أحدث الأخبار مع #فريدريشميرز،


العربي الجديد
٠٣-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- العربي الجديد
تصنيف "البديل من أجل ألمانيا" منظمةً متطرفةً.. الأسباب ومعضلة أحزاب
صنّفت الهيئة الاتحادية لحماية الدستور في ألمانيا (جهاز الاستخبارات الداخلية)، أمس الجمعة، "حزب البديل من أجل ألمانيا" بصفته "منظمةً يمينيةً متطرّفة مؤكّدة" وذلك قُبيل احتفالات ألمانيا بالذكرى الثمانين لنهاية النازية والحرب العالمية الثانية، وهو تصنيف يكشف مع ذلك معضلة الأحزاب السياسية التقليدية في التعاطي مع ارتفاع شعبية الحزب اليميني المتطرف. فمن ناحية ثمّة دعوات لحظره، ما قد يظهره "ضحيةً" في أعيُن ناخبيه ومؤيديه، ومن ناحية أخرى، فإذا ما نجا من الحظر، فمن شأن ذلك أن يزيد من شعبيته، ما قد يقوده إلى الفوز في استحقاقات انتخابية قادمة، وربما التقدم بثبات نحو تولّي الحكم. تجربة انتخابات فبراير/شباط الماضي البرلمانية ماثلة أمام الطبقة السياسية التقليدية في ألمانيا، في مضاعفة البديل من أجل ألمانيا حصّته إلى 20.8% من الأصوات في البرلمان ( البوندستاغ )، واحتلاله المرتبة الثانية بعد الاتحاد الديمقراطي المسيحي (حزب المستشار المقبل فريدريش ميرز)، متفوقاً على حزب المستشار المنتهية ولايته من يسار الوسط (الاجتماعي الديمقراطي) أولاف شولتز. دواعي تصنيف البديل من أجل ألمانيا جاء تصنيف الاستخبارات الداخلية الألمانية لحزب البديل أمس الجمعة معلّلاً بتقرير شامل أعدّه الجهاز من نحو ألف صفحة، وتضمن تحقيقاً في تصريحات أعضاء الحزب وشعاراته وبرامجه، وخلُص الجهاز الأمني إلى "وجود أدلّة دامغة على أنّ حزب البديل يُهدّد النظام الديمقراطي في ألمانيا"، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية "دي بي إيه"، وشدد الجهاز أن "الفهم السائد في الحزب للأشخاص على أساس العرق والأصل يتعارض مع النظام الأساسي الديمقراطي الحر"، وأن تصريحات قياداته "تنتهك المبدأ الدستوري لحرمة الكرامة الإنسانية". أخبار التحديثات الحية الاستخبارات الألمانية تصنف حزب البديل "منظمة يمينية متطرفة مؤكدة" ومنذ تأسيس الحزب في 2013، حالةً احتجاجيةً على طريقة تعاطي حكومة المستشارة السابقة أنغيلا ميركل مع أزمة منطقة اليورو، وتقديم مبالغ كبيرة لإنقاذ بعض الدول، كاليونان، تلقى دفعة شعبية نتيجة مواقفه المتشدّدة من الهجرة واللجوء في 2015، مع تزايد احتجاجه على منظومة الاتحاد الأوروبي والطبقة الحاكمة في برلين. برغم خوضه منذ 2013 الانتخابات وتحقيق تقدم على مستوى بعض الولايات، وتحوّله اليوم إلى الحزب الثاني فيدرالياً في البرلمان، بقيت مسألة "جدار الحماية"، بتوافق الأحزاب السياسية على قطع الطريق على نفوذ الأجنحة المتطرّفة في السياسة الألمانية، تمنعه من ترجمة "إنجازاته الانتخابية" على أرض الواقع. وقدمت دائماً تصريحات بعض قيادات البديل من أجل ألمانيا مادةً خصبة للتشكيك بتطرّفه، فعلى سبيل المثال صرح في عام 2018 زعيم الحزب آنذاك ألكسندر غولاند بأن النازية "نقطة صغيرة في تاريخ ألمانيا المزدهر الممتدّ لأكثر من ألف عام"، وحثّ الألمان على الافتخار بتاريخهم، رافضاً النصب التذكاري عن حقبة النازية. وبرغم الضجّة التي أثارها تصريحه لا يزال غولاند في منصب الرئيس الفخري للحزب، ولم يكن زعيم الحزب في ولاية تورينغيا، بيورن هوكه، أقل جدلاً في تصريحاته، معتبراً أن الوقت حان لتخلّص الألمان من ثقافة إحياء ذكرى جرائم النازيين، ولضرورة إزالة نصب الهولوكست من برلين. وفي العام الماضي صرّح المرشح الرئيسي للحزب إلى البرلمان الأوروبي، ماكسيميليان كراه، بأنه يرفض أن يُطلق لقب مجرم على كل من ارتدى زي القوات الخاصة النازية "إس إس"، كراه وبرغم تصريحاته الجدلية سُمح له بالترشح أولاً إلى البرلمان الأوروبي ثم إلى البوندستاغ. وحتى الوجه النسائي القيادي في "البديل"، أليس فايدال، اعتبرت أن "الفتيات المحجّبات والرجال المسلحين بالسكاكين الذين يعتمدون على الرعاية الاجتماعية وغيرهم من الأشخاص عديمي الفائدة لا يمكنهم ضمان ازدهار ألمانيا ونموها ورفاهيتها". تصريحاتها وتصريحاتُ آخرين حول ملايين مواطني وقاطني ألمانيا من أصول مهاجرة تتماشى غالباً مع ما يعتمد عليه حزبها في خطابه خلال حملاته الانتخابية، وكما يردِّد هؤلاء فالرسالة واضحة، ومفادها أن ألمانيا استقبلت عدداً كبيراً من المهاجرين، والكثير منهم لا يتأقلمون أو يشكّلون تهديداً. تقارير دولية التحديثات الحية ماذا تنتظر أوروبا من الألماني المحافظ فريدريش ميرز؟ مع استمرار التصريحات المتطرفة اشتبهت أجهزة الاستخبارات في عام 2021 في أنّ البديل من أجل ألمانيا حزب متطرّف، ما مكّن الجهاز الأمني من اختراق الحزب ومراقبته. وعلى تلك الخلفية قامت مخابرات ألمانيا بتصنيف الحزب كله منظمةً متطرّفةً "تعمل على نحوٍ موثّق على انتهاك الدستور"، إذ رأى الجهاز الأمني أن "البديل" لا يعتبر الألمان من أصول مهاجرة ومن دول ذات أغلبية مسلمة أعضاء متساوين في الشعب الألماني، من بين أمور أخرى، وفقاً لمجلة دير شبيغل . فايدال: تشهير واستهداف سياسي رفضت وزيرة الداخلية الألمانية المنتهية ولايتها نانسي فيزر ، أمس الجمعة، تصريحات قيادات في "البديل"، مثل أليس فايدال وتينو شروبالا حول أن ما قام به جهاز الاستخبارات هو "تشويه سمعة وتجريم علنيَين"، وأكدت فايزر أن التصنيف جاء على خلفية أنه حزب "يمثل مفهوماً عرقياً يُميّز ضدّ فئات سكانية بأكملها، ويُعامل المواطنين من أصول مهاجرة كألمان من الدرجة الثانية". وبحسب وكالة الأنباء الألمانية، فإن التصنيف انطلق من أدلة دامغة عن "تهديد البديل للنظام الديمقراطي، إذ إنّ الفهم السائد فيه للأشخاص يقوم على أساس العرق والأصل، ما يتعارض مع النظام الديمقراطي الحرّ، وينتهك المبدأ الدستوري لحرمة كرامة الإنسانية". وتؤمن قيادات البديل من أجل ألمانيا بأنّ تصنيف كل الحزب منظمةً متطرّفةً "يمثّل ضربةً قاسية للديمقراطية"، وبأنه يستبق أي إمكانية لترجمة الفوز الانتخابي الأخير إلى نفوذ وتأثير في حكومة المستشار المسيحي الديمقراطي القادم فريدريش ميرز. معضلة مزدوجة توسُّع شعبية حزب البديل من أجل ألمانيا أصبحَ يثير قلقاً سياسياً وأمنياً، ففي البرلمان الجديد يمثل الحزب 156 نائباً، لكنّها مقاعد لا يبدو، بعد التصنيف الاستخباري، ستتيح لا لميرز ولا لغيره الانفتاح عليه. ودعت نائبة رئيس البرلمان (عن المسيحي الديمقراطي)، أندريا ليندهولز، بقية الأحزاب إلى إعادة النظر بشأن أي تقارب مع "البديل"، أو منحه مناصب في اللجان البرلمانية المختلفة، كما نقلت عنها دير شبيغل. ولا يبدو أن حصوله على نسبة 20.8% من الأصوات ستسهّل دعوات البعض لتشكيل أغلبية برلمانية لأجل الطلب من المحكمة الدستورية حلّه وحظره، بسبب انعكاسات ذلك على الكتلة الصلبة للناخبين المؤيدين له. وتنبَّه المستشار المنتهية ولايته شولتز إلى الأمر برغم ترحيبه بالتصنيف، داعياً الطبقة السياسية إلى "توخي الحذر" بشأن حظر الحزب، وكذلك فعل نائب المستشار القادم، لارس كلينغبيل، مؤكداً أنه لن يطالب بحظره على الفور. أخبار التحديثات الحية ألمانيا: الاشتراكي الديمقراطي يصوت على اتفاق الدخول بالائتلاف الحاكم في كل الأحوال، يبقى الخروج من المعضلة ممكناً نظرياً، إذا ما اختار البديل من أجل ألمانيا بنفسه تنظيف بيته من العناصر الأكثر تطرّفاً، وإعادة هندسة شعاراته وخطبه الشعبوية وتطرفه القومي، وربما يستلهم تطبيع أوضاعه بين الأحزاب من رئيسة الحكومة الإيطالية، جورجيا ميلوني ، الآتية من صفوف "إخوة إيطاليا" شبه الفاشي، ذلك باعتماد بعض الواقعية والبراغماتية السياسية للنجاة وسط رياح معارضة يمكن أن تشتد أكثر في قادم الأيام. ومن الواضح أن معضلة التعاطي مع البديل باتت مزدوجة؛ فحظره يجعل منه "ضحية مؤامرة" (مع جمهور يستسيغ نظريتها). وعدم حظره يحمل مخاطرة، مع تصاعد شعبيّته، إذا ما حقق الحزب قفزة تضعه في مقدمة الأحزاب في الانتخابات القادمة، ما يعني أنّ الساحة السياسية ستكون أمام فرض البديل لنفسه حزباً يقود الحكومة، وربما بمستشارة تسمى أليس فايدال.


صحيفة الخليج
٢٢-٠٤-٢٠٢٥
- أعمال
- صحيفة الخليج
«بوندسبنك».. وإصلاح أوروبا
وُصفت خطة ألمانيا للإنفاق الباذخ بأنها «مُغيرة لقواعد اللعبة»، ولكن الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن البنك المركزي الألماني «بوندسبنك» يبدو مؤيداً لها. وهذا التغيير الجذري في موقفه يزيد من فرص نجاح الاتحاد الأوروبي في تنفيذ خطته التي طال انتظارها لإنعاش الاقتصاد، لا سيما في ظل احتدام الحرب التجارية العالمية. ونجح المستشار الألماني المُنتظر، فريدريش ميرز، مؤخراً في تسريع إصلاح نظام كبح الديون في البلاد، والذي يحد حالياً من عجز الموازنة إلى 0.35% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك لتمكين أكبر اقتصاد في أوروبا من زيادة الإنفاق الدفاعي بشكل كبير، وإنشاء صندوق بقيمة 500 مليار يورو لإصلاح البنية التحتية المتهالكة. وفي الشهر الماضي، اقترح البنك المركزي إصلاحاً خاصاً، يسمح بزيادة اقتراض الحكومة الألمانية إلى حد أقصى قدره 1.4% من الناتج المحلي الإجمالي، إذا كان الدين أقل من 60% من ذلك الناتج، مع تخصيص النصيب الأكبر للاستثمار. وفي الوقت الذي كان فيه تدخل البنك المركزي الألماني أقل طموحاً مما قدمه ميرز، إلا أنه ربما كان أكثر إثارة للدهشة؛ إذ لطالما عارض المركزي الألماني بشراسة زيادة الديون. في غضون ذلك، ورد في بيان للمنتدى الرسمي للمؤسسات النقدية والمالية «OMFIF» أنه «بالنسبة لمؤسسة مصرفية أسست على مدى العقود الماضية سمعة راسخة في رفض السياسات التي تُعدّ تضخمية أو مزعزعة للاستقرار، بدأ المركزي الألماني يكتسب خبرة واسعة في قول «نعم» بدلاً من «لا». وهذا تغيير مرحّب به، فألمانيا بحاجة ماسة إلى الاستثمار في البنية التحتية. وبالنظر إلى قوتها التاريخية في الهندسة، فإن زيادة الإنفاق الدفاعي قد تمكنها من أن تُصبح لاعباً رئيسياً في هذا القطاع، مع تعزيز البحث والتطوير على نطاق أوسع. وعلى الرغم من أن مراقبي التضخم سيشعرون بالقلق من العواقب، فإن ألمانيا لديها مجال واسع للاقتراض مقارنة بنظرائها. فبعد سنوات من الخمول، لم يحقق الاقتصاد أي نمو يُذكر، بل انخفض تضخم مؤشر أسعار المستهلك بشكل حاد من ذروته في عام 2022 إلى 2.2% فقط في مارس/آذار. علاوة على ذلك، يقدّر جيل مويك، كبير الاقتصاديين في مجموعة «أكسا»، أن التحول المالي في ألمانيا قد يكون ذاتي التمويل في نهاية المطاف؛ حيث ستعوض عوائد النمو الاقتصادي الأقوى ارتفاع تكلفة الاقتراض التي يتطلبها سوق السندات. وهذه أخبارٌ رحّب بها المستثمرون بشغف، ورفعت المعنويات بشكل كبير في مارس. حيث صعد مؤشر ثقة الاقتصاد لمعهد ZEW للأبحاث الاقتصادية إلى 51.6 نقطة، من 26.0 نقطة في فبراير/شباط، وطالت التأثيرات جميع أنحاء الاتحاد، مع نمو أسهم شركات الطيران والدفاع والبنوك الأوروبية في الربع الأول. وبالطبع، قد يعيق قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية متبادلة على شركائه التجاريين العمل؛ إذ سيُعطل سلاسل التوريد، ما يسبّب ارتفاعاً حاداً في الأسعار، ويُلحق الضرر بالنمو العالمي. وقد أثر «يوم التحرير» الذي أعلنه ترامب بالفعل سلباً في الأسهم العالمية. ولكن، على أي حال، فإن صدمة الرسوم الجمركية تجعل تغيير البنك المركزي الألماني لموقفه أكثر ترحيباً. ويحتل «بوندسبنك» مكانة مرموقة في المجتمع الألماني. فقد تأسس البنك عام 1957، وكان حصناً منيعاً ضد التضخم، الذي تفشى بشكل ملحوظ في عشرينيات القرن الماضي. كما لعب دوراً محورياً في إعادة توحيد ألمانيا بعد نهاية الحرب الباردة، وشارك بشكل وثيق في إنشاء العملة الأوروبية الموحدة. ولم يتردد المركزي الألماني في معارضة سياسات الحكومة. فخلال أزمة منطقة اليورو، قاوم العديد من الإجراءات الاستثنائية التي أثبتت في النهاية أنها حاسمة في منع انهيار الكتلة. لكن هذا الموقف تغير بقيادة يواكيم ناجل، الذي قال إن الأوقات الاستثنائية تبرر اتخاذ إجراءات مالية استثنائية. ويُعدّ هذا التحول في المؤشرات مهماً. فمع تقارب البنك المركزي الألماني والحكومة الألمانية في السياسة المالية، من الممكن أن تخفف برلين أيضاً من معارضتها لإجراءات أخرى على مستوى الكتلة، مثل الاقتراض المشترك. كل هذا أمرٌ بالغ الأهمية، لأن الاتحاد الأوروبي يمتلك الآن خطة للإنعاش الاقتصادي وضعها رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق ماريو دراجي، ومفوضية أوروبية عازمة على تنفيذها. ولم تكتفِ المفوضية بقبول دعوة دراجي للاتحاد الأوروبي لإنفاق ما يصل إلى 800 مليار يورو سنوياً لإنعاش النمو، بل إنها تتبع أيضاً توصيات حاسمة أخرى، مثل خفض لوائح الاتحاد الأوروبي ومتطلبات الإبلاغ عن الشركات، وإنشاء اتحادات للادخار والاستثمار والطاقة. ورغم أن هذه القائمة من المهام شاقة بطبيعة الحال، فإن عقبة رئيسية أزيلت من طريق الاتحاد الأوروبي في سباقه للتكيف مع المشهد الاقتصادي العالمي سريع التغير، وهي تعنّت البنك المركزي الألماني. وكما هو الحال اليوم، يعود الفضل في ذلك، إلى حدٍ كبير، إلى دونالد ترامب. ففي الأوقات الاستثنائية، يصبح المستحيل ممكناً. *مدير الاتصالات السابق في بنك إنجلترا، ومحرر سابق في «رويترز»


البوابة
١٢-٠٤-٢٠٢٥
- أعمال
- البوابة
البلاد تنهار.. هل تستطيع الحكومة الجديدة إنقاذ ألمانيا من أزمتها؟
تواجه ألمانيا، التي كانت تُعتبر في السابق قوةً صناعيةً رائدةً في الكفاءة والدقة، أزمةً كبيرةً الآن.. ذلك أن بنيتها التحتية تتهاوى حرفيًا. تنهار الجسور، وتتأخر القطارات باستمرار، والمدارس في حاجةٍ ماسةٍ إلى الإصلاح. يُعزى هذا الوضع المُقلق جزئيًا إلى عقودٍ من نقص الاستثمار المُزمن، حيث ركزت الحكومات السابقة على الحكمة المالية، خوفًا من الأثر الاقتصادي للديون. ومع ذلك، فإن الحكومة المنتظرة بقيادة فريدريش ميرز، المستشار المُحتمل لألمانيا، عازمةٌ على تغيير مسارها. فمن خلال تجاوز حدود الإنفاق الدستورية، وفّرت حكومة ميرز الائتلافية أموالًا طائلة لمعالجة البنية التحتية المتهالكة في البلاد. ولكن هل يُمكن لهذه الخطة الطموحة أن تُعيد ألمانيا إلى مسارها الصحيح، أم أنها قليلةٌ جدًا ومتأخرةٌ جدًا؟ من أجرأ الخطوات التي اتخذها ميرز إقناع المشرّعين برفع "كبح الديون" الدستوري، مما يسمح للحكومة باقتراض ٥٠٠ مليار يورو (حوالي ٥٥٦ مليار دولار أمريكي) على مدى السنوات الاثنتي عشرة المقبلة لإصلاح البنية التحتية المتداعية للبلاد. أثار هذا القرار جدلاً، حيث حذّر بعض الخبراء من أنه على الرغم من أهمية التمويل، إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في توزيع هذه الموارد بكفاءة في المجالات المناسبة. سيُخصّص مبلغ كبير قدره ٢٠٠ مليار يورو للولايات وصندوق المناخ، بينما التزم الحزب الديمقراطي المسيحي وشركاؤه في الائتلاف الحاكم في الحزب الديمقراطي الاجتماعي بإنفاق حوالي ١٥٠ مليار يورو مباشرةً على مشاريع البنية التحتية قبل عام ٢٠٢٩. تعهدت الحكومة بتسريع عمليات التخطيط والتصاريح وطرح المناقصات لهذه المشاريع. ومع ذلك، لا تزال تفاصيل كيفية تخصيص هذه الأموال غير واضحة. لكن المؤكد هو أن البنية التحتية ستكون على رأس الأولويات، حيث تأمل الحكومة الجديدة ألا تقتصر هذه الاستثمارات على توفير حافز اقتصادي فوري فحسب، بل تضمن أيضًا استقرارًا طويل الأمد للبلاد. أزمة سلامة من أكثر مشاكل البنية التحتية إلحاحًا في ألمانيا هي الطرق والجسور المتداعية. شُيّد العديد منها على عجل خلال فترة الازدهار الاقتصادي التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وهي الآن تعاني من علامات تآكل شديد. في سبتمبر ٢٠٢٥، انهار جسر رئيسي على النهر في دريسدن، مما سلّط الضوء على الحالة المزرية للبنية التحتية في البلاد. يُعدّ طريق AVUS السريع، الذي كان في السابق مسارًا سريعًا للسيارات، من بين أبطأ الطرق في ألمانيا بسبب تدهور حالة الجسور التي تعبره. في الواقع، أُغلق مؤخرًا جسر يربط برلين بهذا الطريق بعد أن اكتشف المهندسون صدعًا خطيرًا في هيكله، مما أدى إلى تأخيرات هائلة في حركة المسافرين. أكدت الحكومة الجديدة أنها ستركز على إصلاح وتطوير البنية التحتية القائمة بدلًا من إنشاء طرق جديدة. ومن الأهداف الطموحة بشكل خاص إنشاء شركة مملوكة للحكومة الفيدرالية للإشراف على تشغيل وتوسيع شبكة الطرق السريعة، ومن المتوقع أن تُسهم رسوم المرور على الشاحنات في تعويض تكلفة هذه التحسينات. ولكن كما يُظهر انهيار الجسر وإغلاقه مؤخرًا، فإن عامل الوقت جوهري. إحراج وطنى عانت خدمة السكك الحديدية الوطنية الألمانية، ذات الشهرة العالمية، من التأخيرات، مما يُسلط الضوء بشكل أكبر على مشاكل البنية التحتية في البلاد. وبينما كان الالتزام بالمواعيد مصدر فخر، فقد تدهور الوضع بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة. ففي عام ٢٠٢٥، تأخرت ٣٧.٥٪ من قطارات المسافات الطويلة، مسجلةً أسوأ أداء لها منذ عقدين. وحتى في ظل التعريف الأكثر شمولًا لـ"الوصول في الموعد المحدد"، كانت الأرقام مُقلقة حيث يُعتبر القطار في الموعد المحدد إذا تأخر لمدة تصل إلى ست دقائق كحد أقصى. وخصصت الحكومة بالفعل ١٧ مليار يورو لإعادة بناء خطوط السكك الحديدية القديمة، مع خطط لتحديث ٤٠٠٠ كيلومتر (٢٥٠٠ ميل) من أكثر ممرات السكك الحديدية استخدامًا بحلول عام ٢٠٣٠. ومع ذلك، تعهدت الإدارة الجديدة بتسريع هذه الجهود من خلال صندوق البنية التحتية. سينصبّ التركيز الرئيسي على رقمنة الإشارات والمفاتيح ودمج نظام أوروبي للتحكم في القطارات. تُعدّ هذه التحديثات أساسية لتحسين كفاءة وموثوقية شبكة السكك الحديدية. تهديد للأجيال لعلّ أكثر مظاهر أزمة البنية التحتية في ألمانيا إثارةً للقلق هو حالة مدارسها. فقد أصبحت النوافذ المتساقطة، وتسربات المراحيض، والأسقف المنهارة مشاهد شائعة في العديد من المؤسسات التعليمية في جميع أنحاء البلاد. في برلين، واجهت مدرسة ثانوية مؤخرًا ظروفًا خطيرة عندما تسببت رياح قوية في سقوط النوافذ من ارتفاع عدة طوابق في فناء المدرسة. في بعض الحالات، تُستخدم حواجز مؤقتة لحماية الطلاب عند دخولهم المباني.


سكاي نيوز عربية
٠٩-٠٤-٢٠٢٥
- أعمال
- سكاي نيوز عربية
كيف تهدد الرسوم الجمركية أكبر اقتصاد في أوروبا؟
في قلب هذا اللغط يقف الاقتصاد الألماني ، المثقل أصلاً بأعباء الركود وتراجع التنافسية، أمام تحدٍ وجودي قد يعيد تشكيل موقعه في النظام الاقتصادي العالمي. في هذا السياق، حذر المستشار الألماني المنتظر، فريدريش ميرز، من التأثير "الدرامي" للرسوم الجمركية الأميركية على الأسواق العالمية وكيفية تأثير التعرفات على بلاده، وذلك في أول تعليقات له منذ كشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن رسوم جمركية شاملة ضد الاتحاد الأوروبي. وقال لرويترز يوم الاثنين: "إن الوضع في أسواق الأسهم والسندات العالمية حرج، ويُنذر بمزيد من التدهور (..)لذلك، بات من المُلحّ أكثر من أي وقت مضى أن تستعيد ألمانيا قدرتها التنافسية الدولية في أسرع وقت ممكن". ويشير تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، إلى أن الرسوم الجمركية البالغة 20 بالمئة على جميع الصادرات الأوروبية تأتي في وقت تواجه فيه ألمانيا تحديات سياسية واقتصادية حادة، وتهدد بمحو أي مكاسب من حملة الإنفاق التي أعلن عنها ميرز بقيمة تريليون يورو لتعزيز صناعة الدفاع والبنية الأساسية المتقادمة في البلاد. يعتمد أكبر اقتصاد في منطقة اليورو على الصادرات إلى الولايات المتحدة بنسبة 4 بالمئة تقريباً من ناتجه المحلي الإجمالي، أي أكثر من فرنسا أو إيطاليا. الاقتصاد الألماني، ظل راكدًا لمدة ثلاث سنوات، متأثراً بارتفاع تكاليف الطاقة، وانخفاض الطلب على السلع الألمانية في الصين، والمنافسة الشرسة من المنافسين الصينيين. بحسب تقديرات معهد كولونيا للأبحاث الاقتصادية، فإن إجمالي الضرر الاقتصادي الذي سيلحق بالاقتصاد الألماني خلال فترة ولاية ترامب الممتدة لأربع سنوات قد يصل إلى 200 مليار يورو، مما سيؤدي إلى انخفاض مستوى الناتج المحلي الإجمالي بنحو 1.5 نقطة مئوية في عام 2028. وتمثل الولايات المتحدة واحدة من كل عشر صادرات ألمانية. من برلين، يقول الخبير الاقتصادي، ناجح العبيدي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": حرب ترامب الجمركية أثارت حالة من الهلع في سوق المال الألمانية ، حيث مني مؤشر داكس في الأيام القليلة الماضية بخسائر قياسية (قبل أن يرتفع مؤخراً، حيث سجل نمواً بنحو 2.5 بالمئة في تعاملات الثلاثاء). الخسائر التي مُني بها المؤشر بعد فرض الرسوم الجمركية كانت بشكل أكبر من نصيب الشركات المصدرة، لا سيما شركات صناعة السيارات. في هذا السياق حذر وزير المالية في الحكومة الألمانية المنتهية ولايتها يورغ كوكيس من أن دخول الرسوم الجمركية العقابية حيز التنفيذ قد يؤدي إلى انهيار غير مسبوق في الصادرات الألمانية إلى السوق الأميركية بنسبة 15 بالمئة. وهذا ما ينذر بدخول الاقتصاد الألماني في مرحلة كساد، لا سيما وأن الصادرات تعتبر المحرك الرئيسي للنمو في ألمانيا. إزاء هذه المخاطر لن تقف ألمانيا مكتوفة الأيدي، بل تستعد للرد مع التأكيد على أن الحرب التجارية تضر بالجميع وبما فيها الولايات المتحدة الأميركية. غير أن الرد الألماني لن يكون منفرداً، وإنما في إطار الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر إحدى الكتل الاقتصادية الثلاث الكبرى في العالم. وكما أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مراراً فإن الاتحاد الأوروبي يعتمد في هذا الشأن استراتيجية مزدوجة تقوم أولا على التلويح برد انتقامي متكافئ ضد رسوم ترامب العقابية مع ترك الباب مواربا للمفاوضات بهدف التوصل إلى حل وسط. يضيف العبيدي: "من اللافت هنا إعلان رئيسة المفوضية الأوروبية عن استعداد الاتحاد الأوروبي للتفاوض على إلغاء متبادل لكل الرسوم الجمركية في التبادل التجاري بين ضفتي الأطلسي. وهو مقترح يتماشى مع فكرة إيلون ماسك الملياردير المقرب من الرئيس الأميركي حول تصفير الرسوم الجمركية بين أميركا وأوروبا.. وعلى الرغم من رفض ترامب للمقترح الأوروبي إلا أن الاتحاد الأوروبي يعطي الأفضلية للحل التفاوضي وبما يجنب الاقتصاد العالمي من الوقوع في أزمة اقتصادية تضر بالجميع". بحسب خبراء الاقتصاد في دويتشه بنك في مذكرة يوم الاثنين، فإنه "على المدى القصير، سوف تكافح الحكومة الألمانية القادمة لتخفيف الصدمة التجارية الفورية"، مضيفين أن ألمانيا قد تواجه حتى عاماً آخر من انخفاض الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025. معهد إيفو للأبحاث الاقتصادية، ومقره ميونيخ، أفاد الأسبوع الماضي بأن تطبيق الرسوم الجمركية الأميركية بالكامل سيُلحق "ضرراً بالغاً" بالاقتصاد الألماني، وقد يُؤدي إلى انكماشه هذا العام. وأضاف: "ستتضرر بعض القطاعات الرئيسية، مثل صناعة السيارات والهندسة الميكانيكية، بشدة". رئيس معهد إيفو كليمنس فويست قال: "نظراً لأن الاقتصاد الألماني يعاني بالفعل من الركود، فمن الممكن أن تدفع الرسوم الجمركية الأميركية النمو الاقتصادي في ألمانيا إلى ما دون الصفر"، بحسب ما نقله تقرير "فايننشال تايمز". العلاقات عبر الأطلسي في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يؤكد رئيس المنظمة الألمانية الروسية للتنمية، عبد المسيح الشامي، أن: الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة ستكون لها تداعيات خطيرة جداً على الاقتصادين الألماني والأوروبي، حيث من المتوقع أن يكون تأثيرها سلبياً ودراماتيكياً على مختلف القطاعات الصناعية والتجارية. هذه الخطوة ستؤدي إلى تراجع التبادل التجاري بين ضفتي الأطلسي، الأمر الذي قد يعزز من الصناعة المحلية الأميركية، لكنه لن ينطبق على أوروبا التي تُعد من أبرز المصدّرين إلى الأسواق الأميركية والعالمية. العلاقات الاقتصادية الأوروبية الأميركية لم تكن في السابق تمثل تهديداً للصناعات المحلية، بل كانت تدعم بشكل كبير السوقين الألماني والأوروبي. السلبيات الناتجة عن هذا التصعيد التجاري ستتفاقم على المدى القريب والبعيد، في وقت بدأت فيه الأسواق الآسيوية ، وعلى رأسها الصين، بالتحول إلى قوى صناعية مكتفية ذاتياً ومنافسة شرسة لأوروبا، ليس فقط في الصناعات الخفيفة ، بل أيضاً في الصناعات الثقيلة مثل السيارات، حيث باتت الصين تستحوذ على حصة متزايدة في السوق العالمية. ويشدد الشامي على أن أوروبا اليوم تواجه ضغطاً اقتصادياً متعدد الأبعاد، إذ تتلقى ضربات متلاحقة من شريكها الرئيسي، الولايات المتحدة، في وقت لم تتعافَ فيه بعد من أزمات كبرى مثل الأزمة المالية العالمية 2008-2009، وأزمة جائحة كورونا، والحرب في أوكرانيا التي لا تزال تلقي بظلالها على القارة. ويضيف "نحن أمام تصعيد اقتصادي خطير قد يؤدي إلى إضعاف ما تبقى من القوة الأوروبية في الأسواق العالمية، وربما إلى انهيار اقتصادي شامل يفقد القارة دورها السياسي العالمي، نظراً لأن نفوذها السياسي كان دائماً يستند إلى قوتها الاقتصادية. أما اليوم، فإن هذه القاعدة باتت مهددة بشكل حقيقي". ويحذر من أن استمرار هذه السياسات الأميركية سيؤدي إلى خلخلة التوازن العالمي، ويفتح المجال أمام القوى الآسيوية، مثل الصين وروسيا واليابان وكوريا، لتتقدم بثبات على حساب الدور الأوروبي، اقتصاديًا وسياسياً. وفي سياق متصل، قال وزير الاقتصاد الألماني بالإنابة روبرت هابيك يوم الخميس الماضي، إن الرئيس الأميركي "سيستسلم تحت الضغط" ويغير سياساته الجمركية إذا اتحدت أوروبا. وأفاد خلال مؤتمر صحافي، بحسب ترجمة قناة "سي إن بي سي" الأميركية: "إن هذا الضغط يحتاج الآن إلى أن يتم إطلاقه من ألمانيا، ومن أوروبا بالتحالف مع دول أخرى، وبعد ذلك سنرى من هو الأقوى في هذا الصراع"، مشيراً إلى أن " السماح لترامب بالاستمرار أو محاولة استرضائه لن يكون استراتيجية ناجحة تحت أي ظرف من الظروف". وشدد على أن الهدف الاستراتيجي ينبغي أن يكون تجنب الرسوم الجمركية والحرب التجارية، لكن السؤال هو كيفية الوصول إلى هناك. وحث هابيك أوروبا أيضًا على القيام باستثمارات استراتيجية لتصبح أكثر استقلالية - على سبيل المثال من خلال تحسين البنية التحتية السحابية وتوسيع قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي والفضاء. تُعدّ الولايات المتحدة الشريك التجاري الأهم لألمانيا، متقدمةً على الصين ، حيث بلغ حجم التبادل التجاري - مجموع الصادرات والواردات - 252.8 مليار يورو (278.7 مليار دولار) بحلول عام 2024، وفقًا لمكتب الإحصاء الألماني (ديستاتيس). وفي العام الماضي، استحوذت الولايات المتحدة أيضًا على أكبر حصة من الصادرات الألمانية. إلى ذلك، يوضح الكاتب والمحلل السياسي من برلين، الدكتور عبد الغني العيادي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن: فرض الرسوم الجمركية من قِبل إدارة ترامب لم يكن قراراً اقتصادياً عابراً، بل شكّل زلزالاً في بنية العلاقات الاقتصادية الدولية. بدأ ذلك من السياسات الحمائية التي رفعت من تكاليف الاستيراد والتصدير ، مروراً بتعطيل سلاسل التوريد العالمية التي طالما اعتمدت على انسيابية التجارة بين القوى الكبرى. ردّت الصين بفرض رسوم انتقامية على سلع أميركية استراتيجية، مثل فول الصويا، مما ألحق خسائر فادحة بالمزارعين الأميركيين. كما تضطر شركات صناعية كبرى إلى إعادة هيكلة عملياتها ونقل جزء من إنتاجها إلى دول أخرى كفيتنام والمكسيك، لكن ذلك جاء بكلفة إضافية أضعفت من كفاءة الإنتاج. الأخطر من ذلك أن النظام التجاري العالمي بأسره تأثر سلباً، إذ استخدمت الولايات المتحدة ذريعة الأمن القومي لفرض رسوم حتى على حلفائها الأوروبيين، مما أضعف ثقة الدول في منظمة التجارة العالمية، وأظهر عجزها عن حل النزاعات وسط سياسات الهيمنة. كانت النتيجة اتجاهاً عالمياً متسارعاً نحو التكتلات الإقليمية، مثل الاتفاقيات الآسيوية، كبديل عن النظام متعدد الأطراف، مما ينذر بتحول التجارة العالمية إلى ساحة مجزأة تقوم على تحالفات طبقية. ويستطرد: أما على الصعيد الاجتماعي، فإن من يرفع الرسوم الجمركية يتسبب في غلاء المعيشة، لأن الكلفة النهائية تُحمّل على المواطن، وهو من يدفع الثمن في شكل تضخم وارتفاع أسعار. وتتأثر الطبقات العاملة بشكل خاص، إذ تتضرر بشكل مضاعف، لأن اقتصاد العولمة يتطلب التوازن في اتخاذ مثل هذه القرارات، نظراً للترابط العميق بين اقتصادات العالم، حيث ما يحدث في الولايات المتحدة قد يمتد أثره إلى أوروبا وسائر دول العالم."

سعورس
٣٠-٠٣-٢٠٢٥
- أعمال
- سعورس
عبد الله بن عبد المحسن الفرج نشر في الرياض يوم 30 - 03
وهذا الحادثة أسوقها، بعد أن تناقلت الأنباء عزم ألمانيا على استرداد ما لها من ذهب مخزون لدى الولايات المتحدة في بنك الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك تحت الحراسة المشددة، وذلك بعد فرض هذه الأخيرة رسوما على واردات السيارات من ألمانيا نسبتها 25 ٪ -وهذه ضربة موجعة لبلد يعتمد اقتصاده بشكل كبير على صادرات السيارات- خاصة وأن هذا الاقتصاد يعاني من الركود في الوقت الراهن. وكعادة الألمان، المعروف عنهم ميلهم للتوفير والادخار، إلى درجة يقال إنهم لا يحبون التعامل بالبطاقات البنكية ويفضلون الدفع بالعملات الورقية حتى يضبطوا مصاريفهم، فإن بلدهم من شدة حرصه أصبح مالكا لثاني أكبر احتياطي من الذهب في العالم بعد الولايات المتحدة -نحو 3.4 آلاف طن، أو 270 ألف سبيكة سعة كل منها 12.5 كجم. ومن شدة ثقتها بالولايات المتحدة ، فضلت ألمانيا أن تحتفظ ب 37 ٪ من إجمالي ما تملكه من ذهب في أميركا، ومثلما نعرف، فإن سعر الذهب الآن وصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق، حيث تجاوز 3000 دولار للأونصة. طبعاً، الذهب يبقى ذهبا، وسعره لا يتغير مع مرور الزمن، وأنا هنا لا أقصد ما يعادله من أوراق نقدية، التي تتأثر بالتضخم، وإنما أوقية الذهب: فسعر الحليب أو التمر مقيم بالذهب لا يتغير حتى بعد مرور ألف عام، ولذلك كانت ألمانيا تخزن الذهب تحوطاً لوقت الحاجة، وهذه تجربة تسير عليها العديد من البلدان وعلى رأسهم الولايات المتحدة ، التي تملك 8.1 آلاف طن، رغم كل ما لديها من دولارات. وتأتي إيطاليا بعد ألمانيا 2.5 ألف طن، ومن ثم فرنسا 2.4 ألف طن، وروسيا 2.3 ألف طن، والصين 2.2 ألف طن. ويمكن سمعنا عن رغبة ترمب التفتيش عن احتياطي الذهب الأميركي، ليطمئن أنه موجود في مستودعات نيويورك. ولذلك، فمن غير المعروف كيف سيكون الرد الأميركي في حال طلب المستشار الألماني فريدريش ميرز، استرداد ذهب ألمانيا منها، فعليه أن يحتفظ برباطة جأشه، فتجربة ديغول في نهاية الستينات، عندما استبدل ما لدي فرنسا من دولارات بالذهب بسعر 35 دولارا للأونصة لن تتكرر، فقد كان أولى بألمانيا أن تحتفظ بذهبها على أراضيها.