أحدث الأخبار مع #كارلماركس


الديار
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الديار
من لبنان الطائفيّة الى لبنان العلمنة... حلم أم حقيقة؟ و كيف؟
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب في العام 1843 كتب الفيلسوف والاقتصادي الألماني اليهودي الأصل كارل ماركس في أحد كتبه ما معناه "أن الدين والطائفية هما مخدر للشعوب". وفي عام 1853 كتب الفيلسوف والكاتب الفرنسي فيكتور هوغو في كتابه "آدم و حوا": "البشر يتشاجرون ويحاربون منذ 6000 سنة، بينما الله ينثر الزهور بيديه في الظل". لم ينكر كارل ماركس وجود الخالق أو وجود الله، بل كان يريد أن يحرر الطبقة الفقيرة من عبودية رأس المال، الذي كان بيد الكنيسة والإكليروس في القرن الثامن عشر خاصة المسيحيين، وفي يد أعلى سلطات في الديانة اليهودية. وكان رجال الدين أو الكنيسة الغربية والكنيسة الشرقية ورجال الدين "اليهود" يملكون أغلبية الثروات، وكانت العائلات المتوسطة الدخل والفقيرة، تعمل مع أولادها في مؤسساتهم كالعبيد دون أي معاملة إنسانية. أما فيكتور هوغو فأراد أن يقول إنه منذ نشأت "الطائفة اليهودية" على يد النبي إبراهيم منذ 6000 سنة، ومن ثم المسيحية وأخيرًا الإسلام، والرجال يخوضون الحروب فيما بينهم باسم الله واحد وعدة أنبياء، ويختم هوغو بما معناه أن الله الواحد يتفرج. وكان كارل ماركس ملهم الشيوعية، الذي كان قائدها وأول رئيس للاتحاد السوفييتي فلاديمير لنين، التي تؤمن بالمساوات بين جميع شرائح المجتمع، لكن تبين لاحقآ أن الشيوعية كانت مشروعا اقتصاديا فاشلا جدًا، بخاصة أنها تزامنت مع رؤساء دكتاتوريين وسفاحين لا سيما في الاتحاد السوفياتي مثل جوزيف ستالين، والصين مثل ماو تسي تونغ. في العام 1905 قررت فرنسا، التي كانت تضم أغلبية ساحقة من المسيحيين إضافة إلى أقليات من المسلمين و"اليهود"، قررت اعتماد العلمنة، ولاحقًا لحقت بها أغلبية الدول الأؤروبية. فأصبحت فرنسا دولة علمانية تحترم كل الأديان، ويحق لأي فرنسي ممارسة شعائره الدينية الخاصة بحرية، وتبوؤ أي منصب في الجمهورية ضمن دولة نظامها الدستوري علماني. لكن لتصل فرنسا إلى العلمنة الكاملة، طبقت إجراءات قاسية وصارمة في البداية. لبنان المؤلف من طائفتين أساسيتين، وهما المسيحية والإسلام مع عدة مذاهب، لم يفكر حتى الآن أو ربما لا يريد أن يفكر أحد جديًا في كيفية الخروج من الطائفية والذهاب نحو العلمنة، أو ربما بعض الدول الإقليمية والدولية عملت على أن يبقى لبنان بلدا طائفيا منقسما على نفسه، وأغلبية أحزابه الفاعلة طائفية وحتى بعضها مذهبية. وبالعودة إلى كارل ماركس تحولت الكنيسة إلى أحزاب مسيحية تعامل أغلبية المسيحيين كأتباع لديها. وتحول الجامع إلى أحزاب مسلمة تعامل أغلبية المسلمين كأتباع لها أيضًا. فهنالك الآن 7 أو 8 زعماء أحزاب من الإقطاعيين الطائفيين، وأمراء حرب أيضًا طائفيين يملكون المال والسلطة ووسائل الإعلام والعلاقات، ويتحكمون بأغلبية الـ 5 مليون لبناني. وعند أي استحقاق دستوري وبخاصة الانتخابات النيابية، تبدأ هذه الأحزاب بإثارة الغرائز الطائفية كل على طريقته، وترفع شعارات تثير مشاعر المواطن بدل طرح مشاريع سياسية اقتصادية وإنمائية جدية لمصلحة كل لبنان، وبما أن الشعب اللبناني شعب عاطفي جدًا يتأثر بسرعة، وينتخب حسب غريزته الطائفية وحسب مشاعره. من الواضح جدًا أن أغلبية الزعماء لا تريد تطبيق العلمنة في لبنان، حفاظًا على مكتسباتهم الطائفية. يقول مرجع سياسي مسيحي مطلع إن العلمنة على المدى المتوسط والطويل تحافظ على الوجود وحقوق المسيحيين، شرط أن يكون الشريك المسلم صادقا في تطبيق العلمنة على أؤصولها، وأن يتم إنشاء هيئة مؤلفة من دكاترة في التاريخ وفي علم المجتمع وفي التعليم المدرسي والجامعي، وعلماء نفس ورجال دين وسياسيين معتدلين... لدراسة ما هي أفضل طريقة لتطبيق العلمنة في لبنان، لكن الأهم أن تطبق العلمنة في النفوس قبل النصوص، وهنا يأتي دور الأهل والمدرسة ووسائل التواصل الاجتماعي، وبرامج تثقيفية خاصة للأولاد والكبار تبث على شاشات التلفزة وفي وسائل الإعلام والجامعات، كما أن السياحة الداخلية مهمة جدًا، وإقامة مهرجانات في جميع المناطق اللبنانية، واختلاط الشعب اللبناني ببعضه في السياحة الداخلية، التي تساعد أي مواطن لبناني على التعرف الى تقاليد أخيه اللبناني من غير منطقة ومن غير ديانة. فهذا الاندماج يكسر إلى حد كبير الحواجز النفسية، ونبدأ نشعر جميعا أننا سواسية، وما يجمعنا أكثر بكثير مما يفرقنا، بخاصة إذا كان يجمعنا وطن واحد اسمه لبنان ومصير واحد. فالثورة في تشرين 2019 جمعت كل الطوائف، وحجز الأموال في المصارف شمل كل الطوائف، والأزمات المتتالية تصيب كل الطوائف... وهذا يعني مصيرا واحدا. من حق أي لبناني أن ينتمي إلى طائفة معينة وإلى حزب طائفي معين، لكن من المعروف أن حرية الفرد تنتهي عندما يتعدى على حرية الآخر. ويقول مصدر سياسي علماني إن اللامركزية الإدارية الموسعة، قد تساهم في إرساء العلمنة لأنها قد تخفف من التشنجات بين بعض الأفرقاء، ونتمنى على الرئيس عون وعلى دولة الرئيس سلام أن يعملا بسرعة على تنفيذ اللامركزية الإدارية الموسعة، كخطوة أولى نحو إرثاء العلمنة الشاملة.

الدستور
٠٥-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الدستور
"بين الفلسفة والسياسة".. كيف صنع كارل ماركس فكرًا غيّر العالم؟
في مثل هذا اليوم وتحديدا 5 مايو لعام 1818، وُلد كارل ماركس في مدينة ترير الألمانية، ليصبح أحد أكثر المفكرين تأثيرًا في التاريخ الحديث، فلم يكن "ماركس" مجرد فيلسوف أو اقتصادي، بل كان ثوريا حمل في كتبه ومقالاته نداءً لتحرير الإنسان من الاستغلال، واضعا أسس نظرية ما زالت تُلهب الجدل وتثير الإعجاب أو النفور حتى يومنا هذا؛ "الماركسية". من ترير إلى برلين: ميلاد العقل المتمرّد نشأ كارل ماركس في أسرة يهودية تحوّلت للمسيحية لأسباب اجتماعية، لكنه لم يكن يومًا أسيرًا لعقيدة أو طائفة، فقد تأثّر منذ صغره بأفكار التنوير ونزعة الشك، وشرع في دراسة القانون والفلسفة متنقلا من بون إلى برلين، حيث التقى بفكر هيجل، ثم تمرّد عليه لاحقًا، وانضم إلى "الهيجليين الشباب"، لكنه كان يبحث عن فلسفة لا تكتفي بتفسير العالم بل تغيّره. في تلك الأجواء، تشكّل وعيه السياسي، وبدأت بذور نقده للرأسمالية تنمو، خاصة بعد قراءته لأعمال لودفيج فيورباخ، الذي أزاح الروح لصالح المادة، فقرر "ماركس" أن يجمع بين جدلية هيجل ومادية فيورباخ ليبدأ مشروعه الفكري الثوري. الصحفي المنفي.. الباحث عن الحقيقة في عيون الفقراء في عام 1842، تولّى كارل ماركس رئاسة تحرير صحيفة "الراينيشه تسايتونج"، وهناك بدأ يصطدم بقوة مع الرقابة البروسية بسبب مقالاته الجريئة عن الفقر والحرية والعدالة، ومع إغلاق الصحيفة، بدأ رحلة المنافي التي شكّلت مسيرته: من باريس إلى بروكسل، ثم إلى لندن التي قضى فيها بقية حياته. في باريس، بدأ "ماركس" أول احتكاك مباشر بالحركات العمالية والشيوعية، وهناك كتب أولى مخطوطاته الفلسفية الاقتصادية، ليعلن أن جوهر الإنسان لا يتحقق إلا في عمله، وأن الرأسمالية تغترب بالإنسان عن نفسه. ماركس وإنجلز... رفيقا الفكر والثورة التقى كارل ماركس عام 1844 برفيقه الفكري والسياسي فريدريك إنجلز، فبدأ تحالف فكري قلّ نظيره في التاريخ. معًا، كتبا في عام 1848 كتيّبًا صغيرًا سيُغيّر العالم: البيان الشيوعي، الذي صدّر بجملة لا تُنسى: "إن تاريخ كل المجتمعات حتى يومنا هذا هو تاريخ صراعات الطبقات". لم يكن البيان مجرد دعوة ثورية، بل خلاصة نظرية في فهم آليات التاريخ والاقتصاد والمجتمع. ومع اشتعال الثورات الأوروبية في العام نفسه، شارك ماركس بفعالية في ألمانيا، لكن الهزيمة أعادته إلى المنفى. سنوات العزلة... وولادة "رأس المال" استقر كارل ماركس في لندن منذ 1849، وعاش سنوات من الفقر المدقع، مات خلالها بعض أبنائه جوعًا ومرضًا، لكنه لم يتخل عن مشروعه الفكري، وبدعم دائم من إنجلز، بدأ في كتابة مؤلفه الأضخم: "رأس المال"، الذي نُشر جزءه الأول عام 1867، بينما ظل الجزءان الثاني والثالث حبيسي أوراقه حتى نشرهما إنجلز بعد وفاته. في هذا العمل، حلّل "ماركس" آليات النظام الرأسمالي، كاشفًا التناقض بين العمل ورأس المال، ومبينًا كيف تؤدي علاقات الإنتاج إلى تراكم الثروة لدى القلة وتفقير الأغلبية. اعتبر ماركس أن التغيير لا يأتي من الأخلاق أو الأمنيات، بل من حتميات مادية وتاريخية تنبع من تطور قوى الإنتاج. ماركس الأممي... وقصة كومونة باريس في ستينيات القرن التاسع عشر، عاد "ماركس" إلى النشاط السياسي من خلال تأسيس الأممية الأولى (1864)، حيث صاغ بيانها التأسيسي، ودعا إلى وحدة الطبقة العاملة على مستوى العالم، وعندما اندلعت ثورة كومونة باريس عام 1871، وقف إلى جانبها، وكتب مدافعًا عنها في عمله الشهير "الحرب الأهلية في فرنسا". رأى في الكومونة أول نموذج لدكتاتورية البروليتاريا، أي حكم الطبقة العاملة، بديلا عن استبداد البرجوازية. رحيل كارل ماركس توفي كارل ماركس في لندن يوم 14 مارس 1883، ولم يحضر جنازته سوى أقل من 20 شخصا، ولكن الرجل الذي مات معدما، ترك وراءه أفكارا غيّرت وجه القرن العشرين، وكانت وراء تأسيس حركات، وثورات، وأحزاب، ودول.


Independent عربية
٠٤-٠٥-٢٠٢٥
- أعمال
- Independent عربية
تقديس التجارة وتهميش الوظيفة... وهم الثراء السريع
كثيراً ما شكلت الوظيفة محوراً لجدل فكري واجتماعي بين من ينظر إليها كوسيلة لتحقيق الاستقرار المالي وتطوير الذات، ومن يراها عائقاً أمام الطموح وكبحاً للحرية المالية. ومع تغير الزمن وظهور ثقافة ريادة الأعمال، لا سيما في مجال التجارة الإلكترونية، باتت الوظيفة هدفاً لانتقادات متزايدة، حتى وصفت في بعض الطروحات بأنها "عبودية العصر الحديث". وفي الآونة الأخيرة برز محلياً خطاب جديد تتبناه شريحة من الأفراد الذين يمتلكون امتيازات مالية، سواء من خلال الثروات الموروثة أو عبر دعم مكنهم من إطلاق مشاريعهم الخاصة. وبدأ بعضهم باستخدام منصات التواصل الاجتماعي والبودكاست للترويج لفكرة أن الاستقالة من الوظيفة هي أقصر الطرق نحو الثراء، متجاهلين في كثير من الأحيان الفروق الجوهرية في رأس المال والخبرة وشبكات الدعم المتاحة. العبودية المأجورة تروج بعض الخطابات عبارات رنانة من قبيل "استقل وابدأ مشروعك الآن" أو "التجارة الإلكترونية أبسط مما تتخيل"، مرسومة بمشهد مثالي يخلو من التحديات والأخطار، غير أن هذه الدعوات تتجاهل واقع كثر ممن لا يملكون رأس مال كافياً أو شبكة علاقات داعمة أو حتى هامشاً لتجربة الفشل. وعلى رغم أن هذه الرسائل قد تحمل طابعاً تحفيزياً، فإنها غالباً ما تغفل عن سرد التفاصيل الفعلية للتجربة، وتتجاهل العقبات والفوارق في الفرص والظروف التي يواجهها رواد الأعمال، والنتيجة أن بعض الموظفين يشعرون بالإحباط، حين يخيل إليهم أن الوظيفة عقبة أمام الطموح لا مرحلة أساسية في بنائه. يدرج بعض المتحمسين لهذا الخطاب ضمن ما يعرف بنظرية "العبودية المأجورة"، في محاولة لإعادة تعريف العلاقة التقليدية بين الفرد والعمل المأجور خارج سياقها الاقتصادي والاجتماعي، إذ بدأ كثير من الأفراد يشعرون بالنفور من وظائفهم وتدهور لديهم الشعور بالرضا النفسي، نتيجة قناعة متزايدة بأن العمل الوظيفي يعني "خدمة الآخرين" لا الذات، مما دفعهم إلى البحث عن بدائل أكثر تحرراً وربحية عبر مشاريع شخصية. الأصول لا الأجور ومن الناحية الفكرية يعود أصل هذا النقد إلى التيارات الاشتراكية والشيوعية، إذ كان الفيلسوف كارل ماركس من أبرز من هاجموا نظام العمل المأجور، معتبراً أن العامل في النظام الرأسمالي يعاني "الاغتراب"، إذ يعمل لتحقيق أرباح لأصحاب رؤوس الأموال لا لذاته، وشبه ماركس العمل في المصانع بـ"العبودية المأجورة"، لأن العامل لا يملك أدوات الإنتاج، بل يبيع جهده ووقته مقابل أجر لا يعكس قيمته الحقيقية. وقد تطورت هذه الفكرة لاحقاً في كتابات مفكرين مثل بيير جوزيف برودون، الذي رأى أن العامل المأجور لا يختلف كثيراً عن العبد، ما دام مصدر رزقه مرتبطاً برضا صاحب العمل. ومع تعاظم هيمنة الاقتصاد الصناعي ترسخ تصور الموظف باعتباره "ترساً في آلة ضخمة"، يستغل لمصلحة الشركات الكبرى، ولا ينظر إليه كعنصر مستقل أو مبدع. كذلك أسهمت شخصيات بارزة مثل إيلون ماسك وجيف بيزوس وغاري فاينرتشوك في الترويج لفكرة أن ريادة الأعمال تمثل المخرج الوحيد، مما يعرف بـ"السجن الوظيفي"، مما أدى إلى انتشار عبارات لافتة على مواقع التواصل الاجتماعي من قبيل "استقل وابدأ مشروعك" و"الوظيفة قبر الأحلام". حتى الفيلسوف الألماني فريدريش نيتشه عبر عن موقف مشابه حين قال إن "من لا يملك ثلثي يومه لنفسه فهو عبد"، بغض النظر عن مهنته، سواء كان رجل دولة أو موظفاً أو حتى عالماً. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) في العقود الأخيرة أسهمت كتب تحفيزية مثل "الأب الغني والأب الفقير" للمؤلف الأميركي روبرت كيوساكي في ترسيخ قناعة شائعة مفادها أن الوظيفة تبقي الإنسان في دائرة الفقر، وتجعله أداة لبناء ثروة الآخرين، مشدداً على أن الاستقلال المالي لا يتحقق إلا من خلال امتلاك الأصول وإدارة المشاريع الخاصة. غير أن كيوساكي نفسه قدم طرحاً مغايراً في إحدى مقابلاته التلفزيونية، حين قال "إذا أردت تأسيس مشروعك التجاري ابدأ بالعمل في 'ماكدونالدز'، إنها مؤسسة قوية تمتلك نظاماً تدريبياً احترافياً"، في إشارة إلى أن الوظيفة قد تشكل خطوة أولى نحو بناء الثروة من خلال اكتساب المهارات والانضباط المؤسسي. الوظيفة... الطريق نحو الثراء وفي السياق ذاته، نشر عبدالعزيز البكر، وهو أحد المهتمين بتطوير ريادة الأعمال في السعودية، مقالاً عبر منصة "لينكد إن"، عبر فيه عن رفضه الخطاب المتداول على منصات التواصل، الذي يصور الوظيفة كعائق أمام النجاح والطموح، مؤكداً أن "الوظيفة ليست عبودية، بل قد تكون بوابة عملية نحو الثراء الحقيقي". ويرى البكر أن كثيراً من الشباب يفتقرون إلى رأس المال والخبرة الضرورية لبدء مشاريعهم الخاصة، لذا فإن الوظيفة تعد خياراً واقعياً لجمع المال وفهم طبيعة السوق وتطوير المهارات داخل بيئة منظمة وآمنة، ولفت إلى أن عدداً كبيراً من المشاريع الناشئة تتعرض للفشل في مراحلها الأولى نتيجة الاندفاع أو ضعف الخبرة. ويؤكد أن المقارنة المطلقة بين الوظيفة والعمل الحر غير منصفة، قائلاً "ليست الوظيفة دائماً أسوأ من التجارة، ولا العكس، فلكل طريق مزاياه وتحدياته"، داعياً إلى النظر إلى الوظيفة كمرحلة تأسيسية تمنح الشخص الموارد والخبرة التي تمكنه لاحقاً من دخول عالم ريادة الأعمال بثقة واستعداد. وانتقد البكر ما اعتبره "رومانسية مفرطة" في الترويج لريادة الأعمال، مشيراً إلى أن هذا الخطاب يغفل تعقيدات الإدارة والتمويل ومتغيرات السوق. واستشهد بإحصاءات عالمية تفيد بأن نسبة عالية من المشاريع تفشل خلال أعوامها الأولى، في حين توفر الوظائف الرسمية استقراراً مالياً ومزايا مهمة، مثل التأمين الصحي ودعم الإسكان والتعليم، وهي امتيازات قد لا تكون متاحة لرواد الأعمال في بداياتهم. خرافات التجارة الإلكترونية بينما يواصل قطاع التجارة الإلكترونية في السعودية نموه اللافت وتحقيقه أرباحاً متصاعدة، بدأت منصات التواصل الاجتماعي تمتلئ بخطابات تسويقية تروج للدخول السريع إلى هذا القطاع تحت عنوان "الثراء السريع"، ويقف خلف هذه الرسائل بعض ممن يصفون أنفسهم بـ"المتخصصين"، ممن يستغلون حضورهم الرقمي لتسويق خدمات تدريبية أو إعلانية تحت غطاء تقديم النصائح المجانية. وفي هذا السياق، استعرضت المؤسسة المشاركة لمنصة تجارة إلكترونية نسائية، كيت إيسلر، في مقال لها على موقع "أنتروبرونور" (Entrepreneur)، ثلاث خرافات شائعة توهم المقبلين على هذا المجال بسهولة الربح، بينما الواقع يفرض استثماراً كبيراً من الوقت والمال والمعرفة. الخرافة الأولى تفترض أن إنشاء متجر إلكتروني لا تتجاوز كلفته 19 دولاراً شهرياً، متجاهلة الكلف الأساس مثل شراء النطاق وتأمين الموقع وتهيئة بوابات الدفع وتحسين محركات البحث، وهي نفقات قد ترفع الكلفة السنوية إلى آلاف الدولارات. أما الخرافة الثانية فتوحي بأن العملاء سيجدون المتجر تلقائياً بمجرد إطلاقه، في حين أن جذب الانتباه في سوق مزدحمة يتطلب حملات تسويقية مدفوعة، ووجوداً مكثفاً على شبكات التواصل، وجهداً مستمراً لبناء الثقة والوعي بالعلامة التجارية. وتتمثل الخرافة الثالثة في الاعتقاد بأن الدخل سيتدفق سريعاً بعد الإطلاق، بينما يتطلب هذا القطاع فهماً معمقاً لأدوات التسويق الرقمي، وحلاً مستمراً للمشكلات التقنية، والمنافسة مع علامات تجارية راسخة في السوق. الوظائف… دخل ثابت في وجه الخطاب المضلل وفي ظل حملات "شيطنة" الوظائف على بعض برامج البودكاست والمنصات الرقمية، تشير البيانات الرسمية إلى أن الوظائف المتخصصة في السعودية توفر دخلاً شهرياً ثابتاً واستقراراً مالياً غالباً ما يتفوق على العوائد المتذبذبة للمشاريع الفردية الناشئة. وبحسب تقرير المرصد الوطني للعمل لعام 2023، ارتفع متوسط أجور السعوديين العاملين في القطاع الخاص إلى 9600 ريال (نحو 2560 دولاراً)، مقارنة بـ6600 ريال (نحو 1760 دولاراً) عام 2018. كما أظهر التقرير أن عدد السعوديين الذين يتقاضون أجوراً تفوق 20 ألف ريال (نحو 5330 دولاراً) بلغ نحو 202700 موظف، بينما تجاوز عدد من يحصلون على أكثر من 40 ألف ريال (نحو 10660 دولاراً) حاجز 44 ألف موظف. ويعزى هذا الارتفاع إلى تنامي المهارات القيادية لدى الكفاءات الوطنية، وزيادة الطلب عليها في المشاريع الكبرى والشركات الرائدة. إقبال متزايد على التجارة… ونمو في السجلات التجارية وفي المقابل، كشفت وزارة التجارة السعودية عن تسجيل نمو بنسبة 60 في المئة في إصدار السجلات التجارية خلال عام 2024 مقارنة بالعام السابق، في مؤشر إلى ازدهار بيئة الأعمال واتساع قاعدة رواد الأعمال. وبلغ إجمال عدد السجلات التجارية المصدرة خلال عام 2024 نحو 521969 سجلاً، مقابل 368038 سجلاً في 2023، وتوزعت بين 368038 سجلاً للمؤسسات الفردية و153931 سجلاً للشركات. كذلك أظهرت البيانات أن عدد السجلات التجارية القائمة في جميع مناطق المملكة بلغ 1606169 سجلاً بنهاية 2024، مما يعكس توجهاً متنامياً نحو ممارسة الأنشطة التجارية في مختلف القطاعات.


لكم
٢٤-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- لكم
مشكلة الوعي الزائف وشروط امكان الوعي الحقيقي
الترجمة 'إن تاريخ الطبيعة، أو ما نسميه 'العلوم الطبيعية'، لا يهمنا هنا؛ ولكن 'سيتعين علينا أن نتعامل مع تاريخ البشر، لأن الأيديولوجية بأكملها تقريبًا قد تم تقليصها إما إلى مفهوم خاطئ لهذا التاريخ أو إلى تجريد كامل من هذا التاريخ. ' (كارل ماركس: الأعمال الفلسفية، المجلد السادس، ص 153-154). تتعلق مشكلة الوعي الزائف بالتاريخ الألماني الحديث بطريقتين. ومن ناحية أخرى، يعود الفضل في وضع الأسس الفلسفية لهذه المشكلة إلى المنظرين الماركسيين غير التقليديين في ألمانيا في عهد جمهورية فايمار. علاوة على ذلك، فإن العقيدة الاشتراكية الوطنية تمثل بلا شك مثالاً نموذجياً للأيديولوجية بالمعنى الماركسي للمصطلح، أي على وجه التحديد نظام أفكار غريب عن الواقع وحامل لوعي زائف. ومن الواضح أن هذا التفسير للاشتراكية الوطنية باعتبارها وعياً زائفاً له تأثير على مسألة المسؤولية الألمانية التي أثارت الكثير من الجدل، ولكن ليس من شأننا الخوض في تفاصيل هذه المسألة هنا. ومن المؤكد أن النقاد الألمان لكتابنا سوف ينظرون فيه ويناقشونه. إن وضع الماركسية ككل فيما يتصل بمشكلة الوعي الزائف مماثل. إن نظرية الأيديولوجية ونتيجتها، نظرية الوعي الزائف، هي من أصل ماركسي؛ إنها تشكل فصلاً – بالنسبة لنا الفصل الرئيسي – من مجال الاغتراب العظيم. ولكن إذا كانت الماركسية قد قدمت المقدمة لموقف نظري بشأن هذه المسألة، فإنها قدمت أيضاً توضيحها غير الطوعي: فلم يكن اغتراب الروح الإنسانية في أي مكان أكثر عمقاً مما كان عليه في الستالينية، ولم يكن أي شكل من أشكال الوعي السياسي أكثر زيفاً من هذا. لكن النظرية التي أصبحت أيديولوجية سياسية لا تستطيع أن تدين نفسها. وإلى جانب الوعي الزائف، فقد أصبح هذا بمثابة تبلور للطلاق بين الماركسية النظرية والماركسية السياسية؛ نقطة اللاعودة التي قد تتحول عندها الماركسية إلى نظرية مدمرة للذات. إن الماركسية العقائدية كانت متسقة مع نفسها فقط في منع تطور أي نقد أيديولوجي بنيوي بشكل منهجي – وهو نقد لا ينفصل عن صحة مفهوم الوعي الزائف – ليحل محله رفض عالمي وغير متمايز للبنى الفوقية للمعسكر المعارض كما رأينا في روسيا وكما يبدو أنه ينشأ حاليًا في الصين. تنشأ مشكلة أولية لأي نظرية متماسكة للوعي الزائف: كيف نحدد الوعي الأصيل وبالعلاقة معه يمكن تسمية شكل آخر من أشكال الوعي 'زائفًا' وما هي الطبقة الاجتماعية التي تشكل مستودعًا للوعي الأصيل. المشكلة فلسفية واجتماعية. تقترح الماركسية الأرثوذكسية حلاً لهذه المشكلة، وهو الحل الذي لا يمنع من التماسك أكثر من التضحية باستقلالية مشكلة الضمير من أجل إنشاء فرع لعلم اجتماع المعرفة. الضمير الضمير هو مجموعة من «النظريات غير الملائمة» التي لا يعتبرها القصور بمثابة مكافأة للمصلحة الطبقية. الضمير الأصيل – خلية البروليتاريا – هو مجموعة من 'النظريات المناسبة للواقع' التي تم إعدادها من قبل نظريات الأصل التي ليست بروليتارية، فهي بمثابة مصدر للطبقة العاملة الممثلة من قبل الحزب. لينين وكاوتسكي، اللذان كانا يقاتلان معًا، وجدا اتفاقًا لتقدير أن الضمير الطبقي البروليتاري يجب أن يأتي إلى الخارج. إنها تتزامن مع الحد الأقصى من الوقت مع إيديولوجية حزب غير قابل للفشل ومع الانتصارات القيمة في العلوم الاجتماعية. لقد صممنا مصطلح 'المفهوم المعرفي الماني' للضمير السياسي هذا التفسير الذي يميل إلى الظهور اليوم كجزء من مؤسسات النقد الإيديولوجي للماركسية الأرثوذكسية. بدلاً من العمل على إثبات بنية الاتصال بين الضمير والوجود، يتم تحملها للتنصل من خطأ الخصم. هذه النظرية تتوافق بشكل خاص مع الماركسية الأرثوذكسية، وهي لا تتسطح أبدًا مع التوجه العلمي والنزعة المانوية: الحقيقة ضد الخطأ، والروح العلمية ضد اللاعقلانية. ومع ذلك، فإن تبني الماركسية يلتزم باستقلالية مشكلة الضمير: يمكن أن يكون شكل من أشكال جائزة الضمير ثمرة «فورية» للحياة الاجتماعية ؛ يجب أن يتم تطوير نظرية اجتماعية من قبل المتخصصين. إن المفهوم الذي حاولنا الدفاع عنه في سياق العمل الحالي هو 'فكر ضد' هذا التفسير. نحن ننتقد مفهوم 'الآلة المعرفية' لقيامه بعقلنة مشكلة الوعي السياسي، متجاهلاً العامل غير العقلاني، الذي يظل دوره واضحاً رغم ذلك. ويمكننا أيضًا أن ننتقدها بسبب السذاجة التي تتعامل بها مع فكرة 'عدم الكفاية' (الخطأ) باعتبارها حقيقة لا تقبل الجدل وقادرة على أن تكون نقطة انطلاق، في حين أنها تفترض تحقيقًا منطقيًا ومعرفيًا صعبًا بالكامل. هل يمكن أن نعتبر الستالينية، التي قادت روسيا إلى النصر في أعظم الحروب، خطأً سياسياً حقيقياً؟ لا، بالتأكيد لا. فهل نحن ملزمون إذن بالموافقة على استيعابه للتروتسكية والنازية، وهوسه البارانويدي بالمؤامرة خارج الزمن، ورفضه المزمن للتاريخ، باعتبارها حقيقة علمية؟ هل كان الانتصار العسكري الذي حققته ألمانيا النازية، والذي لم يكن مستحيلاً على الإطلاق، من شأنه أن يحول بأثر رجعي أخطاء العنصرية إلى حقيقة علمية؟ ومن ثم يمكننا أن نرى مدى خطورة ادعاء تبرير مشكلة الوعي الزائف من خلال إقامة مفهوم 'الكفاية' كفئة مركزية. إن التعريف التقليدي للحقيقة: ملاءمة الشيء مع الفهم هو إطار فارغ يطالب بمحتوى: يمكن أن يأتي هذا المحتوى إما من أبحاث معرفية صعبة من النوع الذي قام به فيكتور بروشارد في الماضي، أو بسهولة أكبر من سلطة خارجية. إن المفهوم العقلاني للوعي السياسي يؤدي بعد ذلك إلى أيديولوجية استبدادية. كنا نعتقد أننا نستطيع الهروب من هذه التناقضات من خلال تأسيس أبحاثنا الخاصة ليس على معيار الكفاية ولكن على المعيار الجدلي، الخالي من رهن أي حكم قيمي معرفي. وعلى النقيض من أنصار الماركسية العقائدية، فإننا لا نعتبر مصطلح 'الديالكتيكي' مرادفًا لـ 'الحقيقة العلمية'. النهج العلمي هو توليفة من المناهج الديالكتيكية وغير الديالكتيكية. لا شك أن الوعي الديالكتيكي الكامل غير ممكن ولا حتى مرغوب فيه. لم تعد مشكلة الوعي الزائف تقع بين مصطلحات معضلة 'الحقيقة والخطأ'، حيث تميل إلى أن تصبح غير شخصية، ولكن بين مصطلحات 'التفكير الديالكتيكي' و'التفكير غير الديالكتيكي': فئتها المركزية ليست عدم الكفاية للواقع – لا يمكن تعريف مفهوم 'الكفاية للواقع' إلا بطريقة استبدادية – ولكن درجة الوظيفة التاريخية والشمولية (الديالكتيكية) للبيانات السياسية. ومن ثم فإن التصور السياسي المعادي للجدلية وغير التاريخي والمتجسد بشكل عنيد من شأنه أن يشكل الفئة الأساسية للوعي الزائف. نقطة البداية لهذا المفهوم هي دراسة خصصناها في عام 1949 لعلم نفس الشيوعية والتي تمكنا من إعادة نشرها مؤخرًا بفضل المساعدة المتميزة من دار نشر فيشر والسيد بيترو دوميتريو. إن 'علم نفس الفكر الشيوعي' هذا ينبغي أن يسمى الآن، بكل إنصاف، 'الأسس النفسية والمنطقية للأيديولوجية الستالينية'. في الواقع، لقد نجحت الشيوعية في التخلص من عزلتها إلى حد كبير منذ ذلك الحين؛ ربما تظل استنتاجاتنا التي توصلنا إليها في عام 1949 صالحة فيما يتصل بمشكلة الوعي الزائف؛ إنها لا تنطبق إلا جزئيا على الوعي الشيوعي لعام 1967، على الأقل على وعي المنظمات الخاضعة للنفوذ الروسي. لقد انطلقنا من الملاحظة التي مفادها أن الفكر الشيوعي، على الرغم من ادعائه بأنه جدلي، إلا أنه في مناهجه الفعلية يقع على النقيض تمامًا من المنهج الجدلي. إلى جانب النزعة المدرسية في العصور الوسطى، فإن الستالينية هي بلا شك المجموعة العقائدية الأكثر ثباتاً في معاداة الجدلية في تاريخ الأفكار بأكمله. إنها فكرة أنانية وهندسية، تهيمن عليها 'التعريف الزائف' وتعتمد على الوعي المتجسد. ربما كانت الأيديولوجية الستالينية تمثل الدرجة القصوى التي يمكن أن يصل إليها الوعي الزائف. في ذلك الوقت، عندما كنا نقرأ الصحافة الشيوعية أو نستمع إلى الخطابات الدبلوماسيين السوفييت، كان لدينا انطباع حقيقي بأننا نتعامل مع كائنات ذات دماغ مختلف عن دماغنا. هذا يُلقي نظرةً على هويةٍ بنيويةٍ بين الوعي الزائف والوعي الفصامي. قد يبدو هذا التعريف للوعي الزائف كفكرٍ لا ديالكتيكي تعسفيًا. لنُلاحظ، لمصلحة القراء المُحتملين المُهتمين بالوفاء للنصوص الكلاسيكية، أن التعريف الماركسي للأيديولوجيا مُلهمٌ بشكلٍ وثيقٍ إلى حدٍّ ما، شريطة أن نُعتبر الرؤية التاريخية بُعدًا هامًا في أي جدلية. لكن هذه ليست النقطة الجوهرية في المسألة. جميع العلوم تعمل بمساعدة مُسلَّماتٍ تعسفيةٍ إلى حدٍّ ما، وغالبًا ما تتزامن مع أنظمةٍ بديهيةٍ غير متوافقة. القيمة الأداتيَّه للأنظمة البديهية وحدها هي التي تُتيح لنا قياس قيمتها بأثرٍ رجعي. وسواءً أكان تعريفنا 'الديالكتيكي' للوعي الزائف تعسفيًا أم لا، فقد مكّن من تطوير توليفةٍ واسعةٍ تشمل – ولأول مرةٍ على حدِّ علمنا – قطاعًا من الاغتراب السريري. وبقدر ما يُثبت هذا التوليف تماسكه وفائدته، فإنه يُبرِّر بأثرٍ رجعيٍّ التعريف الذي كان بمثابة نقطة انطلاقه. ليس هناك ما يمنعنا من معارضة المفهوم 'الإيلي' للتعريف 'الجدلي' للوعي الزائف. لقد كشف كتاب آخرون، أكثر تألقاً من كتابنا، عن الصعوبات التي تكتنف نظرية فيلفريدو باريتو حول تداول النخب. ولكن إذا أثبتت هذه النظرية قدرتها على تفسير بعض جوانب الوهم السياسي ـ ونحن نفكر هنا في المكون الطوباوي لبعض البرامج ـ فليس لدينا سبب لرفض هذه المساعدة، حتى ولو كان ذلك يعني الترحيب لاحقاً، دون ندم، بالمفهوم الجدلي لمشاكل مختلفة. الحقيقة لا تتعايش مع الخطأ أبدًا؛ يمكن لنظامين بديهيين مختلفين أن يتعايشا ويتشاركا المهام؛ هناك رياضيات تستخدم هندسة إقليدس وهندسة ريمان بالتناوب. إن المنظورية في العلوم الإنسانية لا تنفصل عن الوضع الديمقراطي للفكر، في حين أن الاستبداد يميل إلى 'إطلاق' منظور الفرد واعتبار الآخرين غير شرعيين. ', ومن بين البنيات المضادة للجدلية التي تترك بصماتها على الوعي الزائف، لا بد من الإشارة بشكل خاص إلى التعريف. وتغطي مشكلة تحديد الهوية وإساءة استخدامها مساحة ضخمة. ويتعلق الأمر بتخصصات متنوعة مثل نظرية المعرفة (راجع أعمال إميل مايرسون)، وعلم نفس الطفل، وعلم الأمراض النفسية، والتحليل النفسي، وعلم اجتماع المعرفة والأيديولوجيا، وحتى، إلى حد ما، فلسفة القانون. إن تجميع هذه الجوانب المختلفة يتطلب كتابًا. في المسائل العلمية، يعتبر التعريف تقنية مشروعة تم تسليط الضوء على أهميتها وتدوين استخدامها في الأعمال الكلاسيكية لإميل مايرسون (الهوية والواقع). إن إساءة استخدامها في الأمور السياسية هي نتيجة حتمية للهيكلة الأنانية للفكر. إن النظام الذي يحتل مكانة متميزة في أذهان أنصاره (أي أنه لا يستطيع بحكم التعريف الدخول في علاقة عكسية) يفرض تصوراً مانوياً يرى التاريخ ببساطة باعتباره صداماً بين معسكرين متجانسين. وتميل الدعاية، من جانبها، إلى تعزيز هذا الاتجاه بهدف الاقتصاد في الفكر. ومن هنا ازدهار هذه المفاهيم الأنانية في الأيديولوجيات الشمولية، والتي تترجم على المستوى المنطقي الفرضية اللاواعية حول الوحدة الأساسية للمعسكر المعارض (البلشفية اليهودية). لقد رأى لابرويير بوضوح هذه العلاقة السببية بين الأنانية وشيوع مبدأ التعريف. في أحد فصول كتاب الشخصيات نجد هذه الفقرة المذهلة: 'الأمراء، دون أي علم أو قاعدة أخرى، لديهم ذوق للمقارنة: إنهم يولدون وينشؤون في وسط أفضل الأشياء، وكأنها في مركزها، والتي يربطون بها ما يقرؤون، وما يرون، وما يسمعون'. إن ريموند آرون، الذي لا يحب كلمة 'جدلية' ولكن تحليلاته تشكل في كثير من الأحيان نماذج للنقد الأيديولوجي الجدلي، قد ندد في كثير من الأحيان في كتاباته بتقنية تحديد السلسلة، والتي يعزو أصلها إلى الموقع المتميز للحزب في الكون الذهني الشيوعي، أي باختصار إلى العامل الأناني. وسوف نظهر في سياق هذا العمل أن هذه الظاهرة هي في الأساس جانب جزئي من الانتشار العام للهياكل اللاديالكتيكية – غلبة المكان على الزمن هي جانب آخر – في عالم الاغتراب. خصص الماركسي المجري بيلا فوجارناسي فصلاً من كتابه 'الماركسية هي المنطق' لمشكلة التعريف الزائف في السياسة؛ وأمثلته مستمدة من ما يسمى بالأيديولوجيات 'اليمينية'؛ لقد أخذنا فكرتها المركزية لاستخدامها في نقد أيديولوجية اليسار المتطرف. وفي نهاية المطاف فإن مجال الاغتراب الفردي ليس غافلاً عن هذه الظاهرة. يمكننا أن نقتصر على ذكر مثال سهل للغاية – ومع ذلك صحيح – للفتيشية الجنسية: إن استبدال شيء ما بمجموع شريك الحب هو تحديد زائف حقيقي تمامًا. من ناحية أخرى، سيكون هناك نقاش مطول لاحقًا حول البحث المثير للاهتمام الذي أجراه سيلفانو أرييتي من نيويورك، والذي أظهر في دراسته لما يسميه 'الاركيولوجيا القديمة' للمصابين بالفصام، أن هؤلاء المرضى النفسيين لديهم أيضًا 'تحديد سهل'. نحن إذن أمام بنية أساسية ـ قاسم مشترك حقيقي ـ لمختلف جوانب الاغتراب، التي يشكل استمرارها على المستوى الفردي والجماعي أحد أسس ما نسميه البنية الانفصامية للوعي الزائف. السؤال الذي يطرح نفسه هو: بعد مرور ثلاثة عشر عامًا على نهاية الستالينية، هل لا يزال لهذا المفهوم للوعي الزائف أي قيمة تفسيرية في السياسة؟ هذا ليس سؤالا بلاغيا. لقد تم الإشارة إلى نهاية العصر الأيديولوجي مراراً وتكراراً في الآونة الأخيرة؛ بالنسبة للماركسيين، الوعي الزائف لا ينفصل عن الأيديولوجية. علاوة على ذلك، فإن موقف المشكلة نفسه ليس خاليا تماما من الغموض. في الواقع، يشير مصطلح الأيديولوجية إما إلى الجهاز العقائدي بأكمله لحزب ما، أو إلى التعبير الأيديولوجي عن رؤية تاريخية متدهورة. في الحالة الأولى، سيكون تراجع الأيديولوجيات ظاهرة من ظواهر الانحطاط الثقافي؛ أما في الحالة الثانية، فعلى العكس من ذلك، فإنها ستعلن عن قدوم عصر الوضوح. يمكن أن تتعايش هاتان العمليتان، بل وتتداخلان؛ أما الثاني فهو وحده مرادف لتراجع الوعي الزائف. ويحدث أيضًا – ويعرف الأطباء النفسيون هذه الظاهرة جيدًا – أن فقر المظاهر الفكرية يخفي وراءه استمرارًا لقاعدة من الإدراك غير الواقعي. بعض أشكال الوعي الزائف، مثل الستالينية، تحيط نفسها بدرع أيديولوجي سميك. والبعض الآخر، مثل أصحاب التوجه العرقي الأميركي، متمردون على أي أيديولوجية. وبالتالي فإن تراجع نفوذ الأيديولوجيات لا يشكل تقدماً في حد ذاته. ولا يمكن أن نصل إلى معلومات صحيحة بشأن هذه المشكلة إلا من خلال دراسة كل حالة على حدة على مختلف القطاعات المعنية. في مقدمة العمل، يكون هذا الفحص بالضرورة ملخصًا. ومن المؤكد أننا نشهد عملية حقيقية لإزالة الاغتراب في القطاع الروسي من العالم الشيوعي. في عمل حظي بتعليقات واسعة النطاق في فرنسا حوالي عام 1954، يشرح السيد إسحاق دويتشر هذه العملية من خلال التأثيرات المسببة للاغتراب للتقدم التقني الذي أدى، من خلال ضمان سيطرة جديدة للإنسان على الطبيعة، إلى دفع السحر البدائي إلى الوراء، وهو إرث من الستالينية. إن هذا التفسير الذي قدمه دويتشر لا يجذبنا إلا إلى حد ما. إن مثال ألمانيا في عهد هتلر يثبت أن التكنولوجيا الأكثر تقدماً يمكن أن تتعايش مع تراجع عميق في الوعي. لا يمكن اعتبار التقدم التقني في حد ذاته عاملاً من عوامل إزالة الاغتراب. وربما لعبت الآلية التي وصفها السيد دويتشر دوراً ثانوياً؛ إن السبب الاجتماعي الحقيقي وراء هذا الذوبان الأيديولوجي يجب أن نبحث عنه في مكان آخر. ربما يكون هذا السبب هو ظهور الاشتراكية متعددة المراكز التي، من خلال كسر المخطط المانويّ للعالم الخاص بالشيوعية، جعلت في الوقت نفسه الأساس الوجودي للأنانية الجماعية يختفي، والتي تشكل 'معادلاتها' العامل الأساسي لهندسة (انفصام) الوعي. وفي الوقت نفسه، استعادت نظرية الاغتراب، التي حظرها ستالين بشدة، بعض المصداقية في المعسكر الماركسي، كما يتضح من كتابات ج. نادور في المجر، وآدم شاف في بولندا، وأخيراً روجيه جارودي في فرنسا. وفي الوقت الذي تعالج فيه الماركسية الحكومية نفسها جزئياً من حالة عميقة من الاغتراب والوعي الزائف، فإنها تعيد اكتشاف الأهمية النظرية لمشكلة الاغتراب. لقد شهدنا في الولايات المتحدة مؤخراً ظهور مناخ سياسي بدأ يشبه مناخ ألمانيا في عهد جمهورية فايمار، ولكن من دون البؤس. إن صعود المطابقة، وصعود 'التحديد الخارجي' على حساب 'التحديد الداخلي' للسلوك، وإزالة الصفة الشخصية عن الإنسان الأمريكي، سجين 'التنظيم'، المحاصر في مرمى نيران الدعاية والإعلان، كل هذا يؤدي إلى ظهور اتهامات لا تقل انتقاداً لشكل أمريكي محدد من الاغتراب الاجتماعي. هناك بالفعل رصيد دائم من الوعي الزائف في الولايات المتحدة يتكون في المقام الأول من مقاومة التغيير. إن المكارثية، والغولدووترية الأقرب إلينا، هما في الأساس نتيجة للاستياء المؤقت لهذا الصندوق الدائم لصالح الظروف السياسية. لقد حرصنا أعلاه على تحديد الوعي الزائف بوضوح فيما يتعلق بسلوك الفشل في السياسة: تشكل الستالينية في نفس الوقت 'النوع المثالي' التلقائي للوعي الزائف وفي نفس الوقت الحالة النموذجية للأيديولوجية التي، على حد تعبير ماركس، 'تصبح قوة مادية من خلال الاستيلاء على الجماهير'. ولكن ليست كل أشكال الوعي الزائف أدوات للنجاح، ولم تقدم أي حركة فكرية خدمة أكثر عفوية لخصمها من المكارثية وخلفائها. والشيء نفسه يمكن أن يقال عن المركزية العرقية الجنوبية، وهو وعي زائف نموذجي لإدراكها المتشدد والمُزيل للطابع الشخصي لأعضاء ما يسمى بالأعراق 'الدنيا'، وعدم وعيها بدوافعها الحقيقية، ومانويتها، ورفضها لأي إمكانية للتقدم للمجموعة العرقية 'الدنيا'، وهو رفض متبلور في هويات زائفة حقيقية ['الزنجي يظل زنجيًا دائمًا']. إن المركزية العرقية السوداء تضعنا، حتى قبل مغادرة أمريكا، في وسط أجواء العالم الثالث. لقد كان إنهاء الاستعمار هو الحقيقة العظيمة لإزالة الاغتراب في عصرنا ـ وقد أظهر جاك بيرك ذلك في صفحات مبهرة. لكن كما هو الحال مع كل حركات التحرر في التاريخ، فإنها مهددة بالوعي الزائف، ربما في شكله الطوباوي. إن الفضل الكبير لعمل جان زيجلر: علم اجتماع أفريقيا الجديدة هو أنه طرح هذه المشكلة بوعي شديد. إن زيجلر مطلع على أعمال لوكاش، وهو يدرك أهمية مشكلة الاغتراب. وكان خطأه هو رغبته في تغطية مساحة هائلة في ثلاثمائة وثمانين صفحة، مما اضطره إلى اللجوء إلى أسلوب أخذ العينات التعسفي إلى حد ما. ولا يمكننا أن نفكر هنا في التعامل، ولو بشكل مختصر، مع المشكلة العالمية المتمثلة في الوعي الزائف بالمسيحانية والطوباوية السياسية في العالم الثالث؛ وسنقتصر هنا على الإشارة إلى وجود مشكلة وخطورة هذه المشكلة التي تتطلب المعالجة إما في دراسات أحادية أو في عمل تاريخي عالمي وليس عملاً نظرياً مثل عملنا. إننا سوف نترك جانباً عمداً تحليل بعض الأشكال 'الثانوية' للوعي الزائف، ذات البنية المثيرة للاهتمام، ولكن نطاقها التاريخي محدود، مثل البوجادية الفرنسية، التي شكل حنينها إلى الجمعية العامة مثالاً بارزاً على اللاتاريخية الأيديولوجية، أو حركة جون بيرش في الولايات المتحدة. كما أن استخدام مفهوم الوعي الزائف في البحث التاريخي هامشي أيضًا مقارنة بدراستنا التي ركزت على الأحداث الجارية. ولكن يجب أن نشير إلى بعض المشاكل التي يواجهها الباحثون المتخصصون الذين لا يترددون في استخدام اقتراحات غير المتخصصين في عملهم. وهكذا ــ ولنأخذ مثالاً واحداً فقط ــ فإن الفترة المعروفة باسم 'إعادة الإعمار' في التاريخ الأميركي (التي تلت الحرب الأهلية مباشرة) تميزت من جانب المنتصرين بشكل غريب من الوعي الزائف الذي لا شك أن وجوده هو أحد الأسباب البعيدة للدراما العنصرية الحالية. إن الرغبة في إسناد المسؤوليات الحكومية فورًا إلى أشخاص بالكاد ابتعدوا عن حالة العبودية ــ بغض النظر عن لون بشرتهم ــ هي علامة على شكل خطير من أشكال التفكير غير التاريخي، وقد تم الانتقام من هذا الخطأ منذ ذلك الحين بوحشية. وهناك مجال آخر حيث يمكن لمفهوم الوعي الزائف أن يساعد المؤرخ بشكل مفيد على فهم موضوعه وهو أصل الأنظمة الفاشية. من المؤكد أننا لا ننوي ـ كما يود أي ناقد سهل أن نصدق ـ أن نختزل المشكلة الاجتماعية المتمثلة في الفاشية في مسألة الوعي الزائف. الفاشية ظاهرة معقدة تتعلق بالاقتصاد وعلم الاجتماع والسياسة؛ علاوة على ذلك، فهي تحمل دائمًا علامة الخصوصية التاريخية وحتى العرقية لمكان نشأتها. لا يستطيع أحد أن يدعي جدياً أن الفاشية هي وعي زائف، ولكن هذه الفئة تلعب مع ذلك دوراً أساسياً في البنية الأيديولوجية للأجواء ما قبل الفاشية وفي أيديولوجية الفاشية القائمة. يخصص أحد فصول هذا الكتاب لدراسة الاشتراكية الوطنية باعتبارها أيديولوجية متجسدة؛ تقول صيغتنا ضمناً أننا لا نرفض مسبقاً أي تفسير اقتصادي أو سياسي (على مستوى ما يسميه الأنجلوساكسونيون 'صنع القرار') أو تاريخي. لقد امتنعنا أيضًا عن أي فرضية تتعلق بالأصل. وأخيرًا، دعونا نشير، فيما يتعلق بأصول الفاشية الإيطالية، إلى العمل الرائع لروبرت باريس والذي يشكل، على وجه التحديد في الاستخدام التوضيحي لمفهوم الوعي الزائف، نموذجًا لهذا النوع. وعلى الرغم من التراجع الذي لا يمكن إنكاره للأيديولوجيات، فإن مفهوم الوعي الزائف يبدو أنه يحتفظ ببعض القيمة كفئة تفسيرية للأحداث الجارية. ونحن نشهد أيضاً، على الأقل في فرنسا، النشر المتتالي للأعمال السياسية التي غالباً ما تشكل، تحت عناوين مختلفة، تحليلاً للهياكل غير الواقعية، وغير الجدلية في كثير من الأحيان، أو حتى المنفصلة بوضوح عن التجربة السياسية للمجموعات. نحن لا نفكر هنا في أعمال من نوع 'اغتراب…' التي تتكاثر حاليًا والتي غالبًا ما يلعب فيها مفهوم الاغتراب دور الكليشيه، بل نفكر في أعمال جادة من نوع 'الوهم السياسي' لجاك إيلول ، و'الانسان المحير' لـ ر. موري، دون أن ننسى العمل الرائع 'مداخلات في أمور مختلفة' لجان بولهان. ومرة أخرى، يمنعنا الإطار المحدود لـ'المقدمة' من أن نكون شاملين. لذلك سوف نقتصر – كنوع من الاستنتاج – على وضع عمل ذو نطاق دولي وغير معروف نسبيًا في فرنسا فيما يتعلق بمفهوم الوعي الزائف: إنه عمل ك. مانهايم. وقد وُصف مانهايم بأنه 'ماركسي برجوازي'؛ لقد قبل هذا التأهيل إلى حد ما، لكنه لم ينكره أبدًا. أنا أراه بسهولة أكبر باعتباره ماركسيًا ديمقراطيًا لا يكون 'برجوازيًا' إلا بقدر ما تكون البرجوازية هي الحامل التاريخي للفكرة الديمقراطية. إن الماركسي البرجوازي الحقيقي، الذي يرغب في اتباع البرجوازية في جميع تجسيداتها وفي جميع مغامراتها، بما في ذلك المغامرة الشمولية، هو في رأينا فيلفريدو باريتو. إن عمل مانهايم، الذي ولد في ظل أزمة، يستجيب لحاجة واضحة للغاية: وضع إنجازات الماركسية، وفي المقام الأول إنجازات النقد الأيديولوجي وتقنية كشف الماركسية، في خدمة الديمقراطية، وليس البرجوازية أو الرأسمالية. إن مسألة إمكانية وجود ماركسية ليست برجوازية بل 'ليبرالية' تشكل مسألة حيوية بالنسبة للديمقراطية. إن هذا الانشغال يسيطر بشكل قهري على كتاباته بعد عام 1933 (كتابات الهجرة)، ولكنه موجود مسبقًا بشكل كامن في كل أعماله، بما في ذلك تلك التي كتبها منذ البداية. كان مانهايم يرغب ـ ونحن نعيد صياغة هنا صيغة ماركسية معروفة ـ في 'صنع الأسلحة الإيديولوجية للديمقراطية'. عمله غير معروف إلى حد كبير ويتم التقليل من شأنه بشكل عام في فرنسا. نقتبس منه دون أن نقرأه كثيراً ونتفق ضمناً على اعتباره كمية ضئيلة. والسبب في ذلك هو وجود ترجمات رديئة، إن لم تكن مشوهة، فضلاً عن سوء الفهم المستمر الذي يحافظ عليه المعارضون، والأصدقاء، وفي نهاية المطاف مانهايم نفسه. كان يُنظر إلى مانهايم على أنه عالم اجتماع المعرفة قبل كل شيء؛ لكن دراساته المعرفية الاجتماعية الصارمة قليلة العدد وذات أهمية متوسطة. ومن ناحية أخرى، فإن مساهمته المهمة في مشكلة الأيديولوجية ـ وضمناً مشكلة الوعي الزائف ـ قد طغت عليها تماماً الترجمة غير الكافية لكتاب 'الأيديولوجيا واليوتوبيا'. يُعرّف مانهايم الأيديولوجية بأنها نظام من الأفكار يتخلف عن الواقع؛ إنه، باختصار، تبلور رؤية مناهضة للتاريخ. يقدم عصرنا أمثلة أكثر إضاءة من تلك التي استخدمها مانهايم: الوعي الاستعماري الذي يفسر الواقع الحالي من منظور عصر 'سياسة الزوارق الحربية' أو حتى الانعزالية الأمريكية التي تفترض 'عزلة' الأراضي الأمريكية، التي كانت حقيقية في زمن ماكينلي، وغير موجودة اليوم. في كتابه 'الأيديولوجيا واليوتوبيا'، ينتقل مانهايم إلى تقسيم مزدوج لهذا المفهوم. من ناحية أخرى، يعارض المفهوم الخاص للأيديولوجية، وهو بنية جدلية بحتة ('الأيديولوجية هي الفكر السياسي للآخر'!) بمفهومه العام الذي يعترف بأن كل فكر سياسي يحتوي على عنصر أيديولوجي لأن كل سياسة تعكس وجهة نظر معينة. من ناحية أخرى، يميز مانهايم بين المفهوم الخاص للأيديولوجيا، الذي يفترض تضليلًا واضحًا ومهتمًا، ومفهومها الكلي ، الذي يترجم إعادة هيكلة 'مرتبطة بالوجود' للأسس المفاهيمية والإدراكية للفكر السياسي، والفكر الطوباوي، وفي النهاية، يكون القاسم المشترك بينهما هو حقيقة أنهما تبلوران مختلفان للوعي الزائف. يبدو أن طموح مانهايم هو تحرير مفهوم الأيديولوجية من كل عبودية حزبية و'جدلية' من أجل جعله عنصرًا من إطار السياسة العلمية. ومن الواضح أن صحة مفهوم الوعي الزائف لا تنفصل عن نجاح هذه المحاولة. في عام 1933 غادرت مانهايم ألمانيا؛ ومن الآن فصاعدا ستظهر كتاباته باللغة الإنجليزية. تشكل هذه الكتابات فصلاً مثيراً للاهتمام في تاريخ الأفكار. غادر لوكاش إلى الاتحاد السوفييتي؛ سوف يظل شيوعيًا بالتأكيد، ولكن شيوعيًا 'هامشيًا' مرفوضًا جزئيًا من قبل النظام. أما مانهايم فقد اختار ما سيصبح لاحقا العالم الغربي، وعلى وجه الخصوص العالم الأنجلو ساكسوني الذي شعر تجاهه بالإعجاب التقليدي من جانب الدوائر الليبرالية في المجر في الماضي. ولكن هذا لم يمنعه من تشخيص مبكر للضعف الإيديولوجي للعالم الأنجلوسكسوني، وهو ضعف ناجم عن 'مقاومته للتغيير'. التقليدية البريطانية، والتوافقية الأمريكية، والميل نحو 'الضيق الأفق'. في كتاباته باللغة الإنجليزية، يبدو أنه قد تولى مهمة كبرى: وضع إنجازات الماركسية بشكل عام والديالكتيك بشكل خاص في خدمة الديمقراطية المهددة، والقيام بذلك دون إثارة صدمة جمهوره الجديد بشكل كبير من خلال استخدام المصطلحات ذات الأصل الماركسي. وقد وُصِف مانهايم بأنه 'ماركسي برجوازي' خلال فترة فايمار، وبالتالي أصبح، في أعماله المكتوبة باللغة الإنجليزية، ماركسيًا حقيقيًا جزئيًا. تشكل هذه الأعمال في الواقع درسًا جدليًا حقيقيًا للجمهور الناطق باللغة الإنجليزية، ولكنه درس تظل فيه كلمة 'جدلي' محظورة تمامًا، لتحل محلها مصطلحات غير ضارة: الكمال (= الكلية الجدلية)، والتعليم من أجل التغيير وغيرها من المصطلحات من نفس النوع. تحت عنوان 'الوعي الاجتماعي' غير المؤذي، يقدم لنا مانهايم نظرية جدلية كاملة حول الوعي الزائف، والتي أصبحت مقبولة في المجتمع الراقي من خلال التخلص عمداً من أي مفردات تبدو مشبوهة. ويؤكد مانهايم على هذه النقطة قائلاً: 'الوعي ليس ظاهرة معرفية بحتة'. إنها في الأساس تقنية وظيفية اجتماعية جدلية، أو إذا شئت، نهج شمولي. إن القول بأن 'الزنجي يظل زنجيًا دائمًا' يدل على نقص الوعي لسببين: مقاومة التغيير، وعدم فهم دور المكون الاجتماعي في نشأة الدونية الافتراضية الحالية للعرق الأسود. قد يقول القارئ الألماني إن أيديولوجية الاشتراكية الوطنية كانت، باختصار، افتقارًا إلى 'الوعي' تم دفعه إلى أقصى حد؛ ونحن لا نعتقد أنه ينبغي لنا أن نناقضه في هذه النقطة. يبدو أن الفكرة المركزية لعمل مانهايم الإنجليزي بأكمله هي هذا: تقديم نظرية أولية للاغتراب والجدلية في متناول الجمهور المقاوم للمصطلحات الماركسية، وفكرة التغيير، والتأمل الفلسفي. في هذه الكتابات، يذكرنا مانهايم بطبيب يريد دون قصد فرض علاج مؤلم على مريض عنيد. ولم يتمكن أحد من تحديد دوره بشكل أفضل من المنظر الماركسي في عصر فايمار، ك.-أ. فيتفوجل، الذي صنفه بين 'علماء الاجتماع البرجوازيين الذين ينهبون ترسانة العدو الطبقي '. ومنذ ذلك الحين، فعل فيتفوغل، المؤلف المستقبلي لعمل ضخم عن الاستبداد الشرقي، الشيء نفسه تماماً…' فكيف نتخلص من الوعي الزائف وننظر الى العالم كما هو لكي نتمكن من تغييره نحو الافضل ونحقق عملية الاقلاع المجتمعي والاستقرار السياسي والاسترجاع الحضاري؟ كاتب فلسفي


شبكة النبأ
٢٢-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- شبكة النبأ
مشكلة الوعي الزائف وشروط امكان الوعي الحقيقي
إذا كانت الماركسية قد قدمت المقدمة لموقف نظري بشأن هذه المسألة، فإنها قدمت أيضاً توضيحها غير الطوعي: فلم يكن اغتراب الروح الإنسانية في أي مكان أكثر عمقاً مما كان عليه في الستالينية، ولم يكن أي شكل من أشكال الوعي السياسي أكثر زيفاً من هذا. لكن النظرية التي أصبحت أيديولوجية... الترجمة "إن تاريخ الطبيعة، أو ما نسميه "العلوم الطبيعية"، لا يهمنا هنا؛ ولكن "سيتعين علينا أن نتعامل مع تاريخ البشر، لأن الأيديولوجية بأكملها تقريبًا قد تم تقليصها إما إلى مفهوم خاطئ لهذا التاريخ أو إلى تجريد كامل من هذا التاريخ. " (كارل ماركس: الأعمال الفلسفية، المجلد السادس، ص 153-154). تتعلق مشكلة الوعي الزائف بالتاريخ الألماني الحديث بطريقتين. ومن ناحية أخرى، يعود الفضل في وضع الأسس الفلسفية لهذه المشكلة إلى المنظرين الماركسيين غير التقليديين في ألمانيا في عهد جمهورية فايمار. علاوة على ذلك، فإن العقيدة الاشتراكية الوطنية تمثل بلا شك مثالاً نموذجياً للأيديولوجية بالمعنى الماركسي للمصطلح، أي على وجه التحديد نظام أفكار غريب عن الواقع وحامل لوعي زائف. ومن الواضح أن هذا التفسير للاشتراكية الوطنية باعتبارها وعياً زائفاً له تأثير على مسألة المسؤولية الألمانية التي أثارت الكثير من الجدل، ولكن ليس من شأننا الخوض في تفاصيل هذه المسألة هنا. ومن المؤكد أن النقاد الألمان لكتابنا سوف ينظرون فيه ويناقشونه. إن وضع الماركسية ككل فيما يتصل بمشكلة الوعي الزائف مماثل. إن نظرية الأيديولوجية ونتيجتها، نظرية الوعي الزائف، هي من أصل ماركسي؛ إنها تشكل فصلاً - بالنسبة لنا الفصل الرئيسي - من مجال الاغتراب العظيم. ولكن إذا كانت الماركسية قد قدمت المقدمة لموقف نظري بشأن هذه المسألة، فإنها قدمت أيضاً توضيحها غير الطوعي: فلم يكن اغتراب الروح الإنسانية في أي مكان أكثر عمقاً مما كان عليه في الستالينية، ولم يكن أي شكل من أشكال الوعي السياسي أكثر زيفاً من هذا. لكن النظرية التي أصبحت أيديولوجية سياسية لا تستطيع أن تدين نفسها. وإلى جانب الوعي الزائف، فقد أصبح هذا بمثابة تبلور للطلاق بين الماركسية النظرية والماركسية السياسية؛ نقطة اللاعودة التي قد تتحول عندها الماركسية إلى نظرية مدمرة للذات. إن الماركسية العقائدية كانت متسقة مع نفسها فقط في منع تطور أي نقد أيديولوجي بنيوي بشكل منهجي - وهو نقد لا ينفصل عن صحة مفهوم الوعي الزائف - ليحل محله رفض عالمي وغير متمايز للبنى الفوقية للمعسكر المعارض كما رأينا في روسيا وكما يبدو أنه ينشأ حاليًا في الصين. تنشأ مشكلة أولية لأي نظرية متماسكة للوعي الزائف: كيف نحدد الوعي الأصيل وبالعلاقة معه يمكن تسمية شكل آخر من أشكال الوعي "زائفًا" وما هي الطبقة الاجتماعية التي تشكل مستودعًا للوعي الأصيل. المشكلة فلسفية واجتماعية. تقترح الماركسية الأرثوذكسية حلاً لهذه المشكلة، وهو الحل الذي لا يمنع من التماسك أكثر من التضحية باستقلالية مشكلة الضمير من أجل إنشاء فرع لعلم اجتماع المعرفة. الضمير هو مجموعة من «النظريات غير الملائمة» التي لا يعتبرها القصور بمثابة مكافأة للمصلحة الطبقية. الضمير الأصيل - خلية البروليتاريا - هو مجموعة من "النظريات المناسبة للواقع" التي تم إعدادها من قبل نظريات الأصل التي ليست بروليتارية، فهي بمثابة مصدر للطبقة العاملة الممثلة من قبل الحزب. لينين وكاوتسكي، اللذان كانا يقاتلان معًا، وجدا اتفاقًا لتقدير أن الضمير الطبقي البروليتاري يجب أن يأتي إلى الخارج. إنها تتزامن مع الحد الأقصى من الوقت مع إيديولوجية حزب غير قابل للفشل ومع الانتصارات القيمة في العلوم الاجتماعية. لقد صممنا مصطلح "المفهوم المعرفي الماني" للضمير السياسي هذا التفسير الذي يميل إلى الظهور اليوم كجزء من مؤسسات النقد الإيديولوجي للماركسية الأرثوذكسية. بدلاً من العمل على إثبات بنية الاتصال بين الضمير والوجود، يتم تحملها للتنصل من خطأ الخصم. هذه النظرية تتوافق بشكل خاص مع الماركسية الأرثوذكسية، وهي لا تتسطح أبدًا مع التوجه العلمي والنزعة المانوية: الحقيقة ضد الخطأ، والروح العلمية ضد اللاعقلانية. ومع ذلك، فإن تبني الماركسية يلتزم باستقلالية مشكلة الضمير: يمكن أن يكون شكل من أشكال جائزة الضمير ثمرة «فورية» للحياة الاجتماعية؛ يجب أن يتم تطوير نظرية اجتماعية من قبل المتخصصين. إن المفهوم الذي حاولنا الدفاع عنه في سياق العمل الحالي هو "فكر ضد" هذا التفسير. نحن ننتقد مفهوم "الآلة المعرفية" لقيامه بعقلنة مشكلة الوعي السياسي، متجاهلاً العامل غير العقلاني، الذي يظل دوره واضحاً رغم ذلك. ويمكننا أيضًا أن ننتقدها بسبب السذاجة التي تتعامل بها مع فكرة "عدم الكفاية" (الخطأ) باعتبارها حقيقة لا تقبل الجدل وقادرة على أن تكون نقطة انطلاق، في حين أنها تفترض تحقيقًا منطقيًا ومعرفيًا صعبًا بالكامل. هل يمكن أن نعتبر الستالينية، التي قادت روسيا إلى النصر في أعظم الحروب، خطأً سياسياً حقيقياً؟ لا، بالتأكيد لا. فهل نحن ملزمون إذن بالموافقة على استيعابه للتروتسكية والنازية، وهوسه البارانويدي بالمؤامرة خارج الزمن، ورفضه المزمن للتاريخ، باعتبارها حقيقة علمية؟ هل كان الانتصار العسكري الذي حققته ألمانيا النازية، والذي لم يكن مستحيلاً على الإطلاق، من شأنه أن يحول بأثر رجعي أخطاء العنصرية إلى حقيقة علمية؟ ومن ثم يمكننا أن نرى مدى خطورة ادعاء تبرير مشكلة الوعي الزائف من خلال إقامة مفهوم "الكفاية" كفئة مركزية. إن التعريف التقليدي للحقيقة: ملاءمة الشيء مع الفهم هو إطار فارغ يطالب بمحتوى: يمكن أن يأتي هذا المحتوى إما من أبحاث معرفية صعبة من النوع الذي قام به فيكتور بروشارد في الماضي، أو بسهولة أكبر من سلطة خارجية. إن المفهوم العقلاني للوعي السياسي يؤدي بعد ذلك إلى أيديولوجية استبدادية. كنا نعتقد أننا نستطيع الهروب من هذه التناقضات من خلال تأسيس أبحاثنا الخاصة ليس على معيار الكفاية ولكن على المعيار الجدلي، الخالي من رهن أي حكم قيمي معرفي. وعلى النقيض من أنصار الماركسية العقائدية، فإننا لا نعتبر مصطلح "الديالكتيكي" مرادفًا لـ "الحقيقة العلمية". النهج العلمي هو توليفة من المناهج الديالكتيكية وغير الديالكتيكية. لا شك أن الوعي الديالكتيكي الكامل غير ممكن ولا حتى مرغوب فيه. لم تعد مشكلة الوعي الزائف تقع بين مصطلحات معضلة "الحقيقة والخطأ"، حيث تميل إلى أن تصبح غير شخصية، ولكن بين مصطلحات "التفكير الديالكتيكي" و"التفكير غير الديالكتيكي": فئتها المركزية ليست عدم الكفاية للواقع -لا يمكن تعريف مفهوم "الكفاية للواقع" إلا بطريقة استبدادية- ولكن درجة الوظيفة التاريخية والشمولية (الديالكتيكية) للبيانات السياسية. ومن ثم فإن التصور السياسي المعادي للجدلية وغير التاريخي والمتجسد بشكل عنيد من شأنه أن يشكل الفئة الأساسية للوعي الزائف. نقطة البداية لهذا المفهوم هي دراسة خصصناها في عام 1949 لعلم نفس الشيوعية والتي تمكنا من إعادة نشرها مؤخرًا بفضل المساعدة المتميزة من دار نشر فيشر والسيد بيترو دوميتريو. إن "علم نفس الفكر الشيوعي" هذا ينبغي أن يسمى الآن، بكل إنصاف، "الأسس النفسية والمنطقية للأيديولوجية الستالينية". في الواقع، لقد نجحت الشيوعية في التخلص من عزلتها إلى حد كبير منذ ذلك الحين؛ ربما تظل استنتاجاتنا التي توصلنا إليها في عام 1949 صالحة فيما يتصل بمشكلة الوعي الزائف؛ إنها لا تنطبق إلا جزئيا على الوعي الشيوعي لعام 1967، على الأقل على وعي المنظمات الخاضعة للنفوذ الروسي. لقد انطلقنا من الملاحظة التي مفادها أن الفكر الشيوعي، على الرغم من ادعائه بأنه جدلي، إلا أنه في مناهجه الفعلية يقع على النقيض تمامًا من المنهج الجدلي. إلى جانب النزعة المدرسية في العصور الوسطى، فإن الستالينية هي بلا شك المجموعة العقائدية الأكثر ثباتاً في معاداة الجدلية في تاريخ الأفكار بأكمله. إنها فكرة أنانية وهندسية، تهيمن عليها "التعريف الزائف" وتعتمد على الوعي المتجسد. ربما كانت الأيديولوجية الستالينية تمثل الدرجة القصوى التي يمكن أن يصل إليها الوعي الزائف. في ذلك الوقت، عندما كنا نقرأ الصحافة الشيوعية أو نستمع إلى الخطابات الدبلوماسيين السوفييت، كان لدينا انطباع حقيقي بأننا نتعامل مع كائنات ذات دماغ مختلف عن دماغنا. هذا يُلقي نظرةً على هويةٍ بنيويةٍ بين الوعي الزائف والوعي الفصامي. قد يبدو هذا التعريف للوعي الزائف كفكرٍ لا ديالكتيكي تعسفيًا. لنُلاحظ، لمصلحة القراء المُحتملين المُهتمين بالوفاء للنصوص الكلاسيكية، أن التعريف الماركسي للأيديولوجيا مُلهمٌ بشكلٍ وثيقٍ إلى حدٍّ ما، شريطة أن نُعتبر الرؤية التاريخية بُعدًا هامًا في أي جدلية. لكن هذه ليست النقطة الجوهرية في المسألة. جميع العلوم تعمل بمساعدة مُسلَّماتٍ تعسفيةٍ إلى حدٍّ ما، وغالبًا ما تتزامن مع أنظمةٍ بديهيةٍ غير متوافقة. القيمة الأداتيَّه للأنظمة البديهية وحدها هي التي تُتيح لنا قياس قيمتها بأثرٍ رجعي. وسواءً أكان تعريفنا "الديالكتيكي" للوعي الزائف تعسفيًا أم لا، فقد مكّن من تطوير توليفةٍ واسعةٍ تشمل - ولأول مرةٍ على حدِّ علمنا - قطاعًا من الاغتراب السريري. وبقدر ما يُثبت هذا التوليف تماسكه وفائدته، فإنه يُبرِّر بأثرٍ رجعيٍّ التعريف الذي كان بمثابة نقطة انطلاقه. ليس هناك ما يمنعنا من معارضة المفهوم "الإيلي" للتعريف "الجدلي" للوعي الزائف. لقد كشف كتاب آخرون، أكثر تألقاً من كتابنا، عن الصعوبات التي تكتنف نظرية فيلفريدو باريتو حول تداول النخب. ولكن إذا أثبتت هذه النظرية قدرتها على تفسير بعض جوانب الوهم السياسي ـ ونحن نفكر هنا في المكون الطوباوي لبعض البرامج ـ فليس لدينا سبب لرفض هذه المساعدة، حتى ولو كان ذلك يعني الترحيب لاحقاً، دون ندم، بالمفهوم الجدلي لمشاكل مختلفة. الحقيقة لا تتعايش مع الخطأ أبدًا؛ يمكن لنظامين بديهيين مختلفين أن يتعايشا ويتشاركا المهام؛ هناك رياضيات تستخدم هندسة إقليدس وهندسة ريمان بالتناوب. إن المنظورية في العلوم الإنسانية لا تنفصل عن الوضع الديمقراطي للفكر، في حين أن الاستبداد يميل إلى "إطلاق" منظور الفرد واعتبار الآخرين غير شرعيين. "، ومن بين البنيات المضادة للجدلية التي تترك بصماتها على الوعي الزائف، لا بد من الإشارة بشكل خاص إلى التعريف. وتغطي مشكلة تحديد الهوية وإساءة استخدامها مساحة ضخمة. ويتعلق الأمر بتخصصات متنوعة مثل نظرية المعرفة (راجع أعمال إميل مايرسون)، وعلم نفس الطفل، وعلم الأمراض النفسية، والتحليل النفسي، وعلم اجتماع المعرفة والأيديولوجيا، وحتى، إلى حد ما، فلسفة القانون. إن تجميع هذه الجوانب المختلفة يتطلب كتابًا. في المسائل العلمية، يعتبر التعريف تقنية مشروعة تم تسليط الضوء على أهميتها وتدوين استخدامها في الأعمال الكلاسيكية لإميل مايرسون (الهوية والواقع). إن إساءة استخدامها في الأمور السياسية هي نتيجة حتمية للهيكلة الأنانية للفكر. إن النظام الذي يحتل مكانة متميزة في أذهان أنصاره (أي أنه لا يستطيع بحكم التعريف الدخول في علاقة عكسية) يفرض تصوراً مانوياً يرى التاريخ ببساطة باعتباره صداماً بين معسكرين متجانسين. وتميل الدعاية، من جانبها، إلى تعزيز هذا الاتجاه بهدف الاقتصاد في الفكر. ومن هنا ازدهار هذه المفاهيم الأنانية في الأيديولوجيات الشمولية، والتي تترجم على المستوى المنطقي الفرضية اللاواعية حول الوحدة الأساسية للمعسكر المعارض (البلشفية اليهودية). لقد رأى لابرويير بوضوح هذه العلاقة السببية بين الأنانية وشيوع مبدأ التعريف. في أحد فصول كتاب الشخصيات نجد هذه الفقرة المذهلة: "الأمراء، دون أي علم أو قاعدة أخرى، لديهم ذوق للمقارنة: إنهم يولدون وينشؤون في وسط أفضل الأشياء، وكأنها في مركزها، والتي يربطون بها ما يقرؤون، وما يرون، وما يسمعون". إن ريموند آرون، الذي لا يحب كلمة "جدلية" ولكن تحليلاته تشكل في كثير من الأحيان نماذج للنقد الأيديولوجي الجدلي، قد ندد في كثير من الأحيان في كتاباته بتقنية تحديد السلسلة، والتي يعزو أصلها إلى الموقع المتميز للحزب في الكون الذهني الشيوعي، أي باختصار إلى العامل الأناني. وسوف نظهر في سياق هذا العمل أن هذه الظاهرة هي في الأساس جانب جزئي من الانتشار العام للهياكل اللاديالكتيكية - غلبة المكان على الزمن هي جانب آخر - في عالم الاغتراب. خصص الماركسي المجري بيلا فوجارناسي فصلاً من كتابه "الماركسية هي المنطق" لمشكلة التعريف الزائف في السياسة؛ وأمثلته مستمدة من ما يسمى بالأيديولوجيات "اليمينية"؛ لقد أخذنا فكرتها المركزية لاستخدامها في نقد أيديولوجية اليسار المتطرف. وفي نهاية المطاف فإن مجال الاغتراب الفردي ليس غافلاً عن هذه الظاهرة. يمكننا أن نقتصر على ذكر مثال سهل للغاية - ومع ذلك صحيح - للفتيشية الجنسية: إن استبدال شيء ما بمجموع شريك الحب هو تحديد زائف حقيقي تمامًا. من ناحية أخرى، سيكون هناك نقاش مطول لاحقًا حول البحث المثير للاهتمام الذي أجراه سيلفانو أرييتي من نيويورك، والذي أظهر في دراسته لما يسميه "الاركيولوجيا القديمة" للمصابين بالفصام، أن هؤلاء المرضى النفسيين لديهم أيضًا "تحديد سهل". نحن إذن أمام بنية أساسية ـ قاسم مشترك حقيقي ـ لمختلف جوانب الاغتراب، التي يشكل استمرارها على المستوى الفردي والجماعي أحد أسس ما نسميه البنية الانفصامية للوعي الزائف. السؤال الذي يطرح نفسه هو: بعد مرور ثلاثة عشر عامًا على نهاية الستالينية، هل لا يزال لهذا المفهوم للوعي الزائف أي قيمة تفسيرية في السياسة؟ هذا ليس سؤالا بلاغيا. لقد تم الإشارة إلى نهاية العصر الأيديولوجي مراراً وتكراراً في الآونة الأخيرة؛ بالنسبة للماركسيين، الوعي الزائف لا ينفصل عن الأيديولوجية. علاوة على ذلك، فإن موقف المشكلة نفسه ليس خاليا تماما من الغموض. في الواقع، يشير مصطلح الأيديولوجية إما إلى الجهاز العقائدي بأكمله لحزب ما، أو إلى التعبير الأيديولوجي عن رؤية تاريخية متدهورة. في الحالة الأولى، سيكون تراجع الأيديولوجيات ظاهرة من ظواهر الانحطاط الثقافي؛ أما في الحالة الثانية، فعلى العكس من ذلك، فإنها ستعلن عن قدوم عصر الوضوح. يمكن أن تتعايش هاتان العمليتان، بل وتتداخلان؛ أما الثاني فهو وحده مرادف لتراجع الوعي الزائف. ويحدث أيضًا - ويعرف الأطباء النفسيون هذه الظاهرة جيدًا - أن فقر المظاهر الفكرية يخفي وراءه استمرارًا لقاعدة من الإدراك غير الواقعي. بعض أشكال الوعي الزائف، مثل الستالينية، تحيط نفسها بدرع أيديولوجي سميك. والبعض الآخر، مثل أصحاب التوجه العرقي الأميركي، متمردون على أي أيديولوجية. وبالتالي فإن تراجع نفوذ الأيديولوجيات لا يشكل تقدماً في حد ذاته. ولا يمكن أن نصل إلى معلومات صحيحة بشأن هذه المشكلة إلا من خلال دراسة كل حالة على حدة على مختلف القطاعات المعنية. في مقدمة العمل، يكون هذا الفحص بالضرورة ملخصًا. ومن المؤكد أننا نشهد عملية حقيقية لإزالة الاغتراب في القطاع الروسي من العالم الشيوعي. في عمل حظي بتعليقات واسعة النطاق في فرنسا حوالي عام 1954، يشرح السيد إسحاق دويتشر هذه العملية من خلال التأثيرات المسببة للاغتراب للتقدم التقني الذي أدى، من خلال ضمان سيطرة جديدة للإنسان على الطبيعة، إلى دفع السحر البدائي إلى الوراء، وهو إرث من الستالينية. إن هذا التفسير الذي قدمه دويتشر لا يجذبنا إلا إلى حد ما. إن مثال ألمانيا في عهد هتلر يثبت أن التكنولوجيا الأكثر تقدماً يمكن أن تتعايش مع تراجع عميق في الوعي. لا يمكن اعتبار التقدم التقني في حد ذاته عاملاً من عوامل إزالة الاغتراب. وربما لعبت الآلية التي وصفها السيد دويتشر دوراً ثانوياً؛ إن السبب الاجتماعي الحقيقي وراء هذا الذوبان الأيديولوجي يجب أن نبحث عنه في مكان آخر. ربما يكون هذا السبب هو ظهور الاشتراكية متعددة المراكز التي، من خلال كسر المخطط المانويّ للعالم الخاص بالشيوعية، جعلت في الوقت نفسه الأساس الوجودي للأنانية الجماعية يختفي، والتي تشكل "معادلاتها" العامل الأساسي لهندسة (انفصام) الوعي. وفي الوقت نفسه، استعادت نظرية الاغتراب، التي حظرها ستالين بشدة، بعض المصداقية في المعسكر الماركسي، كما يتضح من كتابات ج. نادور في المجر، وآدم شاف في بولندا، وأخيراً روجيه جارودي في فرنسا. وفي الوقت الذي تعالج فيه الماركسية الحكومية نفسها جزئياً من حالة عميقة من الاغتراب والوعي الزائف، فإنها تعيد اكتشاف الأهمية النظرية لمشكلة الاغتراب. لقد شهدنا في الولايات المتحدة مؤخراً ظهور مناخ سياسي بدأ يشبه مناخ ألمانيا في عهد جمهورية فايمار، ولكن من دون البؤس. إن صعود المطابقة، وصعود "التحديد الخارجي" على حساب "التحديد الداخلي" للسلوك، وإزالة الصفة الشخصية عن الإنسان الأمريكي، سجين "التنظيم"، المحاصر في مرمى نيران الدعاية والإعلان، كل هذا يؤدي إلى ظهور اتهامات لا تقل انتقاداً لشكل أمريكي محدد من الاغتراب الاجتماعي. هناك بالفعل رصيد دائم من الوعي الزائف في الولايات المتحدة يتكون في المقام الأول من مقاومة التغيير. إن المكارثية، والغولدووترية الأقرب إلينا، هما في الأساس نتيجة للاستياء المؤقت لهذا الصندوق الدائم لصالح الظروف السياسية. لقد حرصنا أعلاه على تحديد الوعي الزائف بوضوح فيما يتعلق بسلوك الفشل في السياسة: تشكل الستالينية في نفس الوقت "النوع المثالي" التلقائي للوعي الزائف وفي نفس الوقت الحالة النموذجية للأيديولوجية التي، على حد تعبير ماركس، "تصبح قوة مادية من خلال الاستيلاء على الجماهير". ولكن ليست كل أشكال الوعي الزائف أدوات للنجاح، ولم تقدم أي حركة فكرية خدمة أكثر عفوية لخصمها من المكارثية وخلفائها. والشيء نفسه يمكن أن يقال عن المركزية العرقية الجنوبية، وهو وعي زائف نموذجي لإدراكها المتشدد والمُزيل للطابع الشخصي لأعضاء ما يسمى بالأعراق "الدنيا"، وعدم وعيها بدوافعها الحقيقية، ومانويتها، ورفضها لأي إمكانية للتقدم للمجموعة العرقية "الدنيا"، وهو رفض متبلور في هويات زائفة حقيقية ["الزنجي يظل زنجيًا دائمًا"]. إن المركزية العرقية السوداء تضعنا، حتى قبل مغادرة أمريكا، في وسط أجواء العالم الثالث. لقد كان إنهاء الاستعمار هو الحقيقة العظيمة لإزالة الاغتراب في عصرنا ـ وقد أظهر جاك بيرك ذلك في صفحات مبهرة. لكن كما هو الحال مع كل حركات التحرر في التاريخ، فإنها مهددة بالوعي الزائف، ربما في شكله الطوباوي. إن الفضل الكبير لعمل جان زيجلر: علم اجتماع أفريقيا الجديدة هو أنه طرح هذه المشكلة بوعي شديد. إن زيجلر مطلع على أعمال لوكاش، وهو يدرك أهمية مشكلة الاغتراب. وكان خطأه هو رغبته في تغطية مساحة هائلة في ثلاثمائة وثمانين صفحة، مما اضطره إلى اللجوء إلى أسلوب أخذ العينات التعسفي إلى حد ما. ولا يمكننا أن نفكر هنا في التعامل، ولو بشكل مختصر، مع المشكلة العالمية المتمثلة في الوعي الزائف بالمسيحانية والطوباوية السياسية في العالم الثالث؛ وسنقتصر هنا على الإشارة إلى وجود مشكلة وخطورة هذه المشكلة التي تتطلب المعالجة إما في دراسات أحادية أو في عمل تاريخي عالمي وليس عملاً نظرياً مثل عملنا. إننا سوف نترك جانباً عمداً تحليل بعض الأشكال "الثانوية" للوعي الزائف، ذات البنية المثيرة للاهتمام، ولكن نطاقها التاريخي محدود، مثل البوجادية الفرنسية، التي شكل حنينها إلى الجمعية العامة مثالاً بارزاً على اللاتاريخية الأيديولوجية، أو حركة جون بيرش في الولايات المتحدة. كما أن استخدام مفهوم الوعي الزائف في البحث التاريخي هامشي أيضًا مقارنة بدراستنا التي ركزت على الأحداث الجارية. ولكن يجب أن نشير إلى بعض المشاكل التي يواجهها الباحثون المتخصصون الذين لا يترددون في استخدام اقتراحات غير المتخصصين في عملهم. وهكذا ــ ولنأخذ مثالاً واحداً فقط ــ فإن الفترة المعروفة باسم "إعادة الإعمار" في التاريخ الأميركي (التي تلت الحرب الأهلية مباشرة) تميزت من جانب المنتصرين بشكل غريب من الوعي الزائف الذي لا شك أن وجوده هو أحد الأسباب البعيدة للدراما العنصرية الحالية. إن الرغبة في إسناد المسؤوليات الحكومية فورًا إلى أشخاص بالكاد ابتعدوا عن حالة العبودية ــ بغض النظر عن لون بشرتهم ــ هي علامة على شكل خطير من أشكال التفكير غير التاريخي، وقد تم الانتقام من هذا الخطأ منذ ذلك الحين بوحشية. وهناك مجال آخر حيث يمكن لمفهوم الوعي الزائف أن يساعد المؤرخ بشكل مفيد على فهم موضوعه وهو أصل الأنظمة الفاشية. من المؤكد أننا لا ننوي ـ كما يود أي ناقد سهل أن نصدق ـ أن نختزل المشكلة الاجتماعية المتمثلة في الفاشية في مسألة الوعي الزائف. الفاشية ظاهرة معقدة تتعلق بالاقتصاد وعلم الاجتماع والسياسة؛ علاوة على ذلك، فهي تحمل دائمًا علامة الخصوصية التاريخية وحتى العرقية لمكان نشأتها. لا يستطيع أحد أن يدعي جدياً أن الفاشية هي وعي زائف، ولكن هذه الفئة تلعب مع ذلك دوراً أساسياً في البنية الأيديولوجية للأجواء ما قبل الفاشية وفي أيديولوجية الفاشية القائمة. يخصص أحد فصول هذا الكتاب لدراسة الاشتراكية الوطنية باعتبارها أيديولوجية متجسدة؛ تقول صيغتنا ضمناً أننا لا نرفض مسبقاً أي تفسير اقتصادي أو سياسي (على مستوى ما يسميه الأنجلوساكسونيون "صنع القرار") أو تاريخي. لقد امتنعنا أيضًا عن أي فرضية تتعلق بالأصل. وأخيرًا، دعونا نشير، فيما يتعلق بأصول الفاشية الإيطالية، إلى العمل الرائع لروبرت باريس والذي يشكل، على وجه التحديد في الاستخدام التوضيحي لمفهوم الوعي الزائف، نموذجًا لهذا النوع. وعلى الرغم من التراجع الذي لا يمكن إنكاره للأيديولوجيات، فإن مفهوم الوعي الزائف يبدو أنه يحتفظ ببعض القيمة كفئة تفسيرية للأحداث الجارية. ونحن نشهد أيضاً، على الأقل في فرنسا، النشر المتتالي للأعمال السياسية التي غالباً ما تشكل، تحت عناوين مختلفة، تحليلاً للهياكل غير الواقعية، وغير الجدلية في كثير من الأحيان، أو حتى المنفصلة بوضوح عن التجربة السياسية للمجموعات. نحن لا نفكر هنا في أعمال من نوع "اغتراب..." التي تتكاثر حاليًا والتي غالبًا ما يلعب فيها مفهوم الاغتراب دور الكليشيه، بل نفكر في أعمال جادة من نوع "الوهم السياسي" لجاك إيلول، و"الانسان المحير" لـ ر. موري، دون أن ننسى العمل الرائع "مداخلات في أمور مختلفة" لجان بولهان. ومرة أخرى، يمنعنا الإطار المحدود لـ"المقدمة" من أن نكون شاملين. لذلك سوف نقتصر - كنوع من الاستنتاج - على وضع عمل ذو نطاق دولي وغير معروف نسبيًا في فرنسا فيما يتعلق بمفهوم الوعي الزائف: إنه عمل ك. مانهايم. وقد وُصف مانهايم بأنه "ماركسي برجوازي"؛ لقد قبل هذا التأهيل إلى حد ما، لكنه لم ينكره أبدًا. أنا أراه بسهولة أكبر باعتباره ماركسيًا ديمقراطيًا لا يكون "برجوازيًا" إلا بقدر ما تكون البرجوازية هي الحامل التاريخي للفكرة الديمقراطية. إن الماركسي البرجوازي الحقيقي، الذي يرغب في اتباع البرجوازية في جميع تجسيداتها وفي جميع مغامراتها، بما في ذلك المغامرة الشمولية، هو في رأينا فيلفريدو باريتو. إن عمل مانهايم، الذي ولد في ظل أزمة، يستجيب لحاجة واضحة للغاية: وضع إنجازات الماركسية، وفي المقام الأول إنجازات النقد الأيديولوجي وتقنية كشف الماركسية، في خدمة الديمقراطية، وليس البرجوازية أو الرأسمالية. إن مسألة إمكانية وجود ماركسية ليست برجوازية بل "ليبرالية" تشكل مسألة حيوية بالنسبة للديمقراطية. إن هذا الانشغال يسيطر بشكل قهري على كتاباته بعد عام 1933 (كتابات الهجرة)، ولكنه موجود مسبقًا بشكل كامن في كل أعماله، بما في ذلك تلك التي كتبها منذ البداية. كان مانهايم يرغب ـ ونحن نعيد صياغة هنا صيغة ماركسية معروفة ـ في "صنع الأسلحة الإيديولوجية للديمقراطية". عمله غير معروف إلى حد كبير ويتم التقليل من شأنه بشكل عام في فرنسا. نقتبس منه دون أن نقرأه كثيراً ونتفق ضمناً على اعتباره كمية ضئيلة. والسبب في ذلك هو وجود ترجمات رديئة، إن لم تكن مشوهة، فضلاً عن سوء الفهم المستمر الذي يحافظ عليه المعارضون، والأصدقاء، وفي نهاية المطاف مانهايم نفسه. كان يُنظر إلى مانهايم على أنه عالم اجتماع المعرفة قبل كل شيء؛ لكن دراساته المعرفية الاجتماعية الصارمة قليلة العدد وذات أهمية متوسطة. ومن ناحية أخرى، فإن مساهمته المهمة في مشكلة الأيديولوجية ـ وضمناً مشكلة الوعي الزائف ـ قد طغت عليها تماماً الترجمة غير الكافية لكتاب "الأيديولوجيا واليوتوبيا". يُعرّف مانهايم الأيديولوجية بأنها نظام من الأفكار يتخلف عن الواقع؛ إنه، باختصار، تبلور رؤية مناهضة للتاريخ. يقدم عصرنا أمثلة أكثر إضاءة من تلك التي استخدمها مانهايم: الوعي الاستعماري الذي يفسر الواقع الحالي من منظور عصر "سياسة الزوارق الحربية" أو حتى الانعزالية الأمريكية التي تفترض "عزلة" الأراضي الأمريكية، التي كانت حقيقية في زمن ماكينلي، وغير موجودة اليوم. في كتابه "الأيديولوجيا واليوتوبيا"، ينتقل مانهايم إلى تقسيم مزدوج لهذا المفهوم. من ناحية أخرى، يعارض المفهوم الخاص للأيديولوجية، وهو بنية جدلية بحتة ("الأيديولوجية هي الفكر السياسي للآخر"!) بمفهومه العام الذي يعترف بأن كل فكر سياسي يحتوي على عنصر أيديولوجي لأن كل سياسة تعكس وجهة نظر معينة. من ناحية أخرى، يميز مانهايم بين المفهوم الخاص للأيديولوجيا، الذي يفترض تضليلًا واضحًا ومهتمًا، ومفهومها الكلي، الذي يترجم إعادة هيكلة "مرتبطة بالوجود" للأسس المفاهيمية والإدراكية للفكر السياسي، والفكر الطوباوي، وفي النهاية، يكون القاسم المشترك بينهما هو حقيقة أنهما تبلوران مختلفان للوعي الزائف. يبدو أن طموح مانهايم هو تحرير مفهوم الأيديولوجية من كل عبودية حزبية و"جدلية" من أجل جعله عنصرًا من إطار السياسة العلمية. ومن الواضح أن صحة مفهوم الوعي الزائف لا تنفصل عن نجاح هذه المحاولة. في عام 1933 غادرت مانهايم ألمانيا؛ ومن الآن فصاعدا ستظهر كتاباته باللغة الإنجليزية. تشكل هذه الكتابات فصلاً مثيراً للاهتمام في تاريخ الأفكار. غادر لوكاش إلى الاتحاد السوفييتي؛ سوف يظل شيوعيًا بالتأكيد، ولكن شيوعيًا "هامشيًا" مرفوضًا جزئيًا من قبل النظام. أما مانهايم فقد اختار ما سيصبح لاحقا العالم الغربي، وعلى وجه الخصوص العالم الأنجلو ساكسوني الذي شعر تجاهه بالإعجاب التقليدي من جانب الدوائر الليبرالية في المجر في الماضي. ولكن هذا لم يمنعه من تشخيص مبكر للضعف الإيديولوجي للعالم الأنجلوسكسوني، وهو ضعف ناجم عن "مقاومته للتغيير". التقليدية البريطانية، والتوافقية الأمريكية، والميل نحو "الضيق الأفق". في كتاباته باللغة الإنجليزية، يبدو أنه قد تولى مهمة كبرى: وضع إنجازات الماركسية بشكل عام والديالكتيك بشكل خاص في خدمة الديمقراطية المهددة، والقيام بذلك دون إثارة صدمة جمهوره الجديد بشكل كبير من خلال استخدام المصطلحات ذات الأصل الماركسي. وقد وُصِف مانهايم بأنه "ماركسي برجوازي" خلال فترة فايمار، وبالتالي أصبح، في أعماله المكتوبة باللغة الإنجليزية، ماركسيًا حقيقيًا جزئيًا. تشكل هذه الأعمال في الواقع درسًا جدليًا حقيقيًا للجمهور الناطق باللغة الإنجليزية، ولكنه درس تظل فيه كلمة "جدلي" محظورة تمامًا، لتحل محلها مصطلحات غير ضارة: الكمال (= الكلية الجدلية)، والتعليم من أجل التغيير وغيرها من المصطلحات من نفس النوع. تحت عنوان "الوعي الاجتماعي" غير المؤذي، يقدم لنا مانهايم نظرية جدلية كاملة حول الوعي الزائف، والتي أصبحت مقبولة في المجتمع الراقي من خلال التخلص عمداً من أي مفردات تبدو مشبوهة. ويؤكد مانهايم على هذه النقطة قائلاً: "الوعي ليس ظاهرة معرفية بحتة". إنها في الأساس تقنية وظيفية اجتماعية جدلية، أو إذا شئت، نهج شمولي. إن القول بأن "الزنجي يظل زنجيًا دائمًا" يدل على نقص الوعي لسببين: مقاومة التغيير، وعدم فهم دور المكون الاجتماعي في نشأة الدونية الافتراضية الحالية للعرق الأسود. قد يقول القارئ الألماني إن أيديولوجية الاشتراكية الوطنية كانت، باختصار، افتقارًا إلى "الوعي" تم دفعه إلى أقصى حد؛ ونحن لا نعتقد أنه ينبغي لنا أن نناقضه في هذه النقطة. يبدو أن الفكرة المركزية لعمل مانهايم الإنجليزي بأكمله هي هذا: تقديم نظرية أولية للاغتراب والجدلية في متناول الجمهور المقاوم للمصطلحات الماركسية، وفكرة التغيير، والتأمل الفلسفي. في هذه الكتابات، يذكرنا مانهايم بطبيب يريد دون قصد فرض علاج مؤلم على مريض عنيد. ولم يتمكن أحد من تحديد دوره بشكل أفضل من المنظر الماركسي في عصر فايمار، ك.-أ. فيتفوجل، الذي صنفه بين "علماء الاجتماع البرجوازيين الذين ينهبون ترسانة العدو الطبقي ". ومنذ ذلك الحين، فعل فيتفوغل، المؤلف المستقبلي لعمل ضخم عن الاستبداد الشرقي، الشيء نفسه تماماً..." فكيف نتخلص من الوعي الزائف وننظر الى العالم كما هو لكي نتمكن من تغييره نحو الافضل ونحقق عملية الاقلاع المجتمعي والاستقرار السياسي والاسترجاع الحضاري؟