أحدث الأخبار مع #فيينا


سائح
منذ يوم واحد
- أعمال
- سائح
ما هي معايير اختيار أفضل المدن من ناحية جودة الحياة؟
تشكل جودة الحياة أحد أهم العوامل التي تدفع الأفراد والعائلات إلى اتخاذ قرارات مصيرية، سواء بالانتقال إلى مدينة جديدة، أو بالاستثمار، أو حتى باختيار مكان الدراسة أو التقاعد. ولا تقتصر جودة الحياة على مستوى الدخل أو الترفيه فحسب، بل تشمل طيفًا واسعًا من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. لهذا، تعتمد الجهات المتخصصة مثل "ميرسر" و"الإيكونوميست" في تقييمها السنوي لأفضل المدن من حيث جودة الحياة على مجموعة دقيقة من المعايير التي تهدف إلى تقديم صورة شاملة لحياة الأفراد داخل المدينة. الأمان والاستقرار السياسي يُعد الشعور بالأمان من أبرز عناصر جودة الحياة، إذ لا يمكن الحديث عن مستوى معيشة جيد في ظل غياب الأمن. تقيس المؤشرات المتخصصة معدلات الجريمة، واستقرار المؤسسات السياسية، وسرعة الاستجابة في حالات الطوارئ، ومدى فعالية الأجهزة الأمنية. كما يشمل هذا الجانب درجة التوتر السياسي واحتمالية وقوع اضطرابات أو احتجاجات. فالمدن التي تحظى بحكومات مستقرة ونظام قانوني عادل، مثل زيورخ وفيينا، غالبًا ما تتصدر التصنيفات العالمية بسبب ما توفره من طمأنينة وسلام مجتمعي. البنية التحتية والخدمات الأساسية تعكس جودة البنية التحتية مدى تطور المدينة وقدرتها على تلبية احتياجات سكانها اليومية بكفاءة. وتشمل هذه البنية الطرق والنقل العام، والكهرباء، والمياه، والصرف الصحي، والاتصالات، بالإضافة إلى توافر المرافق الصحية والتعليمية. كما تقيّم جودة الهواء، ومستوى الضوضاء، وسهولة التنقل بين المناطق المختلفة. فعلى سبيل المثال، المدن التي توفر شبكة مواصلات عامة فعالة وآمنة تُمنح نقاطًا عالية، لأن هذا يساهم في تقليل الازدحام وتحسين جودة الحياة اليومية. كذلك، يُعطى اهتمام خاص لجودة المستشفيات والخدمات الطبية، ومدى توافر الرعاية الصحية بأسعار مناسبة. التوازن بين العمل والحياة والأنشطة الثقافية من المعايير المتقدمة التي أصبحت تكتسب أهمية متزايدة في العقود الأخيرة، هو مدى التوازن الذي توفره المدينة بين العمل والحياة الشخصية. يشمل هذا عدد ساعات العمل، وتوفر إجازات مدفوعة، ومستوى الضغط المهني، بالإضافة إلى فرص الترفيه والأنشطة الثقافية والاجتماعية. فمدن مثل كوبنهاغن وملبورن تُعرف ببيئات عمل مرنة ونمط حياة يساعد السكان على الحفاظ على صحتهم النفسية والجسدية. كما تُعد الأنشطة الثقافية كالمتاحف، والمعارض، والمهرجانات، والمسارح، من العوامل التي تضيف قيمة نوعية لحياة السكان وتمنح المدينة طابعها الفريد. إن اختيار أفضل المدن من ناحية جودة الحياة لا يعتمد على مؤشر واحد فقط، بل هو نتيجة تحليل متكامل يجمع بين الأمان، والبنية التحتية، والبيئة الصحية، والتعليم، والأنشطة الترفيهية، والتوازن الشخصي والمهني. ويهدف هذا التقييم إلى مساعدة الأفراد والحكومات على فهم نقاط القوة والضعف في بيئاتهم الحضرية، والعمل على تحسين جودة الحياة بما يتناسب مع احتياجات السكان وتطلعاتهم المستقبلية.


الجزيرة
منذ يوم واحد
- ترفيه
- الجزيرة
إريش فْرِيد شاعر يهودي نمساوي أحرق مؤيدو إسرائيل قصائده
إريش فْرِيد شاعر وروائي يهودي نمساوي، عمل صحفيا ومترجما. وُلِد عام 1921 في فيينا، لكنه اضطر إلى الفرار إلى لندن عام 1938 بعد ضمّ النمسا إلى ألمانيا النازية، واستقر هناك حتى وفاته عام 1988. هو أحد أبرز الشعراء الكاتبين بالألمانية في القرن العشرين، اشتهرت أعماله بأسلوبها البسيط والمباشر، مما جعله الأكثر قراءة ومبيعا، خصوصا في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين. وعلى الرغم من أنه لم يحظَ بتقدير واسع في النمسا حتى أواخر حياته، إلا أن أعماله لاقت انتشارا كبيرا في ألمانيا الغربية، إذ نشر أكثر من 20 مجموعة شعرية ونثرية، ومسرحيات وترجمات عديدة. تميّز شعره بانتقاده الحاد لسياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين، خاصة في قصيدته الشهيرة "لنقل الحقيقة"، مما عرّضه لهجوم شديد من الاحتلال وداعميه، إذ اتُهِم بأنه "كاره لنفسه" و"خائن لذويه". ناهض الصهيونية وأثارت مواقفه جدلا واسعا، فانقسمت الآراء حوله بين مؤيدين لرسالته السياسية ومنتقدين، وصل بهم الأمر إلى حرق قصائده. ومع ذلك لقي شعره استحسانا لدى كثيرين ممن رأوا في شعره صوتا إنسانيا داعما للعدالة. ظل شاعرا منسيا في وطنه الأم، ولم يحظَ بالتكريم حتى تجاوز الستين من عمره، حين بدأ يُقدَّر أدبيا على نطاق أوسع وتُوِجت مسيرته بفوزه بجائزة "بوشن" عام 1987، وهي من أرفع الجوائز الأدبية الألمانية. المولد والنشأة وُلد إيريش فْرِيد في السادس من مايو/أيار1921 في فيينا، عاصمة النمسا، لأسرة يهودية مثقفة من الطبقة المتوسطة، تعود أصولها إلى بوهيميا ومورافيا. كان الابن الوحيد لعائلته التي عانت من تقلبات اقتصادية حادة. فقد كان والدُه مستثمرا، لكنه فقد جميع أمواله بعد إفلاس شركته، وأصبحت والدته -التي كانت تعمل مصممة أزياء- المعيل الوحيد للأسرة منذ عام 1924. نشأ فْرِيد في بيئة طغت عليها الخلافات بين والديه اللذين انشغلا عنه، وعاش طفولة قاسية بسبب الفقر الذي حل بالعائلة، إذ أقام في منزل متواضع تمتلكه جدته لأمه في فيينا. وعُهد برعايته إلى مربية اعتاد سماع حكايات ما قبل النوم منها، كما وجد في جدته مصدر دعم وحنان، وقال إنه "فضّلها على والديه". عانى منذ طفولته من اضطراب حركي لم يُشخَّص لفترة طويلة، مما جعل والده يشكك في قدرته على البقاء على قيد الحياة. إلا أن الطفل الخجول توصل إلى طريقة للتكيف مع هذا الوضع، فكان يجمع الأطفال حوله ويقنعهم بسماع قصص مثيرة من تأليفه بدلا من الركض أو القفز. كما عانى من قسوة والده، إذ كان يعامله بخشونة حتى بلغ الـ14 من عمره، لكنه وجد في والدته ملاذا وحماية من صفعات والده المتكررة، كما كانت مصدرا لدعمه، إذ استمد منها طبيعته القتالية وحسه الفني والإبداعي، وشجعت موهبته في التمثيل والأدب، وساهمت بشكل كبير في تطوره إلى أن أصبح كاتبا مرموقا. في سنوات مراهقته شهد الانقلاب الفاشي في فيينا عام 1938، الذي تُوِّج باجتياح القوات الألمانية للنمسا، وتعرض والده للتعذيب على يد البوليس السري لنظام الزعيم النازي أدولف هتلر (الغستابو) حتى قُتل، كما فقد كثيرا من أقاربه وأصدقائه. وهربا من ذلك المصير غادر الشاب -الذي لم يكن يتجاوز السابعة عشرة آنذاك- وطنه الأصلي إلى لندن عام 1939، وهناك وجد نفسه بلا مأوى ولا جنسية. في منفاه الاضطراري عمل في هيئة للاجئين واستطاع مساعدة نحو 70 يهوديا على الفرار من ألمانيا، ومنهم والدته التي لحقت به بعد إطلاق سراحها عام 1939. ولم يتمكن من إنقاذ جدته التي قُتلت في معسكر أوشفيتز عام 1943، وعندما زار هذا المعسكر عام 1967 كتب في دفتر الزوار التذكاري "لقد رأيت ما أعرفه وأكثر، لن أنساه وسأساعد على عدم نسيانه". تزوج فْرِيد ثلاث مرات ورُزق بستة أطفال، وأعلن رسميا عام 1964 أنه لن يعود للعيش في ألمانيا، وفي عام 1982 استعاد جنسيته النمساوية، لكنه اختار العيش في بريطانيا، محتفظا بجنسيتها التي مُنحت له عام 1949. الدراسة والتكوين العلمي في سن الرابعة والنصف تعلّم فْرِيد القراءة من والدته، ووجد إمكانية الوصول المبكر إلى الأدب في مكتبة والده الذي كان يحلم بأن يصبح شاعرا ولم ينجح. بين عامي 1927 و1931 تلقّى تعليمه الأولي في مدرسة فيينا الابتدائية، وبرزت مهارته في التحدث وتميز بذاكرةٍ قوية؛ وقدرة كبيرة على تأليف القصص الخيالية. وبدأت ميوله الأدبية تتشكل مبكرا عندما انضم إلى فرقة مسرحية للأطفال، فظهر على عدة مسارح وأصبح نجما صغيرا تكتب عنه الصحف التي صنّفته آنذاك "طفلا معجزة"، لكن طموحه المبكر في أن يصبح ممثلا لم يكتمل، بعدما منعه والده من التدريب تحت إشراف المخرج والممثل المسرحي النمساوي الشهير ماكس راينهارت. في عام 1931 التحق بالمدرسة الثانوية الفدرالية، وفيها نما شغفه بالأدب مع حفظ العديد من النصوص الشعرية والحِكم والأغنيات الشعبية ونصوص نثرية مطوّلة. وكان أيضا مهتما بالعلوم والاختراع، ونجح في تسجيل أول براءة اختراع له عن عملية "إنتاج محسّن للمصابيح الكهربائية"، وإلى جانب ذلك برع في الرياضيات واللغات، ما عزّز من قدرته على التحليل والتفكير النقدي. إلا أن الأحداث السياسية ألقت بظلالها على حياته، فعندما ضُمَّت النمسا إلى ألمانيا تحوّل مبنى مدرسته الثانوية إلى مقرّ للقوات النازية، مما أدى إلى إعادة توزيع الطلاب المسيحيين على مدارس أخرى، بينما أُجبر التلاميذ اليهود على المغادرة أو اجتياز امتحان مبكر في الرياضيات. كان في الـ14 من عمره آنذاك، واضطر إلى مغادرة الثانوية قبل نهاية العام الدراسي في أبريل/نيسان 1938، ووصف هذه اللحظة "تحولتُ في ذلك اليوم من تلميذ مدرسة نمساوي إلى يهودي مُلاحق ومُضطهد". بعد ذلك واصل تعليمه بجهود فردية، كما استفاد من البرامج التعليمية التي وفّرتها منظمات اللاجئين في المنفى البريطاني في أوائل الأربعينيات من القرن العشرين. وقد مكّنته هذه التجربة من تطوير استقلاليته الفكرية ودمج ثقافتين مختلفتين بنجاح، الأمر الذي انعكس لاحقا في أعماله الأدبية والفكرية. وتقديرا لإسهاماته الأدبية والفكرية منحته جامعة أوسنابروك الألمانية (تأسست عام 1974)، الدكتوراه الفخرية في اللغويات والآداب عام 1988. الحياة المهنية بعد لجوئه إلى بريطانيا اضطر إلى العمل في وظائف مؤقتة لتأمين معيشته، عمل أمين مكتبة بدوام جزئي وعاملا في مصنع للزجاج، كما لجأ إلى بيع أنابيب الرصاص، التي كان يجمعها من القصور الشاغرة، لتجار الخردة المعدنية. في وقت لاحق التحق بالعمل في مكتب "لجنة اللاجئين اليهود"، لكنه تعرض للطرد بعدما صفع رئيس الموظفين إثر اتهامه بسرقة أحد الملفات، ورغم ذلك استمر في تلقي راتبه الكامل (31 شلنا و6 بنسات) عن طريق البريد مدة عام. توازيا مع ذلك، بدأ بنشر مقالاته في صحف المهجر منذ عام 1940، وقد كانت جزءا من المحيط الثقافي والسياسي الذي شكل انطلاقته الصحفية بعد فترة من اللجوء. بين عامي 1945 و1949 عمل في مجلة "نيو أوسليز" التي ساهمت في إثراء المشهد الثقافي، خاصة في مجال الأدب المكتوب باللغة الألمانية. وبين عامي 1949 و1950 انتقل للعمل في المجلة المصورة "بليك آن ذي ويلت" التي لعبت دورا مهما في تقديم وجهات نظر نقدية في الوضع السياسي في أوروبا والعالم. إعلان في عام 1952 انضم إلى القسم الألماني في هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) واستمرت مسيرته هناك حتى عام 1968. بدأ مساعد برامج، فكتب التعليقات السياسية للبرنامج الموجه إلى المنطقة السوفياتية (ألمانيا الشرقية السابقة). ولاحقا أصبح أحد الأصوات البارزة في برنامج أسبوعي بعنوان "تأملات" يتناول القضايا السياسية والفلسفية والفنية العالمية، مما جعله يحظى بجمهور واسع في الأوساط الأكاديمية والثقافية. في عام 1954 دخل عالم الترجمة الأدبية، إذ تولى لأول مرة ترجمة مسرحية "تحت خشب الحليب" لديلان توماس، التي قُدمت في بث إذاعي، مما جعله اسما معروفا في الأوساط الأدبية والثقافية. واصل مشروعه في الترجمة طوال حياته تقريبا، ليصبح أحد أبرز المترجمين لأعمال الديب الإنجليزي ويليام شكسبير ، إذ ترجم نحو27 مسرحية، إلى جانب أعمال إليوت وبرتولت بريخت وغيرهم، وكان مرجعا أساسيا في هذا المجال. إلى جانب عمله في هيئة الإذاعة البريطانية، شغل منصب محرر في مجلة "نصوص وإشارات" من عام 1955 حتى توقفها عن الصدور عام 1957، وساهم في تقديم دراسات نقدية عن الأدب الحديث واتجاهاته. اختار البقاء في مجال الأدب الألماني، وكان في عمله مذيعا ومترجما جسرا ثقافيا بين اللغات والهويات المختلفة. في عام 1977 بدأ مرحلة جديدة في مسيرته المهنية، وتولى منصبا تدريسيا في جامعة غيسن (التي أُنشئت في ألمانيا عام 1607). وفي أبريل/نيسان 1985، أصبح محاضرا في الجامعة الصيفية الألمانية في توسكانا، وقدّم محاضرات في الأدب والفكر الحديث، إلى جانب ورش عمل متخصصة في الترجمة الأدبية. النشاط الثقافي والسياسي تميّز الأديب اليهودي النمساوي بوعي سياسي منذ طفولته، ففي سن السادسة، شهد حادثة أثّرت فيه بعمق، عندما أصدر رئيس الشرطة أوامر بقتل متظاهرين احتجاجا على حكم قضائي برّأ يمينيين قتلوا شخصين، وفي إحدى مناسبات عيد الميلاد، كان قد همّ بإلقاء قصيدة من تأليفه، لكنه تراجع عن قراءتها حتى غادر ذلك الشرطي القاعة. بدأ اهتمامه بالفكر السياسي يتبلور تدريجيا، إذ كان مَدينًا لوالده ولكتاب "قاموس التخاطب" بأول مدخل له إلى أساسيات المعرفة السياسية. وفي المرحلة الثانوية، انفتح على وجهات نظر سياسية مختلفة بين الطلاب. ومع اجتياح هتلر فيينا أسس مع زملائه مجموعة مقاومة، تمثل دورها الأساسي في جمع الكتب التي فرضت عليها الرقابة النازية من منازل الأصدقاء اليهود، ومنحها لغير اليهود المعارضين للنظام النازي. في عام 1939 انضم إلى منظمة شبابية في المنفى وألّف نشيدها غير الرسمي "نحن نقتحم البلاد"، كما كتب كتيبا دعائيا باللغة الإنجليزية بعنوان "إنهم يقاتلون في الظلام". وعلى الصعيد الثقافي، شارك في نشاط في المركز النمساوي الشيوعي، أكبر جمعية للاجئين في بريطانيا، إلى جانب انخراطه في منظمة "النمسا الفتية" والجمعية الثقافية الألمانية الحرة، وساهم في نشر الفكر التقدمي لدى المنفيين. ورغم كونه شاعرا بلا وطن، عاد إلى النمسا وجمهورية ألمانيا الاتحادية في منتصف الستينيات من القرن العشرين، ونشط في المشهدين الثقافي والسياسي، إذ ألقى قصائده في الساحات العامة، وساهم في نقاشات سياسية واسعة، كما شارك في الاحتجاجات المناهضة لقانون الطوارئ الألماني الفدرالي عام 1968. في مارس/آذار1981 شارك في مؤتمر الكتاب النمساوي الأول، وأثار جدلا كبيرا بالمحاضرة التي ألقاها بعنوان "الحرية في رؤية مكان إقامتك". وبمناسبة العيد الوطني للنمسا عام 1984 ألقى خطابا من "بضع كلمات عن التفرد الثقافي للنمسا" في مسرح فيينا الشعبي. وكان للحراك العالمي ضد حرب فيتنام تأثيرٌ كبير على التزامه السياسي، إذ شارك في مؤتمر فيتنام الدولي عام 1968 في برلين الغربية، وطالب بمحاكمة الرئيس الأميركي ليندون جونسون وقال عنه إنه "مجرم حرب". شاعر النمسا الألماني تمرس الصبي على الكتابة منذ سن مبكرة، وقال "بدأت في كتابة قصائدي الأولى عندما كنت في الخامسة والنصف أو السادسة من عمري". إعلان ويروي أنه بعد مقتل والده، الذي لم تكن له أي علاقة بالسياسة، قرّر أنه إذا نَجَا سوف يصبح كاتبا، مثلما كان يحلم والده أن يكون في السنوات العشر الأخيرة من حياته. وعندما كان يُسأل عن المهنة التي سيختارها في المستقبل، كان يجيب بثقة واعتزاز "شاعر ألماني"، كما يروي عنه ناشره "كلاوس فاغنباغ". وقد بَدا أصغر على هذا الحلم الكبير، حين رُفض طلبه للحصول على دعم من لجنة اللاجئين ليصبح شاعرا، لكنه لاحقًا حصل على ما يشبه منحة دراسية، قال إنها "أعطته الفرصة للدخول في محاولاته الأولى للكتابة". وببلوغه سن العشرين، أصبح شخصية معروفة في بيئة المنفى الناطقة بالألمانية، إذ انخرط في منظمات فكرية وثقافية يديرها الحزب الشيوعي، وبدأ مسيرته الأدبية بمنشوراته الأولى في مجلاتها. في أواخر خريف عام 1943، قطع علاقته بالمنظمات الشيوعية، ولم يعد المؤلف الشاب مضطرًا إلى مراعاة وجهة النظر الحزبية في شعره. وقسم الباحثون الحياة الأدبية لمبدع "مائة قصيدة بلا حدود" إلى ثلاث فترات، في أن يُعترف به شاعرا ألمانيا: فترة المنفى القسري (1938–1945): بدأ أثناءها مسيرته الأدبية شاعرا ألمانيا بنشر مجموعاته الشعرية الأولى مثل "ألمانيا" (1944) و"النمسا" (1945). فترة ما بعد المنفى حتى منتصف الخمسينيات: كان البعد الجغرافي والمؤسسي عن المشهد الأدبي الألماني عائقًا كبيرا أمامه، رغم جهوده الدؤوبة لنشر شعره في ألمانيا الغربية والشرقية. في عام 1958 تمكن من نشر أول ديوان شعري في جمهورية ألمانيا الاتحادية بعنوان "قصائد"، ضم أشعارا كتبها بين عامي 1946 و1957 أثناء إقامته في لندن، كما نشر روايته الوحيدة المثيرة للجدل "جندي وفتاة" عام 1960. واعتبر نفسه حينها من "الجيل الثاني" من الشعراء الألمان في إنجلترا، حيث كان يعمل في بيئة لغوية مختلفة. إعلان الفترة الثالثة (العقود الثلاثة الأخيرة من حياته): قضى أثناءها وقتا طويلا في البلدان الناطقة بالألمانية، ورغم تأثير الثقافة والأيديولوجيا الإنجليزية على أدَبِه، إلا أنه ظل يَشعُر بأنه ألماني واستمر في تكريس نفسه للأوساط الشعرية الناطقة بالألمانية. وتمكن من احتلال مكانة بارزة في المشهد الأدبي الألماني عندما دُعي إلى "مجموعة لندن 47″، التي كانت تجمع الكتاب الناطقين بالألمانية بانتظام لمناقشة أعمالهم بين عامي 1947 و1967. في هذه الفترة اهتم بتوسيع علاقاته مع الناشرين الألمان مثل يوجين كلاسن، ونظم أمسيات قراءة شعرية، بل وكتب أشعار زملائه على آلة كاتبة خاصة به لتوزيعها. كان تأثيره على القصيدة السياسية الألمانية واضحا منذ عام 1966، ومنحته حرب فيتنام وفظائعها مادة جديدة للكتابة، وكان لديوانه عن فيتنام دور كبير في تنشيط القصيدة السياسية في ألمانيا الاتحادية، مما أثار جدلا واسعا. واجه الشاعر في البداية انتقادات حادة، وصلت إلى حد المطالبة بإحراق شعره، وحذفه من الكتب المدرسية المقررة في ولاية بافاريا، وفي عام 1969 نُشرت مختارات من أشعاره في سلسلة "شعر جمهورية ألمانيا الديمقراطية" ، كما ترجم أعمال الشاعر ديلان توماس عام 1974. وسرعان ما أصبح من أكثر الشعراء الألمان قراءة وشهرة بعد برتولت بريخت (1898-1956)، خاصة بعد نشر ديوانه "أشعار الحب" عام 1979، الذي طُبع 16 مرة، وكان آخرها ترجمة كُرديّة عام 2023، وبيع منه أكثر من 350 ألف نسخة، حسب ناشره. كان الشاعر معروفا بغزارة إنتاجه الشعري، إذ كتب القصائد كما "تلد الأرنبة صغارها" وفق قوله، لذلك يرى بعض النقاد أنه "لم يكتب أحسن أشعاره فقط، بل كتب في بعض الأحيان أسوا شعر ظهر في عصره". وصل عدد مجموعاته الشعرية إلى ثلاثين مجموعة، بيعت منها أكثر من 300 ألف نسخة، وتُرجمت إلى عدة لغات. بعض قصائده وجدت طريقها إلى الكتب المدرسية، بينما تم تلحين العديد منها، واستخدم الملحن "هانزفيرنر هينز" اثنتين منها في ألبوم أغانيه "أصوات" عام 1973. وقيل إن شعره يمكن قراءته على أنه "كتاب رحلة" تنتقل مواضيعه ليس فقط من بلد إلى آخر، ولكن أيضا بتعبير تشامبرز "عبر العتبة بين الحدث والسرد، وبين السلطة والتشتت، وبين القمع والتمثيل، وبين الضعفاء والسلطة". أشعار ضد إسرائيل في تقديمه لمجموعته الشعرية الشهيرة "اسمعي يا إسرائيل"، يقول فْرِيد: "عندما كنت لاجئا في إنجلترا، بدأت أكتب شعرا ونثرا ضد الرايخ الثالث، حيث قُتل كثير من أصدقائي وأقاربي في أفران الغاز، كما وصفت بؤس اللاجئين والاستغلال". بعد عام 1945، كتب "أصبح واضحا لدي أن الكفاح يجب أن يستمر حتى بعد سقوط الرايخ الثالث، بعدما بدأت نماذج مماثلة من التفكير تتبلور في الجزائر وفيتنام وغواتيمالا والكونغو"، وقال "وجدت نفسي ضد ما يمارسه الإسرائيليون بحق الفلسطينيين والعرب". ظل فْرِيد متّسقًا مع نفسه، مفرقا بين الديانة اليهودية وبين الصهيونية بصفتها فكرة عنصرية. بدأ في البداية بأسلوب غير مباشر، لكنه اضطر بعد نكسة 1967 إلى التصريح بآرائه علنا. بصفته شاعرا ملتزما وشيوعيا صريحا، كتب "ما لا يُسمح بكتابته" وهو "يلاحق إسرائيل بقصائد تُذكّرها بعارها الأخلاقي"، حسب سمير جريس، الذي ترجم كتاب "وكنا نضحك أحيانا"، وهو مؤلف لفْرِيد عام 1986. عرّضَه ذلك لهجوم الشبكات الصهيونية، حتى إن رسائل التهديد التي تلقّاها لا تزال محفوظة في أرشيفه الشخصيّ بـ"مركز إيريش فْريد الثقافي" في فيينا. في قصيدة "زمن المغرضين"، قال "يسمونني خائنا لشعبي، يهوديا معاديا للسامية، لأنني أتحدث عما يفعلونه باسم إسرائيل ضد الفلسطينيين". وأضاف صاحب ديوان "قصائد تحذيرية" أنه أحس بالمسؤولية تجاه ما يفعله اليهود في إسرائيل ضد الفلسطينيين، وضد اليهود المعترضين، وقال "آمل أن أكون يهوديا أفضل خارج الفهم المتعصب والشوفينية الإسرائيلية، فالصهاينة يدفعون اليهود إلى وضع كارثي في إسرائيل". واجه صعوبات في نشر قصائده قبل 1972، معتبرا ذلك انعكاسا لدورها في كشف الزيف ومحاربته، ففي قصيدة "اِسمَعي يا إسرائيل" التي نشرها في ديوان "معارك" عام 1974، دافع عن الحق الفلسطيني وأهل البلاد الأصليين. كما فضح ممارسات إسرائيل التي وصف قادتها بأنهم "أحفاد هتلر"، قائلا "حينما كنتم مُضطهَدين، كنتُ واحدًا منكم، كيف أظلّ كذلك، عندما تضطهدون الآخرين؟". ودافع بقوة عن مسرحية "الهلاك" لجيم ألين، التي وثقت تعاون الصهيونية مع النازية. وفي قصيدة "قليل منكم"، أحصى جرائم إسرائيل في دير ياسين وقبية و كفر قاسم و صبرا وشاتيلا. وظل فْرِيد مدافعا بقلمه عن القضايا العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وقال "إننا نستهلك طاقاتنا، كي نخفف مبادئ الكلام، ثم نسترد أنفاسنا بينما يتابع الآخرون الحديث.. ووفق قواعدهم ليس هناك أي سبب للشكوى، ولا يبقى أمامنا سوى الاعتراف بحقوقهم". الجوائز والتكريمات 1989: تأسست "جمعية إريش فريد الدولية للأدب واللغة" ومقرها فيينا في الذكرى الأولى لوفاته، وتمنح جائزة أدبية سنويا منذ عام 1990 بقيمة 15 ألف يورو. 1987: حصل على جائزة جورج بوشنر عن مجمل أعماله من الأكاديمية الألمانية للغة والأدب في مدينة دارمشتات، وهي مخصصة للكتّاب الذين يكتبون باللغة الألمانية، وقيمتها 50 ألف يورو. 1987: حصل على المفتاح الذهبي لمهرجان الشعر سميديريفو (يوغوسلافيا). 1986: حصل على وسام كارل فون أوسيتسكي من الرابطة الدولية لحقوق الإنسان. 1986: عين عضوا في الأكاديمية الألمانية للغة والشعر في دارمشتات. 1985: حصل على وسام الشرف الذهبي لولاية فيينا. 1983: نال جائزة بريمن الأدبية، والتي تمنح سنويا تكريما لأعمال الكتاب المتميزين في الأدب الألماني أو الأدب العالمي. 1977: حصل على جائزة المحررين الدولية، وهي أول جائزة له، وذلك عن قصيدته "100 قصيدة بلا وطن". الوفاة توفي إريش فريد يوم 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1988 في مستشفى بادن بغرب ألمانيا، عن عمر ناهز 67 عاما، متأثرا بمرض السرطان الذي تم تشخيصه عام 1986. وجاءت وفاته بعد استجابته لدعوة في ألمانيا الغربية، وذلك قبل عام من سقوط جدار برلين، إذ عاد إليها بعد خمسين عاما من مغادرته القسرية فيينا. ومع ذلك فقد أوصى أن تُعاد جثته إلى لندن، حيث دُفن في التاسع من ديسمبر/كانون الأول بمقبرة كينسال غرين.


صحيفة الخليج
منذ 2 أيام
- ترفيه
- صحيفة الخليج
النمسا تفوز بـ«يوروفيجن 2025»
فازت النمسا بمسابقة يوروفيجن الغنائية الأوروبية مساء السبت في مدينة بازل السويسرية، بعدما بهر المغني جاي جاي جمهور الحدث الموسيقي الأكثر متابعة حول العالم. وقال الفنان النمساوي-الفلبيني البالغ 24 عاماً وهو يحمل كأس المسابقة على المسرح في سانكت ياكوبشاله «هذا يتجاوز أكثر أحلامي جنوناً. هذا جنون». وحصل جاي جاي، واسمه الحقيقي يوهانس بييتش، على 436 نقطة عن أغنية «وايستد لوف» التي تروي كلماتها تجربة حب من جانب واحد. وأنهى المغني السباق متقدماً على الإسرائيلية يوفال رافائيل (357 نقطة) في المرتبة الثانية، والإستوني تومي كاش (356 نقطة) في المركز الثالث. وقال الفائز خلال مؤتمر صحفي لاحق «لننشر الحب وننسى الحقد والكراهية، ولننشط ونسمع صوتنا. استمروا في النضال في سبيل قناعاتكم وانشروا الحب». وهذا أول فوز للنمسا في مسابقة «يورفيجن» منذ 11 عاماً. وقدم المتسابق النمساوي أثناء المسابقة سينوغرافيا متقنة، مستفيداً من إمكانات المسرح العالي التقنية الذي شهد عروضاً زاخرة بالإبهار البصري. وبفضل فوز جاي جاي، تحصل النمسا على حق استضافة المسابقة العام المقبل. وبدت البلاد فخورة بإرسال مغني كاونترتينور إلى بازل، في تذكير بأهمية الموسيقى الكلاسيكية في فيينا، حيث سارع المستشار المحافظ كريستيان ستوكر إلى الإشادة بـ«الإنجاز الرائع» الذي حققه جاي جاي. وحلت المغنية الإسرائيلية يوفال رافائيل، الناجية من هجوم السابع من أكتوبر، مع أغنيتها «New Day Will Rise» («يوم جديد سيشرق»)، في المركز الثاني. وجرت مقاطعة أداء الفنانة مرات عدة خلال العرض. وبينما كانت تغني في الحفلة النهائية، حاول ثلاثة متفرجين اختراق الحواجز للوصول إلى المسرح، لكن جرى إيقافهم من جانب عناصر الأمن. وكذلك، وقعت اشتباكات قصيرة بين الشرطة وبضع مئات من المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين مساء السبت في شوارع بازل. واختار أعضاء فرقة «كاي» الفنلندية الذين كانوا يتنافسون باسم السويد، الفكاهة مع أغنية تدور حول الساونا. وبعدما كانت الأوفر حظاً في الفوز بالمسابقة خلال الأشهر الأخيرة، حلت الفرقة في المركز الرابع بـ321 نقطة. وحلت المغنية لوان التي مثّلت فرنسا في المركز السابع، ما أثار خيبة أمل لدى المشجعين الفرنسيين. ويعود آخر فوز لفرنسا في المسابقة الغنائية الأوروبية إلى سنة 1977. وتمكن ملايين المشاهدين حول العالم من التصويت على مدار ساعات للمرشحين الـ26 الذين شاركوا في المواجهة النهائية لمسابقة يوروفيجن. ورغم مرور 69 عاماً على إطلاقها، حافظت المسابقة الغنائية هذا العام مجدداً على المزيج الفريد الذي يشكّل أساس نجاحها، بين الموسيقى والبهرجة وأجواء المنافسة المحتدمة والتقنيات العالية. ومع ذلك، شعر بعض المتابعين بخيبة أمل بسبب غياب سيلين ديون. فعلى الرغم من التكهنات الكثيرة حول إطلالة محتملة للمغنية الشهيرة التي تعاني مرضاً في المناعة الذاتية، اضطر الجمهور إلى الاكتفاء بمقطع فيديو نُشر الثلاثاء أعربت فيه عن امتنانها للمسابقة التي فازت بها عام 1988 باسم سويسرا، ما أطلق مسيرتها الغنائية الدولية. وقال المنظمون بعد الأمسية النهائية «نأسف لأنه لم يكن من الممكن في النهاية إدراجها ضمن العرض».


الشرق الأوسط
منذ 2 أيام
- ترفيه
- الشرق الأوسط
النمسا تفوز بمسابقة «يوروفيجن» لعام 2025
فازت النمسا بمسابقة الأغنية الأوروبية «يوروفيجن» لعام 2025 التي أقيمت أمس (السبت) في مدينة بازل السويسرية، في أول فوز للبلاد منذ فوز كونشيتا ورست في عام 2014. وبحسب وكالة «رويترز» للأنباء، فقد حصد المغني الأوبرالي جيه.جيه الفوز للنمسا على إسرائيل في أكبر مسابقة موسيقية في العالم، والتي شاهدها عبر شاشات التلفزيون أكثر من 160 مليون شخص في أنحاء العالم. المغني الأوبرالي جيه.جيه بعد فوزه بالجائزة (إ.ب.أ) وكان هذا الفوز هو الثالث للنمسا في المسابقة بعد نجاح كونشيتا وفوز أودو يورجنز عام 1966. ودمج المغني جيه.جيه، البالغ من العمر 24 عاماً من فيينا، بين عناصر الأوبرا والتكنو والصوت عالي النبرة في أغنيته «الحب الضائع» (ويستد لاف)، مما جعله ينال إعجاب لجان التحكيم والمشاهدين الذي صوتوا عبر الهاتف. وقال المغني واسمه الحقيقي يوهانس بيتش: «هذا يفوق أحلامي... إنه لأمر مذهل». جيه.جيه نال إعجاب لجان التحكيم والمشاهدين الذي صوتوا عبر الهاتف (إ.ب.أ) وأوضح جيه.جيه أنه كان يهدف إلى مشاركة المستمعين لمشاعره عندما كتب الأغنية، وأنه سعيد لأنها لاقت صدى لدى كثير من المعجبين. وأضاف: «لا يوجد حب ضائع. الحب لا يضيع أبداً. هناك كثير من الحب الذي يمكننا نشره، وعلينا أن نجعل الحب أقوى قوة على وجه الأرض». وأشاد المستشار النمساوي كريستيان ستوكر بنجاح جيه.جيه، قائلاً إنه يصنع تاريخ الموسيقى. وقالت وزيرة الخارجية النمساوية بياته ماينل-رايزينجر على منصة «إكس»: «عزيزي جيه.جيه، لقد أثرت أوروبا بصوتك وأعدت للنمسا تألقها». Was für ein Abend!!!! Lieber JJ, du hast Europa mit deiner Stimme berührt und Österreich ins Rampenlicht Sieg beim #ESC2025 zeigt, wie Kunst Brücken baut – über Sprachen und Grenzen JJ – du hast ESC-Geschichte geschrieben.#ESC25... — Beate Meinl-Reisinger (@BMeinl) May 17, 2025 ونالت سويسرا حق استضافة مسابقة «يوروفيجن» بعد فوز مغني الراب السويسري نيمو بالمسابقة التي أقيمت العام الماضي في مالمو بالسويد. وتوافد المعجبون من مختلف أنحاء أوروبا وخارجها إلى مدينة بازل حيث حضر 100 ألف شخص فعاليات «يوروفيجن» التي أقيمت بالمدينة، بما في ذلك الحفل النهائي.


أرقام
منذ 2 أيام
- أعمال
- أرقام
رحلة في فكرة .. التدمير الخلّاق الذي أعاد رسم خريطة الاقتصاد
- في زمنٍ بحثت فيه الاقتصادات عن التوازن، خرج جوزيف شومبيتر بنظريته الثورية بعنوان "التدمير الخلاق"؛ وهو مفهومٌ قلب المفاهيم السائدة رأسًا على عقب، وأعاد صياغة فهمنا للنمو والتطور. - لم يكن شومبيتر مجرد أستاذ جامعي أو وزير مالية سابق، بل كان عقلًا اقتصاديًا فذًا أضاء القرن العشرين، وخلّد اسمه بين الكبار الذين أحدثوا تحولات جذرية في الفكر الاقتصادي. - وُلد شومبيتر عام 1883 في مدينة تريش، بمنطقة مورافيا التابعة حينها للإمبراطورية النمساوية-المجرية (جمهورية التشيك اليوم). للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام - نشأ في بيئة ناطقة بالألمانية، وانتقل في سن مبكرة إلى فيينا حيث تلقّى تعليمًا نخبويًا في مدرسة "تيريزيانوم"، قبل أن يلتحق بجامعة فيينا لدراسة القانون والاقتصاد. - بعد تخرجه عام 1906، بدأ مسيرته المهنية من القاهرة، حيث عمل في مكتب محاماة إيطالي، وهناك نشر أول كتبه بعنوان "طبيعة الاقتصاد النظري ومحتواه". - ثم سرعان ما عاد إلى فيينا ليكمل دراسته العليا، ويُعيّن أستاذًا جامعيًا في جامعة تشيرنوفيتس، ثم في جامعة جراتس، حيث خطّ أولى أفكاره حول ريادة الأعمال والتنمية الاقتصادية. على مسرح السياسة والمال: تجربة فريدة - لم يكن شومبيتر رجل أكاديميًا فقط، بل خاض غمار السياسة والمال؛ ففي عام 1919، شغل منصب وزير المالية في حكومة النمسا قصيرة العمر، ثم ترأس بنك "بيدرمان"، قبل أن ينتقل في مطلع الثلاثينيات إلى الولايات المتحدة، حيث استقر أكاديميًا في جامعة هارفارد، وأصبح لاحقًا مواطنًا أمريكيًا عام 1939. - وقد واصل نشر أفكاره التي هزّت الأوساط الاقتصادية في أمريكا، ومن أبرزها كتابه الشهير "الرأسمالية، والاشتراكية، والديمقراطية" الصادر عام 1942، والذي جسّد فيه رؤيته الكاملة لدور الابتكار وريادة الأعمال في تحريك عجلة الرأسمالية. "التدمير الخلاق": قلب النظرية الاقتصادية - لعلّ أبرز ما ميّز فكر شومبيتر هو مفهوم "التدمير الخلاق"، وهو يرى أن التقدّم لا يولد من رحم الاستقرار، بل من خلال زعزعة النظام الاقتصادي القائم، واستبداله بنماذج مبتكرة أكثر فاعلية. - يصف هذا المفهوم كيف أن روّاد الأعمال، من خلال الابتكار وإدخال تقنيات وأساليب جديدة، يتسببون في اختفاء كيانات وأسواق تقليدية، وظهور قطاعات وصناعات جديدة. إنه النمو الذي لا يعرف الرحمة تجاه القديم، لكنه يحمل وعدًا بمستقبل أكثر ازدهارًا. - وقد شدّد شومبيتر على أن هذه الديناميكية ليست "خللًا" في الرأسمالية، بل تمثل جوهرها الحقيقي؛ فهي ما يدفع عجلة التقدم، حتى لو تسببت أحيانًا في فترات من الركود الاقتصادي أو المعاناة الاجتماعية. الريادة والابتكار: وقود الاقتصاد الحديث - لا يتحقق النمو في نظر شومبيتر من خلال التوازنات الجامدة، بل من خلال الطاقة الريادية التي تحرك الأسواق. - فقد ابتكر مصطلح "روح رائد الأعمال"، واعتبر أن هؤلاء الأشخاص الاستثنائيين هم القوة التي تكسر الروتين، وتعيد تشكيل قواعد اللعبة الاقتصادية. - كما اعتبر أن الأسواق لا تصل إلى التوازن تلقائيًا، بل تبقى في حالة تغيّر دائم بفعل الابتكار، وأن الاحتكارات "العابرة" الناتجة عن الاختراعات الجديدة هي ما يحفّز الشركات على المجازفة، والبحث عن حلول غير مسبوقة. موجات النمو والركود: نظرة زمنية أعمق - لم يكتفِ شومبيتر بوصف التغيير اللحظي، بل نظر أيضًا إلى حركة الاقتصاد عبر الزمن؛ فقدم مفهوم "الموجة الطويلة"، وهي دورة اقتصادية تمتد لعقود، يُحدثها ظهور تكنولوجيا جديدة تقود مرحلة من النمو، ثم يعقبها تباطؤ مع تقادم هذه التكنولوجيا. - وقد سمح هذا التحليل بفهمٍ أعمق للتقلبات الاقتصادية، وأشار إلى أن التجديد التكنولوجي هو المسؤول الأكبر عن تغير أنماط الاستثمار والنمو والركود، وليس فقط العوامل المالية أو السياسية. أثر يتجاوز الزمن: من النظرية إلى السياسات - لم يقتصر تأثير شومبيتر على قاعات الجامعات، بل امتد إلى صانعي السياسات حول العالم. فقد ساعدت أفكاره في دعم توجهات التدخل الحكومي الإيجابي عبر الاستثمار في البحث العلمي والبنية التحتية والابتكار، باعتبارها ركائز أساسية لتحفيز النمو المستدام. - وفي عالم اليوم، حيث تهيمن شركات التكنولوجيا العملاقة، وتظهر تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا البلوكشين، تبدو رؤى شومبيتر أكثر واقعية من أي وقت مضى. مؤلفات لا تزال حاضرة - من أبرز ما تركه شومبيتر للمكتبة الاقتصادية العالمية: - "نظرية التنمية الاقتصادية" (1911): وضع فيه أسس دور رائد الأعمال كعامل محرك للنمو. - "الدورات الاقتصادية" (1939): تناول فيه التحولات الاقتصادية الكبرى والموجات الطويلة. - "الرأسمالية، والاشتراكية، والديمقراطية" (1942): من أشهر كتبه، قدّم فيه رؤيته الكاملة عن مستقبل النظام الاقتصادي العالمي. إرث شومبيتر في زمن الاقتصاد الرقمي - رغم مرور أكثر من سبعين عامًا على وفاته، فإن فكر جوزيف شومبيتر لا يزال يتردد صداه في قلب التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي اليوم. - فمفهوم "التدمير الخلاق" أصبح العدسة التي ينظر من خلالها المحللون وصنّاع السياسات إلى تحولات التكنولوجيا، سواء في صعود شركات مثل أمازون وتسلا، أو في زوال إمبراطوريات كانت بالأمس القريب تهيمن على السوق. - لقد أتاح شومبيتر فهمًا عميقًا لكيفية عمل قوى السوق بعيدًا عن النموذج الكلاسيكي الجامد؛ فمن خلال تتبعه لدورات الابتكار، ومنح رواد الأعمال الدور المحوري في ديناميات الاقتصاد، رسم معالم مدرسة فكرية تزداد أهميتها مع تسارع وتيرة التغيير. - اليوم، تزداد الحاجة إلى سياسات اقتصادية تستند إلى فكر شومبيتر، خاصة فيما يتعلق بتمويل الابتكار، ورعاية ريادة الأعمال، ومواكبة الثورات التكنولوجية. - لقد علّمنا أن التغيير ليس خطرًا يجب كبحه، بل قوة ينبغي توجيهها، وأن في كل انهيار فرصًا، وفي كل دمار بذورًا لخَلْق جديد. - وبينما لا تزال اقتصادات العالم تسعى لفهم ديناميكيات العصر الرقمي، تظل بصيرة شومبيتر منارة تُضيء الطريق.