أحدث الأخبار مع #فاروقالشرع

الدستور
١٠-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الدستور
مذكرات فاروق الشرع 2
عمان عن «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات»، صدر كتاب «مذكرات فاروق الشرع.. الجزء الثاني 2000 - 2015». يقدّم الكتاب شهادة تاريخية على مرحلة حرجة من التاريخ السوري، بدءاً من استلام بشار الأسد السلطة وصولاً إلى الثورة السورية وتداعياتها، والتي عايشها الشرع وزيراً للخارجية ونائباً للرئيس قبل أن يضطر للاعتكاف في بيته.


العربي الجديد
٠٥-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- العربي الجديد
فاروق الشرع: هكذا أفشل بشّار الأسد الغارق في حبّ الذات الحوار الوطني (6)
يصدر كتاب "مذكرات فاروق الشرع... الجزء الثاني 2000 - 2015" عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. ويغطي فترةً من رئاسة بشار الأسد (2005 - 2015) استمر فيها الشرع في منصبه وزيراً للخارجية، ثم في منصب نائب رئيس الجمهورية، قبل أن يضطر إلى الاعتكاف بمنزله في 2013، وإصدار الأسد تعليمات بعدم التواصل معه. وبينما اعتُبر الجزء الأول شهادة تاريخية مهمّة على مسار من الأحداث التي شهدتها سورية في تفاعلاتها الإقليمية والدولية، خصوصاً ما يتعلّق بالمفاوضات السورية - الإسرائيلية، في عهد حافظ الأسد، يقدّم الشرع في هذا الكتاب شهادته على أحداث لا تقل أهمية في عهد بشار، منها اغتيال رفيق الحريري واتهامات مسؤولين سوريين بالتورّط في اغتياله، ما أسهم في دفع الخروج السوري من لبنان، وأحداث عصفت بسورية مع اندلاع الثورة السورية (2011). وتنشر "العربي الجديد" فصولاً من الكتاب. وهنا حلقة سادسة تتناول قرار الرئيس تشكيل هيئة الحوار الوطني برئاسة فاروق الشرع، وفي الوقت نفسه الحملة المنظمة السرّية التي قادها بشار الأسد وأجهزته المختلفة لإفشال الحوار. .................................................................................................................. شكّل الرئيس بشّار الأسد بموجب القرار الجمهوري رقم 20 في 31 مايو/ أيار 2011 هيئة الحوار الوطني، وكلّفني رئاستها. وضمّت الباحث الاقتصادي الدكتور منير الحمش نائباً لرئيس اللجنة، وعضوي القيادة القُطرية ياسر حورية، وهيثم سطايحي، والدبلوماسي المجرّب والعريق عبد الله الخاني (انسحب من الهيئة لاحقاً)، والأديب وليد إخلاصي، وصفوان قدسي نائب رئيس الجبهة الوطنية التقدمية، وحنين نمر عضو القيادة المركزية للجبهة والأمين العام للحزب الشيوعي السوري الموحد، وأستاذ القانون الدكتور إبراهيم درّاجي. كانت مهمّة الهيئة وضع أسس وآليات حوار وطني وصولاً إلى مؤتمر وطني شامل لحل الأزمة. لقد اعتبر الرئيس تشكيل هيئة الحوار فرصة تاريخية، نقلتها عنه الصحف السورية الرسمية، وهذه الفرصة من شأنها حثّ الشعب على مناقشة مستقبل سورية كما صرّح الرئيس نفسُه. عقد الرئيس بعدها مباشرة اجتماعاً في قصر الشعب مع أعضاء الهيئة، أكّد خلاله "صياغة الأسس العامة للحوار المزمع البدء به، بما يحقق توفير مناخ ملائم لكل الاتجاهات الوطنية للتعبير عن أفكارها وتقديم آرائها ومقترحاتها بشأن مستقبل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في سورية، وتحقيق تحولات واسعة تسهم في توسيع المشاركة في ما يتعلق بقانوني الأحزاب والانتخابات وقانون الإعلام". هكذا أورد الإعلام الحكومي نصّ خبر اللقاء، نقلاً عن المكتب الصحافي لرئاسة الجمهورية، الذي قال أيضاً: "لقد أصبح الحوار ممكناً وقادراً على توفير نتائج أفضل بعد صدور العديد من القرارات والمراسيم التي تسهم في تعزيز المشاركة من مختلف المكونات السياسية والاقتصادية والاجتماعية". انزعج الرئيس من نشر أخبار اجتماعات هيئة الحوار في وسائل الإعلام، ولم يخطر ببالي أنه كان يرى فيها مساساً بدوره اجتمعت اللجنة السياسية برئاستي في 11 يونيو/ حزيران 2011، حيث كان الرئيس ينوي التوجّه إلى الشعب بعد أسبوع للحديث عن المسائل التي تمر بها سورية، وعن أهمية الحوار الوطني الشهر المقبل. تمنّت اللجنة السياسية ضرورة تضمين كلمته المتلفزة المواضيع التالية التي حظيت بإجماع اللجنة، علماً بأنني أعلمته على الهاتف أيضاً بأنني أرسلت إليه صورة عن المحضر مع ملخص لتضمين خطابه ما يلي: • مراجعة الدستور مع إجراء تعديلات على بعض مواده. • مناقشة قانون جديد للأحزاب.• مناقشة قانون للإعلام. • مناقشة المادة الثامنة من الدستور. ألقى الرئيس بالفعل خطابه في مدرج جامعة دمشق في 20 يونيو/ حزيران 2011، وذكر فيه مطالب اللجنة السياسية المشار إليها، غير أنه أوردها في نهاية خطابه ولم يعطها الأولوية التي تستحقّ في هذا الظرف الحسّاس. تحدّث عملياً عن إمكانية تعديل الدستور وحتى إمكانية صياغة دستور جديد للبلاد. لكن بعض وسائل إعلام المعارضة ركّزت حينها على عبارة الجراثيم الغامضة التي لصقها بشكل غير مباشر بالمعارضين، فتركها للمعارضة لتتهكّم وتشرحها بما يتناسب مع أهدافها. بعد اللقاء مع الرئيس، عقدت هيئة الحوار الوطني برئاستي عدة اجتماعات مكثفة ودورية لوضع خطط عمل من أجل تحقيق الغاية المتوخّاة من إنشائها. لكن الرئيس عبّر لي مباشرة ولأعضاء آخرين في اللجنة عن انزعاجه من نشر أخبار اجتماعات الهيئة في وسائل الإعلام، فأوقفت ذلك، لأن موضوع الدعاية ليس من أولويات اهتماماتي، ولم يخطُر ببالي أن الرئيس كان يرى فيها مساساً بدوره في ظرفٍ يجب أن نشرك الشعب بالخطوات التي قطعها الحوار الوطني في سورية. أصبح دور أعضاء الهيئة مكرّساً فقط من أجل التحضير للقاء تشاوري يمهد لحوار وطني شامل في مؤتمر جامع برئاسة الرئيس، وسوف يُعقد قريباً في قصر المؤتمرات بدمشق. مهما يكن من أمر، فإن الفترة المتاحة أمامنا، وهي أقل من شهر، كانت ضيقة لعقد لقاء تشاوري يمهد للقاء الحوار الوطني، لا سيما بوجود لقاءات لبعض الشخصيات السورية المعارضة في الداخل، مثل اللقاء في فندق سميراميس في 27 يونيو 2011، أي قبل انعقاد مؤتمر الحوار الوطني في مجمع صحارى بأسبوعين، وإعلان بعض المبادرات الأخرى. كانت المعارضة السورية في الخارج أشدّ انتقاداً لهيئة الحوار الوطني من معارضة الداخل، حيث اعتبرتها صنيعة النظام، بل طالبت بعض قادتها برفض أي حوار، أو ربما أنها تصرّفت حينها كأن الحزب الحاكم انتهى أو في طريقه إلى النهاية القريبة. اجتماع لمعارضين سوريين في "مؤتمر التغيير في سوريا" في أنطاليا في تركيا (2/6/2011 فراتس رس) اتّخذنا في هيئة الحوار الوطني من القيادة السياسية مرجعية، انطلاقاً من القناعة بأن حزب البعث يمثل شريحة مهمّة تجاوز عدد المسجلين في صفوفه آنذاك مليوني عضو داخل سورية. لهذا، اقترحت الهيئة على القيادة أن يمثل الحزب بثلث في الحوار الوطني، أما الثلثان الآخران فسيكون ثلث للمستقلين وثلث للمعارضة بالتساوي. وافقت القيادة بالإجماع على هذا الاقتراح، ولقي، في الوقت ذاته، الترحيب من أعضاء الهيئة؛ لأن تشكيلتها، من حيث ميول أعضائها السياسية التي وافق عليها الرئيس عند إصدار قرار الهيئة، تكاد تعكس صورةً مشابهةً لهذه الصيغة. كانت الخطوة الثانية عقد لقاءات مع الشخصيات المعارضة المعروفة في الداخل السوري، مثل حسن عبد العظيم، وعارف دليلة، والطيب تيزيني، ورجاء الناصر، ومحمد حبش، وقدري جميل، وميشيل كيلو، وحسين العودات، ولؤي حسين، وحبيب عيسى، وغيرهم. هذه الشخصيات المعارضة المهمة كانت قد عبرت عن مواقفها بوضوح في منتصف مارس/ آذار 2011 بوسائل شتى، وقبل ذلك عبر وسائل الإعلام. كان الهاجس المشترك لهؤلاء المعارضين، كما تبيّن لي خلال لقاءاتي معهم، يتمحور حول مصداقية النظام ومدى وفائه بتعهداته. حاولت من جانبي شرح الأمر بقولي: "إننا في النظام وأنتم في المعارضة سنندم جميعاً في المستقبل إذا لم نشارك لإنجاح الحوار الوطني". تلخّصت الخطوة الثالثة بتوجيه هيئة الحوار الوطني عدة دعوات إلى من هم في الخارج والداخل. بلغ عدد المدعوين إلى اللقاء التشاوري رجالاً ونساءً أكثر من مئتي شخصية، وهم الذين سيعقدون أولى لقاءاتهم في العاشر من يوليو/ تموز بدمشق، إلا أن عدم تلبيتهم الدعوة لا يحتاج إلى توضيح؛ فالأسباب ما زالت موجودة حينها: استمرار إطلاق النار على المتظاهرين، والاعتقال عند الوصول إلى سورية، أو مراجعة أحد فروع الأمن من دون سبب وجيه. كنتُ أعرف مسبقاً أن معظم معارضة الخارج لن تغامر بالحضور، حتى لو كانت جنحتهم مخالفة سير، إلا بتدخّل شخصي من رئيس الجمهورية. في اجتماع دوري للقيادة القُطرية برئاسة الأمين القطري المساعد للحزب محمد سعيد بخيتان، طرحت مجدداً ما استجد من أمور ذات صلة بالمراحل التي قطعها التحضير لمؤتمر الحوار أو اللقاء، وضرورة أن تسمي القيادة من سيشارك فيه؛ لأن الفترة المتبقية على انعقاده غدت محدودة، ثم إنني شخصياً أردت التأكّد مرة أخرى من موافقة أو تحفظ كل عضو في القيادة، إزاء انعقاده، وأيضاً من تمثيل الحزب بثلث الحضور؛ لأن الشكوك بدأت تساورني جراء تمتمات من داخل الحلقة الأمنية، كان أكثرها دلالة من اللواء محمد ناصيف خير بيك، وهو من أبرز الشخصيات الأمنية سنوات والمقرّب من آل الأسد، وكان قد عُيّن قبيل تقاعده معاوناً لي نائب رئيس، حيث عبر في حديث مع مدير مكتبي عن الامتعاض من فكرة اللقاء المذكور وما قد ينتج منه من توصياتٍ غير مرغوبة. لكنني شعرت بالاطمئنان لأن الإجماع متوفر، حيث ذهب بعض أعضاء القيادة القطرية إلى حد القول إن الثلث من المستقلين سيكون أقرب إلى أفكار "البعث" منه إلى أفكار المعارضة. كنت أعرف مسبقاً أن المعارضة في الخارج لن تشارك في المؤتمر لأن أسماءهم لا تزال في قوائم الممنوعين من دخول سورية وعد بخيتان أنه سيوافينا بأسماء الحزبيين المقترحة خلال يومين. وفعلاً، تم تزويد هيئة الحوار بهذه الأسماء. أما المعارضة، خصوصاً معارضة الخارج، فقد اعتذر بعضها للهيئة هاتفياً أو خطّياً، بمن فيهم برهان غليون وسمير العيطة ورامي عبد الرحمن، في حين بقي آخرون متردّدين حتى اليوم الأخير من افتتاح أعمال اللقاء التشاوري، مثل هيثم مناع الذي كان أخوه معتقلاً وسبباً مباشراً في عدم حضوره. ولم يكن التأجيل متاحاً لإقناع المتردّدين من المعارضة، لأنه سيعطي إشارة سلبية إلى احتمال فشل الحوار الوطني. بلغ عدد المدعوين 213، حضر من بينهم 187، واعتذر عن عدم الحضور 26 مدعواً. وكان واضحاً أن بعض من اعتذر في الداخل قد أعرب عن رأيه صراحةً بأنه لا يمكن أن يشارك في المؤتمر ووالده معتقل، أو في ظل استمرار العمليات الأمنية. والرئيس هو فعلاً مفتاح المدعوين من الخارج، ومن بينهم الممنوعون وأسماؤهم في المطار وعلى الحدود؛ لأن الصلاحيات لا تنقصه. كنتُ أعرفُ مسبقاً أن المعارضة في الخارج لن تغامر بالحضور للمشاركة في هذا المؤتمر؛ لأن أسماءهم كانت لا تزال على قوائم الممنوعين من دخول سورية. وعلى الرغم من معرفة أعلى السلطات التنفيذية، وفي مقدّمتهم رئيس الجمهورية، بأسماء جميع المدعوين، لكن لم يجر، مع الأسف، أي مسعى لطمأنتهم. أذكر أنني بوصفي وزيراً للخارجية منذ سنوات، وبتوجيه من الرئيس نفسه، أرسلتُ تعميماً إلى جميع سفاراتنا في الخارج لحل موضوع وثائق الممنوعين من العودة وإصدار جوازات سفر لهم. اتّصلت بالرئيس مستوضحاً أسباب عدم تنفيذ الجهات المعنية للتعميم، فتحجّج أنه جرى إخباره للتو من رئيس الهيئة المركزية للرقابة بأن هناك أضابير بأسماء أكثر من ثلاثمئة ألف لا يمكن تسويتها بالسرعة المطلوبة.سور مشاركون في الاجتماع التشاوري للحوار الوطني، السوري، في دمشق (10/7/2011 فرانس برس) اللقاء التشاوري للحوار الوطني سهرتُ حتى ساعة متأخّرة من الليل لمراجعة الكلمة التي سألقيها في صباح الجلسة الافتتاحية. لم أشعُر بحجم المسؤولية مثلما شعرتُ بها حينها، إزاء كل حرف وعبارة وتداعياتها ومعناها القريب والبعيد، كأنني ما كتبت خطاباتي سابقاً أكثر من عقدين في الأمم المتحدة وفي محافل دولية عديدة. لكن للكلام هنا عن سورية الداخل بالذات وقع آخر، لأنني منذ الأيام الأولى لأحداث ما أطلق عليه "الربيع العربي"، وخلافاً لتوقعات كثيرين، كنتُ أشعر بأن نهاية الأحداث ليست قريبة، وأن الطريق الذي سوف نسلكه بإرادتنا مليء بالحفر والمزالق، ولا أريد ألبتة أن يشعر الآخرون، خصوماً أم أصدقاء، بأنني متشائم إلى هذا الحد. كنتُ أصف الوضع في سورية، عندما يسألني أحد الضيوف، بالمعقّد والمركّب. وكررت هذا الوصف في كلماتي في مناقشة البيان الأخير للمؤتمر وأمام الجميع. بدأت الجلسة الافتتاحية صباح 10 يوليو/ تموز 2011 بكلمة مقتضبة ألقاها الدكتور منير الحمش، عبّر فيها عن أهداف المؤتمر وأهميته الاجتماعية والاقتصادية في إخراج البلاد من أزمتها، ثم أعطاني الكلمة لافتتاح المؤتمر. أكّدتُ في كلمتي أن هدف هذا الحوار، في نهاية المطاف، هو الوصول إلى الدولة التعدّدية الديمقراطية، وأنه لا ينطلق في أجواء مريحة، لأن خطط الآخرين استندت إلى كمٍّ من الأخطاء الذاتية التي كنّا نرميها تحت السجادة دونما تفكير عميق في قادم الأيام، وشرحت أن هناك مطالب محقة تتعلق بحياة الناس المعيشية وأمانهم وكرامتهم لا يجوز أن نهملها، وأن هذا الحوار ليس منّة من أحد على أحد. أوضحتُ أن معاقبة مواطنين سوريين يحملون رأياً مختلفاً بمنعهم من السفر أو من العودة إلى الوطن سيقودهم حتماً إلى طلب الحماية من دولٍ أخرى. وقلتُ، من جانب آخر، مخاطباً من يرفضون الحوار من المعارضة، إن الحروب الكبرى والصغرى والأزمات الوطنية لم تنته إلا بالحوار. وعبّرتُ عن أمل جميع المواطنين بأن يفي الرئيس بشّار الأسد بما وعد به الشعب السوري، مذكّراً بخطابه على مدرّج جامعة دمشق في 20 حزيران/ يونيو 2011. ورفضتُ في كلمتي أي تدخّل خارجي، وطالبت أن تكف بعض الدول عن صبّ النفط على النار. ثم فُتح المجال لمداخلات المشاركين في اللقاء، ومناقشة ما ورد في جدول الأعمال من بنود ومشاريع قوانين، كان في مقدمتها مشروع قانون الأحزاب والانتخابات وقانون الإعلام، وتوصية بتشكيل لجنة قانونية – سياسية لمراجعة الدستور. كان ذلك كله قد ورد في كلمة الرئيس على مدرج جامعة دمشق. طالب مشاركون كثيرون بتشكيل لجنة لإصلاح القضاء، فأدرج هذا الموضوع مع المواضيع الأخرى. كل من طلب الكلام تحدّث، وبعضهم طلب المداخلة أكثر من مرّة. كما أتيحت الفرصة لإدارة جلسات اللقاء التشاوري لعدد من المشاركين رجالاً ونساءً، شبّاناً وشابات. لا أشكّ في أن الرئيس هو من أمر بقطع البث التلفزيوني بعد الجلسة الافتتاحية لأنه وحده يملك صلاحية الأمر بقطع البث انقطاع البثّ التلفزيوني انعقد اللقاء على مدى ثلاثة أيام في إحدى صالات منتجع صحارى. وتصدّرت الصالة يافطة كتب عليها "مؤتمر الحوار الوطني: اللقاء التشاوري 10-12 تموز". وفي أعلاها "الحوار الوطني: ضمان لمستقبل سورية". بدأت الجلسة الأولى في العاشرة صباحاً. وفي مساء اليوم الذي سبق افتتاح اللقاء، أي في 9 يوليو، اتصلت بالرئيس لإبلاغه بالترتيبات المتخذة، وقلت له إن مجرياته ستبثّ على الهواء مباشرة. فاستغرب فكرة النقل التلفزيوني! وتساءل إن كان ذلك ضرورياً. كان جوابي: توجد مصلحة وطنية، خاصة في هذه الظروف كي يطلع الرأي العام السوري على وجود حوار بين السوريين بموافقة الدولة نفسها. لم يكن الرئيس مرتاحاً لفكرة النقل التلفزيوني المباشر، لكن بعد مناقشة طويلة معه وافق مشترطاً أن يكون البث لجلسة الافتتاح فقط. أعرف أن الرئيس ينام مبكّراً، فآثرت ألا أطيل الكلام عليه حتى لا تتأثر ساعة نومه البيولوجية. أبلغني عديدون ممن تابعوا اللقاء التشاوري للحوار الوطني بالانزعاج الشديد، لأن انقطاع البث التلفزيوني بعد جلسة الافتتاح لم يكن مفهوماً؛ إذ لا يتصوّر الناس أن الرئيس هو الذي أمر بقطع الإرسال التلفزيوني. ليس لدي شك في أنه هو الذي أمر بذلك، لأنه وحده يملك صلاحية الأمر بقطع البثّ عن هذا النوع من اللقاءات، حيث كان يشرف بشكل مباشر على تفاصيل قطاع الإعلام بعد رفضه أن يتولى تلك المسؤولية أي طرف آخر في السلطة. جرت العادة على التأكيد أن كل الأفعال السلبية لا يمكن أن تصدُر عن السيد الرئيس، بل يمكن أن تصدُر عن وزير الإعلام، أو عن المدير العام للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، أو عن المسؤولين في المكتب الصحافي للقصر، أو عن ادّعاء خطأ تقني مزعوم، لكن الرئيس لا يصدر أمراً كهذا فهو معصوم عن الخطأ! الطيب تيزيني يتحدّث إلى الصحافة بعد حضوره الاجتماع التشاوري للحوار الوطني في دمشق (10/7/2011 فرانس برس) المادّة الثامنة في الدستور بعد انعقاد اليوم الأول من اللقاء التشاوري، هاتفني الرئيس بشّار الأسد مساءً مستفسراً إن كنّا سنناقش في اليوم التالي المادة الثامنة من الدستور التي تنصّ على أن "حزب البعث العربي الاشتراكي هو القائد في الدولة والمجتمع" أجبته بأن كثيرين في اللقاء لا شك في أنهم سيطرحون المادة الثامنة، ولكن كل ما سيصدر عن اللقاء توصيات لا يمكن اعتمادها إلا بمراسيم تشريعية تحظى بتوقيع السيد الرئيس، وأن المادة الثامنة وردت نصّاً في الدستور، ومن ثمّ، فإن إلغاءها يتطلب النظر في إلغاء بعض مواد الدستور أو تعديلها. في السابعة من صباح اليوم الثاني للقاء، اتصل الرئيس بي ثانية حول الموضوع نفسه وطلب مني بإصرار ألا أقبل طرح المادة الثامنة. قلت له لا أستطيع؛ لأن اللقاء له صفة مؤتمر، وهو سيّد نفسه مثل كل المؤتمرات، وفي أي حال، ليس لدى المؤتمر سلطة تشريعية تسمح له باتخاذ قرارات، وذكّرته بكلمته قبل ثلاثة أسابيع فقط، وإشارته فيها إلى إمكانية مناقشة تعديل الدستور أو صياغة دستور جديد. قبيل بدء الاجتماع بقليل، وبعد هاتف الرئيس، طلب صفوان قدسي رؤيتي على انفراد ليبلغني بأنه يطلعني بسرّية مطلقة أن محمد دعبول (أبو سليم)، مدير مكتب الرئيس، طلب منه ألا يوافق على مناقشة المادة الثامنة مطلقاً عند طرحها خلال المناقشات، بأمر من الرئيس. وكان قد أبلغني قبل ذلك بقليل الدكتور هيثم سطايحي انزعاج الرئيس من طرح المادة الثامنة، وألحّ عليّ أن أتصل بالرئيس ثانية قبل بدء الجلسة. اتصلتُ بالرئيس، وقلتُ له إن جميع ما تتخذه هيئة الحوار من قراراتٍ لا تعتبر نافذة إلا بمصادقة منه وتوقيعه عليها. عقدتُ اجتماعاً لأعضاء الهيئة أخبرتهم مضمون الاتصال بالسيّد الرئيس، وأكّدت أن لا أحد منا يريد إفشال المؤتمر لأن كل الإصلاحات لا معنى لها بوجود المادة الثامنة في الدستور، وأنه لا علاقة لذلك بمطالب المعارضة، لأنها كانت بالفعل مطالب حزبية منذ انعقاد المؤتمر القُطري العاشر للحزب في عام 2005، الذي أكّد أهمية إصدار قانون جديد للأحزاب يضمن المشاركة الوطنية في الحياة السياسية، وإلغاء قانون الطوارئ، وإصدار قانونٍ جديد للإعلام، ولكن لم ينفذ أي مطلبٍ أو توصيةٍ منها خلال السنوات الست المنصرمة. وأضفتُ أن عدم مناقشة المادة الثامنة يعني استمرار احتكارنا الحياة السياسية في سورية، ويتناقض هذا الاحتكار مع تشكيل هيئة الحوار نفسها. كانت هذه هي آرائي قبل انعقاد المؤتمر وإبّان التحضير له، وبعد نهاية أعماله، فلقد كرّرتُ هذه المعاني خلال اجتماعات القيادة القُطرية والقومية والجبهة الوطنية التقدمية. ولن أستطرد هنا إلا لضرورة بيان ذلك. ففي اجتماع نادر عقد في مطلع الأحداث مع جميع رؤساء الأجهزة الأمنية بحضور أعضاء القيادة القُطرية، لفتُّ الانتباه إلى المخاطر التي تنتظرنا في مواجهة الأزمة. تحدّثت في هذا الاجتماع عما جرى في شرق أوروبا من تغيرات مذهلة قبل عقدين، لا سيما في رومانيا، حيث أعدم الرئيس الروماني وزوجته بصورة بشعة، كما تطرّقتُ إلى عمليات التهريب والفساد المستشري ومنها تهريب الأسلحة، خاصة على الحدود الشمالية والشرقية من البلاد في ظل فساد الأجهزة الأمنية والشرطية، وأكّدت أن خطرها اليوم أشدّ من أي وقت مضى. اتصل الرئيس بي وطلب مني بإصرار ألا أقبل طرح المادة الثامنة من الدستور للحوار في المؤتمر أظهر اللواء جميل حسن مدير المخابرات الجوية - التي ذاع بطشها على كل لسان - توتّراً ونرفزةً في أثناء كلمتي، وقدّرت أن نرفزته بسبب ما فهمه من أنني أعرّض بالمؤسسة الأمنية. حين انتهى الاجتماع، اختلى بمحمد سعيد بخيتان. وبعد عدة شهور من هذه الحادثة، تأكّدت من انزعاجه عندما كلفت مدير مكتبي بالاتصال به في محاولة لإطلاق سراح بعض من أقاربي الشبان من المتظاهرين الذين جرى اعتقالهم في درعا من فرع المخابرات الجوية، فكان ردّه لمدير مكتبي: "قل لأبي مضر إننا مؤسسة غير فاسدة على عكس ما ادّعى سابقاً، لذلك فنحن لا نقبل الواسطة"، وأبقاهم في السجن. أتيحت الفرصة في المؤتمر لجميع من طلب الكلام، شبّاناً وشابات، نقابات عمال وفلاحين وطلبة، فنانين ومهندسين وأطباء ومحامين، ومن مختلف أطياف المجتمع السوري، وإن كانت المناقشات لم تخلُ، في بعض الأحيان، من المشاحنات والخلافات ووجهات النظر الحادّة والمتعارضة. لكن الحوار كان شاملاً باستيعابه لمختلف الأفكار، لا مكان فيه للملل، ولم يسجل أي تبرّم رغم انقضاء ثلاثة أيام طويلة من العمل، بل جاء معبراً عن "جوع للحوار"، بحسب ما ورد على لسان أحد المشاركين فيه. كان من بين هذه المداخلات المهمّة في اللقاء التشاوري تلك التي قيلت من دون نقل مباشر على الهواء: من حنين نمر ومحمد حبش وعمر أوسي وقدري جميل وإلياس نجمة وحنان قصّاب حسن وإلياس زحلاوي وعباس النوري ونجوى قصّاب حسن وبثينة شعبان وعبد الرحمن العطار وغسان طيارة ودريد لحام وحسن م. يوسف وعزّوز شعبان وغيرهم، خاصة من شبان وشابات كان لمشاركتهم الأثر الكبير في إغناء المؤتمر من الجيل الذي يشكل النواة في المجتمعات العربية. دريد لحام مشاركاً في الاجتماع التشاوري للحوار الوطني في دمشق (10/7/2011 فرانس برس) بعد انتهاء الحوار في اللجان الفرعية، والانتقال إلى تشكيل لجنةٍ لصياغة البيان الختامي، صارحتُ المؤتمر بأن "هناك من لا يريد التغيير أبداً"، وأن "هناك من يريد أن يقلب كل شيء رأساً على عقب"، ووصفتُها بوجهات نظر من الجانبين، ثم أعدتُ وصفها بأنها وجهات نظر متعارضة وحادّة، وبعضها يتطلع إلى سقفٍ عالٍ. ودعوتُ إلى الخروج من الاستقطاب برؤيةٍ تفتح الطريق أمام انعقاد مؤتمر وطني شامل مفوض باتخاذ القرارات. وأن هيئة الحوار لن تنتهي هنا، بل ستواصل اتصالاتها واجتماعاتها مع الشخصيات الوطنية والمعارضة وبناء توافقات تسمح بإنجاح المؤتمر الشامل. شُكلت لجنة لصياغة بيان ختامي حول أعمال المؤتمر ممن يرغب في ذلك من أعضاء اللقاء التشاوري، على ألا يتجاوز عدد المشاركين فيها العشرين. كان التنافس شديداً على المشاركة في اللجنة التي استغرقت أعمالها ساعات طويلة. وساهمت هيئة الحوار الوطني في المساعدة البنّاءة على حسم بعض الجدل الحادّ بين أعضاء لجنة الصياغة. بادرتُ لحسم الجدل حول المادّة الثامنة بكتابة صيغة حولها لم يعترض عليها أحد. كلفت هيئة الحوار الدكتور إبراهيم درّاجي بإلقاء البيان الختامي للمؤتمر، حيث حظي كل بندٍ فيه بتغطية إعلامية واسعة وتعليقات سياسية يصعب حصرها هنا. ولا بد من التنويه بالجهود التي بذلتها لجنة الصياغة بصبر وبصيرة ساعات مضنية وطويلة سادها شعور عالٍ بالمسؤولية الوطنية. وفي هذا السياق، لا بد من الإشادة بالمداخلة الشجاعة للمفكر المعارض الطيب تيزيني الذي دعا فيها إلى تفكيك الدولة الأمنية في إطار رؤية وطنية، وبالمداخلات القيّمة الأخرى التي حُرم المواطنون من متابعتها عبر الشاشات لانقطاع نقلها المباشر على الهواء، إلا أنها موثقة باعتبارها جزءاً من تاريخ سورية في الأشهر الأولى من الأحداث التي شغلت العالم في عام 2011. منى واصف وبسام كوسا في الاجتماع التشاوري في دمشق (10/7/2011 فرانس برس) البيان الختامي جاء في البيان الختامي "بعد الترحّم على شهداء الوطن" تحديد القواسم المشتركة للمؤتمرين، وبلغ عددها 18 قاسماً مشتركاً، بدأت بأن "الحوار هو الطريق الوحيد الذي يوصل البلاد إلى إنهاء الأزمة"، وأكدت "ضرورة الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي"، و"الموقوفين في الأحداث الأخيرة ما لم تثبُت إدانتهم أمام السلطات القضائية"، والتوصية بـ "إنشاء مجلس أعلى لحقوق الإنسان"، والتوجّه نحو "إقامة دولة الحق والقانون والعدالة والمواطنة والتعدّدية الوطنية"، و"أن المعارضة الوطنية جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني السوري" و"رفض التدخل الخارجي"، وتأكيد "تحرير الجولان"، و"على الثوابت الوطنية والقومية المتصلة بالصراع العربي الصهيوني، وتحرير الأراضي العربية المحتلة، وضمان الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني". وأقرّ المؤتمرون "تشكيل لجان تعد قانون الأحزاب وقانون الانتخابات، وقانون الإعلام"، و"إنشاء لجنة قانونية سياسية لمراجعة الدستور بمواده كافة"، "بما في ذلك المادة الثامنة". قال لي المعارض ميشيل كيلو الذي كان في دمشق عندما اعتذر عن المشاركة في اللقاء التشاوري: "لو كنتُ أتوقّع صدور مثل هذا البيان الختامي لكنتُ شاركتُ في المؤتمر، أنا لا أطلب أكثر من ذلك لبلدي". تأكدت من انزعاج جميل حسن مني حين كلفت مدير مكتبي بالاتصال به في محاولة لإطلاق سراح بعض أقاربي الشبان الذين اعتقلتهم المخابرات الجوية بدرعا، فكان رده له: "قل لأبي مضر إننا مؤسسة غير فاسدة على عكس ما ادعى سابقاً، لذلك فنحن لا نقبل الواسطة"، وأبقاهم في السجن الحوار مع هيئة التنسيق كان البيان الختامي للقاء التشاوري قد أكّد أن انعقاده هو تمهيد "لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني مشدداً على إبقاء الاتصالات مع الأطراف والشخصيات الاجتماعية والقوى السياسية السورية في داخل الوطن وخارجه كافةً". وبالفعل، أجرت هيئة الحوار الوطني اتصالاتٍ بدأتها مع هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديمقراطي، التي أعلن تشكيلها في 25 يونيو 2011، وجرى الاجتماع الأول بالفعل في 30 يوليو 2011 مع الأستاذ حسن عبد العظيم الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي المعارض، والناطق الرسمي للتجمّع الوطني الديمقراطي، ورئيس هيئة التنسيق الوطنية، وحضر مندوبون عن أحزاب في التجمّع الوطني الديمقراطي، وفي الحركة الوطنية الديمقراطية، وتجمّع اليسار الماركسي، وعدد من الشخصيات والقوى الوطنية والديمقراطية. وأكد الاجتماع ما جاء في البيان، مثيراً السؤال "عن أسباب عدم تبني توصيات اللقاء التشاوري حتى الآن من السلطة السياسية". وجرى التفاهم على بحث المقترحات حول التنسيق بين الهيئتين، الحوار الوطني وهيئة التنسيق، في اجتماعات كل منهما، والعودة إلى الاجتماع. لكن الهجوم على اللقاء التشاوري قد أخذ يشتد، مما أحبط ذلك. مشاركون في الاجتماع التشاوري للحوار الوطني في دمشق (10/7/2011 فرانس برس) الهجوم الرئاسي على اللقاء التشاوري جرت محاولات عديدة للتشويش على المؤتمر ومحاولة إفشاله في أثناء انعقاده وبعده، منها على سبيل المثال: زيارة السفير الأميركي الجديد روبرت فورد غداة افتتاح المؤتمر إلى مدينة حماة، التي تصادف أن خرجت عن بكرة أبيها في مظاهرة سلمية، وليس للترحيب بالسفير الذي لا يعرف معظم أهل حماة شكله؛ لأن تقديم أوراق اعتماده لم يمر عليه سوى أسابيع قليلة. أمر الرئيس بإدخال عدد من الدبابات إلى مدينة حماة تحسّباً من النتائج. قلتُ للرئيس إن ما جرى في حماة من مظاهرات سلمية كان في الإمكان اعتباره بمنزلة قدوة يمكن تطبيقها في مدن سورية أخرى. فقال منزعجاً لقد استقبلوا السفير الأميركي بالزهور! قلت له، هل سكّان حماة الذين خرجوا بمئات الألوف يحملون جميعهم الزهور؟ علق غاضباً: ومن قال إنهم كانوا بمئات الآلاف، إذ لم يتجاوز عددهم ثمانين ألفاً! كانت زيارة السفير إلى حماة حركة انتهازية منه، مع أن زيارته لا تحتاج إلى موافقة رسمية من وزارة الخارجية السورية، تطبيقاً لمبدأ المعاملة بالمثل للسفير السوري عماد مصطفى الذي اعتاد أن يتنقل بحرية داخل الولايات المتحدة. وصارت زيارته القصة الأهم عند أصحاب السلطة، وليس المظاهرة الأكبر في تاريخ هذه المدينة التي أحدثت ضجّة كبيرة لم تشهد المدينة مثيلاً لها. جاء التشويش الثاني عندما وصلت باصات نزل منها عشراتُ الشبّيحة المعروفون بولائهم للسلطة في الصباح الباكر من 11 يوليو 2011 إلى محيط السفارتين الأميركية والفرنسية بدمشق، خلال انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، ربما لإعطاء الانطباع أن للقاء الحوار ارتباطات غربية. استفسرتُ من اللواء هشام الاختيار هاتفياً عن سبب مرابطة هؤلاء الشبّان في محيط السفارتين الأميركية والفرنسية، فنفى علمه بمن أرسلهم، وأعلمني أن أحد الشبان قتل أمام السفارة الفرنسية وهو يحاول اقتحام سورها. لكن ما حدث بعدها محاولة نسف توصيات مؤتمر الحوار بتوقيف نحو 1600 شخص في حي الميدان، ما كان له أثر سلبي داخل سورية وخارجها؛ إذ نقلت الصور التي جرى بثّها من أمام السفارتين، فضلاً عن الاعتداء على بعض المواطنين في الشارع كأن شيئاً لم يتغيّر، بل ستكون هناك عـودة إلى الوراء وخيمة العواقب. دعا الرئيس إلى نقل الحوار إلى المحافظات السورية بترتيبات رسمية، ,كانت التوجيهات لهم حينها بالتمسك بثوابت السلطة؛ ألا تقل مدة الرئاسة عن سبع سنوات وألا يجري تداول للسلطة في أي دستور جديد، وضرورة تجنب الانتقادات الجارحة التي تنال من مقام الرئاسة جاء التشويش الثالث من داخل البيت الرسمي. فقبل ساعة من قراءة نص البيان الختامي، اقتربت الدكتورة بثينة شعبان من مقعدي، وتقدّمت بمقترح جديد بعد أن تم التصويت النهائي على نص البيان الختامي. تضمّن المقترح إدخال فقرةٍ جديدةٍ على نص البيان تتعلق بدور المرأة في المجتمع، قلت لها إن هذه المعاني متضمّنة في البيان الختامي الذي يخاطب الجميع رجالاً ونساء، وفي كل الأحوال كان عليها أن تتقدّم به سابقاً للجنة الصياغة. لكنها أصرّت، فرفضتُ مقترحها الذي سيفتح باب النقاش مرّة أخرى. الأمر الذي يعني إهدار كل ما بذلته لجنة الصياغة من جهد ساعات طويلة مع احتمال تمديد اللقاء التشاوري يوماً رابعاً، وهي تعرف ذلك. اكتشفتُ نيتها الحقيقية المبيتة من وراء اقتراحها، وكنتُ أتصوّر سابقاً أنها في مقدّمة من يريد إنجاح مؤتمر الحوار الوطني. وانسحبت وغادرَت القاعة معلنةً لي استقالتها، فقلتُ لها إن الاستقالة يجب أن تقدّم للرئيس بشّار الأسد الذي عيّنها. المستشارة الإعلامية للرئيس بشار الأسد بثينة شعبان (يسار) وإبراهيم درّاجي في الاجتماع التشاوري لهيئة الحوار الوطني في دمشق (10/7/2011 فرانس برس) حصل التشويش الرابع والأخطر بهدف إلغاء نتائج اللقاء التشاوري، حيث صدرت توجيهات من رئيس الجمهورية بغاية السرّية (لم تصل إلى علمي إلا بعد مدّة) بطلب التنديد على نطاق رسمي بالبيان الختامي بذريعة أنه تجاهل مكاسب الشعب السوري. أخبرني عبد السلام حجاب مدير مكتبي الصحافي أن رئيس اتحاد الفلاحين هلال الهلال انتقد نتائج اللقاء التشاوري، وأن رئيس الاتحاد الوطني لطلبة سورية عمار ساعاتي الذي أمضى قرابة عقدين رئيساً للاتحاد، أصدر تصريحاً كما أجرى مقابلة صحافية أيضاً هاجم فيها اللقاء التشاوري، علماً أنه شارك في المؤتمر وأجرى مداخلات متكرّرة في النقاش العام، ولم يسجل تحفظه على البيان الختامي. قلت لعبد السلام حجاب متهكماً، لا شك أن حرية التعبير بدأت تشقّ طريقها في سورية، لأن نص البيان الختامي للمؤتمر بالذات كان هدفه تحقيق مكاسب إضافية للشعب السوري وليس إلغاء أي مكسبٍ منها. ولكن عندما تأكدت لاحقاً ممن كان وراء الهجوم على البيان الختامي، في إطار حملة منظّمة في غاية السرية لإلغاء نتائج المؤتمر، أصبتُ بخيبة أمل كبيرة؛ لأنني لم أتخيّل حينها أن مستوى المراوغة حول ما يجري في بلدنا قد هبط إلى هذه الدرجة لدى أعلى قيادة في البلاد. حلّلتُ لاحقاً بأن الاثنين تحرّكا بموجب تعليمات خفيّة لإعطاء الانطباع بأن هذا الرفض لنتائج المؤتمر يأتي من القاعدة الشعبية للسلطة، فلاحين وطلبة، وليس بالضرورة من الرأس. وجرى تعميم وصف المؤتمر بـ "المؤتمر التآمري". وقد كوفئ الرجلان لاحقاً بتعيينهما عضويين في القيادة القُطرية التي جاءت بعد عزل القيادة التي كانت قائمة في عام 2013. لم يجرِ حديث بيني وبين الرئيس أو القيادة عن مخرجات الحوار الوطني، فكما يقول المثل السوري "المكتوب يظهر من عنوانه"؛ أي إن ما جرى من محاولات لإجهاضه كافية للدلالة على نيات المستقبل لقد أُفشِل رسمياً وبصورة متعمّدة أول حوار سوري - سوري عندما كان عدد المتظاهرين المعارضين لا يتجاوز بضع مئات، وعندما لم يكن هناك سوى بضعة آلاف ممن اضطرّوا إلى اللجوء إلى تركيا، حيث أعادهم في اليوم التالي عبد الرحمن العطار الذي شارك في المؤتمر بصفته مدير الهلال الأحمر السوري، فأوقفت الأجهزة الأمنية عدداً منهم في طريق العودة للتحقيق معهم بحسب ما قال العطار. تبيّن بعد محاولة إفشال اللقاء التشاوري أن طريق اللقاءات الشخصية التي أجراها الرئيس الأسد بناءً على طلبه مع شخصيات وطنية مختارة، راوح عددها ما بين 30 و 50 من كل محافظة سورية في القصر الجمهوري بترتيب من السلطات الأمنية والحزبية، لم تسفر عن تحوّل مهم في مسار المطالب الشعبية، ليس بسبب وجود عيب في الشخصيات المنتقاة، بل ربما لمست هذه النخب لطف الرئيس معها، فبادلته اللطفَ بأفضل ما لديها، لكنّ كثيراً منها لم يتحوّل إلى داعية له، كما كان يأمل في مواجهة ما اعتبره الرئيس في أحاديثه المتكرّرة معارضة إرهابية، هدفها إحداث فتنة في سورية، فاعتبر ذلك تأييداً لنهجه. كان الرئيس الغارق في حبّ الذات، لا يستطيع سماع سوى كلمات المديح التي لا بد من أن تقال له في هذه المناسبات من مواطنيه، من دون أن يقرأ ما بين السطور في ما قاله القادمون من مختلف المحافظات للاطّلاع على جوانب تخفى عليه وعلى الكثيرين منا حول الأحداث السورية وتداعياتها. بعد ذلك، دعا الرئيس إلى نقل الحوار إلى المحافظات السورية بترتيباتٍ رسمية، شارك فيها المحافظون وأمناء فروع الحزب. كانت التوجيهات لهم حينها بالتمسّك بثوابت السلطة، وهي ألا تقل مدة الرئاسة عن سبع سنوات وألا يجري تداول للسلطة في أي دستور جديد، وضرورة تجنّب الانتقادات الجارحة التي يمكن أن تنال من مقام الرئاسة. لم يجرِ حديث بيني وبين الرئيس أو القيادة عن مخرجات الحوار الوطني، فكما يقول المثل السوري "المكتوب يظهر من عنوانه"؛ أي إن ما جرى من محاولات لإجهاضه كافية للدلالة على نيّات المستقبل.


البشاير
٠٥-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- البشاير
عندما شتم عمرو موسي وزير خارجية سوريا : إنت إبن ٦٠ كلب
وجهة نظر : أصل القصة فى المساعدات الأمريكية لمصر .. السيد هانى .. لا يجب أن نغفل عامل 'التوقيت' .. عندما نتحدث عن بدء تقديم الولايات المتحدة الأمريكية مساعدات مالية وعسكرية إلى مصر .. التى وصلت فى بعض الأوقات إلى أن كانت مصر هى ثانى دولة فى العالم بعد إسرائيل؛ من حيث حجم المساعدات المالية والعسكرية التى تتلقاها من الولايات المتحدة ..! أصل القصة هى أنه عندما قام الرئيس الراحل أنور السادات بزيارة القدس .. ثم بعد ذلك التوقيع على اتفاقية 'كامب ديفيد' عام ١٩٧٨ .. ثم التوقيع على إتفاقية السلام مع إسرائيل عام ١٩٧٩ .. قوبل بحرب شعواء من جبهة الرفض (سوريا والعراق وليبيا) ومن ورائهم جميع الدول العربية .. باستثناء السودان وسلطنة عمان .. الحرب الشعواء على مصر تمت على عدة أصعدة: • الصعيد السياسى : تمثل فى نقل مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس .. ومحاولات مستميتة لتجميد عضوية مصر فى عدد من المنظمات الدولية : كحركة عدم الإنحياز ؛ ومنظمة الوحدة الأفريقية ؛ ومنظمة المؤتمر الإسلامى .. وغيرهم .. • هذه المحاولات المستميتة من الدول العربية لتجميد عضوية مصر .. أو بالأحرى شطب عضوية مصر فى هذه المنظمات .. أدت لاشتعال حروب ضارية فى مؤتمرات هذه المنظمات بين الوفود العربية والوفد المصرى الذى كان يقوده .. الدكتور عصمت عبدالمجيد ؛ او الدكتور بطرس غالى (رحمهما الله) ومعهما دائما السفير عمرو موسى الذى كان فى تلك الفترة مديرا لإدارة الهيئات والمؤتمرات الدولية بوزارة الخارجية .. • هذه المواجهات .. التى جرت على مدى عشر سنوات تقريبا بين الوفود العربية والوفد المصرى فى المؤتمرات الدولية .. تناولها السيد عمرو بالتفصيل فى الجزء الأول من مذكراته ' كتابيه' التى صدرت تحت عنوان 'النشأة وسنوات الدبلوماسية' .. • وعندما أصف هذه المواجهات ب 'الحروب الضارية' .. الدبلوماسية طبعا .. فأنا لا أبالغ فى القول .. لأنها كثيرا ما تخللتها 'تلاسنات عنيفة' غير مألوفة فى الأوساط الدبلوماسية .. • منها ما جرى مثلا فى أحد المؤتمرات على مستوى وزراء الخارجية الذى عقد بالكويت .. والذى شن فيه وزير الخارجية السورى فاروق الشرع هجوما شديدا على مصر بسبب اتفاقية السلام التى وقعتها مع إسرائيل .. حتى وصل إلى القول عن مصر 'أولاد الكلب' .. فعاجله السيد عمرو موسى مقاطعا بالقول له: 'أنت ابن ٦٠ كلب' .. كان يرأس المؤتمر الشيخ صباح الأحمد الصباح نائب رئيس الوزراء ووزير خارجية الكويت فى ذلك الوقت (رحمه الله) .. فخشى ان يتطور الموقف إلى اشتباك بالأيدى بين عمرو موسى وفاروق الشرع .. لذلك نهض الشيخ صباح من مكانه فى رئاسة الجلسة وتوجه مباشرة إلى السيد عمرو موسى وأمسك به يحاول تهدئته .. كان رئيس الوفد المصرى فى هذا المؤتمر الدكتور عصمت عبد المجيد .. لكنه كان خارج قاعة المؤتمر لحظة اشتباك عمرو موسى وفاروق الشرع .. وكان السيد عمرو موسى هو الذى يجلس فى مقعد مصر بهذه الجلسة .. فانطلق يدافع عن مصر ويطلق سهامه على كل من يهاجمها .. • كان السيد عمرو موسى فى ذلك الوقت يشغل منصب 'مدير إدارة الهيئات والمؤتمرات الدولية' بوزارة الخارجية .. بعد انتهاء الجلسة ذهب السيد عمرو موسى إلى الدكتور عصمت عبد المجيد يبلغه بما جرى بينه وبين فاروق الشرع .. فعلق الدكتور عصمت على ذلك بالقول 'يستاهلوا' ..! * * * هكذا على الصعيد السياسى .. وصلت إلى هذه الدرجة الحرب التى شنتها دول الرفض .. على مصر .. لكى لا تقتصر 'العزلة السياسية' التى فرضوها على مصر على المحيط العربى .. بل تمتد إلى الساحة الدولية كلها ..! * * * كذلك كان هناك أيضا الصعيد الإقتصادى .. حيث قامت دول الرفض الثلاثة بالضغط على دول الخليج لمنع تقديم أية مساعدات مالية لمصر من أجل 'خنقها إقتصاديا' .. على أمل أن يجوع الشعب المصرى .. فيثور على الرئيس السادات ويسقطه ..! وصل الأمر إلى درجة أن قامت بعض الدول الخليجية .. بإنهاء عقود العمالة المصرية بها وإعادتهم إلى مصر .. واستبدالهم بالعمالة الآسيوية .. لكى لا يأتى شيئا من أموال الخليج إلى مصر .. فتجوع .. وتذهب اموال الخليج إلى الهند وباكستان وبنجلاديش والفلبين .. القصة طويلة..!! نوعان فقط من العمالة المصرية لم تستطع دول الخليج الإستغناء عنهما .. هما : المدرسون والصحفيون .. بسبب اللغة العربية ؛ التى يحتاجها سكان الخليج .. • ولإحكام الخناق على مصر .. ألغت بعض دول الخليج التعاقدات الرسمية مع الحكومة المصرية بالنسبة للمدرسين .. أو قللتها .. وفتحت الباب للتعاقدات الفردية .. فذهب بعض المدرسين المصريين فرادى إلى دول الخليج يبحثون عن فرص للعمل .. لكنهم تعرضوا لظروف صعبة بسبب التمييز ضدهم .. • من صور التمييز ضد المدرسين المصريين فى دول الخليج على سبيل المثال .. أن الحاصل على شهادة البكالوريوس أو الليسانس منهم .. كان يفضل عليه فى الأجر وفى التعاقد، المواطن السودانى الحاصل على شهادة 'جلس ولم يتمكن' .. وهى شهادة تعطيها السودان للراسب فى امتحان الثانوية العامة ..! • من صور التمييز ضد المدرسين المصريين أيضا .. ماحدث فى إحدى الدول الخليجية .. عندما قررت حكومة هذه الدولة زيادة مرتبات المدرسين من أبنائها .. ولم تشمل الزيادة المدرسين المصريين .. فذهب المدرسون المصريون إلى وزير التعليم فى هذه الدولة الخليجية يشكون .. فقال لهم هذه العبارة : 'عندما يقرر صاحب البيت زيادة المصروف لأولاده .. فهذا لا يعنى أن يزيد أجر الخادم' .. هذه العبارة سمعتها من أحد المدرسين المصريين الذين التقوا وزير التعليم فى هذه الدولة الخليجية .. • هكذا جرت محاولات خنق مصر إقتصاديا .. لتجويع شعبها .. بسبب توقيع إتفاقية السلام مع إسرائيل ..!! • بالنسبة للصحفيين .. أستطيع القول إن معظم الصحف الخليجية أسسها صحفيون مصريون .. وصدرت أعدادها الأولى بأقلام الصحفيين المصريين .. لكن بعد توقيع مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل .. بدأ على نطاق واسع .. استبدال الصحفيين المصريين بصحفيين من سوريا ولبنان .. وبدأت حملات التطاول على مصر سواء بالمقالات أو الرسوم الكاريكاتورية .. التى تجاوزت كل حدود الأدب .. • هنا لابد ان أذكر للأمانة .. أن تطاول بعض الصحفيين والرسامين السوريين واللبنانيين على مصر فى الصحف الخليجية .. بلغ حدا أغضب بعض حكام الخليج أنفسهم .. مثل الشيخ زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة 'رحمه الله' .. • فعندما استشهد الرئيس السادات 'رحمه الله' .. كتب أحد الصحفيين السوريين .. وكان يعمل مديرا لتحرير إحدى الصحف الإماراتية .. 'مانشيت' الصفحة الأولى بالصحيفة يقول : ' اغتيال الخائن' .. فأمر الشيخ زايد بإنهاء عمل هذا الصحفى السورى فورا .. فى نفس اليوم .. وترحيله من دولة الإمارات العربية..!! • قبل أن أنتقل إلى الصعيد الثالث فى الحرب على مصر من أشقائها العرب بسبب توقيع مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل .. لابد أن أؤكد على أن الهدف مما ذكرته، هو شرح الظروف الإقليمية التى أحاطت بمصر فى 'توقيت' بدء تقديم المساعدات الأمريكية لها .. ليس الهدف أبدا من ذلك هو فتح الجراح القديمة .. أو تعكير صفو المياة الجارية حاليا بين مصر وأشقائها الخليجيين .. الذين يحبون مصر .. ومصر تحبهم .. • اما بالنسبة للصحفيين السوريين واللبنانيين الذين هاجموا مصر بالمقالات والرسوم الكاريكاتورية .. فهم لم يفعلوا ذلك كراهية فى مصر .. وإنما كانوا يكتبون ويرسمون كل ما كان يرضى رئيسهم حافظ الأسد .. طمعا فى رضاه عنهم .. او تقريبهم إليه ..! • الرئيس العراقى صدام حسين .. كان لديه( سنوافيكم بجزء آخر تابعنا علي منصة جوجل الاخبارية