logo
#

أحدث الأخبار مع #ـPKK

بعد عقود من نزاع دامٍ: البندقية تغادر الجبال.. هل يبدأ السلام؟
بعد عقود من نزاع دامٍ: البندقية تغادر الجبال.. هل يبدأ السلام؟

شفق نيوز

time١٢-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • شفق نيوز

بعد عقود من نزاع دامٍ: البندقية تغادر الجبال.. هل يبدأ السلام؟

شفق نيوز/ في تحول دراماتيكي يُنهي عقودًا من النزاع المسلح، أعلن حزب العمال الكوردستاني، حلَّ نفسه وإنهاء الكفاح المسلح ضد تركيا، في استجابة مباشرة لدعوة مؤسسه وزعيمه المعتقل عبد الله أوجلان. القرار الذي وصفه مسؤولون ومحللون بـ"اللحظة المفصلية"، يضع حدًا لصراع استمر أكثر من أربعين عامًا، وفتح الباب أمام أسئلة جديدة حول مستقبل القضية الكوردية في تركيا والمنطقة. من معقله الجبلي في أقصى إقليم كوردستان، أصدر الحزب بيانًا عقب مؤتمر داخلي عُقد بسرية، أكد فيه أن "مرحلة النضال المسلح قد استُنفدت"، وأنه بات من الممكن المضي نحو حل ديمقراطي للقضية الكوردية من خلال الوسائل السلمية. جذور الصراع التاريخي تأسس حزب العمال الكوردستاني على يد عبد الله أوجلان عام 1978 في جنوب شرقي تركيا، متأثرًا بفكر ماركسي- لينيني. بدأ الحزب نزاعه المسلح ضد أنقرة عام 1984 مطالبًا بدولة كوردية مستقلة، قبل أن يعدّل أهدافه لاحقًا للمطالبة بحكم ذاتي وحقوق أكبر للكورد داخل تركيا. شهدت التسعينيات أشرس فترات الصراع، حيث بلغت الحرب ذروتها بمنتصف ذلك العقد وتسببت في تدمير آلاف القرى وتهجير مئات الآلاف من الكورد داخل تركيا. وفي عام 1999 تلقّى الحزب ضربة قاصمة باعتقال زعيمه أوجلان في عملية دولية مثيرة للجدل. حُكم على أوجلان بالإعدام ثم خُفف إلى السجن المؤبد بعد إلغاء تركيا لعقوبة الإعدام عام 2002، ولا يزال محتجزًا في جزيرة إمرالي ببحر مرمرة منذ ذلك الحين. بعد اعتقال أوجلان، تراجعت حدّة القتال مؤقتًا وانسحب المقاتلون إلى خارج تركيا، شهد العقد التالي محاولات حوار متقطعة، أبرزها مفاوضات سرّية في أوسلو (2009-2011) ومبادرة سلام علنية بدأت أواخر 2012. وبناء على نداء من أوجلان عام 2013، أعلن PKK وقفًا لإطلاق النار وانسحابًا من تركيا فيما اعتُبر آنذاك خطوة تاريخية نحو إنهاء النزاع، غير أن عملية السلام هذه انهارت في يوليو 2015، فعاد العنف بوتيرة أشد وشهدت مناطق جنوب شرق تركيا عمليات عسكرية دامية دمرت أجزاءً من مدن كوردية مثل دياربكر ونصيبين. على مدى السنوات اللاحقة، كثّفت أنقرة الضغط العسكري على PKK، فدفعته للتراجع إلى معاقله في جبال إقليم كوردستان، استخدمت تركيا ضربات جوية بطائرات حربية ومسيرات لاستهداف مقاتلي الحزب في العراق وسوريا، بينما صنفت أنقرة ومعها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي PKK كمنظمة إرهابية محظورة. كذلك حظرت السلطات التركية أحزابًا سياسية مؤيدة للكورد بدعوى صلتها بالحزب، واعتقلت الآلاف من النشطاء ضمن اتحاد المجتمعات الكوردية (KCK) المظلة السياسية لـPKK. هذه السياسات خلقت مناخًا خانقًا للأصوات الكوردية المعارضة داخل تركيا، وقوّضت الثقة بعمليات السلام السابقة دور القوى الإقليمية والدولية في الصراع لم يكن صراع PKK- تركيا محليًا فحسب، بل تأثر وتداخل مع مصالح قوى إقليمية ودولية، فخلال الثمانينيات والتسعينيات، قدمت سوريا ملاذًا لأوجلان وقواعد خلفية لمقاتليه في سهل البقاع اللبناني، ما أثار توترات شديدة مع أنقرة بلغت حد التهديد العسكري التركي أواخر عام 1998. رضخت دمشق حينها للضغط ورحلّت أوجلان الذي اعتُقل بعد ذلك بأشهر بتنسيق دولي. إيران من جهتها خاضت مواجهات مع فرع PKK على أراضيها (حزب بيجاك)، لكنها أيضًا استخدمت القضية الكوردية ورقة ضغط في علاقاتها مع أنقرة. في العراق، سمحت الحكومات المتعاقبة ضمنيًا أو باتفاقات أمنية بدخول القوات التركية شمال البلاد لملاحقة مسلحي PKK منذ الثمانينيات، ورغم اعتبار بغداد التوغلات التركية انتهاكًا للسيادة، اضطرت للتعايش معها بسبب عجزها عن بسط السيطرة التامة على المناطق الجبلية الحدودية. وفي السنوات الأخيرة، توصلت بغداد وأنقرة لتفاهمات أمنية لتعزيز التعاون ضد PKK، حتى أن الحكومة العراقية صنّفت الحزب لأول مرة منظمة محظورة عام 2023. يرى مراقبون أن بغداد سعت بذلك لانتزاع الذريعة التركية للتوغل، تمهيدًا للمطالبة بانسحاب القوات التركية من قواعد مثل معسكر بعشيقة (زليكان) في نينوى. ويشير الباحث الأمني والعسكري سرمد البياتي لوكالة شفق نيوز، إلى أن هذه الخطوة تحمل أهمية خاصة للعراق، لا سيما في ما يتعلق بمستقبل التواجد التركي في المناطق الحدودية شمالي البلاد. ويقول: "إذا تُرجم هذا القرار إلى التزام عملي، فستنتفي الذريعة التركية للبقاء داخل العراق، وسيفتح الباب لعودة الحياة إلى قرى مهجورة منذ سنوات". من الجانب الغربي، تبنت الولايات المتحدة ودول أوروبية موقفًا حذرًا. فعلى الرغم من إدراجها PKK على قوائم الإرهاب، دعمت واشنطن الجماعات الكوردية في سوريا (قوات سوريا الديمقراطية قسد وعمادها فصيل YPG) في قتال تنظيم داعش. وتعتبر أنقرة YPG امتدادًا سوريًا لحزب العمال، ما وضع تركيا في مواجهة غير مباشرة مع حليفها الأمريكي بسوريا، ومع ذلك، رحبت واشنطن والاتحاد الأوروبي بأي بارقة أمل للسلام؛ فقد أيدتا دعوة دولت بهتشلي (حليف أردوغان القومي) في أكتوبر 2024 لإطلاق سراح أوجلان إذا أعلن إنهاء النزاع المسلح. ويُنظر إلى التغيرات الإقليمية الأخيرة، كسقوط نظام بشار الأسد في سوريا نهاية 2024 وتراجع نفوذ إيران بسبب أزماتها، على أنها هيأت ظرفًا مؤاتيًا لعزل PKK ودفعه نحو عملية سلام. فمع إدارة سورية جديدة أكثر تناغمًا مع أنقرة، طالبت تركيا بحل فصيل YPG وطرد قياداتها من سوريا، مهددةً بعملية عسكرية لسحقها إذا لم تُلبَّ مطالبها. هذه التحولات الإقليمية وضعت الحركة الكوردية أمام واقع جديد أقل دعمًا، ما دفع قيادتها لإعادة تقييم جدوى استمرار الكفاح المسلح. ويصف النائب عن الحزب الديمقراطي الكوردستاني محما خليل القرار بـ"الخطوة التاريخية التي ستسهم في استقرار المنطقة ودفع عجلة الحوار السياسي". ويضيف أن "الكفاح المسلح فقد فعاليته السياسية، والقناعة لدى قيادة الحزب وعلى رأسهم أوجلان، كانت أن اللحظة باتت مناسبة لاختيار مسار جديد". وفي السياق ذاته، قال عبد السلام برواري، وهو سياسي كوردي بارز، لوكالة شفق نيوز، إن إعلان الحل جاء بعد إدراك عميق من قيادات الحزب بأن الاستمرار في العمل المسلح لم يعد مجدياً. وأوضح أن "الأمل في كوردستان بات معقوداً على ترجمة هذه الخطوة إلى واقع ملموس، عبر إنهاء التواجد العسكري التركي وتمكين سكان القرى الحدودية من العودة". جاء إعلان حل PKK عقب المؤتمر الثاني عشر للحزب الذي عُقد بشكل سري في مناطق جبلية في إقليم كوردستان بين 5 و7 أيار/مايو 2025. وعبر بيان مطوّل نُشر في وسائل إعلام مقربة منه (وكالة فرات للأنباء)، قال الحزب إنه "أتم مهامه التاريخية" وقرر حل هيكله التنظيمي ووقف العمل المسلح. جاءت هذه الخطوة بعد أشهر من الصمت الذي أعقب رسالة استثنائية بعث بها أوجلان من سجنه في جزيرة إيمرالي، دعا فيها إلى "إلقاء السلاح" وإنهاء العمل المسلح، معتبراً أن "الزمن قد تغير، والمعركة يجب أن تنتقل إلى الساحة السياسية". وأثارت هذه الرسالة جدلاً واسعًا داخل صفوف الحزب، قبل أن تتبلور القناعة لدى القيادة المركزية بضرورة تبني نداء مؤسسها. الحكومة التركية، التي لطالما صنّفت الحزب كتنظيم إرهابي، رحبت بحذر بالخطوة، معتبرة إياها تطورًا "يستحق المتابعة الدقيقة". وقال وزير الخارجية هاكان فيدان إن "تركيا لن تعتبر المسألة منتهية حتى تتأكد من تطبيق القرار فعليًا في الميدان"، في إشارة إلى المخاوف من ظهور جماعات منشقة قد تواصل العمل المسلح تحت مسميات مختلفة. الباحث التركي إسلام أوزكان وصف الإعلان بأنه "فرصة نادرة لإنهاء الصراع العرقي داخل تركيا". وأضاف لوكالة شفق نيوز،: "إذا ما وُجّهت موارد مكافحة التمرد نحو التنمية والرفاه، فستكون تركيا أمام نقطة تحول حقيقية، شرط التزام الحكومة بالإصلاح السياسي". مسرح النزاع في إقليم كوردستان، قوبل الإعلان بترحيب واسع. فقد كان الإقليم الساحة الخلفية الرئيسية للنزاع، حيث دارت معظم المعارك بين الجيش التركي ومسلحي PKK عبر الحدود الشمالية، مخلّفة خسائر بشرية ومادية جسيمة. وأكد الزعيم الكوردي مسعود بارزاني (رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني) إلى إعلان "دعمه الكامل لإنجاح عملية السلام في تركيا"، مشيداً بمواقف الأطراف المعنية وخطواتها الإيجابية بعد مؤتمر PKK، وبأن تفضي العملية إلى نتائج خير تعم المنطقة. كما أصدر نيجيرفان بارزاني رئيس إقليم كوردستان بيانًا رحّب فيه بقرار حل الحزب وإلقاء السلاح استجابة لدعوة أوجلان، معتبرًا إياه "خطوة مصيرية تفتح صفحة جديدة في المنطقة". وأضاف أن هذه الخطوة "تدل على النضج السياسي وتمهد الطريق لحوار حقيقي يعزز التعايش والاستقرار في تركيا وجميع أنحاء المنطقة"، معرباً عن تطلع أربيل لأن تقابلها خطوات إيجابية أخرى من كافة الأطراف المعنية، بما يرسخ أساس سلام دائم وشامل ينهي عقودًا من العنف والمعاناة. كما عد رئيس الاتحاد الوطني الكوردستاني، بافل طالباني، القرار بـ"خطوة تاريخية ومصيرية"، مؤكدا على ضرورة حل القضية الكوردية بـ"شكل سلمي". هذا الموقف الإيجابي من قيادة كوردستان مفهوم في ضوء تأثر الإقليم الطويل بالحرب؛ إذ أدى الصراع إلى إفراغ نحو 700 قرية كوردية وتهجير سكانها خلال العقود الماضية، فضلًا عن خسائر اقتصادية نتيجة تعطّل الزراعة ونزوح الأهالي. كما تكبّد الإقليم خسائر من جراء القصف التركي المتكرر على مناطق مثل محافظة دهوك والسليمانية بحجة ملاحقة PKK، وحتى فرضت أنقرة حصارًا جويًا على مطار السليمانية لعدة أشهر خلال السنوات الأخيرة بسبب تواجد قيادات للحزب هناك. محللون يرون أن إعلان الحزب إنهاء وجوده المسلح قد يفتح الباب أمام إعادة تموضع عميقة في السياسة الكوردية داخل تركيا. "ربما نكون بصدد ولادة حزب سياسي جديد من رحم العمال الكوردستاني"، يقول محمد أمين بينجويني، المختص في شؤون الحركات الكوردية لوكالة شفق نيوز. ويضيف أن الحزب "قد يغير اسمه ويستبدل قياداته، لكنه سيواصل النضال بوسائل ديمقراطية". ورغم أن أوجلان لا يزال معزولاً في سجنه، إلا أن تأثيره الرمزي يبقى قوياً، خصوصاً لدى القواعد الشعبية للحزب. ويرى مراقبون أن قدرة أنقرة على اغتنام هذه اللحظة لفتح مسار حوار شامل قد تحدد ما إذا كان إعلان حل الحزب سيكون نقطة تحول تاريخية حقيقية، أم مجرد فصل آخر في صراع لم ينته بعد. رغم الأجواء التفاؤلية، يُدرك كثيرون أن الطريق إلى السلام محفوف بتحديات وعقبات. أحد أبرز المخاوف يتمثل في احتمال حدوث انشقاقات داخل صفوف PKK أو ظهور فصائل راديكالية ترفض التخلي عن السلاح. القلق لا ينحصر فقط في الجانب التركي أو الغربي. ففي الداخل الكوردي التركي، قوبل القرار بمزيج من الأمل والتوجس. ففي كبرى المدن الكوردية في تركيا، دياربكر، عبّر البعض عن سعادتهم بإنهاء دوامة العنف، فيما ظل آخرون حذرين، مستذكرين انهيار محاولات السلام السابقة عام 2015. المخاوف الكبرى تتعلق بمصير آلاف المقاتلين في الجبال، والفراغ الذي قد يخلفه غياب التنظيم. فهل سيتم استيعابهم سياسياً؟ هل من ضمانات دولية؟ وما مصير القرى والبلدات التي كانت تحت تأثير عمليات القتال؟ تبقى هذه الأسئلة مفتوحة. في النهاية، يرى محللون أن الكرة باتت في ملعب أنقرة. فإذا ما استجابت الحكومة بخطوات إصلاحية، كرفع القيود عن الأحزاب الكوردية وإطلاق سراح السجناء السياسيين، فقد تبدأ تركيا فصلاً جديداً من التعايش. أما إذا تم التعامل مع الخطوة كاستسلام ظرفي، فإن جذور الأزمة قد تبقى قائمة، بانتظار دورة عنف أخرى. القرار، رغم رمزيته التاريخية، لا يشكّل خاتمة للصراع، بل بداية لمسار سياسي طويل، يحتاج إلى ضمانات داخلية وإقليمية ودولية، ومرونة في إدارة المصالح والاعتراف بالتعددية. ووسط الحذر والترقب، تبقى آمال السلام معلقة على إرادة الطرفين، وقدرتهما على تجاوز إرث الدم والانطلاق نحو تسوية سياسية شاملة.

شجاعة أوجلان... وفوضى السلاح
شجاعة أوجلان... وفوضى السلاح

العرب اليوم

time٠٦-٠٣-٢٠٢٥

  • سياسة
  • العرب اليوم

شجاعة أوجلان... وفوضى السلاح

يحقّ للرئيس رجب طيب إردوغان اعتبار إعلان عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني (PKK) التخلي عن السلاح وحلّ الحزب نفسه، "فرصة تاريخيّة". سيستفيد أكراد تركيا من هذه الفرصة في حال صدقت النيات وعملوا في ظلّ القوانين السارية التي تؤمن لهم بعض حقوقهم كمواطنين أتراك. أقدم أوجلان على هذه الخطوة بعد أربعين عاما من الرهان على الكفاح المسلّح في وجه تركيا. يمثّل ذلك ذروة التصالح بين الحزب الكردي مع الواقع. هذا ما زال ينقص تنظيمات أخرى، مثل "حزب الله" في لبنان و"حماس" في غزّة والضفّة والميليشيات المذهبية المنضوية تحت لافتة "الحشد الشعبي" في العراق. لا تزال هذه التنظيمات في حال إنكار للواقع، على الرغم من أنّ فوضى السلاح لم تجلب غير الخراب والدمار والمآسي. متى تدرك هذه الميليشيات أنّ أقصى ما يمكن أن تحققه هو الوصول إلى كارثة،. ما تعرضت له غزّة كارثة. كذلك لبنان الذي عاد قسم من أرضه تحت الاحتلال الإسرائيلي مجددا. أمّا العراق، فهو يعيش، منذ صار "الحشد الشعبي" جزءا من الدولة، مأساة تلو الأخرى، خصوصا بعدما حولته حكومة محمد شياع السوداني، نتيجة ممارساتها، إلى "ساحة" إيرانيّة لا أكثر. نعم، يبدو الحزب الكردي الذي يعتبر على الصعيد العالمي حزبا إرهابيا، أمام "فرصة تاريخيّة" ولدت من القرار الشجاع الذي اتخذه أوجلان من السجن التركي المقيم فيه منذ العام 1999، بعدما سلمه النظام السوري السابق إلى تركيا بطريقة غير مباشرة. تبين وقتذاك أن اللغة الوحيدة التي كان يفهمها النظام العلوي في سوريا هي لغة القوة. يتجاوز الأمر تركيا والدور الذي لعبه أوجلان في السعي إلى ممارسة الضغط عن طريق السلاح بدل الإستفادة من التجربة التي يمر بها هذا البلد منذ وصل تورغوت أوزال إلى موقع الرئاسة في العام 1989. سعى أوزال في مطلع تسعينات القرن الماضي إلى إيجاد صيغة تعايش بين كلّ مقومات المجتمع التركي، بما في ذلك الأكراد الذين يشكلون نسبة عشرين في المئة من السكان. وضع أوزال الذي توفى قبل أن يتمكن من تحقيق اصلاحاته باكرا، لكنه وضع الأسس لتركيا الحديثة التي تبدو دولة شبه ديموقراطية في الوقت الحاضر. راهن أوجلان طويلا على الكفاح المسلّح رافعا شعار الحقوق الكردية. إعتقد أنّ اللعب على الحرب الباردة وعلى سياسة الإبتزاز التي اتقنها النظام السوري منذ احتكار حافظ الأسد للسلطة في 1970 ضمانة له. اضطر الأسد الأب إلى التخلي عنه في العام 1999 في ضوء الضغوط التي مارستها تركيا. وقتذاك، أكّدت السلطات التركية لحافظ الأسد، الذي كان نجله بشّار يعد نفسه لخلافته، أن ممارساته مرفوضة. بات أوجلان بعقله المتخلف، الذي أخذه إلى دمشق وإلى البقاع اللبناني، في مرحلة معيّنة، يقبع في سجن تركي منذ ربع قرن. إحتاج إلى كلّ هذه السنوات كي يقتنع بأن العالم تغيّر منذ إعلانه انطلاق الكفاح المسلّح في وجه تركيا في العام 1984 غير مكترث بإمكان تحقيق مكاسب للأكراد عن طريق ممارسة اللعبة الديموقراطيّة التي تمارس في تركيا، وإن ضمن حدود معيّنة. لم يلتقط الزعيم الكردي في حينه معنى انهيار الإتحاد السوفياتي، وهو إنهيار بدأت ملامحه تتوضح منذ سقوط جدار برلين في تشرين الثاني – نوفمبر 1989. يظلّ أهمّ ما ورد في الرسالة القصيرة التي وجهها أوجلان الملقب بـ"آبو" إلى قيادة حزبه إعترافه بأن العالم تغيّر وأن فكرة حمل السلاح وممارسة الكفاح المسلّح ولّت إلى غير رجعة. تطرق حتّى إلى العقيدة الماركسية التي اعتنقها في مرحلة ما بغية تبرير "الكفاح المسلّح". لم يكن مثل هذا التصرّف غير مبرّر لتحوّل الـPKK إلى أداة في لعبة التجاذب بين تركيا والنظام السوري الذي كان يلقى تشجيعا من الإتحاد السوفياتي. ما لبث النظام السوري أن استسلم أمامم تركيا وقرر التخلي، حتّى، عن أي مطالبة بلواء الإسكندرون الذي كان يسميه "اللواء السليب"... كان مفترضا بالزعيم الكردي، الذي تركت ممارساته آثارا سلبية على الأكراد في تركيا وسوريا والعراق، إدراك أنّه يسير في الطريق الخطأ منذ خضوع حافظ الأسد للتهديد التركي. انكر الأسد الأب طويلا وجود "آبو" في سوريا أو في لبنان الذي كان وقتذاك تحت سلطته. كان الرد التركي عن طريق معلومات دقيقة عن تحركات أوجلان. شملت تلك المعلومات عنوان الشقة التي كان يقيم فيها في دمشق ورقم الهاتف الذي في الشقة وأسماء الذين اتصل بهم عبر الهاتف أو أولئك الذين اتصلوا به. بقي حافظ الأسد ينكر وجود الزعيم الكردي التركي لديه وتحت حمايته إلى أن تلقى رسالة تهديد بأن الجيش التركي سيدخل من حلب ويخرج من الجولان! كان ذلك التهديد كافيا كي يستوعب الرئيس السوري الراحل أن لا خيار أمامه غير تسليم "آبو" في حال كان يريد إنقاذ نظامه وتسليمه إلى نجله. هذا ما حصل في العام 2000، لدى وفاة الأسد الأب في مرحلة عمل خلالها خليفته على إيجاد صيغة تقارب مع تركيا. احتاج "آبو" إلى ربع قرن كي يتخلى عن أوهامه ويقول وداعا للسلاح. هل يعود ذلك إلى أنّه لزمه كل هذا الوقت لينضج فكريا ويقتنع بأن السلاح في أساس كلّ المصائب... وأن الإعتماد على السلاح يقضي على أي أفق سياسي في ما يخص القضية الكردية التي هي قضيّة محقّة؟ يظلّ سؤال أخير. إنه سؤال يفرض نفسه في عالم قال وداعا للسلاح، سلاح الميليشيات المذهبية والطائفية والتعصب القومي؟ هل يتعلّم "حزب الله" في لبنان شيئا من تجربة حزب العمال الكردستاني، كذلك "حماس" في الضفة وغزّة وميليشيات "الحشد الشعبي" في العراق؟

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store