logo
#

أحدث الأخبار مع #علاء_الدين_أبو_زينة

وهم السخاء الأميركي
وهم السخاء الأميركي

الغد

timeمنذ 9 ساعات

  • سياسة
  • الغد

وهم السخاء الأميركي

ترجمة: علاء الدين أبو زينة جورج دي. أونيل* - (ذا أميركان كونسيرفاتيف) 12/5/2025 على الرغم من الأسطورة المتداولة عن "القوة العظمى الخيّرة"، كانت الإمبراطورية الأميركية قوة مدمّرة إلى حدٍّ كبير. * * * بسبب تراثنا المسيحي القوي، يؤمن معظم الأميركيين بطبيعتهم بضرورة التحلي بالسخاء تجاه الجيران. وكانت روح حسن الجوار من الأسس المركزية التي قامت عليها بلادنا. وثمة، على المستويين المحلي والوطني، عدد هائل من المجموعات والمنظمات التي تقدم الدعم والمساعدة للمحتاجين. وتشكل هذه التقاليد جزءًا مهمًا من ثقافتنا. ونتيجة لذلك، يعتقد الكثير من الناس أن حكومة الولايات المتحدة هي قوة خير في العالم، ومساهِمة أساسية في استقرار العالم. لكن هذا التصور محض وهم. لعقود عدة، استخدمت نخبنا السياسية والثقافية هذا الميل الوطني التقليدي نحو السخاء لخداع الشعب الأميركي وجعله يدعم أنشطة لا تمتّ إلى السخاء بصلة -وغالبًا ما تكون شديدة التدمير. وعلى مر السنين، ظلّت النخب الرائدة تردد سردية زائفة تتحدث عن قيام الولايات المتحدة بفعل الخير حول العالم -أسطورة "الأمة التي لا غنى عنها". منذ الحرب العالمية الثانية، دعت نخب الحكم الأميركية إلى تدخلات عسكرية عديدة لـ"إنقاذ الديمقراطية"، بحجة حماية دول ما من الشيوعيين أو الإرهابيين أو الفاشيين، أو من تجسيدات متعددة لهتلر (أو ما هو أسوأ). وغالبًا ما كانت هذه الاتهامات مصحوبة بنداءات هستيرية تدعو "الأمة العظيمة التي لا غنى عنها" إلى التدخل، أو التصدي، أو إنزال العقاب الصارم بأحدث "شرير" مُعيّن. وعادة ما تسارع وسائل الإعلام السائدة إلى التصفيق لهذا الهراء. وحتى وقت قريب، لم تكن لدى المواطن الأميركي العادي أي وسيلة للوصول إلى المعلومات التي تكشف الأكاذيب والفساد الخفي وراء تلك المزاعم. ولكن، لحسن الحظ، وبفضل وسائل الإعلام البديلة، شرع هذا الجهل في التلاشي سريعًا. اليوم، أصبح الأميركيون يدركون أن معظم ما قيل لهم عن السياسة الخارجية الأميركية غير صحيح من حيث الجوهر، وأن هذه السياسة ليست خيّرة على الإطلاق. على عكس ما يتخيله الكثيرون، أمضت الولايات المتحدة عقودًا في دعم الجماعات الجهادية الإسلاموية بشكل مباشر -أو التغاضي عن دعم "أصدقائنا" للجماعات الإرهابية. وبعد ذلك، كانت "الحرب العالمية على الإرهاب" ذريعة ملائمة لتبرير التدخلات. وقد استُخدمت بشكل خاص في الشرق الأوسط لتدمير العقبات التي تعترض طريق إسرائيل التوسعية. لو أننا كنا نرغب في وقف الإرهاب حقًا، لكان من أولى أولوياتنا وقف تمويل وتسليح هذه الجماعات، وإقناع "أصدقائنا" بالكف عن تمويلها وتسليحها. كان الانهيار الأخير في سورية نتيجة دعم الولايات المتحدة وإسرائيل وعضو الناتو، تركيا، للجماعات الجهادية المعارضة للحكومة. وكما هو معروف، تعود جذور القيادة الجديدة في سورية إلى تنظيم القاعدة. فكيف يمكن اعتبار ذلك سلوكًا خيّرًا أو تمثيلًا إيجابيًا لـ"شرطي العالم"؟ لقد قيل لنا على مدى عقود إن "القاعدة" شر ويجب القضاء عليه. وها نحن نرى في سورية دليلًا مباشرًا على أن "القاعدة" والجماعات المرتبطة به تُستخدم كوكلاء لخدمة "مصالح" الولايات المتحدة. كيف يكون خلق دولة فاشلة أخرى في الشرق الأوسط أمرًا جيدًا أو يصب في مصلحة الولايات المتحدة؟ لقد حان الوقت لأن نتوقف عن السماح بخداعنا بادعاءات كاذبة عن النوايا الطيبة والسخاء، وأن نبدأ في الاعتراف بالكوارث الكثيرة التي كانت قيادتنا الوطنية سببًا مباشرًا فيها، وأن نتعلم منها. قال لنا المسيح: "من ثمارهم تعرفونهم". وقائمة الكوارث المأساوية التي تسبب بها بلدنا طويلة جدًا، ولكن إليكم بعضا من أبرز الأمثلة وأكثرها فظاعة. خلال فترة القتال في الحرب الكورية من العام 1950 إلى العام 1953، قتلنا ملايين المدنيين، وبعد مرور سبعة عقود، لم ننهِ تلك الحرب رسميًا بعد. ما نزال نحتفظ بآلاف الجنود في كوريا، بطريقة تعوق استعادة العلاقات الطبيعية بين الشمال والجنوب. وتُسهم قواتنا في فرض الحصار الذي يؤدي إلى تجويع المدنيين في كوريا الشمالية. أما الدور الذي لعبته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي. آي. إيه) في الانقلاب الذي أطاح برئيس وزراء إيران المنتخب ديمقراطيًا، محمد مصدق، في العام 1953، فكان السبب الأساسي للتوتر مع إيران، قبل أن تقرر حكومة الليكود في إسرائيل ومؤيدوها شن حملة متصاعدة لتشويه سمعة هذا المجتمع العريق الذي يمتد عمره لأكثر من 3000 عام. (وقد نجحت تلك الحملة ذاتها في تدمير الفلسطينيين، والعراقيين، والأفغان، والليبيين، والسوريين، وشعوب أخرى "عصت" الأوامر). وفي المحيط الهادئ، أدت حرب فيتنام التي امتدت من العام 1955 إلى العام 1975 إلى مقتل ملايين الأشخاص في فيتنام والدول المجاورة مثل كمبوديا. وأدى القصف الأميركي إلى زعزعة استقرار كمبوديا إلى درجة مكنت "الخمير الحمر" من السيطرة على البلد المدمر، وقتل أكثر من ثلث سكانه، بالإضافة إلى الذين قتلتهم القوات الأميركية. وكان معظم ما قيل لنا عن تلك الحرب كذبًا منذ بدايتها. ولم يقتصر سوء السلوك الأميركي على نصف الكرة الشرقي. في الأماكن الأقرب إلى وطننا، أدت الانقلابات والتدخلات الأميركية العديدة في أميركا الوسطى والجنوبية إلى حالة من عدم الاستقرار ما تزال تؤرق مواطني تلك المناطق حتى اليوم. في نيسان (أبريل) 1961، نظّمت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وغذّت غزو خليج الخنازير في كوبا. وكانت تلك العملية كارثية بكل المقاييس، وأسهمت في ترسيخ حكم آل كاسترو، وضمنت استمرارهم في السلطة حتى وفاتهم بعد ستة عقود. وما يزال الحصار الأميركي غير المبرر يسبب المعاناة للشعب الكوبي حتى اليوم. وتشهد الصومال حربًا أهلية منذ الثمانينيات، ما تزال تتأرجح بين الهدوء والتصعيد بفضل الأموال والأسلحة الأميركية. وأدت حرب الخليج الأولى (1990-1992)، إلى فرض عقوبات ساحقة أدت إلى موت ودمار واسعين في العراق، وتبيّن لاحقًا أنها كانت تمهيدًا لغزو العراق في العام 2003. أسفر التدخل الأميركي في حرب كوسوفو (1998-1999) عن مقتل عدد كبير من المدنيين. وكان القادة العسكريون الذين روّجوا لتلك الحملة القاسية من القصف قد زعموا أنها ستنتهي خلال أسبوع على الأكثر، لكنها استمرت 16 شهرًا من الموت والدمار. ومن الصعب تحديد ما الذي تحقق فعليًا من هذا التدخل سوى إقناع الروس بأن (الناتو) ليس منظمة دفاعية، خلافًا لما وعدت به إدارتا جورج بوش الأب وبيل كلينتون. وكانت هذه من أوائل الاستفزازات التي قادت في نهاية المطاف إلى الحرب الروسية-الأوكرانية الحالية. كانت حرب أفغانستان في العام 2001، نتيجة لقرار أميركي اتخذ في العام 1979 بدعم دخول الجهاديين السنّة إلى أفغانستان بهدف زعزعة استقرار الحكومة الأفغانية. وفي ذلك العام، كتب زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي للرئيس كارتر: "لدينا الآن الفرصة لمنح الاتحاد السوفياتي حربه الفيتنامية الخاصة". وكان الهدف هو استدراج تدخل سوفياتي لحماية جناحه الجنوبي. ومع الدعم والتصفيق من المحافظين الجدد، قررت إدارة ريغان تسليح وتمويل تلك التنظيمات نفسها لمحاربة السوفيات. وبعد انسحاب السوفيات، استولى "مقاتلو الحرية" -طالبان- على الحكم في البلاد. وبعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، لم تستطع الولايات المتحدة مقاومة إغراء التدخل مجددًا، وخاضت هناك حربًا استمرت 20 عامًا. وبعد سنوات من الادعاءات الكاذبة بالنجاح، انسحبت الولايات المتحدة بهزيمة مدوية، تاركة الموت والدمار لأولئك الأفغان المساكين الذين تعاونوا معها خلال الاحتلال. وللأسف، كما أشار سكوت هورتون في كتابه "مهمة الحمقى" Fool's Errand، كانت طالبان قد عرضت الاستسلام مرات عديدة منذ العامين 2001 و2002، لكنّ واشنطن رفضت دائمًا تلك العروض. بدأت حرب العراق في العام 2003 بحملة شيطنة تقليدية. وبعد الكثير من القتل والدمار، لم يُعثر على أي دليل على وجود أسلحة دمار شامل أو على دعم لتنظيم القاعدة. وتبيّن أن جميع مزاعم المحافظين الجدد التي استُخدمت لتبرير تلك الحرب كانت كاذبة. وبعد ما يقرب من ربع قرن، ما تزال القوات الأميركية موجودة في العراق، والمنطقة لم تتعافَ بعد. بعد أن غزت الولايات المتحدة العراق في العام 2003، وقّعت ليبيا مع إدارة جورج بوش الابن اتفاقية تعاون، تعهدت فيها بالتخلي عن برنامجها النووي الناشئ ووقف دعمها للإرهاب. وهلّل المحافظون الجدد وضجوا فرحًا. ولكن بعد سنوات قليلة، شنّ الفريق نفسه حملة شيطنة مألوفة ضد ليبيا وقام بقصف الحكومة الليبية حتى دمر البلد تمامًا. وأصبح ما تبقى من البلد الآن ساحة لصراع شرس بين أمراء الحرب المتناحرين. وكان هذا الغدر بليبيا أحد الأسباب الرئيسية التي تمنع إيران من التخلي عن صواريخها. ولا يدرك معظم الشعب الأميركي هذه الخيانة، لكن بقية العالم تعرف -وخاصة الإيرانيين. وفي سورية، غذت الولايات المتحدة الحرب الأهلية السورية التي اندلعت في العام 2011 سرًا. وادعت أنها تدعم "مقاتلين معتدلين من أجل الحرية"، ليتبين أنهم في الحقيقة جهاديون متحالفون مع "القاعدة". ويبدو أن تلك الحرب انتهت مؤخرًا نتيجة انهيار الحكومة السورية؛ وأصبح البلد الآن تحت حكم جهاديين سابقين -لكن الحروب لم تنته بعد. ثمة المزيد مما هو قادم في هذا المثال الحزين على القسوة الأميركية. وعادة ما لا يترك حزب الحرب الأميركي مأساة من دون أن يستغلها. تشكل الحرب الروسية-الأوكرانية استمرارًا للصراع الذي نشأ عن الانقلاب المدعوم من الولايات المتحدة في أوكرانيا في العام 2014، وهي نتيجة لعقود من الاستفزازات الأميركية. وقد وثّق هذه الاستفزازات بدقة الكاتب سكوت هورتون في كتابه Provoked، الذي يُظهر كيف أن عقودًا من السياسات في واشنطن أدّت إلى اندلاع الحرب في أوكرانيا؛ كما قام محلل وكالة الاستخبارات المركزية السابق، لاري جونسون، بتقديم سرد أحدث لهذه الاستفزازات. وبعد فشل المعاهدات واتفاقيات وقف إطلاق النار، قامت روسيا بغزو أوكرانيا في العام 2022. وقُتل في هذه الحرب ملايين الأشخاص أو جُرحوا أو شُرّدوا من منازلهم. والبلد يتعرض للدمار. وحتى اليوم، ما تزال الولايات المتحدة ترسل الأسلحة والأموال والمساعدات الأخرى لتغذية استمرار هذه الحرب. وفي اليمن، ما تزال الولايات المتحدة تقصف الحوثيين بعد كل هذه السنوات. في العام 2015، ساعدنا الحملة الجوية للتحالف العربي. أما جريمة الحوثيين اليوم، فهي احتجاجهم على تجويع وقتل أهالي غزة. وقد أنفقت الولايات المتحدة مليارات الدولارات على هذا المشروع لقتل المدنيين. ويُثبت عامٌ كامل من حملة القصف العسكرية الأميركية الفاشلة أن أي هجوم على إيران الأكبر حجمًا والأكثر قوة سيكون كارثة حتمية. أخيرًا، تصاعدت الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة بشكل مكثف في العام 2023. وما تزال الولايات المتحدة تواصل، حتى اليوم، إرسال الأسلحة والأموال لإسرائيل، لتزيد بذلك من الجوع والدمار والموت. إن هذا الدعم ليس كريمًا ولا إنسانيًا بأي شكل من الأشكال. أين الكرم؟ وأين الإنسانية؟ كان المستفيدون هم جماعات المصالح الخاصة وشركات صناعة السلاح -ليس المواطنون المقهورون في الدول المنكوبة، ولا الأميركيون العاديون المثقلون بتريليونات الدولارات من الديون المتزايدة بسبب الحروب. ولم تتحول أي من هذه البلدان إلى ديمقراطيات فاعلة كما كان الوعد. ولم تنجح أي من التدخلات كما تقول المزاعم. وكما هو معتاد، كانت النتيجة هي الموت والدمار. يتحدث قادتنا عن المصداقية والشرف. أما بقية العالم، فترى متنمّرًا قاسي القلب ينكث الاتفاقيات والعهود وينشر الخراب والمعاناة. لقد سمحنا لأنفسنا، كأمة، بأن ننخدع. الحقيقة هي أن العديد من قادتنا لا يُبدون أي اهتمام حقيقي بالمعاناة التي تسببوا بها. على سبيل المثال، اعتبرت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، مادلين أولبرايت، أن موت ما يقرب من 500.000 طفل عراقي -بسبب الحصار الأميركي- كان "يستحق الثمن". كما يُظهر قادتنا عدم اكتراثهم بالمجاعة والموت الذي نشارك في دعمه في غزة. ويرى السيناتور ليندسي غراهام أن الوفيات في أوكرانيا تمثل "صفقة عظيمة لأميركا". ولا يكاد يوجد من بين القادة السياسيين الأميركيين من يسعى بصدق إلى وقف هذا القتل اليومي. ليس هذا ما ينبغي أن يكون عليه بلدنا. ليس هذا ما أراده المؤسسون. وليس هذا ما ينبغي أن نؤيده. *جورج دي. أونيل الابن George D. O'Neill Jr: عضو مجلس الإدارة لـ"معهد الأفكار الأميركية"، الذي ينشر مجلة "المحافظ الأميركي" The American Conservative، وهو أيضًا فنان يعيش في ريف فلوريدا. *نشر هذا المقال تحت عنوان: The Illusion of American Generosity اضافة اعلان اقرا المزيد في ترجمات: ما فعله ترامب هذا الأسبوع يجب أن يرعب نتنياهو.. وإليكم السبب

فحش العقاب الجماعي في غزة
فحش العقاب الجماعي في غزة

الغد

timeمنذ 4 أيام

  • سياسة
  • الغد

فحش العقاب الجماعي في غزة

جون فيفر – (فورين بوليسي إن فوكَس) 7/5/2025 نتنياهو على وشك تصعيد جرائمه الحربية في غزة، مرة أخرى. ترجمة: علاء الدين أبو زينة * * * اضافة اعلان ربما تتذكر حادثة مشابهة من أيام دراستك. أحد زملائك في الصف يرتكب خطأ، مثل توزيع رسم كاريكاتوري لمدير المدرسة، فتقرر المعلمة معاقبة الصف بأكمله عن طريق حرمانكم من الاستراحة. ربما كانت تفعل ذلك لإجبار الجاني على الاعتراف، أو للضغط عليكم أنتم وزملائكم كي تشيروا إليه وتبلغوا عنه؛ وهي وسيلة ذكية لتجنيد الطلاب للمساعدة في فرض الانضباط داخل الصف. لكن مثل هذه الأساليب من العقاب الجماعي لم تعد مقبولة، ولأسباب واضحة. إنها غير عادلة. ولا تُغيّر السلوك. وتُعلّم دروسًا خاطئة، وتجعل الأطفال يكرهون المدرسة. كما أن هذه الأساليب أيضًا مخالفة لاتفاقيات جنيف. وفقًا لإحدى مواد الاتفاقيات المتعلقة بوضع الأشخاص المحميين ومعاملتهم، "لا يجوز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفة لم يقترفها هو شخصيا. العقوبات الجماعية، وكذلك جميع تدابير التهديد أو الإرهاب، محظورة. التدابير الانتقامية ضد الأشخاص المحميين وممتلكاتهم محظورة". قد يبدو من السخيف تطبيق اتفاقيات جنيف على الصفوف الدراسية، حتى لو كانت بعض المدارس تشبه مناطق الحروب. لكن في الآونة الأخيرة، ظهر توجه لإدانة أساليب العقاب الجماعي في المدارس، والرجوع إلى المبادئ المصممة لحماية المدنيين. وبينما أصبحت الفصول الدراسية أكثر احتراما لحقوق الأطفال، ما تزال الساحة الجيوسياسية تتمسك بمبادئ العقاب الجماعي. فما الحرب، في نهاية المطاف، سوى معاقبة السكان بأكملهم على أفعال قلة منهم؟ والعقوبات الاقتصادية، حتى تلك التي يُقال عنها "ذكية"، تضر في النهاية بأناس لا علاقة لهم بسياسات قادتهم. أما تلك "الرسوم الجمركية الجميلة"، فترفع الأسعار على ملايين المستهلكين الذين لا صلة لهم لا بالحكومات ولا بالشركات. لكن لا يوجد اليوم مثال أكثر فظاعة على العقاب الجماعي في العالم من المأساة الجارية حاليا في غزة. انتهاكات مستمرة في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، نفذت حركة حماس هجوما مروعا على إسرائيل أسفر عن مقتل أكثر من ألف شخص وأسر أكثر من 200. وأعلنت إسرائيل، على الفور تقريبا، الحرب على "حماس". ثم شرعت في معاقبة جميع سكان غزة على أعمال ارتكبتها قلة قليلة. وكان العقاب فظيعًا. فقد قُتل أكثر من 52000 شخص على يد القوات الإسرائيلية، وفقا لوزارة الصحة في غزة. لكن هذا الرقم ربما يقلّ بنسبة 40 في المائة عن العدد الحقيقي، بحسب مقال نُشر في مجلة "ذا لانست"، إذا ما شملنا جميع الوفيات المرتبطة بالحرب، مثل تلك الناتجة عن تدمير النظام الصحي، على سبيل المثال. وكانت الغالبية العظمى من هؤلاء القتلى –حوالي 70 في المائة– من النساء والأطفال. والآن، يجب أن تشمل أرقام الضحايا الوفيات الناتجة عن الجوع، حيث منعت إسرائيلدخول أي مساعدات إنسانية إلى غزة خلال الشهرين الماضيين. وقد استخدمت إسرائيل هذا التكتيك للضغط على السكان الفلسطينيين من أجل إجبار حماس على الاستسلام وإطلاق سراح العشرات من الرهائن الإسرائيليين الذين ما تزال تحتجزهم. لم يدخل إلى القطاع طعام، ولا دواء، ولا وقود. وبالإضافة إلى الجوع، يموت الناس بسبب عدم توفر الأدوية الأساسية المنقذة للحياة. تقول صحيفة "نيويورك تايمز" أن "الطعام الوحيد المتاح للعديد من سكان غزة –بشكل خاص أولئك الذين يشكلون 90 في المائة من السكان المهجَّرين والذين يعيش معظمهم في الخيام– يأتي من مطابخ خيرية محلية، بعضها تعرض للنهب مع تفاقم أزمة الجوع". وتزداد المأساة كثافة حين نعرف أن الطعام والدواء متوفران على مقربة، لكن إسرائيل تمنع إدخالهما. تزعم الحكومة الإسرائيلية أنها تستهدف حماس فحسب. لكنها تواصل قتل المدنيين بلا تمييز في غاراتها الجوية، بما في ذلك ما حدث الأسبوع الماضي في مطعم مزدحم ومدرسة. وتدّعي أن مقاتلي حماس يختبئون في المستشفيات، وهو ما يبرر، حسب زعمها، تدمير البنية التحتية الطبية بالكامل في المنطقة. حتى لو كان هذا الادعاء صحيحًا –ولم تقدم إسرائيل أدلة يُعتد بها على ذلك– فإن جميع هذه الوفيات بين المدنيين تعتبر عقابًا جماعيًا؛ وبذلك جريمة حرب. كان كليتون دالتون ضمن بعثة طبية زارت غزة خلال الهدنة التي استمرت شهرين وبدأت في يناير. وفي مجلة "ذا نيويوركر"، وصف مشهدًا في مستشفى مدمر في شمال غزة: "دخلنا غرفة تخزين كبيرة في زاوية قسم العناية المركزة، وكانت مليئة بالأجهزة الطبية: أجهزة الأشعة فوق الصوتية، مضخات الحقن الوريدي، أجهزة غسيل الكلى، أجهزة قياس ضغط الدم. يبدو أن كل واحد منها قد دُمر برصاصة – ليس بطريقة عشوائية، بل بطريقة منهجية. أصبت بالذهول. لم أستطع التفكير بأي مبرر عسكري لتدمير أجهزة تنقذ الأرواح." كما بدأ الأطباء الزائرون في توثيق إحصائية مرعبة أخرى: ضخامة عدد الأطفال الذين أُطلق عليهم الرصاص في الرأس، وكأنهم أُعدموا عمدًا. وهناك عشرات الضحايا من هذا النوع، بعضهم لا يتجاوز عمره بضع سنوات. وقال آدم حموي، جرّاح التجميل من نيوجيرسي، في برنامج "ذيس أميريكان لايف": "هؤلاء أطفال صغار يتم إطلاق الرصاص عليهم، وليست هذه طلقات طائشة. إنها موجهة. دقيقة. قد تفسر الطلقة الطائشة حالة واحدة أو اثنتين، لكنها لا تفسر سلسلة من الطلقات الدقيقة المستهدفة التي تُطلق على الأطفال منذ تشرين الأول (أكتوبر)". يبدو أن اتفاقيات جنيف لا تنطبق على أطفال غزة في سن المدرسة. إنهم، مثل غيرهم من الفلسطينيين، ضحايا للعقاب الجماعي. تسمية ليس تشهيرا تم توجيه اتهامات عديدة لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة. ونشرت منظمات حقوق الإنسان –مثل "هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية"– تقارير دورية عن الانتهاكات الإسرائيلية. وأدانت الأمم المتحدة إسرائيل على ارتكابها جرائم ضد الإنسانية. كما أصدرت "المحكمة الجنائية الدولية" مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت. ومع ذلك، لم تُؤدِّ هذه الإدانات سوى إلى زيادة الانتهاكات التي ترتكبها حكومة نتنياهو. وقد أعلنت مؤخرا عن تصعيد جديد في حملتها التي بدأتها بعد الهدنة لهزيمة حماس. واستدعت إسرائيل مزيدًا من الجنود لغزو غزة، ودفع السكان إلى بقعة صغيرة في الجنوب، واحتلال معظم القطاع. ويدعو الأعضاء الأكثر تطرفًا في حكومة نتنياهو إلى طرد جميع الفلسطينيين من غزة، ويبدو أن هذا هو الهدف غير المعلن للحكومة الإسرائيلية. على الرغم من أن نتنياهو يواجه احتجاجات متزايدة من داخل إسرائيل –بما في ذلك من آلاف جنود الاحتياط ورئيس جهاز الموساد السابق– فإن عدة دول قوية ما تزال تدعمه. وبينما خفّضت إدارة ترامب بشكل كبير المساعدات الخارجية الأميركية، استخدمت سلطاتها التنفيذية لتجاوز الكونغرس وتحويل مليارات الدولارات كمساعدات عسكرية إلى إسرائيل. كما تجاهلت الهند الرأي العام العالمي وواصلت إرسال الأسلحة والتكنولوجيا إلى إسرائيل. وحافظ قادة اليمين المتطرف الآخرون –مثل خافيير ميلي في الأرجنتين، وفيكتور أوربان في المجر– أيضًا على علاقات جيدة مع نتنياهو. وهذا يعني أن تستمر إسرائيل في التصرف من دون محاسبة في عقابها للفلسطينيين. كُتب الكثير عن المصطلحات المناسبة لوصف ما تفعله إسرائيل في غزة. وفي حين تدافع الحكومة الإسرائيلية عن حملتها ضد حماس باعتبارها "حربًا عادلة"، يتهمها المنتقدون بارتكاب إبادة جماعية. لكن الظروف الفعلية على الأرض –الجوع، والأطفال الصغار الذين يُطلق عليهم الرصاص في الرأس، والتهجير واسع النطاق، وتدمير المجتمعات– تتحدث عن نفسها. يمكن للمحامين والسياسيين تبادل المصطلحات: "حرب عادلة" مقابل "إبادة جماعية"، لكنّ ما لا يمكن تجاوزه هو الحقائق الوحشية الصريحة. حتى مصطلح "العقاب الجماعي"، على الرغم من تجريديته، يفشل في نقل هذا الرعب. في رواية "إليزابيث كوستيلو" للكاتب ج. م. كويتزي، يتم تكليف البطلة بإلقاء ورقة في مؤتمر عن الشر. وكانت تقرأ عملاً أدبيًا حول محاولة فاشلة لاغتيال هتلر، وما أعقبها من إعدام بارد للمتآمرين. وقد صدمتها التفاصيل الدقيقة في الرواية عن كيفية تنفيذ الإعدامات. وتتساءل: لماذا كان من الضروري قراءة هذه التفاصيل الرهيبة؟ لا يوجد سبب وجيه يدفع الروائي إلى تخيل كل هذا الشرّ المتجسد، إنه –بكلمة واحدة– "فاحش". "فاحش، لأن مثل هذه الأمور لا ينبغي أن تحدث. ثم فاحش مرة أخرى، لأنه إذا حدثت، فلا ينبغي أن تُكشف وتوضع تحت الضوء، بل أن تُغطى وتُخفى إلى الأبد في أعماق الأرض، كما هو الحال في المسالخ حول العالم، إذا ما أراد الإنسان أن يحافظ على قواه العقلية". والتفاصيل عما يحدث في غزة لا تقل فُحشًا. ولكن، مثل وقائع الفظائع النازية، لا يجب تجاهلها. لقد حظرت الحكومة الإسرائيلية دخول الصحفيين إلى غزة. وتساعد إدارة ترامب في ذلك من خلال معاقبة كل من يُظهر هذه التفاصيل أو يحتج في الجامعات على دعم الولايات المتحدة لهذه الجرائم، تحت ذريعة منع "معاداة السامية". هذه فضائح. في هذا العصر الذي تهيمن عليه "الأخبار البديلة" والمعلومات المضللة، والأكاذيب الرئاسية، والتهديدات بقطع التمويل عن وسائل الإعلام العامة، تظل الحقيقة مهمة. يجب على العالم أن يواجه حقائق الفظائع الإسرائيلية في غزة، لا على الرغم من فُحشها، بل بسبب ذلك بالضبط. *جون فيفر: مدير مركز "السياسة الخارجية في بؤرة التركيز" Foreign Policy In Focus. كتابه الأخير بعنوان: "اليمين عبر العالم: الشبكات العالمية لليمين المتطرف ورد فعل اليسار" Right Across the World: The Global Networking of the Far-Right and the Left Response. *نشر هذا المقال تحت عنوان: The Obscenity of Collective Punishment in Gaza

فلسطين فضحت كل كذبة يرددها الغرب على مسامع العالم
فلسطين فضحت كل كذبة يرددها الغرب على مسامع العالم

الغد

time١١-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الغد

فلسطين فضحت كل كذبة يرددها الغرب على مسامع العالم

ترجمة: علاء الدين أبو زينة كودي كافا* - (كاونتربنش) 5/5/2025 الفظائع لم تتوقف قط في غزة. والولايات المتحدة ترسل القنابل إلى إسرائيل بلا عوائق لجعل الأطفال يتبخرون. والمملكة المتحدة ترسل طائرات تجسس بانتظام لتحلق فوق غزة من أجل تزويد إسرائيل بمعلومات استخباراتية عسكرية، مما يجعلها شريكة في جرائم إسرائيل أيضًا. اضافة اعلان * * * ثمة عبارات شائعة جدًا في مجتمعنا. وأنتم تعرفونها: الولايات المتحدة والغرب يدافعان في جميع أنحاء العالم عن الديمقراطية، وحرية التعبير، وحرية الصحافة، والأسواق الحرة، وسيادة القانون وحقوق الإنسان. هذا ما يقولونه لنا. ولكن، أي معنى كان يمكن أن يكون لهذه المشاعر -حيث المشاعر في الواقع هي كل ما هي عليه، في يوم من الأيام، إذا كان لها معنى أصلًا، ضاع. لقد أصبحت كلامًا فارغًا. والأسوأ من ذلك، أنها أكاذيب يتم تكرارها حتى الغثيان لتحصين المجتمعات ضد التفكير في الأمور بنفسها. كشفت فلسطين، ربما أكثر من أي أزمة أخرى سبقتها، هذه الأكاذيب الرائجة بما هي؛ أكاذيب من أرفع طراز. أما ما إذا كانت هذه الحقيقة ستترسخ حقًا وتبقى في المجتمع أم لا، فهو ما لا أعرفه. لست متفائلًا. ولكن كما لم تكن هناك عودة إلى الوراء بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، عندما قاطع الواقع حفلتنا المنحطة بوقاحة، كذلك لا عودة إلى الوراء بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر). دعونا نستعرض، بإيجاز، كل واحدة من هذه الأكاذيب الغربية. الديمقراطية في العام 2006، عندما تم انتخاب حركة "حماس" ديمقراطيًا وفازت بأغلبية المقاعد في "السلطة الفلسطينية" (وهو انتخاب لم يكن لأطفال غزة في ذلك الحين -ولا اليوم- أي علاقة به)، فقَد الغرب -المدافع الوحيد عن الديمقراطية العالمية- صوابه تمامًا، وصرخ: "لا! لم نقصد هذا النوع من الديمقراطية"! وسارع الكونغرس إلى تمرير قانون يمنع تقديم أي مساعدات للسلطة الفلسطينية ما لم تُظهر "تقدمًا في تطهير أجهزتها الأمنية من الأفراد المرتبطين بالإرهاب، وتفكيك جميع البنى التحتية الإرهابية، والتعاون مع أجهزة الأمن الإسرائيلية، ووقف التحريض المعادي لأميركا وإسرائيل، وضمان الديمقراطية والشفافية المالية". وبالمثل، أصدرت "اللجنة الرباعية للشرق الأوسط" -المؤلفة من الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا- بيانًا قالت فيه: "إن حل الدولتين يتطلب من جميع المشاركين في العملية الديمقراطية نبذ العنف والإرهاب، والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، ونزع السلاح". وكما هو متوقع، لم يُطبَّق هذا الطلب إلا على الفلسطينيين. أما إسرائيل، فلم يُتوقع منها نبذ الإرهاب، أو الاعتراف بحق فلسطين في الوجود، أو نزع السلاح. ويرفض برنامج حزب نتنياهو نفسه صراحة دعم قيام دولة فلسطينية. وفوق ذلك، فرضت إسرائيل -"الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" كما يقولون لنا (بغض النظر عن حقيقة أن بعضًا من أسوأ الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط تتلقى مليارات الدولارات سنويًا من الولايات المتحدة)- واقعًا مشابهًا لنظام "جيم كرو" العنصري ضد الفلسطينيين، بحكم الواقع أو بحكم القانون على حد سواء. وفي هذا الواقع، لا يتمتع فلسطينيو الداخل بحقوق متساوية. وتحتفظ منظمة "عدالة" بقائمة تضم أكثر من 65 قانونًا تمييزيًا ضد الفلسطينيين. ينص قانون "الدولة القومية" الذي أقرّه الكنيست الإسرائيلي في العام 2018، صراحة، على أن اليهود هم الذين يتمتعون وحدهم بحق تقرير المصير القومي في إسرائيل. والفلسطينيون في الضفة الغربية المحتلة لا يتمتعون بحرية الحركة بينها وبين غزة أو داخل إسرائيل. ويمكن قانونيًا منع الفلسطينيين من السكن في القرى الإسرائيلية. ومن غير القانوني أن يجمع الفلسطينيون مياه الأمطار. ولا يستطيع الفلسطينيون الحصول على تصاريح بناء لمنازلهم. وليس لديهم حقوق الزواج نفسها التي يتمتع بها اليهود الإسرائيليون؛ حيث إن أي شخص يتزوج من فلسطيني -بغض النظر عن جنسيته- تُقيّد حركته داخل إسرائيل، وربما يُمنع من العودة إلى المنطقة. والفلسطيني الذي يتزوج من يهودية إسرائيلية لا يمكنه الحصول على الجنسية الإسرائيلية. وبعض الفلسطينيين الذين تمكنوا من مغادرة إسرائيل يُمنعون من العودة إليها إلى الأبد. والهدف من هذه القوانين المتعلقة بالجنسية واضح: الحفاظ على الهيمنة اليهودية على حساب حقوق الفلسطينيين. وقد أقرّ وزير الخارجية الإسرائيلي في ذلك الحين، يائير لابيد، بذلك صراحة حين قال: "لا ينبغي أن نخفي جوهر قانون الجنسية. إنه إحدى الأدوات الهادفة إلى ضمان وجود أغلبية يهودية في دولة إسرائيل". إن إسرائيل، ببساطة، ليست دولة ديمقراطية. هنا في الولايات المتحدة، يحاول بعض المواطنين ممارسة حقهم الديمقراطي في مقاطعة المنتجات الإسرائيلية. وللأسف، تُجبرك العديد من الولايات الأميركية على توقيع قسم ولاء لإسرائيل إذا أردت الحصول على عقود حكومية أو وظائف حكومية، وتمنع تحديدًا أي تكتيكات يستخدمها "حراك المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات" (BDS) ضد إسرائيل. وفي مثال حديث على ذلك، اكتشف مسؤولو مدينة سان ماركوس في ولاية تكساس أن المدينة ترسل 404 ملايين دولار سنويًا إلى إسرائيل. وعندما أعدّ مجلس المدينة مشروع قرار للتصويت عليه، يطالب بتحويل تلك الأموال إلى أولويات داخلية، هدد حاكم الولاية، غريغ أبوت، بإخراج سان ماركوس من جميع العقود الحكومية المستقبلية. هكذا تعمل "ديمقراطيتنا" -حاكم "من المحافظين" يُقوّض السيطرة المحلية لصالح دولة أجنبية. حرية التعبير لا أعرف إذا كنتم قد لاحظتم، لكن الكثير من الناس تم اعتقالهم، ومضايقتهم، والاعتداء عليهم، واقتيادهم إلى مركبات غير مميزة على يد شرطة بملابس مدنية، والتجسس عليهم، وإلغاء تأشيراتهم، وترحيلهم، لمجرد كتابة مقالات رأي مؤيدة للشعب الفلسطيني. إذا أراد المرء أن يجادل بأن احتلال الطلاب للمباني الحكومية والجامعية بالقوة يُعد جريمة قابلة لاعتقال مرتكبيها، فلا بأس. لكنّ إعلان أن الشعب الفلسطيني لا يجب أن يُباد على يد دولة صهيونية إثنية قومية قاتلة ليس عملًا غير قانوني، ولا ينبغي أن يكون كذلك. في المملكة المتحدة، التي قد يفاجئك أن تعلم أنها لا تمتلك حماية محددة لحرية التعبير كما في الولايات المتحدة، تم اعتقال أحد النشطاء البارزين من حركة "عمل من أجل فلسطين" وتوجيه تهمة دعم منظمة إرهابية إليه بسبب خطابين ألقاهما فحسب. كان هذا كل ما في الأمر؛ ألقى خطابين. بهذه الأساليب القمعية المتطرفة، نعود إلى أيام الحرب العالمية الأولى، عندما شنّت الدولة الرجعية وقواتها الشرطية وشبه العسكرية حملة مطاردة واسعة النطاق لتدمير النشاط المناهض للحرب والمؤيد للعمال بالكامل. في تلك الحملة، تم اقتحام المكاتب، وإغلاق المنشورات، والتجسس على البريد الخاص، وسُجن الآلاف ورُحل المئات. هذا هو واقعنا من جديد. من المضحك كيف أن الآراء المتوافقة مع الدولة، مثل الصهيونية، لا تُجرَّم. آمل فقط أن يكون موقفكم "المتوازن" و"المتزن" المؤيد لإسرائيل يستحق الثمن. لقد كلَّفَنا "التعديل الأول" من الدستور الأميركي. الصحافة الحرة تم استخدام هذا القمع الحكومي أيضًا ضد الصحفيين. حتى أنني لا أعني هنا الدعاية الإمبريالية الخبيثة التي تروّج لها الصحافة الليبرالية السائدة منذ زمن طويل بخصوص هذه القضية. ما أعنيه هو أن الصحفيين يُعتقلون فعليًا، ويتم التحقيق معهم، ومصادرة ممتلكاتهم الشخصية، وتُوجه إليهم اتهامات جنائية خطيرة. وإليكم بعض الأمثلة: تم اعتقال الصحفية سارة ويلكينسون في المملكة المتحدة وصودرت أجهزتها بسبب "محتوى نشرته على الإنترنت" يتعلق بفلسطين. وتم اعتقال آسا وينستانلي، المحرر المشارك في موقع "الانتفاضة الإلكترونية"، في المملكة المتحدة وسُرقت أجهزته بتهمة "تشجيع الإرهاب". وقام ضباط مكافحة الإرهاب في المملكة المتحدة باعتقال الصحفي كيت كلارينبرغ، وتم استجوابه بشأن آرائه السياسية. وتم اعتقال كريغ موراي، الصحفي والدبلوماسي البريطاني السابق، أيضًا، وصودرت أجهزته بسبب أنشطته المؤيدة لفلسطين. وتعرض الصحفي ريتشارد مدهيرست للاعتقال على يد كل من حكومتي المملكة المتحدة والنمسا في مناسبتين منفصلتين، وفي كل مرة تمت مصادرة ممتلكاته الصحفية. وأسباب هذا القمع الحكومي للصحفيين واضحة. في استجواب الشرطة النمساوية لمدهيرست، شدد الضباط حرفيًا على أن مدهيرست يمتلك عددًا كبيرًا من المتابعين، وهو بالتالي ذو تأثير خطير. في بعض الأوساط، بدأت هذه الأساليب القمعية تُحقق أهدافها المقصودة. وإليكم مثالًا شخصيًا: بعد اغتيال إسرائيل لقائد "حزب الله"، حسن نصر الله، باستخدام قنابل أميركية الصنع تزن الواحدة منها 2.000 رطل في بيروت في هجوم حضري أودى بحياة مئات الأشخاص، كتبت مقالًا سريعًا عن الهجوم. وجادلتُ في المقال بأن أسلوب إسرائيل التقليدي في اغتيال قادة المقاومة، على الرغم من كونه مدمّرًا لمنظمات مثل "حزب الله" من حيث الوظيفة التنظيمية، لن يقضي على المقاومة، بل سيُعيد إنتاجها. وقدمتُ المقال لعدة منصات إعلامية صغيرة تُعنى بشؤون الشرق الأوسط والجنوب العالمي. وقد أبدت واحدة من هذه المنصات، مقرها أوروبا، اهتمامًا أوليًا بالمقال، لكنها عادت وأرسلت لي ما يلي: "للأسف، قد لا نتمكن من نشر المقال. بعد التشاور مع المحررين الذين راجعوا مقالك، تقرر أنه لا يمكن نشره، خاصة بسبب التداعيات القانونية". ولم يوضحوا أكثر بشأن "التداعيات القانونية"، لكنني افترضت أنهم قلقون من استهدافهم باتهامهم بدعم "حزب الله" بطريقة ما. وبالنظر إلى غياب حماية حرية التعبير في أوروبا، لم أُفاجأ، لكنني شعرت بخيبة أمل شديدة من هذا الموقف. كنت مستعدًا لتعديل المقال لينشر، وأرسلت لهم الرد التالي: "اعتقلت الشرطة البريطانية مؤخرًا آسا وينستانلي من 'الانتفاضة الإلكترونية' وصودرت مواده الصحفية. بالنسبة لي، هذه لحظة تتطلب من الصحافة البديلة أن تكون أكثر شجاعة، وأكثر تأكيدًا، وأكثر صدقًا، لا أقل. يسعدني التعاون مع المحررين إذا كانت هناك عناصر محددة يمكن تغييرها أو حذفها لنشر المقال (الذي يمكن الآن أن يركّز على اغتيال يحيى السنوار الأخير). لكنني مع ذلك سأُصر على الحفاظ على جوهر المقال ونبرته". ولم أسمع منهم مرة أخرى. يمكنك أن تجادل بأنهم استخدموا ببساطة حجة "القانون" كذريعة لرفض مقال لم يكونوا ليقبلوه بأي حال من الأحوال. وحتى لو كان هذا صحيحًا، من اللافت أنهم اختاروا مثل هذه الذريعة كوسيلة فعالة لإسكات وجهات نظر معينة. وبما أن موضوع المقال كان حساسًا زمنيًا، انتهى بي المطاف بنشره ذاتيًا، وانتهى الأمر عند هذا الحد. أستطيع الاستمرار في سرد أمثلة كهذه. ولم يقتصر الأمر على الاعتقالات. كان كل ما بثه مراسلو (سي. إن. إن) و(بي. بي. سي) من داخل إسرائيل خاضعًا لمراقبة الرقيب الإسرائيلي، وقد امتثلت تلك الوسائل الإعلامية. امتثلت؟! وداعًا إذن للصحافة الحرة. الأسواق الحرة أُشير سابقاً إلى قمع "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات" (BDS). ولكن ماذا عن فلسطين نفسها؟ كانت غزة -وما تزال- محاصرة بالكامل ومعزولة عن العالم الخارجي. لا يستطيع الغزيون الصيد في البحر المتوسط، وإلا ستُقصف قواربهم وتُستهدف بالنار. وقد سُرقت أراضيهم الخصبة أو دُمّرت. وقُطع عنهم الدعم بشكل تام. ويتعرض أولئك الذين يحاولون تنظيم قوافل مساعدات بحرية إلى غزة دائماً للهجوم. في العام 2010، قُتل عشرة من عمال الإغاثة في "أسطول الحرية"، بمن فيهم مواطن أميركي، على يد القوات الإسرائيلية لمحاولتهم إيصال مساعدات إلى غزة. وفي الليلة التي سبقت كتابة هذه السطور فقط، في 2 أيار (مايو)، تعرّضت سفينة أخرى من "أسطول الحرية" تقلّ 30 عامل إغاثة للقصف بطائرتين انتحاريتين مسيّرتين، يُرجّح أن إسرائيل هي التي أطلقتهما. وفي الضفة الغربية، تتعرض المحال التجارية ومحال البقالة المحلية للمداهمة والإغلاق بشكل مستمر على يد قوات الدفاع الإسرائيلية. ويُجبر الناس على الاعتماد على عمال الإغاثة والجمعيات الخيرية الدولية؛ والكثيرون مصابون بالذعر من مغبة التبرع، خوفاً من التورط في قوانين "مكافحة الإرهاب" الغربية التي تحظر تقديم الدعم المادي لأي منظمة تُصنف بأنها "إرهابية"، وفقاً لتعريف فضفاض وغامض يحدده الغرب. وبذلك، الأسواق الحرة لا وجود لها بالنسبة لفلسطين أو مؤيديها. بالإضافة إلى ذلك، تعطّلت الأسواق العالمية بفعل هجمات الحوثيين في اليمن على السفن التجارية في البحر الأحمر، رداً على الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل بحق الفلسطينيين. ومطالب اليمنيين واضحة: لن يوقفوا هجماتهم على السفن حتى تنهي إسرائيل حملتها الدموية على غزة. وقد رفضت إسرائيل الاستجابة، ويقوم الغرب بقصف المدنيين اليمنيين انتقاماً. من الواضح أن التجارة الحرة الدولية تتراجع إلى المرتبة الثانية خلف إبادة جماعية تُدار على المستوى الدولي. سيادة القانون تشكل الولايات المتحدة -من خلال استمرارها في تمويل وتسليح إسرائيل حتى بعد أن أمرت "محكمة العدل الدولية" (ICJ) إسرائيل بمنع الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين- شريكاً كاملاً في الإبادة، لتكون بذلك مسؤولة جنائياً. وقد استخدمنا حق النقض (الفيتو) في "مجلس الأمن" التابع للأمم المتحدة ضد قرارات عدة تدعو إلى وقف إطلاق النار. وعلى الرغم من أن القانون الأميركي يمنع تقديم الدعم العسكري لأي دولة تعوق وصول المساعدات الإنسانية، فإننا مستمرون في إرسال السلاح إلى إسرائيل على الرغم من منعها دخول الطعام وسائر الإمدادات الضرورية إلى غزة. وأكثر من ذلك، ينتهك كل دولار أميركي يُرسل إلى إسرائيل معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT) لأن إسرائيل دولة نووية. ويمنع القانون الذي أقره الكونغرس في العام 1976 تقديم أي مساعدات للدول النووية التي لم توقّع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. وإسرائيل لم توقّع. والولايات المتحدة لا تعترف رسمياً حتى بامتلاك إسرائيل أسلحة نووية، لأن الاعتراف بذلك يعني الإقرار بأن مليارات الدولارات التي تُمنح لإسرائيل سنوياً تُصرف بطريقة غير قانونية. وكما يشير الكاتب الفلسطيني الأميركي رامي خوري، فإن الغرب يظهر بشكل دائم نزعة عشوائية خارجة عن القانون في تعاملاته مع شؤون الشرق الأوسط: "الصعوبة مع الإسرائيليين والحكومة الأميركية، وخصوصاً وزارة الخارجية... هي أنهم لا يمتلكون أي مرجعية أخلاقية أو قانونية. كل ما يقولونه يمر بلا عوائق. القانون الدولي، قرارات الأمم المتحدة، المعاهدات، اتفاقيات منع الإبادة -كل هذه الأمور لا تعني شيئاً للحكومة الأميركية أو للحكومة الإسرائيلية في وضعنا هذا في الشرق الأوسط. ربما تعني لهم شيئاً مع 'الروهينغا' أو مع أحدٍ آخر، أما هنا، فهذه القوانين غير قابلة للتطبيق". أصدرت "المحكمة الجنائية الدولية" (ICC) مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغيره من كبار السياسيين والقادة العسكريين الإسرائيليين بسبب جرائمهم ضد الفلسطينيين. ومع ذلك، لم تقُم أي حكومة استضافت زيارات هؤلاء المسؤولين منذ صدور المذكرات بتنفيذ واجبها القانوني باعتقال هؤلاء المجرمين، على الرغم من كونها من الدول الموقعة على المعاهدة المؤسسة لـ"المحكمة الجنائية الدولية". بدلاً من ذلك، قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على مسؤولي "المحكمة الجنائية الدولية" و"محكمة العدل الدولية"، بما في ذلك أفراد من عائلاتهم، ومنعتهم من السفر. تقوم "مؤسسة هند رجب"، وهي مجموعة رقابية، بإبلاغ الحكومات عندما يزور جنود إسرائيليون دولاً أجنبية، مع أن هؤلاء وثّقوا جرائمهم بأنفسهم على وسائل التواصل الاجتماعي. ومع ذلك، لم يتعرض أي منهم للمساءلة الجنائية على الرغم من توفر الأدلة (التي قدموها هم أنفسهم). ولم تُمنع أي من الطائرات التي تقلهم من عبور المجال الجوي الغربي. وأذكّركم هنا بأن الولايات المتحدة منعت طائرة رئيس بوليفيا، إيفو موراليس، من التحليق عندما اعتقدت أن إدوارد سنودن كان على متنها. وليس سنودن، الذي كشف عن التجسس الأميركي العالمي غير المشروع، مجرمًا متهمًا بالإبادة، ومع ذلك سُحب جواز سفره، وحاولت الولايات المتحدة ترحيله من هونغ كونغ باستخدام وثائق قالت هونغ كونغ إنها "غير مستوفية للمعايير قانونياً". وفي البيان نفسه، وبشكل عابر، ذكّرت هونغ كونغ الولايات المتحدة بأنها كانت تخترق أنظمتها الإلكترونية بشكل غير قانوني منذ سنوات. وبالمثل، اضطر جوليان أسانج للعيش في الأسر 14 عاماً، بين لجوئه إلى سفارة الإكوادور الضيقة في لندن وسجنه في سجن بلمارش عالي الحراسة، فقط لأنه نشر وثائق مسربة من تشيلسي مانينغ أظهرت جرائم حرب واسعة النطاق وفساداً دولياً يفوق ما كان متخيلاً. هذه هي "سيادة القانون" التي نمارسها. المبلغون عن الفساد والصحفيون يُسجنون ويُطاردون حتى آخر الأرض. أما مجرمو الحروب والمذابح، فيتجولون بحرية بلا حساب. حقوق الإنسان من أين نبدأ وأين ننتهي؟ الفظائع لم تتوقف قط في غزة. والولايات المتحدة ترسل القنابل إلى إسرائيل بلا عوائق لجعل الأطفال يتبخرون. والمملكة المتحدة ترسل طائرات التجسس بانتظام لتحلق فوق غزة من أجل تزويد إسرائيل بمعلومات استخباراتية عسكرية، مما يجعلها شريكة في جرائم إسرائيل أيضًا. وأكاد لا أصدق أنني أكتب الجملة التالية: لقد قصفت الولايات المتحدة مؤخرًا مدنيين يمنيين، وقتلت ثمانية منهم، بعد أن نشر مُستخدم عشوائي على منصة (إكس) صورًا وإحداثيات لما ظنت أنه مستودع أسلحة تابع للحوثيين. لطالما كانت المعلومات الاستخباراتية المستخدمة في حروب الطائرات المسيّرة وحملات القصف التي نخوضها ملوثة بالأكاذيب، لدرجة أن معظم الذين يُقتلون في بعض الفترات لم يكونوا الأهداف المقصودة أصلاً، لكن ما حدث هنا يجسد مستوى جديدًا من الكسل والانحطاط. الفظائع المستمرة في فلسطين لا تُعد ولا تُحصى. ولا يمكن لأي شخص أو جهة أن يتعقبها جميعًا. إنها يومية. إنها دائمة. لكن أكثر ما هزّني مؤخرًا كان هذا اللقاء مع الدكتور فيروز سيدهوا، الذي تطوع مرتين مؤخرًا للعمل كجرّاح طوارئ في ما تبقى من نظام المستشفيات في غزة. أرجوكم، أرجوكم، أرجوكم أن تشاهدوا هذا اللقاء. الدكتور سيدهوا متّزن للغاية، بليغ، ومقنع. وما يرويه يفوق التصور من حيث منسوب الرعب. وإليكم بعضا من أبرز ما قاله: لا يوجد نظام مستشفيات فاعل في غزة بعد الآن. إذا لم يكن المستشفى قد قُصف ودُمّر بالفعل، فإنه تُرك من دون إمدادات، وامتلأ بالمرضى واللاجئين، وتعرض للمداهمة والنهب مرات عدة من القوات الإسرائيلية. أصبحت مباني المستشفيات مخيمات لجوء. والناس يُستهدفون برصاص القناصة والقصف الإسرائيلي عند دخولهم وخروجهم من المستشفى، ولذلك يبقى أفراد الطاقم الطبي داخل المبنى على مدار الساعة، يعملون وينامون؛ يعملون وينامون، ويعملون وينامون. والرعاية الطبية المقدمة لا تتجاوز ما يمكن تقديمه في مطبخ منزلك باستخدام مشرط وشاش. والأطباء المتطوعون يجلبون بأنفسهم أكبر كمية من الإمدادات الطبية يمكنهم حملها لأن إسرائيل تمنع دخول شاحنات الإمداد. لا يوجد تعقيم. لا توجد بنوك دم. الناس يموتون من جروح قابلة للعلاج، فقط لأنهم يصابون بعدوى أو ينزفون حتى الموت. هناك مقابر جماعية خارج كل مستشفى. الأطباء في كل مستشفى متبقٍ يشاهدون عشرات الأطفال المصابين برصاص في الرأس والصدر. عشرات الأطفال. مصابون بطلقات نارية. في الرأس والصدر. ليس بشظايا. رصاص. مُستهدفون. أطفال. بعد إحدى الهجمات الإسرائيلية مباشرة، يقول الدكتور سيدهوا: "بصراحة، خلال أول عشر أو خمس عشرة دقيقة، كان كل ما فعلناه هو إعلان وفاة الأطفال الصغار". حين أرى ما نُنزله يوميًا بالشعب الفلسطيني، مقارنةً بتفشي البلادة الأخلاقية في مجتمعنا، وانسحابنا الأعمى إلى التافه والسطحي، ومخدراتنا السعيدة، ومشاهدنا، وغيبوبتنا الأميركية المميتة -أريد أن أصرخ. أريد أن أقلب الطاولات. أريد أن أوقظ الأطفال النائمين. لا يمكن أن يستمر هذا أكثر. هذا، كله، لا يُحتمل. لكنه، مع ذلك، يُحتمل. تكتب الدكتورة فرح الشريف، الباحثة في التاريخ الفكري الإسلامي: "لقد أصبح الموت كثيفًا، مؤخرًا". إذا أخرجت لسانك في أي مكان بأميركا هذه الأيام، ستتساقط عليه الجزيئات غير المرئية من قرابة ربع مليون من قتلى غزة، ويمكنك أن تتذوق مرارة الإبادة الجماعية وأنت تحتسي كوبك من الحجم الكبير من الفرابوتشينو. *** تطفو جزيئات مضيئة من أرواح من أُبيدوا على الهواء. لا يمكن الفرار منها. الوحوش هي من تمسك بزمام الأمور. يسود الرعب، لكن نوعًا من "الطبيعية" المريبة يخيّم. شرٌّ مبتذل يعمّ كل شيء. الهواء مثقل بانحلال ميكانيكي، موت روحي، انحطاط أخلاقي، خنق جماعي. مرحبًا بكم في أميركا: مركز الإمبراطورية. مهرجان الجنون. هكذا نحن. لا يمكنك أن تأخذ الخير، إذا ما تبقى منه شيء، من دون أن تأخذ الشر معه أيضًا. وأخشى أن هذا طريق لا رجعة فيه. هل تريد شيئًا عمليًا في مواجهة كل هذا؟ قف في وجه الآلة، وعطِّل التروس. *كودي كافا Kody Cava: فني مسرح منتسب إلى نقابة I.A.T.S.E. Local 154، وكاتب مخضرم وناشط شغوف. يتمتع بخبرة طويلة في العمل خلف الكواليس في فضاءات العروض الحية، مما أكسبه حساً تقنياً دقيقاً ينعكس في أعماله الإبداعية والسياسية. يمزج في كتاباته بين حرفية الصنعة وضرورة الضمير، وغالباً ما يتناول مواضيع الإمبريالية والعدالة الاجتماعية والمسؤوليات الأخلاقية للمواطَنة في زمن الأزمات العالمية. كناشط، شارك في حركات قاعدية تدافع عن حقوق الإنسان، وتضامن العمال، وتحرير فلسطين. يتميز صوته بتعاطف عميق ورفض قاطع لتطبيع العنف المنهجي، مما يجعل مساهماته تترك أثراً بالغاً في الأوساط الفنية والسياسية على حد سواء. *نشر هذا المقال تحت عنوان: Palestine Has Exposed Every Lie the West Tells the World

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store