logo
#

أحدث الأخبار مع #عبداللهشنفار

الحقيقة الغائبة في زمن التلاعب والتظليل الإعلامي: بين الخبر اليقين وسراب العناوين..
الحقيقة الغائبة في زمن التلاعب والتظليل الإعلامي: بين الخبر اليقين وسراب العناوين..

إيطاليا تلغراف

time٢١-٠٤-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • إيطاليا تلغراف

الحقيقة الغائبة في زمن التلاعب والتظليل الإعلامي: بين الخبر اليقين وسراب العناوين..

إيطاليا تلغراف نشر في 21 أبريل 2025 الساعة 15 و 00 دقيقة إيطاليا تلغراف * الدكتور عبد الله شنفار هل نَعِيشُ فِي زَمَنٍ تَغْرُقُ فِيهِ الْحَقِيقَةُ فِي بَحْرٍ مِنَ التّظليل والْأَكَاذِيبِ..!؟ الخبر… هل هو حقًا كما يُقدمه البعض؟ هل هو يقين أم مجرد احتمال للصدق والكذب؟ أليس في قلب كل خبر شكوك تدور حول صدقه أو كذبه؟ هي مصفوفة عناوين متنوّعة مركبةً لغويًا وتحليليًا؛ يمكن صياغتها كما يلي: 1. أنساق الإعلام الخفي: كيف يُعاد تشكيل الوعي الجمعي؟ 2. وحين يصبح الخبر أداة: تفكيك آليات التأثير الإعلامي؛ 3. والمعلومة بين التوجيه والتسريب: أفق الفهم في زمن التداخلات؛ 4. وصناعة القناعات: تحليل لخطاب الأخبار في العصر الرقمي؛ 5. ومن العاجل إلى المجهول: رحلة المتلقي وسط ضباب المعطيات؛ 6. والهندسة النفسية للمتلقي: قراءة في خطاب الإثارة الإعلامية؛ 7. وتشظي الثقة في المشهد الإخباري: من المسؤول عن الضياع؟ 8. وهل نعيش زمن الإفراط في التلقي؟ نحو عقل نقدي للأخبار؛ 9. ومن الفعل إلى الرواية: كيف تُبنى الأحداث إعلاميًا؟ 10. ثم فخاخ السرد الإعلامي: من الاستهلاك إلى التوجيه الخفي؛ في عالم يزخر بالتقلبات السياسيّة والمالية والعسكريّة، لا بد أن نطرح تساؤلات: هل كل ما نسمعه أو نقرأه من أخبار، يعكس الحقيقة؟ أو هل نحن ضحايا للألاعيب والتضليل الإعلامي حول القضايا التي قد تكون محاطة بسرية تامة؟ ما الذي نعرفه في النهاية عن مصدر الخبر ولماذا ينبغي أن نكون حذرين للغاية في قبوله؟ في العديد من القضايا، خصوصًا في الميادين السياسيّة والاقتصاديّة والعسكريّة والحروب، يتم تحضير الأخبار والمعلومات في 'غرف مظلمة' لا يطّلع عليها سوى القليل. وحتى أولئك الذين يشاركون في صناعة هذه التقارير والأخبار، لا يمتلكون اليقين الكامل حول صحتها ودقتها؛ والسبب واضح وبسيط: ففي هذه الغرف، لا مكان للشفافية والوُضوح، بل هو عالم مليء بالخداع والتضليل والتمويه الاستراتيجي، حيث يسود أساليب المكر والدهاء والخداع، لخلق المفاجآت وتظل كل التفاصيل محاطة بسريّة مطلقة، من اللحظة الأولى وحتى ساعة الصفر. في هذا السياق العام، لا يعرف من هو صاحب القرار النهائي إلا القليل الذين يتقاسمون هذه الأسرار. ولكن ماذا عن أولئك الذين هم بعيدون كل البعد عن هذه المصادر المجهولة؟ كيف يتعاملون مع شذرات الأخبار المقتطفة من هنا وهناك، والمبثوثة على صفحات الصحف أو في وكالات الأنباء والتي غالبًا ما تحمل بقايا معلومات مشوشة؟ كيف يمكن لهم أن يقيموا مصداقية هذه الأخبار، التي تكون قد تم تسريبها عمدًا لغرض ما، أو كانت مجرد اختبار لجس نبض ومعرفة ردود الفعل؟ وكيف يمكنهم التمييز بين الحقيقة والتمويه، في عالم لا يترك فيه لليقين مكانًا، ويصبح التلاعب بالمعلومات سمة من سمات العصر؟ أليس من المدهش كيف أن بعض العناوين تحاول جذبنا باستخدام كلمات مثل 'عاجل!' أو 'خبر خطير!' أو 'من مصدر موثوق'، بينما الحقيقة قد تكون بعيدة كل البعد عن الإثارة التي تعرضها هذه العناوين؟ هل نعتبر أنفسنا ضحايا لهذا التلاعب اللفظي؟ أليس من السهل جدًا أن نقع في فخ هذه العبارات دون أن نتوقف لحظة لنسأل: هل هذه المعلومات موثوقة؟ كيف لنا أن نعرف؟ إذن، كيف علينا أن نتعامل مع الأخبار عندما يكون مصدرها مشكوكًا فيه أو مجهولًا؟ الإجابة قد تكمن في العودة إلى الفكر القرآني الذي يعلّمنا كيف نميز بين الحقيقة والشائعة. يخبرنا القرآن الكريم على لسان طائر الهدهد، الذي كان يحمل خبرًا يقينيًا إلى نبي الله سليمان -عليه السلام-: «مَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ: أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ.» هنا نجد أن الهدهد ينقل خبرًا يقينيًا ولكن مع ذلك، نجد نبي الله سليمان، على الرغم من أنه كان على علم بما يقال، لم يتسرع في تصديقه تمامًا. هل يعني ذلك أنه يجب علينا أن نتحقق من كل الأخبار حتى ولو كانت تأتي من مصادر يبدو أنها موثوقة؟ ألم يكن الهدهد في ظاهر الأمر 'مصدرًا موثوقًا'؟ لكنه كما فعل سليمان، لا يجب أن نركن فقط إلى ما نسمع، بل يجب أن نتحقق بعناية. ردَّ نبي الله سليمان قائلاً: «سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ»، مؤكدًا ضرورة التحقق من الأخبار قبل الإيمان بها، حتى وإن كانت تبدو في ظاهرها صحيحة. لم ينساق سليمان وراء الحجة التي قدمها الهدهد، بل ظل حريصًا على أن يتأكد من صحة الخبر. لذا أرسل الهدهد محملاً برسالة إلى ملكة سبأ، يحمل فيها طلبًا واضحًا من نبي الله سليمان: «إِنَّهُ مِن سُلَيْمَٰنَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ». وبذلك يكون سليمان قد أراد أن يتحقق من صدق الهدهد عبر هذه الرسالة، قبل أن يقبل أو يرفض ما جاء به. إلى جانب هذا، نجد في القرآن الكريم تذكيرًا آخر حول دقة التعامل مع الأخبار، لا سيما في الحالات التي تتطلب إثباتات قوية. ففي قضايا خطيرة مثل الزنا، التي تعد من أعظم الجرائم في الشريعة الإسلامية، نجد أن إثبات الجريمة يتطلب أربعة شهود عيان. الآية الكريمة توضح: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}. وإذا كانت الشهادات ليست مؤكدة، يجب أن يُعطى وزن لكل كلمة تُقال، وليس من السهل تصديق كل ما يقال دون دليل قوي. وهنا نجد أن الإسلام لا يترك مجالًا للظن أو التسرع في الحكم، بل يفرض شروطًا دقيقة لإثبات الحقائق. لماذا إذًا يصر البعض على نشر الأخبار عبر مصادر مجهولة؟ هل هو لخلق حالة من الإثارة والتشويق؟ أم أن هناك من يسعى عمدًا إلى تضليل الجمهور وتوجيهه نحو تصديق ما يرغبون فيه؟ عندما نسمع عن خبر 'من مصدر مقرب'، هل هذا المصدر فعلاً موثوق؟ أليس من حقنا أن نعرف، قبل أن نقبل الأخبار، مدى مصداقية المصدر الذي نقلها؟ في حياتنا اليومية، يجب أن نتعلم كيف نميز بين الخبر اليقين والخبر المشكوك فيه. القرآن يوضح لنا أن أي قضية، حتى في الحالات الجادة مثل اتهام شخص بالزنا، تتطلب شهودًا عديدين وشرطًا قويًا للتحقق من صحتها. لماذا؟ لأن الحقيقة ليست أمرًا سهل الوصول إليه، والأخبار قد تكون متأثرة بالكثير من العوامل التي تجعلها مشوهة. فهل نَعِيشُ فِي زَمَنٍ تَغْرُقُ فِيهِ الْحَقِيقَةُ فِي بَحْرٍ مِنَ الْأَكَاذِيبِ..!؟ كيف نحدد حدود المصداقية عندما تتداخل الحقائق مع الآراء والمصالح؟ هل وصلنا إلى مرحلة أصبح فيها تداول الأخبار أسرع من التحقق من صحتها؟ أليس من الأفضل أن نتوقف قليلًا، لنسأل أنفسنا: 'هل هذا الخبر يستحق أن نصدقه؟ هل هو حقيقي أم مجرد جزء من لعبة إعلامية معقدة؟' * الخلاصة: إن الأخبار المزيفة والأنباء المغلوطة ليست مجرد مشكلة إعلامية، بل هي مسألة تمس نسيج المجتمع نفسه. هل نسمح لأنفسنا بأن نكون ضحايا للظن والشكوك التي قد تؤدي بنا إلى اتخاذ قرارات خاطئة؟ هل يمكننا بناء الثقة في وسائل الإعلام في زمن أصبحت فيه الأخبار أداة للسيطرة على العقول؟ في النهاية، علينا أن نكون أكثر وعيًا بمصادر الأخبار التي نتابعها، وألا نسمح لأنفسنا بالانجراف وراء العناوين الجاذبة دون تمحيص. هل يمكننا أن نثق في كل ما نسمعه؟ أم أن الحقيقة باتت أكثر تعقيدًا مما كنا نعتقد؟ السؤال يبقى مفتوحًا والتفكير فيه هو الطريق إلى سبيل الحكمة. إيطاليا تلغراف التالي ليستر سيتي يودع رسميا الدوري الإنكليزي الممتاز

الإنسان بين التكريم والإفساد في الأرض: قراءة في مسلسل ومسارات صراع الخير والشر..
الإنسان بين التكريم والإفساد في الأرض: قراءة في مسلسل ومسارات صراع الخير والشر..

إيطاليا تلغراف

time٢٢-٠٣-٢٠٢٥

  • منوعات
  • إيطاليا تلغراف

الإنسان بين التكريم والإفساد في الأرض: قراءة في مسلسل ومسارات صراع الخير والشر..

إيطاليا تلغراف * الدكتور عبد الله شنفار * التوقعات الصادمة للملائكة حين أعلن الله جعل البشر خلائف في الأرض: عندما أخبر الله الملائكة بأنه سيجعل في الأرض خليفة، جاء تساؤلهم العفوي والمفاجئ: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ؟) لم يكن هذا التساؤل رفضًا لحكمة الله، بل كان استقراءً لطبيعة الإنسان، الذي قد يحمل في داخله نزعة الخير كما يحمل الاستعداد للشر. وجاء الرد الإلهي بأن منح آدم عليه السلام العلم، فكان ذلك بمثابة التحدي للملأ الأعلى، حيث اختُبر الإنسان في قدرته على التمييز والتعلم. لكن، منذ اللحظة الأولى، أثبت الإنسان أنه ليس معصومًا من الخطأ، فقد شهد التاريخ أول جريمة قتل عندما أطاعت نفس قابيل هواها فقتل أخاه هابيل: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، بل إنه حتى عجز عن التعامل مع جثة أخيه حتى بعث الله له غرابًا يعلمه كيف يواري سوءته. * الصراع الأبدي بين الخير والشر: منذ ذلك الزمان، دخل الإنسان في صراع أبدي بين نزعتي الإصلاح والإفساد في الأرض وبين نزعة الخير الذي ينير طريقه ونزعة الشر الذي يدفعه نحو الظلم والعدوان. إن العقدة الشيطانية المتجذرة في النفس البشرية، والتي تجلت بوضوح في موقف إبليس: {أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ}، كانت شرارة هذا الصراع الذي لن ينتهي طالما وُجد الإنسان على الأرض. فقد يغلب الخير أحيانًا، لكنه سرعان ما يتراجع أمام موجات الطغيان والاستبداد، والعكس صحيح، وفقًا لسيرورة التاريخ وتقلبات الأزمنة. كان المنتظر من هذا 'الخليفة الذي جعله الله في الأرض' أن يكون عامل إصلاح، مستثمرًا وعيه وعلمه في إعمارها، متجنبًا سفك الدماء وإشاعة الفساد. فقد ميزه الله بقدرة عقلية مستقلة، تمكنه من اتخاذ قرارات واعية تعزز دوره كمصلح، لكن التاريخ يروي قصة مختلفة. * من التكريم إلى التشويه: عندما ينحرف العلم عن غايته: لقد كان تكريم الإنسان في أساسه تكريمًا لعقله ولقدراته المعرفية: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}، لكن هذا التكريم لم يمنع البعض من استغلال العلم لأغراض هدامة، فتحول الفكر إلى أداة للتدمير بدل البناء. وراء شعارات الجماعات الإرهابية، مثل داعش والقاعدة وأخواتهما، ووراء الرايات السوداء التي تحمل كلمات مقدسة مثل 'لا إله إلا الله' و'الله أكبر'؛ اختبأت أبشع الجرائم وأفظع الانتهاكات، مما جعل الإنسان يشوه ذلك التكريم الإلهي الذي مُنح له، ويستخدم المعرفة وسيلة لنشر الرعب بدل تحقيق العدل والسلام. * الطغاة عبر التاريخ: دروس في الاستبداد والدموية: عبر التاريخ، ظهر أشخاص طغوا وتجبروا، فكانوا تجسيدًا لمفهوم 'الإفساد في الأرض'، بداية من فرعون وهامان اللذين استخدما السلطة لإذلال الناس: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ}، إلى (نيرون)، الطاغية الذي أحرق روما، لكنه لم يستطع أن يطفئ جذوة المقاومة، فقد مات نيرون، لكن روما لا تزال بعينيها تقاتل. يا ترى ما الفرق بين العصر الجاهلي والعصر الحديث!؟ يبدو لا فرق على مستوى القِيَّم..! فحرب داحِسْ والعبْراءْ؛ بين قبيلتي عبس وذبيان دامت 40 سنة..! والحروب والغزوات المغولية خلال القرن الثالث عشر. حب التملك والتوسع على حساب شعوب وأمم أخرى من خلال خلق الهالة والجاذبية الحضارية. يحكى أن (جِنْكِيْزْ خَانْ) إمبراطور المغول؛ عندما حضرته الموت؛ خاطب أبناءه؛ قائلًا: 'لقد تركت لكم إمبراطورية عظيمة؛ ولكن التاريخ لم يسعفني للاستيلاء على العالم بأكمله.' وكذلك (هتلر)، الذي ألقى بألمانيا في أتون حرب دمرت ثلث شعبه، و(ستالين) الذي تسبب في مقتل ملايين البشر بعمليات التطهير القاسية، وموسوليني الذي قاد بلاده إلى الهاوية بتبنيه الفاشية الوحشية. لكن المعضلة الحقيقية تكمن في أن هؤلاء الطغاة لم يصنعوا أنفسهم بأنفسهم، بل تغذت نزعتهم الاستبدادية من خلال تضخيم الرمز، حيث يصبح القائد أسطورة تعلو على التاريخ والعقل ويتحول التمجيد الأعمى إلى أيديولوجيا تتلاعب بمصائر الشعوب. * هل يمكن كسر دائرة العنف؟ التاريخ مليء بالأمثلة على أن القوة العنيفة لم تكن يومًا وسيلة ناجحة لتحقيق الإصلاح الحقيقي. فإذا لم يُجْدِ خطاب الدعوة والإقناع، فلن يُجدي العنف والقهر. إن التحدي الحقيقي أمام الإنسان اليوم ليس في امتلاك القوة المادية، بل في كيفية استخدامها بحكمة. علينا أن نستبدل لغة القوة الغاشمة بلغة الحوار والدبلوماسية، وأن ننتصر لمبدأ البناء لا الهدم، فدورنا الحقيقي في الأرض ليس الفساد وسفك الدماء، بل إعمارها وبناء مستقبل أفضل للبشرية. * والخلاصة: يبقى السؤال مفتوحًا: هل سيتعلم الإنسان من دروس التاريخ، أم أنه سيظل يدور في دوامة الصراع بين الخير والشر، متخليًا عن دوره الحقيقي كخليفة في الأرض؟ إيطاليا تلغراف

إعادة بناء الفهم الديني: بين النص والتطبيق..
إعادة بناء الفهم الديني: بين النص والتطبيق..

إيطاليا تلغراف

time٢١-٠٣-٢٠٢٥

  • سياسة
  • إيطاليا تلغراف

إعادة بناء الفهم الديني: بين النص والتطبيق..

نشر في 21 مارس 2025 الساعة 8 و 48 دقيقة إيطاليا تلغراف * * الدكتور عبد الله شنفار يمثل الدين أحد المرتكزات الأساسية للهوية الثقافية للمجتمعات، وهو ليس مجرد منظومة اعتقادية، بل قوة حيوية تؤثر في السلوك الفردي والجماعي. غير أن المشكلة الأساسية التي تواجه المجتمعات الإسلامية اليوم ليست في غياب الدين، بل في الفجوة بين النص والممارسة، حيث تحول التدين في كثير من الأحيان إلى طقوس شكلية تفتقد الروح الحقيقية التي جاءت بها التعاليم الدينية. هذا التباعد بين النصوص والممارسة أفرز حالة من الجمود الفكري، مما يستدعي مراجعة جذرية للفهم الديني بحيث يكون أكثر تفاعلًا مع الواقع وأكثر قدرة على استيعاب التحولات الاجتماعية. * إشكالية ردم الفجوة بين الدين والتدين: إن العلاقة بين الدين والتدين ليست علاقة تطابق بالضرورة، فالتدين هو انعكاس اجتماعي وثقافي لفهم معين للدين، وقد يبتعد هذا الفهم عن مقاصد النصوص الدينية. في المجتمعات الإسلامية، نشأت تدريجيًا حالة من المبالغة في التركيز على الجزئيات الفقهية والطقوس التعبدية، بينما تم إهمال الجوانب الكبرى التي شكلت جوهر الرسالة الإسلامية، مثل العدل الاجتماعي، والمساواة، والحرية. إن محمداً ابن عبدالله عليه السلام، في خطبة الوداع، وضع أسسًا واضحة لمنظومة أخلاقية واجتماعية عادلة، تتجاوز الأطر الضيقة للعبادات، وتركز على حقوق الإنسان، واحترام كرامة الفرد، وتحقيق التوازن في العلاقات الاجتماعية. غير أن هذه المبادئ غُيِّبت لصالح التركيز على المسائل الشكلية، مما أفرز تيارات دينية تبتعد عن روح النص، وتغرق في التفاصيل الثانوية، بينما تتجاهل الإشكالات الكبرى التي تواجه المجتمعات. * نحو متطلبات إصلاح ديني: دروس من تجارب أخرى: إن إصلاح الفهم الديني ليس بدعة، بل هو ضرورة لضمان استمرارية الدين كقوة مؤثرة في الحياة العامة. التاريخ يشهد بأن الأديان الكبرى مرت بمراحل إصلاحية أحدثت تحولات جوهرية في علاقتها بالمجتمع. أحد الأمثلة البارزة على ذلك هو الإصلاح البروتستانتي في أوروبا، الذي لم يكن مجرد انشقاق ديني، بل كان ثورة فكرية حررت الممارسة الدينية من سلطة رجال الدين، وفتحت الباب أمام اجتهادات جديدة في فهم النصوص. وعلى الرغم من الاختلاف في السياقات، فإن الفكرة الجوهرية التي يمكن استخلاصها من التجربة البروتستانتية هي الحاجة إلى تحرير الفهم الديني من القيود التي تعطل قدرته على التفاعل مع الواقع. وهذا لا يعني هدم التراث الديني، بل إعادة قراءته في ضوء المستجدات الاجتماعية والعلمية، بحيث يصبح الدين أكثر قدرة على إلهام المجتمعات، لا على إعاقتها. * إشكالية إقصاء العلوم الإنسانية من الفهم الديني: من أبرز العوائق التي تواجه إصلاح الفكر الديني في المجتمعات الإسلامية اليوم هو العداء أو التحفظ تجاه العلوم الإنسانية، حيث ينظر البعض إليها على أنها تهديد للفكر الديني، رغم أنها في جوهرها أدوات تحليلية تساعد على فهم المجتمعات وتحولاتها. إن العلوم الإنسانية، مثل علم الاجتماع، والفلسفة، وعلم النفس، ضرورية لفهم الدين في سياقه الاجتماعي، ولتقديم قراءة أكثر عمقًا للنصوص الدينية. فعلى سبيل المثال، فإن دراسة التاريخ الديني من منظور علم الاجتماع يمكن أن تكشف عن العوامل التي أثرت في تفسير النصوص عبر العصور، وتساعد على فهم لماذا سادت بعض التأويلات، بينما تم تهميش أخرى. وفي السياق الأوروبي، نجد أن الفاتيكان نفسه تبنّى علوم الاجتماع والنفس في دراساته حول تأثير الدين في المجتمع، مما ساعده على تطوير خطابات دينية أكثر ملاءمة للعصر الحديث. أما في المجتمعات الإسلامية، فلا يزال هناك تردد في إدماج العلوم الإنسانية في مناهج تكوين الفقهاء وعلماء الدين، مما يجعل الخطاب الديني عاجزًا عن استيعاب التحولات الاجتماعية المعقدة. * التوظيف السياسي للدين: إشكالية العلاقة بين السلطة والمقدس: إحدى الإشكالات الكبرى التي تعيق تطور الفكر الديني هي العلاقة المعقدة بين الدين والسياسة. فمنذ قرون، كان هناك خلط بين المجالين، حيث وظفت السلطة الدين لتبرير شرعيتها، بينما حاول بعض الفقهاء إخضاع السياسة لسلطة النصوص الدينية، مما خلق توترات مستمرة بين الديني والسياسي. إن التجربة التاريخية تثبت أن الحل لا يكمن في القطيعة التامة بين الدين والسياسة، كما أنه لا يكمن في دمجهما بشكل مطلق. فالولايات المتحدة، مثلًا، لم تفصل الدين عن المجتمع، لكنها فصلت بين النصوص الدستورية والخطاب الديني، مما سمح بوجود تأثير روحي دون هيمنة دينية على القرار السياسي. في السياق الإسلامي، تحتاج العلاقة بين الدين والسياسة إلى إعادة صياغة بحيث يكون الدين مصدرًا للقيّم الأخلاقية العامة، دون أن يتحول إلى أداة لشرعنة السلطة السياسية. وهذا يتطلب تطوير فهم جديد لمفهوم 'الشورى'، بحيث لا يبقى مجرد مصطلح نظري، بل يتحول إلى ممارسة ديمقراطية حقيقيّة تحترم إرادة الشعوب. * خلاصة أولى: نحو تجديد الفهم الديني: إن إصلاح الفهم الديني ليس خيارًا، بل ضرورة تاريخية تفرضها التحولات العميقة التي يشهدها العالم. إن أي محاولة للإبقاء على الفهم التقليدي للدين دون مراجعة نقدية ستؤدي إلى مزيد من الانغلاق، وإلى تعزيز الفجوة بين الدين والمجتمع. * خلاصة ثانية: إن المطلوب اليوم هو إعادة قراءة النصوص الدينية بروح جديدة، تستفيد من العلوم الإنسانية، وتفصل بين الدين والسياسة دون إقصاء أي منهما، وتعيد التركيز على المبادئ الكبرى للإسلام، مثل العدل والحرية والمساواة، بدلًا من الانشغال بالجزئيات التي لا تقدم حلولًا حقيقية للمشكلات المعاصرة. * خلاصة ثالثة: إن أي نهضة فكرية تبدأ بإصلاح طريقة التفكير، وهذا الإصلاح لا يمكن أن يتحقق إلا إذا توافرت إرادة جماعية لإعادة بناء المفاهيم الدينية بما يتناسب مع متطلبات العصر، دون أن يفقد الدين جوهره الروحي الذي يشكل أساس هويته. إيطاليا تلغراف إعادة بناء الفهم الديني: بين النص والتطبيق.. السابق تحليل عسكري بشأن توسيع العملية البرية الإسرائيلية في قطاع غزة التالي قنبلة سياسية.. ماذا يحدث في إسطنبول؟

التصوف بين الحقيقة والالتباس: جدلية النور والظلمة في المعرفة الروحية..
التصوف بين الحقيقة والالتباس: جدلية النور والظلمة في المعرفة الروحية..

إيطاليا تلغراف

time٢١-٠٣-٢٠٢٥

  • منوعات
  • إيطاليا تلغراف

التصوف بين الحقيقة والالتباس: جدلية النور والظلمة في المعرفة الروحية..

إيطاليا تلغراف * د. عبد الله شنفار – مدخل إشكالي: ما معنى الحقيقة في الفكر الصوفي؟ هل هي إدراك الوجود من منظور مختلف عن العقل المألوف، أم أنها تجربة روحانية تتجاوز التصورات الحسية؟ وهل الحقيقة الصوفية تجربة قابلة للفهم العقلي، أم أنها تستند إلى معايير أخرى، كالإلهام والكشف؟ كيف نفهم مقولة الجنيد: «لا يبلغ أحد درج الحقيقة حتى يشهد فيه ألف صِدِّيق بأنه زنديق»؟ هل تكرّس هذه المقولة القطيعة مع المعرفة التقليدية وتدخل في إطار تأليه الذات، أم أنها تشير إلى مستوى من الفهم لا يدركه إلا الخاصة من أهل المعرفة؟ وهل التصوف، في جوهره، امتداد للإيمان العميق، أم هو تأويل فلسفي يخرج عن إطار العقيدة؟ – الحقيقة عند المتصوفة: تجلّياتها ومستوياتها: يتحدث المتصوفة عن الحقيقة باعتبارها درجة من درجات الوعي التي تتجاوز الإدراك الحسي والعقلي، ويستدلّون على ذلك بآيات من القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: * (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ). * (يَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ). * (مَن لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُورٍ). تُفهم هذه الآيات عندهم على أنها إشارات إلى المعرفة اللدنية التي يمنحها الله لخواص عباده، لا عبر طرق العقل والتجربة، بل من خلال إشراق روحي يتجاوز قوانين الفكر العادي. وهذا الفهم يجعلهم يتمسكون بمفاهيم مثل الفناء في الله، التي تعني زوال الإدراك الفردي للذات والاندماج الكلي في الحقيقة الإلهية. لكن هل هذه التصورات تظل ضمن إطار الإيمان البسيط، أم أنها تنطوي على تحوّل جوهري في مفهوم العلاقة بين العبد والمعبود؟ هنا نصل إلى إشكالية أخرى: إذا كان التصوف قائمًا على إلغاء الذات، فهل هذا يعني إلغاء التمييز بين الله والإنسان؟ التجربة الصوفية بين الروحانية والربانية: – يمكن التمييز بين مستويين في التصوف: 1. التصوف الأخلاقي الرباني: الذي يقوم على تهذيب النفس والتقرب إلى الله بالعبادة والزهد. 2. التصوف الفلسفي والإشراقي: الذي يصل إلى مرحلة الفناء في الله ورؤية الوجود كأنه انعكاس للحقيقة الإلهية. في المستوى الأول، يمكن قبول التصوف كطريقة روحية تنتمي إلى تقاليد الزهد والتقوى. لكن في المستوى الثاني، نواجه إشكالات كبرى تتعلق بطبيعة العلاقة بين الخالق والمخلوق، كما يظهر في قول الحلاج: * أنا من أهوى ومن أهوى أنا، نحن روحان حللنا جسدا. هذه العبارة أدت إلى اتهام الحلاج بالكفر، لأنها توحي بذوبان الحد الفاصل بين العبد والرب، وهي فكرة تعكس جوهر التصوف الفلسفي القائم على وحدة الوجود. – مفارقات الجنيد والحلاج: بين السرّ والبوح: الجنيد يقول: «لا يكون الصديق صديقًا حتى يشهد له في حقه سبعون صديقًا بأنه زنديق.» أما ابن الفارض فيقول: «إنما قتل الحلاج لأنه باح بسره؛ إذ شرط هذا التوحيد كتمان السر.» ما هو هذا 'السر' الذي لا يجب البوح به؟ ولماذا يصبح الوصول إلى 'الحقيقة' عند الصوفية مرادفًا لخطر الاتهام بالزندقة؟ هل السرّ هنا هو معرفة باطنية لا تتحملها العقول العادية، أم أنه خروج عن العقيدة الإسلامية التقليدية؟ – أسئلة جوهرية حول طبيعة التصوف: * هل التصوف في جوهره امتداد للإيمان العميق، أم هو تأويل فلسفي يخرج عن إطار العقيدة؟ * إلى أي حدّ يمكن اعتبار المفاهيم الصوفية كالفناء والحلول ووحدة الوجود تجليات روحية، أم أنها تأويلات فلسفية؟ * هل يمكن للتصوف أن يكون منهجًا معرفيًا، أم أنه يظل مجرد تجربة ذاتية غير قابلة للتعميم؟ * هل الصوفي عندما يتحدث عن الحقيقة المطلقة يدركها فعلًا، أم أن تجربته هي إسقاط ذاتي على العالم؟ خلاصة: التصوف بين الإشراق والالتباس: تظل تجربة التصوف مثار جدل دائم بين من يراها مسلكًا للروحانية الحقة، ومن يرى فيها انحرافًا عن العقيدة. إن مقولة الجنيد عن 'شهادة الصديقين بالزندقة' تعكس عمق المفارقة التي تحيط بالتصوف، حيث يصبح العارف بالحقيقة شخصًا موضع شك وريبة، وكأن الوصول إلى الحقيقة هو خروج عن المألوف. يبقى السؤال مفتوحاً: هل الحقيقة الصوفية نورٌ أم ظلمة؟ إيطاليا تلغراف

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store