أحدث الأخبار مع #فرانكنشتاين


التغيير
منذ 6 أيام
- ترفيه
- التغيير
الفِرانكنشتاينية – وصناعة الهزّة الدائمة بالحرب
الفِرانكنشتاينية – وصناعة الهزّة الدائمة بالحرب الحرب الدائرة في السودان، بكل ما تحمله من مفارقات وغرائب، تكاد تصلح لأن تُقرأ عند التأمل كإحدى قصص الخيال العلمي أو الرعب، بل وربما تكون مادة قابلة للتحويل إلى فيلم سينمائي معاصر. فهي، في طاقة ترميزها ورمزيتها، أقرب ما تكون إلى رواية 'فرانكنشتاين' للكاتبة البريطانية ماري شيلي. فرانكنشتاين- من الطموح إلى الكابوس: في عام 1818، صدرت رواية 'فرانكنشتاين'، أو 'بروميثيوس الحديث'، التي اعتُبرت آنذاك فتحًا جديدًا في أدب الرعب القوطي والخيال العلمي. أحدثت الرواية دويًا أدبيًا واسعًا، وانتشرت بقوة، حيث قدمت للعالم شخصية 'الوحش' الذي خلقه العالم الطموح فيكتور فرانكنشتاين خلال تجربة علمية جريئة حاول فيها إحياء مخلوق تم تكوينه من أجزاء جثث بشرية. لكنه، بعد نجاح التجربة، يُصاب بالرعب والصدمة من نتائج عمله إذ يتحول مخلوقه إلى كائن مخيف ومثير للشفقة في آنٍ واحد. لم يقتصر تأثير 'وحش' فرانكنشتاين' على الأدب فحسب، بل امتد ليصبح أيقونة ثقافية عالمية تُجسد فكرة الكائنات التي تكتسب قدرات استثنائية لكنها تقوم بأفعال مميتة ومدمرة. والمفارقة أن الكثيرين يعتقدون أن 'فرانكنشتاين' هو اسم الوحش، بينما الحقيقة أن الرواية لم تعطِ المخلوق اسمًا محددًا، وأن 'فرانكنشتاين' هو اسم العالِم الذي صنعه. 'الفِرانكنشتانية' كظاهرة سياسية معاصرة: بعد أكثر من قرنين من صدور الرواية، نشهد في عالمنا المعاصر ظواهر واقعية تعكس بدقة فكرة فرانكنشتاين. ففي السياسة، تصنع الأنظمة أحيانًا 'وحوشها' الخاصة لتنفيذ مهام محددة، لكنها تكبر وتتمرد، مما يؤدي إلى دمار شامل. هذه الظاهرة، التي يمكن تسميتها بـ'الفِرانكنشتانية'، فلا تقتصر على الميليشيات المسلحة فقط، بل تشمل كل الكيانات أو الأدوات التي تخرج عن السيطرة بعد أن كانت مجرد أدوات بيد أصحابها ويستخدمونها متى ارادوا. ومن أبرز الأمثلة: الجماعات المسلحة المدعومة سياسيًا أو عسكريًا مثل: طالبان، القاعدة، وداعش. وقوات الدعم السريع. كما التقنيات المنفلتة عن السيطرة مثل الذكاء الاصطناعي غير المنضبط أو الأسلحة البيولوجية. وكذلك الاقتصاديات الخارجة عن السيطرة، مثل الشركات عابرة الحدود التي أصبحت أقوى من الدول نفسها. قوات الدعم السريع: وحش يلتهم صانعيه: يتخذ هذا المقال من قوات الدعم السريع في السودان نموذجًا للوحش الفِرانكنشتاني الذي خرج عن سيطرة صانعيه. أنشأ الرئيس المخلوع عمر حسن البشير هذه القوات في عام 2003 تحت اسم 'حرس الحدود' لمواجهة الحركات الدارفورية المسلحة. أدت هذه القوات مهام قمع وحشية في دارفور تشيب لها الولدان، ثم امتد دورها ليشمل قمع الاحتجاجات الشعبية في العاصمة، خاصة خلال انتفاضة 2013. ومع مرور الوقت، حصلت على اعتراف برلماني رسمي عام 2017 تحت اسم 'قوات الدعم السريع' وأصبح قائدها، محمد حمدان دقلو (حميدتي) أحد أقوى الشخصيات في السودان حتى أن البشير نفسه كان يلقبه بـ 'حمايتي'. بعد ثورة ديسمبر 2018 شهد السودان تغيرات دراماتيكية أدت إلى انقلاب حميدتي على البشير وصعوده إلى قيادة الدولة بعد الثورة. ورغم أن الوثيقة الدستورية لم تنص على منصب نائب رئيس مجلس السيادة إلا أن حميدتي أصبح الرجل الثاني في السلطة. لكن المفارقة الكبرى أن المجلس العسكري او بالأحرى اللجنة الامنية قد حجز فيها الدعم السريع موقعا مفتاحيا، فوجد قائد الجيش نفسه مسهلا للعب الدعم السريع ادوارا اشد تاثيرا في المرحلة الانتقالية بما وفره له من خدمات. لم يتعلم الرجل من خطأ البشير في صناعة الوحش، بل واصل تغذية قوات الدعم السريع كقوة مستقلة، ليستخدمها كأداة لموازنة نفوذه الشخصي في مواجهة محتملة مع المؤسسة العسكرية الملغومة بالإسلاميين، وهكذا، كما حدث مع داعش، حزب الله، وفاغنر، تحولت قوات الدعم السريع بدهاء قائدها الاوفر قوة في تصدير الذهب، وانشاء الشركات الاستثمارية في مجالات التصدير من أداة تكتيكية إلى دولة داخل الدولة، تملك مواردها وتحالفاتها الخارجية. وهنا يجب قراءة الحرب في تقاطع المصالح الإقليمية والدولية للطرفين المتقاتلين معا. فالميليشيات المسلحة كمثال قوات الدعم السريع، داعش، فاغنر، وحزب الله لم تكن مجرد أدوات محلية بل أصبحت تمتلك علاقات دولية وشبكة مصالح خاصة، مما يجعل أجل هذه الحروب ممتدًا، ولأجل غير مسمى. إن ما هو اخطر ان السودان اليوم ليس فقط ساحة معركة داخلية، بل مسرح لتقاطع المصالح الإقليمية والدولية، مما يعقّد الأزمة أكثر ويؤجل نهايتها، ويجعل التكهن بالمستقبل بعد تكوين التحالف الأخير امرا في غاية الصعوبة. أغلب الاحتمالات ان النزاع والتنازع المستند الى دعم اللاعبين الاقليميين سيرجح كفة استدامة الحرب على نحو غير مسبوق. إعادة إنتاج الفِرانكنشتانية في السودان: المزعج في المشهد السوداني ليس فقط وجود الوحش الفرانكنشتاني' ممثلًا في قوات الدعم السريع، بل تواصل إنتاج المزيد من الميليشيات. فمن كتائب الإسلاميين الأمنية، إلى حركات الكفاح المسلح، إلى أحدث تشكيل عسكري باسم 'درع السودان' كما ميليشيات عديدة بالشرق، يتضح أن الذهنية الفِرانكنشتانية أصبحت جزءًا أصيلًا من استراتيجية إدارة الحرب لما تبقى من الدولة السودانية. وهذه ليست مجرد حالة من فقدان السيطرة، بل استراتيجية مستمرة تجعل فرص الاستقرار في المستقبل القريب شبه معدومة ايضا، حتى وان تم الانتصار على الدعم السريع. وهكذا، فكلما استمر النظام في إنتاج الميليشيات كأدوات مرحلية، ازداد احتمال تحولها إلى 'وحوش' جديدة تنفلت من عقالها وتعيد إنتاج الفوضى. مما يعني أن السودان قد يبقى عالقًا في دوامة الفِرانكنشتانية لسنوات قادمة، ما لم يحدث تحول جذري في طريقة إدارة مستقبل البلاد بنحو يقود القوتين إلى طاولة المفاوضات وجعل الحكم المدني خيارا مستحقا رغم كل العوائق والعراقيل من أنصار الحكم القديم وطموحات قائد الجيش في حكم انفرادي مطلق.


Independent عربية
١٤-٠٤-٢٠٢٥
- علوم
- Independent عربية
الذكاء الاصطناعي لن يشكل خطرا على الفنون والآداب
بين المخاوف والوعود التي تثيرها التكنولوجيات الجديدة كاستبدال الآلة والخوارزميات بالعقل البشري، ثمة طريقة جديدة بدأت ملامحها تلوح في الأفق تقوم على التعاون الوثيق بين الإنسان والآلة الذكية التي يبدو أن فكرتها متجذرة في التاريخ وأدب الخيال العلمي منذ قرون. لاحت تباشير الذكاء الاصطناعي في الأساطير القديمة من خلال شخصية "غوليم"، ذاك الكائن البشري الشكل الذي يفتقر إلى الإرادة الحرة، ولا يعمل إلا بأمر مبدعه، وفي رواية ماري شيلي من خلال شخصية "فرانكنشتاين" أو بروميثيوس الحديث التي وضعتها شيلي عام 1816، راسمة فيها ملامح كائن اصطناعي، شاعر وفيلسوف يتمتع بذكاء وحساسية استثنائيتين. تغيير لوحة فان غوخ "الليل المنجم" (صفحة ديجيتل أرت - فيسبوك) لكن في الآونة الأخيرة، ومع ظهور الذكاء الاصطناعي كمجال علمي، بات من الممكن أن تتحول هذه الخيالات العلمية إلى حقيقة ملموسة، فاليوم تعتمد تطبيقات الذكاء الاصطناعي بصورة رئيسة على فرع التعلم الآلي الذي يستند إلى الإحصاءات لبرمجة الخوارزميات باستخدام البيانات، مما ينتج معلومات بصيغة رقمية. والخوارزميات عبارة عن تراكيب رياضية تتألف من سلسلة من العمليات والتعليمات يجب اتباعها لحل مشكلة معينة، تُبرمج حاسوبياً لتشغيل الذكاء الاصطناعي. من بين أبرز استخدامات هذا الذكاء على سبيل المثال لا الحصر تحسين التعرف إلى الصور وتصنيفها، وكذلك التعرف إلى الصوت، كما في تطبيقات الأوامر الصوتية التي نعطيها لحواسيبنا وهواتفنا الذكية. مقاربتان مختلفتان ثمة مقاربتان متعارضتان للذكاء الاصطناعي تعاقبتا عبر الفترات الزمنية الأخيرة. المقاربة الأولى تعرف بالرمزية، وهي تعتمد على نهج واضح قابل للتفسير. فبغية التعرف إلى سبيل المثال على صورة هرة، تفترض هذه المقاربة إدخال جميع المعايير والقواعد المرتبطة بتحديد الهرة مثل: للهرة أربع أرجل وفراء وخطم، فإذا كان الكائن في الصورة يحوي أكثر من أربع أرجل، فهو ليس هرة... أما المقاربة الثانية فتعرف بالترابطية، وهي لا تعتمد على التفسير المباشر، بل على التعلم الآلي، كأن يتم تدريب نظام الذكاء الاصطناعي على قاعدة بيانات تحوي صوراً للهررة، بحيث يتعلم التمييز بين الصور التي تمثل هرة وتلك التي لا تمثلها. الكتابة رغماً عن الإنسان (صفحة أي. إي - فيسوبك) ظهرت أولى الشبكات العصبية، التي تتكون من طبقة واحدة فحسب، في ستينيات القرن الماضي، لكنها أهملت لمصلحة الحوسبة الدقيقة التي أثبتت كفاءتها العالية. ولم يستأنف البحث في مجال الذكاء الاصطناعي، لا سيما في التعلم الآلي، إلا في الثمانينيات، حين وضع بعض العلماء الأسس الأولى للتعلم الآلي العميق، الذي ظل آنذاك صعب التنفيذ بسبب القيود التقنية. قوة الحوسبة اليوم، يفسر رجل الأعمال والمؤلف الفرنسي المتخصص في مجال التكنولوجيا سيرج سودوبلاتوف (مواليد 1954) نجاح التعلم الآلي العميق من خلال ثلاثة عوامل رئيسة: تحسن قوة الحوسبة، والزيادة الكبيرة في البيانات الضرورية لتشغيل الشبكات العصبية المتعددة الطبقات، والتقدم في أبحاث الشبكات العصبية التلافيفية، مما يجعل الذكاء الاصطناعي قادراً على توليد صور وأصوات واقعية للغاية من خلال مواجهة شبكتين عصبيتين ضد بعضهما بعضاً. ولكن يبقى السؤال: هل يقدر الذكاء الاصطناعي المساهمة في المجال الثقافي والإبداع الأدبي؟ الرسم بلا روح (صفحة أي. إي - فيسبوك) يمكن الذكاء الاصطناعي إذاً الاستفادة من كم هائل من البيانات في قطاع صناعة الكتاب، لاستخدامها في تحديد الموضوعات الجديدة التي تهم القراء، وفي تحسين استراتيجيات التسويق والترويج، وأخيراً، في المساعدة على تحديد السوق المستهدفة لأي كتاب جديد، وفي عملية النشر وفقاً لمعايير محددة مسبقاً وفي صدور الكتاب الرقمي. الباب المفتوح كتابة آلية (ديجيتل أرت - فيسبوك) غير أن بعض المهتمين بهذه التكنولوجيات أصبحوا اليوم أكثر قناعة أن الذكاء الاصطناعي بات باباً مفتوحاً على طريق الإبداع الأدبي، فعلى سبيل المثال لا الحصر، طورت بعض شركات المعلوماتية أنظمة تكنولوجية قادرة على وضع نصوص صحافية وأدبية بصورة تلقائية، وأنظمة أخرى قادرة على توليد قصائد آلية بناءً على كلمة واحدة يمكن لخوارزمية أخرى استخدامها لإنشاء صور مستوحاة من هذه القصائد. ولا أنسى أن كثيراً من المؤلفين في أوروبا وأميركا باتوا اليوم يستخدمون مساعدي الكتابة الذكية، كالكاتب الهندي فيكرام شاندرا (مواليد 1961) الذي استعان بأحد برامج الذكاء الاصطناعي لرسم خريطة العناصر السردية لإحدى رواياته، والكندي ديفيد جاف جونستون المعروف بالشاعر الحاسوبي وكاتب الأدب الإلكتروني وفنان اللغة الرقمية الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي في وضع المسودات الأولى لأعماله، والروائي الأميركي روبين سلون الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في إنشاء الحوارات بين شخصيات رواياته وسردياته. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) غير أن استخدام الذكاء الاصطناعي في الثقافة يثير كثيراً من المخاوف والجدالات ويطرح علامات استفهام حول عملية الكتابة نفسها، فهل باستطاعة الذكاء الاصطناعي حقاً منافسة الشعراء والأدباء والفنانين؟ ليس سهلاً الإجابة عن هذا السؤال، لكن تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن أكاديمية الفنون الجميلة وعدداً من الكتاب والفنانين رفضوا تصنيف التصوير الفوتوغرافي يوم ظهر للمرة الأولى في فرنسا في خانة الفنون الجميلة، لذا لم يظهر الاهتمام بالصورة الفوتوغرافية والاعتراف بها كفن من الفنون إلا في وقت متأخر نسبياً. فخلال النصف الأول من القرن الـ20، وبفضل السوريالية جزئياً، دخل التصوير الفوتوغرافي شيئاً فشيئاً في المجال الفني، قبل أن يشهد خلال السبعينيات من القرن نفسه تسارعاً ملحوظاً أضفى عليه شرعية فنية مدعومة بتبريرات نظرية وجمالية، كذلك أسهم ظهور التكنولوجيا الرقمية في تسريع دمج الصورة الفوتوغرافية في الفن المعاصر، كذلك الأمر، عندما ظهرت الموسيقى الإلكترونية رفض كثير من الموسيقيين التقليديين فكرة دمج العينات الصوتية بالأدوات الموسيقية الكلاسيكية. كل هذا يعني أن ثمة من يخشى أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى استبدال روبوتات "فنانة" بالإبداع البشري أو أن يصبح الإنسان نفسه آلة، لكن، أليس الإبداع البشري نتاجاً لتأثيرات سابقة وتراكمات معرفية؟ وهل يجب أن نحكم على العمل الفني من خلال تقنيته أم من خلال رسالته وتأثيره العاطفي؟ في نهاية المطاف تظل النية والإحساس البشري عنصرين حاسمين في العملية الإبداعية، وهو ما يفتقر إليه الذكاء الاصطناعي مهما اقترب من محاكاة الإنسان.


الجريدة 24
٠٨-٠٤-٢٠٢٥
- علوم
- الجريدة 24
العاقل...تاريخ مختصر للنوع البشري(33)
أمينة المستاري الآلة الحيوية هندسة الحيوالة تكنولوجيا جديدة قد تغير قوانين الحياة، يقول يوفال هراري، والحيوالة كائنات تتكون من أجزاء عضوية وأخرى غير عضوية، مثل إنشان بيدين إلكترونيتين ميكانيكيتين. ويشبه الكاتب الإنسان الحالي كآلة حيوية ، لأنه يدعم حواسه الطبيعية بأجهزة كالنظارات وأجهزة ضبط نبضات القلب...خصائص تحور قدراته ورغباته وشخصيته وهويته..لتجعله أقرب من آلة حيوية فعلا. في هذا الصدد، يشير هراري إلى مشاريع بحوث تقوم بها وكالة البحوث الدفاعية القومية الأمريكية، وهي ذات أهداف عسكرية، يهدف إلى زرع شرائح إلكترونية وأجهزة كشف معالجات في جسم صراصير أو ذباب..تمكن الإنسان أي المشغل من التحكم في حركاتها عن بعد وتجعلها تجمع المعلومات وتنقلها. ويمكن تسخيرها في أعمليات التجسس، ونفس الأمر بالنسبة لأسماك القرش... بالنسبة للإنسان العاقل، يذكر الكاتب الجيل الأحدث من مساعدات السمع "آذان آلية حيوية"، وشبكية عين اصطناعية تسمح للمكفوفين بالرؤية الجزئية، الذراعين الآليين الحيويتين التي تداران بالأفكار فقط، هذه الأذرع بديلا سيئا لأذرعنا العضوية الأصلية لكنها تمتلك إمكانيات غير محدودة للتطور....مشاريع عدة تحدث عنها هراري لكن أهمها محاولة ابتكار منصة حاسوبية دماغية ثنائية الاتجاه مباشرة تسمح للحاسوب بقراءة الإشارات الكهربائية لدماغ بشري، وترجع إشارات كهربائية يمكن للدماغ قراءتها في المقابل. ويتساءل الكاتب عما سيحدث للسيرة الذاتية لكل شخص؟ لمفاهيم مثل النفس والهوية الجنسية حين تصبح العقول جماعية؟ لن يصبح الحيوال بشريا ولا حتى عضويا، سيكون شيئا مختلفا. أما الطريقة الثالثة لتغيير قوانين الحياة فهي كائنات غير عضوية كفيروسات الحاسوب وبرامجه التي قد تخضع لتطور مستقل. ولعل أهم برنامج مثير للاهتمام في علوم الحاسوب البرامج الجينية والذي يحاكي طرق التطور الجيبي ... مشروع دماغ الإنسان الذي يهدف إلى إعادة إنشاء دماغ إنسان كامل داخل حاسوب بدوائر إلكترونية في الحاسوب تحاكي الشبكات العصبية في الدماغ... أسئلة عديدة حول مآل مشاريع وينتظر أن يحصل على جواب في وقت ما . يستطرد هراري قائلا أن هندسة العالم داخل أجسامنا وعقولنا آخذة في التطور بسرعة فائقة، والعديد من المجالات تتعرض لهزات تخرجها من ثباتها، ويجب على جهات عديدة التعامل مع ألغاز الهندسة الحيوية والحيوالات والحياة غير العضوية. يضيف الكاتب أنه من المحتمل أن يكون سادة العالم المستقبليون أكثر اختلافا عنا من الختلافنا عن إنسان النياندرتال، ففي حين نشترك مع هذا الأخير في كوننا بشرا فإن ورثتنا سيكونون أشباه آلهة" خارقون". نبوءة فرانكنشتاين أصبحت قصة فرانكنشتاين من تأليف ماري شيلي سنة 1818م، التي تحكي قصة عالم يخلق كائنا اصطناعيا يخرج عن السيطرة ويتسبب في فوضى، أصبحت دعامة مركزية في أساطيرنا العلمية الجديدة. فالقضة تبدو كما لو تحذرنا من محاولة أدائنا دور الرب وهندسة الحياة، فسنعاقب بشدة لكن القصة لها معنى أعمق. تواجه أسطورة فرانكنشتاين الإنسان العاقل بحقيقة مفادها أن الأيام الأخيرة تقترب بسرعة، ما لم تتدهل الكوارث النووية أو البيئية، فوثيرة التقنية ستؤدي إلى استبدال الإنسان العاقل بكائنات مختلفة تماما من حيث العواطف والمعرفة والبنى...بشكل يخالفنا وسيشغل مكاننا بأشكال حياة غريبة تتقزم قدراتنا أمامها. سيكون من الصعب تقبل أن العلماء يمكنهم هندسة الأرواح مثل هندسة الأجسام، لكن يعود الكاتب للقول أن المستقبل غير معروف، على الرغم من كل ما سبق ذكره، وقد لا يتحقق ما نخافه لوجود عقبات غير متوقعة، ويؤكد هراري أن ما يجب أخذه على محمل الجد أن المرحلة القامة من التاريخ لن تشمل فقط التحولات التقنية والتنظيمية، بل أيضا تحولات أساسية في الوعي والهوية البشريتين، ولا يمكن معرفة كم نملك من الوقت، ويضيف أن البعض يتوقع أن يكون بعض البشر مع حلول 2050 "صعبي الفناء". يطرح هراري سؤال : ماذا نريد أن نصبح؟ ويقول أن هذا السؤال يجعل جميع المناقشات التي تشغل بال العلماءء والسياسيين والفلاسفة...عديمة الأهمية، وستختفي جميع النقاشات بين الأديان والأيديولوجيات باختفاء الإنسان العاقل. كما أن المناقشات العظيمة للتاريخ مهم لأن الجيل الأول من أشباه الآلهة سيتشكلون على الأقل بالأفكار الثقافية لمصمميهم البشريين. يفضل معظم الناس عدم التفكير في الأمر، فمجال أخلاقيات البيولوجيا يفضل التطرق لسؤال :" ما هي الأمور المحظورة؟" هل من المقبول أن تجرى تجارب على جينات الطائنات الحية؟ على أجنة أجهضت؟ على الخلايا الجذعية؟ هل أخلاقيا استنساخ الأغنام والشنابز والبشر؟؟؟ يعتبر هراري أنه من السذاجة الضغط على الفرامل لإيقاف مضل هذه المشاريع العلمية التي تقوم بتحديث الإنسان العاقل إلى نوع مختلف من الوجود، وذلك لارتباطها بمشروع جلجامش. وإذا تم طرح أسئلة على العلماء كسبب دراسة الجينوم أو إيصال الدماغ بالحاسوب ستحصل على نفس الأسئلة: علاج الأمراض، إنقاذ حياة البشر وهي أجوبة لا يجادل أحد فيها، رغم أن مشروع جلجامش هو الذي يقود العلم ومن الصعب إيقاف جلجامش وبالتالي إيقاف فرانكنشتاين، والطريقة الوحيدة التي يمكن فعلها هو التأثير على الاتجاه الذي سيسلكانه. الحيوان الذي أصبح إلها يخلص هراري في خاتمة كتابه "العاقل" إلى القول أنه قبل 70 ألف سنة، كان الإنسان العاقل حيوانا لا أهمية له، ثم حول نفسه إلى سيد للكوكب ورعب للنظام البيئي، وها هو يقف على عتبة أن يصبح إلها، ليس فقط الوصول للخلود بل الاستحواذ على القدرات الإلهية للخلق والتدمير. يؤكد هراري أن الإنسان لم ينتج الكثير ليفخر به، لكن هل قلل من المعاناة في العالم؟ يجيب "لم يحسن الإنسان الزيادة الهائلة في سلطة البشر رفاه الأفراد، وعادة سببت معاناة هائلة للحيوانات الأخرى. وفي الوقت الذي حققنا تقدما فيما يتعلق بشروط حياة الإنسان، تدهورت حالة الحيوانات. لكن يبقى البشر غير متأكد من أهدافه وغير راض عن نفسه، ورغم التقدم ودرجة القوة التي وصلنا إيها إلى أن لا أحد يعرف إلى أين نحن ذاهبون؟ يعتبر الإنسان نفسه آلهة لا يوجد من يسائله، فهو يعيث فسادا برفاقه من الحيوانات وبالنظام البيئي المحيط، فهل هناك أكثر خطورة من آلهة غير راضية وغير مسؤولة ولا تعرف ماذا تريد؟ سؤال يبقى معلقا. شارك المقال


البلاد البحرينية
٢٥-٠٣-٢٠٢٥
- صحة
- البلاد البحرينية
إنجاز غير مسبوق على مستوى المنطقة
تعد تقنية تعديل القواعد الوراثية من الابتكارات العلمية التي تبشر بثورة في الأبحاث البيولوجية والطبية، إذ تفتح آفاقًا جديدة لعلاج الأمراض المستعصية. لكن في ظل هذا التطور، تثار تساؤلات حول الأبعاد الدينية، الأخلاقية، والاجتماعية لهذا الإنجاز العلمي المذهل. أهنئ الكادر الطبي البحريني على نجاحه في استكمال علاج أول مريض بفقر الدم المنجلي في الشرق الأوسط، باستخدام تقنية زراعة النخاع بالتعديل الجيني "CRISPR". يُعتبر هذا إنجازًا غير مسبوق على مستوى المنطقة، حيث تم الاعتماد على علاج "كاسغيفي" بعد تقييم دقيق لمعايير السلامة والجودة. استغرقت العملية ستة أشهر، بالتنسيق مع شركة Vertex Pharmaceuticals، وبتكلفة بلغت 800 ألف دينار. أشاد سمو ولي العهد رئيس الوزراء، خلال زيارته للمريض أمجد المحاري، بهذا الإنجاز، مؤكدًا حرص المملكة على تطوير القطاع الصحي وتقديم أفضل مستويات الرعاية الطبية، مما يعكس رؤيتها الطموحة في أن تصبح مركزًا عالميًا للطب المتقدم. العلم والخيال لطالما استلهم الأدب خيال العلماء، كما هو الحال مع رواية "فرانكنشتاين" للكاتبة الإنجليزية ماري شيلي، والتي نشرت عام 1818، إذ طرحت فيها تساؤلات عن حدود التدخل البشري في الطبيعة. اليوم، بفضل تقنية CRISPR، أصبح بإمكاننا تعديل أو تغيير جينات الكائنات الحية، بل حتى إعادة تشكيل كائنات منقرضة، مثل الماموث الصوفي، من خلال استخراج حمضها النووي من خصلات الشعر المجمدة. يعتبر العلماء مثل جورج تشرتش، تشانج، ولوتشيانو مارافيني، من رواد تعديل الجينات البشرية، حيث تمكنوا من تطوير تقنيات لإعادة برمجة الصفات الوراثية، ما يفتح الباب أمام إمكانيات لا حصر لها. التحديات الأخلاقية والدينية يثير التعديل الجيني تساؤلات فلسفية وأخلاقية، خاصة عندما يتعلق الأمر بتعديل الخط الإنتاشي (Germline)، إذ قد تنتقل التعديلات إلى الأجيال القادمة. وقد أبدى علماء الدين الإسلامي وجهات نظر متباينة حول هذا الموضوع: يرى بعض العلماء أن التعديل الجيني قد يكون مقبولًا إذا كان يهدف إلى علاج الأمراض وتحسين الصحة، شريطة التأكد من عدم وجود أضرار جانبية. بينما يحذر آخرون من أنه قد يتعارض مع الفطرة البشرية، استنادًا إلى الآية الكريمة: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} (النساء: 119)، والتي تُفسر على أنها تحذير من التعدي على النظام الطبيعي الذي وضعه الله. هناك أيضًا تخوف من استخدام التعديل الجيني لأغراض تجميلية أو لتعزيز صفات بشرية معينة، مما قد يخلق تفاوتًا بين الأفراد ويؤدي إلى تفاقم الفجوات الاجتماعية. التأثيرات العلمية والطبية أدى اكتشاف الحمض النووي DNA في خمسينيات القرن الماضي، على يد جيمس واتسون وفرانسيس كريك، إلى إحداث نقلة نوعية في علم الوراثة، مما مهد الطريق لاكتشاف تقنية CRISPR-Cas9 التي تتيح تعديل الجينات بدقة متناهية. استخدامات تقنية CRISPR: تشمل علاج أمراض وراثية مثل فقر الدم المنجلي، بيتا الثلاسيميا، وبعض أنواع السرطان. التحديات العلمية: يواجه العلماء تحديات مثل احتمال حدوث تعديلات غير مقصودة في الحمض النووي، والاستجابات المناعية التي قد يسببها النظام الجيني المعدل. آفاق المستقبل: تشير الأبحاث إلى إمكانية استخدام التعديل الجيني في تحسين مقاومة الأمراض، تأخير الشيخوخة، وربما تعزيز القدرات الذهنية والجسدية. التطبيقات الطبية لتقنية CRISPR خضعت أول مريضة لعلاج فقر الدم المنجلي بتقنية CRISPR في الولايات المتحدة عام 2019، حيث تم تعديل جين "BCL11A" لتعزيز إنتاج الهيموجلوبين الجنيني. اليوم، تقدم تسعة مراكز طبية في الولايات المتحدة هذا العلاج، كما أن المملكة المتحدة أصبحت أول دولة خارج أمريكا تعتمد تقنية "كاسغيفي" رسميًا. على الرغم من الجدل القائم حول هذه التقنية، فإن الدين والعلم ليسا بالضرورة على طرفي نقيض. إذ يمكن للدين أن يوجه استخدام العلم نحو أهداف إنسانية نبيلة، مثل علاج الأمراض المستعصية، في إطار الضوابط الأخلاقية والتشريعية التي تحافظ على كرامة الإنسان. الخلاصة تقنية CRISPR تفتح آفاقًا غير مسبوقة في مجال الطب والهندسة الوراثية، لكنها تثير أيضًا تساؤلات أخلاقية واجتماعية ودينية عميقة. وبينما تستمر الأبحاث في هذا المجال، يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق التوازن بين الاستفادة من هذه التكنولوجيا المتقدمة، واحترام القيم الإنسانية والأخلاقية التي تحكم المجتمع. إذا استُخدمت هذه التقنية بحكمة، فقد تمثل ثورة علمية غير مسبوقة تساهم في تحسين صحة الإنسان وتعزيز جودة الحياة، ولكن إذا أُسيء استخدامها، فقد تؤدي إلى تداعيات لا يمكن التنبؤ بها على مستقبل البشرية.


Independent عربية
١٦-٠٢-٢٠٢٥
- ترفيه
- Independent عربية
سهرة رعب إنجليزية تتجسد في فيلم سعودي
لعل واحداً من الأفلام السينمائية "العربية" التي أحاطها الظلم أكثر مما فعل بالنسبة إلى أية أفلام أخرى، هو الفيلم "الإنجليزي" الذي حققته السينمائية السعودية هيفاء المنصور قبل نحو عقد من الأعوام، مقتبس بصورة مباشرة من مرحلة أساسية من حياة الكاتبة الإنجليزية ماري شيلي (1797 – 1851) المعروفة بروايتها "فرانكنشتاين" التي أصدرتها عام 1817 وكانت حين بدأت كتابتها في الـ17 من العمر. وعلى رغم أن الفيلم الذي حققته هيفاء المنصور أنتج وعرض عام 2017 تقريباً وكنوع من الاستذكار للمئوية الثانية لمولد تلك الرواية، لم يحقق النجاح الكبير الذي كان مأمولاً له والذي يمكن للمرء حتى اليوم إذ يشاهد الفيلم يعرض ويعاد عرضه على شاشات التلفزيون، أن يدهش لأنه لم يتحقق. ففي النهاية يمكن اعتبار الفيلم واحداً من أفضل أفلام السير الأدبية التي حققت خلال الأعوام الأخيرة، وربما أيضاً واحداً من أقوى وأجمل الأفلام التي حققها مبدعون عرب على الساحة الدولية. ولنقل في هذا السياق، إن التلفزة في استعادتها عروض هذا الفيلم قدمت له شيئاً من تعويض يستحقه. بل ربما ليس له وحده، بل لشخصيته المحورية، الكاتبة ماري شيلي نفسها التي يلفتنا الفيلم ولو مواربة، إلى أنها لم تكتب روايتها أصلاً إلا كنوع من التحدي محوره قدرة المرأة على أن تكون كالرجل مبدعة كل الإبداع وتحت كل ظرف من الظروف. نسوية من دون التباس من هنا حتى نَعُد فيلم "ماري شيلي" من إخراج هيفاء المنصور فيلماً نسوياً، خطوة لا بد من قطعها، ولو أيضاً على ضوء سينما هذه الفنانة السعودية المميزة التي جعلت دائماً من مكانة المرأة وحضورها في مجتمعها كما غيره، هماً أساسياً، من همومها وحتى من قبل فيلمها المميز "وجدة" الذي كان أول فيلم سعودي طويل يصور في البلاد على أية حال. والسؤال البديهي الذي يطرح نفسه هنا يتعلق باختيار "ماري شيلي" موضوعاً لفيلم طويل ثان أتى بعد "وجدة"، تخوض المخرجة عبره سينماها المميزة والرائدة. والحقيقة أن الوصول إلى جواب عن هذا السؤال يحتاج إلى مشاهدة الفيلم والتمعن في أبعاده النسوية التي لا شك أنها كانت هي ما حرك فيلم المنصور وجهودها. وفي انتظار ذلك، لا بد من وقفة هنا عند الحكاية التي يرويها الفيلم، وهي بالطبع حكاية تلك الفتاة التي تحدرت من أبوين كاتبين وفنانين وكانت لا تزال في سن المراهقة حين تزوجت بأشهر شاعر في زمانه برسي شيلي، المعروف بعلاقته بزميله الكاتب والشاعر والمغامر لورد بايرون، حيث شكل الثلاثة رفقة طيبة تسودها لقاءات ونقاشات وأمسيات يدور معظمها حول قضايا المجتمع وقضايا الأدب. والحقيقة أن كل شيء كان سيبدو وكأنه جزء من أفضل العوالم الممكنة، لولا ذلك الشعور الذي راح يطغى لدى ماري بأنها غالباً ما تُنحى جانباً خلال النقاشات، لكونها... امرأة. ومن هنا تبدأ حكايتها الحقيقية وبالتأكيد حكاية تلك الرواية التي انكبت على كتابتها والثلاثة في جنيف، بعد أمسية ساد بينهم خلالها نقاش فلسفي - أدبي ستجد نفسها خلاله أمام تحد من نوع جديد عليها وقد أدركت فجأة أنه بات عليها انطلاقاً من تلك اللحظة الحاسمة في حياتها، إما أن تستجيب للتحدي أو أن تسكت... إلى الأبد. لكنها لم تكن من النوع الذي يسكت. وهذا في الأقل، ما كانت هيفاء المنصور مصرة على قوله منذ بداية فيلمها الشيق. ليلة خريفية في جنيف كانت السهرة الأدبية الصاخبة تلك، في جنيف السويسرية التي كان الثلاثة يزورونها وفي رفقة صديق لهم هو الدكتور بوليدوري الذي لا شك أنه مثل الجانب العلمي من مسار النقاش فيما مثلت ماري جانباً فلسفياً ورثته من والدها المفكر المعروف الدكتور ويليام غودوين، فيما دافع الشاعران الصديقان عن وجهة نظر أدبية إبداعية. وكان في خلفية النقاش اطلاعهم جميعاً على أمهات أدب الرعب والأشباح الألماني في ترجماتها الفرنسية التي كانت حاضرة بقوة آنذاك. ولقد كانت نتيجة النقاش أن قام بين الأربعة تحد فحواه أن يحاول كل منهم أن يكتب قصة تتعلق بالأشباح. وسرعان ما تبين أن ماري هي الوحيدة التي استجابت حقاً للتحدي. وكانت استجابتها عبر كتابتها قصة طويلة ستضع لها عنواناً طموحاً هو "فرانكنشتاين، أو بروموثيوس المعاصر". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) والحقيقة أن ماري حين اشتهرت روايتها وارتبط بها اسمها وحياتها إلى الأبد، لم تتوان عن أن تشير دائماً إلى أن الفضل الكبير في كتابتها ذلك النص إنما يعود من ناحية إلى رغبتها في محاكاة أدب الرعب والحكايات الغرائبية الذي كان منتشراً منذ عقود حينذاك، ومن ناحية ثانية إلى متابعتها بدقة وانتباه لتلك المناقشات العميقة التي كانت تصغي إليها تجري بين صديقيها الأقرب، اللورد بايرون من جهة وزوجها الحبيب الشاعر شيلي من جهة أخرى. غير أن الباقي جاء من عندها كاشفاً عن موهبة كانت تحاول دائماً السكوت عنها، أي من بنات أفكارها المستندة إلى قدرة أدبية كانت تطويها في داخلها مضحية بها على مذبح الزواج والحياة العائلية وكانت ستنفجر لو لم تعبر عنها بفضل تلك السهرة كما بفضل تلك المناقشات. طبيب ووحش وإنسان تدور الحكاية إذاً من حول فرانكنشتاين الذي أعار اسمه للرواية إلى درجة أن كثراً من الذين لم يقرأوها يعتقدون أنه هو الوحش المعني. لكنه ليس الوحش، وفي ظاهر الأمور في الأقل كما سنرى بعد سطور على أية حال، بل هو طبيب وعالم خلق الوحش من صلب أفكاره وبالاستناد إلى معرفته جاعلاً من خليقته وحشاً مرعباً، لكنه في حقيقة أمره، إنسان مفعم بالإنسانية في عمق أعماقه، بل إنسان يمكن أن يحمل اسم آدم أو قايين أو اسم الشيطان نفسه. ففي نهاية الأمر واضح أن الكاتبة إنما أرادت أن تجمع كل تلك الشخصيات في شخصية واحدة تختصر بحثاً واحداً وتساؤلاً مؤلماً واحداً يتحلق من حول الشرط الإنساني... من حول الإنسان نفسه حين يخوض تمرداً لا يعد بشيء وليس له أي غد واضح. فتكون النتيجة أن يقتصر أذاه على خالقه وحسب. ولعل اللافت هنا هو أن الكاتبة التي جعلت اسم الطبيب العالم، فرانكنشتاين، يدور على كل شفة ولسان، فضلت ألا تعطي للوحش الذي خلقه أي اسم. ومن هنا انتهى الأمر بالقراء إلى إعطاء المخلوق اسم خالقه. صحيح أن ماري شيلي لم تكن تقصد ذلك، لكنها بالتأكيد لم تكن مستاءة منه وفي بعد فلسفي لا شك فيه. وبخاصة أن الوحش، ومن منظور الكاتبة نفسها، حين ارتكب جرائمه التي كان معظمها بدافع الانتقام، أو الانتقام المفترض، للدكتور ممن أساءوا إليه، كان كملاك انتقام ينفذ ما يخيل إليه أن الدكتور يريد منه أن يفعله! وهنا أفلا يمكننا أن نختتم هذا الجانب بالتساؤل عما إذا لم تكن محاولة الوحش في النهاية، أن يقتل الدكتور، نوعاً من محاولة "انتحار" على النمط الذي يقوم به مرتكب مجموعة من الجرائم حين ينجز مخططه ولا يعود أمامه إلا وضع حد لذلك كله؟ من المؤكد أنهم ليسوا كثراً أولئك الذين يوافقون على هذه الفرضية، ولكن من المؤكد في المقابل أنها تكمن في خلفية فكرة ماري شيلي حول روايتها لكنه لم تجاهر بها... وربما لأن الزمن كان أبكر من أن يسمح بذلك.