتِه. لقد كنتُ أُومِنُ دومًا أن نجاح الإنسان في أي مهمةٍ مرتبطٌ بما يَبْدُلُهُ، لتَجَاوُزِ ما قام به.


الأيام
٠٦-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الأيام
الأوراق الساخنة لمذكرات فتح الله ولعلو (3): قصة علاقتي بكرة القدم وباللاعب حسن أقصبي
تعززت الخزانة الوطنية قبل أيام بمولود جديد عبارة عن مذكرات أصدرها الوزير والقيادي الاتحادي السابق فتح الله ولعلو، طافحة بالعديد من الأحداث التي عاشها خلال مساره السياسي والأكاديمي على عهد ملكين، الملك الراحل الحسن الثاني ووارث عرشه الملك محمد السادس. هي مذكرات رجل استثنائي، كان لعقود واجهة الاتحاد الاشتراكي البرلمانية، التي ظلت تهز الرأي العام المتعطش للديمقراطية والعدالة الاجتماعية. كان فتح الله ولعلو خطيبا مفوها شاء القدر أن تتطابق قدراته البرلمانية مع الوزن السياسي لحزب القوات الشعبية. هذه هي الصورة التي يحفظها جيلان على الأقل عن هذا الرباطي ذي الملامح الطفولية، وهي مغايرة نسبيا للصورة التي خلفها الرجل نفسه وهو أول وزير للمالية في حكومة التناوب سنة 1998. وإضافة إلى أنه اقتصادي بارز وثاني مغربي يحصل على الدكتوراه من باريس في هذا التخصص بعد الراحل عزيز بلال، فإن من سيقرأ مذكراته التي نزلت يوم الخميس 24 أبريل 2025 في المعرض الدولي للكتاب بالرباط، سيكتشف رجلا آخر، وسيخلق بالتأكيد حميمية مع رجل لا يمكن أن تميز في سيرته بين ما هو خاص وما هو عام، بين حياته ونضاله. وربما لهذا أعطى هذه المذكرات عنوان «زمن مغربي» وهو يرجح العام على الخاص وهذا مفهوم عموما، ولكنه سيفهم أكثر عندما يبحر القارئ في الصفحات الطويلة والغنية في مجلدين بالتمام والكمال. يبدأ ولعلو مذكراته منذ الولادة حين تزوج والده بنعيسى ولعلو بنت خاله غيثة الجزولي، وسكن دار أبيها بالسويقة في المدينة القديمة بالرباط، ليفتح عينيه في أسرة ليست أرستقراطية ولكنها أسرة «عمل وكد واجتهاد» كما يصفها. وأما عن جده من والده، فيقول إنه كان بائع خضر صغيرا قرب زنقة القناصل، ولكن من بيت جده لأمه مصطفى الجزولي سيبني ولعلو كل عالمه في بيت كبير سيتحول إلى قبلة للوطنيين إلى أن يقرر والده الرحيل إلى حي العكاري ويواصل الفتى دراسته وينخرط في العمل النضالي. المذكرات طويلة جدا، ونحن هنا سنقوم بانتقاء، هو على أية حال تعسفي، وما نتمناه أن يكون هذا التعسف مهنيا نابها. وأن نقرب القارئ من حياة هذه الشخصية المغربية الوازنة وهي تقدم روايتها للتاريخ بمرافقة الزميل لحسن العسيبي، الذي أعد المذكرات للنشر، وخصنا بهذا السبق، فشكرا على ثقة الرجلين. إليكم الجزء الثالث من الصفحات الساخنة التي ارتأت الأيام نشرها: قصة علاقتي بكرة القدم وباللاعب حسن أقصبي ولجتُ في سنوات مراهقتي عالم كرة القدم عبر الحركة الوطنية متفرجا ومتتبعا وممارسا. يعود الفضل في ذلك إلى ثلاثة أشخاص: حارس ملعب الأولمبيك «بَّا صالح» صديق والدي وشريكه في البقرة الحلوب. أحد أخوالي واسمه سي محمد الذي هو صموت جدا لكن حين يبدأ الحديث عن كرة القدم لا يسكت سوى بعد مدة طويلة. كان ذاكرة غنية مرتبة لتاريخ كرة القدم بالرباط وبالمغرب وبالعالم، يحكي لك التفاصيل عن المباريات ونتائجها ولاعبيها ومنه تعلمت بالسماع (مثلما تعلمت بالسماع تاريخ الحركة الوطنية في فضاء العائلة جوار والدي) تاريخ كرة القدم المغربية، خاصة أخبار نجومها الكبار الفطاحلة مثل الحارس حسن بلمكي لقرع حارس فريق الأولمبيك والمنتخب المغربي وهو أسطورة في حراسة المرمى، ثم الحاج العربي بن مبارك. علما أنني تمتعت بالتفرج بالملعب على مبارياتهما مباشرة ضمن فريق الفتح الرباطي الذي تأسس سنة 1946 ضمن الفرق الوطنية. مثلما ارتبطت بكرة القدم أيضا عن طريق لاعب أسمر إسمه الصحراوي قصته مع عائلتي مثيرة. فقد كان هذا اللاعب المتميز بفريق الفتح أصلا حارسا بمدرسة جسوس التي درست فيها الإبتدائي، وسيقوم الأستاذ أحمد بلافريج بتزويجه بخادمته وأسكنه معه في بيته. حين سافر بلافريج إلى الأمم المتحدة للقيام بمهامه الوطنية تركه رفقة زوجته في عهدة والدي، فانتقلا للسكن معنا في المنزل الذي كنا نسكنه بالعكاري. بالتالي بقيت أرافقه كل أسبوع إلى الملعب للتفرج على مباريات فريق الفتح داخل الملعب وليس على المدرجات. أكثر من ذلك في سنتي الأخيرة بمدرسة جسوس الإبتدائية سأتعرف على مُعيدٍ عينته إدارة المدرسة بعد أن استقدمته من مدينة طنجة بدأ يلعب في فريق الفتح الرباطي كنت معجبا به جدا، عُمْرُهُ بالكاد سبعة عشر سنة هو اللاعب الأنيق (والماكر بالمعنى الإيجابي في تسجيل الإصابات) حسن أقصبي، الذي احترف في ما بعد مع مصطفى البطاش بفرنسا ضمن فريق نيم، واحترف بعد ذلك بفريق رينس إلى جانب نجوم مشاهير (مثل ريموند كوبَّا وجوست فونتين) وأصبح أول هداف بذلك الفريق الفرنسي، مثلما صار من نجوم المنتخب المغربي الكبار. لم أنس إلى اليوم الطريقة التي سجل بها هدفه الأول على الحارس العملاق سيسيليو حارس فريق «لياسام» الفرنسي القادم من الدار البيضاء. تعكس هذه التفاصيل جميعها التداخل الذي كان في محيطنا آنذاك بين الحركة الوطنية والتعليم الحر والرياضة. فالأمر أشبه بعائلة موسعة تربي في جيلنا معنى الإنتماء الوطني. هذا ما جعلنا نصنف باكرا فرق كرة القدم إلى فرق وطنية مغربية وإلى فرق استعمارية فرنسية. مثلا الفتح والوداد فرق وطنية بينما فريق «لياسام» بالدارالبيضاء فريق فرنسي استعماري مثله مثل فريقا الرباط سطاد ماروكان (فريق الشرطة الذين كان عندهم حارس إسمه ديسو، سجل عليه لاعب الفتح التونسي إصابة جميلة وفي الغد اعتقله ذلك الحارس الشرطي انتقاما) ثم الأولمبيك (فريق الفرنسيين الصغار). أذكر أنه كان في فريق سطاد ماروكان ثلاثة لاعبين مغاربة كبار (أشقاء) إسمهم «ولاد كروم» وهم من حي العكاري حيي الجديد، أحسنهم هو بنعيسى. مثلما كان هناك لاعب آخر مغربي لبق وأنيق جدا هو أحمد شُهُودْ، الذي سيحمل ملعب «سطاد المغربي» اسمه بعد ذلك بسنوات. ما زلت إلى اليوم أتذكر الطقس الوطني الحامي الذي تتبعنا فيه مباراة للوداد ضد فريق سطاد ماروكان، حيث حضرت الوداد بلاعبيها الأسطوريين بالنسبة لجيلنا: الشتوكي، إدريس، عبد السلام، سي محمد. ربحت الوداد وبالنسبة لنا حينها كأن الحركة الوطنية انتصرت على فرنسا. هذا كله جعلني أصبح شغوفا بكرة القدم التي مارستها في ثانوية مولاي يوسف أولا بفضل توفرنا على أساتذة فرنسيين مبرزين في مادة التربية البدنية بشواهد عليا، ثم بتأثير الرياضة في عمل الحركة الوطنية، وكنت ألعب ضمن فرق الأحياء بحي ديور الجامع حيث اعتدنا اللعب مرتين في الأسبوع في ملعب معروف إسمه «ملعب الربيع» الذي بنيت فوقه الآن مدرسة الحديث الحسنية. كانت تلك البناية التي بنيت فوق ملعبنا ذاك في ملكية الوطني المرحوم إدريس البحراوي (هو من أغنياء الرباط) الذي ترك وصية قبل وفاته أن تُحبَّسَ داره تلك للأوقاف الإسلامية فقرر الملك الحسن الثاني تحويلها إلى دار الحديث الحسنية. أبعدني انتقالنا إلى حي العكاري عمليا عن حرارة فضاء الإجتماعات الوطنية الذي كنت أحتك به في المدينة القديمة، مثلما أن انتقالي من مدرسة جسوس إلى ثانوية مولاي يوسف ضاعف من ذلك. على أن ما لمسته عيانا حينها كشاهد هو أن الحركة الوطنية تلقت ضربات موجعة بسبب حملة الإعتقالات الواسعة لمناضليها في سنوات 50- 53. فقد قامت فرنسا الإستعمارية عمليا بعزل الملك محمد الخامس عن الحركة الوطنية قبل أن تستفرد به للضغط عليه ثم نفيه. هذا يفسر تاريخيا سياق ميلاد حركة المقاومة المسلحة بالمغرب بسبب التضييق على العمل السياسي ونفي محمد الخامس، وهي الحركة التي ولدت أساسا في الدارالبيضاء التي بدأت تبرز كمدينة قيادة. مثلما ولدت خلايا مسلحة في المدينة القديمة بالرباط وبحي العكاري الذي أقطنه وبحي يعقوب المنصور.


الأيام
٠٥-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الأيام
الأوراق الساخنة لمذكرات فتح الله ولعلو (1): عندما اعتقلت بسبب جثة شخص مقتول بالرصاص
تعززت الخزانة الوطنية قبل أيام بمولود جديد عبارة عن مذكرات أصدرها الوزير والقيادي الاتحادي السابق فتح الله ولعلو، طافحة بالعديد من الأحداث التي عاشها خلال مساره السياسي والأكاديمي على عهد ملكين، الملك الراحل الحسن الثاني ووارث عرشه الملك محمد السادس. هي مذكرات رجل استثنائي، كان لعقود واجهة الاتحاد الاشتراكي البرلمانية، التي ظلت تهز الرأي العام المتعطش للديمقراطية والعدالة الاجتماعية. كان فتح الله ولعلو خطيبا مفوها شاء القدر أن تتطابق قدراته البرلمانية مع الوزن السياسي لحزب القوات الشعبية. هذه هي الصورة التي يحفظها جيلان على الأقل عن هذا الرباطي ذي الملامح الطفولية، وهي مغايرة نسبيا للصورة التي خلفها الرجل نفسه وهو أول وزير للمالية في حكومة التناوب سنة 1998. وإضافة إلى أنه اقتصادي بارز وثاني مغربي يحصل على الدكتوراه من باريس في هذا التخصص بعد الراحل عزيز بلال، فإن من سيقرأ مذكراته التي نزلت يوم الخميس 24 أبريل في المعرض الدولي للكتاب بالرباط، سيكتشف رجلا آخر، وسيخلق بالتأكيد حميمية مع رجل لا يمكن أن تميز في سيرته بين ما هو خاص وما هو عام، بين حياته ونضاله. وربما لهذا أعطى هذه المذكرات عنوان «زمن مغربي» وهو يرجح العام على الخاص وهذا مفهوم عموما، ولكنه سيفهم أكثر عندما يبحر القارئ في الصفحات الطويلة والغنية في مجلدين بالتمام والكمال. يبدأ ولعلو مذكراته منذ الولادة حين تزوج والده بنعيسى ولعلو بنت خاله غيثة الجزولي، وسكن دار أبيها بالسويقة في المدينة القديمة بالرباط، ليفتح عينيه في أسرة ليست أرستقراطية ولكنها أسرة «عمل وكد واجتهاد» كما يصفها. وأما عن جده من والده، فيقول إنه كان بائع خضر صغيرا قرب زنقة القناصل، ولكن من بيت جده لأمه مصطفى الجزولي سيبني ولعلو كل عالمه في بيت كبير سيتحول إلى قبلة للوطنيين إلى أن يقرر والده الرحل إلى حي العكاري ويواصل الفتى دراسته وينخرط في العمل النضالي. المذكرات طويلة جدا، ونحن هنا سنقوم بانتقاء، هو على أية حال تعسفي، وما نتمناه أن يكون هذا التعسف مهنيا نابها. وأن نقرب القارئ من حياة هذه الشخصية المغربية الوازنة وهي تقدم روايتها للتاريخ بمرافقة الزميل لحسن العسيبي، الذي أعد المذكرات للنشر، وخصنا بهذا السبق، فشكرا على ثقة الرجلين. وهذه هي الصفحات الساخنة التي ارتأت الأيام نشرها: كنت أبيع الدلاح والبطيخ في عطلي الصيفية توفي جدي من والدتي في نفس فترة انتقالنا إلى حي العكاري مما جعل والدي يستقل طبيعيا بتجارته، خاصة بعد أن تم بيع متجر جدي من قبل الورثة. الأمر الذي جعله يفتتح محلا تجاريا جديدا للمواد الغدائية قرب الجوطية بالعكاري يساعده فيه الشاب الأمازيغي من تمنار الذي حكيت عنه من قبل الذي كان قريبا من العائلة بل جزء منها. ثم أن يفتتح أيضا دوشا عصريا جديدا (إضافة إلى دوش المدينة القديمة) وإلى جانبه مباشرة دكانان صغيران. كان الدكان الأول منهما مخصصا لبيع الملابس النسائية والعطور. حيث كنت في كل عطلة دراسية (خاصة العطلة الصيفية) أعمل في ذلك الدكان، مما مكنني باكرا أن أحتك بنساء الحي تجاريا وفطنت لتقنياتهن في الشراء، الأمر الذي شحذ عندي باكرا واجب الإنتباه إلى علاقة السوق بالقدرة الشرائية. كانت أغلب أولئك النسوة محجبات وأدركت باكرا طبيعة تفكيرهن اجتماعيا بالمعنى الذي يعني غلبة الرؤية للذات من داخل منظومة قيمية تقليدية بدوية وفلاحية. مما أذكره أن من زبائننا آنذاك شابة من الحي ستصبح فيما بعد ممثلة شهيرة هي الفنانة فاطمة الركراكي رحمها الله. بينما كان الزبناء الذين يثيرون فضولي وأنا ما أزال فتى في ما بين الحادية عشرة والرابعة عشرة من عمري هم الجنود السينغاليون، الذين كانوا يشترون كل يوم أحدٍ العطور (خاصة نوع «ريفدور» الذي ما زلت أذكر ثمنه وهو درهمان وعشرين سنتيما). كانوا يأتون جماعات من الثكنة العسكرية «غارنيي» حيث يقيمون التي تحولت في ما بعد إلى الحي الجامعي مولاي اسماعيل بحي المحيط، فاكتشفت من خلالهم تقاليد سلوكية لشعوب إفريقية مختلفة عن تقاليدنا، ساهمت في توسيع مداركي وتجاربي في الحياة ومكنني ذلك الإحتكاك أن أطرح أسئلة باكرا حول ثقافة الشعوب الإفريقية، الأمر الذي أغناني معرفيا وجعلني أصدر دوما عن أحكام نسبية غير إطلاقية في الرؤية إلى الآخرين بمختلف ثقافاتهم. فيما كان الدكان الثاني يخصصه والدي في فصل الصيف لبيع فاكهتي البطيخ الأصفر والبطيخ الأخضر (الدلاح)، كنت أقضي به أيضا أوقاتا كثيرة للمساعدة في عمليات البيع. حيث كنا نأتي بتلك الفاكهة الصيفية من نواحي مدينة فاس بواسطة شاحنة والدي، التي وظف في ما بعد سائقا مساعدا له كان جنديا مغربيا سابقا عائدا من حرب الفيتنام شهد هزيمة فرنسا في معركة ديان بيان فو الشهيرة في 7 ماي سنة 1954. من خلاله سأعرف باكرا تفاصيل مدققة عن تلك المعركة ساهمت في زيادة تفتح وعيي السياسي ببعد دولي. عندما اعتقلت بسبب جثة شخص مقتول بالرصاص كنا مرة عائدين ثلاثتنا أنا والمساعد حماد والجندي السائق من منطقة الكاموني حاملين الخشب لدوش جدي بالمدينة القديمة وولجنا عبر الباب الجديد، وما أن بلغنا أمام فندق أروبي يقطنه فرنسيون إسمه «فندق فرنسا» (لا يزال موجودا إلى اليوم) على بعد عشرين مترا من الحمام، حتى وجدنا جثة مغربي مرمية على الأرض في حوالي السابعة مساء مقتولا بالرصاص. أدركتُ مباشرة أنه أحد الخونة تمت تصفيته من قبل رجال المقاومة. كانت تلك أول مرة في حياتي أرى فيها جثة رجل مقتول، بل أكثر من ذلك اعتقلتنا الشرطة لأننا الوحيدون الذين كنا واقفين هناك حينها، قبل أن يتدخل نزلاء الفندق من الفرنسيين الذين شهدوا لصالحنا أننا وصلنا بعد عملية التصفية. رغم ذلك بقينا معتقلين حتى منتصف الليل، فكانت تلك أول تجربة اعتقال لي من قبل الشرطة الفرنسية الإستعمارية بصمتني وفتحت أسئلة كثيرة في ذهني حول المقاومة والإستعمار وأنا طفل في الحادي عشرة من عمره. شكل الإنتقال إلى المرحلة الثانوية بليسي مولاي يوسف الشهير بالرباط بداية ارتباك غير مسبوق عندي، غيَّرَت من شخصيتي كثيرا. أولا لأن سمعة الثانوية تلك التي تعتبر من أول الثانويات التي بناها الإستعمار بالمغرب تَسْبِقُها، كونها ظلت تضم فريقا من الأساتذة فطاحلةٌ في مجالات تخصصهم، منهم من كان حاصلا على الدكتوراه أو كان مبرزا. ثانيا لأنه كانت تُصْنَعُ بها النخبة المغربية الجديدة في علاقة مع سوق الشغل خاصة في مجال الترجمة وباقي مجالات الوظيف الإداري الجديد حينها على المغاربة. ثالثا لأن ذلك الإنتقال إليها قد تزامن مع حدث اعتقال والدي وإيداعه السجن مع الوطنيين سنة 1952. ثم أخيرا أنه بسبب سياسة تدبيرية تربوية فرنسية استعمارية، تتأسس على خطة ليوطي في المحافظة على الخصوصيات المحلية، كانت إدارة الثانوية تخصص أقساما ثانوية إعدادية للتلاميذ الرباطيين وتخصص أقساما أخرى للتلاميذ السلاويين. بالتالي كما سبق وأشرتُ حين كان أحد تلك الأقسام لا يستوفي العدد الكافي من التلاميذ يتم تطعيمه بتلاميذ من هذه الجهة أو تلك. حيث وجدتُني كثيرا ما أُكْمِلُ قسما من أقسام التلاميذ السلاويين، الأمر الذي جعلني عمليا أرتبط بالفضاء السلاوي أكثر وانسلخت عمليا عن الفضاء الرباطي. دون إغفال انفتاحنا ونحن لا نزال بعد فتية على ثقافة تلاميذ مغاربة جدد داخليين قادمين من مختلف مناطق المغرب من زعير ومنطقة الغرب والأمازيغ، وكذا تلاميذ جزائريين قبل اندلاع الثورة الجزائرية سنة 1954. كل هذه المعطيات ستؤثر على الفتى الذي كنته حينها، كان لها انعكاس على سلوكي اليومي كنوع من المقاومة لاستحقاق مكان لي ضمن ذلك الفضاء العمومي الجديد. مثلما كانت له انعكاسات على مستواي الدراسي، جعلني أدخل مرحلة محاسبة مع ذاتي شحذت داخلي بسرعة قرار تجاوز عثراتي والإنتصار عليها والتصالح مع فضائي الجديد ذاك. كنت عمليا قد ولجت إلى مرحلة جديدة لإعادة التربية سلوكيا باستقلال عن المنظومة التربوية التي تشربتها ضمن فضاء العائلة، ليس بمعنى القطيعة أو التجاوز بل بمعنى النضج والوعي بالأشياء بشكل مختلف وجديد، حيث كان ذلك عنصر غنى لي. تجدر الإشارة إلى أن الحارس العام لتلك الداخلية حينها شاب إسمه عبد الواحد الراضي (الذي أصبح كاتبا أول لحزب الإتحادالإشتراكي للقوات الشعبية في ما بعد ورئيسا للبرلمان المغربي ورفيق نضال سياسي طويل).