أحدث الأخبار مع #قصيدة_النثر


الشرق الأوسط
منذ 15 ساعات
- ترفيه
- الشرق الأوسط
شعراء كركوك طوّروا تجربة حسين مردان في قصيدة النثر
عن دار «النابغة» في القاهرة، صدر للدكتور رسول عدنان كتاب عن الشعراء العراقيين الذين اتفق على تسميتهم بـ«جماعة كركوك»، وهم أربعة شعراء: صلاح فائق وسركون بولص ومؤيد الراوي وفاضل العزاوي. يقع الكتاب، الذي جاء بعنوان «جماعة كركوك-الحداثة الثانية» في 158 صفحة من القَطع الكبير، وضمّ أربعة فصول. ويُعدّ هذا الكتاب هو الكتاب الشامل الأوّل عن هذه الجماعة، حيث لم يسبق أنْ صدَر كتاب باللغة العربية عن جماعة كركوك، التي أخذت على عاتقها، وفقاً للمؤلف، «تطوير مشروع حسين مردان في قصيدة النثر». وقد تضمّن الكتاب جانبين؛ أحدهما تنظيري، والآخر تطبيقي. الجانب التنظيري ركز على التعريف بمفهوم الجماعات وسبب ظهورها، ثم تطرّق إلى التعريف بالشعر الذي يكتب نثراً، ووقف عند جماعات المهجر العربي وتأثيرها، ثمّ استعرض مراحل الشعر الذي يكتب نثراً منذ النثر الفني، مروراً بالشعر المنثور، إلى شعر التفعيلة، إلى الشعر الحر، إلى قصيدة النثر. ثم تناول المؤلف إشكالات التسمية بين قصيدة النثر والشعر الحر، قائلاً بهذا إنه «اكتشف أوزان الشعر المنثور، ولم يسبقه إلى ذلك أحد، حيث ظلّ هذا الشعر إلى وقت طويل يعتقد أنّه يكتب بلا وزن أو قافية». ثم استعرض الناقد تأريخ قصيدة النثر العالمية والعربية حتى وصل إلى جماعة كركوك، فتناول آراء هذه الجماعة بقصيدة النثر، نافياً أن يكون هنالك أيُّ تأثير لجماعة مجلة شعر اللبنانية على جماعة كركوك، وخاصة أدونيس. أمّا الجانب التطبيقي من الكتاب فقد ركز على تفكيك قصيدة لكل شاعر من الشعراء الأربعة الذين اختارهم في هذا الكتاب، ثم قارب بين هذه القصائد ونماذج شعرية من قصيدة النثر الفرنسية عند برتران وبودلير، مثلما قارب أيضاً بين شعرية حسين مردان وبودلير وبرتران. وتناول الدكتور عدنان العلاقة بين جماعة كركوك وجماعة جيل البيتنكس الأميركية، والتأثير المتبادل بين الجماعتين، والعلاقة التي جمعت بينهم وبين جماعة كركوك، خاصة بعد وصول سركون بولص إلى مدينة سان فرنسيسكو، حيث التقى هذه الجماعة وتحوّل إلى رابط بين الجماعتين.


الشرق الأوسط
منذ 2 أيام
- ترفيه
- الشرق الأوسط
ضد شعرية «الكليشة»
ثمة مجموعات شعرية تستدعي عند قراءتها رجوع القارئ (باحثاً كان أو قارئاً) إلى نوع من المراجعة لمفهوم وشكل قصيدة النثر العراقية والعربية. وسينتج عن هذه المراجعة اكتشاف أمراضها وعللها، مثلما سينتج عنها اكتشاف مواطن السطوع والتوهج، وهما يرافقان نماذجها المشرقة والراسخة. وبموازاة ذلك، سنتعرّف على شعرٍ يكتبه عددٌ آخر من كتّابها يوازي في أهميته ما ترسّخ في أذهاننا عن التجارب الكبيرة التي توّجها النقد وجعلها في مصاف النماذج المتقدمة فيها. لا أتحدث عن نوع من المغمور وإن لامس هذه الفكرة في قصيدة النثر، أتحدث عن دور النقد في تسليط الضوء على تجارب شعرية لافتة ومهمة لا تقف عند عتبة هذا النمط أو ذاك من الكتابة النقدية، بل تتعداه إلى النسيان أحياناً. أسوق هذه المقدمة لقراءة مجموعة الشاعر العراقي نعمة عبد الرزاق «نصوص الحائر... محاولة في تهجِّي الخسارة» (دار جيم/ بغداد 2024)، وهي مجموعة قصائد نثر تأتي في سياق واحدة من أهم تقاناتها، وهي استثمار السرد إلى أقصى مدياته. إضافة إلى خصيصة مهمة، وهي الجملة الرئيسة لهذا المقال، ومفادها: تمرّد هذه المجموعة على «الكليشة الشعرية» (poetic cliche)، مستهلات النصوص وعنواناتها وتركيب الجملة الشعرية فيها على وفق ما درجت عليه معظم النصوص في الشعرية العراقية، وهو تقليد يبدأ ولا ينتهي، وكأنه يستنسخ ما يطرح من صيغٍ في الشعرية السائدة. إنّ أهم ما تتوفر عليه قصيدة النثر اليوم - وهي تقاوم بضراوةٍ التقليد الفج لما تراكم منها طيلة عقود - مقاومة النموذج الباهت والمنطفئ والمترهّل الذي أسهم بتخريب سمعتها كنموذجٍ حيّ وفاعل لطروحات ما بعد الحداثة الشعرية. «نصوص الحائر» تصلح لهذا المثال بسبب مغايرتها للسائد بحفريات لغةٍ جديدة تُسهم في خلق مسافات شاسعة للتأويل في النص. وهي تشتغل على المعنى العميق الذي يستثمر المعرفة والرمزيات والإحالات... في نص عبد الرزاق «ممحاة» نقرأ أحد براهين العمل ضد «الكليشة الشعرية»: بَدَا الأَمرُ كمَا لَوْ أَنَّ أَحَداً مَا مَرَّرَ الممْحَاةَ عَلَى سبُّورَةٍ مُعَلَّقَةٍ عَلى جدرَانِ المنزِلِ فَاخْتفَى الجمِيعُ: الزَّوجَةُ وَالْأَطْفَالُ وَسَجَّادَةُ الصَّلَاةِ (ص33). قصيدة النثر مغامِرة بطبيعتها، متحدية وناقمة على كل ما هو أفقي لصالح التراكم المعرفي بحسب تقسيمات باشلار للإبداع والمعرفة. وهذه المغامرة تفصح عن مكنونات ما يهم القارئ في يومياته وفي عطالته ودهشته إزاء عالمٍ متغيّر وقبيح في معظم الأحيان. هذه ليست سوداوية يذهب معظمُ الشعر إليها حتف أنفه. إنها واحدة من حقائق الحياة التي ندير ظهورنا لتجلياتها المؤلمة والمرعبة. نصوص نعمة عبد الرزاق تذهب إلى مثل هذه المغامرة، ومثل هذا التمرّد القاسي... إذ لا تتوفر هذه المجموعة على عبارة رومانسية واحدة، ولا وجود لعبارات منمّقة ومهذبة. كل شيء يجري بعفوية البوح وبوعي الشعر الذي تتطلّبه مرحلة ما بعد الحداثة، حيث اليومي والهامشي والمهمل بأعلى مراحله وبأظهر تجلياته: «لن أطلي شعري بصبغة ثمينة/ لن أموت في حربٍ أخرى/ سأتدبر أجرة مركبة الريم لتنقلني إلى الجبهة/ لن أنام ببسطالي المهترئ على مصطبة في كراج العلاوي...» (ص4). لا يتوخى نعمة عبد الرزاق المفارقة ولا التضاد اللغوي في بناء شعريته، إنما يذهب باتجاه شعرية المشهد. الشعرية ستكون نتيجة لمشهد يفضي إلى الانزياح ويفصح عن الشعرية. الشعرية هنا نتيجة ونهايات وخلاصات تتسع وتمنحنا فرصة التأويل... وما تقدَّم يشير إلى حالتين من البناء يعمد إليهما شاعر قصيدة النثر؛ ففي حالة التضاد والمفارقة يتوخى الجملة الشعرية الواحدة التي تصنع انزياحها بمفردها دون الحاجة إلى جملة تالية تعقب الأولى وتعزز شعريتها. في حين تذهب شعرية المشهد إلى تكوين هائل في اللغة تنتج عنه الشعرية. وهي بهذا تصنع شعريتها المختلفة التي تستفيد من التقانات الأخرى، ويقف السرد في مقدمتها... وفي ضوء ذلك لن ينتظر قارئ قصيدة النثر معنًى قارّاً وراسخاً ومكرراً بطبيعة الحال، إنه على وجه الدقة سينتظر ما يكسر أفق توقعه في نتائج النص وخلاصاته، ما يمكّننا أن نطلق على «نصوص الحائر»: نصوص كتلة متكاملة، لا يبرر غياب نقصانها سوى أنها تحرث في أرضٍ بكر لم تطأها حفريات السابقين على كتابة نمطها المميز واللافت. هذه نصوص لا تنتظم في نسق من الدلالات والإحالات، إنما تتمرد كيفما أرادت على ما هو شائع ويدخل ضمن مفهوم «الكليشة الشعرية». لا يتوانى الشاعر في «نصوص الحائر» عن استخدام مفردات خادشة للحياء أو فاحشة، قد تأتي في سياق الجملة غير المصطنعة، إلّا أنها تلفت انتباه القارئ بسبب إمكانية استبدالها من دون أن تجرح نسق القصيدة أو تقمعها، لكنها تحتار في استبدال مفردة بأخرى تناغماً مع عنوان المجموعة نفسها «نصوص الحائر»، حيرة تستقر أخيراً على سمو الخطاب بانحطاط الفكرة/ فكرة الفحش التي تجيء احتجاجاً على ما يجري من استلاب وتيه ونكوص حياتي وثقافي ترزح تحت وطأته شعوبٌ وأمم، ومنها العراق بطبيعة الحال؛ إذ ثمة الحائر في نصوصه وهو يرى انفعال الذات حيال العالم - عنوان المجموعة دال على ذلك - يسجل تاريخ حياة ضاجة بالألم وباللوعة والجراح الغائرة، ثم ما إن تنهي قراءة نص من نصوصه حتى تعيد فكرة إنتاج اليوميات بوصفها الأصلح لكتابة قصيدة النثر. لا رؤية استراتيجية في قصيدة النثر، الرؤية ابنة اللحظة، تطلع على حين غرّة فتباغتك لأنك جزء منها، ربما من أجل هذا يعيد القرّاء ترتيب أولوياتهم في قراءة الشعر الجديد والمعاصر على وفق ما يطرأ من تغيير على حياتهم ذاتها، وما يطرأ من تغيير في سحنة القصيدة ونتائجها المعرفية بعد الفراغ من القراءة. كل نصٍّ في قصيدة النثر لا يؤدي لنتائج معرفية بعد القراءة لا ينتمي لهذا النمط من الشعرية. إنه ببساطة شديدة نثر يجري كالخاطرة البسيطة، ولا ننتظر منه ما يغاير في ذائقتنا ومعرفتنا. الشعر الجيد بنصوصه القلقة التي تتزاحم دلالاتها وإحالاتها بمقدوره أن يفعل الأعاجيب في قراءتنا. وسأزعم أنّ «نصوص الحائر» عزّزت من إيماننا بوجود نصوص تعمد إلى تجديد خطاب قصيدة النثر بأدوات واستعمالات مختلفة ومتعددة، هي في جوهرها محاولة للدخول إلى منطقة تعمل بالضد مما نسمّيه «الكليشة الشعرية» سيئة الصيت. * ناقد عراقي ورئيس تحرير «مجلة الأقلام»


الرياض
٠٤-٠٦-٢٠٢٥
- ترفيه
- الرياض
تفاصيل صغيرةمحمد خضر.. شاعر التفاصيل الصغيرة
عند قصيدة النثر دائماً أتوقف، أتأمل، أغرق، أفكر، أشعر، هذا الشعر يمنحني ما أريد من الشعر. ومحمد خضر يمنح قارئه ما يريد من الشعر. يكتب الشعر من بوابة تدوين التفاصيل الصغيرة واليوميات العادية والذكريات المنسية لتجد نفسك وأنت تتبعه ملتحفاً الغيمة العابرة وتود لو تفتش جيوبه باحثاً عن القصائد التي لا تفيق. يمشي محمد خضر بين الشعراء خفيفاً، بصوت خفيض، ونظرات مرحبة لكن خجولة، وروح تكاد تلمسها من شدة حضورها وعمقها. صفات عرفتها في معظم شعراء النثر في بلادي، لا أعرف ما السر؟ لكنها صفات أحبها وهي صفات تشبه تماماً الشعر الذي يكتبون. يقول في إحدى قصائد ديوان فراغ في طابور طويل الحائز على جائزة توليولا الإيطالية: مرت حياته مثل سوء فهم متبادل في المرة الأولى التي قال فيها لا كانت اللاء الخاطئة هكذا وأنت تقرأ شعره، تشعر أنك تقرأ شيئاً يشبهك، شيئاً يتحرك في صدرك، هو يخرجه وينظر إليه ويكتبه، بلا صراخ، بلا ادعاء، بلا صخب، هو يتفرج على صدره ويكتب، شجن كثيف، حزن صامت. حزن بلا دموع. عن النبتة الغريبة يقول: كانت حزينة طوال الوقت أو هكذا أعتقد حزينة لا المكان يسعها ولا أحد يعرف اسمها ولا أحد يصدق أنها نبتة حقيقية اللغة قريبة، المفردات بسيطة، جميلة، كأنها فنجان القهوة الذي تشربه، أو شعاع الشمس الذي عبر النافذة واستقر إلى جوارك. الحنين الذي لا يتوقف عن نكزك، لا يجرحك لكنه باق، يتجدد ويتبلور ويتحول إلى فلسفة تمنحنا القدرة على البقاء صادقين مع أنفسنا غرباء وسط الآخرين. "تخذلنا المسافة لأنها نسبية الصور لأنها لا تنسى الوثن لأننا نصنعه بأيدينا المطر الذي لا نجد أحداً نخبره بهطوله" عناوين دواوينه تشي بما يكتب، تنتبه وأنت تقرؤها أن الأشياء العابرة تسكنه، قاموسه يكاد يخلو من الثبات والرسوخ، كل الأشياء إلى زوال، كل الأشياء يغلفها ضباب، وكلها مؤقتة أو منسية أو تائهة في برزخ الظنون. "البراري التي يركض فيها الدفء البراري الجرداء دونما نتوءات أو تجاعيد المكتنزة بينابيع متدفقة بهضاب وتضاريس وأحافير وآثار البراري الناعمة الملساء أضيع فيها بمحض إرادتي ظامئا وسعيدا" هذه كانت قصيدة لذة من ديوانه تماماً كما كنت أظن. كثيرة القصائد التي أود أن أقطفها وأزرعها هنا، قصائد تتمشى مع الغيم، وتلتقط الصور وسط الضباب، قصائد تفكر وتضيع وتنسى. لكنها في النهاية تبقى مزروعة كابتسامة لقيا الحبيب أو حين تخطر ذكراه على البال.


الغد
١٦-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- الغد
"روافد الإيقاع الداخلي في السرديات الشعرية".. دراسات تطبيقية للخزاعلة
عزيزة علي عمان - في محاولة نقدية جادة لاستكشاف الموسيقا الخفية التي تسري في جسد القصيدة الحديثة، صدر عن "الآن ناشرون وموزعون" كتاب جديد للباحث الدكتور صالح الخزاعلة بعنوان "روافد الإيقاع الداخلي في السرديات الشعرية: (شجرة الكون) أنموذجا"، ويشكل امتدادا لمشروعه النقدي الذي بدأه في الجزء الأول المعنون بـ"روافد الإيقاع الداخلي في سردية (شجرة الكون)". اضافة اعلان يتناول الخزاعلة في هذا العمل الإيقاع الداخلي في قصيدة النثر، عبر دراسة تطبيقية معمقة لأعمال الشاعر الأردني جميل أبو صبيح، مركزا على مجموعته "شجرة الكون"، ومحللا روافدها الإيقاعية والجمالية من خلال دور الراوي الذي يقود إيقاع النصوص بوصفه "مايسترو" السرد الشعري. في هذا الكتاب، لا يكتفي الخزاعلة باستعراض الأبعاد الموسيقية للنصوص الشعرية الحديثة، بل يغوص في تفاصيل البنية الإيقاعية التي تتشكل بعيدا عن الأوزان التقليدية، ليكشف عن شبكة من العلاقات الداخلية التي تصنع إيقاع القصيدة وتمنحها طاقتها التعبيرية الفريدة. ويأتي هذا الجهد النقدي في سياق أكاديمي بحثي؛ حيث تشكل مادة هذا الكتاب جزءا من متطلبات مرحلة الدكتوراه في الجامعة الهاشمية، ضمن مساق "الموسيقا في الشعر"، بإشراف الشاعر والناقد الدكتور ناصر شبانة، الذي قدم للكتاب واعتبره إضافة نوعية في حقل الدراسات النقدية الحديثة. في التمهيد، يوضح الدكتور الخزاعلة أن هذا الكتاب جاء ضمن متطلبات مرحلة الدكتوراه في الجامعة الهاشمية، وتحديدا في مساق "الموسيقا في الشعر"، الذي تشرف فيه بالدراسة بإشراف أستاذه في مرحلة الماجستير، الشاعر والناقد الدكتور ناصر شبانة. وقد وضع خطة بحثية من جزأين: الأول نظري تناول فيه الإيقاع الداخلي وروافده، أما الثاني فتناول فيه تطبيقيا روافد الإيقاع الداخلي في السردية الشعرية شجرة الكون. وقد اختار هذا النص تحديدا لما رآه أستاذه فيه من غنى فني عال في هذا المجال، حيث سعى الخزاعلة، بعد قراءات معمقة للنص، إلى استجلاء عناصره الإيقاعية. يشير الخزاعلة إلى أن كتابه هذا يتناول "روافد الإيقاع الداخلي"، أو ما يعرف بـ"الموسيقا الداخلية" في القصيدة العربية المعاصرة. إذ تتميز هذه القصيدة بوجود إيقاع داخلي مستقل عن التفعيلات والإيقاع الخارجي التقليدي الذي اعتاده النقاد والباحثون. كما يناقش الكتاب دور الراوي (المايسترو) في توجيه الإيقاعات الداخلية والتحكم بها، ويسعى في بداياته إلى تحديد مفهوم الإيقاع الداخلي، ثم استكشاف أبرز روافده التي تسهم في تشكيل الإيقاع في القصيدة العربية الحديثة، خصوصا في "قصيدة النثر" أو "السرديات الشعرية"، التي تمثل موضوع الدراسة. ويقول المؤلف إنه، من خلال هذا الكتاب، عاين عددا من الدراسات التي تناولت الإيقاع الداخلي في القصيدة العربية، وتوصل إلى أن أبرز الروافد التي يتشكل منها إيقاع القصيدة تتمحور في: التكرار بأنواعه (تكرار الأسماء، الأفعال، الجمل، العبارات والحروف)، إضافة إلى العناصر السردية، وأهمها دور الراوي "المايسترو"، الذي يعكس شخصية الشاعر، ويضبط إيقاعات القصيدة صعودا ونزولا من خلال سرد الأحداث وتتابع الأفعال وتآلف الجمل والكلمات في نسق شعري معبر. كما تلعب الصورة الشعرية دورا بارزا في تشكيل الإيقاع الداخلي، خصوصا من خلال مبدأ الثنائية (الصورة المنسجمة مع الواقع، والمتناقضة معه)، حيث يشكل التبادل الصوري نوعا من الإيقاع التصاعدي المعبر عن انفعالات الشاعر وعواطفه بطريقة موسيقية تتفاعل مع المتلقي. ويؤكد المؤلف أن هذا الكتاب يتناول السردية الشعرية في "الشجرة الكونية" للشاعر الأردني جميل أبو صبيح، ويعالج دورها في نمو الإيقاع الداخلي للقصيدة، كاشفا عن آليات اشتغاله وتفاعله التراتبي داخل النص. وفي مقدمة الكتاب، يبرز المؤلف أن الشعر العربي هو شعر متطور انساب عبر حركة تاريخية ابتدأت في الجاهلية، وتطور بتطور الحياة الثقافية والاجتماعية في العالم العربي. وقد حافظ على تقاليده الإيقاعية المستندة إلى تفعيلات الخليل العروضية وأوزان بحصوره الشعرية إلى أن وصلت إيقاعاته المنتظمة والموزونة إلى الحياة العربية المعاصرة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، حيث بدأت حركة شعر التفعيلة على يد "نازك الملائكة وبدر شاكر السياب"، ثم تلاها الشعراء العرب فيما بعد، وهو شعر اعتمد على البساطة والميل إلى التخفيف من القيود والوزن والبحور العروضية. وقد أدت هذه المتغيرات الإيقاعية على مستوى الوزن والقافية عند الشعراء إلى البحث عن تطور جديد في بناء القصيدة العربية لاحقا، وظهر تيار "قصيدة النثر" بقيادة أدونيس وأنسي الحاج وآخرين، متأثرين بالنموذج الفرنسي الساعي إلى الانفلات من الإيقاعات والأوزان الشعرية والقوافي التقليدية. ويرى المؤلف أن هذه المتغيرات الإيقاعية دفعت الشعراء إلى البحث عن أنماط إيقاعية جديدة تقوم على علاقات داخلية، بعيدا عن القوالب الجاهزة، وهذا ما سعى إلى توضيحه من خلال دراسة سرديات أبو صبيح. كما يركز الكتاب على ما ينتج عن الأثر النفسي للحالة الشعورية والانفعالات والدلالات الناتجة عن روافد الإيقاع. وخلص المؤلف إلى أن هذا الكتاب يعد محاولة لاستيضاح العلاقات الداخلية التي تنهض عليها قصيدة النثر في تشكيل إيقاعها الداخلي، مع إبراز الدور الذي يؤديه "الراوي-المايسترو" في التحكم بأهم الروافد، بما يتناسب وصناعة هذا النمط من الإيقاعات في سرديات جميل أبو صبيح، نظرا لقوة حضور الراوي في قصائده النثرية المسماة بـ"السرديات". كما يتناول الكتاب الإيقاعات المتشكلة بفعل الأثر النفسي الناتج عن الانفعالات، والحالة الشعورية، والدلالات التي تفرزها تلك الروافد. بدوره، أكد مقدم الكتاب الدكتور ناصر شبانة، أن تجربة الشاعر جميل أبو صبيح الشعرية تستحق المزيد من التأمل والدراسة من قبل النقاد والباحثين، لما تتميز به من خصوصية وتفرد. وقال شبانة "إن أبو صبيح شاعر مختلف، خاض غمار قصيدة النثر، ذلك المركب الصعب، من دون أن يعجز عن كتابة شعر التفعيلة أو شعر الشطرين، فقد جرب مختلف أشكال القصيدة العربية، ثم اختار عن وعي قصيدة النثر، مستثمرا خبرته وتجربته في بناء مدماكها العويص، ونجح في ذلك؛ إذ استطاع أن يخلق الإيقاع البديل -إيقاع النص- بمعزل عن تفعيلات الخليل بن أحمد". وأوضح شبانة، في تقديمه، أن أبو صبيح تمكن من إضفاء موسيقا داخلية خاصة على نصوصه، دون اللجوء إلى "الوصفة الجاهزة" التي يعتمدها كثير من الشعراء من خلال الأوزان والقوالب التقليدية، التي يمكن لأي شاعر أن يملأها بالكلمات دون عناء. وأضاف: "لقد شاء أبو صبيح أن يرفع سقف القصيدة على أعمدة غير مرئية، فجاء نصه معلقا على إيقاع خفي، فاعل، قادر على حمل ثقل القصيدة دون الاستعانة برافعات الوزن التقليدي من بحور خليلية أو قوافٍ مكرورة". وأردف: "هذا ما يثير الإعجاب في تجربته، إذ تنساب عباراته وكلماته في فضاء من الإيقاع الشفيف، الذي يتغلغل في مسام النصوص، ليغدو جزءا لا يتجزأ منها، لا مجرد إيقاع خارجي طافٍ على سطح النص أو منساب في هوامشه". وبين الدكتور شبانة أن الباحث صالح الخزاعلة قدم في هذا الكتاب قراءة نقدية معمقة في سرديات أبو صبيح، تمثلت بلفتات جريئة وإضاءات عميقة كشفت عن مكنونات التجربة الشعرية، وارتفعت بها إلى آفاق تحليلية راقية، ما يجعل هذا العمل النقدي إضافة تستحق الالتفات والاهتمام.