أحدث الأخبار مع #عبداللهباحجاج


جريدة الرؤية
منذ 3 أيام
- سياسة
- جريدة الرؤية
رسالة لعواصم خليجية بعد زيارات ترامب
د. عبدالله باحجاج زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لعدد من الدول الخليجية، لم تكن كغيرها؛ سواء أثناء فترته الرئاسية الأولى (2017- 2021) أو لأي زيارات أخرى لرؤساء أمريكا، الجمهوريين والديمقراطيين، على السواء؛ إذ كانت غير مسبوقة، وأظهرت المشهد للخليجيين والعرب عامةً مُلتبسًا ومثيرًا للجدل؛ فالكثيرون اعتبروا الزيارات ابتزازا أمريكيا جديدا للسيولة المالية الخليجية، في وقت تموت البشرية في غزة جوعًا، ويشتد الخِناق المالي على المواطنين الخليجيين بدواعي الأزمات والمديونية! ولو وُظِّفَت التريليونات والمليارات داخل المنطقة الخليجية؛ لوجدنا أهل الخليج يعيشون في جناتٍ لم يسبق لغيرهم في الأرض أن عاشوا فيها. فهل يُمكن التسليم بالابتزاز على مَضضٍ أم ينبغي تفكيكه ووضعه في سياقات الدوافع الخليجية، رغم تسليمنا بأرقامه الفلكية؟ من هنا، يُمكن القول إنَّ كل مُتابِع عميق لغايات الصفقات التريليونية والهدايا الشخصية المليونية، سيخرج بنتيجة مفادها أنَّ وراءها تحقيق نتائج تاريخية لها وزنها الجيواستراتيجي، مما تبدو بأنها ضريبة باهظة الثمن ينبغي أن تدفعها الدول الخليجية الثلاثة، في هذا الوقت بالذات. ومرجعيتنا في ذلك تُوفِّر قناعة سياسية خليجية عامة وغير مسبوقة، لكن، للرياض ولأبوظبي النصيب الأكبر والأكثر إلحاحًا وتسارُعًا والأقدر ماليًا، وهذا يعني أن حماية كل دولة خليجية والدفاع عن أمنها واستقرارها يجب أن تعتمد فيه على نفسها، وبالتالي لا يُمكن الاستمرار في الاعتماد على غيرها، أي بالنيابة والوكالة الأجنبية، كما كان طوال العقود الماضية. ولقد نتج عن هذه القناعة المُطلقة، اختراق أمنها من قبل عدة طائرات مسيرة أطلقتها جماعة أنصار الله "الحوثي" في اليمن، ولم تستفِد من الاتفاقيات الدفاعية الغربية، وقد تركتها واشنطن في عهد الرئيس جو بايدن، تواجه ضعف تحصيناتها الدفاعية، وذلك عندما سحبت واشنطن جزءًا من القوات الأمريكية من الخليج لمُواجهة الصين. وقد استوعبت القيادات الخليجية الجديدة كل الدروس القديمة والحديثة في ظل صراعاتها الجيوسياسية، فتلكم الصفقات الضخمة ستصنع مستقبل قوتها التكنولوجية- مدنية وعسكرية وتجارية- وتُعزِّز وتُحدِّث قوتها الخشنة، وتُوَطِّن صناعات استراتيجية بنسبة 50% بحلول عام 2030، مثل ما هو مُستهدف في السعودية، وهذا كله نجده في صفقات أسلحة مُتطوِّرة بقيمة 142 مليار دولار، وأخرى للتكنولوجيا، واستثمار بـ20 مليار دولار مع شركة كوالكوم تكنولوجيز الأمريكية؛ لتطوير مراكز بيانات ذكاء اصطناعي متقدمة وبنية تحتية، وهناك استثمارات تكنولوجية مشتركة بـ80 مليار دولار مع شركات تكنولوجية أمريكية مُتقدِّمة، وهناك إقامة برنامج نووي مدني، وهناك تخفيف القيود على استيراد الرقائق الأمريكية، وتطوير مشاريع الذكاء الاصطناعي.. إلخ. صحيحٌ أن الفاتورة ضخمة، وأرقامها خيالية، لكننا لو تأملنا نتائجها، فقد لا يكون تحقيقها إلّا بهذا الثمن في عهد ترامب. هذه الدول لا تنطلق في توجهاتها الحديثة من البدايات؛ بل إنها قطعت أشواطًا تنافسية عالمية، وبعضها قد تجاوز الإقليمية؛ فالإمارات مثلًا تبوأت المراكز الخامس عالميًا بمؤشر الأمن السيبراني في سنة 2020، وحققت إنجازات نفتخر بها في مجال الفضاء، فلديها 10 أقمار اصطناعية، وقريبًا ستُطلق عددًا منها لأغراض مُتعددة، وكذلك الرياض التي أصبحت مُتقدِّمة في الأقمار الاصطناعية- تصنيعًا وروَّادًا- ولها تجربة واعدة في الطائرات المسيرة. وتأتي الصفقات التريليوينة لتُدشِّن انطلاقة مُستدامة لمستقبل قوتها الخشنة والتكنولوجية بأثمانٍ مرتفعة. وكما أشرنا سابقًا، تلكم التوجهات مشروعة للأشقاء، لكن، لدينا هواجس مرتفعة من انعكاساتها على مستقبل التوازن الاستراتيجي بين دول المنظومة الخليجية من جهة، والمنطقة من جهة ثانية، والذي نخشاه هو تكريس الفردانية، وتعطيل مسيرة تحقيق كامل الأجندات الخليجية الجماعية التي تُراوِح مكانها منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي في 1981؛ كتطبيق الاتفاقية الاقتصادية، والسوق الخليجية المشتركة والاتحاد الجمركي، والسبب دائمًا الفردانية، والآن قد تتجدد عتمة الغرور بالقوة والتنافس الحاد عوضًا عن التكامل. وهنا ينبغي التحذير من هذه العتمة، مع التسليم بحق كل دولة المشروع في بناء أو تجديد قوتها؛ بما يتماهى مع تطور مفاهيم القوة الخشنة والتكنولوجية الحديثة للحفاظ على أمنها واستقرارها. كما نُسلِّم بكل هواجسها الأمنية والعسكرية والاقتصادية والتكنولوجية، ونُسلِّم في الوقت نفسه بوجود شخصية في البيت الأبيض الأمريكي تحكم ببراغماتية راديكالية، تمتطي السياسة للتربُّح الاقتصادي منها، وتُطفئ أزمات، وتُشعل أخرى لدواعٍ نفعية خالصة، ليس له أعداء يوصفون بالديمومة، وإنما مصالح مزدوجة له ولبلاده، واستدلالاتنا في ذلك كثيرة؛ ومنها: الحرب التجارية التي فجَّرها ترامب مع كل أعداء بلاده وحلفائها، وفي يومين فقط نجح في التوصل لاتفاق مؤقت مع الصين يُجنِّب الحرب التجارية العالمية، وكذلك المحادثات النووية مع طهران، واحتمالات التوصل معها إلى شراكة تجارية واقتصادية طويلة الأجل، على خلفية التوصل لاتفاق نووي معها، وكذلك التوصل إلى اتفاق- بوساطة عُمانية- مع جماعة أنصار الله في اليمن، يضمن عدم استهدافهم للسفن الأمريكية في البحر الأحمر، وتركهم يضربون الكيان الصهيوني حتى دون تنديد، إلى جانب وضع خطة للانسحاب من سوريا، ورفع العقوبات عنها، وكذلك تحويل عداء بلاده مع موسكو وأنقرة إلى صداقة، في تجسيد لشعاره المرفوع "أمريكا أولًا". ويُطبَّق هذا الشعار من منظور منفعتين، عامة وخاصةً، ونستدلُ بها بمجموعة من الدلائل، نذكر منها، أنه قبل جولة ترامب للمنطقة الخليجية توجه نجلاه إريك إلى عاصمة خليجية ليُرَوِّج لشركته المتخصصة في العملات المُشفرة، والآخر جونيور إلى عاصمة أخرى للحديث عن الاستثمار "في أمريكا ترامب". وكشفت المصادر في مارس الماضي عن أول صفقة للتطوير العقاري الفاخر لها في الخليج، فيما كُشِفَ كذلك عن تفاصيل ناطحات سحاب بمليار دولار، يُمكن شراء الوحدات فيها بالعملات المُشفَّرة. وهذه نماذج لنجليْ ترامب، غير صهره (جاريد كوشنر) وفريق ترامب المُقرَّب من رجال أعمال أثرياء.. وما خفي أكبر! هنا تتداخل السياسية مع الاقتصاد، وسيكون للأخير تأثيره الكبير على مستقبل المنطقة الخليجية، خاصة في مجال النفوذ والأسلحة والتكنولوجيا، وهذا من أبرز مُستوجِبات الوعي بطبيعة المرحلة الراهنة وآفاقها السياسية. ونحذر مُجددًا من عتمة الغرور أو الاستقواء الخليجي بعد الاتفاقيات التريليونية مع أمريكا- ترامب. لماذا؟ لأنها تمنح كل واحدة منها وَهْم الاستفراد المستقبلي بصناعة القوة الإقليمية الحديثة، والتأثير على الآخرين والسيطرة عليهم. والحذر كل الحذر من هذه الانفرادية التي تصنعها تلكم الاتفاقيات، والتي نرى من خلالها بمثابة تجديد الميل الأمريكي التاريخي نحوها لمدى طويل الأجل، ونرى فيها تحديد وظائف كل دولة في مستقبل المنطقة لسيناريوهات مُقبلة. الدول الخليجية الستة في مجموعها وحدة سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية وديموغرافية واحدة ومُتَّحدة، لكنها مُوزَّعة على سِت كيانات مُستقلة، وأي اختلال أو اعتلال أمني وعسكري في إحداها، ستتداعى له بقية الوحدات، وكل المُعطيات الدولية والإقليمية وآفاقها تُحتِّم عليها الإسراع في تحقيق وحدتها السياسية والاقتصادية لا تكريس الفردانيات، ولا الاستمرار في تأجيل الأجندات الخليجية الكبرى، وعندما تطغى الفردانية، وتستقوى بميول عالمية قوية، تتراجع طموحات المسيرة الجماعية، وهذا ما يتوجَّب لفت الانتباه إليه، والتحذير منه، لا سيما وأن تاريخ الاستفراد بالقوة الخشنة (عسكرية وتكنولوجية) يُعلِّمُنا أنه ليس وحده كافيًا لصناعة الاستقرار والأمن للدولة، وإنما الأهم الأوضاع الداخلية في إطار محيطها الجيوسياسي المُستقر. والدول الخليجية عبارة عن محيط جيوسياسي مُتصل، يعتمد على بعضه في الانفتاح على العالم الخارجي، ويمكن تفكيك مناعة الدول دون إطلاق رصاصة واحدة.. وهنا جوهر رسالتنا.


جريدة الرؤية
١٦-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- جريدة الرؤية
"معًا نتقدم".. النسخة اللامركزية في ظفار
د. عبدالله باحجاج العنوان أعلاه بمثابة مُقترح نُقدِّمه لتتبناه كل مُحافظة على غرار الملتقى السنوي "معًا نتقدَّم"، والذي تنظمه الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وقد جاءتنا فكرة المُقترح من تنظيم المجلس البلدي بمُحافظة ظفار لقاءً سنويًا تعريفيًا لعدد من المؤسسات الحكومية في ظفار، وفي عام 2024 أُقيم اللقاء السنوي تحت رعاية صاحب السُّمو السيد مروان بن تركي آل سعيد محافظ ظفار، وفي الخامس من مارس الماضي عُقد اللقاء بحضور سعادة رئيس بلدية ظفار. انحصرت جلسات ذلك اللقاء على فروع ومكاتب الوحدات الحكومية في المحافظة، بحضور أعضاء المجلس البلدي، ويشهد كل لقاء سنوي استعراض أبرز المشاريع المُنجَزة خلال عام، والكشف عن الخطط المستقبلية لفروع ومكاتب الوحدات. وهي جلسات مُغلقة بمعنى أنها محصورة على مُمثلي تلكم الجهات دون مشاركة المجتمع المحلي مباشرة. فلماذا لا تكون هذه اللقاءات السنوية على غرار ملتقى "معًا نتقدَّم"، بحيث يُدعى لها الفاعلون في المحافظة من كُتَّاب وإعلاميين ومؤسسات المجتمع المدني ومهتمين بالشأن المحلي العام، وأن تكون تحت رعاية المحافظ؛ أي تحويل اللقاء السنوي إلى منصة حوار حول المُتحقَّق من الإنجازات والمُخطَّط له على المدى الزمني القصير. هذه فرصة تُتاح للجهات الحكومية- المركزية واللامركزية- للتعريف بإنجازاتها، والكشف عن خططها، وتوضيح مُسوِّغات خياراتها التنموية والخدمية أمام الرأي العام المحلي؛ لأنَّ أي خيار تنموي أو خدمي من المؤكد له مبرراته العقلانية والوطنية، ولا بُد أن تصل للرأي العام المحلي، كما سنخرج من النقاشات بآراء بنَّاءة يُمكن الأخذ بها في خطط التطوير المقبلة. هنا تتجسَّد فلسفة وغاية "معًا نتقدَّم" على صعيد اللامركزية كالنسخة المطبقة على صعيدنا الوطني، وهذا يخدم مسار اللامركزية- نظام المحافظين- لتعزيز التشاركية المجتمعية المسؤولة في مساراتها التنموية والخدمية. وهذه التشاركية نعوِّلُ عليها كثيرًا في كسب الرضا الاجتماعي المحلي، وفي تفعيل أدوار المؤسسات اللامركزية الحكومية والمستقلة وفروع المركزية؛ حيث ستحرص كل جهة وفرع على تقديم المنجزات الجديدة وذات الجودة سنويًا؛ لأنها ستكون تحت الرقابتين السياسية والاجتماعية المباشرة. معظم فروع ومكاتب المركزية واللامركزية الخدمية مثل البلدية والتجارة والصناعة والبيئة والسياحة والتربية والتعليم والعمل والثقافة والرياضة والشباب والتنمية الاجتماعية، تستعرض سنويًا إنجازاتها، والقليل منها يخرج للرأي العام، ولا يتفاعل معها لعدم وجود إعلام وصحافة ناقلة للحدث بعيون المواطن والوطن، وإنما بما اعتادت عليه التغطيات التقليدية، وبالتالي فإنَّ رسالة الإنجازات المؤسسية لا تصل للرأي العام بمضامينها ووفق سياقاتها الزمنية ومعايير خياراتها التنموية، ولا تدفع بالفاعلين الذين شرفوا وتشرفوا بحمل الأمانة الوطنية على الإبداع وعلى الحرص على تقديم إنجازات نوعية وكمية كل سنة. ولو أخذنا مثلًا عرض إنجازات بلدية ظفار؛ فهناك فعلًا ما يستحق التشاركية التفاعلية، فعرضها التفصيلي حول مشاريع البنية الأساسية، والتعرف على آخر مستجدات مشروع "بوليفارد الرذاذ" في منطقة إتين بصلالة الذي يُعد من أبرز المشاريع السياحية التي ستُعزِّز القطاع السياحي؛ هل وصلت رسالة إنجازاتها للرأي العام المحلي والوطني؟ التساؤل نفسه يُطرح على إنجازات فروع وزارات الصحة والتنمية الاجتماعية والعمل في محافظة ظفار؟ والسبب أنَّ عرض الإنجازات يجري في جلسات غير تشاركية. فكيف نكسب الرضا الاجتماعي في ظل هذا الانغلاق؟! مثال آخر للاستدلال به، أنه في جلسة استعراض الجهود في ملف الأمن الغذائي ودور منطقة النجد فيه، استلزمت دواعي المصلحة الوطنية إثراء النقاشات ومعرفة حجم النسب المئوية المتحققة من أهداف وخطط الدولة في جعل النجد الظفاري، يمثل سلة غذاء متكاملة، وهنا كان ينبغي أن يُسمع صوت الرأي الآخر. ومما سبق تتجلى مشروعية مقترحنا تطبيق تشاركية "معًا نتقدَّم" على صعيد كل محافظة وبصورة سنوية، وتحت رعاية المحافظين، لكي تصل المنجزات السنوية إلى الرأي العام، ومن ثم كسب الرضا الاجتماعي، والمساهمة الاجتماعية المباشرة في إنضاج الإنجازات والخطط، وحمل الفاعلين على تقديم الجديد كل سنة؛ لأنهم سيكونون تحت الرقابة الاجتماعية التي ستحفز الجهود على تقديم الجديد بجودة عالية. ولماذا تحت رعاية المحافظين؟ لأن نظام المحافظين يجعل كل محافظة وحدة مُستقلة ماليًا وإداريًا يُمثِّلُها المحافظ، والمتأمِّل في ديناميات أو قوى كل واحدة منها، سيجد أنها ذاتها على الصعيد الوطني، لكنها بصورة تعكس توجهات البلاد نحو اللامركزية. ففي كل محافظة، محافظ ووالٍ ومجلس بلدي وأعضاء بمجلس الشورى وفروع لغرفة تجارة وصناعة عُمان ومؤسسات المجتمع المدني الزراعية والاجتماعية والمهنية والثقافية والصحفية.. إلخ، فلماذا لا تُشرَك في مثل هذه النقاشات المسؤولة تحت رعاية المحافظ؛ باعتباره رئيس الوحدة ومسؤول النظام اللامركزي في المحافظة؟! الفصل الرابع الخاص بالمحافظ في قانون نظام المحافظات، بالمادة 11، نقرأ عن اختصاصات المحافظ أنه يتولى "التنسيق مع رؤساء الوحدات الحكومية بشأن أداء فروعها ومكاتبها في المحافظة في ضوء التقارير المرفوعة إليه من الولاة"، كما إن من صلاحيات الولاة حسب المادة 13 من ذات القانون "متابعة أداء فروع ومكاتب الوحدات الحكومية الأخرى في الولاية، ورفع تقارير دورية بشأنها الى المحافظ". ومما تقدَّم تظهر الحاجة الوطنية في أولويتها اللامركزية، لنسخ فلسفة وغاية ملتقى "معًا نتقدَّم" من على المستوى الوطني الى المحافظات، لكي تُصبح قناة اتصالية تشاركية بين بين الأطراف سالفة الذكر في كل محافظة، لكسر الفجوة الفاصلة بين جهود ونتائج المركزية واللامركزية في كل محافظة، ومعرفة أفكار ومقترحات كل مجتمع محلي بشأن المُتحَقَّق والمُخطَّط، وهذا من دواعي تعزيز الإدارة المحلية، تماهيًا مع نظام اللامركزية وتفعيله، من حيث التطبيق من جهة، والاعتداد بالبُعد الاجتماعي لكل محافظة من جهة ثانية، ولأن التقدُّم في حقبة مُتغيِّرة تحتمه التشاركية بمنطق "معًا نتقدَّم".


جريدة الرؤية
١٦-٠٢-٢٠٢٥
- سياسة
- جريدة الرؤية
من القلب والعقل معًا.. شكرًا ترامب!!
د. عبدالله باحجاج يُفترض أن دولنا الخليجية لم تعد تجهل الآن مكامن قوتها المعاصرة الضامنة لاستقرارها السياسي والاجتماعي على المدى المتوسط والطويل الأجل، خاصةً بعد مجيء الرئيس دونالد ترامب إلى حُكم أمريكا مُجددًا، فبعد إجراءات تسليمه الحكم في 20 يناير الماضي، فجَّر مجموعة قضايا من الوزن الثقيل، تُشير إلى أن حقبة رئاسته ستُدشن مفاهيم وأفكارا راديكالية غير مسبوقة، سيتأثر بها حلفاء واشنطن في العالم، وخاصة العرب بما فيهم الدول الخليجية، وكذلك الدول الأوروبية. ومن أبرز المفاهيم المُتغيِّرة على الصعيد الأخير مفهوم قوة الدولة، وبمعنى أدق أولويات القوة فيها، من عسكرية واقتصادية وجيوستراتيجية، إلى اجتماعية وديموغرافية وغيرها من القوى الناعمة. وهذه القاعدة تنطبق بالنسبة المئوية الكاملة على دول منطقتنا العربية، بما فيها الخليجية؛ بمعنى أنها ليست بالضرورة قاعدة عامة لكل الدول الحليفة والشريكة لواشنطن، وحتى الكثير من الدول الأفريقية التي تقع ضمن تصنيف "العالم الثالث" لم تعد هذه القاعدة تنطبق عليها، بسبب تحولاتها الجديدة في إنتاج السُلَط وتداول السلطة، ودور البنى التحتية في بقائها أو رحليها، وكينيا وجنوب أفريقيا نموذجان. ولم يأت ترامب للحكم مُجددًا لكي يمضي فترة رئاسية جديدة، ويصبح أثرًا بعد عين، وإنما ليؤسِّس مرحلةً مُستدامة لبلاده. لذلك، كان منذ البداية واضحًا في الكشف عن أجندات مثيرة، وحازمًا في تنفيذها؛ سواء كانت تُرضي صديقًا أو حليفًا أو شريكًا أم لا، ومن بين النقاط المُثيرة لجوؤه إلى استفزاز حلفاء بلاده التاريخيين وهم العرب وأوروبا، أوَّلها اقتراحه تهجير أهل غزة وتوطينهم في الأردن ومصر وبأسلوب فوقي مُثير، فيه الكثير من السخرية وقهر الآخر. والثاني، إعلانه عن فرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي، وتفجير وزير الدفاع الأمريكي الجديد بيت هيجسيث مفاجآت ثقيلة تجاه الاتحاد الأوروبي. بالنسبة للعرب، فإن مواجهة التحديات الترامبية لن تكون من خلال استخدام أيٍّ من مصادر القوة الخشنة، عسكرية أو اقتصادية أو مالية أو جيوستراتيجية، وإنما تبرُز هنا القوة الناعمة التي انتصرت للسياسة والسياسيين، وعزَّزت رؤيتنا التي نحمل هاجسها في الكثير من مقالاتنا السابقة؛ وهي: أن قوة أي نظام خليجي/ عربي في داخله وليست خارجه، وليس بالضرورة أن تكون القوة خشنة، وإنما القوة الناعمة التي برزت في الحالة الأردنية الراهنة الواعدة، ويُبنى عليها، فلا يُفرَّغ من داخل كل دولة أي مصدر من مصادر قوتها الناعمة؛ فالتعدُّد والتنوُّع هو ثراءٌ للقوة الداخلية وحيويتها وديناميكيتها، وينبغي استيعابها ضمن الشرعيات الوطنية حتى تُصبح من ديناميات القوة الوطنية. في الحالة الأردنية رأينا نتائج هذا الاعتداد بتعدد وتنوع الديناميات الأيديولوجية والفكرية والثقافية في ملاحمها الوطنية الشعبية والسياسية والأيديولوجية تضامنًا مع القرار السياسي الأردني الرافض لتهجير أهل غزة وتوطينهم في الأردن. رأينا تلاحم هذه القوة بكل تعددها وتنوعها وراء العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني لمواجهة هذا التحدي الوجودي، فقد كانت القوة الإسلامية السياسية في مقدمة قوى الرفض المُطلق والداعمين للعاهل الأردني، وصناعة الغضب الشعبي قبل سفره للقاء ترامب في البيت الأبيض وبعده، وكان لها السبق أيضًا دون أحزاب الموالاة والوسط في طرح مشروع قانون بصفة الاستعجال يُجرِّم قبول التهجير وتوطينهم في الأردن. والرسالة وصلت للبيت الأبيض، قبل وصول العاهل الأردني، وبذلك عززت قوة القرار السياسي الأردني، وجعلته قرار كل الأردنيين وليس النظام فقط. وقد توقفتُ كثيرًا عند هذا التأمُّل، وقارنته بتجارب أخرى استَعْدَتْ بعض مكوناتها الأصيلة، وهجَّرتهُم للخارج إكراهًا، وتقاطعت معهم قوى أجنبية احتوت الكثير منهم بعدما وصولوا إلى حالة اليأس، وتحولوا إلى أعداء شرسين ضد سياسات ومواقف أنظمة بلدانهم، ومن يدفع بأبنائه إلى الخارج -مهما كانت الخلفيات- فأغلبيتهم لن يملكوا قرارهم؛ فعمليات التهجير والطرد ليست صالحة لإدارة الخلاف أو الاختلاف مع المواطنين. وبذلك يُسقط ترامب كل المفاهيم السياسية المُتعلِّقة بالحليف أو الشريك الأجنبي التي تأسست خلال الخمسين سنة الماضية، ليس عربيًا فحسب؛ بل على صعيد حلفائه في أوروبا الذين جعلهم الآن في حالة قلق مرتفعة، ومضطرين لأن يفكروا خارج الصندوق في كيفية مواجهة تحديات حليفهم الأكبر في العالم، بعد أن هددهم بفرض رسوم جمركية، قابلتها أوروبا بتوعدٍ بردٍ حازم على الرسوم الأمريكية. وهنا تبدو الحرب الاقتصادية بينهما واردة، ويعززها تنافسهم الذي سيكون مُحتدِمًا اقتصاديًا. وبدا هذا واضحًا عندما خصَّص الاتحاد الأوروبي 200 مليار يورو للاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي بعد أسابيع من إعلان ترامب عن مشروع "ستارجيت"؛ وهو استثمار 500 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي. هُنا أكبر اختبار للوحدة الأوروبية، وكذلك للعلاقات الأوروبية الأمريكية، والكثير من الخبراء أصبحوا يتساءلون: هل يتجه الاتحاد الأوروبي إلى الصين؟ وهذا التساؤل أصبح يدفع بفرضيته، ليس بسبب الحرب الاقتصادية المحتملة بين الحليفين، وإنما بسبب مفاجآت وزير الدفاع الأمريكي الجديد، المفاجأة الأولى عندما صرح قائلا: "إن قواتنا لن تبقي عندكم للأبد، وتركيزنا الآن على الصين.. قد لا نستطيع حماية أنفسنا بعد خمس سنوات". والمفاجأة الثانية عندما قال إن استعادة أوكرانيا كل أراضيها أو انضمامها للناتو غير واقعية. والثالثة عندما قال إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيُعلن النصر مهما كانت النتيجة. الخيار الأوروبي نحو الصين كان قائمًا من بعض الدول الكبيرة في أوروبا التي وقَّعت مذكرة تفاهم مع الصين لدخولها في مشروع "طريق الحرير" الذي يربط الصين بأوروبا كلها، كإيطاليا مثلًا؛ فالصين أكبر شريك آسيوي لإيطاليا، وثالث أكبر مُصدِّر لها، وإيطاليا من أهم مصادر الاستثمارات الأجنبية للصين، وخامس أكبر شريك تجاري لها، وإيطاليا ثاني دولة في الاتحاد الأوروبي من ناحية حجم الدين العام بعد اليونان؛ لذلك فهي ستميل نحو مصالحها أيًّا كانت بوصلتها. والتساؤل الأكبر الذي ينبغي أن يُطرح هنا هو: كيف تستقبلُ دول المنظومة الخليجية على المستويين الفردي والجماعي المفاجآت الأمريكية الراديكالية في عهدة ترامب الثانية؟ سنترك الإجابة المباشرة للخبراء الاستراتيجيين، لكننا لا بُد من التأكيد مُجددًا على أن قوتها المؤثرة داخلية فقط، ولن تتمكن من استخدام قوتها الخشنة لمواجهتها، لا الاقتصادية ولا الجيوستراتيجية، مثل أوروبا، فكيف بالعسكرية؟ لذلك نجد أنفسنا في كل مقالاتنا عن التحولات الجديدة في الخليج، أمام الاستنتاج نفسه، وهو حتمية الحفاظ على القوة الناعمة عبر تقييم وتقويم تحولات الدولة الخليجية المالية والنيوليبيرالية الاجتماعية والاقتصادية التي لها انعكاسات مؤلمة على مجتمعاتها، وتُشكِّل أهم عوامل تفكيك حصانتها الداخلية. ومما تقدم نقول شكرًا من القلب والعقل معًا، لترامب الذي جاء ليُعيد بوصلات الدول إلى مساراتها الصحيحة في الوقت المناسب؛ لذلك نعتبره وليد الصيرورات التاريخية المُنتِجة للأحداث الجِسَام، وكل من لم ينظر إليه بهذه الصيرورة، سيقع في كبرى الأخطاء المعاصرة.